افضل مواضيع جميلة بالصور

براءة الرحم

الاعتماد على قول الاطباء في معرفة براءة الرحم

من نوازل هذا العصر : ( تطور طرق معرفة براءة الرحم ) ،و المقصود بمعرفة براءة الرحم: وجود علامة خلو المراة من الحبل ، والاصل في معرفة براءة الرحم قوله صلى الله عليه وسلم في سبايا اوطاس: ” لا توطا حامل حتى تضع, ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة ” (رواه احمد )

وتتطلب بعض الابواب والمسائل الفقهية الكشف عن وجود الحمل او عدمه، حيث ينبني الحكم فيها على ذلك، قال ابن قدامة رحمه الله : ” ثبتت للحامل احكام تخالف بها الحائل: من النفقة, والفطر في الصيام, وترك اقامة الحد عليها, وتاخير القصاص عنها, وغير ذلك مما يطول ذكره ” [المغني (8/61) ].

وقد ذكر الفقهاء – رحمهم الله تعالى – طريقين لمعرفة براءة الرحم:

الاول: الحيض : فلا خلاف بين الفقهاء -رحمهم الله- ان الحيض علامة يعتد بها في معرفة براءة الرحم، وقد دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ” لا توطا حامل حتى تضع, ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة “، فدل الحديث على ان غير الحامل اذا حاضت علمت براءة رحمها.

الثاني : قول اهل الخبرة : فيتفق الفقهاء رحمهم الله – من حيث الجملة – على الاعتماد في معرفة براءة الرحم على قول اهل الخبرة ، ولكن الاعتماد على قول اهل الخبرة في معرفة براءة الرحم انما كان في الحدود التي يمكن معها ان يكون قولهم ذو مصداقية من خلال الامكانات المتاحة في عصرهم، ولا شك ان هذه الامكانات تختلف من زمان لاخر، وهذا مما يؤثر في قوة الاعتماد على قول اهل الخبرة، ومما لا شك فيه ان هذا العصر قد شهد من التطور في المجال الطبي ما لم يشهد مثله قبل ذلك، مما يورث الثقة في قول اهل الخبرة في معرفة براءة الرحم.

وهناك طريقان رئيسان عند الاطباء في عصرنا لمعرفة براءة الرحم:

وبيان هذين الطريقين فيما يلي:

الاول: الكشف عن هرمون الحمل.

الثاني: الكشف عن الجنين بالاشعة فوق الصوتية.

اولا: معرفة براءة الرحم بالكشف عن هرمون الحمل:

عندما تنغرس البويضة الملقحة في الرحم – اى بعد حوالي ستة ايام من التلقيح في قناة المبيض – يتكون هرمون يساعد على نمو الجنين وانغراسه يسمى هرمون الحمل (HCG)، ويفرز هذا الهرمون من الخلايا التي سوف تكون المشيمة.

ويخرج هرمون الحمل من الجسم عن طريق البول، ويمكن اكتشافه اذا وجد في البول بتركيز كاف بواسطة مواد كيميائية معينة.

ويوجد العديد من اختبارات الحمل للكشف عن وجود هرمون الحمل، بعضها ممكن الاستخدام في المنزل، وبعضها لابد من اجرائه في المختبر، حيث ان بعض الاختبارات تكشف عن هرمون الحمل في البول، وبعضها تكشف عنه فى الدم، وهذه الاخيرة لا يمكن اجراؤها الا في المختبر، في حين ان اختبارات البول يمكن اجراء بعض انواعها في المنزل.

لكن يجدر التنبيه على ان نتيجة فحص هرمون الحمل اذا كانت ايجابية فهذا يعني في الغالب ان المراة حامل، الا ان هذه العلامة غير مؤكدة للحمل بسبب ارتفاع هرمون الحمل عند النساء المقاربات لسن انقطاع الطمث، او بسبب افراز بعض الاورام – مثل اورام المبيض – لهذا الهرمون.

كما ان الحصول على نتائج سلبية خاطئة تشير الى عدم وجود حمل رغم وجوده ليس مستبعدا احيانا، خاصة في بدايات الحمل؛ نظرا لقلة نسبة هرمون الحمل، لذلك ينصح الاطباء مع استمرار انقطاع الحيض بتكرار الاختبار والفحص الطبي بعد الفحص الاول باسبوع تقريبا.

ثانيا: معرفة براءة الرحم بالكشف عن الجنين بالاشعة فوق الصوتية:

ويمكن تشخيص الحمل عن طريق جهاز التصوير بالموجات فوق الصوتية، والذي يصور الرحم والاجزاء المحيطة به، ويتبين من خلاله حصول الحمل او عدمه.

فرؤية الجنين في البطن من خلال جهاز الموجات فوق الصوتية دليل يقيني على وجوده، ويمكن ذلك بعد مرور شهر من التلقيح، كما يمكن من خلال الجهاز تقدير عمر الجنين، بل ويمكن رؤية نبض الجنين بواسطة جهاز الموجات فوق الصوتية في حوالي الاسبوع السادس الى السابع.اضف الى هذا امكانية استخدام ما يسمى بالاشعة الصوتية ثلاثية الابعاد، وهي تقنية لا تبقي مجالا للشك في وجود الحمل من عدمه.

وبناء على ما تقدم يمكن ان نقول بانه للتاكد من براءة الرحم بناء على الطرق الطبية الحديثة فانه يمكن اجراء تحليل لفحص هرمون الحمل في البول او الدم، فاذا كانت النتيجة سلبية فان هذا ليس كافيا للحكم ببراءة الرحم يقينا حتى يتم اعادة الفحص بعد عشرة ايام الى اسبوعين؛ لاحتمال ان يكون الحمل في ايامه الاولى، ولا بد ان يكون الفحص الثاني فحصا مختبريا، ويفضل ان يكون هذا الفحص للدم وليس للبول، فاذا كانت النتيجة سلبية ايضا يمكن الحكم حينئذ ببراءة الرحم من الحمل.

اما في حال الحصول على نتيجة ايجابية فان هذا ليس كافيا للحكم بوجود الحمل يقينا حتى يتم اعادة الفحص مرة اخرى بعد ثلاثة اسابيع تقريبا، ولا بد ان يكون الفحص الثاني بالاشعة فوق الصوتية؛ اذ هي الطريقة المتيقنة لمعرفة وجود الحمل، فاذا تبين وجود الحمل امكن الاعتماد على ذلك، اما اذا لم يتبين فلابد حينئذ من اجراء الفحوص اللازمة للتاكد من سبب وجود هرمون الحمل عند المراة، والذي قد يكون سببه حالة مرضية – كوجود ورم في المبيض -، وقد يكون لوجود حمل ولكنه خارج الرحم، فيحكم حينئذ على كل حالة بحسبها.

وهناك تطبيقات فقهية كثيرة يمكن فيها الاستفادة من التقنيات الحديثة في معرفة براءة الرحم وعدم وجود الحمل ، ومن هذه التطبيقات :

اولا : معرفة براءة الرحم قبل اقامة الحد او القصاص على المراة:

فقد اتفق الفقهاء – رحمهم الله – على انه لا يقام الحد على حامل حتى تضع, سواء اكان الحمل من زنا ام غيره, فلا تقتل اذا ارتدت, ولا ترجم اذا زنت, ولا تقطع اذا سرقت, ولا تجلد اذا قذفت او شربت حتى تضع حملها، قال ابن المنذر رحمه الله: ” واجمعوا على ان المراة اذا اعترفت بالزنا وهي حامل انها لا ترجم حتى تضع حملها “[ الاجماع ص 112].

والدليل على ما تقدم حديث المراة الغامدية الذي رواه مسلم بسنده عن بريدة رضي الله عنه، وفيه: ” فجاءت الغامدية فقالت: يا رسول الله، اني قد زنيت فطهرني، وانه ردها، فلما كان الغد قالت: يا رسول الله، لم تردني؟ لعلك ان تردني كما رددت ماعزا، فوالله، اني لحبلى، قال: “اما لا، فاذهبي حتى تلدي”. فلما ولدت اتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته. قال: “اذهبي فارضعيه حتى تفطميه”، فلما فطمته اتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا، يا نبي الله، قد فطمته، وقد اكل الطعام، فدفع الصبي الى رجل من المسلمين، ثم امر بها فحفر لها الى صدرها، وامر الناس فرجموها، فيقبل خالد بن الوليد بحجر، فرمى راسها، فتنضخ الدم على وجه خالد، فسبها، فسمع نبي الله صلى الله عليه وسلم سبه اياها، فقال: “مهلا يا خالد، فوالذي نفسي بيده، لقد تابت توبة، لو تابها صاحب مكس لغفر له”. ثم امر بها فصلى عليها ودفنت”.

قال النووي رحمه الله في شرحه لهذا الحديث: ” فيه انه لا ترجم الحبلى حتى تضع، سواء كان حملها من زنا او غيره، وهذا مجمع عليه؛ لئلا يقتل جنينها، وكذا لو كان حدها الجلد وهي حامل، لم تجلد بالاجماع حتى تضع” [شرح النووي على صحيح مسلم (6/219)].

ومثل الحد فيما تقدم القصاص، قال النووي رحمه الله في فوائد الحديث المتقدم: ” وفيه: ان من وجب عليها قصاص وهي حامل، لا يقتص منها حتى تضع، وهذا مجمع عليه ” وقال ابن رشد (الحفيد) رحمه الله: ” و اجمعوا على ان الحامل اذا قتلت عمدا، انه لا يقاد منها حتى تضع حملها” [بداية المجتهد (4/310)].

وتطبيق الحكم السابق اذا كان حمل المراة ظاهرا واضح لا اشكال فيه، ولكن اذا ادعت المراة انها حامل، ولم يكن حملها ظاهرا، امكن الاعتماد على الوسائل الطبية الحديثة لمعرفة الحمل او براءة الرحم .

تطبيق اخر: معرفة براءة الرحم في مسائل الطلاق المعلق على الحمل وعدمه:

فاذا علق الرجل طلاق امراته على كونها حاملا او غير حامل: كان يقول: ان كنت حاملا فانت طالق – ولم يكن حملها ظاهرا-، او يقول: ان لم تكوني حاملا فانت طالق، فللفقهاء – رحمهم الله _ تفاصيل في وقوع الطلاق ومتى يقع .

ويمكن الاستغناء عن هذه التفاصيل باستخدام الوسائل الطبية الحديثة لمعرفة الحمل او براءة الرحم.

تطبيق اخر: هناك بعض مسائل العدة التي هي مبنية على اجتهاد روعي فيه الاحتياط وتمام التاكد من براءة الرحم، وهذا النوع من مسائل العدة بني على الاجتهاد وفق المعطيات المتاحة في العصور المتقدمة، ولا شك ان التطور الطبي الكبير في مختلف المجالات الطبية- والتي منها معرفة براءة الرحم بالوسائل الطبية الحديثة – يمكن ان يكون له اثر واضح في تغير الاجتهادات السابقة بناء على المعطيات الجديدة ، مثل :

* عدة المطلقة التي ارتفع حيضها ولم تدر سبب ارتفاعه:

فالفحص بجهاز الموجات فوق الصوتية او فحص هرمون الحمل في الدم او في البول كفيل بتحديد حمل هذه المراة من عدمه، ومن ثم فلا حاجة الى ان تعتد من ارتفع حيضها سوى ثلاثة اشهر اذا تبين عدم حملها باستخدام الوسائل السابقة، مع مراعاة التاكد طبيا من عدم وجود الحمل بتكرار الفحص باكثر من وسيلة او مع فارق زمني لا يقل عن اسبوعين لتلافي النتائج السلبية الخاطئة التي تقدمت الاشارة اليها .

* مثال اخر : اذا ارتابت المعتدة في وجود الحمل:

فاذا ارتابت المعتدة غير الحامل في كونها حاملا – كظهور امارات الحمل من الحركة وانتفاخ البطن وانقطاع الحيض ونزول اللبن من ثديها وغير ذلك – فقد نص الفقهاء – رحمهم الله – على انها تبقى معتدة ولا تحل للازواج وان انتهت العدة المقررة لغير الحامل حتى تزول هذه الريبة – وان طال هذا التربص لسنوات .

وزوال ريبة مثل هذه المراة باستخدام الوسائل الطبية الحديثة لكشف الحمل او معرفة براءة الرحم متاح ومتيسر في هذا العصر، ولا حاجة ان تتربص مدة طويلة – قد تستمر لسنوات – لزوال هذه الريبة، فالفحص بجهاز الموجات فوق الصوتية او فحص هرمون الحمل في الدم او في البول كفيل بتحديد حمل هذه المراة من عدمه، والله تعالى اعلم.

لكن لا بد من التنبه الى امر هام وهو : انه لا مجال للاعتماد على قول الاطباء في معرفة براءة الرحم في اصل موضوع العدة، وان اي دعوات لالغاء العدة اذا عرفت براءة الرحم بالوسائل الطبية هي دعوات مرفوضة شرعا، وهي مبنية على الجهل باصل مشروعية العدة والحكمة منها، قال القرافي رحمه الله : ” العدة يغلب عليها شائبة التعبد من حيث الجملة وان كانت معقولة المعنى من حيث الجملة؛ لانها شرعت لبراءة الرحم وعدم اختلاط الانساب، فمن هذا الوجه هي معقولة المعنى، ومن جهة ان العدة تجب في الوفاة على بنت المهد، وتجب في الطلاق والوفاة على الكبيرة المعلوم براءتها بسبب الغيبة وغيرها هذه شائبة التعبد, فلما كان في العدة شائبة التعبد وجب فعلها بعد سببها مطلقا في جميع الصور علمت البراءة ام لا، توفية لشائبة التعبد “[ الفروق (3/204)].

والشارع الحكيم عندما وضع احكامه جعلها بشكل يحقق مصالح الناس بصورة عامة في كل العصور، فهي ملائمة لانسان المدينة وانسان الريف وانسان البادية، وموافقة لابناء البلاد النامية وابناء البلاد المتقدمة، وممكنة التطبيق في كل المستويات الحضارية ومع ما يجد من علوم ومعارف، وان الاحكام القطعية في ثبوتها ودلالتها والتي لا ترتبط بدلالتها بعرف ولا بخبرة ولم يعللها الشارع بعلة محددة ليس لنا خيار فيما قضى الله ورسوله في تنفيذها حرفيا، عرفنا الحكمة او جهلناها، بل نسلم للعليم بما قدره وقضاه.

وقد عقد مؤتمر نسائي في احدى العواصم العربية اواخر سنة (1425ه) ودعا المؤتمر الى الغاء عدة المطلقة والمتوفى عنها زوجها، واستبدال العدة بالكشف الطبي، بحيث اذا ثبت ان المراة غير حامل جاز لها ان تتزوج من اخر بعد الطلاق او وفاة الزوج مباشرة.

وقد اعلن علماء الازهر – وعلى راسهم الدكتور نصر فريد واصل مفتي الديار المصرية في ذلك الوقت – رفضهم التام لتوصيات هذا المؤتمر، واكدوا ان الذين يريدون الغاء العدة انما يسعون الى ان تكون المراة في وضع منحط شبيه باوضاع الحيوانات، فالعدة فيها تكريم للمراة، فهي ليست كاناث الحيوانات يتداولها الذكور في اي وقت من دون ضوابط او قيم، واكدوا ان توصيات هذا المؤتمر هي بمثابة التفاف وتحايل على الشرع وجراة على احكام الله، موضحين ان هناك عوامل نفسية في الزواج والطلاق لا بد من مراعاتها، بالاضافة الى الجوانب الاجتماعية، وان الحكمة من العدة ليست قاصرة على معرفة ما اذا كان هناك حمل من عدمه، مشيرين الى ضرورة الالتزام بالنصوص الواردة في هذا الشان، وعدم الاجتهاد في امور وردت فيها نصوص قاطعة .

والله اعلم ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ، وعلى اله وصحبه اجمعين

  • الحيض براءة الرحم
  • براءة الرحم
  • براءة رحم
  • براءه الرحم اثناء العده
  • مساءل براءة الرحم
  • مسائل الحكم ببراءة الرحم
السابق
الجامعات الاردنية المعترف بها في السعودية
التالي
تحديث ويندوز لايف ماسنجر 2024