سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عمن تسيء اليه زوجته وتشتمه ، فطلقها في حال الغضب فاجاب :
(اذا كان الطلاق المذكور وقع منك في حالة شدة الغضب وغيبة الشعور ، وانك لم تدرك نفسك، ولم تضبط اعصابك، بسبب كلامها السيئ وسبها لك وشتائمها ونحو ذلك ، وانك طلقت هذا الطلاق في حال شدة الغضب وغيبة الشعور ، وهي معترفة بذلك ، او لديك من يشهد بذلك من الشهود العدول ، فانه لا يقع الطلاق ؛ لان الادلة الشرعية دلت على ان شدة الغضب – واذا كان معها غيبة الشعور كان اعظم – لا يقع بها الطلاق .
ومن ذلك ما رواه احمد وابو داود وابن ماجه عن عائشة رضي الله عنها ان النبي عليه الصلاة والسلام قال : “لا طلاق ولا عتاق في اغلاق” .
قال جماعة من اهل العلم : الاغلاق : هو الاكراه او الغضب ؛ يعنون بذلك الغضب الشديد ، فالغضبان قد اغلق عليه غضبه قصده ، فهو شبيه بالمعتوه والمجنون والسكران ، بسبب شدة الغضب ، فلا يقع طلاقه . واذا كان هذا مع تغيب الشعور وانه لم يضبط ما يصدر منه بسبب شدة الغضب فانه لا يقع الطلاق .
والغضبان له ثلاثة احوال :
الحال الاولى : حال يتغيب معها الشعور، فهذا يلحق بالمجانين ، ولا يقع الطلاق عند جميع اهل العلم .
الحال الثانية : وهي ان اشتد به الغضب ، ولكن لم يفقد شعوره ، بل عنده شيء من الاحساس ، وشيء من العقل ، ولكن اشتد به الغضب حتى الجاه الى الطلاق ، وهذا النوع لا يقع به الطلاق ايضا على الصحيح .
والحال الثالثة : ان يكون غضبه عاديا ليس بالشديد جدا ، بل عاديا كسائر الغضب الذي يقع من الناس ، فهو ليس بملجئ ، وهذا النوع يقع معه الطلاق عند الجميع ) انتهى من فتاوى الطلاق ص 19- 21، جمع: د. عبد الله الطيار، ومحمد الموسى.
وما ذكره الشيخ رحمه الله في الحالة الثانية هو اختيار شيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله ، وقد الف ابن القيم في ذلك رسالة اسماها : اغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان ، ومما جاء فيها :
( الغضب ثلاثة اقسام :
احدها : ان يحصل للانسان مبادئه واوائله بحيث لا يتغير عليه عقله ولا ذهنه , ويعلم ما يقول , ويقصده ; فهذا لا اشكال في وقوع طلاقه وعتقه وصحة عقوده .
القسم الثاني : ان يبلغ به الغضب نهايته بحيث ينغلق عليه باب العلم والارادة ; فلا يعلم ما يقول ولا يريده , فهذا لا يتوجه خلاف في عدم وقوع طلاقه , فاذا اشتد به الغضب حتى لم يعلم ما يقول فلا ريب انه لا ينفذ شيء من اقواله في هذه الحالة , فان اقوال المكلف انما تنفذ مع علم القائل بصدورها منه ، ومعناها ، وارادته للتكلم .
القسم الثالث : من توسط في الغضب بين المرتبتين , فتعدى مبادئه , ولم ينته الى اخره بحيث صار كالمجنون , فهذا موضع الخلاف , ومحل النظر , والادلة الشرعية تدل على عدم نفوذ طلاقه وعتقه وعقوده التي يعتبر فيها الاختيار والرضا , وهو فرع من الاغلاق كما فسره به الائمة) انتهى بتصرف يسير نقلا عن : مطالب اولي النهى 5/323 ، ونحوه في زاد المعاد مختصرا 5/215 ، وينظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (29/ 18).
وعلى الزوج ان يتقي الله تعالى ، وان يتجنب استعمال لفظ الطلاق ، حتى لا يفضي ذلك الى خراب بيته وانهيار اسرته .
كما اننا نوصي الزوج والزوجة معا بان يتقيا الله في تنفيذ حدوده وان يكون هناك نظر بتجرد الى ما وقع من الزوج تجاه زوجته هل هو من الغضب المعتاد الذي لا يمكن ان يكون الطلاق عادة الا بسببه ، وهو الدرجة الثالثة التي يقع فيها الطلاق باتفاق العلماء وان يحتاطا لامر دينهما بحيث لا يكون النظر الى وجود اولاد بينكما باعثا على تصوير الغضب بما يجعل المفتي يفتي بوقوعه مع علم الطرفين انه اقل من ذلك .
وعليه فان وجود اولاد بين الزوجين ينبغي ان يكون دافعا لهما للابتعاد عن استعمال الفاظ الطلاق والتهور فيها ، لا ان يكون دافعا للتحايل على الحكم الشرعي بعد ايقاع الطلاق والبحث عن مخارج وتتبع رخص الفقهاء في ذلك .
نسال الله ان يرزقنا جميعا البصيرة في دينه وتعظيم شعائره وشرائعه .
والله اعلم .