2-يخطف روحها
حين دخلت المنزل مساءا بعد يوم طويل استزف منها كل مشاعرها ،كانت الورود اول ماوقع عليه نظر اينديا،وحدثتها غريزتها يانها تحمل المتاعب وهي التي عانت من المتاعب مايكفيها.
توهجت الورود بلونها الاصفر والذهبي تحت اشعة شمس المساء،انها حقا لرائعة ولايمكن وصفها بغير ذلك،فالنزر الىها كفيل بادخال البهجة الى النفوس.
لكن هذه الباقة لم تكن ماستوقفها،بل شبهها بباقة ورد اخرى مطابقة لها استقرت على الارض عند قدميها منذ سنة تماما.
-لاتنتظري مني ان ابقى للمشاهدة.
تتردد في راسها صدى الكلمات الاخيرة التي قالها ايدان فهزت رراسها بحدة محاولة لابعادها،لكن دون جدوى،لكان السنة التي سمعت فيها تلك الكلمات لم تمر قط.
لن يعود ايدان،ادركت هذه الحقيقة حين نظرت الى وجهه ورات نفوره البارد محفورا بقسوة في كل خط من خطوطه.
ان ايدان وولف رجل فقط شديد الاعتداد بنفسه،يعيش الحياة وفق قواعده الخاصة،متجاهلا القيود التي تفرضها عليه العادات والاعراف التقليدية.لقد صنع نفسه بنفسه فبدا من لاشيء واصبح الان رئيسا لشركة متعددة الاوجه.وهو رجل معروف بقوته وصلابته الشديدتين،رجل لايمكنه قط احتمال الاغبياء من الناس،غير انها كانت شبه متاكددة انه سيكون معهاا شخصا مختلفا تماما.
لكن ماهو في الواقع مدى معرفتها به؟الى اي حد يمكن لك ان تعرف شخصا التقيت به قبل ستة اسابيع فقط من يوم زفافك؟عادت الى ذاكرتها كلمات جاين في تلك الليلة..تلك الليلة عندما اعلنت انديا بذهول ان رجل احلامها قد دخل لتوه من الباب فقالت لها جاين:
-ياالهي اينديا،لا!
منتديات ليلاس
واضافت:
-ليس لون وولف نفسه!لااحد يعبث معه ويحيا بعد ذلك ليروي القصة.
فسالتها اينديا مشتتة الفكر:”لماذا؟”
-اهو محطم قلوب؟.
ارتجفت صديقتها مجيبة:”بل بالاحرى محطم نفوس”.
وتابعت قائلة:”الاعمال والنساء سواء لديه،ياخذ مايرغب فيه ويبعد الباقي دون ان يخفق قلبه خفقة واحدة،تقول الشائعات انه لايمتلك قلبا فكيف بالحديث عن المشاعر..لذا احذرك”.
لكن انديا علمت في قرارة نفسها انها لم تابه بمن يكون او ماذا يكون،غنيا كان ام فقيرا،ماامنت قط من قبل بالحب من النظرة الاولى،اما الان،فقد علمت انها فقدت اتزانها كليا وحل محله الاضطراب والحيرة،واهتزت احاسيسها بشكل لم تعهده قبل في حياتها.
اتجهت الى حيث يقف ايدان المثير بقميصه وبنطاله الاسودين،وقد علتهما سترة فضفاضة من الكتان الاسود،وقدمت نفسها له بوقاحة قائلة:
-قد لاتعرف ذلك.
وتارجح صوتها في مزيج من الاثارة ومايشبه الجنون واضافت:”لكنني الفتاة التي انتظرتها طوال حياتك”.
تشدق ايدان قائلا:”انت هي حقا”.
رفع حاجبيه الداكنين يتاملها وامعنت عيناه البنيتان النظر في كل جزء منها،ابتداء براسها مرورا بثوبها حتى اخمص قدميها،واضاف قائلا:
“اتعلمين،قد تكونين على حق”.
ثم قدم لها كوبا من العصير،والباقي كان من الماضي،الماضي الذي استحال طعمه مريرا في النهاية،واوصلها الى المهزلة التي جسدها يوم زفافها،فقط لو علمت…
غير ان الحقيقة هي انها لم تعرف قط ايدان وولف كما ينبغي.
ولكن الحب كما يقولون اعمى..وهذا الحب نفسه تحول الى كره بالغ الحدة اشعل النيران في نفسها.
قدم لها هذا الحقد السند والمؤازرة في الايام السوداء التي تلت،فاجبرها على النهوض من الفراش في الصباح حين كان جل ماتبغيه ان تحجب راسها تحت الغطاء وتختبيء من الاعين.
كما منحها القوة والعزم لتجاهل النظرات المتاملة والتعليقات الهامسة عند ظهورها في القرية،لو انها استسلمت للالم لكان ايدان هو الرابح ولنجح في خطته التي اراد بها اذلالها.لكنها تفضل الموت على ان تدع ذلك يحصل.
ارغمت نفسها على متابعة الحياة بشكل طبيعي ونجحت المحاولة،وبدت قادرة على اقناع الناس بعدم اكتراثها.
سالت شقيقها :متى وصلت هذه الورود؟
-لقد سلمها كوغان عند الثانية بعد الظهر.
سالته مجددا:
-هل قالوا من ارسلها؟
لماذا هذا الوقت تحديدا،الا ان كان مرسلها شخصا يعرف مايعنيه هذا الوقت،وراحت الشكوك المزعجة تحرق اعصابها.
-لست ادري،لكن هناك بطاقة في مكان ما ان اردت القاء نظرة عليها.
لم ترد رؤيتة ما يؤكد شكوكها ومخاوفها لكنها وجدت نفسها مضطرة لفعل ذلك.
نظر غاري بفضول من فوق كتفيها متسائلا:
-من هو(ا)معجب مجهول؟.
فاجابته:لاشيء من هذا القبيل”.
كان هذا الحرف الوحيد القوي لايشير الا في ذهنها فقط الى اسم واحد؟
منتديات ليلاس
تملكتها رغبة عارمة وملحة في تمزيق البطاقة الى قطع صغيرة ثم رميها بعيد مع باقة الورد،غير انها تراجعت لعلمها ان ذلك مايريده ايدان.
علمت انه هو من ارسل الورود فالاختيار الساخر المتعمد للورود التي تتطابقت مع تلك التي شكلت باقة زفافها وارسالها في الموعد الذي الغيت فيه مراسم الزفاف في السنة الماضية،لم يدع مجالا للشك في هوية المرسل.
لكن كيف بامكانه ان يكرهها ؟كل ذلك بسبب تصريح ساذج متهور!
ولان ابقاء هذه الورود في المنزل يفوق قدرة احتمالها،قالت لشقيقها بصلابة”
-ساخذ هذه الورود الى المستشفى الليلة،حيث ستلقى ترحيبا من احد هناك.
نظر غاري بارتباك وذهول:
-لكن..لقد ارسلت لك انت..مع الامنيات بعيد..
قاطعته مجيبه:”لم ترسل الي مع الامنيات غاري”والان لدي مايكفي من المشاكل لاشغل نفسي بيوم ميلادي”.
مررت يدها بسام في شعرها رافعة الخصل السوداء عن وجهها الشاحب امتعب من التوتر واضافت:
-ستبقى والدتي في المستشفى مرة اخرى،لذلك سنكون وحدنا انا وانت على العشاء الليله.واخشى اننا سناكل طعاما سريع التحضير،فليس لدي متسع من الوقت لفعل اي شيء قبل ان ياتي جيم لاصطحابي للمستشفى حيث ابي.
قاطعها صوت شقيقها حادا وقلقا وهو يسالها:
-هل من جديد ؟هل من اشارة تدل على استيقاظ والدي من الغيبوبة؟
قالت له:
-اعتقد ان لاشيء جديد حبيبي.
اقتربت منه وجلست الى جانبه ورات وجهه المضطرب.
فوضعت يدها برقة على ذراعه،لعلمها ان هذه الحركة البسيطة هي كل ماتتقبله رجولته الشابة والحساسة في الوقت الحاضر.
وتلاشى من ذهنها كل مايتعلق بالورود،وانحصرت افكارها في المشهد الذي راته في المستشفى،من اجواء قسم العناية الفائقة الى الالات والانابي الموصولة بجسد والدها الساكن.ثم قالت له في محاولة لطمانته:
-لكنه على الاقل يتنفس وحده،وهذا امر هام،كل ماعلينا فعله هو الانتظار.
وبدا صوت غاري اجش من الحزن حين قال:”لكنهم قالوا ذلك منذ ايام”.
اجابته:”اعلم ذلك حبيبي”.
كانت عيناها غائمتين مكفهرتين ،فهي كشقيقها ،وجدت من المستحيل نوعا ما تقبل فكرة ان ابيها انهار كليا من المرض الذي الم به منذ اسبوع مضى دون سابق انذار،مع انه لم يبلغ الخمسين بعد.
تابعت قائلة:
-لكن مامن شيء اخر نقوم به ،فهو بين ايد امينه وكل مانستطيع فعله هو الدعاء والانتظار.
الدعاء والانتظار…بقى صدى هذه الكلمات يتردد في راسها بعد مرور بضع ساعات ،وكانت تشعر بارهاق جسدي وفكري عندما عادت من المستشفى الى المنزل.
-شكرا جيم لاصطحابي الى المنزل.
تنهدت وهي تلتفت نحو الرجل الجالس وراء المقود وقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة متعبة واضافت:
-لااعتقد انني كنت بحال يسمح لي بالقيادة بنفسي،لذا فانا ممتنة لك فعلا.
-لامشكلة.
اجابها جايمس هاوثورن مبتسما وتابع قائلا:
-تعلمين انني على استعداد دائم للمساعدة.
نظرت نحو المنزل فرات النوافذ معتمة،باستثناء ضوء واحد انار الردهة،فاردفت قائلة:”يبدو ان غاري قد اوى الى الفراش،لذا ارجو ان تعذرني لعدم دعوتك لشراب القهوة”.
اجابها جيم وهي تفتح باب السيارةك
-لاداعي للاعتذار،لم اكن ساقبل دعوتك على اي حال،فانت تبدين بحاجة للتوجه الى السرير مباشرة.
تنهدت مجيبة:”اه،اجل اشعر اني استطيع النوم لاسبوع،ياله من عيد ميلاد االيس كذلك؟”.
قال لها مطمئنا:”سنعوض ذلك حين تستقيم الامور،الان انزلي وخذي قسطا من الراحة،وساراك غدا”.
كانت اينديا تهم بالخروج من السيارة حين دفعها شيء ما للالتفات الى الوراء لتطبع على وجنة جيم اليسرى قبلة عفوية ثم قالت له:
-كنت لطيفا جدا معي لااعرف كيف اشكرك.
اجابها مبتسما:
-لامشكلة،تعلمين اني اقوم باي شيء من اجلك،ليس عليك الا ان تطلبي،بدا واضحا من ملامح وجهه انه اراد اكثر من مجرد قبلة بريئة،وحين ادركت ذلك،سرى التوتر في اعصابها بحدة،فخرجت من السيارة مسرعة وقالت:
-ساراك غدا وكن حذرا في قيادتك ارجوك.
راقبت السيارة وهي تبتعد على الطريق قبل ان تختفي في ظلمة الليل،وفكرت فيه بحزن..لم يكن ذنب جين انها لم تتمكن من الشعور بشيء نحوه،بل انها تشك في قدرتها على الشعور بشيء نحو اي رجل اخر.فلقد ساهم ايدان وولف بشفائها من هذه الحماقة.
-اه ماالطف هذا!
انتفضت اينديا كهرة مذعورة حين علا صوت فجاة،اتيا من الظلال التي يعكسها المنزل،فصاحت بحدة من الصدمة:”ماذا..؟”
ردت النبرة الساخرة كلماتها مشددة عليها على نحو مقلق:
-كنت لطيفا جدا معي ولااعرف كيف اشكرك.
بعد الخوف الذي سيطر عليها في البدء،شعرت اينديا بالدم يتجمد في عروقها من الرعب بسبب الصوت المالوف والمخيف بنبرته القوية:
-انا متاكد من انك ستجدين طريقة تشكرينه بها،اليس كذلك ايتها الاميرة؟”.
ذهب استعمال هذا اللقب المالوف المزعج بكل امالها بالخلاص،فاستدارت ببطء واستسلام حزين زانطلق لسانها اخيرا بشكل سمح لها بالكلام فقالت:
-مرحبا ايدان.
في الواقع كان ايدان يشغل فكرها الى حد بعيد،بحيث انها ماكانت للتتفاجا لو انه ظهر اليوم بشكل خرافي،ولكنه كان هو بالتاكيد بشحمه ولحمه،وبقامته الصلبة المكسوة بست اقدام من العضلات القوية البنية ،لم يكن فيه شيء خرافي ابدا.
كانت قدماه تقفان بثبات امام الباب الخشبي الرئيسي،وقد استراحت يداه على وركه النحيل ومال براسه الى الجانب..بشكل عام كانت وقفته وقفة تحد ساخر..وتلاقت عيناه بعينيها في استفزاز واضح.
-ماذا تفعل هنا؟
خطا متقدما نحو الضوء المنبعث من المصباح في الباحة الخارجية.
وعلت وجهه ابتسامة كريهة ارتسمت بقسوة على شفتيه وهذا ماجعل الدم يتجمد في عروقها وقال:
-اتصدقين اني اتيت لاتمنى لك عيدا سعسدا؟.
-لا ..اعلم ان ذلك هو اخر ماقد تفكر فيه.
قاطعها بلطف مخادع:”حسنا الان،قد تكونين مخطئة”.
ثم قال وقد اتسعت ابتسامته:”انا حقا اتمنى لك السعادة في..ماذا عيدك الرابع والعشرين؟وسنة رائعه”.
خطر لاينديا انه يكاد يكون صادقا،لكنها مالبثت ان تدخلت بشدة لقطع حبل افكارها الضعيفة ،فان مجرد التفكير في ذلك عمل جنوني،فاستدركت قائلة:
-لايمكن ان تكون اسوا من السنة الماضية.
ندمت على كلماتها ما ان تلفظت بها،خوفا من ان تكشف الكثير،لم ترد لهذا الرجل ان يعلم بكل تلك الليالي الطويلة الموحشة التي قضتها مستيقظة في صراع مع الم الخيبة المبرح.
حاولت مباشرة تغطية نفسها قائلة:
-لكن في الواقع علي ان اشكرك على مافعلت،فلقد انقذتني من ارتكاب اسوا خطا في حياتي.
ابتسمت راضية حين رات راسه يتراجع قليلا الى الوراء،ممادل على انها اصابت الهدف بهجومها،واضافت:
-لكني متاكدة انك لم تات هنا للتحدث عن الماضي.
لذا اطلعني على السبب الحقيقي لتجسدك المفاجيء امامي.
ردد ايدان الكلمة بلهو حائر:”تجسد..تجعليني ابدو كمخلوق فضائي،او كشبح”.
انه بالفعل شبح ..شبح الايام السعيدة الماضية..واجفلت اينديا وهذا ماجعلها تتكلم بقسوة ودون ترو:
-قد اقول بالاحرى ذئبا او مصاص دماء.
-الان انت تبدين كثيرة الاوهام.
-هل انا كذلك؟احقا انا كذلك؟.
حسنا دعني اقول لك شيئا سيد وولف :”لست برايي سوى مصاص دماء،ممن ينقضون على الناس ويفترسونها ثم يمتصونهم حتى اخر قطرة ويرمونهم جانيا دون تردد حين يملون منهم.
هدا ايدان بصوته الناعم من هيجانها وانفعالها.
-اه،لاتبالغي !
واضاف:
-انت بالتاكيد لاتدعين اني حطمت قلبك؟ففي النهاية اردت مالي ولم تريديني انا.
كانت نبرته قد احتدت بشكل ملحوظ في الكلمات الاخيرةنثم اتجه نحوها بخطوتين رشيقتين ودنا منها جدا للمرة الاولى.
اسعانت انديا بكل ماتملكه من قدرة للسيطرة على نفسها لئلا تتراجع عنه مذعورة،وكانت قد نسسيت كم هو طويل القامة وعريض الكتفين.
لاحظت انها لم تره من قبل مرتديا ثيابا غير رسمية ففي الفترة التي كانو يخرجون بها سويا كان ايدان ملتزما بشكل صارم بالبذلات الرسمية التي يرتديها في العمل كما اوقات الفراغ لذا تملكها قلق مؤلم حين لاحظت صدره الذي التصق به القميص القطني الناعم وسرواله القطني الازرق.
الشوق الدفين
اين هو ابوك العزيز؟.
بعث الانفعال في صوته القلق في نفسها..واستترت خلف كلماته نبرة مهددة عند سماعه شعرت بارتعاشة تتسلل الى عمودها الفقري مما نبه غريزتها الدفاعية،فسالته بحذر:
-لماذا تريد ان تعرف؟
-لقد اتيت لرؤية ابيك ،لدي بعض االاعمال لاناقشها معه.
كانت اينديا قد شعرت بالخوف القلق قبل ذلك،لكن هذه الملاحظة المبهمة زادت خوفها عشرة اضعاف.
كان ايدان ووالدها قبل يوم زفافهما على وشك الاقتتال،وهي تشك الان ان يكون قد ساهم في تخفيف حدة الازمة ،فقالت:
-لااعتقد انه يرغب في التعاطي معك.
-اه،سيراني حبيبتي،اعدك بانه سيرغب كثيرا بالتحدث معي،وان كان حكيما وعاقلا سيرتب لنا اجتماعا عما قريب،لذا فمتى سيعود.
-ماذا يفترض ان يعني هذا؟
اجابها:
-اريد رؤيته وسيكون من الافضل ان اراه قريبا لذا متى تتوقعين عودته للمنزل؟.
-لست ادري.
استطيع ان رغبت ان انقل له رساله.
انهارت محاولتها لاظهار الهدوء والثقة بالنفس حين ادركت فجاة انه كان يقف حائلا بينها وبين الباب وقالت في نفسها انها لو ارادت الدخول فعليها المرور عبره واربكتها الفكرة،وتنبهت في الواقع الى ان غرفة غاري موجودة في الجزء الخلفي من المنزل بعيدا عن مرمى السمع وقالت:
-ليتك تخبرني مالذي تود قوله.
فكر ايدان مطولا قبل ان يجيبها وهو يهز راسه بتصميم وعناد قائلا:
-لاانه امر بيننا نحن الاثنين,اخبريه اني جئت ابحث عنه.
سالته اينديا:”اهذا كل مافي الامر؟”.
تلقت نظرة اخرى من تلك النظرات الساخرة التي زادت من حدة مشاعرها وقال:
-اكنت تبحثين عن المزيد؟
-ليس في حياتك!
وتملكها الاضطراب والقلق حين تنبهت لمدى قربه منها فقد اصبح فجاة على بعد بضعة انشات منها لاغير،وقال:”هذا مؤسف”.
كانت همسته منخفضة ودافئة فجذبت انتباهها رغم ارادتها جذبتها واوقفتها كما لو انها تم تخديرها واضاف:
-لاني فكرت اني لااستطيع تركك دون معانقتك اكراما للمودة القديمة.
دمدمت اينديا:”اكراما..!”.
تملكها شعور بالذعر امسك بها من حنجرتتها وخنق فيها الكلمات حين دنا راسه اكثر فاكثر،وانخفض ليحجب عنها ضوء القمر.
كان قريبا الى حد انها تمكنت من سماع صوت انفاسه والتقاط عبير عطر خاص،فترنج قلبها في ايقاع عنيف متقطع ،وهذا ماجعل الدم يصعد الى ا1نيها.
ثم قالت بصوت مرتفع حاد:
-اياك ان تجرؤ!
وتوقف راسه فجاة..كررت لكن بنجاح اقل هذه المرة:
-اياك ان تجرؤ…
لكن الارتعاشة التي عجزت عن قمعها كليا جردت كلماتها من القوة التي سع اليها:
ارتسمت ابتسامة شريرة على شفتيه فكشفت عن اسنان ناصعة البياض:
-تشدق بلطف قائلا:
-اه انا اجرؤ لكن السؤال هل تجرؤين انت؟ففي الواقع لن اكتفي بقبلة خاطفة على الوجنة فقط وكلمة شكر لاهثة كتلك التي اعطيتها لجيم البلغ اللطف.
-لكنك..
همس ايثان وهي تحاول البحث عن الكلمات لترميه بها:”لكنني ماذا؟”.
تكمن المشكلة في قرب هذا الراس منها فقربه هذا ذكرها بقوة الاحاسيس التي كانت تغمرها وهي تمرر يدها في شعره الحريري الداكن..
كرر ايدن سؤاله بنغمة مختلفة كليا نغمة دافئة الى حد الجنون،نغمة سحب بها روحها من جسدها:
-لقد رفضتك،نبذتك ..اهذا مافي الامر؟
لم تجد اينديا اي اجابة لان لسانها تجمد في فمها فتابع قائلا:
-اه لكنك نسيت امرا واحدا حبيبتي انديا ربما هربت من تقيد نفسي برباط الزوجية ،لكني لا ارفض دعوة ابدا من فتاه رائعة مثلك فلطالما عجزت عن مقاومتك ،وبعد اثنتي عشر شهرا مازلت معجبا بك اكثر من اي وقت مضى.
انفجرت اينديا وقد علاراسها بحدة:
-دعوة انا لاادعو لشيء،صدقني ليس لدي اطلاقا مااقدمه لك بعد اليوم!وان ظننت العكس فاعلم انك اخطات قراءة الاشارات.
-ربما لكن اينديا حبيبتي..
-كما اني لست حبيبتك او اي شيء اخر !كيف يحدث ان تتمكن حتى من التوهم اني قد اريد اي صلة بك بعد الاسلوب الذي عاملتني بهز
-افهم جيدا ايها العنيد انا لست متوفرة لك فكما رايت فانا اخرج مع جيم الان.
فهو الرجل الوحيد في حياتي ،والوحيد الذي اريد.
ردت فعل ايدان الغير متوقعة دمرت مالنلنته من رباطة جاشها.
قال غير ابه:”حسنا”.
ثم هز كتفيه العريضين في حركة تعكس عدم اكتراثه على الاطلاق واضاف:
-اذا كان هذا ماتريدينه.
كانت لامبالاته الباعث الحقيقي على الالم والاسى،ووجدت نفسها وقد تجمدت عاجزة عن فعل اي شيء اخر سوى النظر اليه وهو يبتعد متوجها الى السيارة المتوقفة بجانب المنزل وقد اختفت تقريبا عن الانظار في عتمة الظلام.
لو انه كن لها اي مشاعر في يوم من الايام مهما كانت ضئيلة لاظهر بالتاكيد بعضا من ردة فعل،ولعكست ملامح وجهه حتما ذرة من خيبة الامل او الغضب او على الاقل نوعا من الغيرة غير ان ادراكها بعدم اكتراثه لم يمنع قلبها من الانتفاض بشدة موجعه في صدرها ،لكن ايدن توقف فجاة واستدار نحوها قائلا:
-ابلغي ابيك اني كنت هنا.
واضاف:
-ان لدينا امورا هامة نناقشها معا.
حاولت اينديا الاجابة :”ماذا..؟” غير اان محاولتها الواهنة باءت بالفشل حين اصدمت عيناها بوجهه القاسي فقال:
-فقط قولي له اني عائد..فان كان حكيما سيبقى هنا ليراني.
رغم حرارة المساء سرت بفعل كلماته رعشة باردة اعلى عمودها الفقري ،لايمكن ان تكون مخطئة في قراءة التهديد الكامن في كلماته.
-لكن ،ماذا..”
لكن ايدن اختفى فاجتاج اينديا فجاة شعور مخيف بالوحدة وبالرعب لعدم حصولها على تفسير منطققي لمايجري،واختفت السيارة الداكنة الانيقة اسفل الطريق وانعطفت لتغيب عن الانظار
**************
“عائد”
“مضى يومان ..وفي هذين اليومين ظلت كلمات ايدن تتردد في راس اينديا وباتت نبرته المضمرة المزعجة تنذر كل مرة بالسوء اكثر فاكثر.
لم يكن هناك من احد يشاركها قلقها فوالدتها تعاني مايكفيها من التوتر بحيث يتعذر عليها تناول الطعام كماينبغي،كما ان غاري لايزال فتيا جدا ويعاني كذلك من القلق على والده.
“انا عائد”
لم تشك في انه يعي مايقول،فقد وجدت حتى الان ثلاث رسائل من ايدان على المجيب الصوتي الخاص بوالدها,
وكانت الاثنتان الاخيرتان اقل تهذيبا من الاولى.
والبارحة ايضا تمكنت من الهرب في اخر لحظة حين جاء يقف على الباب.
استجابت اينديا تلقائيا لنداء جرس الباب ،لكنها لحسن الحظ تمهلت لحظة لتلقي نظرة الى الخارج من الطابق العلوي قبل ان تهبط الاردهة.
والعر وبر عنقها في تاهب وحذر غريزي حين رات سيارة الجاغوار الرصاصية واقفة في الممر،فتجمدت في موقعها لاتحرك ساكنا.
ثم بدا لها بعد لحظة راس ايدان وكتفيه القويتين ولكن ايدان تحرك باستياء ونفاد صبر حين لم يلق ردا،فدفعتها غريزتها الى الارتداد الى الوراء والتصقت بالحائط مختباة بستارة مخملية سميكة،وذلك قبل ثوان فقط من نظره الى الاعلى بعينيه الداكنتين راصدا النوافذ بحدة ارتجف معها جسد اينديا.
بدا على علم بوجودها كانه احس بحضورهت كما يشتم الذئب فريسته.
فالتصقت بالحائط مذعورة ولبثت في مكانها حتى اخبرها هدير السيارة برحيله.ومع ذلك تطلب الامر منها بضع دقائق قبل ان تجرؤ على الحراك.
لكن الممر كان خاليا اليوم على الاقل،لاحظت اينديا ذلك بامتنان وهي تصل الى البيت بعد ان احضرت بعض الخضار التي وضعتها على مقعد السيارة الخلفي،لم تدل اي اشارة على وجود احد ما،ولم تر اي سيارة غريبة متوقفة في الباحة الامامية.فاطمان قلبها ودندنت بارتياح وهي تفتح الصندوق لتحمل كيسي الخضار الثقيلين.
-مهلا دعيني اساعدك!
-اه..انا..
كاد الكيس يسقط من قبضتها،وتجنبت ارتطام راسها بباب السيارة الخلفي المفتوح في اخر لحظة.
هدئها ايدان قائلا:”انتبهي “.
بدا في صوته وملامحه اهتمام مزعوم لم تصدقه للحظظة،واضاف:”دعيني احمل هذا عنك”.
-استطيع تدبر الامر جيدا.
تملكت افكارها الصدمة مما زاد في حدة صوتها.
قالت:”من اين تاتي ؟”.
اجابها:
-من ويستبوري “واضاف:
-كنت مقيما هناك لبضعة ايام.
-لكن سيارتك..؟
-ا÷ تركتها في اسفل المنحدر،وصعدت مشيا على الاقدام.
-لم ارها.
فات الاوان وشعرت انها فضحت نفسها فسيعلم ايدان الان انها كانت تبحث عن اشارات تدل على وجوده خوفا من ان يكون في الجوار.
-لااظن انك فعلت.
وارتسمت ابتسامة ببطء على شفتيه ،ابتسامة نابضة بسخرية كسولة وتلالات عيناه ببريق شرير وهو يتابع قائلا:
-لكني بالطبع لم اتركها ظاهرة للعيان فالحذر الشديد ضروري في هذه الايام،وحولنا العديد من اللصوص .ولم ارد تحذيرك من قبل اوتزويد بالسلاح مسبقا كما حصل حين قرعت الباب في ذلك اليوم.
-لقد علمت؟
-بالطبع علمت انت تنسين ياعزيزتي اني اعرف هذا المنزل منذ زمن بعيد وانا اعلم جيدا اي الغرف هي غرفة نومك.
تكلم ايدن بنبرة منخفضة مثيرة،فعلا الاحمرار وجه اينديا.
-والان فلندخل هذه الاغراض.
اينديا؟
سرى الاحمرار على وجهها سريعا حين سمعت صوته المنخفض يناديها واتسعت ابتسامته الشريرة وتاجج بريق عينيه مرسلا ومضات شيطانيه.
-ان لم تدخل هذا الطعام الى المنزل فستتلف بعض الاغراض المجلدة في هذه الحرارة واريد ..
-ان والدي ليس في المنزل!
كان هذا كل ماستطاعت قوله،فكرة ان يطا ايدان منولها بعثت في ظهرها رجفة اشمئزاز وشعرت بالدم وقد تلاشى من وجهها.
اجابها ايدان ببساطة:”اه اعرف ذلك لهذا السبب بقيت منتظرا،لكن علي الاعتراف بانني فوجئت حين ظهرت انت،فقد توقعت ان تكوني في العمل طوال اليوم”.
-ليس لدي عمل.
-بالتاكيد لا.
عكست نبرة صوته نوعا من الحدة وتابع يقول:”اذن انت فتاة حرة طوال النهار”.
-اجل،لكن انت..
قاطعها ايدان مستبقا محاولتها الثانية لاقناعه بالرحيل:
-لدي وقت العالم كله،انا في عطلة.
اجابت بحدة:
-لم اكن اعرف انك تاخذ العطل،اعني انك كنت دائما مدمنا على العمل حين كنا..
تابع ايدان بلطف حين ادرك ان ماحولت قوله منع لسانها من النطق:
-حين كنا معا؟حسنا ستجدين ان بعض الامور قد تغيرت منذ ذلك الحين،والان هل ستفتحين هذا الباب؟”.
قبلت الهزيمة ففتحت الباب.
-وبالمناسبة،لم اتي لرؤية والدك فقط.
اجابته بفظاظة:”حسنا لاتقل انك اتيت لاعادة احياء صداقتنا”.
“صداقة؟”.وارتفع حاجبه الداكن في تساؤل صريح مشكك واستقرت خلف صوته نبرة عجزت عن تفسيرها وقال:
-الا تعتقدين ان ذلك يقلل من شان ماكان بيننا؟.
-ماكان بيننا هو كذبة منذ البدايه وحتى النهاية،وقد انتهى الامر الان الى الابد،مات وتم دفنه.
-هل هذه هي الحقيقة؟.
-انها الحقيقة الوحيدة التي اعرفها!.
تلاشى اي اثر لدعابته الساخرة وعلت وجهه برودة عدائية وقال:
-انت لاتدعين باني حطمت قلبك؟ربما اكون خيبت املك في المستقبل بعض الشيء؟.
-حطمت قلبي؟كررت ذلك في محاولة لضبط النفس واللتاكد من عدم تسرب اي ظل للحقيقة منها.
-لا لست ادعي ذلك ابدا.في الواقع كما سبق واخبرتك في الليلة السابقة انا ممتنة لك،فلو انك لم تتخلى عني كما فعلت،لكنت علقت في زواج طائش متهور وغير مناسب على الاطلاق،ولكنا بعد فترة قصيرة ادركنا خطانا لكن ذلك كان سيزج بنا في اجراءات الطلاف المزعجة للخروج من المازق.
-في مقابل ذلك،وجدت نفسك حرة وعلى اتم الاستعداد للزواج بحبيبك جيم.
افتقر جوابها لاي نوع من المشاعر وهذا مااضرم في نفسها الما حادا،اضطرت معه للعق على شفتيها السفلى بقوة،لكنها استغلت الفرصة التي اتاحها اليها فاذا اراد الاعتقاد بانها وجيم على علاقة فلن توقفه اوتمنعه من ذلك،قالت:
-هذا صحيح..فجيم ..بقي في صحبتي..
واضافت:
-منذ السنة الماضية اصبحنا مقربين كثيرا واعتقد ان عائلتينا تتوقعان اعلان طوبتنا قريبا.
تشدق ايدان قائلا:”تهانينا،انا متاكد من انه يناسبك تماما”.
تكلم ايدن باسلوب جعل الامر يبدو كحكم بالسجن المؤبد،واضاف:
-من الواضح ان والدك يفضل عاملا بسيطا مبتدئا على رجل ذي خلفية مثلي.
-حسنا ان عم جيم عضو في مجلس النواب،وجدته ابنة احد النبلاء.
تملك اينديا شعور رهيب بانها عبثا تحاول جعله يسمعها.
دمدم ايدان قائلا:”هل اضع الاكياس جانبا؟”.
-لاحاجة لذلك.
كان من المستحيل ان تخفي الم المرارة التي سببها عدم اكتراثه،واضافت:
-لكن شكرا لادخالها.
نظرت تلقائيا الى الباب متوقعه ان يفهم ماتلمح اليه ويغادر المنزل لكن ايدان هز راسه فحسب بهدوء لم تحتمله وقال:
-اه ياجميلتي لن اغادر قبل ان اتكلم مع والدك الغبي.
ذعرت اينديا حين وضع احد الاكياس بهدوء على الطاولة وبدا يفرغه من محتوياته بالترتيب.
وشرع في وضع المعلبات والرزم في اماكنها حسب العادة،مما جعل الذكريات المريرة تفطر قلبها فقالت:طلاتستطيع انه..في الاخارج..”
لو املت لو قليلا ان يحمل مرض والدها ايدان على التراجع اوعلى اظهار بعض الاعتبار والتفهم،لاخبرته الحقيقة لكن هذا الرجل وبروس مارشت كانا على شجار دائم.
ومامن ادنى شك ان ايدان سيذهب مباشرة الى المستشفى لمواجهة خصمه في اي موضوع يشغل فكره.سيطر عليها الخوف حين فكرت باثر هذا اللقاء على صحة والدها الضعيفة.
فقال لها:”هذا واضح،اذن متى سيعود؟”.
-لااستطيع القول.
-لاتستطيعين ام لاتريدين ايتها الاميرة؟؟.
-لااعرف متى سيعود!
-اذن سانتظر حتى يعود،لايستطيع البقاء بعيدا طوال اليوم.
-بل يستطيع!.
ثم خطرت في ذهنها فكرة ملهمة:”لقد ذهب في عطلة نهاية الاسبوع و…”.
تلاشى صوتها حين هز ايدان راسه مستنكرا وقال:
-محاولة جيدة حبيبتي لكن متاخرة جدا.لو كلن ماتخبريني به صحيحا لاستهنت بها قبل الان.وفضلا عن ذلك رايت سيارته في الموقف،اينما ذهب،لااظنه ابتعد كثيرا.
فكرت اينديا بائسة انه لم يغب عن باله شيء وقالت :”فكر كما تشاء!”.
عكست نبرة صوتها الهزيمة حين تابعت قائلة:”لكن لاتنادني حبيبتي !لست اي شيء بالنسبة لك،ولن اكون ثانية ابدا!”.
اجابها ايدان وهو يضع اخر علبة في الخزانة ويطوي الكيس الفارغ بحركات ثابته ودقيقة:”حسنا علي الاعتراف بان هذه التسمية غير ملائمة،فمنذ وصولي كنت كل شيء الا حبيبة”.
انفجرت اينديا غاضبة:”ماذا توقعت!”.
كانت عاجزة عن تصديق وقاحة الرجل فتابعت:”بعد الطريقة التي عاملتني بها،لاتتوقع ان ارتمي في احضانك واعانقك بلهفة وشوق”.
-اذكر مناسبات عديدة لم تفعلي فيها سوى ذلك.
قاطعته بحدة:”حسنا،الذكريات هي كل ماستحصل عليه!”.
ولم تكن كذلك بحاجة الى من يذكرها بالمشاعر التي كانت تعتمل في نفسها لمجلاد وجوده بقربها.مجرد التفكير بذلك جعل نبض قلبها يتسارع بوتيرة حادة..
قال:”هذا جيد بالنسبة الي..في الوقت الحاضر”.
كانت ابتسامة ايدان تشبه تلك الابتسامة التي ترتسم على وجه نمر يرقد تحت اشعة الشمس وهو يرتقب بهدوء منتظرا الفرصة المواتيه لينقض عليها.
-غير اني اتمتع بذاكرة قوية جدا.
واضاف بفظاظة:”ان فنجان من القهوة سيكون جيدا”.
روع اينديا بمزاجه الذي تبدل فجاة.
-اليس لديك عمل افضل تقوم به؟.
-بصراحة،لا.
لم يترك جوابه الفظ مجالا للنقاش.فما كان من اينديا الا ان هزت كتفيها مستسلمة وراحت تملا ابريق القهوة.
-لاماذا تريد رؤيته على اي حال؟.
-انه يدين لي بالمال.
انت والمئات غيرك..كبتت اينديا بصعوبة تعليقها في الوقت المناسب،لكن ايدن التقط شيئا ما من التبدل اللذي بدا على ملامحها.
-لاتبدين مندهشة!
-لست كذلك.اني دهشة فقط لانه استدان منك انت.
فدمدم ايدان بسخرية مجيبا:
-اموال مشبوهة،اليس كذلك؟ليست بالشيء الذي قد يلوث النبلاء امثالكم ايديهم به.
-اه انت الان تبدو سخيفا!لم يكن ذلك مااقلق والدي فقط،بل كان قلقا من سنوات شبابك الصخبة،كاعتقالك مرات عديدة من قبل الشرطة.
-بالغت الصحف كثيرا..اعترف اني لم اكن قديسا،لكن في النهاية هل يكون احد ملام في فترة المراهقة؟.
-لم تعد مراهقا منذ خمسة عشر سنة!ام انك تدعي ان الرجال والنساء خاصة النساء منهم الذين استقبلتهم ثم رميتهم جانببا في طريقك الى القمة،هم فقط جزء من خيال الصحف ايضا؟.
-وهل تدعين ان والدك لم يعتقد يوما ان ثرواتهم الطائلة الموروثة اضخم بكثير من المال الذي تجنبه من العمل الشاق؟.
لاحظت اينديا انه لم يجب على السؤال ،لكن هل هو حقا مرغم على ذلك.
هل كانت من الغباء حقا بحيث تظن انه قد يكترث فعلا بالحسناوات اللزاتي اقترن اسمه بهن لفترة وجيزة في الماضي؟.
-في حالنا نحن،نفتقر عبارة”ثروة”فحسبما اذكر منذ وفاة جدي وتورطنا في تكاليف الجنازة اتخذت حياتنا شكل الفقر المقنع حيث كادت المظاهر تحجب الحطام،لو نظرت تحت هذه المظاهر ،لما وجدت شيئا..
-وذلك حين دخلت انا.
-انت تعلم اني لااشارك والدي اراءه عن..
قاطعها قائلا:”لا.انت لم تهتمي من اين ياتي المال طالما ان هناك من هو قادر على انتشالك من ذلك الفقر المقنع،الذي كنت تمقتينه جدا”.
جعل صوت ايدان الهواء يتجمد من حولهما ممازاد من صعوبة التنفس.
وفجاة بدت اينديا كانها عادت بالذكرى الى وقت مضى،لترى نفسها قبل اكثر من سنة بقليل،في نهاية تلك السهرة التي بدا فيها كل شيء.
لم لم يكن روب السبب لما شعرت هكذا اصلا”روب”هو الرجل الذي كانت تخرج معه لاشهر قليلة ماضية،والذي ظنت معه انها توشك ان تقع في الحب.
كانت مقتنعه بمشاعرها تجاهه لذا سحقت حين قام روب فجاة بفسخ علاقتهما بقسوة ودون اي اكتراث لمشاعرها.
ولكم تفاقمت حدة شعورها بالخسارة ولكم جرحت كبريائوها حين ظهر روب في السهرة مع امراه اخرى الى جانبه.
قالت لها صديقتها متذمرة:”انها ابنة رئيس العمل،بلا شك”.
حاولت اخفاء المها وراء ستار من الازدراء حين تابعت تقول:
-لكن..اعني..اوه انظري اليها فحسب لست ادري مالذي يعجبه فيها.
قالت روز بنبرة ساخرة واثقة:
-واجهي الحقيقة ،ان مايعجبه حين ينظر اليها هو مدخول شخصي يبلغ بضعة الاف سنويا،وطريقا ممهدا للوصول لمكتب والدها دون ذكر التوقعات بمستقبل باهر ومريح جدا.اذ ماعرف كيف يلعب لعبته قد يكون لعائلتك اسما ومنزلة اجتماعية مرموقة كذلك شجرة العائلة ايضا لكنكم لاتملكون الدخل المطلوب المتوفر الذي يسعى اليه رجل مثل روب.
وافقت اينديا قائلة:
-المدخول الذي تملكه عائلة مارشتت يستهلكه ذلك الركام القديم المتداعي الذي يصر والدي على تسميته بمنزل الاسلاف!سيحتاج قريبا الى سقف جديد وليس لدينا في المصرف مايكفي لتغطية تكاليفه.
تدخلت جاين وهي توميء الى حلبة الرقص حين كانت الشقراء ملتصقة بروب وقالت:
-هذه ليست من المشاكل التي قد تعني بها الانسة “باتيستر “العزيزة ان هذا الثوب البسيط الذي ترتديه مستورد مباشرة من شوارع باريس،واراهن ان الثمن الذي دفعه والدها لقاءه يتخطى من بعيد مايكلفه سقف منزلكم الجديد.
انفطر قلب اينديا كانه ضرب بسكين حاد حين القت نظرة اخرى نحو روب ورفيقته.
-ياالهي لقد سئمت وتعبت من الفقر المقنع اعتقد انه ان الاوان لافعل شيئا في ذلك.راقبيني جيدا فساجد لنفسي زوج ثريا يستطيع ان يجعلني احيا بمستوى انوي التعود عليه.
اجابتها صديقتها:”حسنا،لن تحصلي على فرصة افضل من البدء هنا،الليله فلا بد ان يحضر الى هنا زبدة المجتمع من فناني ورجال اعمال بامكانك الاختيار”.
-هذا ماانوي القيام به!
لم تكترث اينديا لارتفاع صوتها فقالت:
-ولن اجلس بانتظاره لياتي الي،فالواقع ان الرجل الثري الذي سيلج من هذا الباب سيجد نفسه فريسة لحملة من الاغراء بحيث انه لن يتمكن من مقاومتي،واراهنك باني ساضع خاتمه في اصبعي قبل ان يدرك مالذي صعقه وذلك في مهلة لاتتعدى ثلاثة اشهر كحد اقصى.
-هكذا كنت ترين الامر اليس كذلك؟
قاطعها ايدان وسط ذكرياتها وقال:
-صححي لي معلوماتي ان كنت مخطئا.
اجابته وقد اشاحت بنظرها عن عينيه:
-لااعتقد انك ستصدقني ان قلت لك ان ذلك لم يكن سوى مزاح لاغير.
قال بقسوة:”في هذه الحالة،ارتد المزاح عليك”.
وكانت عيناه الصلبتان وعضلات وجهه المنقبضة قد اوضحت الرسالة التي حملتها نبرته.
-لم اعرف انك كنت تتصنت.
ضحك بخبث قائلا:
-لا؟لا لابد انك ارتكبت خطا هناك ياعزيزتي،اليس كذلك؟لقد اعتقدت حتما انك نجحت في تحقيق ماربك،فكما تمنيت وقع رجل فاحش الثراء فورا في الشرك الذي نصبته بعناية.
كانت ضحكته اسوا وقعا هذه المرة لما حملته من دعابة ساخرة.
-من المؤسف انك لم تلاحظي ان النافذة كانت مفتوحة خلفك حين دبرت مكيدتك الصغيرة،وانها حملت كل كلمة من حديثك الى الخارج حيث كنت قد وصلت للتو الى الباب الرئيسي. وكما يقولون من انذر مسبقا فقد اتى متسلحا.
كان يجب ان تري وجهك بدوت كان كل امنياتك في ليالي الميلاد قد تحققت دفعة واحدة وحصلت تماما على ماسبق ان طلبته من بابا نويل.
-حسنا،لقد حصلت انت ايضا على مرادك!
-وماكان ذلك؟.
-حصلت علي انا،تجاوبت مع مكيدتي الصغيرة لانها كانت تناسبك،ام انك ستحاول نفي ذلك الان؟.
هز ايدن راسه بحسم وسكون محدقا بتصميم مزعج في وجهها بعينيه الداكنتين مماجعل الخنجر الحاد ينغرز بوحشية عميقا في موضع الجرح وتابعت:
-وعندما لم تحصل على جسدي بالطرق غير الشرعية،سالتني الزواج.
وتابعت قائلة:”ولكنك في اللحظة الاخيرة،وجدت ان رغبتك ليست باقل من جناح بعوضة..وكان ان رميتني في الكنيسة دون ان تشعر بالذنب”.
-اللعنة عليك!
تلاشى صوت اينديا فجاة وخانتها الكلمات حين اطلق ايدان عليها لعنة متوحشة ووقف على رجليه بحركة عنيفة جعلت الكرسي ينقلب على الارض خلفه مصدرا اصواتا قوية ومروعة،وقال:
-اذهبي الى الجحيم ايتها الاميرة!ان كان هذا هو وقت المصارحة فليكن اذن لكلينا.
ودار حول الطاولة متوجها نحوها،وقد علت وجهه ملامح اجفلتها فابتعدت خائفة لانها رات الخطر محدقا في عينيه.
لكن يدي ايدان الرشقية التفتا حول ذراعيها بشدة،لتمنعانها من الهروب،لم تستطع الهروب وهي عاجزة عن الحراك الا ان تدير راسها بعيدا لتجنب النظر في عينيه.
تشدق وهو ينظر الى وجهها المبعد بعناد عنه قائلا:
-وسوف تستمعين الى مااريد قوله حتى لو اضطررت لادخال كل كلمة ملعونة الى راسك بقوة.
وهزها بقسوة وبعنف لكن بما يكفي لتعلم ماقد يكون عليه طبعه اذا ماانفجر وافلت القيود التي يفرضها عليه.
-نعم ..لقد اردتك؟؟
فلم تستطع اينديا الا ان تقاطعه قائلة:”جسديا “وبطرف عينيها رات ايماءة راسه القوية التي اكدت كلامها.
-لم انكر ذلك قط وساكون مجنونا ان حاولت،ويكفي ان انظر اليك لكي ارغب فيك،وبعد ماعرفت انك لست سوى مصاصة دماء عاشقة للمال رخيصة،لم استطع تبديل مااشعر به لسوء الحظ،كنت اتمنى العكس،لكنك اسات فهم شيء واحد.
-لا…
خرج اعتراضها لااراديا وهي تدير راسها من الصدمة حين استجمع فكرها ماقد سجله من كلامه..يكفي ان انظر اليك لكي ارغب فيك.
لقد تكلم بصيغة الحاضر..وليس الماضي.
“لا”لم تكن تريده ان يقول ذلك..لم تكن ترغب بسماع مايؤكد مخاوفها.
-بلا.
كانت ابتسامته كريهة حين ارتسمت على شفتيه في رضا،فقد عكست عيناها اللمعان التان غشيهما الظلام تخمينها لما سوف يحدث.
-اه،نعم يااميرتي الحبيبه،لقد اسات فهم شيء واحد،وهذا الشيء الواحد يحدث كل الفرق،بامكانك القول اني لم اكتف منك قط ولن اكتفي منك ابدا.
هزت اينديا راسها بياس شديد وجعلت يدها امام وجهها كانها تحتمي من كلامه.لكن ايدن تجاهلها وتابع دون رحمة:
-لم اكتف منك يوما..اردتك لي حينها.اردتك بشدة الى درجة ان مجرد التفكير بها يبعث الالم في نفسي،واريدك الان،وفي الواقع انني اريدك اكثر من اي وقت مضى.ولم يغير هذا الواقع اي شيء مهما حصل
*********************************
- رواية عبير حب رخيص ليلاس
- رواية حب رخيص كيت والكر
- رواية حب رخيص ليلاس
- رواية عبير حب رخيص
- قرأت حب رخيص رواي لعبير