الفصل الخامس
لقد تاخرت …. اليس ذكاءا منها ان صنعت لجمال نسخا من المفتاح ؟؟ … بالكاد ارتدت ذلك القميص الازريق المطبع بازهار المارغريت … وسروال جينز ابتلع قوامها الملتف بنعومة … تناولت مشطها وحقيبة يدها …واندفعت خارجة من الغرفة شبه راكضة وهي تمرر المشط عبر خصلات شعرها الكثيف بعجل حتى استوقفها باب غرفة لوتس الموارب …
باب غرفة لوتس مفتوحا!!!! … ليس بالوضع الطبيعي ابدا .. فتحت الباب برفق واسترقت نظرة نحو الداخل بتفاجىء برؤية لوتس مكومة فوق السرير … تضم ركبتيها الى صدرها .. تبدو شاحبة ومرهقة وهي تحدق امامها شاردة
اقتربت فارديا منها بطء وهي تقول بقلق :- لوتس … ماالامر حبيبتي ؟ .. هل انت بخير ؟؟
اجفل لوتس صوت شقيقتها .. وجعلها ترفع راسها بحدة نحوها وذعر خالص يطل من عينيها سرعان ما اختفى تحت طبقة من العصبية وهي تقول :- انا بخير … اشعر ببعض التعب … مغص وارهاق … انت تعرفين هذه الفترة من الشهر
هزت فارديا راسها تفهما دون ان تصدق شقيقتها تماما .. قالت :- هل ستذهبين الى الجامعة .. استطيع انتظارك كي نذهب معا ؟ منذ فترة طويلة لم نترافق سيرا على الاقدام
لمحة اخرى خاطفة من الذعر في وجه لوتس الجميل وهي تقول :- لا … لن اذهب اليوم الى الكلية …. اخبرتك بانني متعبة … اريد فقط ان انام
تمددت فوق السرير ساحبة الملاءة فوق راسها .. مانحة ظهرها لفارديا التي تنهدت تاركة اياها وحدها … مغادرة الى عملها …
كما توقعت … كان جمال في انتظارها داخل المحل … وقد بدا بترتيب المكان بالفعل وصتع القهوة ايضا كما تحبها … اخذت نفسا عميقا من الرائحة الزكية وهي تقول :- ممممم … جمال … هل تتزوجني ؟
اطلق ضحكة رجولية نادرة جعلتها ترتعش بهجة …. اذ ان جمال كان دائما شديد الجدية … التفت نحوها وهو يقدم لها قدحها قائلا :- لست محظوظة الى هذا الحد فارديا .. احبك … لكن ليس الى هذا الحد
ابتسمت الفة غزلهما اليومي البريء … وسالته فجاة عاجزة عن كبح فضولها :- حسنا .. انت تعمل معي منذ سنتين جمال … حتى الان لم اجد اي دلائل منك على وجود فتاة مميزة في حياتك … الم تقع في الحب قط ؟
التوت شفتاه بابتسامة باهتة وهو يقول :- الامر ليس بهذه السهولة فارديا … هناك اشخاص لا يقعون في الحب ببساطة .. وانا منهم .. لا استطيع ان اسلم مشاعري لاي شخص كان … انا ضد العلاقات العابرة او الافتتان المؤقت .. الفتاة التي ستحظى باهتمامي ستكون في النهاية زوجتي … انا لست رجل الاعيب .. اظنك تفهمين ما اعنيه جيدا ..؟
اختفت ابتسامتها عندما اصابتها كلمات جمال في الصميم … يظن جمال بانها مثله .. انتقائية وشديدة الحرص حول مشاعرها .. الا ان الامر اكثر تعقيدا … فارديا لم ولن تقع في الحب يوما … كانت تعرف هذا منذ بداية نضوجها .. لقد كانت اصلب من ان يحتويها رجل .. مجرد التفكير بزواج كزواج والديها يجعل جسدها ينتفض امتعاضا .. قال جمال باهتمام :- ما الامر ؟؟ هل ازعجتك بكلماتي ؟
كذبت متمتمة وهي تحتسي شيئا من قهوتها :- لا … لقد كنت افكر بلوتس ..
اطل القلق من عينيه وهو يقول:- وما بال لوتس ؟؟؟ هل هي بخير ؟
تنهدت وهي تجلس خلف مكتبها :- ومن يدري بماذا تفكر لوتس ؟؟ ماذا لدينا من عمل اليوم ؟
بعد ساعتين .. كانت فارديا وحدها في المتجر عندما غادر جمال ليوصل بعض الطلبيات مستخدما السيارة … انشغلت تماما بتنسيق باقة جميلة من الازهار عليها توصيلها مساءا الى احدى حفلات الزفاف .. استغرقت تماما في عملها وهي تدندن بلحن معروف … حتى انها لم تشعر ابدا بالسيارة السوداء التي توقفت تماما امام المتجر .. ترجل السائق بسرعة ليدور حولها ويفتح الباب الخلفي للرجل الطويل الذي ترجل منها .. القى نظرة قصيرة على باب المتجر المفتوح … وعلى الفتاة الغافلة تماما عنه .. قبل ان يخطو بهدوء وثقة … الى الداخل …
فاحت رائحة الازهار في قلب المكان القليل المساحة … رائحة الاوراق الخضراء والسيقان المقصوصة لتوها .. الفوضى كانت في كل مكان .. اذ بدا واضحا ان صاحبة المتجر الشقراء المنهمكة في عملها .. لم تجد الوقت بعد لتنظيف بقايا اعمالها السابقة …
راقبها بهدوء .. وهو يقف عند المدخل الضيق … شعرها المتعدد الالوان مرفوع فوق راسها في كتلة مهملة … بينما تدلت خصلات نافرة لتلتف بنعومة حول عنقها الانيق .. راقب حركة كتفيها الرشيقة وهي تحركما اثناء عملها .. ثم انزلقت عيناه تتاملان خطوط خصرها النحيل الذي احتواه القميص القطني الازرق بحنان وكانه يعانقه حبا … ابتسم .. ببطء وعبث .. وعيناه تدرسان سروالها الضيق … والتفاصيل الشديدة الانوثة التي كشف عنها القماش الازرق اللون
التفتت الفتاة فجاة .. لتقفز رعبا وهي تشهق بعنف ادى الى سقوط المقص الضخم من يدها لتنغرز اطرافه الحادة في الارض تماما بين قدميها ..
للحظات لم تستطع فارديا حتى الاحساس بها … حدقت مذهولة بالرجل الضخم البنية الذي جعل من جسده حاجزا يفصلها بشكل جعل احساسا غريبا بالقلق يجتاحها .. عن العالم الخارجي …
اولا كان وجوده المفاجيء على بعد مترين فقط عنها … بينما هي غافلة تماما عنه .. ثانيا .. ذلك الشعور بعدم الارتياح والخوف اتجاهه .. وكانها تعرفه .. كشيء اعتاد زيارة كوابيسها دوريا فتستيقظ لاهثة .. مذعورة .. دون ان تتذكره ..
لم تعرف ما الذي اخافها حقا ؟؟ الهدوء الشبيه بهدوء بركان ثائر في عينيه السوداوين … .. عرض كتفيه الملاءم لطوله الفارع .. وضخامة بينته التي بدت منيعة جدا وكانه لا ينتمي الى البشر … القسوة التي تكاتفت مع وسامته الرجولية الطاغية لتصنع مزيجا جديرا بشيطان جاء مباشرة من قلب الجحيم … هاديس … ارتعشت مصدومة لربطها اللا شعوري بين هذا الرجل .. المسربل بحلة انيقة حالكة السواد .. وحارس العالم السفلي في الاساطير الاغريقية القديمة ..
التقت عيناهما .. وغرقت فارديا في الاسر الفطري لنظراته المسيطرة .. بينما قال كلمة واحدة .. بصوت عميق وهاديء :- اخفتك ؟
لا اعتذارات … لا حرج لاقتحامه المكان بهذه الطريقة وكانه يمتلكه … تراجعت بردة فعل غريزية وهي تقول :- لا .. اممم .. كيف استطيع ان اخدمك ؟
:- ماذا تقدمون في متجركم هذا سوى الازهار انستي ؟
احمر وجهها وقد وعت سخافة سؤالها … تحركت لتحتمي وراء مكتبها الصغير قائلة بتوتر :- حسنا .. ما هو طلبك اذن ؟
نظر الى عينيها مباشرة .. بطريقة جعلت المعرفة تضربها بدون مقدمات … لقد كان يعرفها .. كما تعرفه بالضبط … لم تعرف كيف .. انما صوته وجد طريقه نحو عقلها ليربط بين الرجل الواقف امامها وذاك الذي كان يثير حيرتها لاسابيع كلما اتصل طالبا باقة ازهار منها .. بطريقته الساخرة ..باستفزازه المستتر .. كانه يختبرها … لقد كان هو .. وكانه يؤكد لها شكوكها قال بهدوء :- ما رايك بباقة من ازهار السوسن ؟ .. تلك التي تجيدين صنعها .. وكانك تضعين روحك بين بتلاتها .. وكانك تهدينها الى شخص تحبينه حتى وانت تدركين بانها ستنتهي الى شخص اخر ..
نظرت اليه بصلابة … رافضة تماما ان ياخذها على حين غرة … بينما كانت ترتعش اضطرابا وغضبا من راسها حتى اخمص قدميها .. للمرة الاولى في حياتها تشعر بهذا العجز في مواجهة شخص لا تعرفه حتى .. انما بدا واضحا بانه يعرف عنها ما يكفي ..
بدون ان ترضيه برد .. قالت ببرود :- متى تريدها ؟
:- الان
قالها بشيء من الصرامة .. وكانه يفرض سيطرته .. يخبرها من هو العنصر القوي في هذه المواجهة .. بدون ان تظهر اي تاثر في نظراتها التي ازدادت صلابة مما جعل لونهما الازرق يبرق كالف قطعة من الماس الازرق .. تحركت امامه واعية تماما للمساحة الضيقة لمتجرها وقد احتل الرجل بجسده وبحضوره الطاغي معظمها .. وبدات بالعمل .. بتوتر .. وصمت .. تحركت يداها بخبرة وحرفية لتنتقي اجمل الازهار المتاحة في متجرها … تشذبها بعناية .. تختار الاضافات بذوق رفيع …. تنسقها جميعا في باقة واحدة …دون ان تنظر اليه مرة واحدة حتى وهي تشعر بنظراته تحرقها .. حتى انتهت .. التفتت اليه لتجد نارا سوداء حارقة في عينيه .. بينما لا اثر لاي ابتسامة في ملامحه الجامدة .. التقطت احدى بطاقات المحل .. ودفعتها نحوه قائلة وهي تغض البصر عن تعابيره التي بدت وكانها تخفي غضبا مكبوتا وقالت :- ربما تريد ان تكتب شيئا على البطاقة للشخص المرسل اليه
انتفضت عندما لامست اصابعه اصابعها تتناول منها البطاقة .. فرفعت راسها تلقائيا نحو وجهه الواجم وهو يقول :- لقد غيرت رايي … اريد للباقة ان ترسل من قبل المتجر على هذا العنوان …
مال قليلا فوق المكتب ليخط بضع كلمات فوق البطاقة … فتراجعت مجفلة عندما اقترب منها بما يكفي لتستنشق رائحته .. رائحة هي مزيج اثار عطر رجولي خفيف .. لا اثر فيه للتباهي والغرور .. عبير رجل يعرف تاثيره جيدا .. عبير خالطته رائحة الطبيعة .. رائحة غابات لم تشوهها اثار البشر
بدون انذار رفع عينيه ينظر الى عينيها مجددا .. للحظات .. لم يتوقف احدهما عن التحديق في عيني الاخر .. بصمت .. صمت صاخب كاد يصم اذنيها بهدير انفاسها .. قبل ان يتحرك اخيرا ليعتدل قائلا باقتضاب :- هاك العنوان .. اريد ان تصل الباقة في اقرب وقت ممكن لصاحبتها .. والتي اعرف بانها ستقدر تماما جهدك في صنعها ..
اومات براسها متوترة … حابسة انفاسها حتى راته يغادر المتجر … حيث كانت سيارته السوداء في انتظاره .. سائق بملابس انيقة فتح باب المقعد الخلفي ليستقله باناقة … اخذت نفسا عميقا عندما اختفى عن ناظريها .. وتناولت البطاقة تنظر الى خطه الانيق … فشحب وجهها وهي تقرا العنوان المذكور على البطاقة ..
العنوان كان مالوفا لديها … اكثر مما ينبغي اذ انه كان عنوان منزلها هي … وتحت العنوان … كتب كلمتين .. بخط واضح وصريح … الى فارديا
استل نضال هاتفه … وعبس محدقا برقم الهاتف الذي اتصل به بالحاح في وقت غير مناسب بالمرة … رد بسرعة قائلا بصرامة :- من اين جئت برقم هاتفي لوتس ؟
استمع بوضوح الى شهيقها عندما ادركت بانه حتى وهو يرفض منحها رقم هاتفه الخاص لاسابيع .. فقد كان يمتلك رقمها هي منذ البداية .. قالت بصوت مرتجف :- نضال … يجب ان نتحدث .. ارجوك ..
قال بقسوة :- لا شيء نتحدث فيه لوتس .. لقد كنت واضحا تماما معك في حديثنا الاخير .. انالا الهو هنا .. عندما تكبرين .. وتتوقفين عن التصرف كالطفلة الساذجة .. اتصلي بي ..
انهى المكالمة بدون مقدمات في الوقت المناسب .. اذ فتح باب الغرفة التي كان يجلس فيها وحيدا لتدخل نسرين .. مطاطاة الراس بحياء .. انما في قمة الاغراء بتنورتها القصيرة التي كشفت عن ساقيها الطويلتين … وقميصها الرقيق شبه الشفاف … قال بعبث وهو يقف ليستقبلها .. يكاد يلتهم حنايا انوثتها بجوع :- ارى انك قد بدات باستخدام الاسلحة الثقيلة
ضحكت وهي تجلس الى جانبه على الاريكة الثلاثية في غرفة الاستقبال لمنزل عائلتها وقالت :- كل شيء مباح … في الحب .. والحرب
لاحظت بدقة كيف تعلقت عيناه بساقيها وهي تشبكهما امامها باناقة .. فقال :- اذن .. ما هي الحالة هنا .. حب .. ام حرب ؟؟
رفعت عينيها تلاقي نظراته قائلة :- معكم انت ال فهمي .. الوسائل اللطيفة لا تجدي نفعا ..
دخلت والدتها فجاة حاملة صينية مليئة باطباق الحلوى مما جعله يستعيد وقاره خلال لحظة ناهضا ليتناول الصينية من يدي المراة .. التي ابتسمت بتقدير للفتته … وجهها الطيب يذكره بوالدته .. غير ان والدته كانت اكثر قوة وسيطرة من حماته المستقبلية التي بدت دائما منذ عرفها مضطربة ومترددة .. :- اشكرك يا ولدي
وضع الصينية على طاولة القهوة المنخفضة وهو يشكر حماته بكلمات لطيفة … جلست مقابلهما وهي تبتسم بانشراح .. قبل ان يرتسم القلق على وجهها وهي تنقل نظراتها بينهما ثم تنهض قائلة :- اه .. اممم .. لقد نسيت احضار العصير ..
عندما غادرت … التفت نضال نحو نسرين التي تابعت والدتها حتى غادرت واغلقت الباب ورائها بعينين ثايتتين … فقال :- والدتك امراة طيبة جدا
التفتت نحوه قائلة :- عليها ان تكون كذلك … فوالدي متسلط بما يكفي …
ابتسم متذكرا والدها … السيد رضوان .. رجل الاعمال الشهير .. معروف بصرامته وعبقريته .. رباه .. لقاءه مع نديم قبل اسابيع عندما رافقه لخطبة نسرين كان جديرا بالحفظ للذكرى .. صراع الجبابرة ..
قال لنسرين برقة :- لم لا تقدمين لي طبقا من حلوى امك التي تبدو شهية جدا لاتذوقها
راقبها متسليا وهي تنهض … ثم تميل لتزداد تنورتها قصرا .. قبل ان تعود اليه حاملة الطبق .. بدلا من ان يتناوله منها … امسك بمعصمها وجذبها فجاة متجاهلا شهقتها لتستقر في حجره .. حاولت التملص منه قائلة بنزق :- ما الذي تفعله ؟؟؟
:- احتفل بخطيبتي …. ام انك نسيت اتفاقنا القديم … لا قبل .. ان لم البسك خاتمي اولا ؟؟؟
نظرت الى عينيه الخضراوين قائلة :- هه .. واكون رقما جديدة في لائحة فتياتك الطويلة ؟؟؟ لا شكرا ..
رمش بعينيه ببراءة قائلا :- اي فتيات … وهل اجرؤ على النظر بعيدا وانا احتضن اجمل فتيات المدينة بين ذراعي
قالت بحدة :- لا تعاملني كالبلهاء نضال … انا اعرف كل شيء عن مغامراتك السابقة .. لنقل بان سمعتك كزير نساء كانت اكثر سوءا من ان تتمكن من اخفاءها عني … لن اسمح لك باللهو بعد الان .. اتفهم ؟؟ على زميلاتك وطالباتك الولهانات … على بنات عمك ايضا .. ان يبحثن عن غيرك ليلهين معه
عبس فجاة فاقدا كل حس لديه بالمرح .. وقال :- ما علاقة بنات عمي بنا ؟؟
:- بحق الله نضال … انا لست غبية .. رايت كيف كانتا تنظران اليك في حفل خطوبتنا ؟
وكيف كانتا تنظران اليه ؟؟؟ على ما يذكر … اسما كانت حريصة على الا تنظر في اتجاهه ولو صدفة .. على الاقل تحت مراى من الاخرين .. اما غروب .. فلم يكن في نظراتها سوى الغضب .. والرغبة الخالصة في القتل .. قال بجفاف :- لا علاقة لك ببنات عمي نسرين … لن اقبل ابدا بان تتحدثي عنهن بقلة احترام ..
مطت شفتيها بعدم رضا … قبل ان تستعيد ثقتها بنفسها بشكل فوري وهي تلوح بالطبق قائلة :- اما عدت ترغب بتذوق حلويات امي ؟؟
تناولت القطعة الاولى … وببطء واغواء مدروس .. قربتها من شفتيه .. واطعمته اياها دون ان تزيح عينيها عن عينيه …
عندما غادر بعد ساعة ونصف … كانت نسرين واثقة بانها قد احتوته تماما تحت سحرها … قالت امها بقلق بعد رحيله :- لن يكون والدك راضيا ان عرف بانني لم اجالسكما نسرين … تعرفين تشدده جيدا … نضال خطيبك .. الا انه ليس زوجك بعد
تاففت نسرين وهي تقول :- ليس على ابي ان يعرف كل شيء … كما انني افعل ما يحلو لي فقط … واحصل على ما اريده دائما وهو يعرف هذا جيدا … وما اريده هو نضال فهمي .. ولن اسمح لاحد .. لاي احد .. حتى انت او ابي ان يقف في طريقي امي
هزت امها راسها باسف قبل ان تتركها … بينما كانت نسرين تفكر اثناء نطقها بعبارتها الاخيرة بوجه واحد جعل غضبا جامحا واحساسا كبيرا بالتحدي يجتاحها … وجه اسما فهمي …
تململت اسما في وقفتها بنزق وهي تنظر الى ساعتها الفضية الصغيرة … تبا … لقد تعطلت ساعتها ايضا … الى اي حد يمكن ان يصل حظها السيء ؟؟
لحسن حظها انها تمكن بعد ان تعطلت سيارتها في قلب اللا مكان … في الطريق الخارج من المدينة في طريقها نحو البيت .. من الاتصال بوالدتها واخبارها بوضعها قبل ان يفرغ شحن بطارية هاتفها …
وها هي الان … تقف في طريق بالكاد تمر منه السيارات في طريق سفرها نحو العاصمة .. الشمس تكاد تغيب وراء الافق لتتركها في ظلمة المجهول … تفكر بقلق وتوتر ان كانت والدتها سترسل احدا لاحضارها الى البيت … ماذا ستفعل ان جاء نضال لاجلها ؟؟؟
خفق قلبها اضطرابا وهي تتمنى جزئيا ان ياتي … بينما يتمنى الجزء الجزع منها الا يكون متاحا .. ربما وجدت الجراة قبل ايام على ان تتسلل الى غرفة نومه في قلب الظلام وتعترف له بحبها الازلي … دون ان يكون موجودا بالطبع .. ويعود الفضل في هذا الى حظها العاثر من جديد … الا انها لن تتمكن من النظر الى وجهه مجددا والتحدث اليه بشكل طبيعي وهي تعرف بان امه قد اخبرته بالتاكيد عن تصرفها الغبي … لابد ان تكون قد فعلت اذ انها لن تدخر فرصة كهذه لاظهارها كالمتهورة البلهاء .. عديمة الحياء
اغمضت عينيها ووجهها يتورد بشدة كما في كل مرة تتذكر فيها الرجل الذي كان حاضرا ليشهد ذلها .. رباه .. لن تتمكن من تخطي الحادث ابدا … لقد القت بنفسها فعليا على رجل غريب عنها تماما ..
كانت قد اتخذت قرارها منذ ذاك الحين .. لا مزيد من الركض وراء نضال .. لا مزيد من الانصياع وراء اوامر والدتها .. ان كانت لامها اي مطامع فلتركض وراءها بنفسها … فاسما لن تذل نفسها مجددا لاجل ابن عمها .. في النهاية .. قد تكون غروب محقة … ربما نضال لا يستحق بالفعل مشاعرها القوية اتجاهه
مرت سيارة مالوفة الى جوارها .. لم تتوتر مشاعرها ادراكا لهوية صاحبها حتى بدات سرعة السيارة تخف تدريجيا حتى توقفت على بعد امتار منها … هي تعرف هذه السيارة جيدا .. اذ انها تراها كثيرا في الاونة الاخيرة امام منزل عائلتها … السيارة الرياضية الفضية … التي لا تعود الى احد افراد العائلة بالتاكيد … بل الى رجل رغم زياراته المتكررة لمنزل العائلة .. لم يسبق لاسما ان قابلته رسميا حتى الان … طبعا ان لم تحسب اغواءها الغير متعمد له في غرفة ابن عمها قبل ايام
احمر وجهها وهي ترتعد ذعرا بينما كانت تراقبه وهو يترجل من السيارة … ويسير نحوها برشاقة وحيوية .. وكانه لا يزيد طولا عن المئة والثمانين سنتيمترا .. وكانه لا يمتلك بنية مصارع .. وكانه لا يبدو مخيفا جدا بالنظارة السوداء التي اخفت عينيه .. وزادت ملامحه الرجولية الداكنة قتامة … ابتسامة جانبية داعبت شفتيه الساخرتين وهو يلاحظ اتساع عينيها خوفا .. لذعرها .. تذكرت تلك اللحظات في عتمة غرفة نضال .. عندما امسك بها هذا الرجل … عندما التصق بها .. عندما قبل عنقها بحرقة لم يسبق ان عرفتها
هزت راسها لاهثة محاولة انتزاع نفسها من اضطرابها .. بينما نظر هو الى سيارتها الحمراء الصغيرة ثم عاد ينظر اليها وهو يقول :- لعبة جميلة ..
هل كان يقصد السيارة ؟؟؟ لماذا ينظر اليها بهذه الطريقة اذن .. وكانها ترتدي زي مهرج متعدد الالوان بدلا من تنورتها الواسعة وقميصها المحتشم ؟
قالت بتوتر :- ما الذي تفعله هنا ؟
قال ببساطة وهو ينزع نظارته اخيرا … ويثبتها فوق راسه قائلا :- اخذك الى البيت بالتاكيد … لقد كانت امك جزعة للغاية عندما اتصلت بها .. لقد كادت تتصل بنضال وتطلب منه المرورو بك اثناء عودته الى البيت فتبرعت انا بالقيام بالمهمة اذ ان نضال في زيارة لخطيبته … وقد يتاخر ..
ادركت اسما بان طيبة قلبه لم تكن هدفه الحقيقي من تبرعه هذا .. كما ادركت الهدف من تعمده الاشارة الى خطبة نضال .. قالت من بين اسنانها :- ما كان عليك ان تزعج نفسك … كنت استطيع انتظار نديم .. فلا خطيبة لديه كما تعلم لتخاف عليه مني …
هز كتفيه قائلا :- انا متاكد بان نسرين لا تخاف منك كما تظنين … لو ان نضال يهتم لامرك لخطبك قبل فترة طويلة … فانت على مارى منه طوال حياته تقريبا
شحب وجهها ردا على اهانته .. وتذكيره الصفيق بفشلها .. بينما نظر هو الى ساعته قائلا :- من الافضل ان نتحرك … لقد سبق وتحدثت الى مركز الصيانة .. سيرسل من ياخذ السيارة من هنا … هيا بنا قبل ان يخيم الظلام
تحركت وراءه بصمت بعد ان تناولت حقيبة يدها ومتعلقاتها الشخصية من سيارتها … السيارة التي اهداها اليها نديم عند تخرجها من الجامعة العام الماضي .. فتح لها باب سيارته الامامي … ووقف جانبا في انتظار صعودها… القت نحوه نظرة واحدة قلقة وهي تتساءل عن خطر اقترابها من هذا الرجل … كان عليها ان تستمع الى غروب هذا الصباح عندما اقترحت عليها والدتها ان تذهب الى المدينة لتلتقي بصديقاتها القدامى عل شيئا من اكتئابها الحاد يخف قليلا … لقد عارضت غروب مصرة على ان تؤجل اسما رحلتها الى يوم اخر .. وطبعا … لم تستمع اليها اسما .. متى ستتعلم اسما الثقة بغريزة شقيقتها ؟
اخذت نفسا عميقا وتقدمت امام ناظريه لتستقل السيارة .. اغلق الباب بحزم ورائها .. ودار حول السيارة .. انكمشت عندما استقل مقعد السائق .. واغلق الباب محاصرا اياهما معا في المساحة الضيقة .. القى نحوها نظرة سريعة ملاحظة توترها فابتسم بسخرية قائلا :- هل ننطلق ؟
هزت راسها ايجابا عاجزة عن قول اي شيء يظهرها كالحمقاء … فادار المحرك … وانطلق بالفعل ..
بعد دقائق قليلة من القيادة الصامتة … لاحظت اسما سرعته تخف مجددا ليتوقف امام احدى الاستراحات المعروفة في الطريق … قالت بتوتر :- لماذا توقفت هنا ؟
قال بهدوء :- كي نشرب شيئا .. قبل عودتنا الى منزل عائلتك ..
هتفت :- انا لا اريد ان اشرب شيئا .. اعدني الى البيت لو سمحت
نظر اليها … فبدت ملامحه القوية غامضة في الظلام وهو يقول بصرامة :- سافعل .. بعد ان نتحدث اسما ..
ترجل من السيارة بدون اي كلمة اضافية … فلم تملك سوى ان تلحق به بعجز …
سارت وراءه وهي تنظر بقلق نحو بنيته الطويلة … بدون ان تجد اي صعوبة في تخيله مختبئا كالشبح قبل سنوات طويلة بين الاشجار عندما وجدها تائهة في بحثها عن نضال .. هناك شيء غامض في هذا الرجل يخيفها .. حتى وهي تعرف بانه ليس شبحا .. بانه انسان مثلنا .. بانه شقيق العمة احلام وليس بالرجل الغريب تماما .. هي تخافه .. خاصة وهو يبتسم بسخرية كما يفعل الان وهو ينظر اليها من وراء كتفه
المقهى الذي اختاره ساري كان جميلا بطابع ريفي … اعتادت اسما زيارته كثيرا برفقة غروب … ونضال منذ سنوات لقربه من منزل العائلة .. رواده كانوا من عابري السبيل .. المسافرين المضطرين للتوقف قليلا .. او من سكان الفيللات الخاصة والملكيات الشبيهة بملكية ال فهمي البعيدة عن المدينة ….
طاولاته الخشبية كانت مغطاة بالمفارش البيضاء الناصعة … فوق كل طاولة زهرة حمراء توسطت اناءا زجاجيا صغيرا … رحب بهما النادل الشاب الذي نظر الى اسما مميزا اياها .. ثم نظر الى ساري .. الرجل الغريب الذي يرافقها لاول مرة .. ثم قادهما الى طاولة نائية مما جعل وجه اسما يحمر حرجا وهي تتخيل افكار الشاب المريبة …
سحب لها ساري الكرسي في بادرة مهذبة بدت غريبة … اذ انه لم يبد لها من النوع المراعي لمشاعر الاخرين .. جلست بتوتر بينما جلس مقابلا لها وهو يطلب فنجانين من القهوة من النادل الذي اسرع بالابتعاد
قال ساري فور ان انفردا :- اذن … هل كنت تاتين الى هنا كثيرا برفقة نضال ؟؟؟
عبست قائلة :- علاقتي بنضال ليست من شانك
قال بهدوء :- من شاني .. اذ انني خاله .. واهتم به كثيرا .. واعرف بانك لا تناسبينه اسما .. فلا تسمحي لي بتحذيرك مجددا .. ابتعدي عن ابن اختي .. واياك .. اياك ان تتجراي على افساد خطوبته ..
شحب وجهها وغضب غير مالوف يعتريها ويجتاحها من راسها حتى اخمص قدميها فقالت بصوت مرتجف :- لا تتظاهر ابدا بانك تعرف نضال بما يكفي كي تحدد ما هو الافضل له .. انت لم تره منذ سنوات .. انا اعرف بانك غائب منذ سنوات طويلة .. واعرف ايضا بانك اخر من يتحدث عن الزواج والارتباط .. لقد اعتاد نضال ان يحكي لنا كثيرا عن مغامراتك التي لا تحصى …
قالتها بتحدي .. وبنية اهانته والتقليل من شانه .. بالضبط كما يفعل معها .. الا انه ولدهشتها الشديدة بدا غير متاثر اطلاقا بهجومها .. اذ قال ببساطة :- انت محقة .. انا لست رجل زواج .. وما زلت لا افهم ما يدفع نضال الى الزواج في عمر باكر كهذا … انا شخصيا .. ما كنت لاربط نفسي بامراة واحدة بهذه البساطة … خاصة امراة لا تجد حرجا في اقتحام غرفة نومي والعمل على اغواءي بصفاقة وقد عقدت لتوي خطبتي على امراة اخرى
ارتد وجهها الى الوراء وكانه قد صفعها .. وانتفضت شاعرة برغبة جامحة بالنهوض والهرب بعيدا .. بينما راقب هو شحوبها بتلذذ وهو يقول بهدوء :- امراة كهذه .. قد الهو معها .. استعملها .. ثم ارميها جانبا .. انما ابدا .. ابدا لن اتزوج بها ..
عاد النادل حاملا فنجاني القهوة … وضعهما على الطاولة غافلا عن التوتر السائد بين زبونيه .. دون ان يلاحظ بان اسما كانت ترتجف من راسها حتى اخمص قدميها .. عندما ابتعد النادل .. هز ساري راسه وهو يسحب فنجانه نحوه قائلا :- لا اصدق حقا بانك قد تجرات على دخول غرفة نضال بهذه الصفاقة اسما … ما الذي توقعت منه ان يفعله .. ان يقدر الجانب الرخيص بك فيتخلى عن فتاة محترمة كخطيبته لاجلك ؟؟؟ لا اعرف ان كنت قد سبق وفعلتها … اعني تسللك الى غرفته بعيدا عن انظار الاخرين .. ان كان هذا صحيحا .. فانا افهم بالتاكيد سبب رفضه لك .. انا .. ما كنت لاتزوج ابدا بامراة سبق لي ان تذوقت رحيقها ..
وقفت فجاة عاجزة عن احتمال المزيد … هتفت من بين انفاسها المتلاحقة :- انت … انت … كيف تجرؤ ؟؟
نظر اليها بهدوء وثبات …. وكان غضبها لا يغير الحقيقة … فتناولت حقيبتها .. وتراجعت خارجة من المكان … بدون اي ردة فعل .. اخرج ساري مبلغا من المال … وضعه على الطاولة .. ثم نهض بهدوء لاحقا بها ..
خرجت من المقهى مجاهدة كي لا تبكي .. مستغلة غضبها كي تمتلك قوة الصمود حتى الوصول الى البيت .. ربما تستطيع الوصول سيرا على الاقدام .. او ان توقف اول سيارة تراها كي توصلها .. وربما تنفذ خطتها الاصلية فتتدبر الاتصال بنديم ليصطحبها اثناء عودته الى البيت … داعية الله الا تكون هذه احدى الليالي التي يفضل قضاءها في شقته الخاصة في المدينة ..
اصابع قاسية التفت حول ذراعها .. توقفها عن التقدم وتسحبها بقوة لتستدير الى الوراء … وجدت نفسها على بعد سنتيمترات من الالتصاق بصدره العريض .. ذاك الذي التصق به ظهرها قبل ايام في غرفة نضال … احمر وجهها وهي تجاهد لتحرر ذراعها هاتفة من بين اسنانها :- اتركني اذهب .. انا لن اصعد الى سيارتك مجددا .. فلا تتعب نفسك باقناعي بمرافقتك ..
شهقت عندما سحبها برفقته قائلا بجفاف :- لن اتعب نفسي باقناعك اسما … لقد تكفلت باعادتك الى البيت .. وسافعل .. حتى لواضطررت لحملك حملا الى السيارة ..
فتح باب السيارة ودفعها دفعا الى الداخل .. وعندما لحق بها واستقل مقعد السائق .. هتفت بحنق :- انالا افهم حتى لم تهتم باعادتي الى المنزل .. ربما سهلت الامر على الجميع ان اختطفني احدهم … او اجتاحني بسيارته .. هكذا لن تكون مضطرا ابدا لملاحقتي بتحذيراتك حول الابتعاد عن نضال ..
لم يشرف هجومها الطفولي باي تعليق وهو يتحرك بالسيارة في طريق العودة …. ساد الصمت طوال الطريق الى البيت … حتى وصولهما الى البوابة … وتجاوزه اياها بسيارته … عندما اوقفها امام المنزل … امسك بمرفقها قبل ان تفتح الباب .. وسحبها قليلا لتنظر اليه بتوتر … عيناه الداكنتان تبرقان بقسوة وتحذير وهو يقول بخفوت … انما بصوت جمد الدماء في عروقها .. وجعل الرجفة تعتري كل خلية في جسدها :- ان كان على احد ان يختطفك اسما .. فانا من سيفعل … ان كان على احد ان يجتاحك .. باي طريقة كانت … فانا من سيفعل .. سالاحقك .. واظل الاحقك .. حتى اضمن تركك ابن شقيقتي وشانه .. وان كنت جائعة الى هذا الحد الى رفيق لعب اسما .. الى شخص تلهين معه .. كما فعلت قبل ليالي معي وانت تحسبينني نضال .. الى رفيق يعرف كيف يستغل براءتك الكاذبة .. و يقدر المراة الجامحة المختبئة خلف هاتين العينين الطفوليتين … فانا ساكون سعيدا للغاية بلعب هذا الدور
سحبت ذراعها متسعة العينين بذعر .. قبل ان تترجل من السيارة .. وتركض نحو المنزل مختبئة خلف بابه … ابتسم برضا وهو يسترخي فوق مقعده …. لن تكون اجازته هذه مملة ككل مرة يزور فيها الوطن … حدسه يخبره بانها ستكون اجازة مميزة جدا هذه المرة ..
:- فاردي
اغلقت فارديا باب المنزل وراءها وهي تنظر الى شقيقتها الصغرى التي اندفعت تكاد تقفز نزولا فوق الدرج نحوها .. وجهها الجميل والمتورد عادة كان شاحبا … وعينيها الواثقتين كانتا متسعتين بتوتر .. عرفت فارديا منذ سمعت اختها تناديها بفاردي .. بان لوتس تمر بمشكلة … في الواقع منذ اسابيع وهي تلاحظ التغير الذي طرا على اختها … في البداية عزت الامر الى ابتداء الامتحانات .. الا انها بدات في الايام الاخيرة تزداد قلقا اتجاهها …قالت وهي تضع حقيبتها ومفاتيحها جانبا :- ما الامر لوتس ؟
نظرت لوتس حولها بقلق .. قبل ان تمسك بيد فارديا وتسحبها الى غرفة الجلوس … اغلقت الباب وراءهما .. قبل ان تستدير مواجهة شقيقتها … عيناها الزرقاوان مغرورقتان بالدموع في حالة نادرة جعلت فارديا تنتفض قلقا … خاصة عندما همست لوتس :- فارديا .. انا في مشكلة .. مشكلة كبيرة جدا
للحظات طويلة …. ظلت فارديا ساهمة مصدومة وكلمات لوتس ما تزال تتردد داخل عقلها وكانها قادمة من واقع اخر … مستحيل .. ما تقوله لوتس لم يحدث .. لا يمكن ان يحدث ..
نظرت الى شقيقتها الصغرى … التي انكمشت فوق المقعد امامها .. تفرك يديها بقوة وهي تقاوم رغبتها في البكاء .. لم تبك لوتس حتى يوم وفاة والدتها … ان تبكي الان .. وهي تحت حماية فارديا وعنايتها جعل غصة هائلة تعترض حلقها .. وشعور جامح بالالم والذنب يجتاحها .. هي المسؤولة .. هي السبب .. ما كان عليها منح لوتس كل تلك المساحة والحرية .. خاصة وقد سبق واقرت لنفسها برفضها لطريقة امهما في التعامل معهما ..
مازالت غير مصدقة لما قالته لها لوتس عن الشاب الذي اوقعها بين حباءله في الكلية .. لا .. لم يكن مجرد شاب صغير .. لقد كان معيدا في الكلية .. اي رجلا ناضجا يعرف ما يفعله .. لقد اغوى لوتس صعبة المراس ودفعها للركض وراءه كالبلهاء .. وفقا لما قالته لوتس .. بصعوبة بفعل الحرج .. بانها خوفا من فقدانه .. استجابت لبعض مطالبه اثناء محادثتهما عبر الانترنت … لم تطلب فارديا التفاصيل .. ما فهمته هو انه يحتفظ بتسجيلات لتلك المحادثات … وصور للوتس ايضا متخففة من بعض ملابسها .. وانه يهددها بفضحها بها .. بان ينشرها بين زملاءها في الكلية ان لم تستجب لمطالبه ..
يا له من كابوس .. اغمضت فارديا عينيها للحظات قبل ان تقول :- لا اصدق بانك قد فعلت هذا لوتس
همست لوتس بخزي .. بصوت مرتجف جعلها تبدو مختلفة عن لوتس التي تعرفها :- انا ايضا لا اصدق ما فعلته فارديا … لقد .. لقد سحرني .. جعلني اركض وراءه كالمجنونة … لم يسبق ان قابلت شخصا مثله .. لقد .. لقد جعلني اشعر بانني لا شيء اطلاقا ان لم ينظر الي … وكل شيء .. كل شيء ان منحني نظرة ..
رمشت فارديا بعينيها مذهولة .. غير ممكن .. انها ليست لوتس التي تتحدث … قالت غير مصدقة :- لوتس
هزت لوتس راسها وهي تقول بصوت متهدج :- اعرف … اعرف فارديا .. ما اقوله سخيف جدا .. الا انه ما حدث .. انا نفسي لا استطيع تفسيره .. لقد سيطر علي بطريقة غريبة … كنت انا من اتوسل رؤيته .. كنت انا من يجاهد للتحدث معه .. وهو .. كان يتجاهلني مما كان يثير جنوني .. وعندما كنا نتحدث .. كان يتجرا في الكلام .. كان يطلب مني اشياءا …..
احمر وجهها والدموع تسيل من عينيها وهي تهمس :- في كل مرة كنت ارفض فيها طلبه كان يخاصمني لايام .. يرفض التحدث معي .. يتجاهلني في الكلية .. وانا كنت اموت غيرة وانا اراه يرافق العديد من الفتيات .. في النهاية .. في النهاية..
اخفضت لوتس راسها عاجزة عن الاكمال فاحتقن وجه فارديا وهي تهب واقفة .. قائلة بسخط :- لا اصدق ما فعلته لوتس .. لطالما ظننت بانك اقوى واذكى من ان تقعي في فخ ساذج كهذا … اعرف بان امنا قد منحتنا الكثير من الحرية … الكثير من الثقة .. الا انها …
اغمضت عينيها للحظات قبل ان تقول للوتس من بين اسنانها :- لقد كانت واضحة في شيء واحد لوتس .. لا رجل .. لا رجل على الاطلاق .. اهل لنا .. ام تراك نسيت هذا ؟ ..
ركعت على الارض امام اختها الباكية لتجبرها على ملاقاة نظراتها القاسية وهي تقول ضاغطة على الحروف :- لا رجل على وجه البسيطة قادر على كسرنا لوتس .. هل تذكرين ما كانت تقوله لنا امنا ؟؟ انا وانت .. ولدنا لنسود .. لنسود فقط … لا لنسمح لشاب عابث ان يسخر منا ..
قالت لوتس بانهيار :- ماذا افعل فارديا ؟؟؟ ماذا افعل ؟؟؟
وقفت فارديا محاولة استجماع قدرتها على التركيز وهي تقول بتوتر :- كان علي ان اعرف بان شيئا كهذا سيحدث … لم تفكر امي ابدا بان طريقتها قد تاتي بمفعول عكسي ..
قالت لوتس بضياع :- لا افهمك فارديا ..
نظرت اليها فارديا قائلة بعصبية :- الامر واضح لوتس .. لم تحبب اي منا خنوع ابي لامي .. رؤيته ضعيفا امامها … ذليلا مقابل قوتها .. كان يثير امتعاضنا … في داخلك حتى وان ابيت الاعتراف .. تلك الحاجة الماسة للتعويض عن ذاك النقص .. لقد كنت بحاجة الى سيطرة رجل .. قوة رجل .. شخص يشعرك بضعفك وقد فشل ابي بهذا … والنتيجة انك قد وقعت بين براثن رجل حقير يرغب باستغلالك .. انت …
بترت عبارتها عندما سمعتا صوتا مكتوما وراء الباب .. تبادلتا نظرة ذعر خالصة وهما تهرولان نحو الباب تفتحانه لتجدا والدهما مرميا على الارض بلا حراك … وقد استمع الى كل كلمة كانت فارديا تقولها
- رواية أنا قبل كل شيء