افضل مواضيع جميلة بالصور

روايه نيران صديقه

مجموعة قصصية
المؤلف: علاء الاسواني طبيب اسنان واديب مصري. ولد عام 1957 واتم دراسته الثانوية في مدرسة الليسيه الفرنسية، وحصل علي شهادة الماجستير في طب الاسنان من جامعة الينوي في شيكاجو بالولايات المتحدة الامريكية. احدثت روايتاه “عمارة يعقوبيان” 2002 و”شيكاجو” 2007 نجاحا هائلا جعله من اشهر ادباء العالم العربي واكثرهم شعبية في مصر والوطن العربي والعالم، فتم تكريمه في اكثر من دولة وترجمت اعماله لاكثر من 20 لغة
ملخص الكتاب
نيران صديقة ” اسم المجموعة القصصية. لكنك لن تجد قصة بهذا الاسم داخل المجموعة. الا ان هذا التعبير ” نيران صديقة ” شاع مؤخرا خلال الحرب علي العراق حين كانت الفرق العسكرية الامريكية والبريطانية تصيب بعضها البعض، والنيران الصديقة عند علاء الاسواني هي تلك التي نصيب بها بعضنا البعض، حين تذهب النفس البشرية الي اقصي مدي من شماتة التلاميذ في زميلهم الدواخلي البدين في قصة ” حصة الالعاب ” رغم نبله وتودده اليهم. وهي ذاتها النيران الصديقة التي يفتحها كل اطباء القسم علي الطبيب الجديد ” هشام ” في المستشفي الذي عين به حديثا، فلا يتركوه الا حطاما من الذكاء المحبط في قصة ” المرمطون ” البديعة. هي ذات النيران التي يفتحها ناجي الرقيق المهذب علي زملائه ما ان يمكنه المدرس منهم ليشرف ناجي مؤقتا علي سير الدرس. وفي قصة “اختي الحبيبة مكارم” التي كتبها علاء الاسواني في شكل خطاب من اخ في السعودية الي اخته، يعري الكاتب دناءة الاغتيال الانساني بالنيران الصديقة للام المريضة، حين يبخل الاخ الثري ببعض النقود لعلاج امه في مستشفي مموها كل ذرائعه بكلمات ورعة عن الدين وقدر الانسان. هي ايضا ذات النيران التي يفتحها بطل قصة “فستان قديم” علي الفتاة الفقيرة التي احبته حين يهجرها ليقترن بفتاة اخرى فاضلة تساوم بقسوة علي مهرها الذي ستبيع به نفسها لزوجها. كل هذا الواقع قبيح، لكل من اقترب وراي، لاننا نتصيد فيه بعضنا البعض، بلا رحمة، ونغتال فيه الاخرين، سواء اكان اخا او صديقا او معشوقة جديرة بان نقطف لها النجوم.

كما يقدم الاسواني هؤلاء الذين سقطوا في هوة اليتم الوجودي، العجز السياسي، الاجتماعي والنفسي حيث الاحلام المجهضة، المبتسرة التي تتحول الي كوابيس مروعة كما حدث في روايته القصيرة البديعة «اوراق عصام عبد العاطي» فالكل اسير صومعته النائية، المعزولة عن الاخر هو عالم فصامي، فقد المشاعر والتواصل، فالمدينة الفصامية تنضح بالقسوة، بالذاتية المفرطة، بحالة الثار الكامنة، المتربصة، فعائلة عصام الشاب المتمرد علي الواقع القبيح، المزدوج، المحاصر بالزيف الديني يثارون من بعضهم البعض بسادية مفرطة، هؤلاء جميعا وقعوا في براثن ما يسمي بهزيمة الروح، غيابها بل مواتها لتعربد الغريزة الحبلى بالاذى، فالاب فنان تشكيلي منزوع البريق (مديوكر) ضئيل الموهبة لا يوحي لابنه عصام بوهج الابوة كما يجب ان تكون، وها هي الام المصابة بالسرطان، فخلايا الجسد تنقلب علي صاحبها وتعلن العصيان وتعربد في الجسد المسلوب، فكما يبدو افدح الاخطار تاتي دوما من الاقرب ومن الداخل وهي غارقة في عالمها السقيم، العليل، لا تكترث باحد، مسكونة بشراهة وذاتية وحشية تجاه الحياة التي تراوغها وتنفلت من بين اصابعها، وتبرز الجدة تحصد تيه الشيخوخة فهي مكبلة بعجز الزمن عندما يشيخ فيتحول عنها الجميع، والام تتمني موت ابن الخادمة هدي لكي تتفرغ لها، وهكذا فالجميع يعيشون فقط علي غريزة البقاء او الشهوة الكئيبة مثل هدي الخادمة وعصام حيث اقتفاء اثر لذة شبقه تطفئ سعير رغبة منزوعة الروح ايضا تفتقد اي عاطفة لا يعوقهما هذا العالم الذي يطوقهما ويعج بالمرض، الاخفاق والبؤس، فالروح المصرية اصابها العطب، ويقول علاء الاسواني: «اكدت لها ان مصر بلد ميت وان الحضارات كائن كاي كائن يمر بمرحلة الطفولة والصبا والشباب ثم يشيخ ويموت وقد ماتت حضارتنا من مئات السنين فلا امل يرجي في بعثها، قلت لها ان المصريين لهم نفسية الخدم والعبيد ولا يفهمون الا لغة العصا». وهكذا يمضي القاص يقترب ويدنو من الحقيقة ويراها كما هي بل يسعي هو الي تهشيم كل ما يحجبها، او يسترها دون اي تبرج او (رتوش) لتصبح مسجاة علي السطح شفافة، رقراقة ومن ثم يصبح من اليسير ايجاد الترياق المنشود.

هو لا يكبح مخيلته الثاقبة التي تتقن التلصص، فينهل من المسكوت عليه خلف الابواب الموصدة هذا العالم الخفي السري، السفلي، الذي يقطر قبحا ويحرك ما يطفو في الظاهر وعلي السطح، بل يفك شفرته المبهمة الغامضة، فعلاء الاسواني لا يلوذ بتراث النعام بل هو مولع بالمواجهات الصادمة التي قد تثمر صحوة يانعة يرغبها ويتوق اليها الجميع، مصاب هو بالبيرومانيا (PYROMANIA) وهو الولع باشغال الحرائق المفضية الي حيوية التغيير الفضيلة الغائبة عن مجتمعنا المصاب بالجمود والاخصاء الفكري والركوض الي الخلف.

فها هو عصام الموظف في مصلحة الكيمياء، المتوحد، المعذب بوعيه، باحلامه الوردية، بشهواته الجامحة، يقترب ويري عالما دميما، غارقا في الانحراف، الرياء، غارق في غربة الاستبداد والفساد البين يجتر السنوات العجاف والايام النافقة، يشاهد الرحيق المرير للاحداث، الاشخاص والامكنة فيرصد دين المصريين الجديد الوافد من الشوارد الشائهة للرياح الوهابية حيث العقيدة المفرغة من جوهرها النبيل، الرحيم والصادق ليغوص المجتمع في اتون اجواء قبلية منفرة وحالة من التعصب القبلي والقومي او ما يعرف ب«الشوفينية» فيرجم هذا التطرف البائس، الجاثم علي قدر المصريين.

يقول د. علاء الاسواني علي لسان عصام عبد العاطي: «لو لم اكن مصريا لوددت ان اكون مصريا» العبارة الشهيرة لمصطفي كامل اخترت هذه العبارة لابدا بها اوراقي لانها في رايي اسخف ما سمعت في حياتي او هي تمثل ان كان صاحبها صادقا نوعا من التعصب القبلي الغبي الذي ما ان افكر فيه حتى يتملكني الغيظ»: «هل يتميز المصريون مثلا بالجدية وحب العمل كالالمان او اليابانيين؟! هل يعشقون المغامرة والتغيير كالامريكان؟! هل يقدرون التاريخ والفنون كالفرنسيين والايطاليين؟! ليسوا علي اي شيء من ذلك.. بماذا يتميز المصريون اذن؟

اين فضائلهم؟ انني اتحدي اي شخص ان يذكر لي فضيلة مصرية واحدة؟! الجبن والنفاق، الخبث واللؤم، الكسل والحقد، تلك صفاتنا المصرية ولاننا ندرك حقيقة انفسنا فنحن نداريها بالصياح والاكاذيب.. شعارات رنانة جوفاء». «ننظم اكاذيبنا عن انفسنا في اغنيات واناشيد، هل سمعتم عن اي شعب في العالم يفعل ذلك؟ هل يردد الانجليز مثلا «اه يا انجلترا يا بلدنا ارضك مرمر وترابك مسك وعنبر»!! هذا الابتذال من خصائصنا الاصيلة»!. «ان التاريخ المصري ليس في الواقع سوي سلسلة متصلة من الهزائم منينا بها امام كل الاجناس بدءا من الرومان الي اليهود».

اديبنا علاء الاسواني مولع بتهشيم التابوهات وتعرية عورات المجتمع المصري الجديد بالاضافة الي العمق الفلسفي الذي يتجلي وتتحلي به «اوراق عصام عبد العاطي»، حيث السقوط الوجودي المفضي الي السقوط الاجتماعي الذي افرز الزيف الديني ليتحول مجتمعنا الي مجتمع وثني، جاهلي، منزوع القيم الاصيلة، يتمرغ في طقوس واهية، مضللة، وفكر اظلامي مزدوج يقاومه علاء الاسواني من خلال فكره المجوهر فهو يكمل بالمقال ما سطره بالادب حيث يسطع اسلوبه المنساب، الدافق المفعم بالسخرية السوداء! واعود لعصام المعذب بالوعي، المتوحد، العائش تارة في الحلم وتارة في الحقيقة المؤلمة، يلتحق بالوظيفة فيقع في قلب عالم يمور بالدناءة، احتراف المزايدات الدينية الجوفاء التي تغلف الفساد، الاثام والانحراف الكئيب، فالكل يزايد، يضلل، يزيف، يقترب العهر تحت وطاة مؤامرة الصمت، يشهد عصام المثقف، المتوحد، فساد رئيسه الدكتور سعيد الذي يضاجع الفراشات البائسات في مكتبه مستغلا وظيفته وسلطته فيقضي منهن وطرا، اما من تقاومه فيحاول سحقها، وسحلها بمساندة جميع من في الوحدة، حيث يصبح الصمت المتفق عليه اسوا انواع الصمت، كما كتب ذات يوم د. يوسف ادريس فالكل يتواطا عندما تحين لحظة الحسم والانقضاض علي الضحية، البائسة ومن ثم تهدر وتنحر الكرامة علي مذبح الانحراف الوظيفي، الانتهازية، القهر، الاستبداد والنفاق والجميع يلوذ بالستار الديني لاقتراف ابشع الفواحش فنجد هذا الدكتور سعيد الذي يضاجع البائسات من النساء يغوص ايضا في المزايدات الدينية: «في شهر رمضان يتحول الدكتور سعيد الي مؤمن ورع. المسبحة الطويلة الخضراء لا تفارق يده وطاقية شبكية بيضاء يضعها علي صلعته».

ويكثر من التسبيح ويؤم الموظفين الوقت بوقته. ويقرا القران من مصحف كبير يفتحه امامه علي المكتب! وهكذا يثور عصام ويرفض تلك الازدواجية، وهذا التناقض الفاسد، والزيف، باسم الدين ويفطر في رمضان متحديا هؤلاء الذين عاثوا في الارض فسادا. ويقول: «انا قرات عن الاسلام اكثر منكم» «يا جهلة يا رعاع».

ويتكرر ذات المعني عندما يلتقي عصام بالالمانية يوتا التي يذوب معها في نشوة مسكرة فهي الثمرة المجوهرة لحضارة الغرب الذي وقع صريعا في غوايته، فلقد فتنته تلك الحضارة الخالية من التناقضات الدميمة حيث الحرية، الرقي، الجمال، والشفافية، فالروح ملتحمة بالجسد، لا حواجز تفصل بينهما، ذروة التناغم وتصوف الحواس حيث تطفو الروح وتروض الغريزة فتتجمل بفعل النقاء.

وياتي شعبان البقال هذا الذي يمثل فلول العوام الذين يتحكمون بجهل ومزايدة في حيوات الاخرين، شعبان البقال القابع اسفل منزل يوتا يمثل محاكم التفتيش التي تفتش في النفوس، الافئدة، العقول، الكتب، الضمائر، فهو يقوم برقابة بوليسية علي حياة يوتا وعلاقاتها، ويقول الاديب المبدع: «من هو شعبان؟ بقال متدين، يغش الزبائن ويغالطهم ويصلي الوقت بوقته، دنيء وغبي ومتطفل، حاقد كاي مصري، ساخاطبه باللغة التي يفهمها، لا تشتري العبد الا والعصا معه»، فهكذا يرصد القاص تدهور الشخصية المصرية الجديدة والتي عصف بجوهرها الاحتلال الوطني فنال من رونقها بنزاهتها، صدقها، كرامتها، فكان السقوط المدوي الذي اتلف الاخضر واليابس، «اوراق عصام عبد العاطي» رثاء اليم يفطر الافئدة الثكلى، لما الت اليه الشخصية المصرية الجديدة التي تحولت تحت وطاة القهر، الفقر، الاستبداد، والتيارات الاظلامية، الي مسخ يثير الحزن العميق، فبفعل قلم علاء الاسواني النفيس واتقانه لتشريح الشخصية المصرية الجديدة تبزغ امراض مجتمعنا المعاصر. كما يبين ايضا تشبث الانسان بالحياة علي نحو يقول عنه الاسواني ” ان حرصنا الذليل علي الحياة لشيء دنيء حقا “، وهو حرص يمتد من التشبث بالحياة ذاتها الي التشبث بالمكاسب الاجتماعية والمرتب والجاه. ويتوجه علاء الاسواني بسؤال مباشر الي قارئه : ” حاول ان تتذكر كم مصريا شجاعا بمعني الكلمة رايته في حياتك ؟”، ويطالب ابطاله بامر واحد : ” نفثه واحدة من الشجاعة “، لمواجهة الحقيقة سواء اكانت الموت المحتوم، او الظلم الاجتماعي، او التاريخي، او الحزن الناجم عن النيران الصديقة. فورة واحدة من الشجاعة تكفي الام المريضة لتدرك ان السرطان لن يدعها الا وهي ميتة، وهبة شجاعة تكفي الموظف ليرفض العمل باقل من اجره الذي يستحقه، وكانت لحظة كتلك تكفي عمر مكرم لكي لا يفتدي حياته بجزية يدفعها للفرنسيين اعدائه. ان عصام الشخصية الرئيسية في القصة يعي كل هذا، وترسخ في عقله صور الشماتة المتبادلة، والكراهية التي تنبع في احيان كثيرة من المحبة، وهو يعي ذلك علي نحو مرعب يدفعه للانسحاب من الحياة، واحتقار وطنه، ومواطنيه، ويصبح مجرد شخص وحيد، كالخلية المعزولة: “ليس مع اي شيء، ولا ضد اي شيء” اي انه يمضي في الطريق الي الموت او الجنون، لانه اقترب وراي.

السابق
طريقة الفرمتة جميع ايباد صيني
التالي
توبيكات ماسنجرحزن 2024 توبيكات مسنجر جديد 2024