افضل مواضيع جميلة بالصور

روايه 11 عشر دقيقه باولو كويلو مجله انساق

 

 

فى التاسع والعشرين من ايار سنة 2002 وقبل ساعات قليلة من الفراغ من هذا الكتاب , ذهبت الى مدينة لورد فى فرنسا لاجلب القليل من مياه الينبوع العجائبية . كنت اقف فى ساحة الكنيسة عندما اتجه نحوى رجل يناهز السبعين وخاطبنى قائلا ” هل تعرف انك تشبه باولو كويليو ؟ ”

اجبته باننى انا هو , عانقنى الرجل وقدم لى زوجته وحفيدته قال لى ان كتبى تحتل مكانة كبيرة فى حياته , ثم ختم كلامه بالقول ” انها تجعلنى احلم ” . غالبا ما سمعت هذه الجملة وادخلت المسرة الى قلبى لدى سماعها . لكنى , مع ذلك شعرت فى تلك اللحظة بقلق عميق . كنت اعرف ان روايتى ” 11 دقيقة ” تتناول موضوعا حساسا يحدث لدى القارئ صدمة عنيفة ومزعجة . مشيت الى الينبوع لاحصل على القليل من المياه العجائبية . ثم سالت الرجل عن مكان اقامته ( شمال فرنسا قريبا من الحدود مع بلجيكا ) وسجلت اسمه فى مفكرتى .

موريس غرافلين هذا الكتاب مهدى اليك . لدى واجب تجاهك وتجاه زوجتك وحفيدتك وتجاه نفسى , التحدث عما يشغلنى وليس عفا يود الناس سماعه . ان بعض الكتب تجعلنا نحلم وبعضها الاخر يذكرنا بالواقع , لكن لا يمكن لاى كاتب ان يتنصل مما هو جوهرى لكتابته , الا وهو النزاهة التى يكتب بها .

* * * * *

لاننى الاولى والاخيرة
لاننى المبجلة والمحتقرة
الزوجة والعذراء
اام والابنة
لاننى ذراعا امى
لاننى العاقر ولان اولادى لا يحصون
لاننى الزوجة الزوجة والعزباء
لاننى العزاء فى الام الولادة
لاننى الزوجة والزوج
ولانى رجلى هو الذى خلقنى
لاننى ام ابى
لاننى اخت زوجى
ولان زوجى هو ابنى الذى تخليت عنه
لاننى كل ذلك
قدموا لى الاحترام على الدوام
فانا الفاجرة وانا المراةالنبيلة …

نشيد من ايزيس , القرن الثالث الميلادى او الرابع , اكتشف فى نجع حمادى

 

كان يا مكان , كانت هناك عاهرة تدعى ماريا . لحظة لو سمحتم ” كان يا مكان ” هذه هى العبارة المثلى للبدء بقصة خرافية لاطفال ” فيما كلمة ” عاهرة ” كلمة تستعمل للبالغين . كيف بالامكان اذا البدء بقصة على هذا التناقض المبين ؟ لكن بما اننا فى كل لحظة من حياتنا لدينا قدم فى قصص الجنيات الخرافية وقدم اخرى فى الهاوية , فلنحتفظ اذا بهذه البداية .

كان يا مكان , كانت هناك عاهرة تدعى ماريا . ولدت عذراء بريئة ككل العاهرات وحلمت ابان مراهقتها , بان تلتقى فتى احلامها ( ارادته ان يكون ثريا وذكيا وجميلا ) وان تتزوجه ( مرتديه ثوب الزفاف ) وان تنجب منه طفلين ( لا يلبثان ان يصبحا مشهورين فى المستقبل ) , وان تقيم فى بيت جميل ( يشرف على البحر ) .

كان والدها وكيلا لاحدى الشركات التجارية ووالدتها خياطة . لم يكن هناك فى مدينتها نوردستا فى البرازيل الا صالة سينما واحدة وملهى ليلى ووكالة مصرفية . لذا كانت ماريا تنتظر اليوم الذى سيظهر فيه فارس اخلامها بغتة ودون سابق انذار فيمتلك قلبها وتنطلق لغزو العالم .

بما ان فارس الاحلام لم يظهر , فلم يتبق لها والحالة هذه سوى الحلم . عرفت طعم الحب لاول مرة فى الحادية عشرة من عمرها , عندما كانت تذهب الى المدرسة الابتدائية سيرا على القدمين . فى اليوم الاول من السنة الدراسية , ادركت انها لم تكن وحيدة على الطريق وان صبيا يسكن فى الجوار يمشى على مسافة قريبة منها , ويذهب الى المدرسة فى الاوقات نفسها , ولم يكونا ليتبادلا كلمة واحدة .

لكن ماريا لاحظت ان اللحظات , التى كانت تدخل السرور الى قلبها وتشعرها بالبهجة اكثر من اى شئ اخر , هى تلك التى تقضيها على الطريق المغبزة بالرغم من العطش والتعب فى الشمس المحرقة , والصبى الذى يسرع فى مشيته , فيما هى تبذل جهودا مضنية لتبقى فى محاذاته .

تكرز المشهد لاشهر عدة , لم يكن لدى ماريا , التى تكره الدرس , من تسلية اخرى سوى مشاهدى التلفاز . لذا اخذت تتمنى ان يمضى الوقت بسرعة , وتنتظر بلهفة اوقات الذهاب الى المدرسة , وتشعر بالضجر فى عطلة نهاية الاسبوع بخلاف الفتيا اترابها .

كانت ماريا تتعذب , لان الساعات تمر بطئية بالاولاد , ابطا منها بالكبار , وتحس بان ايامها متناهية الطول لانها لا تمنحها الا عشر دقائق تقضيها على الطريق بمحاذاة فتى احلامها , فيما تقضى الاف الدقائق والساعات فى عالم الخيال تحلم بلقائه والتحدث اليه ولو لبرهة قصرة من الوقت .

وذات صباح اقترب منها الصبى وسالها ان تعيره قلما . فلما تجب وتظاهرت بان هذا التقرب المتطفل يزعجها فحثت الخطى . ثم ما لبثت ان تجمدت من شدة الذعر عندما راته يتجه ناحيتها . خشيت ان يكتشف انها تحبه وتنتظره , وانها تحلم بان ياخذ بيدها متجاوزا باب المدرية فتعبر الطريق برفقته حتى النهاية , الى ان تبلغ , كما يقال , مدينة كبيرة واشخاصا يبدون وكانهم طالعون من الورايات وفنانين وسيارات وقاعات سينما كثيرة وكل انواع الفرائد .

طوال النهار , كان يشق عليها ان تستجمع افكارها فى الصف , كان تصرفها العبثى يعذبها فى ان التفكير بان الصبى استانس بوجودها هو ايضا , وبانه استخدم القلم ذريعة للدخول فى حديث معها , لانها لاحظت فلما فى جيبه لدى اقترابه منها . كانت تتحرق شوقا وحزنا لرؤيته . فى تلك الليلة وفى الليالى التى اعقبتها , اخذت كافة الاجوبة التى يمكن ان تواجهه بها , الى ان عثرت على الطريقة المثلى التى تؤهلها البدء بقصة لن تنتهى ابدا .

لكن الصبى لم يعد يتوجه اليها بالكلام . استمر لقاؤهما على طريق المدرسة , احيانا تقدمة ماريا يضع خطوات وتمسك قلما بيدها اليمنى , واحيانا تتخلف عنه قليلا ليتاح لها ان تراقبه مليا . وقد وجدت لزاما عليها ان تكتفى بحبه , وتتعذب بصمت حتى نهاية السنة الدراسية .

بدت لها العطلة لا متناهية واستفاقت ذات صباح وساقاها ملطختان بالدم . ظنت انها مائتة لا محالة . فقررت ان تكتب رسالة للصبى تعترف له فيها انه كان الحب الاول الكبير فى حياتها . ثم خطرت لها فكرة ان تغرق فى ” السرتا ” وتفترسها احدى البهائم المتوحشة التى تلقى الذعر فى نقوس مزارعى تلك المنطقة كالغول الذئبى او البغلة التى لا راس لها .( * )

وهكذا , اخذت تفكر بان والديها لن يبكيا لموتها لان الفقراء يتعللون بالامل , رغم الماسى التى ترهق كواهلهم . لا بل سيعتقدان ان عائلة ثرية دون اولاد قد اختطفتها وانها سترجع يوما مكللة بالمجد والثروة . اما الحبيب الحالى ( والابدى ) فى حياتها , فلن يتمكن من نسيانها وسيتعذب كل صباح لانه لم يتوجه اليها بالكلام .

لم تتمكن ماريا من كتابة الرسالة لانها امها دخلت غرفتها ورات الئرائف الملظخة ببقع الدم وقالت ” ها قد كبرت وصرت صبية يا صغيرتى ” .

ارادت ماريا ان تعرف ما هى العلاقة بين كونها صارت صبية , والدم الذى انساب بين ساقيها . لكن امها عجزت عن شرح ذلك لها . اكدت لها فقط ان ما حدث لها طبيعى وانها من الان فصاعدا يتوخى عليها ان تضع منشفة صغيرة بسماكة وسادة دمية , مدة اربعة او خمسة ايام فى الشهر . سالتها ماريا عما اذا الرجال يستعملون انبوبا لكى يمنعوا الدم من تلطيخ سراويلهم , وعلمت ان ذلك لا يحدث الا للنساء فقط .

شكت امرها لله , بيد انها الفت اخر الامر , العادة الشهرية , لكن صعب عليها ان تالف غياب الصبى . تلوم نفسها على موقفها السخيف الذى يدفعها الى التهرب مما كانت تتمناه اكثر من اى شئ اخر .

عشية العودة الى المدرسة , دخلت الكنيسة الوحيدة فى المدينة واقسمت امام القديس انطونيوس بانها ستتخذ المبادرة وتتحدث الى الصبى .

فى اليوم التالى , رتبت هندامها على اكمل وجه وارتدت الفستان الذى خاطته امها خصيصا للمناسبة . ثم خرجت وهى تشكر الله على ان العطلة انتهت اخيرا . لكن الصبى لم يظهر . وهكذا مر اسبوع جديد من الحيرة والقلق , ثم ما لبثت ان علمت من بعض الاصدقاء ان الصبى غادر المدينة .

قال لها احدهم , غادر بعيدا ….

عندئذ ادركت ماريا ان ليس هناك ما يمنع من ان نفقد بعض الاشياء الى الابد , وعلمت ايضا ان هناك مكانا يدعى ” بعيدا ” وان العالم واسع ومدينتها صغيرة . وان الكائنات الاهم يؤؤل بها الامر الى الرحيل دوما . ودت لو انها تستطيع ان تغادر هى ايضا , لكنها لا تزال فتية جدا . ومع ذلك , حسن شاهدت الطرقات المغبرة , اتخذت القرار بانها ستمشى ذات يوم على خطى الصبى , فى ايام الجمعة اللاحقة , وعلى مدى السنوات التالية , تناولت ماريا القربان المقدس وفق عادة دينية درجت عليها , وصلت للعذراء طالبة منها ان تنقذها يوما من هذا المازق .

تعذبت ماريا لبعض الوقت , وعبثا حاولت ان تجد اثرا للصبى . لكن احدا لا يعرف الى اين انتقل اهله . عندئذ بدات ماريا تشعر ان العالم واسع جدا وان الحب العظيم . ايقنت ايضا ان العذراء تقطن فى السموات البعيدة التى لا تصلها صلوات الاولاد وتضرعاتهم .

مرت ثلاث سنوات تعلمت خلالها ماريا الجغرافيا والرياضيات , وتابعت مشاهدة المسلسلات التلفزيونية . كما تفصحت سرا فى المدرسة اولى المجلات الاباحية . وشرعت تكتب بانتظام يوميات تتحدث فيها عن حياتها الرتيبة ورغبتها الكاملة فى التعزف عن كتب الى ما تعلمته , المحيط , الثلج , الرجال الذين يرتدون العمامات , النساء الانيقات المزدانات بالجواهر .. لكن , لما لم يكن احد يستطيع التعايش مع الرغبات المستحيلة , وبخاصة حين تكون الام خياطة والاب غائبا دوما , فسرعان ما ادركت ماريا انه يجدر بها ان تولى ما يحدث من حولها اهتماما اكبر . كانت تتابع الدراسة لكى تتدبر امرها فى الحياة , وتفتش فى الوقت نفسه عن رفيق يمكن ان يشاركها فى الحياة , وتفتش فى الوقت نفسه عن رفيق يمكن ان يشاركها احلامها فى الغامرة . عندما بلغت سن الخامسة عشر وقعت فى غرام صبى التقته خلال احد الزياحات التى تجزى فى اسبوع الالام .

لم تكرر الخطا الذى ارتكبته فى طفولتها , تحدثا وصارا صديقين ثم ذهبا الى السينما والى الاعياد معا . وخلصت ماريا الى النتيجة نفسها التى تقول ان الحب يتجلى فى غياب الحبيب اكثر من هفى حضوره . كانت تفتقد حضور الفتى باستمرار , وتقشى الساعات متخيلة ما يمكن ان تقوله له فى اللقاء المقبل , مستعبدة كل ثانية تقاسمتها معه , مستحضرة ما فعلته من تصرفات جيدة او سيئة .

كانت تحب ان تظهر بمظهر الفتاة الشابة التى تملك تجربة فى الحياة والتى سبق لها ان كابدت هياما كبرا , وعرفت مقدار الالم الذى يسببه هذا الشغف . كانت عازمة على الصراع بكل ما اوتيت من قوة , لتملك قلب هذا الرجل , او ليس هو من سيتزوج بها , ويمنحها اولادا ويهيبها بيتا يشرف على البحر .

حدثت امها فى الامر فقالت متوسلة :

– لا يزال الوقت مبكرا جدى يا بنتى .
– لكنك كنت فى السادسة عشرة عندما اقترنت بابى .

امتنعت الام عن شرح سبب هذا الزواج المبكر الذى يعود الى ظهور بودار حمل غي متوقع . ارادت ان تضع حدا للنقاش , فلجات الى الحجة القائلة بانه ” فى ذلك الزمان , كان الامر مختلفا ” .

فى اليوم التالى ذهبت ماريا برفقة الصبى للتنزه فى الريف المحيط بالمدينة . اخذا يتبادلان اطراف الحديث , حدثته ماريا عن رغبتها فى السفر , فاخذها بين ذراعيه على سبيل الاجابة وقبلها .

اول قبلة فى حياتها ! حلمت بهذه اللحظة . كان المنظر بديعا , طيور مالك الحزين المحلقة فى الجو والشمس الغاربة , والمنطقة شبه القاحلة بجمالها الوحشى , وصوت الموسيقى الصادحة فى البعيد .. تظاهرت ماريا بالتمنع ثم عانقته مكررة الحركة التى راتها مرات عدة فى السينما والمجلات والتلفاز . مزغا شفتيها بعنف فوق شفتيه , محركة راسها من جهة اخرى بشكل شبه منتظم وشبه خارج عن سيطرتها .

شعرت بين الفينة والاخرى ان لسان الرجل يلامس اسنانها ووجدت الامر لذيذا .
وفجاة توقفت عن التقبيل .
سالها الصبى : الا ترغبين فى ذلك ؟ ..

ماذا عليها ان تجيبه ؟ اتجيبه بانها ترغب فى ذلك ؟ بالطبع ! لكن لا يجدر بالمراة ان تستلم على هذا النحو , وبخاصة لزوجها المقبل , والا لاشتبه بامرها طوال حياته , ولا اعتقد بانها تقبل كل شئ بسهولة كبيرة . لذا فضلت الا تقول شيئا .

اخذها من جديد بين ذراعيه , بحماس اقل هذه المرة . ثم توقف وقد اشتد احمرار وجهه . ادركت ان هناك خللا ما طرا , لكنها خافت ان تساله عن الموضوع . امسكت بيده وعاد الى المدينة , وهما يتحدثان عن امر اخر وكان شيئا لم يكن .

فى تلك الليلة , وايقنت ماريا ان حدثا جللا قد حصل , فدونت فى يومياتها هذه العبارات التى انتقتها بعناية .

” عندما نلتقى احدهم ونقع فى غرامه , نشعر ان الكون كله يطاوعنا فى هذا الاتجاه . هذا ما حدث لى اليوم عند مغيب الشمس . لكن اذا حدث خلل منا , فان كل شئ عندئذ يتلاشئ ويختفى ! طيور مالك الحزين والموسيقى الصادحة فى البعيد وطعم شفتيه . ترى , كيف يمكن للجمال الذى كان حاضرا بقوة ان يختفى بهذه السرعة ويتلاشئ ؟

الحياة تمر مسرعة وتنقلنا من الجنة الى الجحيم , ولا يحتاج الامر الا الى ثوان معدودات .

فى اليوم التالى , ذهبت لموافاة ضديقتها شاهدنها جمعهم تتنزه برفقة ” حبيبها ” . يبدو انه ليس مهما فى نهاية المطاف ان يعيش الانسان حبا كبيرا , المهم ان يعرف الجميع انك شخص يثير الرغبة لدى الاخر . كانت صديقتها متشوقات جدا ليعرفن كيف جرت الامور , فاعلنت ماريا لهن بفخر شديد ان افضل ما حصل لها هو عندما لامس لسانها اسنانها .

اخذت احدى الفتيات بالضحك .

– الم تفتحى فمك ؟
وبغتى , اصبح كل شئ واضحا لها , السؤال والخيبة .
– ولم على فعل ذلك ؟
– لكى تدعى لسانه يمر .
– وما الذى سيتغير ؟
– هكذا يقبل الرجل المراة .

اطلقت الضحكات المكبوتة , واظهرت بعض الفتيات تعاطفا مخادعا فيما كتمت الاخريات غيظهن , ولاحت فى اذهانهن مشاريع الانتقام , لانهم لم يعرفن حبيبا من قبل . تظاهرت ماريا بعد الاكتراث , وضحكت بدورها , حتى لو كانت روحها تبكى .

اخذت تلعن فى سرها كل الافلام التى علمتها ان تغمض عينيها وتمسك بيدها راس صديقها , ثد تدير راسها تارة الى اليسار وطورا الى اليمين دون ان تعلمها ما هو جوهرى . ثم ما لبثت ان صاغت تفسيرا ملائما لما جرى ( لم اشا الاستسلام فى الحال , لاننى لم اكن متاكدة بعد من مشاعرى . لكنى متيقنة الان انه رجل حياتى ) وانتظرت الفرصة المقبلة .

بعد ثلاثة ايام , رات الفتى خلال احتفال اقمته البلدية , وكان يمسك بيد احدى صديقاتها , تلك التى سالتها بالذات عن طعم القبلة الاولى . تظاهرت ماريا عندئذ بعدم الاكتراث . احتملت المشهد حتى نهاية السهرة , والهت نفسها بالتحدث الى صديقاتها الفنانات , والشبان الذين يسكنون فى الجوار . كما تظاهرت بتجاهل نظرات الاشفاق التى رمقتها بها احدى صديقاتها . لكن , ما ان رجعت الى البيت حتى شعرت انها عاجزة عن الامساك بزمام الامور وان عالمها قد انهار , فبكت طوال الليل .

تعذبت ثمانية اشهر متواصلة وخلصت الى ان الحب لم يخلق لها ولم تخلق هى من اجله . قررت عندئذ ان تسلك طرق الرهبنة وتكرس بقية حياتها لمحبة يسوع , لان هذا الحب لا يترك جراحا اليمة فى القلب . سمعت الناس فى المدارس يتحدثون عن مرسلين الى افريقيا للتبشير , فرات فى ذلك منفذا للخلاص من حياتها الرتيبة الخالية من الانفعالات .

قررت الدخول الدير , وتعلمت الاسعافات الاولية ( لان هناك ناسا كثيرين يقضون حتفهم فى افريقيا بحسب ما يقول بعض الاساتذة ) , وشاركت بجد ومثابرة فى دروس التعليم الدينى . بدات تتخيل نفسها قديسة الازمنة الحديثة تخلص النفوس الخاطئة , وتستكشف الغابات المزدحمة بالنمور والاسود .

لكن تلك السنة , سنة بلوغها الخامسة عشر , خبات لها اكتشافها . ثالثا ” الاستمناء ” اكتشفته بالمصادفة , عندما كانت تلعب بعضوها فيما تنتظر رجوع امها الى المنزل . كانت قد اكتشبت تلك العادة فى طفولتها , ووجدت فيها لذة غامرة . الى ان فاجاها والدها ذات يوم وهى فى وضعية الاستمناء , فانهال عليها بالضرب دون ان يشرح لها السبب . لم تنس ماريا الضربات , وتعلمت انها يجب ان تمتنع عن ملامسة عضوها فى حضور الاخريين . وبما انها لم تكن لديها غرفتها الخاصة , فقد نسيت اللذة التى منحتها اياها هذه العادة .

ولبثت كذلك الى ان اكتشفتها مجددا فى ذلك اليوم بعد الظهيرة , بعد مرور ستة اشهر تقريبا على القبلة الشهيرة . تاخرت امها فى العودة , كان ابوها قد خرج مع صديقه . لم يكن لديها ما تفعله ولم يكن هناك برنامج مهم على التلفزيون . لذا , اخذت تتلهى بتفحص جسدها على امل ان تجد فيه بعض الشعيرات المزعجة التى تستوجب الازالة . دهشت عندما لاحظت وجود برعم صغير فى اعلى فرجها . اخذت تلامسة دون ان تتمكن من ردع نفسها , وراحت وتيرة لذتها تتصاعد لتصير اكثر حدة , والتوى جسدها كله لذة , وبخاصة القسم الذى لامسته . شعرت بانها تدخل شيئا فشيئا يشبه الجنة , وتزايد الشعور . دونت فى يومياتها انها لم تعد ترى ولا تسمع شيئا بوضوح . بدا كل شئ وكانه اصطبغ بالذهب , قم انت تحت طاة اللذة , وكانت تلك رعشتها الجنسية الاولى .

الرعشة الجنسية ! المتعة !

لكن بدا لها ان الامير يشبه سقوطا بطيئا بمظلة من اقاصى السماء الى الارض . كان جسدها ينضح عرقا , لكنها احشت انها تشعر بارتياح كلى يغمرها وانها مفعمة بالحيوية . هذا هو اذا الجنس ! يا للروعة ! لم تعد محتاجة الى مجلات بورتو غرافية يتحدث فيها الجميع عن اللذة يتكشيرة تنم عن الم .

لم تعد بحاجة الى رجل يحب جسد المراة وبكرة قلبها . بامكانها ان تفعل كل ذلك بمفردها ! اعادت الكرة متخيلة ممثلا شهيرا يقوم بمداعبتها وبلغت من جديد اعالى السماء قبل ان تهبط مجددا على الارض وهى تفيض بالحيوية . كانت تهم بالاستمناء للمرة الثالثة عندما وصلت امها .

ذهبت ماريا لتتحدث مع صديقاتها عن اكتشافها هذا , وحاذرت هذه المرة ان تبوح لهن انها قامت بالتجربة الاولى منذ ساعات قليلة . كن جميعهن , ماعدا اثنتين , يعرفن الكثير عن الموضوع . لكن ايا منهن لم تتجرا على قول ذلك علانية . شعرت ماريا انها على وشك ان تصير ثورية وقائدة للجماعة , فاخترعت ” لعبة الاسرار الحميمة ” وطلبت الى كل واحدة ان تتحدث عن طريقتها الاثيرة فى الاستمناء .

تعلمت ماريا عدة تقنيات لاستمناء , البقاء مثلا تحت الغطاء فى عز الصيف ( لان التعرق , كما قالت احدى الفتيات يسهل العملية ) او استخدم ريشة ورزة لملامسة المكان ( لم تكن ماريا تعرف اسم المكان ) او تدع صبيا يقوم بذلك مكانها ( هذا لم يكن ضروريا لماريا ) او استعمال حنفية الاستبراء , ( لم يكن لديها حوض لاستبراء ,لكنها ستجرب ذلك لدى زيارتها لاحدى صديقاتها الثريات ).

عندما اكتشفت ماريا الاستمناء واستخدمت بعض التقنيات التى اقترحها عليها صديقاتها , تخلت نهائيا عن فكرة الرهبنة . لقد منحها الاستمناء لذة كبيرة , لكن الجنس فى نظر الدين هو اعظم الخطايا . وعرفت عبر صديقاتها انفسهن الشائعات المتصلة بالاستمناء , فهو يجعل الوجى يتملئ بالبثور , وقد يؤدى الى الجنون او الحمل . لكن ماريا استمرت , بالرغم من كل هذه المخاطر , فى منح نفسها اللذة مرة فى الاسبوع على الاقل , يوم الاربعاء عموما , حين يذهب ابوها لكى يلعب الورق مع اصدقائه .

وفى الوقت نفسه , بدات ماريا تشعر ان ثقتها بنفسها تضعف فى حضور الرجال , وتملكتها رغبة عارمة فى مغادرة المكان الذى تعيش فيه . وقعت فى الحب مرة ثالثة ورابعة وتعلمت التقبيل والمداعبة والاستسلام لداعبة احبائها , الا ان هناك دوما شيئا لا يسير على ما يرام , ويحدث ان تنتهى العلاقة فى الوقت الذى تقتنع ماريا فيه بان شريكها مناسب لتقضى معه بقية ايام حياتها .

وفى النهاية , توصلت ماريا الى الاستنتاج ان الرجال لا يجلبون الا الالم والحرمان والعذاب والضجر . ذات يوم , بعد الظهيرة , حين صادف وجودها فى احدى الحدائق , اتخذت قرارا , وهى تراقب اما تلاعب ابنها ذا السنتين , ان بامكانها ان يكون لها هى ايضا زوج واولاد ومنزل يشرف على البحر , لكنها لن تقع فى الغرام اطلاقا , لان الغرام يفسد كل شئ .

* * * * *

 

وهكذا , مرت سنوات مراهقة ماريا . ازدادت جمالا وجذب مظهرها الغامض والحزين الكثير من الرجال , فخرجت بصحبتهم , حلمت وتعذبت , بالرغم من الوعد الذى قطعته على لنفسها بالا تقع فى الغرام من جديد . فقدت عذريتها خلال احد هذه اللقاءات على مقعد سيارة خلفى , كانت هى وصاحبها يتلامسان باضطرام اكبر من المعتاد فتحمس الفتى . واذ سئمت ماريا من كونها اخر عذراء بين صديقاتها , سمحت له بولوجها . كان الامر مؤلما بخلاف الاستمناء الذى كان يقودها الى الجنة , ولطخ خيط رفيع من الدم ثوبها . لم يمنحها ذلك الشعور السحرى الذى منحتها اياه القبلة الاولى . ليس هناك طيور مالك الحزين المحلقة فى الفضاء ولا الشمس الغاربة ولا الموسيقى … ارادت ان تنسى ما حصل لها .

ضاجعت الصبى عدة مرات , بعد ان حذرته بانه يعرض نفسه للقتل على يد ابيها فيما لو عرف انه فض بكارة ابنته . جعلت منه اداة لتتعلم ممارسة الجنس , وحاولت بجميع الوسائل ان تعرف اين مكامن اللذة فى العلاقة الجنسية مع الشريك .

كل ذلك غير مجد . الاستمناء يتطلب اقل , ويمنح نعما اكبر . لكن جميع المجلات والمسلسلات التلفزيونية والكتب والصديقات … كل شئ من هذه الاشياء , كل الاشياء على الاطلاق تعلن وتؤكد اهمية الرجل فى حياة المراة . فكرت ماريا انها تعانى مشكلة جنسية لا يمكن البوح بها , واخذت تحصر همها بدروسها , ونسيت لبعض الوقت هذا الشئ الرائع والفتاك الذى يدعى الحب .

* * * * *

ذلك مقطع من يوميات ( ماريا ) وهى فى سن السابعة عشرة :

اتوق الى فهم الحب . ادرك شعورى با،نى كنت مفعمة بالحياة حين احببت , واعرف ان كل ما املكه الان , مهما يبد مهما , لا يلهب فى قلبى الحماسة .

لكن الحب الرهيب : رايت صديقاتى يتعذبن ولا اريد ان يحصل لى ذلك . كن يسخرن منى من قبل ومن براءتى . وها هن الا، يسالننى ماذا افعل لكى اتمكن من الهيمنة على الرجال بهذا الشكل . ابتسم واسكت , لا،نى اعرف ان الدواء اسوا من الالم نفسه .

الجواب بسيط وهى اننى لا اقع فى الحب . بت ادرك مع مرور الايام هشاشةالرجال وعدم استقرارهم وقلة ثقتهم بانفسهم وتصرفاتهم التى لا يمكن التنبؤ بها … حاول بعض اباء صديقاتى استدراجى الى علاقة حميمة معهم لكننى قابلتهم بالصد . فى اول الامر ضدمت بتصرفاتهم . اما الان فادرك ان ذلك يشكل جزءا من الطبيعة الذكورية .

رغم ان هدفى يتمثل فى فهم الحب , ورغم العذاب الذى عانيته على ادى هؤلاء الذى سلمتهم قلبى ان بامكانى القول ان هؤلاء الذين لامسوا روحى لم ينجحوا فى ايقاظ جسدى من كبوته , وان هؤلاء الذين لامسوا سطح جسدى لم ينجحوا فى بلوغ اعماق روحى .

* * * * *

انهت ماريا دروسها الثانوية فى سن التاسعة عشرة ثم وجدت عملا فى محل للنسيج اوقعت صاحبه غرامها . وباتت ماريا فى تلك المرحلة تعرف كيف تستغل رجلا دون ان يستغلها . لم تسمح له قط بملامستها , رغم انها كانت تظهر دائما دلعا , وتدرك سطوة جمالها .

سطوة الجمال : ترى كيف ترى النساء البشعات العالم ؟ كان لديها صديقات لا يلفتن انتباه احد فى الاعياد , ولا يسالهناحد عن احوالهن . الا ان هؤلاء الفتيات , ولو بدا الامر صعب التصديق , يولين اهمية كبيرة للحب القليل الذى يمنح لهن , ويتعذبن بصمت عندما يرفضن , ويجهدن الا يبنين مستقبلهن على الامل الاحتمالى باثارة الاعجاب لدى احد الرجال . كانت ماريا تعتقد ان العالم يحب ان يبد لهن غير محتمل , لكنها تجهل انهن كن اكثر استقلالية من الجميلات , ويكرسن حياتهن فى اجواء هادئة لتحقيق انفسهن باطراد .

بيد ان ماريا كانت مدركة تماما لجمالها . ومع ذلك , فانها احتفظت بنصيحة واحدة من نصائح امها التى كانت تنساها دوما ( يا بنيتى , الجمال لا يدوم . ) لذا استمرت ماريا فى علاقة ليست بالحازة ولا بالباردة مع صاحب العمل . وموقفها هذا تجشد عمليا بزيادة هامة لمرتبها ( لم تكن تعرف المدى الذى تستطيع فيه السيطرة عليه وايهامه بامكانية وقوعها فى حبائله , لكن ما دام الوضع على هذا النحو فبامكانها توفير مصدر ( رزقها ) , فضلا عن العلاوة المستحقة عن الساعات الاضافية ( كان الرجل يرغب فى الحقيقة ان يبقيها قريبة منه وربما كان يخشى , فيما لو خرجت مساء ان تلتقى حبها الكبير ) . عملت ماريا اربعة وعشرين شهرا دون انقطاع , واستطاعت توفير المعيشة لاهلها وادخار المال الضرورى .

واخيرا يا للنجاح الذى يمنحها فرصة قضاء اجازة فى مدينة احلامها , مدينة الفنانين , وقبلة انظار السياح ” ريو دى جانيرو ” .

اقترح عليها رب العمل ان يرافقها ويسدد عنها كل النفقات . تذرعت ماريا كاذبة ان الشرط الوحيد الذى اشترطته والدتها للموافقة على السفر هى ان تنام عند قريب لها يمارس المصارعة اليابانية , لانها ذاهبة الى احدى المدن الاكثر خطورة فى العالم .
واضافت : كما انك يا سيدى , لا يمكن ان تترك المحل هكذا دون شخص يهتم به ويكون موضوع ثقة …

قال لها :
– لا تنادينى ” سيدى ” .

ورات ماريا فى عينيه شيئا لم تالفه من قبل , نار الشغف . شكل هذا الامر مفاجاة حقيقة لها , اذا كانت تعتقد ان هذا الرجل لا يهتم الا بالجنس . اما الان فنظرته توحى بالعكس , ” استطيع ان امنحك عائلة وبيتا وقليلا من المال لاهلك ” . فكرت ماريا بالمستقبل وقررت ان تزيد ناره اضطرارا .

قالت له : انها تحب عملها كثيرا , وانها ستفتقد الناس الذين تهيم بمعاشرتهم ( حرصت على الا تذكر شخصا بالتحديد لكى يبقى تصريحها محاطا بالكتمان ) , فهل يمكن ان يكون ” الناس ” الذين اشارت اليهم , هو تحديدا ؟

ووعدته بان تهتم بمحفظة نقودها اهتماما كبيرة , وتحافظ على نزاهة اخلاقها . اما الحقيقة فكانت مختلفة تماما , لا ترغب فى ان يفسداحد , ولا اى شخص , اسبوعها الاول من الحرية الكاملة , كانت ترغب فى الاستجمام والتحدث الى اشخاص مجهولين والتسكع امام الواجهات والتمتع بالنظر اليها , وتهيئة نفسها للالتقاء بفارس الاحلام الذى سياتى ويختطفها الى الابد .

قالت بابتسامة مغرية وبدلع مضلل , اى اهمية لاسبوع فى حياة الانسان ؟ سرعان ما ينقضى الاسبوع , واعود قريبا لافى بالتزاماتى .

حاول صاحب المحل اقناعها دون جدوى , ثم ما لبث ان رضخ والاسى يمزقه لانه كان عازما على القيام بخطة سرية , وهى طلب يدها للزواج عند رجوعها من السفر , فقرر ان يبقى مشاعره طى الكتمان , فلا يعمد الى اسماعها كلمة غزل واحدة .

اشتغرقت الرحلة ثمانى واربعين ساعة فى الباص . ونزلت ماريا من ثم فى فندق من الدرجة الخامسة فى كوباكابانا ( اه , كوباكابانا ! الشاطئ , السماء … ) وقبل ان تفرغ امتعتها , انتشلت ” المايوه البيكينى , الذى اشترته مؤخرا, وارتدته رغم الطقس الغائم وذهبت الى الشاطئ . نظرت الى البحر بحذر وخشية , ثم ما لبثت ان خاضت فى الماء بخفر .

ان احدا على الشاطئ لم ينتبه الى ان هذه الفتاة كانت تعيش اول اتصال لها مع المحيط والالهة ايمنجا والتيارات البحرية وزبد الامواج , ومع شاطئ افريقيا المزدحم بااسود فى الجهة المقابلة لاطلسى . عندما خرجت من الماء , اقتربت منها امراة تبيع سندويشات خالية من المواد الكيميائية , وسالها رجل اسود جميل عما اذا كانت متفرغة هذا المساء , ودعاها رجل لا يعرف كلمة برتغالية واحدة , بالاشارات الى مشاركته فى تناول شراب جوز الهند …

اشترت ماريا السندويش لنها خجلت من الرفض . الا انها تجنبت الكلام مع الرجلين . احست بالحزن يجتاح قلبها , الان وقد بات بامكانها ان تفعل ما تريد , لماذا كانت تتصرف بهذه الطريقة المخزية ؟ بما انها لا تملك تفسيرا لذلك , فقد جلست تنتظر ان تظهر الشمس المحتجبة خلف الغيوم من جديد .

الا ان الاجنبى ظهر حاملا جوزة الهند وقدمها اليها . سرت لانها لم تكن مضطرة للتحدث اليه . شربت ماء جوز الهند وابتسمت , فابتسم له بدورها . التزما لبعض الوقت بهذا الشكل من التواصل المريح الذى لا يلزم الطرف الاخر بشئ , ابتسماة من هنا . ابتسامة من هناك , الى ان انتشل الرجل من جيبه قاموسا صغيرا ذا غلاف احمر وقال بلكنة ” جميلة ” . ابتسمت من جديد كانت توذ طبعا ان تلتقى فارس احلامها لكنها تريده ان يتكلم لغتها ويكون اكثر فتوة .

اصر الرجل وهو يتفصح الكتاب قائلا ” العشاء هذا المساء ؟ ” .
واضاف على الفور ” سويسرا ” . ثم تلفظ بهذه الكلمات التى تصدح مثل اجراس الجنة ايا تكن اللغة التى تقال فيها ” وظيفة ! دولارات ” ! .

لم تكن ماريا تعرف مطعم ” سويسرا ” ثم هل يعقل ان تكون الاشياء بهذه السهولة وان تتحقق الاحلام بهذه السرعة ! من الافضل تحاشى الموضوع . شكرا للدعوة , انا مشغولة , ولا ابحث عن شراء دولارات .

لم يفهم الرجل لكمة لعينة واحدة من جوابها . بدا يشعر بالياس . تركها لبضع دقائق بعد ان وجه اليها بعض الابتسامات قم عاد برفقة مترجم . قال لها عبر وسيطه , انه ات من سويسرا ( هذا ليس اسم مطعم ,اذا بل اسم بلاده ) , وانه يوذ فعلا تناول العشاء معها لانه يريد ان يعرض عليها وظيفة . كان المترجم احد الفندق حين ينزل الرجل , وكان يعاونه فى مساعيه . قال لها على انفراد ” لو كنت مكانك لقبلت العرض . هذا الرجل مدير فنى معم وقد اتى الى البرازيل للبحث عن مواهب جديدة للعمل فى اوروبا . اذا شئت , استطيع ان اعرفك الى بعض الفتيات اللواتى وافقن على اقتراحاته , وصرت ثريات وتزوجن وانجبن , وهن الان بمناى عن البطالة , وليس لديهن ما يخشينه من صروف الدهر ) . ثم اضاف وهو ينوى التاثير فيها بثقافته الواسعة ” بالاضافة الى ذلك فالسويسريون يصنعون اصنافا ممتازة من الشوكولاته والساعات ” .

كانت التجربة الفنية لماريا لا تكاد تذكر , مثلث ذات مرة دور بائعة ماء , واكن دور صامتا فى مسرحية تقام دوما خلال اسبوع الالام . ومع انها نامت بشكل شيئ فى الباص , فان منظر البحر كان يستثريها , ويتعبها التهام السندويشات , ويحرجها انها لا تعرف احد فى الريو , وان عليها التعرف سريعا الى احد الاصدقاء . سبق لها ان مزت بمثل هذه الحالة والتقت رجلا يكرز اطلاق الوعود دون ان يحقق واحدا منها . لذا , كانت تعرف ان قصة هذا المدير الفنى ليست الا وسيلة يبحث من خلالها عن اثارة اهتمامها والتقرب منها , فيما هى تتظاهر بصده .

لكنها كانت على يقين من ان العذراء منحتها هذه الفرصة , وعلى اقتناع بصورة ان تستفيد من كل ثانية فى اسبوع العطلة هذا . لذا شعرت ان الامر برمته يشكل مادة نفسية يمكن ان ترويها لصديقاتها عن رجوعها . قررت عندئذ قبول الدعوة شرط ان يرافقها المترجم , لانها سئمت الابتسام والتظاهر بانها تفهم كلام الاجنبى .

لكن المشكلة التى تتسم بالخطورة البالغة هى انها لا تملك ثوبا للمناسبة , والمراة لا تعترف ابدا بهذه الاسرار الحميمة ( يسهل على المراة ان تتقبل خيانة زوجها من ان تعترف بالحالة المريعة لخزانة ملابسها ) . لكن , بما ان ماريا لا تعرف هذين الرجلين , ولن تراهما مجددا فى حياتها , فقد رات ان ليس لديها ما تخسره وقاتل ” ما زلت قادمة للتو من نوردستا , وليس لدى ما ارتديه للذهاب الى المطعم ” .

توسل اليها الرجل عبر المترجم قائلا ” انه لا يجدر بها ان تقلق بهذا الشان , قم طلب اليها عنوان الفندق الذى تنزل فيه . بعد الظهيرة , ارسل اليها فستانا لم تر مثله فى حياتها وحذاء يبلغ ثمنه اجر عام كامل .

شعرت ان المغامرة قد بدات , المغامرة التى طالما حلمت بها خلال طفولتها ومراهقتها فى ” السرتا ” البرازيلية . و ” السرتا ” بلاد قاحلة وشباب لا مستقبل لهم , مدينة نزيهة لكن فقيرة , والحياة فيهعا رتيبة وفارغة من اى اهتمام . ها هى تتحضر الان لتصبح اميرة العالم ! ها ان رجلا يعرض عليها وظيفة ودولارت , ويقدم لها حذاء مترفا وفستانا يشبه الفساتين فى قصص الساحرات ! لا ينقصها الا الماكياج , لكن موظفة الاستعلامات تعاطفت معها واتت لنجدتها ولم تنس ان تحذرها بقوة وتنبهها الى ان الاجانب ليسوا كلهم جديرين بالاحترام , كما ان ليس كل سكان ريوم دى جانيرو صعاليك .

تجاهلت ماريا التنبيه . ارتدت هدية السموات وقضت ساعات امام المراة , وهى تتحشر لكونها لم تجلب معها الكاميرات فتصور هذه اللحظات . واستمرت كذلك الى ان انتبهت انها تاخرت عن موعدها . خرجت وهى تركض مثل سندريلا , ووصلت الى الفندق حيث بنزل السويسرى . دهشت حين اخبرها المترجم انه لن يرافقهما .

– لا تكترثى لامر اللغة . المهم ان يشعر انه مرتاح برفقتك .
– لكن ما العمل اذا لم يفهم ما اقول ؟
– لن تحتاجى الى الكلام , لان المسالة متصلة ” بالطاقات الكامنة فينا ” .

لم تفهم ماريا معنى قوله . فى بلادها , عندما يلتقى الناس , يحتاجون الى تبادل الكلام والاسئلة والاجوبة . لكن مايلسون اسم المترجم الحارس , اكد لها ان الامر مختلف فى ريو دى جانيرو كما فى سائر انحاء العالم .

– لا تحاولى ان تفهمى . تدبرى امرك بمفردك وادعليه يشعربالراحة . الرجل ارمل ولا اولاد له , وهو صاحب ملهى ليلى يبحث عن برازيليات يرغبن فى العمل فى الخارج . قلت انه انك لست مؤهلة لهذا العمل , لكنه اصر على الموضوع . يدعى انه وقع فى الغرام ما ان راك تخرجين من الماء وانه وجد ” المايوه البيكينى ” جميلا . توقف المترجم عن الكلام , ثم اضاف ” لكنى بصراحة اقول لك ان كنت تريدي ان تجدى عشيقى هنا , فعليك ان تغيرى موديل ” البيكينى ” لانه باستثناء هذا السويسرى , لن يعجب احد فى العالم , لانه قديم الطراز للغاية .

تظاهرت ماريا بعدم سماعه , ثم تابع مايلسون قائلا ” اىر انه لا يرغب فقط بمغامرة معك , بل يعتبر ان لديك ما يكفى من الموهبة لتصبحى نجمة ملهاه الليالى . بالطبع , لم يستمع الى غنائك ولم يررقصك , لكن هذت يمكن اكتسابه . اما الجمال , فياتى بالفكرة . اه ! هؤلاء الاوروبيون ! يلقون رحالهم هنا معتقدين ان كل البرازيليات شهوانيات ويعرفن رقصة السامبا , اذا كانت نياته جدية , اقترح عليك ان تبرمى عقدا معه , مقترنا بتوقيع رسمى من القنصلية السويسرية , قبل مغادرة البلاد . غدا ساكون على الشاطئ امام الفندق . تعالى لرؤيتك اذا ساورتك بعض الشكوك .

ابتسم السويسرى وامسك بذراعها مشيرا الى سيارة التاكسى التى تنتظرهما .

” اما اذا كانت نياته مختلفة ونياتك كذلك , فان التعرفة لليلة الواحدة هى ثلاثمائة دولار . فلا تقبلى بما هو اقل ”
قبل ان تتمكن من الاجابة , كانت سيارة التاكسى قد اقلعت باتجاه المطعم . اقتصر الحوار على الحد الادنى , العمل ؟ الدولارت ؟ نجمة برازيليلة ؟ .

الا ان ماريا كانت تفكر فى اقوال المترجم ” ثلاثمائة دولار لليلة واحد ! يا لثروة ! ليست مضطرة لان تموت من العشق ! بامكانها ان تغرى هذا الرجل كما فعلت مع رب عملها , وان تتزوج وتنجب اولادا وتؤمن حياة مريحة لوالديها . ما الذى لديها لكى تخسره ؟ فهو عجوز ولن يلبث ان يموت فترث ثروته . عبثا يلهث السويسريون وراء الثروات , لكان النساء عملة نادرة فى بلادهم .

كان قليلى الكلام خلال العشاء , ابتسامة من هنا وابتسامة من هناك . فهمت ماريا تدريجيا قصة الطاقات الكامنة هذه . اظهر الرجل البوما يحتوى على وثائق عدة مكتوبة فى لغة لا تعرفها وقصاصات جرائد وصور لنساء يرتدين البيكينى ( ما يوهات لا شك انها اكثر اناقة وجراة من ذلك الذى كانت ترتديه حين راها السويسرى لاول مرة ) . احتست ماريا الكثير من الكحول لمواجهة ما يمكن ان يقترحه عليها السويسرى من امور منكرة ( لا احد يستطيع ان يهزا بثلاثمائمة دولاور ! ثم ان القليل من الكحول يجعل الامور تصرف بلياقة وتهذيب , كان يقدم الكرسى لها لدى جلوسها ويزيحه لدى نهوضها . تذرعت ماريا عند انتهاء السهر تعبت واقترحت عليه موعدا على الشاطئ صباح الغد ( اشارت الى الموعد على ساعتها مقلدة حركة الامواج بيدها ورددت كلمة غ – د – ا ببطء شديد ) بدا راضيا , ونظر هو ايضا الى ساعته ( ربما كانت سويسرية ) وافهمها ان الوقت يناسبه .

لم يكن نومها مريحا . فكرت ان كل ذلك كان حلما . لكنه حين استيقظت , استنتجت ان ذلك حصل فعلا , وان هناك لا شك ثوبا فوق الكرسى فى غرفتها المتواضعة وحذاء جميلا , وموعدا على الشاطئء فى المدى القريب .

* * * * *

 

دونت ماريا فى يومياتها , يوم التقت السويسرى , الكلمات التالية :

تحدثنى نفسى اننى على وشك اتخاذ قرار سيئ . لكن الاخطاء شكل من اشكال التقدم فى الحياة . ماذا يريد العالم منى ؟ هل اجازف ام اعود من حيث اتيت دون ان امتلك الشجاعة لاقول ” نعم , للحياة ؟ .

سبق لى ان ارتكتب خطا حين كان لى من العمر احدى عشرة سنة , يوم جاء صبى وطلب الى ان اعيره قلما . منذ ذلك الحين ادركت ان الحياة لا تمنح احيانا فرصة ثانية , وان من الافضل تقبل الهبات التى يقدمها العالم لنا . بالطبع فى الامر مجازفة , لكن هل تقبل هذه المجازفة اقل خطورة مثلا من حادث كان بمكانه ان يحصل لى فى الباص الذى استغرق ثمانى واربعين ساعة لايصالى الى هنا ؟ اذا كان يجدر بى ان اكون وفية لاحد ما او لشئ ما , فيجب اكون وفية لنفسى .

واذا كنت ابحث عن الحب الحقيقى , فعلى اولا ان احسم امرى مع العلاقات التافهة التى اقمتها . علمتنى الخبرة القليلة التى اكتسبتها ان لا احد يستطيع التحكم بمجريات الامور , وان كل شئ ليس الا وهما . وهذا الامر ينطبق على الامور المادية كما على الخيرات الروحية . من فقد شيئا كان يعتبر الحصول عليه امرا ثابتا ومضمونا ( وهذا ما حصل لى ) , يعرف فى النهاية انه لا يمكنه الحصول على شئ .

واذا كنت لا املك شيئا , فلا حاجة لى اذا لان اهتم بالاشياء التى ليست لى . الافضل ان احيا كما لو ان هذا اليوم اول يوم او اخر يوم فى حياتى .

* * * * *
فى اليوم التالى , اعلنت ماريا , وكان يرافقها مايلسون بصفته مدير اعمالها , انها توافق على الدعوة , شرط ان يحصل على وثيقة مصدقة من القنصلية السويسرية . لم يستغرب الاجنبى طلبها قط , لا بل اكد لها ان هذه ايضا رغبته , لان العمل فى بلاده يستوجب الحصول على ورقة تثبت ان لا احد غيرها مرشح للقيام بالمهنة التى تهيئ نفسها للمارستها . وهذا ليس امرا صعب المنال لان السويسرات لسن موهابات فى رقصة السامبا .

ذهبوا معا الى وسط المدينة , واشترط الحارس المترجم , ومدير الاعمال الاسبق , ان يكون المال المدفوع اوراقا نقدية . ما ان وقعت ماريا والسويسرى العقد حتى احتفظ لنفسه ب 30 % من ال 500 دولار التى تسلمتها ماريا .

قال مايلسون ” هذا اجر اسبوع سلفا . اسبوع , هل فهمت ؟ ستتقاضين 500 دولار , بلا سمسرة , لاننى لا استوفى حصتى كاملة الا من الدفعة الاولى .
حتى هذه اللحظة , لم تكن فكرة السفر او فكرة الذهاب الى الطرف الاخرمن العالم تخطر على بال ماريا .كل ذلك لم تكن ترى فيه الا حلما . والحلم يبقى امرا مريحا ما دمنا لسنا ملتزمين بتحقيق ما نصبو اليه . وهكذا , فانه لابد لنا من اجتياز الظروف الصعبة ومواجهة الاخطار والتعرض للحرمان عندما تتقدم بنا السن وتداهمنا الشيخوخة . وفى نهاية المطاف نحفل الاخرين , ولا سيما اهلنا وازواجنا والاولاد , الذنب , لانهم لم يحققوا لنا رغباتنا .

ها قد سنحت الفرصة لماريا فجاة التى طالما حلمت بها من دون ان تسعى اليها , جاهدة ؟! كيف سيكون بامكانها مواجهة الاخطار والتحديات التى ستعترضها على عتبة حياة جديدة مجهولة ؟ كيف سيكون بامكانها التخلى عن كل عاداتها ؟ لماذا شاءت العذراء مريم ان يكون قدرها الذهاب بعيدا الى هذا الحد ؟

واست ماريا نفسها قائلة ان بامكانها تغيير رايها والعدول عن اذهاب فى اى لحظة , وان كل ذلك مجرد دعابة بلا عواقب , او حكاية عجيبة ترويها لدى رجعوها الى مدينتها . على كل حال , كانت ماريا تقيم على مسافة اكثر من الف كيلومتر من ريودى جانيرو , وتملك 300 دولار . واذا خطر لها ان تحزم امتعتها غدا وتعود الى ديارها سرا , فلا احد يستطيع ان يعرف وجهتها .

بعد الظهيرة التى اعقبت الزيارة الى القنصلية , قررت الذهاب لتننزه بمفردها على الشاطئ , وتراقب الاولاد وامهاتهم ولاعبى الكرة الطائرة والمتسولين والسكارى وبائعى المبتكرات الحرفية النموذجية ( المصنوعة فى الصين ) والرياضيين المنصرفين الى ممارسة التمارين لمواجهة الشيخيوخة قدر المستطاع , والسياح والمتقاعدين الذين يلعبون الورق فى نهاية الجادة فى نهاية المحاذية للبحر … ها هى الان فى قلب ريو دى جانيرو , نزيلة فندق من الدرجة الاولى , تعرف قنصلية واجنبيا ومدير اعمال , وقد اهديت فستانا وحذاء لا يستطيع احد فى نوردستا شراءهما .

نظرت الى الافق , لا شك فى ان افريقيا , باشودها وغاباتها المزدحمة بالغوريلا , تقع قبالتها , كما تعلمت فى دروس الجغرافيا . وان اتجهت قليلا صوب الشمال يمكنها ان تضع رحالها فى قارة ساحرة تدعى اوربا حيث يوجد برج لايفل واورو ديزنى وبرج بيزا . ماذا ستخسر بذهابها ؟ ثم انها , كجميع البرازيليات , تعلمت رقصة السامبا قبل ان تلفظ كلمة ” ماما ” . واذا ترق لها المهنة غدا يمكنها العودة الى بلادها , فالفرص متاحة , وينبغى انتهاظها على وجه السرعة .

قررت ان تواجه فقط التجارب التى بمقدرها السيطرة عليها , كبعض المغامرات مع الذكور لقد ازجت الوقت , وهى ترفض الانصياع , وتود الان لو انها اثرت الاستجابة ها هى تقف امام المجهول ذاك المجهول الذى كانه ذات يوم البحر للبحار الذين عبروه , كما تعلمت فى دروس التاريخ ستكون الظروف دوما مؤاتية لقول ” لا , لكن هل عليها ان تقضى بقية حياتها فى التحشر ؟ لا تزال الحسرة تعتصر قلبها عندما تفكر فى الصبى الذى سالها قلما , ثم افتقدت وتلاشى حبها الاول ! … لماذا لا تسعى هذه المرة لان تقول ” نعم ” ؟

السبب بسيط ماريا فتاة عاشت فى الريف وليس لديها تجربة فى الحياة . كل ما حصلته طوال سنوات من الدراسة فى مدرسة محترمة , ومن ثقافة واسعة فى ميدان واسعة فى ميدان المسلسلات التلفزيونية واليقين انها جميلة ؟ لكن هذا لا يكفى لمواجهة العالم .

رات جماعة من الناس يتهيبون لدى رؤيتهم البحر , وكانهم يخشون الاقتراب منه . هى ايضا احست بالخشية منه نفسها منذ يومين , لكن الخوف ولى الان . تستطيع خوض الماء ما ان ترغب فى ذلك وكانها ولدت هنا على البحر . الن يكون الامر مماثلا فى اوروبا ؟

توجهت بصلاة صامتة الى العذراء مريم . وبعد ثوان معدوات بدت راضية عن قرارها بالسفر , بعيدا لانها احست ان العذراء تحميها العودة ممكنة دوما لكن الفرصة التى سنحت لها بالذهاب بعيدا جدا ليست متوفرة دوما . والامر يستحق المجازفة , ما دام حلمها الواعد قادرا على الصمود فى وجه الساعات الثمانى والاربعين التى يستغرقها الرجوع فى الباص دون مكيف , وما دام السويسرى لن يغير سلوكه تجاها بين لحظة واخرى .

شعرت انها مستثارة لدرجة كبيرة , عندما دعاها السويسرى للعشاء من جديد , نظرت اليه نظرة اصطنعت فيها الكثير من الدلال وامسكت بيده . انتزع الرجل يده على الفور فادركت ماريا , بشئ من الخوف والارتياح فى ان , انه كان جادا فى مشروعه .

” نجمة سامبا ! نجمة سامبا برازيلية جميلة ! السفر الاسبوع القادم ! ” .

كل ذلك رائع . لكن عبارة ” السفر الاسبوع القدام ” تمثل امرا لا يعقل . اوضحت له ماريا انها لا تستطيع ان تتخذ مثل هذا القرار دون ان تستشير عائلتها . فما كان من السويسرى الا ان اظهر بغضب نسخة عن الوثيقة الموقعة , وشعرت ماريا بالخوف للمرة الاولى .
كرر قائلا ” والعقد ؟ ” …

وذا عزمت ماريا على السفر , ارادت ان تستشير مايلسون مدير اعمالها , افلم تؤد له اجره مقابل مساعدتها ؟

لكن مايلسون كان مشغولا باغواء سائحة من سياح المدينة نزلت مؤخرا فى الفندق , وكانت تتمدد عارية الصدر فوق الرمل , معتقدة ان البرازيل هى البلد الاكثر تحررا فى العالم ( ولم تكن تدرك انها المراة الوحيدة شبه العارة هناك , وان الجميع ينظرون اليها باستياء ) . وجدت ماريا مشقة بالغة فى ان تلفت نظره الى ندائها .

قالت له باصرار : ماذا لو غيرت رايى ؟
– لا اعرف ماذا كتب فى البنود , التى تضمنها العقد بالتحديد , لكن ربما كان يستطيع سجنك مثلا .
– لن اسمح له بالاهتداء الى مكانى .
– انت محقة , لا تهتى اذا .

بدا السويسرى يشعر بالقلق ازاء اصرار ماريا على الذهاب لرؤية عائلتها , لا سيما وانه انفق مبلغ 500 دولار سلفا وثمن حذاء وثوب وعشاءين ونفقات التسجيل فى القنصلية . لذا , قرر ان يشترى بطاقتى طائرة وان يرافقها لغاية بيتها , شرط ان ينتهى كل شئ فى ظرف ثمانية واربعين ساعة , وان يتمكنا من الذهاب الى اوروبا فى الاسبوع المقبل وفقا لشروط العقد الموقع بينهما .

وبعد الابتسامة التى وزعت من هنا ومن هناك , فهمت ماريا اخيرا ان كل ذلك مرتبط بالوثيقة التى وقعت عليها , وانه لا يفترض بنا ان نلجا الى الاغواء والمشاعر ولا ان نعبث بالعقود والمواثيق .
دهشت المدينة لا بل افتخرت لدى رؤية ابنتها الجميلة ماريا تصل وبرفقتها اجنبى يرغب فى مساعدتها على ان تصبح نجمة كبيرة فى اوروبا .

سالتها صديقات المدرسة :
– كيف حصل ذلك ؟
– بفعل الحظ .

كن يرغبن فى معرفة ما اذا كانت الامور تجرى دائما على هذا النحو فى ريو دى جانيرو , لانهن شاهدن فى المسلسلات التلفزيونية مغامرات مشابهة . لم تق ماريا ” نعم , ولم تقل لا ” ظل جوابها غامضا لانها تبغى ان تعلى من قدر مواهبها الشخصية , وان تقنعهن بانها كائن استثنائى .
ذهبت ماريا والسويسرى الى البيت . وهناك اظهر السويسرى من جديد الصور والكراسات عن البرازيل والعقد . واوضحت ماريا انه بات لديها الان مدير اعمال فنى وانها تنوى الانصراف الى ولوج عالم الفن . رات امها مقاس ” البيكينى ” التى ترتديه الفتيات فى الصور , وارجعت الصور فورا , ممتنعة عن طرح الاسئلة . كل ما يهمها ان تكون ابنتها سعيدة وثرية , او حتى تعيسة ولكن ثرية .

– ما اسمه ؟
– روجيه .
– روجيريوا ! كان لدى قريب يحمل الاسم نفسه !

ابتسم الرجل مصفقا وادرك الجميع انه لم يفهم الجواب . قال الاب لماريا ” لكنه فى مثل سنى ! ” .
فتوسلت اليه زوجته الا يتدخل فى سعادة ابنته . كانت ام ماريا قد اكتسبت , كما كل الخياطات , تجربة كبيرة من خلال التحدث الى زبونها , وباتت خبيرة فى موضوعات الزواج والحب . نصحت ماريا قائلة ” يا معبودتى , الافضل ان تكونى تعيسة مع رجل ثرى من ان تكون سعيدة مع رجل فقر . وهناك لديك حظوظ اكبر فى ان تكونى ثرية تعيسة . ثم افرضى ان الامور لم تجر كما يجب , يمكنك عندئذ ان تمتطى حافلة وترجعى الى البيت .

اجابت ماريا , وهى فتاة اوسع ذكاء مما تتصور امها وزوجها المقبل , على سبيل الاستفزاز .

– امى , ليست هناك حافلة بين اوروبا والبرازيل , ثم اننى اريد الانخراط فى مهنة فنية , لاان ابحث عن زوج .

نظرت اليها امها نظرة شبه يائسة !

– حتى لو ذهبت الى هناك , يمكنك العودة ساعة ما تشائين , صحيح ان المهن الفنية ممتازة للفتيات الشابات , لكنها تدوم ما دمت جميلة وتنتهى تقريبا فى سن الثلاثين . استفيدى اذا من وجودك هناك , وحاولى ان تعثرى على شاب ثرى ومغرم بك . تزوجى , اتوسل اليك . لا تفكرى فى الحب . فى البداية , لم اكن احب ابالك , لكن المال مفتاح كل شئ , حتى الحب الحقيقى . ومع ذلك , فان اباك ليس ثريا .

لو كانت النصحية صادرة عن احدى الصديقات لكانت سيئة . لكن , بما انها صادرة عن ام فهى ممتازة . قبل ان ترجع ماريا الى الربو , وتحديدا قبل ثمانى واربعين ساعة , ذهبت بمفردها الى مكان عملها القديم , وقدمت باستقالتها . قال لها رب عملها :

– علمت ان مدير اعمال فرنسيا كبيرا قرر اصطحابك الى باريس . لا استطيع ال اقف وجه سعادتك , لكن اريد , قبل ان ترحلى , ان اقول لك شيئا .

فاخرج من جيبه سلسلة فيها قلادة .

– هذه القلادة العجائبية لسيدة النعم , كنيستها موجودة فى باريس . اذهبى الى هناك , واطلبى حمايتها , وانظرى الى ما هو مكتوب هنا .

قرات ماريا الكلمات المحفورة على القلادة :

” يا مريم التى حبل بها بلا دنس , صلى لاجلنا نحن الذين نتضرع اليك , امين ” .

– لا تنسى ان تتلفظى بهذه الجملة مرة على الاقل فى اليوم و …
تردد قليلا , ثم تابع قائلا ” اذا رجعت يوما فاعلمنى اننى سانتظرك . فاتتنى الفرصة لاقول لك شيئا بسيطا جدا . احبك , ربما فات الاوان , لكنى اردت ان تعرفى ” .

” فاتتنى الفرصة ” … لكنها عرفت منذ وقت طول نياته . اما كلمة ” احبك ” فقد سمعتها كثيرا على مدى سنواتها الاثنين والعشرين . وشعرت انها لا تعنى لها شيئا , لانها لم تكن قط نابعة من شعور جدى يمكن تجسيده فى علاقة مستديمة . شكرته مارا على هذه الكلمات , ودونتها فى ذاكرتها . لا احد يعرف ماذا تخبئ له الحياة , ومن المستحسن دائما ايجاد المخارج الملائمة لبلوغ النجاة . طبعت على وجنتيه قبلة بريئة وخرجت دون ان تنظر وراءها .

عندما رجعت الى الريو , حصلت على جواز سفرها فى اقل من يوم . تغيرت البرازيل فعلا . هكذا قال روجيه معلقا بكلمات برتغالية وبكثير من الاشارات . فهمت ماريا ما كان يرمى اليه ” قديما كان الامر يستغرق وقتا اطول بكثير ” قامت ماريا بمساعدة مايلون , فى التحضيرات النهائية ( الثياب والاحذية والماكياج , وكل ما يمكن ان تحلم به امراة مثلها ) . راها روجيه ترقص فى الملهى الذى ذهبا اليه عشية رحيلهما الى اوروبا , وهنا امتلائت نفسه بحماس على اخيتاره . وجد نفسه فعلا امام نجمة كبيرة لمهلى ” جيلبير ” نجمة سوداء جميلة ذات عينين فاتحتين وشعر اسود كجناح ” الغرونا ” * وهو طائر درج الادباء البرازيليون على تشبيه سواد الشعر بجناحية . جهزت شهادة العمل فى القنصلة السويسرية .

حزما امتعتهما , وفى اليوم التالى , طارا الى بلاد الشوكولاتة والساعات والجبنة . كانت ماريا تخطط سرا لايقاع الرجل فى غرامها , فهو فى اخر الامر ليس بشعا ولا عجوزا ولا فقيرا . ماذا تريد اكثر من ذلك ؟

وصلت مرهقة , ومنذ هبوطها فى المطار , شعرت بالخوف يعتصر قلبها . ادركت انها كانت تابعى تماما للرجل الموجود الى جانبهعا ذلك انها لم تكن تعرف البلاد ولا اللغة ولا البرد . كان تصرف روجيه يتغير مع مرور الساعات . لم يعد يسعى لان يكون لطيفا حتى انه لم يحاول قط ان يقبلها او يداعب نهديها . اصبحت نظراته باردة . انزلها فى فندق صغير وعرفها الى برازيلية اخرى , وهى امراة شابة حزينة تدعى فيفيان , واوكل اليها مهمة تعليمها اصول عملها المقبل .

تفصحتها فيفيان من الراس حتى القدمين , دون ان تظهر اى كياسة حيال اجنبية اتية لتوها الى بلاد غريبة . وبدل ان تسالها عن احوالها , ذهبت قدما الى الهدف قائلة :

– لاتغذى اوهاما فى راسك . انه يذهب الى البرازيل كلما تزوجت احدى راقصاته , وهذا ما يحدث غالبا . يعرف ماذا يريد , واظن انك انت ايضا تعرفين . جئت ولاشك لتبحثى عن احد هذه الاشياء الثلاثة المغامرة او المال او الزوج .

كيف امكنها ان تحدس ذلك ؟ هل يبحث الجميع عن الشئ نفسه ؟ ام انها تستطيع ان تقرا افكارالاخرين ؟

كرزت فيفيان قولها : جميع الفتيات يبحثن هنا عن احد هذه الاشياء الثلاثة . واقتنعت ماريا انها كانت تقرا فعلا افكارها .
وتابعت فيفيان , فبشان المغامرة , الطقس هنا ابرد من ان يسمح لك بالتنقل سعيا وراءها , هذا اذا بقى معك فلس للسفر . اما المال , فيجب ان تعملى تقريبا مدة عام كامل لكى تتمكنى من تامين ثمن بطاقة العودة , ما لم تحتسب المبلغ العائد لنفقات الاقامة والطعام .

– لكن …
– اعرف , هذا لم يجر الاتفاق عليه . فى اى حال , نسيت ان تسالى بهذا الخصوص , كما يفعل الجميع فى الواقع . لو كنت اثار انتباها , لو انك قرات مليا العقد الذى وقعته , لتعرفت تماما الورطة التى اوقعت نفسك فيها . صحيح ان السويسريين لا يكذبون , لكنهم يعرفون ايضا كيف يستغلون الصمت لصالحهم .

اخذت الارض تدور تحت قدمى ماريا .

– ثم ان كل فتاة تتزوج تلحق بروجيه خسارة مالية كبيرة . لذا , يحظر على الفتيات ان يتحدثن الى الزبائن . واذا فعلت اى شئ فى هذاالاتجاه , فانك تجازفين بعملك . هنا ليس مكانا يستطيع الناس ان يتلقوا فيه , بخلاف شارع برن ؟

– شارع برن ؟
– الرجال ياتون الى هنا برفقة زوجاتهم , والسياح القليلون يجدون الجو عائليا جدا ويفضلون الذهاب الى امكنة اخرى بحثا عن النساء . اتقنى الرقص , واذا كنت تعرفين الغناء فان اجرك سوف يزداد , وتزداد معه ايضى غيرة الفتيات الاخريات . فلو كنت تملكين اجمل صوت فى البرازيل , انصحك , فى كل حال , ان تنسى الامر ولا تحاولى الغناء . وانصحك بشكل خاص الا تستعملى الهاتف والا انفقت كل ما تجنينه من مال , وهو قليل فى النهاية .

– لكنه وعدنى ب 500 دولار فى الاسبوع !
– سترين .

ومما كتبته ماريا فى يوميات الاسبوع الثانى لاقامتها فى سويسرا , العبارات التالية :

” ذهبت الى الحانة . التقيت ” استاذ رقص ” جاء من بلاد تدعى المغرب . كان على ان اتعلم كل خطوة مما يعتبره هو الذى لم تدس قدماه ارض البرازيل , رقصة السامبا . لم يتح لى الوقت كى ارتاح من عناء السفر الطويل على متن الطائرة . توجب على ان ابتسم وارقص منذ المساء الاول لوصولى . نحن ست فتيات . ولا تعرف احداهن السعادة ولا ماذا تفعل هنا . الزبائن يشربون ويصفقون ويرسلون القبلات , ويقومون سرا بحركات داعرة , وهذا كل شئ .

دفع اجرى البارحة , وهو عشر ما تم الاتفاق عليه . والباقى هو بحسب العقد , لتامين نفقات التذكرة والاقامة . وهذا يتطلب وفق حسابات فيفان , العمل مدة عام كامل , اى اننى لا استطيع خلال هذه الفترة ان اهرب الى اى مكان اخر .

لكن , هل يستحق الامر عناء الهرب ؟ وصلت الى هذه البلاد لتوى , ولا اعرف شيئا بعد . ما المشكلة فى ان ارقص سبع امسيات فى الاسبوع ؟ فى السابق , كنت ارقص من اجل لذة الرقص , ولان من اجل المال والشهرة .

ساقاى لا تشعران بالوهن , لكن يصعب على ان احتفظ بالابتسامة فوق شفتى .
على ان اختار , اما ان اكون الضحية واما ان اكون المراة المغامرة التى تبحث عن كنزها . المسالة كلها تكمن فى معرفة المنظار الذى يجب ان اتطلع منه الى حياتى .

* * * * *

ومما كتبته ماريا فى يوميات الاسبوع الثانى لاقامتها فى سويسرا , العبارات التالية :

” ذهبت الى الحانة . التقيت ” استاذ رقص ” جاء من بلاد تدعى المغرب . كان على ان اتعلم كل خطوة مما يعتبره هو الذى لم تدس قدماه ارض البرازيل , رقصة السامبا . لم يتح لى الوقت كى ارتاح من عناء السفر الطويل على متن الطائرة . توجب على ان ابتسم وارقص منذ المساء الاول لوصولى . نحن ست فتيات . ولا تعرف احداهن السعادة ولا ماذا تفعل هنا . الزبائن يشربون ويصفقون ويرسلون القبلات , ويقومون سرا بحركات داعرة , وهذا كل شئ .

دفع اجرى البارحة , وهو عشر ما تم الاتفاق عليه . والباقى هو بحسب العقد , لتامين نفقات التذكرة والاقامة . وهذا يتطلب وفق حسابات فيفان , العمل مدة عام كامل , اى اننى لا استطيع خلال هذه الفترة ان اهرب الى اى مكان اخر .

لكن , هل يستحق الامر عناء الهرب ؟ وصلت الى هذه البلاد لتوى , ولا اعرف شيئا بعد . ما المشكلة فى ان ارقص سبع امسيات فى الاسبوع ؟ فى السابق , كنت ارقص من اجل لذة الرقص , ولان من اجل المال والشهرة .
ساقاى لا تشعران بالوهن , لكن يصعب على ان احتفظ بالابتسامة فوق شفتى .
على ان اختار , اما ان اكون الضحية واما ان اكون المراة المغامرة التى تبحث عن كنزها . المسالة كلها تكمن فى معرفة المنظار الذى يجب ان اتطلع منه الى حياتى .

* * * * *

اختارت ماريا ان تكون المراة المغامرة التى تبحث عن كنزها الضائع . تنكرت لمشاعرها , وتوقفت عن البكاء طوال الليل , ونسيت من تكون . ادركت ان لديها الارادة لتتصرف وكانها خلقت للتؤء , وانها لا تتحشر بالتالى على غياب من تعرفهم . بوسع قلبها ان ينتظر . اما الان , فيجدر بها ان تكسب المال وتكتشف معالم البلاد وتعود ظافرة الى ديارها . ثم ان كل شئ من حولها يذكرها بالبرازيل وبمدينتها تحديدا ” النساء تيكلمن البرتغالية ولا يتوقفن عن التذمر من الرجال , ويتحدثن بصوت عال , ويعترض على المواعيد , ويصلن متاخرات الى عملهن , ويتحدين صاحب العمل , ويعتبرن انفسهن اجمل نساء العالم , ويروين قصصا عن فرسان الاحلام , وفرسان احلامهن يقطنون فى اماكن بعيدة وهم اما كانوا متزوجين واما لا يملكون المال ويعتاشون من عمل اولئك النسوة بالذات .

كان الجو مختلفا عما تصورته ماريا حين رات الكراسات الاعلانية التى احضرها روجيه , ومطابقا لوصف فيفيان , كان الجو عائليا . لا تستطيع الفتيات تقبل الدعوات ولا الخروج بصحبة الزبائن , لانهن كن مسجلات على بطاقات عملهن بصفتهن ” راقصات سامبا ” . واذا ضبطت احداهن وفى حوزتها ورقة صغيرة دون عليها احدهم رقم تليفونه , فانها تحرم من العمل لمدة خمسة عشر يوما . كانت ماريا تتوقع ان يكون الجو اكثر حيوية وحركة , باعثا على الانفعلات القوية . خاب املها وبدات تستسلم تدريجيا للحزن والضجر .

خلال الايام الخمسة عشر الاولى لوجودها فى سويسرا , لم تترك النزل الذى كانت تقيد فيه الا نادرا , وخصوصا حين اكتشفت ان لا احد فى المدينة يعرف اللغة البرازيلية , حتى لو تلفظت بكل جملة ببطء شديد . وفؤجئت ايضا بان المدينة التى تقطن فيها تحمل اسمين ” جنيف ” بالنسبة الى سكانها و ” جنبرا ” بالنسبة الى البرازيليات .

واخيرا , استطاعت ان تقوم خلال الساعات الطويلة التى قضتها فى غرفتها الصغيرة الخالية من جهاز تلفزيون , بالخلاصة التالية :

ا – لن تستطيع ابدا بلوغ اهدافها اذا لم تعرف كيف تعبر عما تفكر فيه . لذا عليها تعلم اللغة المحلية للبلاد .

ب – بما ان جميع رفيقاتها كن يبحثن عن الشئ نفسه . فيجدر بها اذا ان تتميز عنهن . لكنها لا تملك بعد تصورا ولا منهجا لكى تحقق هذا التميز .

* * * * *

 

وهذا ما دونته ماريا فى يومياتها بعد اربعةاسابيع من وصولها الى جنيف :

” انا هنا منذ الازل . لا اعرف اللغة . اقضى نهارى فى الاستماع الى الموسيقى عبر جهاز الرايو , والنظر الى جدران غرفتى والتفكير فى البرازيل , منتظرة بفارغ الصبر ان يحين وقت العمل . وعندما اعمل , انتظر ان يحين وقت العودة الى المنزل , اى اننى اعيش فى المستقبل بدل ان اعيش فى الحاضر .

ذات يوم فى المستقبل البعيد , ساحصل على تذكرة العودة ساتمكن من العودةالى البرازيل , والاقتران بصاحب محل النسيج , والاستماع الى التعليقات الخبيثة لصديقاتى اللواتى لم يجازفن قط فى حياتهن . ولا يهمنى بالتالى الا الحديث عن فشل الاخريين .لا , لا يمكننى الرجوع . افضل ان ارمى بنفسى من الطائرة فى المحيط .

لكن , بما ان نوافذ الطائرة مغلقة دوما ( وهذا شئ لم اكن اتوقعه ولا استطيع لاسف ان اشتم الهوا النقى ) . افضلالموت هنا , لكن , قبل ان اموت , اريد ان اصارع من اجل الحياة , وما دمت استطيع ان امشى وحدى ….فساذهب الى حيث اشاء .

* * * * *

ذهبت ماريا فى صباح اليوم التالى لتتسجل فى عداد الرغبين فى تعلم اللغة الفرنسية . هناك تعرفت الى اشخاص ينتمون الى كل المعتقدات والاعمار , والى رجال يرتدون بزات فاقعة اللون وتثقل معاصمهم سلاسل ذهبية , ونساء يرتدين باستمرار احجبة فوق رؤؤسهن , واطفال يكتسبون اللغة بطريقة اسرع ما يكتسبها الكبار . لكن , الا ينبغى ا، يكون الامر معكوسا ما دام لدى الكبار خبرة اوسع فى الحياة ؟ كانت فخورة بانهم جميعا يعرفون بلادها والكرنفال والسامبا وكرة القدم واللاعب الاشهر فى العالم ” بيليه ” . ارادت فى البداية ان تكون ودودة وحاولت ان تصحح الطريق التى يلفظوت بها اسم ” بيليه ” . لكنها اذعنت فى نهاية الامر , لانهم كانوا يلفظون ايضا اسمها بشكل سيئ . وهذا عائد الى تلك العادة المتهجنة لدى الاجانب التى تقوم على تحريف جميع الاسماء , والاعتقاد بانهم دائما على حق . !

بعد الظهيرة , ذهبت ماريا تتجول لاول مرة فى هذه المدينة ذات الاسمين , وذلك بهدف اتقان اللغة الفرنسية . تذوقت شوكولاتة لذيذة وجبنة لم يسبق لها ان تذوقتها , ورات فؤارة هائلة وسط البحيرة , والثلج الذى لم يدسه قط اى من سكان مدينتها , والبجع والمطاعم المزود بالمداخن ( لم تدخل ايا من المطاعم , لكنها كانت ترى النار عبر النافذة .وهذا كان يمنحها شعورا لذيذا بالارتياح ) .

عجبت ايضا حين رات الملصقات الاعلانية التى لا تظهر فقط الساعات بل ايضا المصارف . لكنها لم تستطع ان تفهم لماذا يوجد هذا العدد الكبير من المصارف قياسا على سكان قيلى العدد . ومع ذلك قررت الا تطرح الاسئلة مجددا .

استطاعت ماريا ان تكبح جماع طبيعتها الشهوانية والدجنسية وهذا امر معروف جدا عن البرازيليات . لكن غريزتها استفاقت ذات يوم ووقعت فى غرام شاب عربى كان يتابع معها دروس الفرنسية دامت العلاقة ثلاثة اسابيع . ثم قررت ذات مساء ان تترك كل شئ وتذهب الى الجبل القريب من جنيف . عندما حضرت الى عملها فى اليوم التالى , بعد الظهر , استدعاها روجيه الى مكتبة .

ما ان فتحت الباب حتى تبلغت صرفها من العمل دون مقدمات والسبب انها اعطت القدوة السيئة لزميلاتها الاخريات فى العمل . كان روجيه غاضبابشكل هستيرى . قال ان البرازيليات خيبن امله مرة اخرى, وانه لا يمكن الوثوق بهن ( اه , يا الهى , ما افدح هذا الحكم الذى يجرى تعميمه على كل الحالات ) . عبثا اكدت له ان غيابها كان ناجما فقط عن اصابتها بحمى سببها فارق الحرارة . لم يقتنع الرجل , واسف لانه مضطر للرجوع الى البرازيل من اجل البحث عن بديلة . ثم اضاف انه كان احسن صنيعا لو انه نظم حفلة موسيقية بمشاركة راقصات يوغوسلافيات , وهن اجمل من البرازيليات واكثر استعدادا للقيام بالادوار الموكلة اليهن .

لم تكن ماريا بلهاء اطلاقا على الرغم من صغر سنها , لا سيما وان عشيقها العربى اوضح لها ان العمل فى سويسرا منظم بشكل صارم , وان بامكانها ان تثبت ان المؤسسة التى تعمل فيها كانت تستغلها وتقتطع قسما كبيرا من اجرها .

رجعت لتقابل روجيه فى مكتبه . تكلمت هذه المرة لغة فرنسية صحيحة , وادخلت فى مفردتها عبارة ” محام … خرجت مع بعض الشتائم وخمسة الاف دولار كتعويض . وهذا مبلغ لم تحلم به . كل ذلك بفضل هذه الكلمة السحرية ” محام ” . باستطاعتها الان ان تتفرغ لصديقها العربى , وتشترى بعض الهدايا , وتلتقط صورا للمناظر الثلجية , وتعود الى المنزل فخورة بهذا النصر الذى طالما حلمت به .

كان اول ما فعلته اتصالها باحدى جارات امها . قالت لها انها سعيدة , وان لديها مهنة رائعة , وانه لا ينبغى ان يقلق احد فى البيت بشانها . كانت لا تزال امامها مهلة لمغادرة غرفتها فى النزل . لذا , ارتات ان كل ما عليها ان تفعله هو ان تذهب للقاء العربى لتعرب له عن حبها الصادق , واستعدادها ان تعتنق دينه وتتزوجه , حتى لو اضطرت ان ترتدى مثل هذا الحجاب الغريب . الجميع هنا يعرفون ان العرب اثرياء جدا , وهذا سبب وجيه لكى توطد علاقتها به .

لكن العربى غادر . والان , بما انها تتكلم الفرنسية ببراعة , وتملك الحصول على تذكرة العودة , وبما ان لديها بطاقة عمل تصنفها بين راقصات السامبا وترخصيا بالاقامة لا يزال سارى المفعول , وبما انها تعلم ان بامكانها , اذا سدت جميع المنافذ فى وجهها , ان تقترن ببائع النسيج , فقد قررت ماريا ان تفعل ما هى قادرة عليه , ان تكسب المال بفضل جمالها .

تذكرت انها فى البرازيل قرات كتابا يروى قصة راع يبحث عن الكنز , وكان الحصول عليه مشروطا بان يواجه مصاعب واخطار لا تحصى . رات ان هذه القصة تنطبق على حالتها , ادركت فى هذا اللحظة انها طردت من العمل لكى تذهب لموادهة مصيرها الحقيقى , وهو يتمثل فى ان تصير عارضة ازياء .

استاجرت غرفة صغيرة ( دون تلفزيون , لان عليها ان تحد من الانفاق ما دامت لا تجنى مالا ) فى اليوم التالى , عزمت على القيام بجولة على الوكالات التى تستخدم العارضات . ابلغوها فى كل مكان ان عليها ان تحضر صورا لها ملتقطة لدى مصور محترف . وهذا , فى اى حال , عنصر من العناصر الاساسية للمهنة , لان كل الاحلام باهظة الثمن . انفقت قسما كبيرا من مالها عند مصور يمارسه مهنته بامتياز , قليل الكلام ومتشدد فى شروطه الى ابعد الحدود , وكانت لديه خزانة ملابس هائلة فى الاستوديو .

اخذت لماريا لقطات شتى , مرتدية الملابس المحتشمة او الغريبة او البيكينى ( لو راى الشخص الوحيد الذى تعرفه فى ريوم دى جانيرو اى مايلسون الحارس والمترجم ومدير الاعمال السابق , هذا البيكينى , لكان فخورا بها حتى الموت ) . طلبت نسخا اضافية من الصور وارسلت بعضها الى عائلتها ضمن رسالة تقول فيها انها كانت سعيدة فى سويسرا . سيعتقد اهلها انها ثرية وانها تمتلك خزانة ملابس تحلم بها كل امراة ثرية , وانها اصبحت الفتاة الاشهر فى مدينتها . واذا سارت الامور كما تشتهى ( قرات كتبا عدة عن التفكير الايجابى , ولا يمكنها ان تشكك فى انتصارها ) , فستكون هناك فرقة موسيقية فى استقبالها لدى رجوعها الى المدينة , وسيقوم رئيس البلدية بتدشين ساحة تحمل اسمها .

اشترت هاتفا خلويا وانتظرت طوال الايام التالية ان يتصل بها احدهم ليعرض عليها عملا . كانت تنتاول الطعام فى مطاعم ضينية ( وهى الاقل كلفة ) وتدرس مثل المجنونة لتزجية الوقت .

لكن الوقت لا يمر والهاتف لا يرن . تعجبت من ان لا احد يقترب منها حين تذهب للتنزه على ضفاف البحيرة , باستثناء تجار المخدرات الذين يظلون فى المكان نفسه , تحت احد الجسور التى تؤدى الى المنتزه القديم بالمدينة الجديدة . اخذت تشكك فى جمالها وجاذبيتها , الى ان صادفت فى احد المقاهى احدى زميلاتها السابقات فى العمل . قالت لها ان الخطا ليس فيها بل فى السويسريين الذين لا يحبون ازعاج الاخرين , وفى الاجانب الذى يخشون ان يتم توقيفهم بتهمة ” التحرش الجنسى ” . وهذا مفهوم تم استنباطه لكى تشعر نساء العالم قاطبة انهن مكروهات .
وفى احدى الامسيات حين فقدت ماريا الشجاعة على الخروج من المنزل وعاشت املة بتلقى مخابرة هاتفية لا تحدث , كتبت فى يومياتها هذه العبارات :

” اليوم , مررت بالقرب من مدينة الالعاب , بما اننى لا استطيع تجاوز الحد من انفاق المال , ففضلت ان اراقب . بقيت طويلا امام الجبال الروسية ( * ) .

رايت ان معظم الناس يدخلون هذه المركبة سعيا وراء الانفعالات . لكن ما ان تسير الالات حتى يصابوا بالهلع ويتوسلوا كى تتوقف .

فما الذى يريدونه ؟ اذا كانوا قد اختاروا المغامرة افلا يجدر بهم ان يكونوا مستعدين للذهاب حتى النهاية ؟ ام انهم يعتقدون ان من الحكمة الا يمروا بمرتفعات ومنحدات , وان من الافضل البقاء فى مركبة تدور مكانها بشكل ثابت ؟

فى هذا اللحظة بالذات , اشعر بوحدة فظيعة , ولا يمكننى حيالها ان افكر فى الحب . لكن على الاقتناع بان هذه المحنة لن تستمر , واننى ساجد الوظيفة التى تناسبنى , واننى هنا لاننى اخترت ان اواجه قدرى بنفسى . الجبال الروسية صورة عن حياتى , لان الحياة لعبة عنيفة هاذية . الحياة هى ان ترمى بنفسك من مظلة وان تجازف , ان تسقط وتنهض من كبوتك الحياة . الحياة هى هى ان تتسلق الجبال لتحاكى الرغبة فى تسلق قمة النفس , وان لم تتوصل الى ذلك , فعليك ان تعيش قانعا ذليلا .

ليس امرى سهلا ان اكون بعيدة عن عائلتى , ان اتخلى عن اللغة التى يمكننى ان اعبر فيها عن جميع انفعلاتى ومشاعرى . الا اننى ابتداء من اليوم , ساتذكر مدينة الالعاب كلما شعرت بالاحباط لكن , ماذا لو نمت وافقت فوجدت نفسى فجاة فى ” الجبال الروسية ” ماذا سيكون شعورى عندئذ؟

عندئذ ساشعر اننى سجينة ,فاخاف من المنحدرات وارغب فى التقيؤ والنزول من المركبة . لكنك , اذا كنت مقتنعة بان السكك هى قدرى وان الله يدير الالة , عندئذ سيتحول الكابوس الى حالة من الاثارة , عندئذ لا تعود ” الجبال الروسية ” الا ما هى عليه , اى مجرد تسلية امنة ويمكن الوثوق بها . وما دامت الرحلة مستمرة , يجدر بى ان اشاهد المنظر المحيطبى وانا ازعق من شدة الحماس .

* * * * *

كانت ماريا قادرة فعلا على تصور البدائل الممكنة والتعبير عنها بلغة الحكيم العاقل , لكن هذا لا يعنى انها تستطيع تطبيقها فى الواقع . اخذت لحظات الاحباط بالازدياد وبقى الهاتف صامتا . واخذت ماريا تقضى اوقات فراغها فى قراءة المجلات الشعبية لتزيد من قدرتها على استخدام اللغة الفرنسية فى ساعات الفراغ . ثم ادركت انها تنفق الكثيرمن المال , فقررت الذهاب الى المكتبة الاقرب . اوضحت لها امينة المكتبة انهم لا يعيرون المجلات , لكن بامكانها ان تقترح عليها عناوين كتب تساعدها على التمرس باللغة الفرنسية بشكل افضل .

– ليس لدى الوقت لقراءة الكتب .
– ليس لديك الوقت ؟ ماذا تفعلين ؟
– اشياء كثيرة , اتعلم الفرنسية واكتب يومياتى و…
– وماذا ؟

كانت ستقول ” انتظر ان يرن الهاتف , لكنها اثرت الصمت ” .
– يا بنيتى , انت شابة , والحياة امامك . اقراى , انسى كل ما يقال لك عن الكتب واقراى .
– قرات كثيرا .

وفجاة , تذكرت ماريا ما قاله لها مايلسون يوما عن ” الطاقات الكامنة ” وبدت لها امينة المكتبة شخصا حساسا ولطيفا وقادرا على مساعدتها فى حال اخفقت مساعيها . انباها حدسها انها تستطيع ان تتخذها صديقة لها , وان عليها العمل لكسب صداقتها .

اضافت ماريا :
– لكنى اريد ان اقرا بعد , ساعدينى لو سمحت فى اختيار الكتب المناسبة .

احضرت لها المراة كتاب ” الامير الصغير ” . تصفحته ماريا فى المساء , تاملت فى البداية الرسوم التى تمثل قبعة . كان اكاتب يقول ان هذه القبعة يرى فيها الاطفال افعى التهمت فيلا . فكرت ماريا ” لم اكن يوما طفلة . ارى ان هذا الرسم يشبه فعلا قبعة ” . بما انها لا تملك جهاز تلفزيون فى غرفتها , فقد كانت ترافق الامير الصغير فى تجوله , لكنها تشعر بالحزن كلما تطرق الكتاب الى موضوع الجب . كانت قد حظرت على نفسها التفكير فى الحب , لئلا تعرض نفسها لانتحار . ما خلا المشاهد الرومنطيقية الاليمة بين الامير والثعلب والوردة , كان الكتاب اهاذا واستطاعت ان تشغل نفسها عن مراقبة شاحن الهاتف الخوى التى كانت من خلالها شديدة الحرص الا تضيع فرصة سانحة بسبب اهمالها .

اخذت مارا تتردد الى المكتبة , وتحددث الى امينة المكتبة التى بدت لها وحيدة جدا . كانت تلتمس رايها وتتناقش معها فى امور الحياة والادب . وجاء اليوم الذى بدا فيه التعويض المالى الذى كسبته ينفذ , بعد اسبوعين لن يكون لديها المال لتشترى تذكرة العودة .
لكن , بما ان الحياة تنتظر دوما تازم الاوضاع لكى تظهر براعتها , فقد رن الهاتف اخيرا .

مرت ثلاثةاشهر على اكتشافها كلمة ” محام ” وشهران على انفاقها من التعويض الذى تلقته مقابل طردها من العمل . بعد انقضاء هذه المدة ها هى تتلقى اتصالا من الوكالة التى تستخدم العارضات . شئلت اذا كانت لانسة ماريا لا تزال موجودة على هذا الرقم . وكان جوابها ” نعم ” باردة , سبق ان تمرنت عليها لئلا يلمس السائل فى صوتها اى لهفة . علمت ان مسؤؤلا عربيا كبيرى عن الازياء والموضة فى بلاده , قد احب صورها كثيرا , ويرغب فى دعوتها للمشاركة فى عرض ينوى القيام به . تذكرت ماريا حيبتها الحديثة العهد مع الفتى العربى الاخر , لكنها فكرت ايضا بالمال الذى كانت بامس الحاجة اليه . وجرى تحديد الموعد فى احد المطاعم الفاخرة . وجدت ماريا رجلا انيقا بانتظاهرا , اكثر جاذبية ونضجا من رفيقها السابق .

سالها : : : هل تعرفين من رسم هذه اللوحة ؟ انه خوان ميرو . هل تعرفين من هو خوان ميرو ؟

بقيت ماريا صامتة , وكانها تركز اهتمامها فقط على الطعاك الذى تنتاوله وكان مختلفا تماما عما تتناوله فى المطاعم الصينية . لكنها سجلت الملاحظة فى ذهنها , فى الزيارة المقبلة للمكتبة , عليها ان تستعلم عن خوان ميرو .

ثم قال العربى باصرار ” هذه الطاولة هناك , هى المفضلة لدى فيديريكو فيللينى …ما رايك بافلام فيللينى ؟ ”

اجابت انها تعبد افلامه . اراد العربى الدخول فى التفاصيل . واذ ادركت ماريا ان ثقافتها السينمائية لن تيسر لها الفوز فى الامتحان , فقررت الذهاب الى صلب الموضوع , وقالت ” لا اريد ان اغش . كل ما اعرفه هو الفرق بين الكوكا كولا والبيبسى . والان الا تريد ان تتكلم عن عرض الازياء ؟ ” .

ولدت صراحة الفتاة انطباعا جيدا لديه :

– نتحدث فى الموضوع حين نذهب , بعد انتهاء العشاء , لتناول كاس .

توقفا عن الكلام , وطفقا يتبادلان النظرات , ويحاول كل منهما ان يستكشف افكار الاخر .
كرر العربى قائلا ” انت جميلة جدا . اذا وافقت على احتساء كاسا معى فى الفندق الذى انزل فيه , فساعطيك الف فرانك ”

فهمت على الفور ما يجرى . هل كانت هذه غلطة الوكالة التى تستخدم العارضات ؟ هل كانت غلطتها هى وكان يجدر بها ان تستعلم اكثر عن موضوع العشاء ؟ لا , لم تكن هذه غلطة الوكالة ولا غلطتها ولا غلطة العربى , هكذا تسير الامور , بكل بساطة . وفجاة احست انها بحاجة الى ” السرتا ” والبرازيل وذراعى والدتها . تذكرت مايلون على الشاطئ وهو يحدد لها التسعيرة التى تبلغ ثلاثمئة دولار . حينذاك وجدت المبلغ مغريا , لا بل اكبر بكثير ممما كانت تتوقعه مقابل قضاء ليلة مع رجل – لكنها ادركت فى هذه اللحظة انها لا تملك احد فى العالم يمكنها التحدث اليه . كانت وحيدة فى ميدنة غريبة وخلفها اثنتان وعشرون سنة عاشتها كما يحلو لها , لكنها مع ذلك لم تكن لتعينها على اختيار الجواب الافضل .

– اسكب لى مزيدا من الخمر لو سمحت .

صب لى العربى الخمر فيما كانت افكارها تنتقل بسرعة تفوق الامير الصغير بين الكواكب . تذكرت انها اتت الى هنا بحثا عن المغامرة والمال وعن زوج . كانت تعرف انها ستتلقىرعوضا مماثلة . لم تكن برية , لا بل كانت معتادة تصرفات الرجال . لكن الوكالات التى تستخدم العارضات والنجاح والزوج الثرى والعائلة والاولاد والاحفاد والملابس والعودة الظافرة الى بلادها الام … كل ذلك , كانت لا تزال مؤمنة به , ولا تزال تحلم بتخطى كل المصاعب بفضل ذكائها وسحرها وقوة ارادتها .

واجهها الواقع الاليم لينهال على راسها كالطود . اجهشت بالبكاء ودهش العربى لذلك . لم يعرف ماذا عليه ان يفعل لانه كان خائفا من الفضحية ومدفوعا بغريزة ذكورية لحمايتها فى ان . اشار الى الخادم كى يحضر الحساب بسرعة . لكن ماريا منعته قائلة ” لا تفعل . اسكب لى الخمر بعد , ودعنى ابكى قليلا ” .

فكرت ماريا بالصبى الذى سالها قلما , وبالفتى الذى قبلها دون ان تفتح فمها وبفرحة اكتشافها لريو دى جانيرو , وبالرجال الذين استغلوها دون ان يعطوا شيئا بالمقابل , وبالشغف والحب اللذين فقدتهما اثناء مسيرتها . وبالرغم من الحرية الظاهرة , فانها رات ان ايام حياتها تتوالى الى ما لا نهاية فى انتظار المعجزة وبلوغ الحب الحقيقى والمغامرة التى تنتهى بشكل رومنطيقى كتلك التى شاهدت مثلها فى السينما او قرات عنها فى الكتب . تذكرت ما قاله احد الادباء عن ان الوقت لا يغير الانسان ولا الحكمة ايضا , بل ان الشئ الوحيد الذى يمكن ان يدفع الكائن لينغير هو الحب . يا للبلاهة , يبدو ان هذا الكاتب لا يكشف الا وجها واحدا من الميدالية .

لا شك ان الحب قادر على تغيير كل شئ فى حياة الانسان خلال فترة زمنية قصيرة . لكن , وهذا هو الوجه الاخر للميدالية , هناك شعور اخر يمكن ان يقوم الكائن البشرى الى معارج مختلفة تماما عن تلك التى كان يسعى اليها , وهى الياس . اجل ربما كان الحبقادرا على تغيير حياة الانسان , لكن الياس قادر ايضا على فعل ذلك وبسرعة اكبر . هل عليها ان تغادر مهرولة من المطعم وترجع الى البرازيل لتصبح استاذة تعلم اللغة الفرنسية وتقترن برب عملها السابق ؟ ام علها الذهاب ابعد قليلا فى مساعيها , لا شئ يذكر , مجرد ليلة فى مدينة لا تعرف فيها احدا ولا احد يعرفها . هل ستدفعها ليلة واحدة , ومال يسهل الحصول عليه , للذهاب ابعد ما تصورت , الى نقطة اللاعودة ؟ ما الذى كان يدور فى هذه اللحظة ؟ هل امامها فرصة غير منتظرة ام اختبار تخضعها له العذراء مريم ؟

جال العربى بنظره متفحصا لوحة خوان ميرو , والمقعد حيث تناول فيللينى العشاء , والموظفة المسؤؤلة عن حجرة الثاب , والزبائن الذين يدخلون ويخرجون .

– الم تكونى على علم بالموضوع ؟
– اسكب لى الخمر بعد , لو سمحت . كانت هذه هى الاجابة الوحيدة لماريا الدامعة .

كانت تصلى لئلا يقترب الخادم ويعرف ماذا يجرى . وكان الخادم الذى يراقب المشهد بطرف عينيه , يود لو يسدد الرجال حسابه بسرعة , لان المطعم مزدحم والزبائن ينتظرون .
واخيرا , وبعد مضى وقت بدا لها دهرا تكلمت ماريا :

– قلت انها ستدفع الف فرنك لقاء كاس ؟
تعجبت هى من نفسها عندما سمعت صوتها .
اجاب العربى :

– نعم .
كان نادما على تقديمه هذا الاقتراح . ثم اضاف ” لكنى لا اريد باى شكل من الاشكال ان … ”

– سدد الحساب بسرعة , ولنذهب لتناول تلك الكاس فى الفندق الذى تنزل فيه .

من جديد , شعرت ان تصرفها غريب عنها . حتى هذه اللحظة , كانت فتاة شابة , لطيفة , مهذبة , سعيدة , ولم يسبق لها ان استخدمت هذه اللهجة . يبدو ان هذه االفتاة الشابة قد ماتت الى الابد , وان حياة جديدة تشرع امامها , يبلغ ثمن الكؤؤس فيها الف فرنسك للكاس الواحدة , اى ما يعادل 600 دولار , اذا اردنا تحويلها الى العملة الاكثر تداولا فى العالم .

حصل كل شئ كما كان موقعا , ذهبت ماريا الى الفندق برفقة العربى . احتست الشمبانيا حتى بلغت مرحلة الشكر الكامل . افرجت ساقيها منتظرة ان يحصل على نشوته الجنسية ( لم تفكر فى ان تصطنع نشوتها هى ايضا ) , ثم اغتسلت فى غرفة رخامية , تقاضت اجرها وسرت لنفسها العودة الى غرفتها بسيارة التاكسى .

ارتمت على سريرها واسترسلت فى نوم لا احلم فيه .

* * * * *

 

وهذا ما دونته ماريا فى يومياتها فى اليوم التالى :

” اذكر كل شئ الا اللحظة التى اتخذت فيها قرارى . الغريب فى الموضوع هو انه لم يساورنى اى شعوربالذنب . كنت , فيما مضى , انظر الى الفتيات اللواتى يضاجعن الرجل مقابل مبلغ يتقاضينه , وكانهم كائنات لم تترك لهم الحياة اى خيار اخر . اما الان فادرك ان هذا ليس صحيحا , كان بامكانى ان اقول ” نعم ” او ” لا ” . ولم يجبرنى احد على القيام بما كنت لا اغرب فيه .

اجتاز الشوارع وحيدة , انظر الى العابرين وافكر , هل اختاروا حياتهم بانفسهم ام ان القدر هو الذى اختارها لهم . ارى عاملة التنظيف التى كانت تحلم بان تصير عارضة , وموظف المصرف الذى حلم بان يصبح موسيقيا , وطبيب الاسنان الذى ود لو يكرس حياته للادب , والفتاة التى كانت تهيم بالعمل فى التلفزيون لكنها لم تستطع ان تحصل الا على ظيفة محاسبة فى احد المخازن الكبرى .

لا اشفق على نفسى ولا اعتبر نفسى ضحية . كان بامكانى الخروج من المطعم دون ان تمس كرامتى , وبمحفظة نقود فارغة . كان بمكانى ان القن هذا الرجل درسا فى الاخلاق , وان اسعى لابرعن له انه فى حضرة اميرة , وانه يجدر به ان ياسر قلبها بدل ان يشتريها . كان بامكانى ان اتصرف باشكال لا تحصى . لكنى , كمعظم الكائنات البشرية , تركت للقدر ان يختار لى الطريق التى ينبغى لى ان اسلكها .

لا شك فى ان قدرى يمكن ان يبدو لا شرعيا وهامشيئا اكثر من اقدار الاخرين . لكن لكنا متساوون فى سعينا وراء السعادة : الموظف الموسيقى , طبيب الاسنان الاديب, المحاسبة الممثلة , عاملة التنظيف العارضة ……كلنا متساوون لان ليس احد منا سعيدا .

* * * * *

هل هذا كل شئ ؟ هل تجرى الامور بهذه السهولة ؟ كانت ماريا فى ميدنة غريبة لا تعرف فيها احدا . ما بدا لها بالامس عذابا منحها اليوم شعورا عارما بالحرية , ليست بحاجة لان تعطى تفسيرات لاى يكن .

قررت , وللمرة الاولى منذ سنوات , ان تكرس يوما كاملا للمثول امام ذاتها . حتى هذه اللحظة , كانت على الدوام تهتم بالاخرين , بامها ورفاق المدرسة وابيها والموظفين فى الوكالة التى تستخدم العارضات واستاذ اللغة الفرنسية وخادم المطعم وامينة المكتبة , وبما يفكر فيه المجهولون العابرون فى الشارع . والواقع ان لا احد كان يهتم بها هى الغريبة المسكينة . حتى اشرطة لن تلاحظ غيابها فيما لو اختفت غدا .

هذا يكفى . خرجت فى وقت مبكر . تناولت فطورها فى المكان المعتاد , وتنزهت قليلا حول البحيرة , لتجد نفسها فى مواجهة تظاهرة ينظمها ناس فى المنفى القسرى . قالت لها امراة تجركلبا ان المتظاهرين اكراد . فسالتها ماريا , ولم تكن تريد ان تدعى ذكاء وثقافة لم تكن تملكهما ” من هم الاكراد ؟ ” .

ذهشت المراة لسؤالها ولم تعرف بماذا تجيب . يا للعجب , يتكلم الناس كما لو انهم يعرفون كل شئ . لكن اذا تجرات وسالتهم , فانك تدرك انهم لا يعرفون شيئا . دخلت ماريا مقهى يوفر لرواده كافة الاتصالات , وعرفت عبر الانترنت ان الاكراد شعب لا يملك دولة , وان بلادهم كردستان تتقاسمها اليوم ( العراق وتركيا ) . رجعت الى مكان التظاهرة لعلها تجد المراة صاحبة الكلب الصغير , لكنها غادرت المكان .

” هذا ما انا عليه ” او بالاحرى هذا ما كنته . شخصا يتظاهر بانه يعرف كل شئ , محتبس داخل صمته , ثم اتى هذا العربى الذى اغاظنى لدرجة اننى امتلكت الشجاعة للقول ان كل ما اعرفه هو الفرق بين الكوكا كولا والبيبسى . فهل ضدم بجوابى ؟ هل جعله هذا يغير رايه حيالى ؟ اطلاقا . ربما كانت عفويتى قد اعجبته . كنت دائما خاسرة حين اردت ان ابدو ادهى او اذكى مما انا عليه يكفى اذا ” .

تذكرت المخابرة التى اجرتها معها الوكالة التى تستخدم العارضات . هل كانوا على علم بما يريده العربى ؟ – اذا كان الامر صحيحا ففى هذه الحالة تكون ( ماريا ) قد ادت دور المراة البرئية المغفلة – ام انهم كانوا يظنون فعلا ان العربى يستطيع ان يدعوها للمشاركة فى احد العروض التى ستقام فى الجزيرة العربية ؟

ايا يكن الامر , فقد شعرت ماريا انها اقل وحدة فى هذه الصبيحة الرمادية فى جنيف . كانت الحرارة قريبة من درجة الصفر , والاكراد يتظاهرون وحافلات الترام تصل فى الوقت المحدد والمجوهرات يعاد رصفها فى الواجهات , والمصارف تفتح ابوابها , والمتسئؤلون ينامون , والسويسريون يذهبون الى اعمالهم . كانت تشعر انها اقل وحدة , لان امراة غيرمرئية من قبل العابرين كانت تقف قربها . لم تنتبه ماريا قط الى وجودها لكنها كانت هنا .

ابتسمت لها ماريا . كانت المراة تشبه العذراء مريم ام يسوع , بادلتها المراة الابتسامة وتوصلت اليها ان تظل متيقظة لان الامور ليست بالسهولة التى تظنها . لم تزل ماريا اهمية لهذه النصحية , واجابتها بانها امراة ناضجة وتتحمل مسؤللية خياراتها , وبانها لا تؤمن ان هناك مؤامرة كونية تحاك ضدها . تعلمت ان هناك ناسا مستعدين لدفع الف فرنك سويسرة مقابل سهرة معها او نصف ساعة بين ساقيها , وان عليها ببساطة ان تقرر اذا كانت تريد فى الايام المقبلة ان تشترى بها المبلغ تذكرة طائرة وتعود الى ديارها ام انها تنوى البقاء فى جنيف لوقت اطول , يتيح لها ان تجنى ما لا تستطيع ان تشترى به مسكنا لاهلها وملابس جميلة وتذاكر للسفر الى الاماكن التى حلمت بزيارتها فى العالم .

قالت لها المراة غير المرئية باصرار ان الاشياء ليست بالسهولة التى نتصورها . لكن ماريا كانت مسرورة بهذه الصحبة غير المتوقعة , ورجت المراة الا تقطع عليها حبل افكارها لانها كانت على وشك اتخاذ قرارت مهمة .

اخذت ماريا تتفحص المسائل من جديد , وهذه المرة بانتباه اكبر , ولاسيما مسالة رجوعها الى البرازيل . فكرت ان صديقات المدرسة اللواتى لم يخرجن قط من البرازيل لن يتوانين عن القول انها طردت من سويسرا لانها لا تملك الموهبة الضروية التى تجعل منها نجمة عالمية . اما امها , فستكون حزينة لانها لم تحصل على الايراد الذى وعدت به , حتى لو اكدت لها ماريا فى الرسائل ان الموظفين فى البريد يختلسن الاموال التى ترسلها . وسينظر اليها والدها طوال الوقت بهذه السحنة التى تقول ” كنت عارفا ” , وستعود لتعمل فى محل النسيج وتقترن برب العمل ….كل ذلك بعد ان سافرت فى الطائرة وتناولت الجبنة فى سويسرا وتعلمت الفرنسية ومشت على الثلج .

هذا من جهة .

من جهة اخرى , هناك الكؤؤس التى يساوى كل منها الف فرنك . صحيح ان هذا لن يدوم طويلا , لان الجمال يتبدل بسرعة كما تذبل الورود . ولكن , فى ظرف سنة , ستكسب من المال ما يمكنها من التحكم بقوانين اللعبة . بيد ان المشكلة الحقيقة التى تواجهها هى انها لا تعرف ماذا عليها ان تفعل , ولا من اين تبدا . ثم تذكرت , اثناء علمها كراقصة سامبا , ان احدى الفتيات اشارت الى مكان يدعى شارع برن .

ذهبت ماريا لاستشارة احدى صحائف الاعلانات التى تحفل بها جنيف , وتتضمن اعلانات من جهة وخرائط المدينة من جهة اخرى .

سالت احد الرجال الواقفين هناك ان كان يعرف اين يوجد شارع برن . نظر اليها مرتبكا , واراد ان يعرف اذا كانت تسال عن شارع برن ام عن الطريق التى تؤدى الى برن عاصمة سويسرا . اجابت ماريا ” لا ” ابحث عن شارع موجود هناك . تفحصها الرجل من راسها حتى اخمص قدميها , وابتعد دون ان يقول شيئا , وهو على اقتناع بان هناك كاميرا خفية تلتقط صورة له لحساب احد البرامج التلفزيونية التى تتعمد اثارة المقالب المضحكة . مثلث ماريا امام الخريطة مدة ربع ساعة , لم تكن المدينة كبيرة , وعثرت اخيرا على المكان .

احتفظت صديقتها غير المرئية بالصمت طوال الوقت الذى استغرقته ماريا , لتحصر تركيزها وتجد الشارع على خارطة المدينة . حاولت المراة ان تدخل معها فى جدال . قالت لها ان المسالة لا تتعلق بالاخلاق , وبانها تزج نفسها فى طريق لا منفذ لها . اجابت ماريا انها اذا كانت قادرة على ايجاد المال لتغادر سويسرا , فسيكون بمقدورها اذن ان تتخلص من جميع الورطات , وتجد المخرج الملائم . ثم ان ايا من هؤلاء الذين صادفتهم فى حياتها لم يحقق ما كان يصبو اليه . هذه هى الحقيقة .

ثم اضافت قائلة الى الصديقة اللامرئية ” نحن فى واد من الدموع . يمكننا ان نحلم باشياء عديدة . لكن الحياة قاسية لا ترحم , وهى مخزية . هل تريدين ان تقولى لى اننى سادان ؟ لا احد يعرف , وهذا لن يدوم الا وقتا قصيرا .

ااختفت المراة , وعلى شفتيها ابتسامة عذبة لكن حزينة .

مشت ماريا الى مدينة الالعاب , واشترت بطاقة لتدخل مركبة الجبال الروسية , وتزعق كما يفعل الجميع , مع انها تدرك تماما ان ليس هناك مخاطر , وان الامر مجرد تسلية . ثم تناولت الغذاء فى مطعم يابانى دون ان تعرف ما كانت تتناوله . عرفت فقط ان الفاتورة كانت مرتفعة , وانها مستعدة من الان فصاعدا ان تتيح لنفسها كل انواع الترف . شعرت انها سعيدة ولا تحتاج الى مخابرة هاتفية , ولا الى اتباع اسلوب التقشف فى انفاق المال .

عند انتهاء النهار , خابرت الوكالة , وقالت ان اللقاء جرى بشكل جيد للغاية , وانهت المخابرة بتوجيه عبارات الشكر . لو كانوا ناسا جديين لسالوها بخصوص العرض. واذا كانوا يصطادون النساء , فسيدبرون من اجلها لقاءات جديدة .

اتخذت قرارا بالا تشترى تلفزيونا مطلقا , ولو كانت تملك المال الازم لذلك , لان عليها ان تفكر وتستغل كل وقتها فى التفكير .

* * * * *

وهذا ما دونته ماريا فى يومياتها ذلك المساء ( مع ملاحظة دونتها فى الهامش ” لست مقتنعة تماما ” .

” اكتشفت السبب الذى يجعل الرجل يدفع مبلغا من المال لكى يكون برفقة امراة , يريد ا يكون سعيدا .

لا يدفع الرجل الف فرنك ليحصل فقط على النشوة الجنسية , بل لانه يريد ان يكون سعيدا . انا ايضا اريد ان اكون سعيدة , والجميع يريدون ذلك , لكن لا احد يبلغ السعادة .

ماذا ساخسر اذا قررت ان اتحول لبعض الوقت الى …. يصعب التفكير فى هذه الكلمة وكتابتها ايضا ….لكن هيا …ماذا ساخسر اذا قررت يوما ان اصير عاهرة لبعض الوقت ؟

ما الذى يمنعنى ” الشرف , الكرامة ام احترام الذات ؟ لو فكرت فى هذه الفضائل جيدا لوجدت اننى لم امتلكها قط فى حياتى . لم اشا ان اولد , ولم اوفق فى ان اجعل نفسى محبوبة , واتخذت دوما القرارات السيئة . اترك الان للاقدار ان تقرر مصيرى .

* * * * *

فى اليوم التالى , اتصل بها احدهم من الوكالة مجددا وسالها بخصوص الصورة ثم تحرى عن موعد العرس , لان هناك مبلغا يجب اقتطاعه للوكالة مقابل كل عرض . اجاب ماريا انه يفترض بالعربى ان يتصل بهم . استنتجت فورا انهم يكونوا على علم بما جرى .

ذهبت الى المكتبة وطلبت كتبا عن الجنس . اذا كانت عازمة جديا على العمل , لسنة فقط كما تعهدت لنفسها , فى ميدان تجهله , فينبغى لها ا، تعرف ان اول شئ يجب تعلمه هو كيفية التصرف , كيف يمكنها ان تمنح اللذة لتحصل على المال مقابل ذلك .

كانت خيبتها كبيرة عندما قالت لها امينة المكتبة ان الكتب التنقية التى تعالج هذا الموضوع نادرة , لا، المكتبة مؤسسة عامة . اخذت ماريا احد الكتب , قرات ملخصا عنه , ثم اعادته فورا , كان الكتاب يتحدث فقط عن الانتصاب والايلاج والعجز ووسائل منع الحمل وجميع الاشياء التى تنم عن ذوق سيئ . ثم اختارت كتابا لتستعيره ” تاملات سيكيولوجية فى برودة المراة الحنسية ” .

وسبب اختيارها انه لم تكن تستطيع الوصول الى النشوة الجنسية الا عبر الاستمناء , رغم انها كانت تجد لذة كبرى فى ان يمتلكها رجل ويلجها .

بيد انها لم تكن تبحث عن اللذة , بل عن العمل . استاذنت امينة المكتبة بالانصراف , ودخلت محلا لبيع الملابس الداخلية .

استثمرت اول مبلغ لها فى المهنة التى تلوح امامها فى الافق , واشترت ملابس اعتبرتها مثيرة بما فيه الكفاية لتوقظ جميع انواع الرغبات . ثم ذهبت الى المكان الذى عينته على الخارطة . يبدا شارع برن بالقرب من الكنيسة ( لم يكن بعيدا , يا للمصادفة , عن المطعم اليابانى الذى تناولت فيه الغداء البارحة ) . وهو , من جهة , ملاصق للواجهات التى تعرض ساعات باسعار متدنية , ومن جهة اخرى , ملاصق للحانات الليلية , وجمعيها مغلقة فى هذا الوقت من النهار .

رجعت لتتنزه حول البحيرة , واشترت , بلا اى انزعاج , خمسمجلات بورنو غرافية , لكى تزيد معلوماتها . وانتظرت ان يهبط الليل للتوجه من جديد الى شارع برن . وهناك نزلت مصادفة فى حانة اختارت لنفسها اسما برازيليا موحيا ” كوباكابانا ” .

فكرت فى انها لم تتخذ قرارها بعد . كان الامر فقط امتحانا . لكن لم يسبق لها ان شعرت بانها حرة ومرتاحة كما تشعر الان , منذ وصولها الى سويسرا .

قال لها صاحب الحانة الذى كان يغسل الاكواب وراء طاولة الشرب دون ان يستعمل اى نبرة تساؤليةفى جملته ” تبحثين عن عمل ” كان المكان عبارة عن سلسلة من الطاولات المتتابعة وحلبة رقص وبعض المقاعد المريحة المسندة الى الجدران . ” ليس الامر سهلا . نحن نحترم القانون . ولكى تقيمى هنا , يجب الحصول على بطاقة على ااقل ” .

اظهرت ماريا بطاقة عملها .
قال صاحب الحانة وقد تحسن مزاجه بوضوح :

– لديك خبرة ؟

لم تعرف بماذا تجيب . لو قالت ” نعم ” لسالها اين اكتسبتها , ولو قالت ” لا ” لرفض ان يدبر لها عملا .

– اعمل على كتاب .

خرجت الفكرة من العدم , وكان صوتا لا مرئيا اتى لنجدتها . لاحظت ا، الرجل تظاهر بتصديقها , مع انه كان يعلم انها تكذب .

– قبل ان تتذى اى قرار , استخبرى عن الموضوع لدى الفتيات . لدينا على الاقل ست برازيليات , وبامكانهن ان يوضحن لك ما ينتظرك .

ارادت ماريا ان تقول انها لا تحتاج الى نصائح احد , وانها لم تتخذ اى قرار . لكن الرجل كان قد انتقل الى الجهة الاخرى من الملهى , وتركها وحيدة دون ا، يقدم اليها حتى كوب ماء .

وصلت الفتيات . نادى صاحب الحانة على البرازيليات , وطلب اليهن ان يتحدثن الى الوافدة الجديدة . لم تبد واحدة منهن استعدادها للطاعة , وادركت ماريا انهن يخشين المنافسة . بدات الموسيقى تعزف فى الحانة مرددة بعض الاغانى البرازيلية ( هذا امر طبيعى , لان المكان يدعى كوباكابانا ) . ثم دخلت فتيات ذوات ملامح اسيوية , واخريات بدون وكانهن نازلات من الجبال المثلجة المحيطة بجنيف . واخيرا , وبعد ساعتين من الانتظار والعطش الشديد وتراكم اعقاب السجائر امامها , ادركت ماريا انها قامت بالاختيار السيئ , فكان السؤال ” ماذا افعل هنا ؟ يتردد وكانه لازمة . بعد ان اغتاظت ماريا من عدم الاكتراث الذى اظهره حيالها رب العمل والفتيات , رات احد البرازيليات تقترب منها وتسالها ” لماذا اخترت هذا المكان ؟

كانت تستطيع ان تتذرع من جديد بالكتاب الذى تعمل عليه , لكنها اثرت ان تقول الحقيقة , كما فعلت عندما سئلت عن الاكراد وخوان ميرو .

– بسبب اسمه , لااعرف اين ابدا , ولا اعرف ان كنت راغبة فى ان ابدا .

عجبت الفتاة لهذا الكلام الصريح والمباشر . احتست جرعة ويسكى متظاهرة بالاستماع الى الاغنية البرازيلية التى كانت تبث فى الحانة . ثم قامت ببعض التعليقات عن سام العيش فى هذه البلاد , وتنبات ان الحركة ستكون خفيفة هذا المساء , لانه تم الغاء مؤتمر عالمى كان سيقام فى جنيف . وعندما لاحظت اخيرا ان ماريا لا ترغب فى الرحيل قالت لها ” الامر بسيط جدا وعليك ان تحترمى ثلاث قواعد : القاعدة الاولى : لا تقعى فى غرام احد الزبائن , القاعدة الثانية : لا تصدقى الوعود واطلبى سلفا المبلغ المتوجب دفعه . القاعدة الثالثة , لا تشربى المخدرات . ثم اضافت ” ابدا العمل فورا . اذا رجعت هذا المساء الى المنزل دون ان تتدبرى امرك بالحصول على رجل , فلن تكون لديك الشجاعة للرجوع الى هنا ” .

كان ماريا قد اعدت النفس لاستشارة بسيطة بخصوص عمل مؤقت ومحتمل , ليس اكثر . لكنها تدرك الان ان هناك شعورا يدفعها لاتخاذ قرار فجائى وحاسم , وهو الياس .

– حسنا , اباشر اليوم العمل .

لم تعترف انها بدات البارحة . ذهبت الفتاة لتحدث صاحب الحانة بما جرى مع الزائرة الجديدة .

سال صاحب العمل ماريا :

– هل لديك ثياب داخلية جميلة ؟

لم يسبق لاحد ان وجه اليها هذا السؤال , لا عشاقها ولا العربى ولا صديقاتها ولا حتى اى اجنبى . لكن يبدو ان الامور تجرى فى هذا المكان على هذا النحو , ويتم الدخول مباشرة فى صلب الموضوع .

اجابت على سبيل التحدى :

– لدى سروال لونه ازرق سماوى وليس لدى صدارة .
فرد عليها بلهجة يشوبها اللوم والعتاب :

– ارتدى غدا سروالا اسود وصدارة وجوارب . استغلى سحر الثياب الداخلية الى اقصى درجة . هذا يشكل جزءا من طقوس المهنة .

لم يشا ميلان تضييع الوقت , واراد ان يعلم الموظفة المبتدئة باقى الطقوس ايضا . يجب ان تكون ” كوباكابانا ” مكانا مسليا وليس ماخورا . يدخل الرجال الى هنا لاعتقادهم انهم سيلتقون امراة ليست فى صحبة رجل . اذا اقترب احد من طاولتها ولم يعترضه احد ى الطريق ( لانه هنا ايضا يوجد مفهوم ” الزبون الحضرى ” لبعض الفتيات ) فانه سيدعوها , ولا شك , مرددا العبارة التالية : هل تريدين ان تشربى معى كاسا ؟

عندئذ يمكن لماريا ان تقابلى بالرفض او بالايجاب , لانها حرة فى ان تستجيب لمن تريد , مع انها لا تنصح بان تقول : لا , اكثر من مرة فى السهرة . اذا وافقت , فبامكانها ان تطلب كوكتيل فواكه . يجب ان تحتسى الكحول والا تدع ازبون يقرر بدلا منها , ثم يدعوها الى الرقص فتوافق . معظم الزبائن معتادون الامر باستثناء الزبائن الحصريين , الذين لم يتوسع ميلان فى حديثه عنهم . ليس هناك اى خطر .

الشرطة ووزارة الصحة تطلبان فحوصا شهرية للدم وبشكل دورى للتاكد من ان الفتيات لا يحملن امراضا جنسية معدية . كما ان استعمال الواقى الذكرى اجبارى , رغم عدم وجود وسيلة للتاكد اذا كانت هذه القاعدة متبعة ام لا . يجب على الفتيات الا يثرن الفضائح . لقد كان ميلان متزوجا ورب عائلة وحريصا على سمعته وسمعة ” كوباكابانا ” .

ثم تابع يشرح لها بعض الطقوس المتبعة , بعد الرقص , يذهبان للجلوس ويدعوها الزبون , وكان اقتراحه مفاجى , للذهاب معه الى احد الفنادق . التعرفة العادية تبلغ 250 فرنكا , ويحتسب منها ميلان 50 فرنكا لنفسه ثمن اجرة الطاولة ( وهذه الخدعة يستخدمها ميلان احتيالا على القانون ليتحاشى المسؤؤلية المباشرة عن التعقيدات القانونية ولكى لا يتهم باستغلال الجنس بهدف الربح ) . حاولت ماريا الاعتراض قائلة : لكننى كسبت الف فرنك مقابل …! اشار اليها ميلان بالابتعاد وانهاء الحديث عند هذا الحد . تدخلت البرازيلية التى كانت تتابع الحوار قائلة ” انها تمزح ” .

ثم اتجهت ناحية ماريا واضافت بصوت عالم وبلهجة برتغالية طليقة, هذا المكان هو الاغلى جنيف ( هنا المدينة تدعى جنيف وليس جنبرا ) . لا تكرر هذا الكلام . هو يعرف سعر السوق ويعرف ان احدلا لا يضاجع مقابل الف فرنك , الا اذا كان لديك الحظ والجدراة وقابلت ” زبائن غير عاديين “.

لم تترك نظرة ميلان اى مكان للشك ( عرفت ماريا لاحقا انه صربي ويعيش فى سويسرا منذ 20 عاما ).

– التعرفة هى 250 فرنكا .
كررت ماريا وقد شعرت بالاهانة .

– اجل , هذه هى التعرفة .

فى بادئ الامر , سالها عن لون ملابسها الداخلية . والان يساومها على ثمن جسدها .

لكنها لا تملك الوقت الكافى للتفكير . تابع الرجل عندئذ اصدار تعليماته : لا يجدر بها الذهاب الى املاك خاصة او الى فنادق اقل من خمس نجوم .

اما اذا كان الزبون لا يعرف مكانا يصطحبها اليه , فعليها هى ان تختار والحالة هذه فندقا بعيدا عن الحانات المجاورة للمكان , وان تستقل التاكسى لكى تتجنب مخالطة نساء اخريات يعملن فى مؤسسات اخرى فى شارع برن . لم تصدق ماريا حرفى مما قاله . ادركت ان السبب الحقيقى لمحاولته ابعادها عن مخالطة نساء الحانات الاخرى هو ان يفوت عليها فرصة عمل فى ظروف افضل . لكنها احتفظت لنفسها بافكارها , لان النقاش بخصوص التعرفة كان كافيا بالنسبة لها .

” اود واكرر : يجب ان تتصرفى كما يفعل رجال الشرطة فى الافلام , لا تحتسى الكحول اثناء الخدمة . اتركك الان فى المكان , سيضع بالرواد بعد قليل .

قالت لها البرازيلية باللغة البرتغالية :

– اشكريه .

شكرته مارا , ابتسم الرجل , لكنه لم يكن قد انتهى بعد من توصياته :

– هناك نقطة اخرى : يجب الا تتعدة المهلة بين طلب الشراب واللحظة التى ستخرجين فيها الخمس والاربعين دقيقة . سويسرا بلد الساعات والجميع يتعلمون احترام المواعيد , بمن فيهم اليوغسلافين والبرازيليون . تذكرى اننى اوفر القوت لاطفالى بفضل السمسرة التى احصل عليها منك .

ستتذكر ذلك .

قدم لها كوبا من المياه المعدنية الغازية المعطرة بالحامض , ليبدو الامر وكانها تحتسى جنى تونك , ورجاها ان تتحلى بالصبر .

بدا الرواد يتوافدون الى الحانة . يدخل الرجال وينظرون حولهم ثم يجلسون منفردين . كلما وجد رجل رفيقة له , تتنهد ماريا بارتياح . شعرت انها افضل حالا مما كانت عليه فى بداية السهرة .
وقد عزت ذلك الى انها كانت فى سويسرا , او الى انها كانت عاجلا ام اجلا ستحيا المغامرة وتحظى بالثروة او الزوج كما حلمت على الدوام , او , وهذا ما تنبهت اليه من فورها , الى ان هذه المرة كانت الاولى التى تخرج فيها منذ اسابيع مساء , وتذهب الى مكان تعزف فيه الموسيقى ويمكنها سماع اللغة البرتغالية . كانت تتمتع برفقة الفتيات اللواتى يحطن بها ويضحكن ويشربن عصير الفواكه ويثرثرن بسعادة .

لم تات واحدة منهن لتهنئتها , او لتتمنى لها حظا سعيدا , لكن الامر طبيعى . الم تكن بمثابة غريم وخصم لهن ؟ جميعهن يسعين الى الفوز بتلك الكاس . بدل ان تشعر ماريا بالاحباط , شعرت بالفخر . وبدل ان تنتابها الحيرة , كانت تصارع وتناضل لتثبت وجودها . شعرت ان لديها الحرية الكاملة لتفعل ما تريد , تستطيع ان شاءت ان تفتح الباب وتذهب الى غير رجعة . لكنها لم تنسى ابدا انها كانت تملك الشجاعة لتاتى الى هذا المكان وتفاوض وتتطرق الى موضوعات لم تجرؤ على التفطير بها . كانت تقول فى نفسها , كل دقيقة , انها ليست ضحية القدر بل هى تجازف وتتخطى نفسها , وتعيش احداثا ستتذكرها غدا فى صمت قلبها , حين تلوح ايام الشيخوخة الرمادية . ستتذكرها بحنين جارف مهما يبد الامر منافيا للمعقول .

كانت متيقنة من ان احدا لن يقترب منها , وانه فى نهار الغد سيسدل الستار على هذه المغامرة المثيرة التى تجرؤ على تكرارها لاحقا , ها قد عرفت للتو ان مبلغ الف فرنك فى الليلة الواحدة امر لن يتكرر مرة ثانية . لذا قد يكون اكثر تعقلا ان تشترى تذكرة العودة الى البرازيل . طفقت تحتسب فى ذهنها , بغية تزجية الوقت , ما يمكن ان تكسبه كل من الفتيات . اذا استطعن ان يفزن بثلاثة زبائن فى الليلة , فسوف يكسبن ما يعادل اجر شهرين من معاشها القديم فى محل النسيج .

ترى هل يبلغ الامر هذا الحد ؟ لقد كسبت ماريا الف فرنك فى ليلة . لكن ربما كان الامر ضربة حظ لمبتدئة فى المهنة . فى اى حال فان عائدات العاهرات اكبر مما تستطيع ان تكسبه من اعطاء دروس باللغة الفرنسية فى بلادها . الجهد الوحيد الذى تبذله فى المقابل يقوم على البقاء فى الحانة لبعض الوقت والرقص وفتح ساقيها ونقطة على السطر . ليس ضرويا ان تدخل فى حوار مباشر مع الزبون .

فكرت ايضا ان المال حافز جيد . لكن هل هو الحافز الوحيد؟ ام ان الناس الموجودين فى هذا المكان من زبائن ونساء يستعمعون بوقتهم ؟ هل العالم مختلف اذن عما يصورنه فى المدرسة ؟ المكان امن والمهنة كذلك . اذا استعملت واقيا ذكريا , فلن تعرض نفسها لاى خطر . ثم انها لا تعرف احد هنا . لا احد ممن تعرفهم يزور جنيف . لا احد – وهذا تعلمته اثناء درس اللغة الفرنسية – الا رجال الاعمال الذين يحبون التردد الى المصارف . اما البرازيلون , فيفضلون ارتياد المخازن الموجودة فى ميامى او فى باريس .

900 فرنك سويسرى فى اليوم على مدى خمسة ايام فى الاسبوع , تشكل ثروة بالفعل ! والسؤال الذى يطرح نفسه :
ماذا تفعل الفتيات هنا ما دمن فى يستطعن فى شهر واحد ان يجنين من المال ما يمكنهن من ان تشترى كل منهن منزلا لامها ! لكن , هل يعملن منذ وقت قصيرا ؟ ام ان هذا الامر – وهنا خافت ماريا من السؤال نفسه – يروق لهن ؟

– هل توافقين على شرب كاس ؟
نظرت الى السائل فوجدت امامها رجلا ثلاثينيا يرتدى بزة طيار .

رات ماريا المشهد امامها بكاميرا بطئية وكانها خرجت من جسدها لتراقب نفسها من الخارج . شعرت انهاه ستموت خجلا لكنها تماسكت وسيطرت على احمرار وجهها مشيرة بحركة موافقة براسها . ثم ابتسمت وادركت ان حياتها تغيرت الى الابد , بدءا من هذه اللحظة .

عصير الفواكه , المحادثة , ماذا تفعلين هنا , الطقس بارد , اليس كذلك ؟ احب هذه الموسيقى لكنى افضل فريق ابا , السويسريون اناس باردون , هل انت برازيلية ؟ حدثينى عن بلادك , عن الكرنفال . البرازيليات جميلات , السن كذلك ؟

تبتسم ماريا وهى تستمع بارتياح الى كلمات الاطراء , ثم تتظاهر بالخجل وتجهد نفسها لتبدو غامضة غريبة الاطوار . ترقص من جديد لكنها تنتبه الى نظرات ميلان الذى يحك راسه احيانا مشيرا الى الساعة فى معصمه . تشتم عطر الرجل . تدرك حالا ان عليها اعتياد الروائح . هذا الرجل رائحته عطرة على الاقل . يرقصان وقد التصق احدهما بالاخر بشكل حميم . ايضا كوب من عصير الفواكه .

الوقت يمر . الم يقل ميلان ان اللقاء فى الحانة يجب ان يقتصر فقط على خمسة واربعين دقيقة ؟ نظرت الى ساعتها , سالها عما اذا كانت تنتظر احدا فتجيبه ان اصدقاءها سيصلون بعد ساعة . يدعوها للخروج . يذهبان الى الفندق 250 فرنكا . الحمام بعد الجنس ( اعلن الرجل مرتبكا انها المرة الاولى التى يشاهد فيها ذلك ) . لم تكن ماريا هى نفسها . كانت امراة اخرى فى الجسد ذاته . لا تشعر بشئ وتقوم اليا بطقوس محددة . تمثل , علمها ميلان كل شئ الا كيفية الاستئذان من الزبون بالانصراف . تتوجه الى الزبون بالشكر . كان هو ايضا اخرق وكان نعسا .

قاومت رغبتها فى العودة الى الحانة , وارادت الرجوع الى المنزل لكن كان يتوجب عليها ان تعود وتعطى الخمسين فرنكا لميلان , عندئذ التقت رجلا جديدا وتناولت عصير فواكه جديد , ووجهت اليها اسئلة عن البرازيل , وذهبت الى الفندق مع الزبون , واستحمت من جديد ( هذه المرة دون تعليقات ) ثم عادت الى الحانة . اقتطع رب العمل قسمته , وقال لها انها تستطيع الذهاب , لان الحركة خفيفة هذا المساء . لم تستقل التاكسى , بل اجتازت الطريق فى شارع برن كلها مشيا على الاقدام . شاهدت الحانات الاخرى وواجهات الساعات والكنيسة فى الزاوية ( لا تزال مغلقة , دائما مغلقة ….) ولااحد ينظر اليها بالمقابل , كما هى الحال دائما .

تمشى فى طقس بارد , ولا تشعر ببرودة الطقس . لا تبكى ولا تفكر فى المال الذى كسبته . انها فى حالة ذهول . بعض النانس ولدوا ليواجههوا الحياة بمفردهم وهذا ليس سيئا وليس جيدا . انها الحياة وماريا هى احد هؤلاء الناس الذين تهياوا للمواجهة .

سعت لان تفكر فى ما حصل . بدات للتو عملها كعاهرة , مع ذلك , تشعر انها محترفة , وانها تمارس المهنة منذ وقت طويل , لا بل زاولتها طوال حياتها . شعرت بحب جارف غريب لنفسها . سرت لانها لم تهرب . عليها الان ان تقرر مواصلة العمل او التوقف . اذا قررت المتابعة فستكون الافضل بينهن . وهذا ما لم تكنه فى اى وقت من حياتها السابقة .
لكن الحياة تعلمها ان الاقوياء وحدهم يستمرون . ولكى تكون قوية , يجب ان تكون الفضلى . ليس هناك من حل اخر .
* * * * *

 

وهذا ما دونته ماريا فى يومياتها بعد اسبوع من عملها فى الحانة :

” لست جسدا يؤؤى روحا , بل روح تملك جزءا مرئيا منها هو ما يسمونه ” الجسد ” . طوال هذه الايام , وبخلاف ما توقعته , كانت هذه الروح حاضرة . لم تقل لى شيئا ولم تتوجه الى بالانتقاد ولم تشفق على ! كانت فقط تراقبنى وبكل بساطة .

اليوم فهمت السبب . السبب اننى لم اعد افكر فى الحب منذ امد بعيد , ولكانه يهرب منى , لكانى فقدت اعتبارى , او لكانه لم يهد يشعر انه مرحب به . ومع ذلك , اذا مل افكر فى الحب , فلن اكون شيئا .

حين رجعت الى ” كوباكابابانا” فى اليوم التالى ,نظر الى الاخرون باحترام اكبر . وبحسب ما قيل لى , كانت هناك الكثير من الفتيات اللواتى ياتين لمساء واحد ولا يرجعن ابدا . اما تلك التى تذهب بعيدا فى مهنتها , فتصبح حليفة ورفيقة , لانها باتت تستطيع ان تتفهم المصاعب والاسباب , او بالاحرى انعدام الاسباب , التى تجعلنا تختار هذا النوع من الحياة .

تحلم جميع الفتيات برجل يستطيع ان يكتشف فيهن امراة حقيقة ورفيقة مثيرة وصديقة . لكن جميعهن يغرفن ايضا , ومن الدقيقة الاولى , ان شيئا من هذا لن يحدث فى اى لقاء .
يجب ان اكتب عن الحب . يجب ان افكر وافكر . يجب ان اكتب واكتب عن الحب , والا فلا طاقة لروحى على احتمال كل ذلك ….
* * * * *

بالطبع , كانت ماريا مقتنعة فى صميمها ان الحب امر جوهرى , لكنها لم تنس النصحية التى ادست اليها فى المساء الاول لوصولها . لذا , تحاول الا يكون حديثها عن الحب الا على صفحات يومياتها . فى اى حال , كانت تفتش يائسة عن الوسيلة التى تجعل منها الافضل , وتؤهلها للحصول على الكثير من المال فى القليل من الوقت . كذلك قررت الا توسع دائرة تفكيرها , وان تقصر همها على ايجاد التبريرات الازمة للخط الذى انتهجته فى حياتها .

هذه هى النقطة الجوهرية فى الموضوع: ماذا تكون هذه ” التبريرات اللازمة ؟ ” .

فكرت انها تقوم بهذا العمل لانها بحاجة اليه . لكن ليس هذا بسبب كاف , لان الجميع يسعون الى كسب المال , لكنهم لا يختارون مهنة بعيدة عن تطلعات ابناء المجتمع . حسنا , لقد اختارت هذه المهنة لانها ارادت ان تكتسب تجربة جديدة فى حياتها . حقا ؟
العالم ملئ بالتجارب الممكنة . هناك مثلا رياضة التزلج او التجديف فى قارب وسط بحيرة جنيف . لكن مثل هذه التجارب لا يستهويها . اختارات اذا هذا العمل لانه ليس لديها ما تخسره , ولان حياتها كانت حلقات متصلة من الحرمان .

لا , ان ايا من هذه الاجوبة لا يرضيها. الافضل اذن نسيان الحجة والاكتفاء , بما تجده فى طريقها . ثمة رغبات كثيرة مشتركة بينها وبين العاهرات والنساء اللواتى التقتهن حتى الان . واعظم هذه الرغبات مجتمعة هى الزواج والعيش بامان . اما النساء اللواتى لا تحركهن هذه الرغبة , فكن اما متزوجات ( ثلث رفيقاتها كن متزوجات ) واما تطلقن حديثا . ارادت ماريا ان تفهم نفسها بشكل افضل . لذا حاولت ان تفهم لماذا اختارت رفيقاتها هذه المهنة .

عندما سالتهن , لم يستطعن تزويدها بشئ جديد . واكتفت ماريا بعرض قائمة بالاجوبة الممكنة عن سبب اختيارهن للدعارة :

ا – كن مجبرات على مساعدة ازواجهن وتامين حاجات العائلة ( لكن كيف كن يواجهن غيره ازواجهن ؟ ) وماذا يحدث لو التقت احداهن مصادفة باحد اصدقاء زوجها ؟ ) . بيد ان ماريا فضلت الا تتعمق فى هذه المسالة .

ب – كن يرغبن فى شراء بيوت لامهاتهن ( تلك حجة مشابهة لحجتها , نبيلة فى الظاهر , وهى الاكثرشيوعا ) .

ج – يجدر بهن توفير المال لتامين ثمن تذكرة العودة ( هذه كانت الحجة التى تعشقها الكولومبيات والتايلنديات والبيروويات والبرازيليات , حتى لو جنين اضعاف واضعاف المبلغ المذكور , وانفقته خشية ان يتحقق حلمهن ).

د – كن يفعلن ذلك من اجل اللذة ( وهذا لا يتناسب مع الجو , ويولد انطباعا سيئا عنهن , لان هذه الحجة تتسم بالخبث والنفاق ) .

ه – لم ينجحن فى ايجاد عمل اخر ( وهذه حجة واهية لان سويسرا تفيض بالوظائف , ويستطعن العمل كمنظفات او سائقات او طباخات ) .

باختصار , لم تستطع ماريا ان تجد التبريرات الكافية , وقررت ان تقلع عن سعيها لتفسير ما يحدث فى العالم المحيط بها .

ادركت ان ميلان , صاحب الحانة , كان على حق , لم يحدث ان منحها اى رجل مجددا الف فرنك سويسرى مقابل تزجية بضع ساعات معها . كذلك , لم يظهر اى زبون اعترضا او استياء على مبلغ الثلاثمائمة وخمسين فرنكا , وكان الرجال كانوا يعرفون التعريفة اصلا .

لو حدث وسالها احد الرجال عن المبلغ , فهذا كان بقصد اهانتها , او لتجنب مفاجاة سيئة . قالت لها احد الفتيات يوما ” الدعارة مهنة مختلفة عن المهن الاخرى , تكسب فيها المبتدئة اكثر من تلك التى تفوقها خبرة . تصرفى دوما وكانك لا تزالين مبتدئة .

حتى الان , لم تتعرف ماريا الى الزبائن التى يقال انهم ” زبائن غير عاديين ” . لم يذكر الموضوع الا فى المساء الاول لعملها فى الحانة , ولم يتناوله احد لاحقا بحضورها . اخذت ماريا تكتشف تدريجيا بعض الاسرار المتعلقة بالمهنة , ومنها الا تطرح مثلا على الزبون اسئلة تتعلق بحاته الخاصة , وان تبتسم وتتكلم اقل قدر ممكن , والا تضرب موعدا خارج اطار الحانة الليلة . اما النصيحة الاهم , فاسدتها اليها فيليبنينية تدعى نيا :

– عليك ان تتظاهرى بالتاوه عندما الزبون الى الرعشة الجنسية .
– لكن لماذا ؟ افلا يدفعون لاشباع رغباتهم بالذات ؟
– عودى الى رشدك . لا يثبت الرجل ذكروته بانتصاب عضوه فقط , بل بقدرته على ان يجعل المراة تبلغ النشوة الجنسية . واذا اثبت انه قادر على منح اللذة لعاهرة , فعندئذ سيعتبر نفسه افحل الذكور .

وهكذا مرت ستة اشهر فى ” كوباكابانا ” تعلمت خلالها ماريا كل ما تريد معرفته عن سير العمل هناك . وبما ان هذه الحانة هى الاغلى ثمنا فى شارع برن , فقد كان الزبائن ينتمون فى معظمهم الى الكوادر العليا , ولديهم التبريرات الكافية للعودة الى بيوتهم فى وقت متاخر بحجة انهم ” يتناولون العشاء فى الخارج مع احد الزبائن ” شرط الا تتجاوز مواعيدهم الساعة الحادية عشرة .

كانت معظم العاهرات اللواتى يعملن فى الحانة تراوح اعمارهن بين الثامنة عشرة والثانية والعشرين , وكن يبقين كمعدل وسطى , لفترة سنتين فى بيت الدعارة الى ان يتم استبدالهن بوفدات جديدات . عندئذ يذهبن الى حانة ” نيون ” ثم الى ” كزينيوم ” . كلما تقدمت بهن السن , انخفضت التعرفة وتقلصت معها ساعات العمل , كما تقلص ” جلد المكروب ” فيحططن رحالهن جميعا تقريبا فى حانة ” تروبيكال اكستاسى ” التى كانت تستقبل النساء اللواتى تعذبن الثلاثين من العمر . وانتقالهن الى هناك يعنى ان همهن بات يقتصر على توفير الطعام والماوى . وهذا ما يمكن توفيره مما يتقاضينه من طالب متعة او اثنين يوميا . والمبلغ لا يكاد يكفى لشراء زجاجة خمر واجدة .

ضاجعت ماريا الكثيرمن الرجال . لم تكن تهتم باعمارهن ولا بالملابس التى يرتدونها , بل كانت موافقتها او رفضها مرهونين بالرائحة التى تبعث منهم . لم تكن رائحة السيجارة تزعجها , بل رائحة العطور الرخيصة والزبائن الذين لا يستحمون , واولئك الذين تفوح من ملابسهم رائحة الكحول . كانت ” كوبا كابانا ” مكانا هادئا , وسويسرا من افضل البلدان التى يمكن للعارهات ان يعملن فيها , ما ان يحصلن بالطبع على ذان بالاقامة , والعمل وفقا للشروط القانونية , ويسددن الضرائب المتوجبة عليهن بالدقة . كان ميلان يردد على مسامعهن انه لا يريد ان يقرا اولاده اسمه على صفحات الجرائد المثيرة , وكان بمقدروه ان يظهر تصلبا يفوق تصلب الشرطى حين يتعلق الامربالوضع القانونى للموظفات العاملات فى مؤسسته .

ما ان يتم اجتياز عقبة الليلة الاوزلى او الثانية , حتى تصبح مهنة الدعارة , كجميع المهن الاخرى , حيث يتوخى العمل بحمية ومواجهة المنافسة , والسعى الى الاحتفاظ بمعايير الجودة , واحترام المواعيد , والشعور بالتشنج والتذكر من قلة العمل , والراحة ايام الاحاد .

كانت معظم العاهرات مؤمنات , ويذهبن الى القداس لتلاوة الصلوات , ويضربن مواعيد مع الله .
اما ماريا , فكانت على موعد دائما من مفكرة يومياتها لكى لا تفقد روحها . فؤجئت حين اكتشفت ان خمس الزبائن الذى يترددون الى الحانة . انما يجيئون بدافع الرغبة فى الكلام ولو قليلا , وليس فقط فى ممارسة الجنس . كان هءلاء يسددون الحساب ثم يذهبون الى الفندق . ثم اثناء خلع الملابس يعلنون ان ممارسة الجنس ليست ضرورية . كانوا يرغبون فى التحدث عن الضغوط التى تمارس عليهم فى العمل , عن زوجاتهم اللواتى يخدعنهم , عن شعورهم بالوحدة لانهم لا يجدون شخصا يتحدثون اليه ( وهذا الشعور كانت تعرفه ماريا جيدا ) .

وفى البداية , وجدت الامر غريبا . ثم , ذات يوم , كانت فى الفندق برفقة فرنسى تقوم مهنته على استخدام كبار الموظفين الاداريين من اجل ترقيتهم فى وظائف اسمى , سمعته يعلق قائلا ” هل تعرفين من هو الشخص الاكثر وحشة ؟ انه الموظف الادراى الكبير الذى نجح فى مهنته , وبات يكسب اجرا مرتفعا جدا , ويحظى بثقة رؤساته ومرؤؤسيه , وهو الذى يقضى العطلة بين افراد عائلته ويساعد اولاده فى واجباتهم المدرسية . ثم , ذات يوم , ياتى الى زيارته شخص مثلى حاملا اليه الاقتراح التالى ” هل ترغب فى تغيير وظيفتك وجنى ضعف ما تكسبه ؟ .

هذا الرجل الذى كان يبذل كل شئ ليشعر انه مرغوب فيه وسعيد , يصبح الشخص الاتعس على هذا الكوكب ..لماذا ؟ لانه ليس هناك من يستطيع التحدث اليه . يغويه اقتراحى ولا يستطيع ان يكسف امره لزملاءه , لان غيرتهم تدفعهم الى عرقلة المساعى المبذولة لترقيته . ولا يمكنه ان يتحدث فى الامر مع زوجته التى ساندته لسنوات طوال فى وظيفته الناجحة واختارت الامان ولا تفهم شيئا فى المجازفة . لا يستطيع التحدث الى احد , ويجد نفسه امام الخيار الاصعب فى حياته . هل تستطيعين ان تتصورىما يشعر به هذا الرجل ؟

لا , لا تعتقد انه الكائن الاكثر وحشة فى العالم . تعرف ماريا جيدا من هو الكائن الاكثر وحشة على وجه الارض . انه ماريا نفسها . ومع ذلك وافقت على قولة املة فى الحصول على اجر اضافى , وهذا ما حدث فى الواقع . وابتداء , من هذا اليوم , ادركت ماريا ان ليها ان تكتشف وسيلة لتحرير زبائنها من الضغط الهائل الذى يرزحون تحت وطاته , وسيلة بامكانها ان تحسن نوعية خدماتها , وتؤمن لها ايضا مكافاة اضافية .

عندما ادركت ماريا ان تحرير الزبائن من الاحتقان النفسى كان مربحا كتحررهم من الاحتقان الجسدى , عادت تتردد الى المكتبة . ارادت الحصول على كتب تتطرق الى المشكلات الزوجية وعلم النفس والسياسة . شرت امينة المكتبة لان الفتاة , التى كانت تشعربوذ تجاهلها , تخلت عن اهتامها بموضوع الجنس , وبدات تحضر تفكيرها بموضوعات اكثر جدية . كما اخذت ماريا تقرا الصحف بانتظام . وتتابع ضمن امكانياتها الاخبار الاقتصادية لان معظم زبائنها كانوا من كبار الموظفين الادرايين . تحزت عن كتب تتحدث عن كيفية المساعدة فى حل المشاكل النفسية , لا سيما وانهم كانوا يلتمسون نصائحها . وقرات مؤلفات شتى عن الانفعالات البشرية , لانهم كانوا يعانون جميعا , لسبب او لاخر . كانت ماريا عاهرة محترمة ومختلفة عن باقى العاهرات . وقد استطاعت خلال ستة اشهر من العمل ان تحظى بزبائن كثيرين واوفيا , مما اثار حسد رفيقاتها واعجابهن ايضا .

اما الجنس , فلم تضف المهنة شيئا الى حياتها فى هذا المضمار , يقتصر الامر على ابعاد الساقين , يضع الرجال الواقى الذكرة , تتاوه ماريا قليلا ( استطاعت ماريا بفضل نيا الفيليبينية ان تتاكد من التاوهات تستطيع ان تجلب خمسين فرنكا اضافيا ) , تستحم ماريا فورا بعد ممارسة الجنس لعل الماء يستطيع ان يغسل الروح قليلا . ويتم كل هذا دون تبادل للقبل , لان القبلة بالنسبة للعاهرة مقدسة اكثرمن اى شئ اخر . علمتها نيا انه يجدر بها ان تحتفظ بالقبلات لحبيب حياتها . وكما ايقظت القبلة جميلة الغابات النائمة من سباتها الطويل وارجعتها الى عالم قصص الجنيات , كذلك ستوقظ القبلة ماريا وتعيدها الى سويسرا , بلاد الشوكولاتة والبقر والساعات .

لم تشعر ماريا باى نشوة جنسية . لم تمنحها المضاجعة لا اللذة ولا الاثارة . سعت لان تكون الافضل , وشاهدت عدة افلام اباحية علها تجد فيها شيئا نافعا تتعلمه , واكتشفت مجموعة من الاشياء المهمة , لكن لم تكن لديها الشجاعة كى تمارسها مع زبائنها , لان هذا كان يتطلب وقتا , وكان ميلان يفضل ان تقابل الفتيات ثلاثة زبائن فى الليلة .

بعد مضى ستة اشهر , تمكنت ماريا من توفير مبلغ ستة الاف فرنك سويسرى لحسابها فى احد المصارف . اخذت تترد الى افخم المطاعم , واشترت تلفزيونا ( ولم تستعمله قط ) . كانت تفكر بالانتقال الى شقة اوسع اكثر اتساعا . صار بامكانها اقتناء الكتب لكنها فضلت التردد الى المكتبة , عبارتها الى العالم الواقعى الاكثر صلابة وثباتا . كانت تتولى اهتماما بالغا الدقائق القليلة التى تقضيها فى التحدث الى امينة المكتبة التى بدت سعيدة , لانها ظنت ان ماريا وجدت الحب او الوظيفة , مع انها لم تطرح عليها اى سؤال , لان السويسريين متحفظون ومتكتمون ( وهذه اكذوبة , لانهم فى كوباكابانا , وفى الفراش كانوا متحررين من كبتهم ومرحين او معقدين , كسائر البشر ) .

* * * * *

 

  • 11 دقيقة باولو كوهيلو
  • قصص تحرش في الباظ ياباني
  • هل تستسلم الى الرحيل بسبب ما عانيته من تصرفات بعض البشر
السابق
احرف انقلش مزخرفة
التالي
ديكورات جدران 2024