ن ابي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ( قال الله عز وجل : يؤذيني ابن ادم يسب الدهر ، وانا الدهر بيدي الامر ، اقلب الليل والنهار ) رواه البخاري ومسلم ، وجاء الحديث بالفاظ مختلفة منها رواية مسلم : ( قال الله عز وجل : يؤذيني ابن ادم يقول : يا خيبة الدهر ، فلا يقولن احدكم : يا خيبة الدهر ، فاني انا الدهر اقلب ليله ونهاره فاذا شئت قبضتهما ) ، ومنها رواية للامام احمد : ( لا تسبوا الدهر فان الله عز وجل قال : انا الدهر الايام والليالي لي اجددها وابليها واتي بملوك بعد ملوك ) وصححه الالباني .
معاني المفردات
السب : الشتم او التقبيح والذم .
الدهر : الوقت والزمان .
يؤذيني : اي ينسب الي ما لا يليق بي .
وانا الدهر : انا ملك الدهر ومصرفه ومقلبه .
معنى الحديث
اقسم الله تعالى بالعصر والزمان لعظمته واهميته ، فهو ظرف العمل ووعاؤه ، وهو سبب الربح والخسارة في الدنيا والاخرة ، وهو الحياة ، فما الحياة الا هذه الدقائق والثواني التي نعيشها لحظة بلحظة ، ولهذا امتن الله به على عباده فقال : { وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن اراد ان يذكر او اراد شكورا }(الفرقان: 62) فمن فاته عمل الليل قضاه بالنهار ، ومن فاته عمل النهار قضاه بالليل .
وكان اهل الجاهلية اذا اصابتهم مصيبة ، او حرموا غرضا معينا اخذوا يسبون الدهر ويلعنون الزمان ، فيقول احدهم : ” قبح الله الدهر الذي شتت شملنا ” ، و” لعن الله الزمان الذي جرى فيه كذا وكذا ” ، وما اشبه ذلك من عبارات التقبيح والشتم ، فجاء هذا الحديث لرد ما يقوله اهل الجاهلية ومن شابههم وسلك مسلكهم ، فبين ان ابن ادم حين يسب الدهر والزمان ، فانما يسب – في الحقيقة – الذي فعل هذه الامور وقدرها ، حتى وان اضاف الفعل الى الدهر ، فان الدهر لا فعل له ، وانما الفاعل هو رب الدهر المعطي المانع ، الخافض الرافع ، المعز المذل ، واما الدهر فليس له من الامر شيء ، فمسبتهم للدهر هي مسبة لله عز وجل ، ولهذا كانت مؤذية للرب جل جلاله .
ومثل من يفعل ذلك كرجل قضى عليه قاض بحق او افتاه مفت بحق ، فجعل يقول : ” لعن الله من قضى بهذا او افتى بهذا ” ، ويكون ذلك من قضاء النبي – صلى الله عليه وسلم – وفتياه فيقع السب عليه في الحقيقة ، وان كان الساب لجهله اضاف الامر الى المبلغ ، مع ان المبلغ هنا ناقل للحكم ، فكيف بالدهر والزمان الذي هو مجرد وعاء ، وطرف محايد لا له ولا عليه ، والله تعالى هو الذي يقلبه ويصرفه كيف يشاء .