افضل مواضيع جميلة بالصور

فيوليت وينسبير روايات

 

الملخص

لم يكن الشك يوما حديقة الحب بلامنازع ,بل الشك جحيم الحب ومقصلته القاطعة .وعلى اساس الشك لايمكن بناء اي شئ جميل .الا ان الفي الممرضة البريطانية تزوجت روداري فورتونانو الكاتب الشهير الذي ينتمي الى دم روماني عريق وعائلة وطيدة الثراء والمجد…..وجدت نفسها اسيرة الشك الذي تغذيه صورة طفل يشبهه وشبح امراة تركت توقيعها على ديوان شعر في غرفته.
ووسط عالم السينما والتقاليد الرومانية كادت هذه الممرضة ان تمرض لولا حبها الذي لم يفقد لهيبه حتى النهاية!

 

-عليك ان تقرري

منذ اللحظة الاولى التي البسها الخاتم اهتزت طربا ولكنها شعرت بشيء من التوجس ، وحجر الخاتم هذا منحوت من الياقوت تحيط به ماسات صغيرة متناهية الكمال ، وذكر عرضا ان الخاتم جزء من الارث ينتقل من واحد الى اخر ضمن العائلة منذ اجيال ، الذوق اللاتيني واضح في صنع الخاتم كما هو واضح في مظهر روداري.
هل حقا يريدها ويحتاج اليها ؟ ما الذي يمكنها ان تقدم لرجل يستطيع الحصول على عروس كلها جمال واتزان وذكاء؟
كانت السيارة القوية تسرع على الطريق ولا تكاد تمكنهما من مشاهدة كروم العنب ، وسطحيات اللوبيا والفاصوليا والاخاديد التي حرثتها الثيران ، السماء غائمة نوعا ما والشمس تطل على الارض من بين الغيوم ، القت الفي نظرة جانبية على الرجل الذي اتخذها زوجة له بالباسها خاتما وباعطاء عهد امام الله والناس واحست مرة اخرى بقشعريرة برد تسري في جسمها سببه الخوف لا الطقس ، وداخلتها رغبة جامحة في ان تهرب منه قبل فوات الاوان ، وحتى لوتوقف وهي جالسة بقربه وفتح لها الباب لن تجسر على الفرار منه مع ما هي عليه من رعب.
هذا الرجل هو روداري فورتوناتو وهو ياخذها الان معه الى الفيلا خاصته في جزيرة فورتوناتو ولكن دون ان يوجه اليها كلمة واحدة في يوم زفافهما بالذات.
هل هو نادم على ما فعل؟ هل تدل ملامحه على هذا الندم؟ تلاحظ خط توتر في جانب وجهه وفكيه المطبقين ، وقد تكون مخطئة في تمييز ما ينم عنه هذا الوجه المسمر من جراء التزلج طيلة الشتاء في جبال الالب الايطالية ، حيث كان الناس في الفندق يتهامسون فيما بينهم انه في طور الخروج من محنة قاسية.
كانت الفي قبل زواجها تعمل ممرضة محترفة في الفندق وتقوم على العناية بالمتزلجين الذين يصابون في حوادث الثلج ، ومما زاد هذه الفتاة الانكليزية تعلقا بعملها بيئة جبال الالب ، قطعت الفي الصمت بينهما بسؤالها:
” هل سنصل الجزيرة بعد الظلام؟”.
كان يظن ان عروسه تفضل تمضية شهر العسل في بيت اجدداده فاصطحبها الى الجزيرة بالرغم من انه يقضي معظم وقته في روما حيث يمتلك جناحا في احد البنية ،ونم سؤالها البريء عن شعورها بالخوف منه وبحبها له في ان معا ، انها ترغب في ان تكون له بكليتها ولكن قصر المدة التي تم فيها التعارف بينهما وتلاحق الاحداث جعلاها تشعر كانها فريسة مطاردة تريد ان تلتقط انفاسها خلالها.
كان منظر الطريق امامهما خليطا من الشمس والظل وخاليا من حركة المرور ما عدا بعض عربات المزارعين او شاحنة او شاحنتين من الطراز العتيق التفت روداري اليها وقال مازحا:
” نعم ، بعد الظلام ، غير ان الزوق الذي سينقلنا الى الفيللا سيكون مضاء ، ولانني لا اتي الى هنا الا نادرا تقوم على عناية البيت مدبرة بمساعدة زوجها ، وكما اخبرتك فان والدي متوفيان وفي روما كثيرا ما اتردد على اختي التي تعيش مع جدتي في ضواحي العاصمة ، هل انت مطمئنة البال الان ؟ في الفيلا ينتظرنا دفء ونظافة ووجبة طعام لذيذة وغرف نقية الهواء.
وضحك ساخرا ثم قال:
” انتم معشر الانكليز تقلقكم التوافه ولكنكم تحتفظون بهدوئكم في الازمات”.
” يختلف مزاجنا عن مزاج الشعوب اللاتينية ، ولا تهمني الترتيبات المنزلية في الفيلا حتى درجة القلق ، حيث انني اكيدة من سير الامور على ما يرام…. اذ لا اتصور ان شخصا مثلك يقبل باقل من الافضل”.
لم يعلق على قولها بشيء وعضت على شفتها ندما ، هل لا يعتبرها فاتنة او رصينة كما يريد ان تكون فتاة احلامه؟ انها ما تزال تتذكر ما كان يقوله نزلاء الفندق عن حزن الم به من جراء حب ضائع.
مرا الان بواد تكسوه اشجار اللوز المزهرة بينما تلمست باصبعها حجر الياقوت الذي تراه غريبا على يدها او كانه ليس في محله ، ذكرتها ازهار اللوز باللونين الابيض الزهري رمزي يوم الزفاف والماس الذي تشتهيه كل عروس…. وفجاة طفرت دمعة من عينها ، هل قادها روداري الى الهيكل المزدان بالسوسن والشموع ليعقد قرانه عليها بدلا من اخرى فقدها؟
” اراك التزمت الصمت فجاة “.
اجابته باقتضاب:
” وانت ايضا”.
” هل هذه اول مشاحنة بيننا؟”.
” مشاحنة؟ كلا ، كنت فقط امتع النظر بزهر اشجار اللوز”.
رفعت خصلة عن عينها كانت قد افلتت من شعرها الملفوف بشكل كعكة وراء راسها ، والملفت للنظر التغاير بين لون شعرها الكستنائي الذهبي وعينيها الرماديتين الصافيتين ، والظل الموجود تحت عظمة الوجنتين والحنو الظاهر في فمها ، قال روداري:
” انت بحاجة الى الاكل ، يقولون ان الفتيات لا ياكلن كثيرا يوم زفافهن”.
توقفا بعد برهة وجيزة عند مزرعة حيث تناولا غداء خفيفا تبعه قليل من التين التوسكاني وفنجان قهوة ، واخذا معهما بطيخة اكلاها فيما بعد على جانب الطريق وتلذذا بطعمها الحلو.
كان الوقت غسقا واضفى لونه الارجواني جمالا سحريا على الطبيعة وكانت تصل اليهما رائحة محاصيل الارض من حولهما ، هنا منبت ورداري … ووجود الفي في ايطاليا هو نتيجة اندفاع من قبلها لم ترج غاية من ورائه سو ارضاء نفسها.
” هل تذوقت فاكهة بهذه اللذة من قبل؟”.
انفرج وجهه الاسمر عن ابتسامة وقال لها وهو يضع يده على وجنتها :
” ما تزال امامنا بضعة اميال قبل ان نصل ، فلم لا تغفين وانا اسوق؟”.
” حسنا”.
احست بيده الحارة تتلمس وجنتيها ، انزلقت قليلا في مقعدها وغطت وجهها بفرو المعطف … هي التي لم تحلم بامتلاك معطف من الفرو، وقدرت معطفها الناعم واللامع بثمن باهظ ، وعندما قدمه لها وضعه على كتفيها بصورة عرضية تماما مثلما البسها الخاتم الياقوتي ، جميل منه ان يقدم لها الملبس ووسائل الجمال ، ولكن هل يحبها ؟ وهنا عادت بها الذكرى الى اولى ايام تعرفها به.

 

هذا هو روداري فورتوناتو الذي تحولت رواياته عن روما في السنوات الاخيرة الى سلسلة من الافلام السينمائية الجميلة هلل لها الجمهور والنقاد بانها ذات عمق وواقعية ، وحركت قصصه مشاعر القراء وضمائرهم.
كانت شهرته وجاذبيته تملان الافاق ومع ذلك ارتمى في احضان جبال الالب بحثا عن السلوى والنسيان ، وهناك التقى بالفي وصادقها وكثيرا ما كان يصطحبها الى هنا وهناك ويعلمها التزلج ، وهناك وفي ضوء القمر المشع فوق قمم الجبال نسج العنكبوت خيطه حولهما وطلب روداري من الفي ان تصبح زوجته ، اعتبرت الفي ذلك ضربا من الجنون فضحكت وقالت وهي تنظر الى الجبال:
” لا يجب ان تتفوه بعبارات كهذه بهذه السهولة يا سنيور ، فقد تقع على فتاة مستوحشة وتاخذ عرضك هذا بجدية وتتوقع منك ان تتزوجها”.
” هل انت فتاة مستوحشة يا الفي ؟ لكم تساءلت عما اذا كنت تشعرين بالوحشة كونك غريبة بين جماعة السياح الاثرياء تقومين بواجبك بكل اخلاص وجدية ، واني لعلى يقين من ان بعض هؤلاء السياح يرهقونك وانت تعالجينهم”.
” انني اجد لذة في مهنتي يا سنيور واثارة في العمل خارج بلادي”.
ضغط بيده على كتفها وادار وجهها نحوه وقال:
” هل تحبين العيش في ايطاليا ؟….. معي؟”.
” ارجوك …. لا تتكلم عن الزواج”.
خشيت ان تخضع لالحاحه تجاوبا مع لمساته التي من السهل الانجذاب اليها في ضوء القمر وتصديق ما يقول ، وستجد نفسها امام الحقيقة الواقعة عندما تستيقظ صباح اليوم التالي وكانها افاقت من حلم ، ليست الا مجرد ممرضة ذات وجه يغلب فيه مظهر الاطمئنان على مظهر الجمال ، ولذا عزمت على التغلب على ضعفها امامه وتلهفها لقربه ، قالت وهي تلهث:
” لن تمضي بضعة ايام الا وتضجر مني ، ان اندفاعك بعاطفتك الجياشة وقت الغداء تغلب على عقلك كما انه جرفني معك ، ولكنني لن اتركك تسخر مني … او تغريني !”.
” اغريك؟ انا اطلب منك ان تتزوجيني ! انا لا اطلب منك ان تمضي ليلتك معي في كوخ في الجبل”.
” لا يبدو عليك انك رجل زواج”.
اخذ خوفها وياسها من الحب لدرجة انها اخذت تتجنب لمسات يده ، ولكن كان ذلك كمن يهرب من المد وهو يجري فيه ، او كفراشة تضرب شجرة بجناحيها الرقيقين ، وروداري اطول من الفي بكثير وصاحب غطرسة جذابة ولكن مدمرة كما هي مدمرة قوة عزمه في الحصول على ما يريد.
وقالت بدون ترو:
” لم تذكر الحب في حديثك ! من المفروض ان يكون الحب والزواج صنوين متلازمين”.
علق على كلامها ساخرا:
” كالشاي والخبز المحمص؟”.
” ها انك تهزا من ذلك …. وتتوقع مني ان اخذ عرضك بعين الاعتبار”.
” لا يجب ان تكون بهذه الجدية يا ابنة الغابات الانكليزية”.
دس يده في شعرها المتطاير وامسك بخصلة منه وشدها…. ربما ذكره شعرها بشعر اكثر سوادا او بفتاة اقل تحفظا واكثر تجاوبا مع تهور الطبع اللاتيني.
” الحب يا الفي ؟ هل تاملت ما هو الحب؟ انه حالة عاطفية تجعل النبض يتسارع والعقل يضطرب ، انه كالحمى وعلاجه يد باردة على الجبين وعناية حنونة.
” كلامك يعني ان الحب يحتاج الى ممرضة بدلا من زوجة يا روداري “.
واخذ نبضها وهي تتكلم بتسارع واضطراب عقلها ، ارادت ان تستسلم لعرضه لتجعله يشعر بحاجته اليها…. ولكن اين سيؤدب بها الامر في نهاية المطاف الزواج القائم على حاجة الرجل الى السلام والهدوء بديل هزيل عن الزواج القائم على الحب ، كانت قد تعرفت عليه منذ اسبوعين فقط وعرفت انه وجدها خلالهما رفيقة دمثة وانه شعر بحنان نحوها وتعلق بها ، ولكن ماذا سيجري لها اذا مل من عروسه الهادئة التي سيجد انها لا تلائم رجل مجتمع عال مثله؟
” لنعد الى الفندق ، ارجوك ، ولننس انك رغبت في لحظة جنون الزواج مني”.
” هل تحاولين ان تجعليني اصدق بانك لا تهتمين بي ؟”.
كان وهو يوجه اليها كلامه هذا ينظر اليها ويبتسم ابتسامة قاسية ، وخشيت ان يسبب لها الما وهو ممسك بها بشدة خوفا من ان تهرب منه ، كانا وهما واقفان فوق مرتفع من الثلج كانهما صورة مرسومة في ضوء القمر او طيفان في حلم يتوسطان سجادة عليها رسوم قمم مغطاة بالثلوج ، ورسوم اشجار الصنوبر وسقف كوخ سويسري مختف بين الاشجار.
اغتاظت من الحاحه فقالت:
” في مهنتي يا سنيور ، ولن اتخلى عنها مقابل الزواج من رجل يريدني من اجل لمسة باردة مني وبراعتي في الانسحاب عندما يصبح وجودي غير ضروري “.
” لا تنسي تقلبات المزاج وان اي ايطالي لا يقبل بامراة تنقصها الحيوية ، لا تخافي ، ستكون لك مهنة مكتملة النواحي ، وانا اعرض عليك الزواج هذا المساء لانني ساكون غدا في روما ، وعليك ان تقرري الان ، اما ان تقبلي بالزواج مني او ان تودعيني في الصباح”.
احست كان قلبها هبط الى معدتها وبقشعريرة برد تسري في جسمها ، لا تريد ان تفترق عنه ولكنها لا تريد ان تجازف باتخاذ الخيار الاخر اي الزواج من شخص لا يبادلها الحب ، وهذا معناه فتح الباب على مصراعيه لمستقبل بلا سعادة.
اخذ راسها بين يديه واستولت على جسمها موجة من القشعريرة والارتجاف وهي تنظر اليه وتقول:
” لن انساك يا روداري”.
” لن انساك انا الاخر ، فقد جلبت الى حياتي معنى الرجمة وهي في مهنتك اسمى شيء للانسان ، كنت امل ان احتفظ بك ، ولكن اذا اصررت على ان ادعك تذهبين…. هل انت مصرة يا الفي؟ هل انت خائفة مني او من اصدقائي او شركائي الذين يعتقدون بان على الرجل ان يتخذ زوجة تناسب حياته العامة لا حياته الخاصة؟”.

  • رواية عبير عروس ابليس
السابق
كلمات قصيرة جدا جدا جدا للاذاعة المدرسية
التالي
هل الملائكة ترى الله