افضل مواضيع جميلة بالصور

في مجلس الشعب (الفصل الثاني) نبيل فاروق

 

 

ارتسمت علامات الجدية والصرامة، على وجه رئيس المجلس، وهو يراجع بعض الاوراق فوق المنصة فى صمت، شاركه اياه الجميع، دون ام يطلب منهم هذا، عندما ارتفع صوت النائب النحيل، يشق استار الصمت بغتة، فى حدة:

– هذا تجاوز لنظم المجلس.. ليس من المفترض ان نجلس نحن النواب هنا، فى انتظار تحقيقات عبثية، تسعى اليها امراة مافونة، لا تتمتع حتى بالحصانة.

رفع رئيس المجلس عينيه اليه فى بطء، واجابه فى صرامة، بلهجة استاذ يتحدث الى تلميذ مشاغب:

–                           هذه المراة مؤهلة تماما لما تجريه من ابحاث، يا سيادة النائب، وتحمل من المؤهلات مالايمكن التشكيك فيه، ولقد تحرى السيد وزير الداخلية شخصيا امرها، وليست عليها اية مؤاخذات امنية، وانتظارنا لما يمكن ان تجلبه من نتائج هنا، افضل من فض الجلسة دون حسم الامر، والكل يحمل التساؤل فى اعماقه، وبذرة الشك فى كيانه.

قال النحيل فى عصبية:

– وهل يبدو لك هذا اجراءا قانونيا؟!..

اجابه صارما:

– يبدو لى اجراءا مناسبا؛ لحفظ كرامة المجلس وهيبته.

ثم ادار عينيه فى الحاضرين، بنظرة يحفظونها جميعا، قبل ان يضيف:

_ ولدى اوامر باستخدمه، والمضى فيه حتى النهاية …. ايا كانت النتائج.

حسمت عبارته الاخيرة الموقف تماما، والجمت كل الالسنة، واخرستها فى الحلوق، حتى نهض النائب، الذى همس فى اذن (مازن)، وقال فى عصبية حذرة:

– لا توجد لدينا اية تساؤلات.. اننا حتى نرفض مجرد توجيه الاتهام، الى احد منا ..كلنا هنا رجال شرفاء، ولا يمكن انيقدم احدنا على ارتكاب جريمة قتل.

اندفع ذلك الذى تشاجر مع القتيل، يقول بدوره:

– ثم ان المرحوم (مازن) سقط امامنا جميعا، دون ان يقترب منه احد، فكيف تكون هذه جريمة قتل؟!

اجابهم رئيس المجلس، فى صرامة اكثر:

– الدكتورة (نهير) طلبت ساعة واحدة لاثبات الامر، لم تتبق منها سوى بضع دقائق، وان غدا لناظره قريب.

قال النائب النحيل فى حدة:

–                           فليكن.. سننتظر تلك الساعة فقط، ثم سننصرف بعدها، سواء حسمت الامر ام لا.

رمقه الرئيس بنظرة نارية، وهو يقول:

–  سيبقى الجميع حتى النهاية، مهما طال الامر.

مرة اخرى، الجمت عبارته شديدة الصرامة الالسنه، وايتلع كل منهم لسانه مجبرا، ولكنه لم يكد ينهى عبارته، حتى اندفع احد رجال الامن داخل القاعة، بصحبة الدكتورة (نهير)، التى عاودها توترها الشديد، فور دخولها، وراحت تتلفت فى عصبية بالغة، وهى تهرول خلفه فى ارتباك، والعيون كلها ترمقها بنظرات نارية ملتهبة، تحمل الكثير من المقت، والغضب، والاستياء، مع لمحة من الفضول المترقب، فاشار اليها رئيس المجلس؛ ليحسم الامر، قائلا:

– تفضلى يا دكتورة.

تلفتت حولها مرة اخرى، وتضاعفت عصبيتها، وهى تسير وسط القاعة، نحو المنصة، وتعتليها فى صمت، فسالها رئيس المجلس، من المستوى الاعلى:

– هل توصلت الى شئ؟!

شاهد الجميع شفتاها تتحركان، دون ان يصدر عنهما ادنى صوت، فارهف النواب سمعهم فى انتباه، قبل ان تتنحنح هى، وتقول، وعصبيتها تتضاعف:

– نعم.

ثم ادارت عينين عصبيتين فى الحاضرين، واضافت:

– لقد عرفت كيف قتل النائب (مازن).

سرت همهمة غاضبة فى القاعة، فور نطقها العبارة، فارتبكت هى، ورفعت صوتها، فى محاولة للسيطرة على الموقف، وهى تكمل:

– من الواضح ان القتيل اعتاد الانفعال، فى كل مرة يقدم فيها استجوابا، ومع انفعاله، ولانه مصاب بمرض الذبحة الصدرية، كان يصاب دوما بالام الصدر مما يدفعه الى تناول احد اقراص النترات، التى تعمل على توسيع الاوعية الدموية، وتضخ المزيد من الم لقلبه، فخفف الامه.

اندفع النائب النحيل، يقول محتدا:

– حتى قتلته.. هذا ما اردت قوله.. اليس كذلك؟! … هل ترين ان زميلنا النائب المحترم قتل نفسه، بجرعة دواء خاطئة؟!

قالت فى حدة:

– لو ان هذا سبب الوفاة، لما اشرت مجرد اشارة، غلى القتل، من قريب او بعيد، بل ولما استخدمت المصطلح من اساسه.

ثم صمتت لحظة، واستدركت، فى حذر شديد:

– ولكن هذا لا ينفى ان الاقراص قتلته.

هتف النائب المتشاجر فى ثورة:

– هذه المراة تعبث بنا.

ارتبكت الدكتورة (نهير) اكثر، مع نظرات الاتهام العنيفة، التى يرميها بها الكل، وهى تقف على المنصة السفلى، فقال رئيس المجلس، مستوضحا فى اهتمام:

– هل قتلته اقراص الدواء؟!

ترددت الدكتورة (نهير) لحظة، قبل ان تقول فى خفوت:

– ليس على نحو مباشر.

نهض النائب، الذى همس، قائلا فى عصبية:

– هل ستظل ترميننا بعبارات غامضة مطاطة، ام هناك امل فى ان نحصل على جواب صريح ومباشر.

احتقن وجهها، وارتباكها يتضاعف اكثر واكثر، والنظرات النارية تكاد تحرقها فوق المنصة،فمال رئيس المجلس الى الامام، وكانما يطل عليها، وهو يقول، محاولا دفعها الى القاء ما لديها على مسامعهم:

– هل استبدل احدهم اقراص الدواء، بنوع من السموم مثلا؟!

اجابته فى سرعة متوترة:

– مطلقا.. لقد قمت بتحليل اقراص الدواء فى العلبة، ووجدتها كلها سليمة، ومن غير المنطقى ان يدس احدهم قرصا ساما، فى علبة دواء، يحملها النائب فى جيبه طوال الوقت، ثم كيف له ان يتوقع اى قرص سيتناوله منها بالتحدبد؟!…

هتف المتشاجر فى غضب:

– اظننا قد بلغنا مرحلة سخيفة، لا يصح بعدها ان نواصل الاستماع الى…

قاطعته (نهير) مندفعة، دون ان تراعى قواعد اللياقة:

– لقد قتلته سترات السيلدينافيل.

ظهرت الدهشة على وجوههم جميعا، وقال رئيس المجلس فى حدة:

– لقد فسرت اللغز بمعضلة.

تابعت، وكانها لم تسمع التعليق:

– احدهم سحق عدة اقراص، من سترات السيلدينافيل، واضافها خفية، الى علبة المياه الغازية، التى كان يشربها النائب، وعندما تناول قرص النترات، تفاعل مع السترات، فتمددت اوعيته الدموية على نحو فائق، ولقى مصرعه بهبوط حاد فى الدورة الدموية فورا.

تبادل الكل نظرات متوترة مندهشة، ونهض احد النواب، يقول فى اعتراض:

– ومن منا عبقرى كيميائى او دوائى، بحيث يمكنه الحصول على تلك السترات المزعومة؟! … ام انك توجهين الاتهام الى اصحاب المهن الطبية منا ؟!..

اجابته الدكتورة (نهير) فى حسم:

– الحصول علي عدة اقراص، من سترات السيلدينافيل،لا يمثل معضلة على الاطلاق؛ لانها متوافرةة فى كل الصيدليات تقريبا، بعد اباحة تداولها،ومعروفة باسم..

بترت عبارتها دفعة واحدة، وحملت ملامحها توترا اكثر، وعيناها تدوران فى كل الوجوه فى عصبية، قبل ان تكمل، مشيحة بوجهها:

– الفياجرا.

دوت الكلمة فى القاعة كقنبلة، تردد صداها فى ذهول مستنكر، ارتسم على كل الوجوه، وشعرت معها (نهير) بخجل شديد، وكان الحاضرين كلهم يربطون بين تلك الاقراص، ذات المفعول الجنسى، وانوثتها الواضحة المشرقة، وخاصة عندما ساد عقبها صمت رهيب، والعيون كلها تحدق فيها ..

وبكل ارتباكها وتوترها، تابعت فى عصبية:

– اى شخص، يقرا نشرة الاستخدام، داخل علبة من علب الفياجرا، سيجد تحذيرا واضحا من عدم تناولها مع ادوية القلب، وبالذات تلك التى تعتمد على النترات، والشخص الذى قتل النائب(مازن)، كان يعلم انه سينفعل حتما اثناء الاستجواب، وان البعض سيسعى لاستفزازه، واثارة المزيد من توتره وانفعاله، وسيتناول حتما احد اقراص النترات كالمعتاد، لذا، فقد دس له اقراص الفياجرا المسحوقة، فى علبة المياة الغازية، وساعدت المادة السكرية، فى المياه الغازية، على سرعة امتصاص المادة الفعالة، حيث تفاعلت مع قرص النترات، بعد قليل من تناوله، واشتركت معه فى مضاعفة توسيع الشرايين، لتنهار الدورة الدموية كلها دفعة واحدة.

ساد وجوم شديد فى القاعة، وتطلع الكل الى بعضهم البعض، غير مصدقين ما سمعوه، او غير مستوعبين للامر، قبل ان ينهض احد النواب، قائلا:

– ولماذا لا تفترضين ان المرحوم (مازن) قد تناول الفياجرا بارادته، دون ان يدرك تاثيرها على قلبه، او تفاعلها مع ما يتناوله من ادوية؟!

اجابته فى سرعة:

– لو انه فعلها، لتناول قرصا واحدة، او حتى قرصين؛ ففى مثل عمره، لا يمكن ان يجازف باكثر من هذا، ولكن الكمية التى بقيت فى علبة المياه الغازية وحدها، تساوى ثلاثة اقراص على الاقل، ومع اتصالى بالطبيب الشرعى، الذى فحص الجثة، علمت ان دمه يحوى مايقرب من ستة اقراص اخرى، ولا يمكنه ان يتناول كل هذه الكمية بارادته، الا اذا…

بترت عبارتها دفعة واحدة، فاندفع النائب النحيل، يقول فى عصبية:

– هل تحاولين الاشارة، الى ان زميلنا المحترم قد انتحر بارادته؟!..

قالت فى سرعة:

– لقد درست هذا الحتمال، ووجدت انه، لو اراد النتحار، لما احتاج الى سحق الاقراص، واحضارها الى المجلس، فى ورقة خاصة، ولما حاول التخلص من تلك الورقة، ودفعها بقدمه بعيدا، كما اتضح لى من فحصها… كان سيفعل هذا فى منزله وحده، ويترك خلفه رسالة النتحار.. او لم يكن ليهتم او ينفعل بشان استجواب، لن يحيا حتى لمتابعته.

هتف احدهم:

– ربما كان…

ادرك، قبل ان ينطق عبارته، انها تتنافى مع المنطق السليم، فتراجع على نحو ملحوظ، وهو يتمتم:

– ومن يرغب فى قتله؟!.. ولماذا؟!

بدت عصبيتها واضحة فى صوتها، وهى تقول:

– لست ادرى لماذا، ولكننى اعرف من كانت لديه الفرصة لدس اقراص الفياجرا المسحوقة فى علبته.

اشرابت الاعناق كلها نحوها فى تساؤل، حوله رئيس المجلس الى سؤال مباشر:

– من يا دكتورة؟!

ترددت طويلا هذه المرة، وهى تستعيد كلمات مساعدها (عزت)، وحديثه عن السياسة وتعقيداتها، ثم لم تلبث ان اشارت بسبابتها الى المتشاجر، والهامس والنحيل، قائلة:

– هذا، وهذا، وذاك.

انتفض النواب الثلاثة فى غضب، وصاح المتشاجر فى ثورة:

– هذه المراة تجاوزت حدودها.. نحن نواب تتمتع بالحصانة، وليس من حق احد اتهامنا، على هذا النحو.

وهتف النحيل فى حدة:

– هذا لم يحدث قط، فى تاريخ المجلس كله.

اجابه رئيس المجلس فى صرامة:

– وموقفنا الحالى لم يحدث ايضا، فى تاريخ المجلس، منذ انشائه.

صاح الهامس فى غضب شديد، وهو يشير الى (نهير) بسبابته متوعدا:

– حاكموا هذه المراة، التى تلقى اتهاماتها جزافا، قبل ان نصبح جميعنا متهمين.

هتفت (نهير)، مدافعة عن نفسها، وقد بدا لها ان النواب يوشكون على الفتك بها، من شدة غضبهم:

– اقراص الفياجرا المسحوقة لم تكن فى العلبة فقط، وانما كانت بقاياها فى ورقة، ملقاة اسفل النائب القتيل ايضا، مما يشير الى ان احدهم دسها ف علبة النائب، اثناء الجلسة نفسها، ولقد تابعت الموقف طوال الوقت، من الشرفة، ولم ار احدا يقترب من النائب سوى ثلاثتكم.

تعالت اصوات الغضب والاحتجاج فى القاعة، فنهض رئيس المجلس، وقال فى حزم:

– اصطحبينى الى مكتبى، يا دكتورة (نهير).

اسرعت تلحق به؛ للفرار من هذا الموقف كله، فى حين استدار هو الى النواب، قائلا:

– ولن يغادر احدكم القاعة، قبل ان ننتهى.

تركهم يتجادلون حول الموقف فى غضب واستنكار، واحدهم يحاول جمع بعض التوقيعات على عريضة كبيرة؛ لطلب الغاء ما يحدث، ونقل الامر كله الى سلطات التحقيق الرسمية، واصطحب هو (نهير) الى مكتبه، وهناك واجهها فى صرامة:

– دكتورة (نهير).. لقد اثرت عاصفة من الغضب والتوتر فى القاعة، باتهام هؤلاء النواب الثلاثة، وهذا امر لم يحدث، فى تاريخ المجلس… ولا حتى فى تاريخ المجالس النيابية كلها.

غمغمت مرتبكة:

– تصورت اننى اقوم بواجبى.

هز راسه، قائلا:

– الامور لا تعالج هنا بهذا الاسلوب.. هناك قواعد ونظم، يتم تطبيقها فى الحياة العامة، وتتضاعف اكثر واكثر، عندما يتعلق الامر بالمجلس.

سالته منكمشة:

– اكان ينبغى ان اكتم ما لدى اذن؟!

صمت بضع لحظات، وهو يتطلع اليها بنظرة صارمة، ثم قال:

– كلا.

نطقها، وعاد خلف مكتبه، واستقر هناك صامتا بضع لحظات، ليضيف:

– ولكن ينبغى ان تتعلمى، كيف تواجهين الامر هنا، باسلوب ديبلوماسى.

اومات براسها علامة الفهم، او محاولة التظاهر بذلك، فتراجع فى مقعده، وشبك اصابع كفيه امام وجهه، قبل ان يسالها فى اهتمام:

– انت واثقة مما لديك.. اليس كذلك؟!

اومات براسها مرة اخرى، وغمغمت:

– لقد قمت بتحليل المادة بنفسى، و…

قاطعها فى حزم:

– اقصد فيما يتعلق بفرصة القتل.

ارتبكت مع سؤاله، وقالت فى حذر:

– لم اقصد اتهام شخص بعينه، ولكن…

لم تستطع اتمام عبارتها، فاوما هو براسه هذه المرة، وتنهد فى عمق، وقال:

– المشكلة ان ثلاثتهم من اعدى اعداء النائب (مازن) بالفعل، وكل منهم لديه سبب منطقى، للقضاء عليه، وان لم اتخيل ان يصل الامر بهم الى القتل.

قالت فى حذر اكثر:

– من قتله، لم يكن يتوقع انكشاف امره قط، بل ربما تصور ان الامور ستسير بسرعة اكثر، عندما تحدث الوفاة فى المكتب، وان الفقيد سيوارى التراب فى سرعة، ودون الدخول فى تعقيدات، او خوض اجراءات، قد تكشف امره..

قلب كفه، قائلا بصوته الفخم:

– ما من قاتل يتوقع ان ينكشف امره ابدا، لقد عملت بالمحاماة فترة كافية، لاستيعاب هذا الامر تماما، ولكن الموقف هنا له حساسية خاصة.

تمتمت:

– اعلم هذا.

تنهد مرة اخرى، وقال:

– ربما لو فحصنا البصمات على العلبة، فقد..

قاطعته، دون ان تنتبه الى تعارض هذا، مع ابسط قواعد الذوق واللياقة:

– لقد فعلت.

اعتدل فى انتباه، وانتبهت الى تجاوزها، فاحتقن وجهها خجلا، وتابعت:

– لم تكن هناك اية بصمات، مما يوحى بان احدهم مسحها فى عناية، اثناء انشغال الكل بمصرع النائب.

سالها رئيس المجلس فى دهشة:

– ولا حتى بصمات (مازن) نفسه؟!

هزت راسها نفيا، واجابت:

– لم تكن هناك بصمة واحدة.

ثم اضافت فى حسم:

– وهذا دليل اخر، على انها جريمة قتل متعمدة؛ فلو انه امر طبيعى، لبقيت بصمات النائب نفسه على الاقل.

اجابها فى صرامة:

– فى حكم القانون، يعتبر هذا قرينة، وليس دليلا.

هزت كتفيها، متمتمة فى عصبية:

– فليكن.

تاملها رئيس المجلس بضع لحظات اخرى، ثم نهض من خلف مكتبه، واتجه اليها، قائلا:

– تدركين بالطبع مدى حساسية هذا الامر وخطورته، وتاثيره المباشر على هيبة وكرامة الدولة.

قالت فى دهشة مستنكرة:

– هيبة وكرامة الدولة؟!.. وما صلة هذا بهيبة وكرامة الدولة؟!.. انها جريمة قتل، ايا كانت هوية القاتل او الضحية.

هز راسه نفيا فى حزم، وقال:

– قولك هذا يعنى انك لا تفقهين شيئا، بشان هيبة الدولة وكرامتها.. اننا نتحدث عن مجلس نيابى تشريعى، له مكانته واحترامه، وهو اعلى سلطة، فى البلاد كلها، بحكم القانون والدستور، فماذا لو اشيع ان احد اعضائه ارتكب جريمة قتل.. الا ينتقص هذا من هيبة المجلس، ومن هيبة الدولة بالتالى؟!

اجابته، وهى تعقد حاجبيها فى توتر:

– ما اعرفه عن هيبة الدولة، هو انه لو سرقت فاطمة بنت محمد، صلى الله عليه وسلم، لقطعت يدها.. الهيبة هى ان يتساوى الكل امام القانون، ايا كانت مناصبهم او هوياتهم.

اشاح بوجهه، قائلا فى حدة:

– ربما بالنسبة للعامة من امثالك، وليس بالنسبة لرجال السياسة.

قالت معترضة:

– ولكن فى الدول الديمقراطية…

قاطعها بمنتهى الصرامة:

– لا شان لنا بغيرنا.

ثم اعتدل يواجهها، وشبك كفيه خلف ظهره فى قوة، متابعا، بلهجة بدت اقرب الى الوعيد:

– المهم اننا فى موقف خاص جدا، ولدى اوامر عليا، بحله داخل جدران المجلس فقط، وما اطلبه منك الان هو الا يتجاوز الامر هذه القبة.. هل تقسمين على هذا؟!

ترددت (نهير)، فاستدرك فى قسوة:

– فورا.

صمتت (نهير) بضع لحظات، ثم تنهدت فى استسلام، قائلة:

– لن تكون هناك سلطة تفوق مجلسكم.

قال فى غضب:

– لست اتحدث عن اية سلطة، بل عن الصحافة والاعلام بالتحديد.

هزت راسها، قائلة:

– لا شان لى بهما فى المعتاد.

وصمتت لحظة، ثم اضافت فى خفوت:

– ثم انهما لم تعد لهما سلطة فعليا.

التقى حاجباه، وهو يسالها فى صرامة:

– ماذا تعنين؟!..

اجابته فى سرعة:

– اقول اننى لن ابغهما.

قال بمنتهى الحزم:

– عظيم.

ثم عاد الى مكتبه، وهو يتابع:

– فى هذه الحالة، سيظل ما تعرفينه هنا طى الكتمان، مهما بلغت خطورته، وتسرب الانباء الى الصحافة، يسعنى تورطك.

تمتمت فى ضيق:

– مفهوم.

جلس خلف مكتبه، والتقط سماعة هاتف داخلى، وقال:

– اريد ملفات ثلاثة من النواب.

القى اسم النحيل، والهامس، والمتشاجر ثم اعاد سماعة الهاتف، قائلا:

– ستجدين فى تلك الملفات، كل ما يتعلق بصراعات النواب الثلاثة، مع (مازن) رحمه الله، ربما ساعدك على تقليص الاتهام بدليل مباشر.

غمغمت:

– انها قرائن فحسب.

لم يحاول التعليق على عبارتها، وانما نهض مرة اخرى، وقال:

– وامامك ساعة اضافية، وبعدها..

سالته فى قلق:

– وبعدها ماذا؟!

رمقها بنظرة نارية، وهو يجيب:

– بعدها ساغلق باب المناقشة، فى هذا الامر كله.

تمتمت فى خفوت هامس:

– اعلم هذا.. موافقون.. موافقة.

مال رئيس المجلس نحوها؛ لانه لم يسمعها جيدا، فاعتدلت، قائلة فى عصبية:

– سابذل قصارى جهدى.

اشار بسبابته، قائلا فى صرامة:

– وخلال ساعة واحدة.

قالها، وغادر المكان، ليتركها وحدها فى مكتبه، وقبل حتى ان تتخذ مقعدا، دخل احد رجال الامن، حاملا ملفات النواب الثلاثة، ووضعها امامه، ثم جذب مقعدا، وجلس عند الباب، يراقبها فى صمت..

وبكل عصبيتها، راحت هى تتصفح الملفات، بحثا عن اية قرينة، تشير الى القاتل..

ويالهول ما قراته..

الثلاثة كانوا غارقين فى الفساد حتى النخاع، ومصالحهم كلها تتعارض بشدة، مع مصالح النائب الصريع..

واكثر ما ادهشها فى الامر، هو ان ملفاتهم، التى وضعها المجلس امامها، تفوح برائحة فساد تزكم الانوف، وعلى الرغم من هذا، فالملفات نفسها تؤكد ان احدا لم يوجه اليهم اتهاما واحدا، فيما عدا (مازن)، الذى قدم اكثر من شكوى بشان ثلاثتهم، للجهاز المركزى للمحاسبات..

كل منهم كان لديه الدفاع القوى، والفرصة لدس اقراص الفياجرا المسحوقة، فى علبة المياه الغازية..

ولكن من منهم فعلها؟!.. من؟!…

ازاحت الملفات جانبا، وراحت تستعيد كل ما حدث، منذ اللحظة الاولى، وهى توقن من انها ستجد الدليل، فى مسرح الجريمة نفسه، و…

وفجاة، توقفت لقطة بعينها فى ذاكرتها، وتالقت معها عيناها على نحو واضح، حتى ان رجل الامن نهض من مقعده، وبدا عليه التوتر والتساؤل والحذر..

ولكنها لم تشعر حتى بوجوده..

فقد انتبهت الى نقطة غابت عن اذهان الجميع..

نقطة هامة.. للغاية.

 

 

السابق
في مجلس الشعب (الفصل الاول) نبيل فاروق
التالي
فصيلة الدم a موجب