1- اهمية القدوة. 2- اسباب التاثير بالقدوة سواء كانت حسنة او سيئة. 3- عواقب غياب القدوة الحسنة وابراز القدوة السيئة. 4- من اولى الناس بالقدوة الحسنة؟ 5- صفات القدوة الحسنة. | |||
الخطبة الاولى | |||
القدوة الحسنة عنصر هام في كل مجتمع، فمهما كان افراده صالحين فهم في امس الحاجة لرؤية القدوات، وكما قيل: جالسوا من تذكركم بالله رؤيتهم، كيف لا وقد امر الله نبيه بالاقتداء فقال: اولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده [الانعام:90].
وتشتد الحاجة الى القدوة كلما بعد الناس عن الالتزام بقيم الاسلام واحكامه، وتتاكد الحاجة بل تصل الى درجة الوجوب اذا وجدت قدوات سيئة فاسدة تحسن عرض باطلها. ان القدوة سواء اكانت حسنة او سيئة اكثر اثرا واقناعا من الكلام النظري مهما كان بليغا ومؤثرا، ولعل هذا هو السر في ارسال الله رسلا من البشر عبر التاريخ مع انه تعالى قادر وهو الذي لا يعجزه شيء على ان يلهم الناس شرعه، خاصة ان بشرية الرسل تعلل بها الجاحدون لرفض الايمان كما قال تعالى: وما منع الناس ان يؤمنوا اذ جاءهم الهدى الا ان قالوا ابعث الله بشرا رسولا [الاسراء:94]، لكن الذي قال عن نفسه: الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير [الملك:14] اقتضت حكمته ارسال الرسل من البشر؛ ليكونوا منارات هدى وقدوات حسنة عبرالتاريخ، فهم التطبيق النموذجي لشرع الله في كل عصر، وتطبيقهم حجة على العباد ودليل على واقعية الشرع. واوضح دليل على هذا الاثر ما وقع في يوم الحديبية، ففي صحيح البخاري قال عمر : فلما فرغ من قضية الكتاب اي: بنود الصلح قال رسول الله لاصحابه: ((قوموا، فانحروا ثم احلقوا))، قال: فوالله، ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم احد دخل على ام سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت ام سلمة رضي الله عنها: يا نبي الله، اتحب ذلك؟ اخرج لا تكلم احدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم احدا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما راوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما. ان هذا التاثير القوي والمباشر للقدوة يرجع الى عدة اسباب منها: ان الانسان مفطور على حب التقليد، وكثيرا ما يكتسب معارفه وخبراته ومهاراته بالتقليد والمحاكاة، انظر الى الطفل كيف يحاكي اباه ويتقمص شخصيته؛ لان التعلم بالرؤية والمشاهدة اسهل وايسر بل واسرع، والنفس بطبعها تحب الحصول على الشيء باسهل الطرق واسرعها ولو كان محرما، لكن الشرع والعقل يضبطها. وقوع الانسان مهما كان كسولا او مقصرا اسيرا للقدوة، فيحمله ذلك الاعجاب على التقليد والمحاكاة، وهنا تكمن خطورة الموضوع؛ لان القدوة اما ان تكون حسنة لها بريقها الذاتي فتنجذب اليها النفوس تلقائيا وتتاثر بها ايجابيا، واما ان تكون قدوة سيئة زخرفت وزينت بالاصباغ والالوان الخادعة، وسلط عليها الاضواء الاعلامية الباهرة، واضفي عليها عبارات الثناء والتمجيد الكاذبة لاثارة اعجاب المخدوعين، وحقا منهم من يقع في حبائلهم وشراكهم، حتى اذا فحصه عن قرب ادرك انه كسراب بقيعة يحسبه الظمان ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا، بل تبين له الوجه الحقيقي، فما كان الا اثارة للغرائز والشهوات وتمجيدا للكفرة والفساق والفجار باسم الفن والاناقة والرقص والغناء، وترويجا للمنكرات والفواحش والرذائل باسم الترويح والسياحة، ومحاربة للفضائل والحياء باسم الحرية والحضارة، وتنفيرا من دين الله باسم التاخر والجمود، وتهجينا لاحكامه باسم الكبت والقسوة، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور[النور:40]، وتحقيرا لدعاته باسم التطرف والارهاب. نعم، هذا هو البديل عند غياب او تغيب القدوات الصالحة الحسنة. وللاسف فان دعاة الشر وشياطين الفساد استطاعوا ان يغزونا في عقر دارنا بهذه القدوات السيئة الفاسدة المفسدة عبر فضائياتهم، وبدا المخطط ولما يمضي عليه سنوات يؤتي اكله الفاسد بمباركة الشيطان، فوجد في فتياننا وفتياتنا من يقلد الكفرة والساقطين في كل شيء، في مظهرهم وملبسهم، بل حتى في القضايا الجبلية من اكل وشرب ومشي، تجد الواحد يتمايل كالمخبول! قالوا: هذه حضارة، بل حتى في تفاهاتهم الخاصة، وبلغ الامر منتهاه حين ساغ لبعضهم عبادة الشيطان تقليدا اعمى للكفرة، واعجابا بالحرية البهيمية، وملئا للفراغ الروحي، لكن للاسف كالمستجير من الرمضاء بالنار، ففروا من الخواء الروحي الى الشرك بالله في اقبح الصور وهو عبادة الشيطان، وعشنا لنرى قول الله متحققا بنصه: الم اعهد اليكم يا بني ادم ان لا تعبدوا الشيطان [يس:60]. ان هذه المظاهر الشاذة لهي دليل قوي على الشعور بالنقص والانهزام النفسي، وصدق ابن خلدون في قوله: “المغلوب مولع بتقليد الغالب ابدا”. واذا كنا قد عجزنا عن تحصين ابنائنا وشبابنا ضد هذه الفضائيات وبرامجها الفاجرة التي لا تعلم الا قلة الادب ونزع الحشمة والحياء في الجملة، والتي يقوم عليها اناس لا يرقبون في مؤمن الا ولا ذمة، فهل نحن عاجزون عن ايجاد البديل لتلك القدوات السيئة المنحرفة وهو القدوات الحسنة؟! اعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء [النساء:89]. بارك الله لي ولكم في القران والسنة… | |||
الخطبة الثانية | |||
ان القدوة ليس لقبا خاصا بانواع محددة في المجتمع، كلا، بل هو وصف عام لكل مسلم. صحيح ان بعض الفئات يجب ان يكونوا قدوات صالحة في المجتمع؛ لان عدم ذلك يعنى الفتنة والصد عن دين الله، لكنه لا يلغي التبعة.
فالمسلم الذي يعيش بين ظهراني الكفرة ينبغي ان يكون قدوة لهم وممثلا للاسلام؛ لعله ان يكون سببا في دخولهم الاسلام كما حصل في تاريخ الاسلام. واهل الطاعة ينبغي ان يكونوا قدوة لاهل المعصية؛ بظهور اثر الطاعة وثمارها كالامن النفسي واثبات قوة الارادة. والمدرس قدوة لطلابه، فاي هدم للقيم يتسبب فيه المدرس بانحيازه لبعض الطلاب؟! والاب لابنائه، فاي هدم للقيم يباشره الاب حين يكذب امام ابنائه مهما كان المبرر كالتلفون؟! والحاكم لشعبه، فاي مصيبة تقع عندما يظلم الحاكم شعبه او لا يقيم العدل بينهم؟! والرئيس لمرؤوسيه، فاي دعوة للتسيب يبثها الرئيس بين موظفيه بتاخره عن الدوام دائما؟! والداعية لمن يدعوه، فاي فتنة يحدثها الداعية للمدعو حين يعاهده ويخلف؟! فهولاء الاصناف لا مندوحة لهم ولا خيار لهم ان لا يكونوا قدوات صالحة؛ لانهم تحت المجهر والمراقبة شاؤوا ام ابوا، فهل يكونون اهلا للتحدي؟! وهل يستشعرون مسؤولياتهم؟! وهل يحسبون خطواتهم؟! ايها الاخوة، لكل دعوى دليل، فما دليل دعوانا؟ خمس خصال هي الحد الادنى لصدق الدعوى: 1- الاستقامة على منهج الله؛ وذلك بسلامة المعتقد واداء الفرائض والتخلق باخلاق الاسلام واجتناب الكبائر. 2- موافقة الافعال للاقوال، ويكفي قوله تعالى: يا ايها الذين امنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون [الصف:2، 3]. 3- البعد عن مواطن الشبهات، قال رسول الله : ((فمن اتقى الشبهات فقد استبرا لدينه وعرضه))، واذا رئي في موطن الشبهة بين ذلك، فقد فعله من لا يشك فيه البتة سيد المرسلين، فقال: ((على رسلكما، فانها صفية)) اي: زوجته رضي الله عنها. 4- التقليل من الترخص وتغليب الاخذ بالعزائم، قال تعالى: فاصبر كما صبر اولوا العزم من الرسل[الاحقاف:35]. 5- اتقان التخصص ومتابعة التطوير والابداع، ويكفي قول المصطفى : ((ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا ان يتقنه)). ايها المقتدي، يجب ان تعلم ان القدوة مهما حرص على الكمال فهو بشر غير معصوم، وعمله ليس حجة على الاسلام، بل الحجة قال الله قال رسوله، فالتمس لاخيك العذر عند التقصير، واذا ابيت الا اللوم فلم نفسك اولا، فقد قال الله تعالى: بل الانسان على نفسه بصيرة ولو القى معاذيره [القيامة:14، 15]. اقلوا عليهم لا ابا لابيكمو من اللوم او سدوا المكان الذي سدوا والماء اذا بلغ القلتين لم يحمل الخبث.
|
- قدوه سيئه
- افضل قدوات حسنة
- صفات حسنة و سيئة
- صور عن القدوه الحسنه