اذا كان حجر اسماعيل جزءا من الكعبة وقصرت النفقة عن اتمامه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة، فلماذا لم يدخلها الحكام المسلمون داخل الكعبة عند تجددها لما توافرت النفقة؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه، اما بعد:
فان الحجر جزء من الكعبة، كما في حديث عائشة قالت: سالت النبي صلى الله عليه واله وسلم عن الحجر امن البيت هو؟ قال نعم، قلت فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال ان قومك قصرت بهم النفقة، قلت فما شان بابه مرتفعا؟ قال فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاؤوا ويمنعوا من شاؤوا، ولولا ان قومك حديث عهدهم بالجاهلية فاخاف ان تنكر قلوبهم ان ادخل الحجر في البيت وان الصق بابه الارض. متفق عليه.
وفي رواية لمسلم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الم تري ان قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد ابراهيم؟ قالت فقلت يا رسول الله افلا تردها على قواعد ابراهيم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت.
وترك النبي صلى الله عليه وسلم لبنائها كما كانت يدل على ان بناءها على ما كانت ليس واجبا، كما قال ابن حجر في الفتح.
وقد بناها ابن الزبير رضي الله عنه بعد ذلك على ما هم به النبي صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح مسلم عن عطاء قال: لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاها اهل الشام فكان من امره ما كان تركه ابن الزبير حتى قدم الناس الموسم يريد ان يجرئهم – او يحربهم – على اهل الشام، فلما صدر الناس قال يا ايها الناس اشيروا علي في الكعبة انقضها ثم ابني بناءها؟ او اصلح ما وهى منها؟ قال ابن عباس: فاني قد فرق لي راي فيها ارى ان تصلح ما وهى منها وتدع بيتا اسلم الناس عليه واحجارا اسلم الناس عليها وبعث عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال ابن الزبير لو كان احدكم احترق بيته ما رضي حتى يجده فكيف بيت ربكم؟ اني مستخير ربي ثلاثا ثم عازم على امري فلما مضى الثلاث اجمع رايه على ان ينقضها فتحاماه الناس ان ينزل باول الناس يصعد فيه امر من السماء حتى صعده رجل فالقى منه حجارة فلما لم يره الناس اصابه شيء تتابعوا فنقضوه حتى بلغوا به الارض فجعل ابن الزبير اعمدة فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه، وقال ابن الزبير: اني سمعت عائشة تقول ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: لولا ان الناس حديث عهدهم بكفر وليس عندي من النفقة ما يقوى على بنائه لكنت ادخلت فيه من الحجر خمس اذرع ولجعلت لها بابا يدخل الناس منه وبابا يخرجون منه قال فانا اليوم اجد ما انفق ولست اخاف الناس – قال – فزاد فيه خمس اذرع من الحجر حتى ابدى اسا نظر الناس اليه فبنى عليه البناء وكان طول الكعبة ثماني عشرة ذراعا فلما زاد فيه استقصره فزاد في طوله عشر اذرع وجعل له بابين احدهما يدخل منه والاخر يخرج منه، فلما قتل ابن الزبير كتب الحجاج الى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك ويخبره ان ابن الزبير قد وضع البناء على اس نظر اليه العدول من اهل مكة فكتب اليه عبد الملك انا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء، اما ما زاد في طوله فاقره، واما ما زاد فيه من الحجر فرده الى بنائه وسد الباب الذي فتحه، فنقضه واعاده الى بنائه.
ثم ان عبد الملك صح له حديث عائشة فندم على ما فعل، كما في صحيح مسلم عن ابي قزعة: ان عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت اذ قال: قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على ام المؤمنين يقول سمعتها تقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت البيت حتى ازيد فيه من الحجر فان قومك قصروا في البناء فقال الحارث بن عبد الله بن ابي ربيعة: لا تقل هذا يا امير المؤمنين فانا سمعت ام المؤمنين تحدث هذا، قال لو كنت سمعته قبل ان اهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير. اه.
وفي عهد العباسيين اراد المهدي ان يبنيها على ما بناها ابن الزبير فاستشار الامام مالكا فنهاه عن ذلك، كما قال الامام ابن كثير في البداية والنهاية: وقد هم ابن المنصور المهدي ان يعيدها على ما بناها ابن الزبير واستشار الامام مالك بن انس في ذلك فقال: اني اكره ان يتخذها الخلفاء لعبة، هذا يرى راي ابن الزبير، وهذا يرى راي عبد الملك بن مروان، وهذا يرى رايا اخر. انتهى.
وقال ابن حجر في الفتح: وفي حديث بناء الكعبة من الفوائد غير ما تقدم ما ترجم عليه المصنف في العلم: وهو ترك بعض الاختيار مخافة ان يقصر عنه فهم بعض الناس والمراد بالاختيار في عبارته المستحب وفيه اجتناب ولي الامر ما يتسرع الناس الى انكاره وما يخشى منه تولد الضرر عليهم في دين او دنيا، وتالف قلوبهم بما لا يترك فيه امر واجب، وفيه تقديم الاهم فالاهم من دفع المفسدة وجلب المصلحة، وانهما اذا تعارضا بدئ بدفع المفسدة، وان المفسدة اذا امن وقوعها عاد استحباب عمل المصلحة، وحديث الرجل مع اهله في الامور العامة، وحرص الصحابة على امتثال اوامر النبي صلى الله عليه و سلم، حكى ابن عبد البر وتبعه عياض وغيره عن الرشيد، او المهدي، او المنصور انه اراد ان يعيد الكعبة على ما فعله ابن الزبير فناشده مالك في ذلك وقال: اخشى ان يصير ملعبة للملوك فتركه. قلت وهذا بعينه خشية جدهم الاعلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فاشار على ابن الزبير لما اراد ان يهدم الكعبة ويجدد بناءها بان يرم ما وهى منها ولا يتعرض لها بزيادة ولا نقص وقال له لا امن ان يجيء من بعدك امير فيغير الذي صنعت اخرجه الفاكهي من طريق عطاء عنه وذكر الازرقي: ان سليمان بن عبد الملك هم بنقض ما فعله الحجاج ثم ترك ذلك لما ظهر له انه فعله بامر ابيه عبد الملك، ولم اقف في شيء من التواريخ على ان احدا من الخلفاء ولا من دونهم غير من الكعبة شيئا مما صنعه الحجاج الى الان الا في الميزاب والباب وعتبته وكذا وقع الترميم في جدارها غير مرة وفي سقفها وفي سلم سطحها وجدد فيها الرخام. اه.
والله اعلم.