افضل مواضيع جميلة بالصور

كواعب اترابا

السؤال:
لدي سؤال يجول بداخلي منذ فترة ، ويربك وجهة نظري عن الاسلام ، ويؤثر عليها ، يتعلق الامر بالايتين رقم اثنين وثلاثين وثلاث وثلاثين من سورة النبا ، حيث يقول تعالى : ( ان للمتقين مفازا . حدائق واعنابا . وكواعب اترابا ) النبا/31-33.
فما معني هاتين الايتين ، هل تعني الاية : ان الرجال سيمنحهم الله نساء ذوات صدور جميلة في الجنة ؟
انا اجد ان قراءتها في نص ديني امر غير مقبول ، لا اعرف لماذا يتحدث القران عن صدور النساء ، فكان من الممكن ان يقول الله بانه سيمنح الرجال في الجنة نساء جميلات فقط .
فما الحكمة من الاشارة لشكل صدور النساء ووصفها التي ستكون عليها في الجنة ؟

الجواب :
الحمد لله
بداية نشكر لك تواصلك مع موقعنا ، ونرجو ان تجد فيه النفع والفائدة .
وجوابا على سؤالك نقول ان كل ناقد لاي نص من النصوص ، سواء كانت نصوصا مقدسة ام نصوصا ادبية بشرية لا بد ان يراعي في نقده بيئة النص المتمثلة في الزمان والمكان والاشخاص والاحوال كلها ، وحين يتطلب الناقد الفهم الدقيق لتعبير معين فان عليه ايضا ان يدقق في جذر ذلك التركيب واصله في اللغة التي ورد بها ، واستعمالاته المتعددة ، والمعنى والسياق العام الذي من اجله تستعمل تلك المفردة .
والباحث المنصف هو الذي يفترض دائما عجز الترجمة عن نقل المعنى المقصود كما هو ، وعجزها عن انتقاء الكلمة التي تنقل المفردة بجميع ما تحمله من دلالات ، مراعية البيئة التي استعملت فيها تلك المفردة ، فان لم يفعل ذلك فقد جازف بالحقيقة التي ينشدها ، ولم ياخذ لنفسه الوثيقة فيما طلب .
ومن هنا نقول لك : ان الترجمة الحرفية لكلمة ( كواعب ) انها جمع ( كاعب ) وهي التي ” نتا ثديها ” كما في ” مجمل اللغة ” (1/787).
يقول ابن فارس رحمه الله :
” ( كعب ) الكاف والعين والباء اصل صحيح ، يدل على نتوء وارتفاع في الشيء . من ذلك الكعب : كعب الرجل ، وهو عظم طرفي الساق عند ملتقى القدم والساق . والكعبة : بيت الله تعالى ، يقال سمي لنتوه وتربيعه . وكعبت المراة كعابة ، وهي كاعب ، اذا نتا ثديها ” انتهى من ” مقاييس اللغة ” (5/186) ، وانظر ” القاموس المحيط ” (ص/131) ، ” لسان العرب ” (1/719) .
هذا هو المعنى الحرفي للكلمة في اصلها اللغوي .

غير انه من المعيب جدا ان يقتصر الناظر على المعنى الحرفي المعجمي لجذر الكلمة في اي لغة من اللغات ، بل لا بد من مراعاة السياق الذي يستعملها به اهل اللغة انفسهم ، الا ترى ان العرب تستمل كلمة ( الحائض ) على غير معناها الحرفي ، وانما يقصدون بهذا الوصف : المراة البالغة سن المحيض ، ولا يقصدون التي اصابتها دورتها الشهرية في ذلك الوقت ، وذلك كما ثبت عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : ( لا يقبل الله صلاة حائض الا بخمار ) رواه ابو داود (641) ، ومعلوم في الشريعة الاسلامية انه لا تصح صلاة المراة وقت حيضها ، بل يحرم عليها ذلك باتفاق العلماء حتى ترتفع دورتها وتطهر منها .
فمن فسر الكلمة بمعناها الحرفي المعجمي وقع في هذا التناقض والخطا ، ومن فسرها كما يستعملها العرب في كلامهم ، يريدون به المراة البالغة سن الحيض ، ولو لم تكن حائضا حقيقة : فهم الحديث على وجهه ، وادرك طريقة العرب في استعمال الكلام .

وهكذا نقول في وصف المراة ب ( الكاعب ) في اللغة العربية ، لا يراد به وصف جنسي بدني لشيء من اجزاء المراة ، بقدر ما هو المقصود وصف الفتاة بظهور علامات الانوثة فيها ، دلالة على صغر سنها ، ونضارة شبابها ، بحيث يمكن ان يتعلق بها الرجال ، فالفتاة في هذه السن تبدا علامات انوثتها بالبروز والظهور ، ولكن ليس المقصود بهذه الكلمة ذكر حجم محدد للثدي ، ولا ملاحظة شكله ووصفه ، وانما المراد تاكيد سن الشباب ونضارة العمر .
يقول ابن الجوزي رحمه الله :
” المراة طفلة ما دامت صغيرة ؛ ثم وليدة اذا تحركت ؛ ثم كاعب اذا كعب ثديها ؛ ثم ناهد اذا زاد ؛ ثم معصر اذا ادركت ؛ ثم خود اذا توسطت الشباب ” انتهى من ” اخبار النساء ” (ص/228) .
وجاء في ” شرح معاني شعر المتنبي ” لابن الافليلي – السفر الاول (2/ 270): ” الغلام منهم شاب ، والجارية كاعب ” انتهى .
ويقول الامام الزجاج – وهو من ائمة اللغة الكبار -:
” ( وكواعب اترابا ) اي اسنانهن واحدة ، وهن في غاية الشباب والحسن ” انتهى من ” معاني القران واعرابه ” (4/ 338) .
ويقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله :
” الكواعب : جمع كاعب ، وهي الجارية التي بلغت سن خمس عشرة سنة ونحوها . ووصفت بكاعب لانها تكعب ثديها ، اي صار كالكعب ، اي استدار ونتا ” انتهى من ” التحرير والتنوير ” (30/ 44) .
فانظر كيف يبين العلماء رحمهم الله ان هذا الوصف ( كاعب ) انما يراد به مرحلة من مراحل عمر الفتاة ، ولا يقصد به الوصف الجنسي لبدنها ، وان كان هو المعنى الحرفي .
تماما كما يستعمل العربي كلمة ( الحائض ) للدلالة على البلوغ ، ولا يقصدون ملاحظة وجود الحيض نفسه .
ومن الادلة الظاهرة ايضا ان العرب تستعمل هذا الوصف في الشعر والنثر في سياق ذكر عفة المراة وتكريمها ، وليس في سياق الوصف الجنسي لاثارة الشهوة واللذة ، والشاعر العربي حين يصف الفتاة بالكاعب لم يطلع على ثديها ، ولم ير حجمه وضخامته ، ولا استدارته او تدليه ، ولكنه وصف يطلق على كل صغيرة السن شابة ، وذلك من اعف الشعر العذري وارقه .
ومن ذلك قول بشر بن ابي حازم ، ونسب ايضا لقيس بن عاصم :
وكم من حصان قد حوينا كريمة *** ومن كاعب لم تدر ما البؤس ، معصر .
ذكره الثعلبي في ” الكشف والبيان ” (10/ 118).
ولهذا قال الماوردي رحمه الله – في تفسير ( كواعب ) في الاية الكريمة – : ” العذارى , قاله الضحاك ” انتهى من ” النكت والعيون ” (6/188) ثم ذكر الشاهد السابق .
وهذا الاثر عن الضحاك اخرجه ابن المنذر ، كما في ” الدر المنثور ” (8/398) .
ولو تدبرت القران الكريم لوجدته دائما ما يكني باستعمال الالفاظ التي تبلغ الغاية في الاشارة ولطيف العبارة ، كقوله عز وجل في وصف العلاقة الزوجية : ( هن لباس لكم وانتم لباس لهن ) البقرة/187، وقوله سبحانه : ( ومن اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لايات لقوم يتفكرون ) الروم/21 ، وقوله عز وجل : ( او لامستم النساء ) النساء/43 ، ولو ترجمت هذه الالفاظ بحرفيتها لما علم معناها ؛ لان ترجمة ( اللباس )، ( والسكن ) ، و( اللمس ) ترجمة حرفية لا تؤدي المقصود ، ولكن سياق الايات يدل على ان المراد بها الكناية ، او المعنى المجازي لحقيقة المعاشرة الزوجية ، ولكن من زاوية القيمة الروحية لهذه الممارسة ، فاذا ترجمت هذه الكلمات الى الانجليزية بمعنى الجماع الجنسي البدني فقد يؤدي ذلك الى توهم ان القران الكريم يكثر الحديث عن شهوات البدن ويستعمل الالفاظ المباشرة فيها ، والحقيقة بخلاف ذلك .
نقرر ذلك كي تدرك اهمية مراعاة الناقد الاستعمال العربي في الكلمة بحسب سباقها ولحاقها ، واهمية مراعاة الفجوة التي تحدثها الترجمة الحرفية بين المقصود الحقيقي وبين الجذر الدلالي للكلمة .
وقد تبين بعد الرجوع الى مجموعة من ترجمات معاني القران الكريم الى اللغة الانجليزية ان المترجمين اختلفوا في نقل معنى الاية الكريمة ( وكواعب اترابا ) في سورة النبا الى فريقين :
الفريق الاول : نقلها بالمعنى الحرفي للكلمة ، دون مراعاة اللسان العربي في استعمالها في سياق الدلالة العمرية فحسب . فكانت هذه الترجمة على الوجه الاتي الذي اشكل على السائل :
(And young full-breasted (mature) maidens of equal age(
وقد ترجمها بهذا التعبير الدكتور تقي الدين الهلالي والدكتور محمد محسن خان ، كما في ” ترجمة معاني القران العظيم ” الذي طبعه ” مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ” (ص/811) .
وهذا رابط موقعهم الرسمي :
http://www.qurancomplex.org/?Lan=ar
وكذلك ترجمها كل من (Ibrahim Walk) ، (Laleh Baktiar) .
وهي ترجمة ليست دقيقة بدرجة كافية ، ليس لانها لم تراع ما سبق تفصيله في الملحظ العربي من كلمة ( كواعب ) فحسب ، بل لانها لم تراع المعنى الدلالي المعجمي ايضا ، فكلمة (full-breasted) في الانجليزية تعني ( المكتملة او المليئة الصدر ) فاوحت بمعنى فيه تقدير حجم صدر المراة ، ووصفه بالكبر والامتلاء ، في حين ان المعنى المعجمي الحرفي للكاعب هي التي نتا ثديها ، او نهد ، كما سبق نقله عن معاجم العربية ، وهذا يعني بداية الظهور والبروز لياخذ شكله الانثوي ، وليس الاكتمال والامتلاء التامين الذي يقتضي استعمال كلمة (full).
وترجمها (Arther J. Arberry) بقوله :
(and maidens with swelling breasts, like of age)
وكذلك ترجمها (Sarwar) بقوله :
(maidens with pears-shaped breasts who are of equal age )
وايضا ترجمها (Pickthal A. Shakir) بقوله:
(And voluptuous women of equal age(
وكلها ترجمات تستوحي المعنى الحسي ، ووصف الثدي بشكل الكمثرى او الضخامة او الاثارة . وهي تعبيرات غير دقيقة عن مقصود اللسان العربي .
الفريق الثاني : راعوا ما قررناه سابقا ، وترجموا معنى كلمة ( كواعب ) ضمن سياقها الذي يريده اللسان العربي ، وليس بالمعنى الحرفي غير المقصود . ونحن نورد هنا هذه الترجمات ، وبجانبها اسم المترجم ، وندعو الى تصويب الترجمة اليها ، وافضلها – في نظرنا – ترجمة (Maulana) بقوله:
(And youthful (companions), equals in age(
وبقية الترجمات الصحيحة هي:

Marmaduke Pickthall….(And maidens for companions)
Abdullah Yusuf ali….. (Companions of equal age)
Muhammad Taqi Uthmani….(and buxom maidens of matching age)
والله اعلم .

  • كواعب اترابا
  • و كواعب اترابا
السابق
شعر عن الخيانة والحب
التالي
علاج قلة التركيز عند الاطفال