افضل مواضيع جميلة بالصور

لربا المحض

اولا: ربا الدين
قال المحقق الحلي في الشرائع: وفي القرض اجر، ينشا عن معونة المحتاج تطوعا والاقتصار على رد العوض. فلو شرط النفع حرم، ولم يفد الملك. نعم لو تبرع المقترض بزيادة العين او الصفة جاز، ولو شرط الصحاح عوض المكسرة، قيل يجوز، والوجه المنع. (1)
لقد اشار المحقق هنا الى نقاط هامة نبحث عنها تباعا:
1/ ان القرض اساسا من الاحسان ومن صنائع المعروف، ولا بد من ترغيب الامة فيه، وجعله من مسؤوليات الناس تجاه بعضهم مما يفيد التكامل والتعاون. ولو فتح باب الربا لسد ابواب القرض، وضاعت فوائده الاجتماعية والدينية.
2/ لكي يصبح القرض من صنائع المعروف، فلا بد من الاقتصار فيه على رد العوض دون اضافة، كما قال ربنا سبحانه عن عباده المقربين: (انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا( (الانسان/9)
3/ انه لو شرط النفع حرم، وهذا هو الربا الذي حرمه الدين وشدد عليه وعلى حرمته اجماع الديانات الالهية. نقرء في كتاب ربنا في بيان صفات اليهود الذميمة، انهم كانوا ياكلون الربا. قال الله تعالى: (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا * واخذهم الربا وقد نهوا عنه واكلهم اموال الناس بالباطل واعتدنا للكافرين منهم عذابا اليما( (النساء/160-161)
ولا فرق في شرط النفع بين قليله وكثيره، كما جاء في الحديث المروي عن علي بن جعفر، عن اخيه (الامام الكاظم) موسى بن جعفر عليهما السلام، قال: وسالته عن رجل اعطى رجلا ماة درهم على ان يعطيه خمسة دراهم او اقل او اكثر. قال: هذا الربا المحض. (2)
والذي يفسد القرض اشتراط النفع، اما من دون الشرط فلا باس باسداء المقترض نفعا الى المقرض، حيث جاء في الحديث عن خالد بن الحجاج قال: سالته عن الرجل كانت لي عليه ماة درهم عددا قضانيها ماة وزنا. قال: لا باس مالم يشترط. قال: وقال: جاء الربا من قبل الشروط، انما يفسده الشروط. (1)
4/ عند اشتراط النفع يفسد العقد، ولم يفد ملكا، حيث يبقى المال في ملك صاحبه. وقد اختلف الفقهاء في هذا الفرع، حيث راى جمع منهم ان الحرمة تقتضي فساد العقد. وقال بعضهم: ان اشتراط النفع يفسد العقد لقوله عليه السلام: انما يفسده الشروط. والظاهر عودة الضمير الى عقد القرض، والا فالربا فاسد من اصله..
وقال البعض: ان الشرط ان لم يك ركنا في العقد (اي اساسيا عند الطرفين، بحيث لولاه لما تعاقدا)، لم يفسده. فاشتراط الزيادة قد لا يكون كذلك، فلا يفسد العقد. وقد يستدل عليه بقوله سبحانه: (وان تبتم فلكم رؤوس اموالكم لا تظلمون ولا تظلمون(، (البقرة/279) حيث ان الاية مشعرة بصحة العقود الربوية فيما سوى مقدار الربا.
وهذا الراي يبدو اقرب الى الصواب. ومن هنا توقف المحدث البحراني في بطلان العقد الربوي (فيما سوى مقدار الربا)، حيث حكي عنه قوله: انه ليس في شيء من نصوصنا ما يدل على فساد العقد بذلك، بل اقصاها النهي عن اشتراط الزيادة. (2)
5/ ان ما يفسد العقد اشتراط الزيادة، اما اذا تبرع المقترض بزيادة، فذلك الفضل من عنده. وقد جاء في حديث عن اسحاق بن عمار قال: قلت لابي ابراهيم (الامام موسى الكاظم) عليه السلام: الرجل يكون له عند الرجل المال قرضا، فيطول مكثه عند الرجل لا يدخل على صاحبه منفعة، فينيله الرجل الشيء بعد الشيء كراهية ان ياخذ ماله، حيث لا يصيب منه منفعة، ايحل ذلك؟ قال: لا باس اذا لم يكن يشرط. (3)
وعلى هذا يحمل الحديث التالي عن محمد بن مسلم قال: سالت ابا عبد الله (الامام جعفر الصادق) عليه السلام عن الرجل يستقرض من الرجل قرضا ويعطيه الرهن اما خادما واما انية واما ثيابا، فيحتاج الى شيء من منفعته، فيستاذن فيه، فياذن له. قال: اذا طابت نفسه فلا باس. قلت: ان من عندنا يروون ان كل قرض يجر منفعة فهو فاسد؟ فقال: او ليس خير القرض ما جر منفعة. (1)
فالقرض الذي يجر نفعا، هو الذي يكون العطاء من قبل المقترض بلا شرط، بل بطيبة نفسه. او ليس القرض هو من صنائع المعروف، او ليس تبادل المنفعة يشد اواصر المجتمع ببعضها؟
فقد روي عن ابي جعفر (الامام محمد الباقر) عليه السلام، انه قال: خير القرض ما جر منفعة. (2)
ويبدو ان الباعث الذي لم يبلغ درجة الاشتراط، لا يدخل في اطار الربا؛ مثلا اذا كان شخص يرد الدين مع الفضل، وكان الناس يفضلون اقراضه طمعا في الفضل، ولكن لو لم يتفضل عليهم فلا يحق لهم مطالبته، فذلك جائز. لان الباعث لا يدخل في اركان العقد انى كان نوعه، وفي اي عقد، كما تقدم الحديث عن ذلك فيما مضى.
وعلى هذا نحمل الحديث التالي عن ابي بصير، عن ابي جعفر (الامام محمد الباقر) عليه السلام قال: قلت له: الرجل ياتيه النبط باحمالهم فيبيعها لهم بالاجر، فيقولون له: اقرضنا دنانير فانا نجد من يبيع لنا غيرك، ولكنا نخصك باحمالنا من اجل انك تقرضنا. فقال: لا باس به، انما ياخذ دنانير مثل دنانيره، وليس بثوب ان لبسه كسر ثمنه، ولا دابة ان ركبها كسرها، وانما هو معروف يصنعه اليهم. (3)
ولكن مع ذلك، يستفاد من بعض الادلة كراهة التعامل مع الدين بهذه الصورة، فرارا من شبهة الربا كما جاء في الاحاديث التالية:
عن اسحاق بن عمار، عن العبد الصالح (الامام موسى الكاظم) عليه السلام قال: سالته عن رجل يرهن العبد او الثوب او الحلي او المتاع من متاع البيت، فيقول صاحب الرهن للمرتهن: انت في حل من لبس هذا الثوب فالبس الثوب وانتفع بالمتاع واستخدم الخادم. قال: هو له حلال اذا احله وما احب له ان يفعل. (1)
وعن يعقوب بن شعيب، عن ابي عبد الله (الامام جعفر الصادق) عليه السلام قال: سالته عن الرجل يسلم في بيع او تمر عشرين دينارا ويقرض صاحب السلم عشرة دنانير او عشرين دينارا. قال: لا يصلح. اذا كان قرضا يجر شيئا، فلا يصلح. قال: وسالته عن رجل ياتي خريفه وخليطه فيستقرض منه الدنانير فيقرضه، ولولا ان يخالطه ويحارفه ويصيب عليه لم يقرضه. فقال: ان كان معروفا بينهما فلا باس، وان كان انما يقرضه من اجل انه يصيب عليه، فلا يصلح. (2)
ونستفيد من هذا الحديث الفرق الدقيق بين المنفعة المحرمة، والمنفعة الحلال. فالمحرمة هي حسب تعبير العلامة النجفي: اشتراط المنفعة صريحا، او اضمارا قد بني العقد عليه من غير فرق بين كون المنفعة عينا او وصفا. (3)
وقد يقال بان معيار المكروه من المنفعة هو الباعث الذي يحول علاقة المؤمنين ببعضهم الى علاقة مادية بحتة، اما اذا كان الباعث هو التعاون وما يزيد التلاحم الاجتماعي فلا كراهة في المنفعة، لان الهدف اساسا من القرض اشاعة المعروف بين الناس. وعلى هذا نحمل الاحاديث التي تقول ان خير القرض ما جر نفعا. وكذلك الحديث التالي عن هذيل بي حيان اخي جعفر بن حيان الصيرفي قال: قلت لابي جعفر (الامام محمد الباقر) عليه السلام: اني دفعت الى اخي جعفر مالا، فهو يعطيني ما انفق واحج منه واتصدق، وقد سالت من قبلنا فذكروا ان ذلك فاسد لا يحل، وانا احب ان انتهي الى قولك. فقال لي: اكان يصلك قبل ان تدفع اليه مالك؟ قلت: نعم. قال: خذ منه ما يعطيك، فكل منه واشرب وحج وتصدق، فاذا قدمت العراق فقل جعفر بن محمد افتاني بهذا. (1)
بلى؛ علينا ان نرد الفروع الى الاصول، والمصاديق الى القواعد الكلية. والاصل هنا النية الصالحة او الفاسدة، وانما الاعمال بالنيات ولكل امرء ما نوى، والله العالم.
6- اما لو شرط شرطا يجر نفعا الى المقرض؛ مثل ان يشترط الدراهم الصحاح عوض المكسرة التي يقرضها، فقد قيل يجوز، ولكن الوجه عند المحقق الحلي رحمه الله المنع.
وفي الامر معيار وتفصيل؛ اما المعيار فهو صدق الربا عرفا، فاذا اعتبر الناس العقد ربويا، فانه محرم، سواء كانت الفائدة عينا او منفعة او شرطا ينتهي الى النفع او ما اشبه. اما اذا لم يعتبر العرف العقد ربويا او شك الناس في كونه ربويا، فالعقد صحيح؛ وتفصيل القول فيما يلي:
ا- الزيادة الحكمية التي ترجع بالتالي الى منفعة الدائن بصورة او باخرى، غير جائزة، لانها منفعة، ولان الناس يعتبرون هذا القرض ربويا.
ولكن المقدس الاردبيلي مال الى جواز الزيادة الحكمية، واستدل على ذلك باصالة الجواز، حيث لم يثبت اجماع على عدم الجواز، ولم يثبت انه ربا. واما الاخبار الاتية المشعرة بالحرمة فانما تدل بمفهومها على وجود الباس، والباس لا يدل – بالضرورة – على الحرمة، بل قد يعني الكراهة.
ولكن العلامة النجفي اكد على حرمة الزيادة الحكمية، واستدل على ذلك بمفهوم جملة من الاحاديث التي مر ذكرها، وبصريح صحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر (الامام محمد الباقر) عليه السلام، انه قال: من اقرض رجلا ورقا فلا يشترط الا مثلها، فان جوزي اجود منها فليقبل، ولا ياخذ احد منكم ركوب دابة او عارية متاع يشترط من اجل قرض ورقه. (1)
وهذه الرواية بالغة الصراحة في حرمة الزيادة الحكمية.
ب- ومن الزيادة المحرمة، اشتراط ما يرجع الى منفعة؛ مثل ان يشترط بيع شيء له بيعا محاباتيا؛ اي باقل من ثمن المثل، كان يقرضه عشرة الاف دولار الى اجل، على ان يبيعه سيارته باقل من قيمتها العرفية.
وقد ذهب البعض الى جواز مثل ذلك فرارا من الربا الحرام الى البيع الحلال، واستدل بالحديث التالي عن مسعدة بن صدقة، عن ابي عبد الله (الامام جعفر الصادق) عليه السلام قال: سئل عن رجل له مال على رجل من قبل عينة عينها اياه، فلما حل عليه المال لم يكن عنده ما يعطيه، فاراد ان يقلب عليه ويربح، ايبيعه لؤلؤا او غير ذلك ما يسوي ماة درهم بالف درهم ويؤخر؟ قال: لا باس بذلك، قد فعل ذلك ابي رضي الله عنه، وامرني ان افعل ذلك في شيء كان عليه. (2)
وعن عبد الملك بن عتبة قال: سالته عن الرجل يريد ان اعينه المال او يكون لي عليه مال قبل ذلك فيطلب مني مالا ازيده على مالي الذي لي عليه، ايستقيم ان ازيده مالا وابيعه لؤلؤة تسوى ماة درهم بالف درهم، فاقول: ابيعك هذه اللؤلؤة بالف درهم على ان اؤخرك بثمنها وبمالي عليك كذا وكذا شهرا؟ قال: لا باس. (3)
ولكن هذين الحديثين وغيرهما موضوعهما تاخير الدين وبعقد ثان، والجواز فيه لا يدل على جواز الاشتراط بالبيع المحاباتي.
ج- وقد يكون من الزيادة الحكمية اشتراط تسليم المبلغ بارض اخرى، اذا كانت هناك منفعة مالية لذلك. اما اذا لم يكن، فلا باس به، وعليه يحمل الحديث التالي، المروي عن يعقوب بن شعيب، عن ابي عبد الله (الامام جعفر الصادق) عليه السلام قال: قلت: يسلف الرجل الورق على ان ينقدها اياه بارض اخرى، ويشترط عليه ذلك. قال: لا باس. (1)
ومثله غيره؛ ونحمل مثل هذا الحديث على عدم وجود منفعة مالية معتدة في الامر، وان كان من مصلحة صاحب الدين ذلك. اذ الحرام العقد الربوي، والربا لا يصدق على مثل هذه المنفعة.
د- وليس من الزيادة مطالبة الدائن رهنا على الدين، اذا لم يكن وجود الرهن عنده، بحيث يستفيد منه ويعد منفعة معتد بها ويعد ربا عند العرف.
بلى؛ لو اخذ رهنا وصادف ان استفاد منه؛ مثلا اخذ سيارة رهنا على دينه، ثم اتفق ان احتاج اليها فركبها، لا باس بذلك كما جاء في الحديث الشريف عن اسحاق بن عمار، عن العبد الصالح (الامام موسى الكاظم) عليه السلام قال: سالته عن رجل يرهن العبد او الثوب او الحلي او المتاع من متاع البيت، فيقول صاحب الرهن للمرتهن: انت في حل من لبس هذا الثوب، فالبس وانتفع بالمتاع واستخدم الخادم. قال: هو له حلال اذا احله وما احب له ان يفعل. (2)
ه- اما اذا اشترط الدائن على المقترض ان يعطيه رهنا على دين اخر لقاء اقراضه، فقد يعتبر نوعا من المنفعة الحرام، لانه ربا. ولكن البعض اعتبر ذلك جائزا، لان الحرام هو الربا الذي هو زيادة في مال القرض، واشتراط الرهن على دين اخر يعتبر شرطا خارجا عن مال القرض. وهكذا جاء في القواعد وجامع المقاصد ان الاقرب جواز اشتراط ذلك (الرهن) على دين اخر محتجا عليه في الاخير (جامع المقاصد) بان ذلك ليس زيادة في مال القرض وانما هو شرط خارج عنه. (1)
وناقش العلامة النجفي في ذلك، بان المستفاد من الحديث النبوي وهو: كل قرض جر نفعا فهو حرام. (2) المنع عن كل نفع للمقرض.
ولنا ان نقول: ان انشاء عقد القرض حق من حقوق الدائن، وله ان يستفيد من هذا العقد بما يشاء؛ مثل ان يشترط اداء دينه السابق، او ايداع رهن يستوثق منه اداءه حتى يقدم على عقد القرض. وهذا لا يسمى ربا عند العرف.
ولكن مع ذلك يبقى المعيار الاساسي عندنا حكم العرف بانه زيادة في الدين وفائدة في القرض، ام انه شرط مسبق لاجراء عقد الدين. فما اعتبره العرف ربا وزيادة في المال حرم، ومالم يعتبره جاز.
و- واذا وقع الدين شرطا في عقد اخر مما جعل نتيجة ذلك العقد زيادة في الدين، فهل يجوز؟ ومثله ما يجري الان في بعض البلاد من ايجار الدار لقاء ثمن معين شريطة ان يقرض المستاجر صاحبها مبلغا من المال. والهدف الحقيقي من هذه المعاملة استفادة الدائن من المال الذي يستلم في مقابل انتفاع المستاجر من الدار، والوجه الاخر للعقد اعطاء دين لشخص في مقابل الاجازة له بالاستفادة من الدار التي وضعت عنده كرهينة.
والبعض يرى المعاملة ربوية، اذ انها تتشابه مع الاقراض شريطة البيع باقل من ثمن المثل.
وبالرغم من ان هذه المعاملة لا تخلو من شبهة الربا، الا ان هدف المعاملة اذا كان الايجار وليس القرض، فان الجواز اقرب لانه انما يحلل الكلام ويحرم الكلام؛ اي الحرمة والحلية ترجع الى طبيعة العقد. فالعقد هنا عقد ايجار وهو صحيح حتى ولو كان باقل من ثمن المثل. اما الدين فانه شرط في عقد الايجار، وهو صحيح ايضا، ولا زيادة في مقدار ما يرجعه من المال، والله العالم.
ز- واذا اقرضه مبلغا وشرط عليه ان يبيعه بضاعة بثمن المثل، فلا يبدو اي اشكال فيه، لانه لا يرى العرف زيادة في مال القرض، اللهم الا ان نعتبر بمجرد تخصيص هذا الشخص بالبيع دون غيره، نوعا من النفع الذي يجره القرض. ولكن مادام العرف لا يعتبر ذلك من الربا، لا يحرم.

السابق
تحضير حلوى العرايش
التالي
كتابة اية الكرسي بالتشكيل