حقوق المتعلم وواجباته :
اهتم الاسلام بالطفل وتربيته وتعليمه وتاديبه، وقد سبقت التربية الاسلامية التربية الحديثة في اهتمامها بالطفولة وتعليمها وتربيتها ، بل لقد وصل اهتمام الاسلام بالطفل الى ما قبل ولادته ، فامر بحسن اختيار الام التي ستتولى الحمل والولادة والرضاعة والتربية والتي سيكون لها دورا كبيرا في التربية والتعليم والمتابعة .
ومن الحقوق التي رعاها الاسلام والتربية الاسلامية للمتعلم :
- الزم الاسلام الوالدين ان يحسنا اختيار الاسم لطفلهما ، قال رسول الله r ” خير الاسماء عبد الله وعبد الرحمن والحارث “([128]) ،
جاء رجل الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو اليه عقوق ابنه ، فاحضر عمر رضي الله عنه الولد وانبه على عقوقه لابيه ونسينه لحقوقه ، فقال الولد : يا امير المؤمنين اليس للولد حقوق على ابيه ؟ قال : بلى، قال فما هي يا امير المؤمنين ؟ قال عمر رضي الله عنه : ان يحسن اختيار امه ، ويحسن اسمه ، ويعلمه القران الكريم ، فقال الولد : يا امير المؤمنين ان ابي لم يفعل شيئا من ذلك فامي زنجية ، وسماني (جعلا) اي خنفساء ،ولم يعلمني من الكتاب حرفا واحدا ، فالتفت عمر الى الرجل وقال له : جئت تشكو عقوق ابنك ، وقد عققته قبل ان يعقك ، واسات اليه قبل ان يسيء اليك .([129])
- الاهتمام بصحة الطفل وتغذيته ، فحث الاسلام على الرضاعة الطبيعية من الام لما في ذلك من فوائد عظيمة تنعكس على حياة الطفل وصحته مستقبلا ، وامر بامداده بالعناصر الاساسية التي تساعد على نموه نموا سليما ، وقد اورد الامام ابن القيم في كتابه” تحفة المودود في احكام المولود ” قوله : ينبغي ان يكون رضاع المولود من امه ، وينبغي التدرج في الغذاء ،فاول ما يطعمونهم اللبن ، والخبز المنقوع في الماء الحار والحليب ، ثم البطيخ والامراق الخالية من اللحم ، ثم ما لطف من اللحم بعد مضغه او رضه ليصير ناعما .[130]
- ابعاد الطفل عن كل ما يفزعه من الاصوات او المناظر المؤذيةوالفظيعة حتى لا يؤثر ذلك على عقله وحواسه وعواطفه تاثيرا سلبيا فينعكس عليه فيصرفه عن العلم او يضعف قدرته عليه .
وقد اهتم الاسلام بالعقل وتربيته وصقله ، وجعله مناط التكليف ، فعلى الانسان ان يحافظ على عقله ولا يفسده بالمنكرات كالخمر والمخدرات ….الخ ، وعلى الوالدين الاهتمام للنواحي العقلية والمؤثرات التي تؤثر بها سلبا او ايجابا .
- ابعاد الطفل عن مجالس اللهو الباطل ومجالسة اقران السوء وفضول الكلام ، وهنا ينبغي على الوالدان يكون قدوة لولده ، والام قدوة لابنتها ، وعلى الوالدين ان يعملا على اكساب اولادهما الصفات الحسنة والاخلاق الطيبة ويكونوا قدوة لهم
ويخطئ من يظن ان حسن التربية يقتصر على الطعام والشراب والكسوة الفخمة والدراسة المتفوقة ، ولا يبالون بالتربية على الخلق الكريم والتدين الصادق
- حفز الطفل على الانطلاق والابتعاد عن الكسل وحب الراحة ،وان تكون راحته فيما يجم منيه نفسه،ولكن دون ان يكون هناك ارهاق له وضغط عليه، بل يكلف بما يكفل له تنمية عقله وجسمه بطريقة متناسقة.
يقول ابن القيم: وينبغي لوليه ان يجنبنه الكسل والبطالة والدعة والراحة، بل ياخذه باضدادها ، ولا يريحه الا بما يجم نفسه نفسه وبدنه للشغل ، فان الكسل والبطالة عواقب سوء ومغبة ندم ، وللجد والتعب عواقب حميدة ، اما في الدنيا واما في الاخرة ، واما فيهما ، فاروح الناس اتعب الناس ،واتعب الناس اروح الناس ، فالسيادة في الدنيا والسعادة في الاخرة .([131])
- تقوية الوازع الديني للولد وتنمية خلق الحياء لديه ، وعلى الوالد ان يعلمه الادب في كل الامور ، اداب الطعام والشراب ، واداب المجالس والطريق ، واداب الحديث …. اقتداء برسول الله r الذي لم يدع موقفا الا وقام بالتوجيه والتعليم . عن عمر بن ابي سلمة رضي الله عنهما قل : كنت غلاما في حجر رسول الله r وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله r : ” يا غلام سم الله تعالى وكل بيمينك وكل مما يليك “.([132])
وعلى الوالد ان يحذر من الافراط في التدليل للولد فان ذلك يفسده لان الطفل كثير الخطا محتاج الى ضبط سلوكه بصفة مستمرة ، تكون في كثير من الاحيان على خلاف مزاجه ، كما ان رغبات الطفل لا حدود لها ولا بد من فطامه عن السيئ منها كما يفطم عن ثدي امه حين يكون احب شيء اليه .
وفي الجانب الاخر فليحذر الاب من الشدة والقسوة على ولده فانها تؤدي الى اذلاله واهانته وانكسار نفسه وشعوره بالاحباط ، فينشا قاسيا حقودا غليظ القلب .
- ان يرسل الطفل الى التعليم في سن مبكر كما يرى ذلك الامام الغزالي في الاحياء، فيتعلم القران الكريم والحديث الشريف واخبار الصالحين ، فيغرس في نفسه حب الصالحين والمتقين([133]) ، قال ابو بكر بن العربي – احد المربين المسلمين — : وللقوم في التعليم سيرة بديعة ، وهي ان الصغير فيهم اذا عقل بعثوه الى المكتب فيتعلم الخط والحساب والعربية .
- ينبغي ان يؤذنللمتعلم بعد الانصراف من الكتاب بان يلعب لعبا يريحه من تعب المكتب ،فان منع الصبي من اللعب وارهاقه بالعلم يميت قلبه ويبطل ذكاءه وينغص عليه العيش .([134])فاللعب جزء من حياة الطفل،ومنعه منه يعني له شيئا كثيرا ، ويخطئ من يظن من الاباء بان الطفل ليس له الا كتبه ومذكراته، فاللعب يرفه عن النفس ويريح العقل ويكسب الطفل همه ودافعيته للحفظ والمذاكرة ومغالبة العلم .
- من حق المتعلم ان يوفر له المعلم الكفء المتخصص القادر والمتمكن من المادة العلمية ، فبمقدار ما يكون المعلم قادرا ومتمكنا من علمه بمقدار ما يستفيد المتعلم لان فاقد الشيء لا يعطيه ، والله عز وجل يقول :” فاسالوا اهل الذكر ان كنتم تعلمون .”([135]) فالسؤال يوجه لاهل الذكر واهل العلم وليس للجهلة ، فلا بد من اعداد المعلم اعدادا سليما ومناسبا من الناحية العلمية والتربوية ليتمكن من قيادة العملية التربوية بشكل سليم .
- المساواة بين المتعلمين جميعا في حق التعليم ، فلا فرق بين غني وفقير وقريب او بعيد ، حضري او قروي او من البادية بل الجميع متساوون في هذا الحق الذي اقره الاسلام منذ اول اية نزلت، قال تعالى:” ان اكرمكم عند الله
اتقاكم “. ([136])فلا فرق بين الناس في اي شيء الا في التقوى فلا يجوز التمييز بينهم في التعليم لاي سبب من الاسباب ، روي عن الحسن البصري قال :” اذا قوطع المعلم على الاجرة فلم يعدل بينهم – اي الصبيان – كتب من الظلمة.”([137])
ومن المساواة ان تعطى الانثى حقها في التعليم ،فالاسلام لم يقصر التعليم على الذكور دون الاناث ،قال تعالى : “من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون.”([138])
وننوه هنا الى ان كثيرا من العلماء الذين برزوا ونبغوا كانوا من الطبقات الفقيرة بل كانوا ايتاما كالبخاري ومسلم والشافعي وابن حنبل وغيرهم .