افضل مواضيع جميلة بالصور

من هو الفلاح ؟

الفلاح او المزارع هو الشخص القائم على الزراعة (الفلاحة) في الحقل وتعتبر الفلاحة من اقدم المهن على الاطلاق. وتقوم المهنة على غرس الفسائل ونثر البذار وسقي المزروعات واستصلاح الارض وحرثها ثم حصاد المحاصيل وتجهيز ميدان العمل للزراعة.

 

الفلاح المصري
الفلاح المصري هو اول من زرع في التاريخ، لكنه الان اكثر من يعاني، لقد عاش الفلاح المصري مشتتا بين سياط المماليك، وخراج العثمانيين، ونهب الانجليز، واهمال حكومة تستغل اسمه للحكم وبيعه وبيع بلاده. لقد بنى الفلاح المصري اهرام الجيزة في اوقات راحته، وحفر قناة السويس، وزرع القطن الذي لبست من نسيجه البشرية كلها.
مفهوم الفلاح
سعت بعض الهيئات الى وضع تعريف قانوني للفلاح في القوانين المصرية، اذ حاولت ان تعرفه بانه: “هو من يزرع هو واولاده وزوجته ما لا يزيد عن عشرة افدنة ملكا او استئجارا”، وهذا تعريف عام وقاصر، بالاضافة الى كونه محاولة لابعاد صغار وفقراء الفلاحين من الجمعيات الزراعية وحرمانهم من خدماتها عن طريق هذا التعريف الجائر، وذلك بتحويلهم الى ما يسمى ب”عمال الزراعة” وذلك لاغراض تتعلق بتمكين مجموعة من كبار الملاك من التحكم في السياسات الزراعية ومن ثم ارباحها. طيلة الوقت كان يوجد ما يسمى ب “عمال التراحيل”، وهم فلاحون يعملون بالاجرة في اي ارض مقابل الترحال من مكان لمكان خدمة للقمة العيش، وكانت حياتهم تتسم بالفقر المدقع، ولم تكن لهم حقوق حتى على المستوى الانساني، فقد كان ينظر لهم على انهم درجة ادنى من الفلاحين، واخذت هذه الفئة تختفي من الريف المصري بالتدريج الى ان تلاشت تماما، الا ان تطبيق القانون 96 لسنة 1992م، كاد ان يعيد عمال الترحيلة مرة اخرى الى الريف المصري من بعد اختفائهم.
لقد كانت القوانين المصرية تعرف الفلاح بانه :”من يحوز او يملك هو واولاده وزوجته ما لا يزيد عن عشرة افدنة ويعمل بالزراعة”؛ ولا زال هذا هو التعريف المعتمد رسميا في كل الاجراءات السياسية والادارية المصرية؛ وارى ان العمل بالزراعة هو الصفة المميزة للفلاح عن ملكية الارض، او حيازتها، فكم من فلاح يزرع الارض ويحصد دون ان يمتلك سهما واحدا من تلك الارض التي زرعها كاجير، وماذا عن الذين يعملون في اعمال تتعلق بالزراعة دون امتلاك الاراضي، او الاستحواذ عليها؟!
ان اعمال الفلاحة توظف ما يزيد على ثلث سكان العالم؛ وهو رقم كبير مقارنة بالقطاعات الانتاجية الاخرى في العالم، ويمثل القائمون باعمال الفلاحة في مصر والذين نطلق عليهم لفظة واحدة هي “الفلاحين” اكثر من خمسين بالمائة (50%) من سكان مصر. وسنحاول عبر هذه الاسطر ان نقوم بتقديم تصور لمفهوم كلمة “فلاح”، وذلك من اجل ضبط الجهاز المفاهيمي الخاص بهذه الدراسة اولا، وهي محاولة لضبط الجهاز المفاهيمي الذي يعاني من التلوث بشكل عام، لنحدد رؤية وتصور للفلاح المصري الذي نتحدث عنه كثيرا دون ان نعي من يكون.
كانت المحكمة العليا المحكمة الدستورية العليا فيما بعد قد قررت بالجلسة العلنية المنعقدة اول ابريل سنة 1978م؛ برئاسة السيد المستشار (بدوي ابراهيم حمودة) رئيس المحكمة وقتئذ؛ انه :
“يقصد بالفلاح كل من تكون الزراعة حرفته ومصدر رزقه الاساسي، ولا يجاوز ما يملكه من الارض الزراعية ثلاثة افدنة ايا كان نوع زراعتها”.
وربما ثار خلافا في الراي حول مدلول لفظ “الفلاح” في مجالات عديدة، وكان الراي ان المقصود بالفلاح عند البعض: “الفلاح هو من تكون الزراعة عمله الوحيد ومصدر رزقه الوحيد”، بينما ذهب راي اخر الى ان المقصود بالفلاح هو: “من يعمل في فلاحة الارض، ويعتمد عليها في معيشته؛ سواء اكانت الفلاحة هي عمله الوحيد ومصدر رزقه الرئيسي؛ ام كان يجمع بينها وبين عمل اخر”، وهي تعريفات اوافق عليها الى حد كبير واعتمد عليها في تحرير هذه الدراسة، وتتخذ هذه الدراسة من التعريف الاخير تعريفا اجرائيا لها.
وفي المجال القانوني؛ وفي استعمال الشارع (من يشرع القوانين)؛ فانه لم يلتزم اصطلاحا واحدا في تسميته للفلاح، اذ استعمل: اصطلاح “صغار الزراع”، واصطلاح “صغار الفلاحين” في المرسوم الخاص بقانون رقم 178 لسنة 1952 بالاصلاح الزراعي الذي قضى في المادة 9 منه بتوزيع الارض المستولى عليها على صغار الفلاحين مشترطا ان تكون حرفتهم الزراعة، وقد عدل هذا المرسوم بالقانون رقم 127 لسنة 1961 الذي خفض الحد الاقصى للملكية الزراعية الى مئة فدان على ان يتصرف مالك الارض فيما يزيد عن هذا القدر الى صغار الزراع الذين تعرفهم الهيئة العامة للاصلاح الزراعي، وقد صدر قرار هذه الهيئة رقم 1 لسنة 1962 مشترطا في صغار الزراع ان تكون حرفتهم الزراعة باعتبارها مورد رزقهم الرئيسي.
وفى مجال حماية الملكيات الزراعية الصغيرة؛ قرر الشارع في القانون رقم 513 لسنة 1953 حمايته على صغار الملاك الزراعيين، وذلك بحظر التنفيذ على هذه الملكيات في حدود خمسة افدنة، وقد عرفت المادة الاولى من هذا القانون “الزراع في خصوص تطبيق احكامه بانه: من تكون حرفته الاصلية الزراعة، وكانت هي كل او جل ما يعتمد عليه في معيشته سواء باشرها بنفسه، او بواسطة غيره”.
وفى المجال السياسي انتهى الشارع في المادة الثانية من قانون مجلس الشعب رقم 109 لسنة 1976 الى تعريف الفلاح في تطبيق هذا القانون بانه: “من تكون الزراعة عمله الوحيد ومصدر رزقه الرئيسي، ويكون مقيما بالريف، ويشترط الا يحوز هو وزوجته واولاده القصر ملكا او ايجارا اكثر من عشرة افدنة”.
الفلاحة تشتمل على انواع كثيرة من التخصصات والتقنيات، بما في ذلك سبل توسيع الاراضي المناسبة؛ لنمو النباتات عن طريق حفر القنوات المائية وغيرها من اشكال الري. ويظل كل من: زراعة المحاصيل على الاراضي الصالحة للزراعة، والاعمال المعاونة لها، والرعي الريفي للمواشي على المراعي، هي العمليات الاساسية للفلاحة، وينبغي ان يوصف كل القائمين بها باسم وصفة الفلاح، سواء من كان يملك منهم ارضا او يستاجرها، او ليس في حيازته اي ارض، لكنه يقوم باعمال تساعد علي زراعة الارض وتنميتها، او تخصص في حصاد منتجاتها بطرق مختلفة؛ فالفلاح: “هو من يقوم على انتاج الاغذية التي تشمل: الحبوب، والخضروات، والفاكهة، واللحوم”.

رؤية صناع الفن السينمائي للفلاح
ا. المفهوم العام:
للاسف ليس لدى السينمائيين تصور حقيقي عن الفلاح المصري، فثمة تصور مشوه في اغلب الفترات؛ خاصة في الفترة الاخيرة؛ علي الرغم من انتماء ادعاء بالانتماء بعضهم لاصول ريفية. ونتج عن هذا التصور المشوه تقيد في الرؤية لدى الكثيرين منهم، فانتجوا اعمالا يشوب كثير منها البعد عن الواقع الحياتي للفلاح المصري كما نعرفه، ولعلنا نتذكر اغنية المطرب العظيم (محمد عبد الوهاب) “محلاها عيشة الفلاح” التي قدمها في فيلم (يوم سعيد: محمد كريم؛ 1940)؛ وهي من كلمات الشاعر الكبير (بيرم التونسي). تقول الاغنية في مذهبها ومطلعها: “محلاها عيشة الفلاح مطمن قلبه مرتاح.. يتمرغ على ارض، براح والخيمة الزرقة ساتراه.. ياه.. ياه”. وكان امتداح الاغنية لحياة الفلاح شيئا غريبا، لان حياة الفلاح المصري لم تكن كذلك في ذلك الوقت، كما ان النظرة الى الفلاح كانت مختلفة عن النظرة التي اعادت ثورة يوليو 1952 م تحميل المرئيات السينمائية بها. اذ تقول الاغنية في مذهبها ومطلعها: “محلاها عيشة الفلاح مطمن قلبه مرتاح.. يتمرغ على ارض براح، والخيمة الزرقة ساتراه.. ياه.. ياه”.
لقد ظل مفهوم الفلاح الذي تعامل معه السينمائيون في اعمالهم مفهوما غائما مشوها، ناهيك عن نظرة التعالي في التعامل معه لانها خفتت؛ او كادت ان تتلاشى فيما بعد يوليو 1952؛ الا انها حافظت على وضع الفلاح علي هامش الحياة فيما بعد، فكاد ان يكون نسيا منسيا.
ان لدى عدد غير قليل من السينمائيين فصل تعسفي بين فلاح الشمال (الدلتا) وفلاح الجنوب (الصعيد)، مما ادى الي نشاة تصورات ومفاهيم خاطئة؛ حيث يري بعضهم ان فلاح الجنوب؛ ويطلقون عليه لفظ؛ “صعيدي”؛ وانه ليس فلاحا. وفي احدى المناقشات العلنية مع احد النقاد الاكاديميين ( يمارس العمل السينمائي ككاتب سيناريو وناقد، ويحمل درجات علمية من معهد السينما باكاديمية الفنون) حول فيلم (عسكر في المعسكر: محمد ياسين؛ 2003)، حيث ذكرت ان بطلي الفيلم يمثلان شخصيتي فلاحين تم تجنيدهما بالامن المركزي (قام بالدورين في الفيلم كل من: محمد هنيدي، وماجد الكدواني)، فاعترض الناقد الاكاديمي علي استخدام صفة “فلاح” مع ايهما، وقال انه “صعيدي”، فعدلت عن صيغة الصفة من “فلاح” الي “فلاح صعيدي”، وقد رايت ان في ذلك مزيدا من الدقة العلمية في الوصف، الا انه استمر في اعتراضه؛ وايده كثيرون من السينمائيين (الحضور)؛ لان هناك فارق بين “الفلاح” و”الصعيدي” وفقا لوجهة نظرهم المغلوطة.
تكشف الواقعة السابقة عن العديد من الاخطاء المفاهيمية لدى الكثير من السينمائيين، وما يخصنا منها هنا هو ما يتعلق بالفلاح، حيث ان بعضهم يستخدم مصطلح “الفلاح” ليطلقه على فلاحي الدلتا دون فلاحي الصعيد الذين يستخدم معهم مصطلح “صعيدي”، وهم يتصورون ان الفلاح هو من كانت مهنته زراعة الارض ورعايتها؛ وهذا حق؛ اما “الصعيدي” كمصطلح على اطلاقه فلا يعمل بالزراعة، لانهم لا يعرفونه الا مهاجرا من قريته في الصعيد يعمل في البناء او كحمال، وبذلك تناسوا صفته الاولى ومهنته الاساسية، واستبدلوها بالبناء او (العتالة) او غيرها من المهن التي اعتاد المهاجرون من الصعيد على ممارستها بالقاهرة والمدن الكبرى، وبقيت صفة “الصعيدي” صفة مطلقة لكنها غير دالة الا علي الاصل او المنشا الجغرافي، وتم تجاهل المهنة؛ بمعنى انهم عندما يرون “فلاح صعيدي” اي فرد من ابناء الجنوب المصري ويمتهن الزراعة يغلبون في وصفه الاصل الجغرافي وربما تناسوا او تجاهلوا الاصل المهني له، كما حدث في الواقعة السابقة حيث اصر الناقد الاكاديمي على وصف كل من (خضر: محمد هنيدي) و(متولي: ماجد الكدواني) بالصعيدي ورفض وصف ايا منهما بالفلاح. ولعل وضع مصطلح “صعيدي” في تسمية فيلم (صعيدي في الجامعة الامريكية: سعيد حامد؛ 1998) لدليل علي هذا الخلط المفاهيمي، واذا سالت احدهم: هل كان بطل الفيلم (خلف: محمد هنيدي) “فلاح” ام لا قبل الذهاب الي الدراسة في الجامعة الامريكية كما هي احداث الفيلم؟ لاجاب بالنفي، وبالطبع سيؤكد لك انه “صعيدي” وليس ب “فلاح” على الرغم من ان اللقطات الاولى من الفيلم؛ والمصحوبة بتتراته تستعرض الريف والحقول وخضرتها علي ضفاف النيل، وجلوس (خلف: محمد هنيدي) داخل كوخ من البوص يقرا في احد الكتب وهو يرتدي الجلباب (الجلبية) والطاقية.
ومما يؤسف له ان الفلاح المصري لم يظهر بصورة ايجابية حقيقية الا فترة قصيرة في بدايات ثورة يوليو 1952م وهو يسلم على الزعيم ( جمال عبد الناصر)، ويتسلم منه عقد ملكية اراضي الاصلاح الزراعي التي انتزعتها الثورة من الاقطاعيين في ذلك الوقت.
فمنذ ان وصف الباشا التركي المحتل المتعالي المصري عموما بانه “فلاح خرسيس” حتى ولو كان ذلك المصري زعيما شعبيا بحجم (احمد عرابي)، وحتى يومنا هذا يستخدم لفظ “الفلاح” بهذا الشكل السلبي، وكان هناك مغالطة يرتكبها المصريون في حق انفسهم بان يستخدموا هذا اللفظ “الفلاح” كاداة سب وتحقير في حوارهم اليومي، ودون وعي بالقيمة السلبية التي تداولونها فيما بينهم، والتي تنتقص من قيمنا جميعا؛ لان حضارتنا وتاريخنا الحقيقيين بدءا بهذا الفلاح الذي حرث الارض وبذر الحب والحب بها.

ب. رؤية السينمائيين لحقوق الفلاح المدنية كمواطن:
ان رؤية السينمائيين للفلاح غير حقيقية؛ خاصة وانها بعيدة تماما عن حياته كمواطن. وبدون اي تحامل؛ استطيع ان اقول ان السينمائيين يتصورون فلاحا تخيلي ذي صورة نمطية يعيش في راس بعضهم، ويعاد انتاجها بشكل مزيف وغير حقيقي.
وباستعراضنا لمجمل الحقوق الاساسية للفلاح باعتباره مواطنا؛ يمكن ان نتاكد من ان السينمائيين يجترون افكارا غير حقيقية، ولا يعرفون او يدركون الا قشورا عن الفلاح المصري وعالمه، وهذا ما سوف نكشف عنه في العرض التالي بشيء من التفصيل عبر استعراض لحقوق الفلاح وحياته كمواطن ورؤية ومعرفة السينمائيين بهذا المواطن الفلاح وحياته.
وعلي ان اؤكد على ان هذا ليس خطا السينمائيين فقط، لكنه امر اشبه بخطيئة عامة ارتكبتها النخبة المثقفة بكل فئاتها وطوائفها بحق الفلاح المصري، اذ جعلت من الفلاح المصري والقرية المصرية منطقة غائمة في الوعي العام، تخضع لتصورات مزيفة يتم اجترارها دون تصحيح او نقد. وان كنت هنا افصل الاتهامات واكيلها للسينمائيين، فاني لا اعفي منها النخبة المثقفة مطلقا فهي شريك رئيس في هذه الصورة المزيفة عن الفلاح المصري وعالمه.
اولا: الحقوق السياسية:
يتصور اغلب صناع الافلام السينمائية ان الفلاح ممثلا في البرلمان (مجلس الشعب) قبل ثورة يوليو وبعدها، وبعضهم يتصور ان تمثيل الفلاح قبل الثورة كان يتم تزويره في بعض الاحيان لصالح كبار الملاك الذين يحرصون على التواجد في البرلمان؛ لرعاية مصالحهم الخاصة اولا، او لدعم حزب سياسي ما هم مرتبطون به.
اما بعد ثورة يوليو وفقا لتصور السينمائيين فان الفلاح صار ممثلا في البرلمان (مجلس الشعب) عبر ضمانة نسبة ال 50% التي خصصت بموجب الدستور لصالح الفلاحين والعمال، ويعتبر بعضهم ان غياب هذا التمثيل يرتبط اكثر بفساد الافراد مما يرتبط بفساد النظام السياسي الذي اقر نسبة ال 50% لصالح تسيير الحياة السياسية، كما تسير القطعان عن طريق ما يسمى بتعبئة الجماهير سهلة القيادة، اما لاميتها، او لقلة وعيها وثقافتها، ولصالح تقديم شكل خال من المضمون العملي عبر هذا التمثيل النيابي (في مجلس الشعب) للفلاح.
ليس ثمة تمثيل حقيقي للفلاح في مجلسي الشعب والشورى، والشاهد علي ذلك عدد القوانين والتشريعات التي مررت في مجلس الشعب خلال الثلاثين عاما الاخيرة فقط والتي تعمل بشكل صريح ومباشر ضد مصالح الفلاح، او مكتسباته التي حصل عليها من ثورة يوليو 1952م، ورؤية السينمائيين بعيدة كل البعد عن هذا، واكثر ما يشغلهم في مسالة الحقوق السياسية للفلاح اذا شغلتهم هي علاقتهم بممارسة الانتخابات، وكيف كانت تزور ارادتهم الانتخابية بطريقة، او باخرى في بعض الاحيان.
ربما لا يعرف الكثير من السينمائيين ان الفلاحين بلا نقابة، وان نقابتهم تحت التاسيس، وليس لديهم سوى “اتحاد فلاحين” منذ حوالي عشرين عاما. فعلي الرغم من ان الفلاحين اكبر فئة عددا في المجتمع المصري، الا انهم واقعيا بلا نقابة مهنية تدافع عن مصالحهم، وتقوم بالعمل علي رعايتهم كغيرهم من فئات المجتمع التي تصير هامشية مقارنة بالفلاحين.
الم يسال احد صناع الافلام السينمائية نفسه ذات يوم: “لماذا لا توجد نقابة للفلاحين، كما ان لنا نحن معشر السينمائيين نقابة؟”. الاجابة بكل تاكيد: “لا”. فليس لدينا وثيقة فيلمية (فيلم سينمائي) تشير الى ذلك ولو من بعيد او على استحياء.
في بداية الثمانينات جرت محاولة لتاسيس اتحاد للفلاحين تبناها عدد من قيادات حزب التجمع، واسفرت حسبما نصت وثائقه عن جمع عضويات من حوالي خمسة عشر محافظة من محافظات مصر، ونشط في الالتقاء بالفلاحين وعقد الاجتماعات، واصدر نشرة تثقيفية، وحين استصدرت حكومة رجال الاعمال قانون العلاقة بين المالك والمستاجر 96 / 1992 المعروف ب”قانون الايجارات الجديد”؛ والذي تحدد لتنفيذه شهر اكتوبر 1997؛ لم يقم القائمون علي امر الاتحاد بخلق مقاومة منظمة لذلك القانون، وضاعت الفرصة الزمنية في اعمال احتفالية واعلامية مظهرية. وعندما لجا الاف الفلاحين الى مقر الاتحاد بحزب التجمع بالقاهرة في اكتوبر 1997م لطلب النجدة من اتحاد الفلاحين لم يكن لدى القائمين عليه اية حلول عملية حقيقية، وعاد الفلاحون خائبين، واظن ان امر هذا الاتحاد انتهى منذ هذه اللحظة الفارقة. لم يقم اي سينمائي بالاشارة الى هذه الاحداث ولو في هيئة حوار علي لسان اي شخصية في اي فيلم، لان هذه الامور والاحداث بعيدة تماما عن دائرة اهتمام صناع الافلام السينمائية، رغم ان مثل هذه الاحداث المفصلية في حياة فئة تتجاوز نصف المجتمع المصري اثرت كثيرا على الاقتصاد المصري وسلوكيات الاستهلاك وانماطه، بما يسمح للمتخصصين في الاقتصاد او العلوم الاجتماعية بان يسرد علينا قوائم مطولة ومجلدات عن تاثير هذا القانون فقط على الحياة الاقتصادية والاجتماعية في مصر.
ثانيا: الاوضاع الاجتماعية:
ظلت المكانة الاجتماعية للفلاح المصري متدنية في نظر العديد من الشرائح الاجتماعية الاخرى على الرغم من انتماء الكثير من ابناء هذه الشرائح فعليا للريف المصري عن طريق احد الوالدين على الاقل. وجرب انت بنفسك ان تنادي احد اصدقائك بالفلاح، سيظن انها وللوهلة الاولى سبة (شتيمة). وصناع الافلام السينمائية في اغلبهم ينتمون لهذه النظرة الاجتماعية المتدنية للفلاح، لقد حاول بعضهم التخلص من هذه النظرة والدفاع عن مكانة الفلاح المصري الا ان هذه المعالجات الفيلمية على قلتها لا تخلو من محاولات التزيد والادعاء من باب كسب تعاطف الفئات الاجتماعية، ولصنع قبول تسويقي للمنتج السينمائي، باعتبار ان الفيلم السينمائي مجرد سلعة تجارية يتم الترويج لها عبر مضمونها.
يصف لنا (عبد الله النديم) حياة السخرة التي كان يعيشها الفلاح المصري عبر هذه الصورة؛ اذ يقول: “رايت الوفا من الاهالي جمعوا من كل المديريات لحفر رياح الخطاطبة كي يسقوا مزارع الخديوي وكان البرنس حسين باشا مفتشا للوجه البحري مر القواض [يقصد: القواد] على جواده معلنا ان البرنس سيفاجئهم للتفتيش فهرع الملاحظون الى قطع الاغصان الغليظة من الاشجار ونزلوا بها على جسوم [اي: اجساد] الفعلة العارية فلا تسمع الا الانات والصراخ والنحيب ولا يظهرون [يظهر] من هذه الاجسام الملطخة بالطين سوى مواضع السياط، وكلما مر البرنس على مدير وراى الانفار تقع على الصخور وتغرق في الوحل وتضرب على الوجوه قال للمدير (افرين برافو برافو) فما انتهت الزيارة الا وعدد الموتى قد بلغ الثلاثين بين مضروب بالسياط وغريق في الوحل”.
ربما لا يدرك السينمائيون ان الفلاح يكره ان يورث مهنته لابنائه، لذلك فهو يسعى بكل ما يملك لتعليمهم حتى يلحقهم بوظائف حكومية او غير حكومية، او بصنعة من الصنائع تبعدهم عن مهنة الفلاحة والزراعة. والفلاح لا يرضى لاحد ابنائه بالبقاء معه في الارض الا مضطرا, وكان الفلاحة اصبحت مهنة اضطرارية يلجا اليها من فشل في التعليم، وفشل في التجارة، وفشل في ان يتعلم صنعة معينة.
ولعلهم لا يعرفون ان هذه المهنة قد تم تفريغها من النابغين والنابهين, وتكون النظرة الى الفلاح نظرة دونية لا تشجع احدا على ان يكون فلاحا, على الرغم من عظمة هذه المهنة، واهميتها في حياتنا.
كذلك ليس هناك ادراك كاف لدى السينمائيين لما كانت عليه “الاسرة الممتدة” في الريف، حيث كانت هذه الاسرة احد خصائص المجتمع القروي. و”الاسرة الممتدة” هي الاسرة التي تضم ثلاثة اجيال يعيشون في بيت العائلة الكبير: الجد (والجدة), الابناء (والبنات), ثم الاحفاد. ومع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية قل عدد الاسر الممتدة، وتزايد عدد الاسر النووية الصغيرة (الاب والام والابناء) يعيشون في بيت صغير، وربما تظل الاسرة الصغيرة على اتصال يومي بالاسرة الكبيرة، لكنه في الغالب اتصال وظيفي، وليس اتصالا عضويا. وقد اثر هذا على علاقة الابناء والاحفاد بجيل الاجداد، فلم تعد كلمة الكبير لها نفس المكانة كما كان في الماضي؛ حين كان الكبير يملك الارض والبيت ومن فيهما؛ واصبحت الروح الفردية اكثر شيوعا، فكل انسان يحاول ان يدير حياته كما يريد ويرى, والجيل القديم يقاوم هذه النزعة الفردية، ويحاول قدر استطاعته الابقاء على حالة الوصاية القديمة، والتي كانت سائدة في عهدهم, وقد ادى هذا الى صراع بين الاجيال يبدو اكثر حدة في هذه الايام.
ونتج عن ذلك دون ان يدركه السينمائيون ان لم يعد للعمدة، او شيخ الخفراء، او شيخ البلد نفس التقدير, بل كثيرا ما تتعرض هذه الرموز للسخرية والاستهزاء بشكل مباشر او غير مباشر، ولم يعد لاي من هذه المسميات (العمدة شيخ البلد شيخ الخفر) اي اهمية حقيقة او وجود فاعل في الحياة الريفية الان، وهي اخطاء جسيمة سقطت فيها بعض المعالجات السينمائية الحديثة، بسبب وعيها الزائف ورؤيتها غير الحقيقة للفلاح المصري وعالمه.
وربما صادف بعض السينمائيين الصواب في بعض معالجاتهم عبر رؤيتهم لموضوع هجرة الفلاح المصري من الريف الي المدينة، اذ اصبحت الهجرة الى المدينة احد احلام الفلاح المصري حيث احلام الثروة والحياة المدنية الحديثة، وكثيرا ما نجد تحقق هذا الحلم لسبب او لاخر، هو مدخلا للمعالجة السينمائية.
وقد امتدت المطابقة بين الواقع وبعض الافلام السينمائية؛ حيث ربط بعضهم بوعي احيانا، وبدون وعي كثيرا بين انتقال الفلاح المصري من الريف الي المدينة، وانتقال خصائص الحياة الزراعية الي المدينة، حيث كانت العشوائيات, والبطء في الحركة، والتراخي، والاحساس الممتد بالزمن وعدم تقدير اهمية المواعيد، وعدم تحري الدقة, وضعف الاهتمام ببروتوكولات العلاقات الاجتماعية.
ثالثا: الحقوق الاقتصادية:
صدر في عام 1842م قانون احتكار الاراضي الزراعية في مصر، والذي جعل من (محمد علي) المالك الوحيد لجميع اراضي مصر الزراعية. وقام (محمد على) وورثته فيما بعد باهداء معاونيه او من يتوسم فيهم النبوغ في خدمة دولته الاراضي والاقطاعيات، فمنح ل(مصطفى بهجت باشا) قريتين يبلغ زمامهما اف وثمانمائة فدان، ثم عاد (عباس باشا) فمنحه اربعمائة فدان اخرى. وفي عهد الخديوي (سعيد) صدر ما يعرف باللائحة السعيدية لتنهي بعض الشيء نظام الاحتكار، وصارت تلك اللائحة هي الاساس القانوني لاول ملكية زراعية في مصر خلال العصر الحديث، حيث تركزت الملكية الزراعية في نحو الفين وسبعمائة واربعين اسرة نشا معها الاقطاع، و بدا معها تحكم كبار الملاك في الاقتصاد الزراعي المصري. ولقد اعادت ثورة يوليو 1952 توزيع الاراضي وفق قانون الاصلاح الزراعي، فجعلت من الفلاح مالكا للارض التي يزرعها، او مستاجرا قانونيا لها.
ولضبط الاوضاع الجديدة وتوفيقها، اسست ثورة يوليو 1952م مجموعة من الجمعيات الزراعية للمنتفعين باراضي الاصلاح الزراعي بنوعيها (الاستيلاء، والحراسة) حيث الزم القانون جميع المنتفعين بالانضمام لها. كما كان هناك نوع اخر من الجمعيات الزراعية لبقية فلاحي مصر اسمه “جمعيات الائتمان” يقوم بنفس المهمة؛ وهي توفير مستلزمات الانتاج الزراعي لاعضائها من بذور واسمدة، ومبيدات، واعلاف، والات زراعية؛ وتلزمهم بتوريد المحاصيل لتتولى تسويقها للاستهلاك المحلي وللتصدير. كان دور هذه الجمعيات الزراعية او “التنظيمات التعاونية” هو مد الفلاحين بمستلزمات الانتاج الزراعي كجزء من خطة حكومية معدة سلفا لزراعة مساحات محددة من الارض باصناف معينة من المحاصيل الزراعية تلبي الاستهلاك المحلى وتفي بالتزامات الدولة التصديرية في ظل اسعار الزامية، سواء لشراء المحاصيل من الفلاحين، او لبيع مستلزمات الانتاج الزراعي لهم. وقد عادت هذه الجمعيات التعاونية على الفلاحين بمجموعة من الفوائد، الا انها كانت اقرب الى: محلات تجارة مستلزمات الانتاج، او مخازن كبيرة لشراء المحاصيل، او هيئة رقابة تشرف وتتيقن من دقة الالتزام بالمساحات المزروعة والاصناف المقرر زراعتها. كل هذه الامور بعيدة تماما عن مخيلة السينمائيين؛ وكانها اشياء من خارج هذا العالم؛ لانها خارجة تماما عن تصوراتهم عن عالم الفلاح المصري.
ان بعض السينمائيين؛ ومنذ وقت مبكر في الحقيقة كانوا مدركين بصورة او باخرى لدور الشركات العالمية العاملة في انتاج وتسويق مستلزمات الانتاج الزراعي، والتي تتضمنها روشتة الصندوق والبنك الدوليين، دون ان يدركوا للاسف ان نمط الانتاج عند الفلاح الصغير في مصر هو ابرز العقبات التي تحول دون فتح السوق امامها عند الفلاح لتسويق منتجاتها، وان هذه الشركات تعمل على بديل لهذا الفلاح الصغير، وهو “المزارع الواسعة” و”الزراعة الكثيفة” التي يتولاها كبار ملاك الاراضي. كان بعضهم يدرك بصورة او باخرى خطورة هذه الشركات الكبرى العالمية، او خطورة محاولات بعض كبار الملاك في السيطرة على الانتاج الزراعي، لكن لاسباب تنافسية لها علاقة بتراكم الثروة فقط.
رابعا: الحق في الخدمات المختلفة:
• التعليم:
يتصور صناع الافلام ان الفلاح بدا يحصل على حقه في التعليم منذ قيام ثورة يوليو 1952م فقط، ولم يكن متوفرا له قبل تلك الثورة الا ما يعرف باسم “الكتاب”. وفي هذا التصور جانب كبير من الحقيقة، فقد حالت تكاليف التعليم الكثير من ابناء الريف المصري عن الالتحاق به، لكن هذا لا ينفي حصول عدد منهم علي قدر من التعليم، ولدينا نماذج رائدة بالطبع، لكن علينا ان نكون على وعي بان الجامعة المصرية كانت حديثة عهد بمصر سنة 1907م. ورغم ان دور الجامعة في حياة المصريين يعتبر حدثا فارقا منذ لحظته الاولى على مستويات عدة، الا ان هذا الدور او الحدث الفارق ليس له اي وجود حقيقي في المعالجات السينمائية المختلفة، وبالتالي لم يكن لاي من قضايا او اشكاليات التعليم في الريف حضور، كما ان بعض المعالجات التي كانت تتناول شخصية مدرس في الارياف مثلا كانت تنظر له بنفس النظرة بل وعبر منظورها لمدرس المدينة والحضر باعتباره هو افق معرفة وخبرة صناع هذه المعالجة او تلك.
وربما كان التعليم في الازهر الشريف؛ والذي كان يمثل افق احلام ابناء الريف المصري حتى عهد قريب؛ كان هو الابرز في رؤية السينمائيين في عدد غير قليل من معالجاتهم، مثل: (شباب امراة: صلاح ابو سيف؛ 1956)، او شخصية الطالب الازهري الثوري القادم من الريف والتي جسدها (علي الشريف) في فيلم (العصفور: يوسف شاهين؛ 1972). الا ان الرؤية كانت قاصرة، ومختصرة، وفي اطار السياق الدرامي الاكبر، وعلى هامش اطروحة الفيلم الرئيسية.
ومازالت الامية متفشية في الريف المصري بمعدلات كبيرة رغم كل ضجيج الارقام الوهمية التي تنشر وتذاع عن برامج محو الامية او الحملة القومية لمحو الامية، ويشير تقرير التنمية البشرية لسنة 2005م الى ان نسبة الامية على مستوي مصر يبلغ 34.3%، وان متوسط نسبة الامية في صعيد مصر تصل الى 43.2%. وتكشف دراسة ميدانية قام بها بعض الباحثين عن ان نسبة البطالة في قرية “الغرق” التابعة لمركز “اطسا” بمحافظة “الفيوم” تبلغ 66.9% (باهر شوقي واحمد حسين؛ قرية الغرق: نموذج لعشوائيات الريف المصري؛ المركز المصري لحقوق السكن؛ 2006م)، لا تعكس رؤية السينمائيين شيئا من هذه الارقام، فهي تقدم مجموع الفلاحين متعلمين بدرجة او باخرى، وليس في ذلك سوى اظهار جانب واحد من جوانب الواقع.
ويشير تقرير التنمية البشرية بمصر لسنة 2024م ان فتيات الريف يشكلن 80,4 % ممن لم يلتحقن بالمدارس على الاطلاق، ربما يعكس تركز مشكلة الامية في الريف المصري دون الحضر، كما ان ارتفاع كلفة التعليم؛ رغم دعاوى المجانية الوهمية؛ تجعل الكثير من الاسر الفقيرة تعزف عن تعليم ابنائها او بناتها، ويبلغ عدد الاسر الاكثر فقرا في الريف المصري حوالي مليون و130 الف اسرة من بين حوالي 2.5 مليون اسرة فقيرة في الريف المصري (الارقام كلها وفقا لتقرير التنمية البشرية لسنة 2024م).
• الصحة:
بدا الفلاح يحصل على حظ وافر من الرعاية الصحية منذ قيام ثورة يوليو 1952م التي اظهرت قدرا كبيرا من الاهتمام بالفلاح ورعايته. ولم يكن الفلاح وفقا لرؤية الفنانين يحصلون علي قدر لائق من الرعاية الصحية فيما قبل يوليو 1952م، وربما ساعد على ذلك تفشي الامية في عموم الفلاحين في الريف المصري، اضافة الى سيطرة الفقر المدقع على حياة هؤلاء الفلاحين، فساعد هذان العاملان بنصيب وافر في تدعيم انتشار الامراض، وقلة الاهتمام بالاحتياطيات الصحية النموذجية، وبنفس القدر ساهمت الامراض والضعف العام في تدعيم الجهل، والامية وتفشي الفقر بين السواد الاعظم من الفلاحين فيما قبل عام 1952م وفقا لما طرحه واكده صناع الافلام السينمائية في افلامهم.
لكن السينمائيين توقفت رؤيتهم عند هذا الحد، فيظهر الفلاح في افلامهم عافيا صحيحا، وتوظف هذه العافية والصحة في كثير من حبكات الافلام، ليس لصناع الافلام ان يدركوا ان الفلاح في الثلاثين عاما الاخيرة لا يستطيع ان يحصل على العلاج المناسب؛ رغم ما يشاع عن توافر الوحدات الصحية الريفية؛ لانها وحدات بلا خبرات حقيقية، يعمل بها فقط اطباء حديثي التخرج بلا خبرات تستطيع ان توقف زحف الامراض المعقدة الناتجة عن المواد المستحدثة التي دخلت في حياة الفلاح المصري وارضه.
ان الحق في الصحة لا يقتصر على خدمات العلاج والوقاية فقط؛ كما يتصور العديد من السينمائيين؛ بل انه يمتد ليشمل توفير الغذاء الامن، والمياه النقية، والصرف الصحي، والبيئة النظيفة، كمفهوم اوسع للحق في الصحة الذي يعتبر بشكل اساسي امتدادا للحق في الحياة.
• مياه الشرب:
ما زال عدد غير قليل من فلاحي مصر لا يتوفر لهم مياه الشرب النقية؛ وحتى وقت غير بعيد؛ كانت بعض القرى تعتمد في احتياجاتها من مياه الشرب على حنفية عمومية تعمل لعدد معين من الساعات خلال النهار، حيث يقوم الاهالي بجمع المياه وتخزينها بطرق غير صحية بالطبع من اجل استهلاكهم اليومي الضروري من المياه، ولا زالت عدد من قرى محافظة الجيزة على وجه التحديد يقوم الاهالي بالحصول علي احتياجاتهم من مياه الشرب عن طريق الشراء المباشر من بعض ممن تخصصوا في نقل المياه اليهم عبر حاويات بلاستيكية ضخمة لا تحظى باي قدر من المعايير الصحية. مع ملاحظة ان القرى التي تصلها مياه الشرب بشكل منتظم يعاني الكثير منها من تدني نوعية المياه وعدم انتظام تدفقها.
هذه القضية قضية مياه الشرب النظيفة الجيدة وحدها ليست على خارطة صناع الافلام السينمائية مطلقا، علي الرغم من ان بعضهم اشار لموضوع المياه؛ وفي وقت مبكر؛ وخاصة في مرحلة الستينات؛ حيث كانت الافلام تحاول ان تقدم وتصور حياة البؤس التي كان يعيش في ظلها الفلاح المصري فيما قبل ثورة يوليو 1952م.
ولقد تزايدت التظاهرات الاحتجاجية من اجل مياه الشرب، فشهدت الفترة من يونيو2007م الي يناير 2008م حوالي 40 تظاهرة احتجاجية خاصة بمياه الشرب في عدد من قري ومدن مصر سواء في الصعيد او في الدلتا، فمثلا قام فلاحو قرية “بشبيش” التابعة لمركز “المحلة الكبرى” بمحافظة “الغربية” بعمل اعتصام بدا من يوم 9 يوليو 2007م، ولم ينهوا اعتصامهم الا بعد ان قام محافظ الغربية بتسيير ثلاث سيارات (فنطاس كبير) تقوم بتغطية حاجة الفلاحين من مياه الشرب، وذلك كحل مؤقت. وفي قرية “مازورة” التابعة لمركز “سمسطا” بمحافظة “بني سويف” رفع المواطنون لافتات في وقفاتهم الاحتجاجية كتبوا عليها “عطشانين في بلد النيل” (راجع؛ عبد المولى اسماعيل؛ احتجاجات مياه الشرب في مصر؛ دراسة منشورة في : استعادة الملكية العامة للمياه، شبكة حقوق الارض والسكن؛ نوفمبر 2009م).
لا تظهر مثل هذه التظاهرات الاحتجاجية او الاعتصامات التي يقوم بها الفلاحون من اجل مياه الشرب في المعالجات السينمائية الحديثة التي جاء حياة الفلاح او الريف المصري في سياقها الدرامي، مما يكشف عن غياب قضية مياه الشرب النظيفة من رؤيتهم للفلاح، فلعلها لا تمثل مشكلة من وجهة نظرهم.
• الصرف الصحي:
اشار “هيرودوت” في كتابه الشهير “هيرودوت يتحدث عن مصر” الى ان المصريين يقضون حوائجهم في منازلهم، بينما يتناولون طعامهم في الشوارع علانية، فنجد حرص المصري بشكل عام علي تخصيص مكان لقضاء حاجته بعيدا عن الانظار، وهذا موجود ايضا في الريف رغم ضيق مساحات المنازل، الا ان اغلب المنازل في الريف المصري غير مرتبطة بشبكة صرف صحي، ولا نكاد نلاحظ اي تعليق او اشارة الى هذه النقطة في اي فيلم سينمائي حديث، اذ ان عملية شبكات الصرف الصحي حديثة العهد بالمجتمع المصري بشكل عام، فهي كانت حصرية في بعض المدن الكبرى، وبدات في الانتشار في باقي مدن مصر في السنوات العشر الاخيرة.
• المسكن:
تتعدد صور ملكية الفلاحين للاراضي التي عليها منازلهم، وهي: وضع اليد، الايجار، الملكية الخاصة. وهذا الترتيب يتحرى تمثيل الواقع في العرض، وتتسم منازل الفلاحين عادة بصغر مساحاتها مع وجود مساكن ذات مساحات كبيرة نسبيا (اكبر من 150 متر مربع)، وتتصل معظم المنازل حاليا بشبكة الكهرباء، الا ان معاناة الريف من انقطاع التيار الكهربي كبيرة ومتزايدة، مع ملاحظة تذبذب التيار الكهربي الذي يؤدي الي اتلاف الاجهزة الكهربائية، مع ملاحظة الارتفاع المتزايد لقيمة فواتير الكهرباء. هذه هي الصورة الحديثة لمساكن الفلاحين التي تبنى من عدة ادوار احيانا وبنفس خامات مواد البناء المستخدمة في بناء مساكن المدن، مع ملاحظة قلة تعدد الادوار في مساكن الفلاحين، ومازال عدد كبير من المنازل في بعض قرى المحافظات الافقر تصنع من مواد بدائية (طين اخشاب … وغيرها).
لقد منع قانون الرقابة على المصنفات الفنية (1947م) تصوير منازل الفلاحين، ونص على ذلك صراحة لتدني مستواها، ولسنا نستطيع ان نجزم باسباب استجابة صناع الافلام السينمائية فيما قبل 1955م لهذا القانون، الا اننا نجدهم قد قدموا لنا واقع مساكن الريف المصري عبر قصور الباشاوات وكبار الملاك دون صغار الملاك والفلاحين الفقراء، الا انهم كانوا علي وعي بمساكن الفلاحين وتندي مستواها في المرحلة التالية، ربما بهدف اظهار مدى فقرهم وتدني حالهم والتاكيد على الظلم الذي تعرضوا له من الاقطاعيين، الا ان كثيرا من الافلام الحديثة لا تصور الواقع الجديد لمسكن الفلاح المصري، وما طرا عليه من تغيير، او ما هو عليه من فقر وتدني مستواه الانساني.
خامسا: القضايا الخاصة المرتبطة بالعملية الزراعية:
لا يكاد يعرف السينمائيون شيئا عن هذه القضايا، وخاصة الحديثة منها؛ مثل: تلك المرتبطة بعلاقة الفلاح بالجمعية الزراعية او بنك الائتمان الزراعي (بنك التسليف)، او فساد المزروعات والمحاصيل بسبب فساد البذور والمواد الكيماوية المستخدمة في حماية المحاصيل من الامراض المختلفة. كما انهم لا يعرفون شيئا حقيقيا عن حجم المديونية المرتبطة بالعملية الزراعية عند الكثير من الفلاحين، او ما يتعلق بالضرائب المفروضة على الفلاح وفي بعضها مخالفات قانونية. يكاد ينحصر ما يدركه صناع الافلام عن الفلاح في عمليات “العزيق” والري وجني بعض المحاصيل. لا يدركوا سوى ان ماشية الفلاح تاكل وتدر لهم لبنا؛ كانهم في حلم سعيد؛ ولا يعرفون ان غذاء هذه الماشية قد فسد فاصبحت لا تدر على الفلاح ما يتصوره السينمائي في فيلمه. ولم يلمس اي من السينمائيين ان حوالي مئة الف فلاح مصري باتوا في حكم التهديد بالسجن نظرا لتراكم ديون بنك التنمية والائتمان الزراعي.
وكان بنك التسليف كما كان يسمى في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين قد انشئ حوالي عام 1911م، وكان الهدف منه تحقيق هدف رئيسي وهو تحرير الفلاح المصري من المرابين والتسليف بفائدة عالية، وعلى مدى سنوات طويلة ظل البنك خلالها ذو مكانة عالية عند الفلاح المصري، ثم تحول فيما بعد ثورة يوليو 1952م الى ما يطلقون عليه حاليا بنك التنمية والائتمان الزراعي. وكان دور البنك ان يمد الفلاحين باجود اصناف التقاوي وافضل انواع الاسمدة والمخصبات، وكذلك ان يقرضهم ثمن المواشي وحتى الدواجن لحين موعد الحصاد، فيسدد الفلاح كل ما عليه مقابل رسوم قليلة او فوائد زهيدة جدا. وفي عام 1931م تم الفصل بين التسليف داخل البنك والنظام التعاوني، الى ان تم في عام 1976 دمج التسليف مع التعاونيات مرة اخرى، واصبح بنك التنمية والائتمان الزراعي الموجود كما هو الان على صورته الحالية التي ربما يدركها السينمائيون او يظهر اثرها في اعمالهم، وهي ان البنك بوضعه الحالي لم يعد بنكا زراعيا، لكنه تحول الي بنك تجاري هدفه الربح، ويستخدم ادوات البنوك التجارية من اقراض وقبول الودائع، وشهادات الادخار وغيرها من الامور البنكية.
ولا يعرف السينمائيون ان انتاج القطن المصري تراجع بفضل السياسات الزراعية الفاسدة التي عمل علي رعايتها عدد من وزراء الزراعة المصريين في الاعوام الثلاثين الاخيرة، لقد تدنى انتاج مصر من القطن الى اقل من 20% من حجم الانتاج السابق، وبالتالي اغلقت محالج القطن، وبيعت اراضيها بمئات الملايين لصالح رجال الاعمال وحاشية الرئيس وبعض الوزراء، وشرد عدد غير قليل من العمال كما شرد غيرهم في الكثير من المصانع التي بيعت تحت ما يسمى بسياسات الخصخصة باقل من 10% من ثمنها الحقيقي في حالات كثيرة.
ربما يدرك بعض صناع الافلام السينمائية اننا في مصر قد صرنا نستورد القطن؛ بحسب تقرير اعدته اللجنة العامة لتنظيم تجارة القطن في الداخل؛ هناك تنامي في استيراد اقطان اجنبية من الخارج، حيث تشير الارقام الى استيراد نحو مليوني قنطار باسعار تقل عن اسعار الاقطان المصرية لدعمها من دولها، و تقل صفاتها الغزلية كثيرا عن الصفات الغزلية للقطن المصري.
وربما لا يعي احد ان الفلاح المصري اصبح خلال الثلاثين عاما الماضية؛ وخاصة في العشرة الاخيرة منها؛ يدور في متاهة من المشكلات والازمات، انه يبدو ضعيفا وفريسة في ميدان المعركة امام القبضة الحديدية لمافيا الاحتكار والتي باتت تسيطر على الحقل الزراعي من خلال التحكم في سوق الاسمدة ومستلزمات الانتاج الزراعي، دون ان يقدم لنا فيلما واحدا اية اشارة لهذه الاوضاع الصعبة التي يمارس فيها الفلاح المصري عمله التاريخي في زراعة ارض مصر بماء النيل وعرقه الشريف.
سادسا: الحياة الدينية:
توافقت رؤية السينمائيين كثيرا مع مواصفات الحياة الدينية عند الفلاح المصري حتى منتصف الثمانينيات تقريبا ، الا انها اخذت في مفارقتها او عدم تناولها بشكل واضح او مؤثر في ثنايا معالجاتهم الفيلمية. سنلاحظ شكل التوافق في الرؤية في الفترة التي كانت قبل منتصف الثمانينيات حيث كان يغلب على الفلاح المصري نوع من التدين البسيط حيث كان المسجد يتوسط القرية ويشكل مركزا جغرافيا وروحيا لاهلها, والناس يبدؤون يومهم بصلاة الفجر وينهونه بصلاة العشاء, وتسري في حياتهم روح دينية مبسطة وبسيطة, واحيانا يغلب عليها الطابع الصوفي المشبع بالرضا والتسليم والمتمثل في انتشار الموالد والاضرحة والتبرك بالاولياء. وفي بعض القرى نجد الكنائس تتخذ ذات الموقع الذي يتخذه المسجد في القرى ذات الاغلبية المسلمة، وان لم يكن هناك تناول سينمائي واضح لوجود الكنيسة في الريف المصري، اذ يغلب على المعالجات السينمائية انها تعتمد على النمط الشائع من التدين الاسلامي البسيط دون الاهتمام بالاقلية المسيحية الموجودة في ذات القرية او اظهار القرى ذات الاغلبية المسيحية. لقد اهتم السينمائيون بابراز البعد الاسطوري والميتافيزيقي الذي لا يخلو التدين القروي من بعض معتقداته الاسطورية مع المبالغة في تاثير الجن والسحر والحسد في حياتهم.
لا تظهر المعالجات السينمائية ادراك السينمائيين للتحول النشط للجماعات الدينية التي اخذت تنتشر ويبرز وجودها في مصر بشكل عام مع تنامي سياسات الانفتاح وكرد فعل احيانا على اتفاقيات السلام الغابنة. ففي اواخر سبعينات القرن العشرين تنامي وجود الجمعيات والجماعات الدينية في مجتمع القرية، فاثرت وغيرت مفاهيما وطقوسا دينية كثيرة طبقا لرؤيتها, كما توارت بعض الطقوس والمظاهر الصوفية.
وفي الوقت الحالي تحتل بعض هذه الجماعات بمنهجها مساحة واسعة في التاثير على الريف المصري, وما صاحب ذلك من انتشار اللحى الطويلة والثياب القصيرة عند الكثير من شباب الريف، وكذلك النقاب للنساء. ولا يظهر السينمائيون رؤية او اشارة لهذا في معالجاتهم الا نادرا، كما يظهر في (الارهابي: نادر جلال؛ 1994).
سابعا: علاقة الرجل بالمراة:
تظهر في رؤية صناع الافلام السينمائية هيمنة الذكور علي الحياة، وتهميش دور المراة باعتبارها مجرد تابع للرجل، بل انها مجرد وعاء لجلب الاطفال، كما ان عددا غير قليل من الافلام التي قدمت الريف المصري سيطر عليها فكرة “تغرير الرجل بالمراة” وتخليه عنه وتحمل المراة وحدها في كثير من الاحيان نتيجة ارتكاب الخطيئة، وغالبا ما يكون مصيرها الموت، وفي احيان قليلة تستطيع المراة الفرار الي عالم المدينة، الا انها تكمل حياتها في عالم الرزيلة عادة.
هذه هي مجمل رؤية السينمائيين لعلاقة الرجل للمراة، وهي لا تخلو من قدر من المبالغة والغبن، وان كانت تقترب كثيرا من الواقع، الا انها اي رؤية السينمائيين تفارق الواقع تماما اذ تهمل ان عماد الحياة في الريف يرتبط بالمراة، فهي التي تكاد تكون مسئولة وحدها عن ادارة هذا العالم، وربما يقتصر دور الرجال في بعض الاسر على مجرد العمل بالحقل وكسب المال ومجالس الرجال فقط، بينما تضطلع المراة بتدبير شئون المنزل الريفي، وجلب المياه النظيفة، ورعاية الصغار، وتدبير شئون الاسرة، ودجن الماشية والطيور، وغيرها من الاعمال التي تكون مكملة لما يقوم بعمله الرجل في الحقل.
ثامنا: علاقة الحكومة بالفلاح:
فيما مضى كان الاقطاعيون يحتكرون غالبية الاراضي الصالحة للزراعة، في الوقت الذي كان يعيش فيه ثلثا سكان الريف المصري بلا اراض، وبلا عمل، وفى مستوى معيشي متدني. اما بعد ثورة يوليو 1952؛ فقد تواصل الاهتمام بقطاع الزراعة وتطويره وتنميته، حيث تم اصدار قانون الاصلاح الزراعي الذي حدد الحد الاقصى للملكية الزراعية، ووزع الفائض على الفلاحين الذين لا يملكون اراض زراعية، كما بين اسس التعويض لمن تم الاستيلاء على بعض اراضيهم الزراعية، وكذلك نظم العلاقة بين المالك والمستاجر، وانشا التعاونيات الزراعية، وحدد حقوق العامل الزراعي.
تضعنا الفقرة السابقة على جل معرفة صناع الافلام السينمائية بعلاقة الفلاح المصري بالحكومة التنفيذية وربما تتسع هذه المعرفة عند قلة منهم كما سنلاحظ من اعمالهم التي تناولت الفلاح المصري في سياقها. غير ان علاقة الفلاح المصري بالحكومة التنفيذية منذ بداية الثمانينيات تصبح غامضة ومنطقة ضبابية عند السواد الاعظم من صناع الافلام السينمائية، فمنذ ان قررت حكومة مصر تحت ضغط من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التوجه صوب اقتصاد السوق الحر، من خلال تبنى ما يسمى ببرامج الاصلاح الاقتصادي والتعديلات الهيكلية، حدث تغير في علاقة الفلاح المصري بالحكومة التنفيذية، هذا التغير في السياسات والتوجهات لا تكاد تلمح اي معرفة او اشارة عند السينمائيين به.
لقد اقتصر دور وزارة الزراعة واستصلاح الاراضي على وضع الخطط، واعداد الدراسات الاقتصادية والسياسات والتشريعات الزراعية، والاسهام في برامج التنمية الريفية الوهمية، وتنفيذ البنية الاساسية الزراعية، ودعم مؤسسات البحث العلمي. فكانت استراتيجية الزراعة المصرية كما اعلنتها الحكومة المصرية خلال تلك الفترة وما بعدها منتصف الثمانينيات ان ادعت انها قامت على اساس تحقيق التنمية الزراعية، عن طريق تحرير القطاع الزراعي من التدخل الحكومي, وذلك في اطار السياسة الاقتصادية العامة للدولة التي تستند على فلسفة التحرير الاقتصادي، واطلاق قوى السوق في شتى جوانب الحياة الاقتصادية. اضف الي ذلك البذور والتقاوي المعدلة وراثيا والمبيدات الحشرية السامة التي يؤكد الكثير من الخبراء الزراعيين انه قد تم جلبها من اسرائيل في اطار سياسات “التطبيع الزراعي” التي اجبر وزير الزراعة السابق (يوسف والي) عليها الوزارة والخبراء والفلاحين.
ان العلاقة بين الفلاح والحكومة يشوبها جو من عدم الثقة من جانب الفلاح الذي يعانى من سياسة غريبة ومريبة وضعتها الحكومة لتسعير المحاصيل الزراعية وتحديد المساحات المزورعة. بينما ينظر السينمائيون الى العلاقة بين الفلاح والحكومة وفقا للنموذج السائد علي علاقة الحكومة بالمواطن العادي في المدينة، ليس ثمة خصوصية في رؤيتهم للعلاقة بين الحكومة والفلاح، وهي علاقة غير متداولة في اغلب اعمالهم خاصة منذ منتصف الثمانينيات حتى الان، بينما كان يشار اليها ويلمح فيما قبل.
اين السينمائيون واعمالهم في السنوات الاخيرة من الخلافات الحادة بين الحكومة والفلاحين حول زراعة الارز، وخاصة وان الحكومة بدات تطارد الفلاحين بالغرامات؟!!
ان علاقة الحكومة بالفلاحين يمكن حصرها في ثلاثة عناوين رئيسية قصيرة؛ هي: “استغلال الفلاح”، “اهمال الفلاح”، “عدم الثقة المتبادل”.

  • الحلول لبقاء الفلاح في قريته
  • صور اعمال الفلاح
  • صور عن الفلاح المصري في الارض
  • صور فلاح بيزرع في الارض
  • وصف يوم الفلاح و الاعمال التي يقوم بها
السابق
لا تعبر الجسر قبل ان تصل اليه
التالي
تاتو ناعم