اريد ان اسال سؤالا بخصوص الجنة: فهل اشكالنا في الجنة سوف تكون بنفس الشكل. فماذا ان كنت اكره شكلي في الحياة، مع العلم اني اقرا ان في الجنة نكون احلى من حور العين ولكن اقرا اننا في الجنة سوف ننقلب الى اهلنا مسرورين، ومع هذا الاهل سوف يكونون بنفس الصورة التي كانوا عليها في الدنيا؟
الاجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه، اما بعد:
فاهل الجنة لا يمكن ان يحرموا مما يشتهون فضلا عما يطلبون، فكل واحد من اهلها ينال فيها ما يتمناه وزيادة، كما قال تعالى: لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد. {ق: 35}
وقال سبحانه: وفيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين وانتم فيها خالدون {الزخرف:71}.
حتى ان من تصيبه النار من عصاة الموحدين ثم يؤذن له بعد ذلك بالخروج منها ودخول الجنة، عندها يقول الله عز وجل له: تمن. فيتمنى حتى اذا انقطعت امنيته، قال الله عز وجل: من كذا وكذا اقبل يذكره ربه حتى اذا انتهت به الاماني قال الله تعالى: لك ذلك ومثله معه. رواه البخاري ومسلم.
وراجعي لتمام الفائدة الفتاوى ذوات الارقام التالية: 137313، 122473، 127571.
وعلى ذلك، فالجدير بالمرء ان يتوجه باهتمامه كله الى تحقيق سبب دخولها، ولا ينشغل بما بعد ذلك، فانه لن يجد فيها اذا دخلها الا ما يسره.
واما بخصوص ما ذكرته السائلة، فليس فيه ما يدل على بقاء اهل الجنة على صورهم التي كانوا عليها في الدنيا دون تغيير وليس المراد بالاهل في قوله تعالى: وينقلب الى اهله مسرورا. {الانشقاق:9}. اهل الدنيا، وانما هم الاهل في الجنة كالحور العين.
قال الطبري في معنى الاية: وينصرف هذا المحاسب حسابا يسيرا الى اهله في الجنة مسرورا، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال اهل التاويل ثم اسند عن قتادة قوله في تفسير الاية الى اهل اعد الله لهم الجنة. انتهى.
ومن اهل العلم من جعل هذه الاية من قبيل الاستعارة التمثيلية.
قال ابن عاشور: هذا التركيب تمثيل لحال المحاسب حسابا يسيرا في المسرة والفوز والنجاة بعد العمل الصالح في الدنيا، بحال المسافر لتجارة حين يرجع الى اهله سالما رابحا، لما في الهيئة المشبه بها من وفرة المسرة بالفوز والربح والسلامة ولقاء الاهل وكلهم في مسرة، فذلك وجه الشبه بين الهيئتين، وهو السرور المالوف للمخاطبين. فالكلام استعارة تمثيلية وليس المراد رجوعه الى منزله في الجنة، لانه لم يكن فيه من قبل حتى يقال لمصيره اليه انقلاب ولانه قد لا يكون له اهل. انتهى.
والمقطوع به ان اهل الجنة يكونون على احسن هيئة، بل ويزداون على مر الايام حسنا وجمالا. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان في الجنة لسوقا ياتونها كل جمعة فتهب ريح الشمال فتحثوا في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسنا وجمالا، فيرجعون الى اهليهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا فيقول لهم اهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا فيقولون وانتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا. رواه مسلم.
ومما يؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: اول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على اثرهم كاشد كوكب اضاءة. رواه البخاري ومسلم.
ولذلك قال ابن القيم في (حادي الارواح): وان سالت عن وجوه اهلها وحسنهم فعلى صورة القمر. اه.
ومما ورد في حسن صور اهل الجنة انهم يكونون على صورة نبي الله يوسف عليه السلام كما في حديث المقدام رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من احد يموت سقطا ولا هرما الا بعث ابن ثلاث وثلاثين سنة، فان كان من اهل الجنة كان على مسحة ادم وصورة يوسف وقلب ايوب.
قال المنذري: رواه البيهقي باسناد حسن. انتهى. وحسنه المناوي والالباني.
ومعلوم ان يوسف عليه السلام قد اعطى شطر الحسن كما في حديث المعراج، وفيه ان النبي صلى الله عليه وسلم لما عرج به الى السماء الثالثة قال: فاذا نا بيوسف صلى الله عليه وسلم واذا هو قد اعطي شطر الحسن. راه احمد ومسلم.
قال ابن حجر: وفي حديث ابي سعيد عند البيهقي، وابي هريرة عند ابن عائذ والطبراني فاذا انا برجل احسن ما خلق الله قد فصل الناس بالحسن كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب. انتهى.
وقد سبق لنا جواب سؤال عن تغير شكل وجوه اهل الجنة، وفي ذلك في الفتوى رقم: 114111، كما سبق لنا ذكر طرف من الادلة على ان الناس يعرفون بعضهم يوم القيامة وذلك في الفتوى رقم: 9853.
والله اعلم.