افضل مواضيع جميلة بالصور

رواية سجينة الغجر

 

 

اها وعلمت ان هذه الليلة الشاعرية يجب ان تستمر حتى اخر فصولها. القت نظرة على العالم في الخارج ثم دخلت واقفلت الباب بهدوء.

استدارت لين لتجد زوجها واقفا يحدق فيها وتملا وجهه علامات الاستغراب والدهشة. وقفت المراة جامدة لا تقوى على الحراك غذ علمت نوايا زوجها. ولكنها لا تابه لانها مصممة على خوض غمار ما تقدمه هذه الليلة”الاستثنائية”. وقفا ينظران الى بعضهما حيث عجز الكلام عن التعبير عما يختلج في النفس ويفيض في القلب.

اخيرا استطاع الرجل ان يطق:

_ يا حلوتي…

مد يده الى زوجته وامارات الفرح تفز من عينيه وتهذب من قساوة ملامحه البدائية ذات الجمال الوحشي النقي.

تجاوبت لين لدعوته بابتسامة رقيقة كفيلة باذابة الصخر واكثر القلوب تحجرا. ومدت يدها بخجل الى يد زوجها.

_ كان بوسعك الهرب بسهولة… ولو فعلت لما تمكنت من العثور عليك ابدا.

قال رادولف ذلك وهو يكاد لا يصدق ان لين اضاعت هذه الفرصة السانحة وفضلت البقاء معه على استعادة الحرية.

تحولت عبارات الدهشة في عينيه الى حنان فائض وملا قلبها شعور واحد: الحب. حب حملها بعيدا عن الهموم الحياتية ، واحاسيس رفعتها من مستوى الى مستوى الشعور.

_ لين… ما سبب الذي يجري بيننا الان؟

واضاف متراجعا:

_ لا اهمية لذلك فيكفينا ان مايجري رائع…

قاطعه رنين الهاتف فوقف مترددا ، ايجيب ام يستجيب لرغبته بالبقاء قرب زوجته؟ كرهت لين صوت الهاتف وتمنت لو يخرس حتى لا يسلبها رادولف. وكم كان سرورها عظيما عندما قرر الغجري يرن والبقاء معها.

_ فليذهب الهاتف الى الجحيم لاني لست مستعدا لتركك الان. تنفست المراة الصعداء وزادها قراره ثقة بنفسها وبمكانتها عنده. هل فهم رادولف انها غارقة في حبه حتى اذنيها؟ هل ادرك ان سلطته عليها لم يعد سببها السطوة بقدر ما صار الحب؟

_ رادولف… اسمك غريب و لكنه يعجبني.

_ اسمي ايرلندي قديم جدا.

_ اليس اسما غجري؟

_ لا.

تررد رادولف قليلا قبل ان يكمل:

_ في الحقيقة هو اسم يطلقه نبلاء ايرلندا على اولادهم.

_ وكيف اتفق ان غجريا حصل على اسم نبيل ايرلندي.

_ لا اعتقد ان في ذلك جريمة.

دفعها الفضول الى مزيد من الاسئلة.

_ وهل هناك الكثير من رجال الغجر يحملون نفس الاسم؟

_ اظن اني الوحيد الذي يحمله.

_ لم تذكر لي شيئا عن والديك يا رادولف.

قال وقد ملا صوته حزن عميق:

_ كلاهما ميتان.

غرقت لين في ذرعيه اكثر.

_ اخبرني عن امك.

شعرت وكانه ارتجف فجاة:

_ ماتت امي وهي تضعني.

_ اه! ان هذا ماسف حقا.

لم ينجح رادولف عندما علق على كلامها في اخفاء الاسى من نبرته

_ ان موتها المبكر لم يشعرني بفراغ لفقدانها ، فلو ماتت وانا فتى يافع مثلا لكنت اصبت بحزن اكبر.

_ انت وحيد في هذه الدنيا اذن.

_ وكيف تخيلت اني وحيد في هذه الدنيا؟

_ الديك اخوة او اخوات؟

لم يجب الغجري على سؤالها مباشرة بل اكتفى بالقول:

_ كنت اعتبر نفسي وحيدا حتى تزوجت منك.

_ انت لم تجب على سؤالي.

_ حسنا يا عزيزتي ، لي اخ واحد.

_ اني احسدك على ذلك. اين يعيش اخوك؟

_ في احد مخيمات الغجر.

_ الا تراه ابدا؟

اجاب رادولف بحدو وكان الموضوع بات مزعجا:

_ لم اره مدة طويلة. كفانا كلاما الان ولنخلد الى النوم.

_ لست بحاجة للنوم الان.

قالت ذلك واكملت بسرعة حتى تمنعه من التعليق:

_ للاسماء القديمة معان فما معنى رادولف؟

_ اخشى الا يعجبك معناه ، فكلمت رادولف تعني الذئب السريع.

لقد كان الغجري بالفعل ذئبا سريعا عندما لحقها على حصانه واختطفها. نظرن لين الى الجرح فرات اثره واضحا على خده فخشيت الا يزول ابدا.

_ اعتقد ان اسمك مخيف قليلا.

_ لا انوي اخافتك الان لاني اريد ان انام.

طبع قبلة ناعمة على جبينها واطفا النور ضاما اياها بين ذراعيه. وماكادت تمر دقيقة حتى خطا في سبات هانىء وعميق.

افاق الزوجان باكرا وجلسا على الشرفة الواسعة يتناولان طعام الفطور. وبعد قليل رن جرس الهاتف. هب رادولف من كرسيه معلقا:

_ لا شك انها المكالمة التي كان يجب ان اجيب عليها بالامس. اكملي فطورك يا عزيزتي فلن اغيب كثيرا.

عاد رادولف بعد قليل متجهم الوجه كان حادثا كبيرا قد وقع فسالته زوجته قلقة:

_ ما الامر؟ هل هناك ما يقلق؟

_ لا ، شيء يا لين.

_ ولكن كيف تتلقى مكالمات ولا احد يعلم بوجودنا هنا؟

_ انت مخطئة في تكهناتك بدليل انني تلقيت مخابرة بالامس.

_ مخابرة من الاشباح على ما اظن! لماذا تحيط نفسك بهذه الهالة من الغموض وبهذا الحجاب من الاسرار؟ اشعر بنفسي ازاء ذلك انسانة غريبة لا زوجة!

لم تلحظ المراة ان عيني زوجها الغضبتين تدلان على عدم رغبته في الكلام وعلى مزاجه المعكر ، بل دفعها قلقها عليه الى المزيد من الالحاح فقال الغجري بحدة:

_ الن تكفي عن طرح الاسئلة السخيفة؟

بدات الافكار السوداء تلعب في راسها من جديد. ايكون سبب تكتمه الشديد حيال اتصالاته نشاطات غير مشروعة يقوم بها؟ وقد تكون هذه النشاطات مصدر المال الوفير الذي يملكه والذي يخوله القيام برحلات طويلة والانفاق على ثيابه الغالية. كما هناك الحصان الاصيل الذي امتطاه في الغابة ، ووجوده في هذه الدار الفخمة… امن المعقول ان يكون المنزل ملكا له وهو مجرد غجري! اسئلة لا تعرف لها جوابا واحدا…

كانت غارقة في افكارها فانتشلها صوت زوجها:

_ انا مضطر للخروج يا لين. اتعدينني بان لا ترحلي؟

ضربت لين الارض بقدمها وقالت باصرار:

_ سارافقك!

رات الرفض القاطع في عينيه. ثم هدات بعد ان خطرت لها من جديد فكرة الفرار. وبرغم بزوغ فجر الحب في قلبها ، فهي امراة تنتمي غلى محيط اجتماعي مختلف تماما عن هذه البيئة الغجرية. ويجعلها تندمج في حياتها رادولف وقومه ، وجذوته لا بد ستخبو مع الوقت ومع اصطدامها بمرارة الواقع الذي تعيشه.

احتاجت لين الى شجاعة فائقة لحبس دموعها. ولكن شجاعتها انهارت فجاة عندما اعاد عليها زوجها السؤال نفسه.

_ اتعدينني بانك لن ترحلي؟

امام ترددها لم يجد الغجري حلا سوى حبسها في غرفة النوم. وفي الوقت الذي سمعت فيه لين صوت المفتاح يدور في القفل نظرت صوب النافذة. غلطة جديدة ارتكبها رادولف بسبب انشغاله وقلقه الشديدين. ما عليها الان سوى انتظار رحيله لتخرج بكل سهولة من النافذة ، فالبيت من طابق واحد لا خطر من التسلل عبرها. لكن لين لم تترو وتنتظر ذهاب زوجها فسرعان ما ارتدت معطفها ارتدت معطفها واخذت حقيبة يدها ثم فتحت النافذة واصبحت في الخارج.

كانت اشعة الشمس ساطعة والبحر ساكنا والطبيعة هادئة. ولم تستطيع لين محو ذكر التفاصيل الحلوة التي تسربت في الليل الفائت لتضيء ظلام حياتها. عاد كل شيء الان الى سابق عهده. وهاهي الان تنفذ عملية الفرار التي غابت عن فكرها في ساعات السعادة الماضية.

اه لو كان رادولف رجلا عاديا كغيره من الرجال! رجل يشغل وظيفة محترمة ويهتم بتامين الرعاية والحنان لزوجته واولاده…

انهارت الدموع من عينيها وكادت انفعالاتها تقودها الى العدول عن الهرب والمغامرة في البقاء زوجة لهذا الغجري الذي احبته. لكن الغلبة كانت في النهاية للعقل والمنطق. فتابعت المراة طريقها بين شجيرات الحديقة لتجد منفذا يقودها الى الطريق العام. وبينما هي تختبى بين الشجيرات سمعت رنين الهاتف في المنزل ووقع قدمي رادولف يهرع للاجابة. عندها دفعها حدسها في العودة الى المنزل فجلست القرفصاء تحت نافذة غرفة الجلوس منصته الى الحديث.

_ …احسنت يا اولاف اقلت انه ات الى هنا؟ اخيرا ساتمكن من…

لم تستطع لين فهم بقيت الجملة بل سمعت:

_ كنت يائسا يا صديقي ومتاكدا من ان الامر سينتهي به في السجن. لو استطيع التحدث واقناعه…

وضاعت الكلمات من جديد فجنت لين من الغضب. كادت تتوصل الى معرفة الحقيقة لولا حظها السيء. وفجاة سمعت صوت زوجها يقول لاولاف:

_ اذن لاحجة الى تحركي الان. لقد اتصل بي راوول منذ بضع دقائق وابلغني ان بوريل كان في مخيم روجنتري في السهل المجاور. فقررت الذهاب لملاقاته هناك. اما الان وقد اكدت لي انه ات الى هنا سانتظره وافاجئه.

توقف رادولف مفسحا المجال لصديقه بالكلام. وتمنت لين لو تسمع ما يقله الغجري الكهل لزوجها الذي عاد الى الكلام بصوت منخفض فلم تتمكن المراة الا سماع بعض الجمل غير المترابطة.

_ ارجوك الا يعلم بوجودي هنا… جاء مرة مع فتاته… صحيح والا لما عرفت… لا اعرف كيف ارد لك الجميل يا اولاف.

تساءلت لين عن معنى هذا الكلام وهي تنتظر زوجها ليعاود الحديث. لكنها تاكدت من امر واحد وهوانها ستبقى حتى ياتي الدعو بوريل علها تشبع فضولها ويصدق الحدث الذي انباها بان مصيرها ومستقبلها يتعلق بقدوم هذا الرجا.

_ …كان علي الاخذ بنصائحك يا اولاف والكف عن مطاردته ، خصوصا بعد ان اصبحت مثقلا بالمسؤوليات.

خفق قلب لين بشدة اذ فهمت انه يعنيها بالكلام على” المسؤوليات”

_ ولكنك تعلم يا اولاف اني لا اقبل بالهزيمة. وانا متفائل باني اذا تمكنت من لقاء بوريل والتحدث اليه فساسوي كل هذه الامور معه.

اقفل الغجري الخط بعد قليل فقررت لين العودة الى غرفتها قبل ان يكتشف زوجها غيابها. ولكن الحظ ابى الا ان يوقعها في مشكلة جديدة. فما كادت تخطو حتى تعثرت بغصن شجيرة وهوت بقوة فارتطم راسها بالارض وصاحت من الالم. لم تمر ثاني من سقوطها حتى

  • رواية سجينة الغجر
  • رواية سجينة ظلامه
السابق
مااهو عدد درجات الجنة
التالي
صور نزول الدورة