الفصل الاول
مرارة واقع .. وشقاء ايام عصيبة
صباح جديد .. وشقاء يوم وليد بدا من بداية ساعاته الاولى . هكذا هي الحياة شقاء ..
اليوم تحديدا ترغب في البكاء اكثر من اي وقت مضى ..
الطريق طويل .. واسبوع مضى قصير جدا امام ماستعانيه في ا لايام القادمه ..
في الجيمس والنوم يغلبها والعباية مضايقتها والدنيا عليها زحمة ..
تتخيل نفسها في سريرها ونايمه بكل راحه وهدوء بدون همسات اميرة اللي تدعي وتسب في عمتها ام زوجها ..
وبدون تربيت فاطمة مدرسة الدين لها وتلقينها محاضرة طويلة عريضة عن الصبر والتحمل ومحاولتها ارضاء زوجها وامه ..
وبدون لااله الا الله بصوت عالي تفزع الميت …
لدرجة انها تحسب نفسها بيصير عليهم حادث والعم سعد يتشهد ..
حاولت شادن تمد رجولها اللي تحسها انشلت من كثر ماهي مثنيتها بالسيارة وماقدرت تمدها من المقعد اللي قدام مسبب لها زحمة ومضيق عليها المكان .
التفتت على سارة وهي شبه ميته .. وابتسمت .
هذي سارة صديقة عمرها من يوم عرفتها وهي نوامه ومحد يقدر يصحيها بسهولة ..
امها تقول نومها موت ..
واذا سالت عنها وهي نايمه تقول سارة ميته .
اكلوا مطب قوي وتجاوزه العم سعد بقدرة قادر وكل مدرسة صاحت ..
الا فاطمة تتشهد وتسبح وتهلل ..
امانادية المعروفة بخوفها المبالغ واللي محد يتحمله من البنات قعدت تصيح وكان الموت قاب قوسين او ادنى منها ..
كعادتها عند اي مطب ولا جمل او ناقه يقابلهم بالطريق .
: يارب متى تتوب علينا من هالعنا ..؟
قالته نورة الحامل بالشهر السابع وهي فعلا متازمه من المشوار الطويل لقرية السبيل واللي تبعد عن جدة حوالي 300 كيلو .
رفعت سارة طرحتها عن وجهها قالت : وين يتوب علينا ونادية معانا وصوتها يشرد حتى الغنم اللي حوالينا ..
كتمت شادن ضحكتها حتى ماتحرج نادية .. ودقتها بكتفها يعني اسكتي ..
وابتسمت نورة اللي تحس بالمعاناة من صوت نادية وصراخها والملل من كثرة شكاويها وخوفها ..
قالت نادية بسخرية ممزوجة بخوف وترقب : ماعليه ماعليه ، انتي بس نامي وكبري قلبك وانسي انا بطريق طويل ومجهول وارواحنا نشيلها على كفوفنا ..
زفرت سارة باهه ممزوجة بملل من كثر ماتعيد وتزيد نادية بهالكلام : اوووه ، ياقلبي حتى انتي نامي وقوي قلبك ، واذا صار لك شي فهو مقدر ومكتوب ..
ردت ناديه باعتراض : اش حستفيد اذا نمت وانقلبت سيارتنا ولا صدمنا جمل ولا سيارة مقابلتنا بالطريق الضيق هذا ..؟
سارة وهي تلف براسها على الجهه الثانية في محاولة منها انها تعدله استعداد لنومه جديده : تستفيدين انك اذا جوك الملايكة يحاسبونك تردين بتركيز وانتي مرتاحه وشبعانة نوم مو تعبانه وتخربطين وتنسين اللي سويتيه بدنياك ..
شهقت فاطمة قالت : استغفر الله العظيم ، اللهم لاتؤاخذنا بما يقول السفهاء منا ، سارة اش هذا الكلام ؟ لاتنسين ان الانسان مايتكلم الا بعمله وقلبه .. والا يمدي كل كافر جاوب على كيفه عشان يدخل الجنه ..
ردت سارة وهي تعدل غطاها وتسند راسها على كتف شادن : الحين انا السفهاء الله يسامحك ،
: مااقصد ياسارة بس نخاف ربي يسخط علينا بسبب كلمتك ..
: ادري يافاطمه بس كيف اسكت هالخبله اللي وراك ..
تكلمت اميرة : بنات استهدوا بالله مو معقوله ياسارة كل ماشفتي نادية خايفه فتحتي سالفه طويلة عريضة ..
التفتت على ناديه قالت : بعدين انتي ياناديه الله يهديك وسعي صدرك وبالك وفوضي امرك لله ، وترى اللي ربي مقدره لك راح يصيبك لو كنتي بحضن امك ..
سكتت ناديه اسفه لحالها وحالتها .. وبقلبها ” مو بيدي ياناس .. عمري ماتصنعت الخوف ولا تدلعت .. حكايات المدرسات اللي ضاعت ارواحهن على الطرق البعيده ماتفارقني ثانية وحده والموت بالنسبة لي رعب ”
امتلا الجو روحانية وهدوء وسكينه بفعل تسبيحات فاطمة وتهليلها واستغفارها واللي اقتدى فيها الكل ونهجوا نهجها بهاللحظات ..!
اربع ساعات طويلة ومملة وتعيسة مضت عليهم في السيارة الواسعه لمن شافها من برا .. والضيقه والملل والتعب وقلة النوم على اللي راكبات فيها ويدورن الوسع والراحه ..
اخيرا وصلوا ..
المهم انهم وصلوا بالسلامه ..
السلامه في حال مثل هذا هي المرجوة والمطلوبة وغيرها كل شي يهون ..
نزلوا من السيارة وكل وحده معاها شنطتها واكياس فيها اغراضهم تخص الشرح من وسائل تعليميه وكتب وادوات وماالى ذلك .. وحافظات اكل عشان الفطور ووجبات سريعه للغدا اللي مايلحقون عليه في بيوتهم الا من بعد الساعه 6 المغرب او 7 .
: هاتي هاتي عنك يانورة ..
قالته شادن وهي تمد يدها لاغراض نورة
ردت نورة وهي تنتظر المساعده وبدون تردد سلمتها الاغراض وقالت من قلب : الله يجزاك خير ..
اخذت شادن نص اغراض نورة اللي يادوب تشيل عمرها والنص الباقي شالته سارة بحكم انهم اخف مدرستين معاهم ،، بنات ماتزوجوا وشباب وصغار بالسن والاهم همومهن اقل من هموم المتزوجات …
في مكان ثاني .. !!
كله هموم وماسي..
الامل مثل الطيف اللي يلوح من بعيد بعضهم يقدر يمسكه ويناله ويظفر فيه ويصير من اسعد الناس ..
وبعضهم يعتبره سراب يشوفه من بعيد وهو عارف انه مايقدر يوصله ويعيش وروحه على كفه ، مهموم .. وشبح الموت اقرب له من طيف الامل ..
واقفه قدام غرفة الانعاش وهي تتضرع لله وتبتهل وتدعي يارب عافها ..
( يارب اشفها انت الشافي لاشفاء الا شفاءك .. شفاء لايغادره سقما )
يارب طفلتي بريئة وماتقدر على التحمل اكثر من كذا يارب الطف بها انت اللطيف الخبير .
طلع الدكتور من الغرفة وهو يشوفها مو معاه … !
تمشي رايحه جايه قدام الباب ،
تنتظره وتتمتم بكلام قدر يعرف انها تدعي لبنتها وتكلم ربها وحس ان قلبه عوره عليها ..
وش يقول لها ..؟
وشلون يبث لها الخبر ..؟
كانه اول مرة تواجهه صعوبه بهالشكل رغم انه اعتاد على مواجهة الصعاب وخاصة لمن ينقل خبر وفاة المريض لاهله ..!!
تنحنح عندها عشان تحس فيه . فزت بمكانها وبسرعه توجهت له .
: ها يادكتور طمني على بنتي . !!
تردد الدكتور ورد بارتباك : اااا ممممم ..
نزلت نظارته من فوق عيونه وقعد يمسحها بمنديل ويدعكها بقوووة ..
طالع فيها وقرر انه يقول وعلى الله .. : يا اختي ام ندى انتي تعرفين حالة بنتك من اول ماجبتيها مو مرتاحة بحياتها وووو .. بلع ريقه الطبيب السعودي اللي حس ان الحرمة اللي قدامه في مقام امه وحب يمهد لها الصدمه اللي راح يقولها والقنبله اللي راح يفجرها .. كمل بحنان فاض عليها ووصلها وعرفت مغزاه .. تعرفين ياخاله الطفلة ندى تعذبت كثير ولو عاشت اكثر ووضعها هذا حالتها بتسوء وبتتعب اكثر وهي طفله ماتتحمل
قاطعته ودموعها مغرقة غطاها اللي مو مبين شي من وجهها : ماتت ..؟
نزل راسه بالارض قال : الطيحه قوية وراسها تاثر ماقدرنا نسيطر على النزيف الداخلي .. انتي انسانه مؤمنه ياخاله وان شاء الله ربي يبارك لك في اخوانها .
: اخوانها …؟
وانهارت تبكي وراحت وخلته اسف لحالها ومحتار منها ومن اخر كلمة اطلقتها …
ركبت مع اول ليموزين قابلتها عند بوابة المستشفى وتوجهت لبيتها اللي اجتمعت فيه جنتها بانتماء نايف وشادن له مع نارها وجحيمها اللي هي وجود صالح الزوج الثاني سبب شقاها وشقى عيالها ..
قبل اذان المغرب بحوالي نص ساعه
دخلت البيت راجعة من المدرسة ..
زفرت باهه من عمق تعبها … وعيونها تبحث عن امها اللي تنوح داخل غرفتها ..
: يمه ..! ندى .. ! يمه وينكم ..؟
طلعت امها من غرفتها وهي تشهق ووجهها متورم ويدل على انها ماتبكي من فعايل زوجها اللي شادن اعتادتها ..
هالدموع غير ..
وهالحزن غير ..
ماقد شافته بوجه امها الا لمن توفى ابوها ..!
حطت يدها على قلبها وهي تشعر ان نبضه توقف ..
وتحس برعشة في اطرافها وهي تنتظر الكارثه ..
بكت امها وحاولت تتكلم بس الحزن الجمها والقهر اخرسها
قالت شادن بخوف : يمه لايكون نايف ….
قاطعتها الام الثكلى والمكلومة وهي تهز راسها وتمسح خشمها بمنديل قالت بصوت مبحوح : ندى …
شهقت شادن وتهاوت على الارض من هول الخبر ..
رجولها ماعادت تقدر على الوقفه .
الصدمه والمرار والفقد والوجع ..
نزلت دموعها على خدها ..
على الرغم ان موت ندى ممكن يكون احسن لها واحسن لاهلها الا انها اعتادت عليها وعلى براءتها ووجودها في البيت واهتمامها فيها ..
ندى البراءة والضعف والطفله اللي بدون هموم وماسي وماتعرف من الدنيا غير شادن الحنونة وماما الحبيبة .. ونايف الاخ العطوف .. وتعرف صالح الاب الشرير واللي صورته ترتبط في ذهنها فورا بالخوف والبكا ..
: يمه اش صار لها مو تاركتها طيبه وتضحك ومافيها الا العافيه قبل ماامشي للمدرسة ..؟
اخذت امها منديل ثاني من العلبة اللي على الطاولة وجلست تمسح عيونها وخشمها وكان شادن شالت بعض حزنها وبكاها وخففت شي من اللي بقلبها ..
قالت بصوت مبحوح : ابوها اليوم دخل علينا مو في عقله واخذ مني الخمسمية ريال اللي تركتيها عندي غصبا عني .. وهو خارج شاف ندى تبكي خايفه من صوته .. بكت وزاد نحيبها وكملت بحزن بالغ .. دفها ياشادن لمن شافها خايفه منه … طاحت على راسها ودخلت في غيبوبة وماطولت ..!
صرخت شادن وبكت اكثر قالت ودموعها ماخذه مجراها على وجهها : يعني ذبح بنته ..
ذبح بنتك انتي يايمه ..!! ذبح اختي انا .. !!
تكفين يمه لاتسكتين ..
حاولت ام نايف تهدي نفسها وتوضح الصورة المؤلمة لبنتها الثايرة بلحظات حزن وقهر قالت وهي تشهق وتحاول تتماسك : كلمت خالك ابغاه يروح يدفنها ويروح معاي للشرطه
بس حلف ان تكلمت ولا جبت سيرة صالح ليسوي اللي مانرضاه ..
: حسبي الله ونعم الوكيل .. اش تتوقعين منه يايمه .. هذا صالح ماسكه مع رقبته ولو ضريناه راح يضره ويطالبه بفلوسه واخوك عاد يبيع ولده ولايفرط بريال حسبي الله ونعم الوكيل …
اااه بس ياويلي عليك يانايف ..
وينك عنا يانايف تركتنا ولا ندري عنك ..!
كملت مناحتها مع امها .. وكل وحده تحاول تشيل الهم لوحدها وتستفرد بالحزن عن الثانية ..
بس وشلون والمصيبة وحده والهم واحد والخوف مشتركات فيه مع الاسى والحزن ..
خسارة اذا البنت فقدت عزها وسندها ..
خسارة اذا راح الاب وخطفه الموت بعز شبابه وعز حاجتها له ..
وخسارة اذا راح الاخ السند اللي تحتاجه في ظل وجود صالح السكير وماتدري وين اراضيه بعد ليلة ماتنساها طول عمرها قضاها نايف بمضاربه مع صالح .. نتجت عنها كسر ضلعين لصالح وشرخ بجبينه اضطر انه يعمل لها ثلاث غرز بالمستشفى ..
ومن بعدها اختفى نايف لاحس ولا خبر ولا احد يدري هو حي ولا ميت .. وعلمه عند العليم الخبير ..
ومابقى غير صالح السكير العربيد واللي مايعرف من الايمان غير اسمه .. والخوف من ربي مايعرف له طريق او وجهه ..
- روايه عماد