افضل مواضيع جميلة بالصور

هل يجوز البيع لمتعاطي الربا

تقديم:
الاسلام دين العمل والكد، وبقدر ما يعمل المسلم ياخذ، وبقدر ما يغرس يحظى بالثمار، اما التبطل والقعود عن الكسب المشروع اتكالا على مجهود الغير، او اعتدادا بغنيمة باردة تصل اليه دون عناء وبذل جهد فليس ذلك من دين الاسلام، بل هو مناقض لما جاء به الاسلام وحض عليه ورغب فيه، الا ترى كيف توحي الاية الكريمة التالية وامثالها بمزاولة العمل بعد اداء فريضة الله ابتغاء رزق الله ودفعا للتبطل؛ يقول الله – سبحانه -: {يا ايها الذين امنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون * فاذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}؛ [الجمعة: 9،10]. فالامر بالانتشار في الارض قرنه – سبحانه – بالفريضة التي هي عماد الدين، وفتح الانظار للاتجاه اليه والاخذ به كمقوم للحياة ترتركز عليه، وجاء في الحديث: ((ما اكل احد طعاما قط خيرا له من ان ياكل من عمل يده، وان نبي الله داود كان ياكل من عمل يده)) [1]، وفي حديث اخر يقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لفقير جاء يطلب مددا من المال: ((لان يحتزم احدكم حزمة من حطب، فيحملها على ظهره، فيبيعها خير له من ان يسال رجلا يعطيه او يمنعه)) [2].
هذه مقدمة وضعناها بين يدي بحث اليوم؛ لنركز في الاذهان ان الربا تبطل، وقعود عن الكسب المشروع، واسمتراء لحياة رتيبة لا نصب فيها ولا كد ولا عناء او جهد، بل يعيش صاحبها على حساب الاخرين، ياكل كسبهم، ويمتص نشاطهم، ويجعلهم كالاجراء يعملون له، وليتهم ياخذون اجرا على عملهم، وانما ياكلون من فتات المائدة لو فضل من المائدة فتات، وسوف نسير – ان شاء الله – في كتابة هذا البحث على المخطط الذي رسمناه له على ضوء الكتاب والسنة، فنبدا اولا بتعريف الربا لغة وشرعا (2) الربا في اي الكتاب العزيز (3) الربا في السنة (4) حكم الربا في الاسلام، ويشتمل هذا المبحث على :-
ا- مضار الربا.
ب- تحريم الربا.
ج- انواع الربا وحكم كل نوع.
د- وسائل القضاء على الربا، وبتفرع عنه ما ياتي:
1- القرض الحسن.
2- الحض على التعاون لصالح الفرد والمجتمع، وهذا التعاون يترجم عنه؛ التعاون الصناعي، والتعاون الزراعي، والتعاون الاجتماعي.
3- خطر الربا الاستهلاكي والانتاجي.
4- خاتمة.
تعريف الربا لغة وشرعا:
اما التعريف اللغوي فهو: الزيادة على الشيء، ومنه: اربى فلان على فلان اذا زاد عليه، وربا الشيء اذا زاد على ما كان عليه فعظم، فهو يربو ربوا.
وانما قيل للرابية رابية لزيادتها في العظم والاشراف على ما استوى من الارض مما حولها، من قولهم: ربا يربو، ومن ذلك قيل: فلان في رباوة قومه. يراد انه في رفعة وشرف منهم، فاصل الربا الاناقة والزيادة، ثم يقال: اربى فلان؛ اي: اناف ماله حين صيره زائدا.
وانما قيل للمربي مرب؛ لتضعيفه المال الذي كان له على غريمه حالا، او لزيادته عليه السبب الاجل الذي يؤخره اليه، فيزيده الى اجله الذي كان له قبل حل دينه عليه؛ ولذلك قال – تعالى -: {يا ايها الذين امنوا لا تاكلوا الربا اضعافا مضاعفة}؛ [ال عمران: 130].
واما تعريف الربا في الشرع: فيقع على معان لم يكن الاسم موضوعا لها في اللغة، ويدل عليه ان النبي – صلى الله عليه وسلم – سمى النسا ربا في حديث اسامة بن زيد، فقال: ((انما الربا في النسيئة))[3]، وقال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ان اية الربا من اخر ما نزل من القران، وان النبي – صلى الله عليه وسلم – قبض قبل ان يبينه لنا، فدعوا الربا والريبة.
فثبت بذلك ان الربا قد صار اسما شرعيا، لانه لو كان باقيا على حكمه في اصل اللغة لما خفي على عمر؛ لانه كان عالما باسماء اللغة؛ ولانه من اهلها، ويدل عليه ان العرب لم تكن تعرف بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة نسا ربا، وهو ربا في الشرع، واذا كان ذلك على ما وصفنا صار بمنزلة سائر الاسماء المجملة المفتقرة الى البيان: وهي الاسماء المنقولة من اللغة الى الشرع لمعان لم يكن الاسلام موضوعا لها في اللغة نحو: الصلاة، والصوم، والزكاة، فهو مفتقر الى البيان، ولا يصح الاستدلال بعمومه في تحريم شيء من العقود الا فيما قامت دلالته انه مسمى في الشرع بذلك[4].
مبحث الربا في الكتاب العزيز:
ننتقل بعد هذا البسط في مدلول الربا لغة وشرعا الى ايراد الايات القرانية التي جاء فيها ذكر الربا موضحا؛ قال – تعالى -: {الذين ياكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بانهم قالوا انما البيع مثل الربا واحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وامره الى الله ومن عاد فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون * يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار اثيم * ان الذين امنوا وعملوا الصالحات واقاموا الصلاة واتوا الزكاة لهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون * يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين * فان لم تفعلوا فاذنوا بحرب من الله ورسوله وان تبتم فلكم رءوس اموالكم لا تظلمون ولا تظلمون * وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة وان تصدقوا خير لكم ان كنتم تعلمون * واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون}؛ [البقرة: 275 – 281].
تفسير الايات:
يقول الحافظ ابن كثير – يرحمه الله -: “لما ذكر – تعالى – الابرار المؤدين للنفقات المخرجين للزكوات المتفضلين بالبر والصدقات لذوي الحاجات والقرابات في جميع الاحوال والاوقات – شرع في ذكر اكلة الربا واموال الناس بالباطل وانواع الشبهات، فاخبر عنهم يوم خروجهم من قبورهم وقيامهم منها الى بعثهم ونشورهم، فقال: {الذين ياكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}؛ اي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة الا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له، وذلك انه يقوم قياما منكرا، وقال ابن عباس – رضي الله عنه -: “اكل الربا يبعث يوم القيامة مجنونا يخنق”؛ رواه ابن ابي حاتم، ونقل – اي ابن كثير – عن بعض مفسري السلف نحو هذا المعنى، ثم استمر – يرحمه الله – في نقل الروايات عن مفسري السلف في ان قيامهم على الوضع المذكور يكون يوم القيامة ونقل عن ابن جرير بالسند الى ابن عباس – – رضي الله عنه -ما – قال: “يقال يوم القيامة لاكل الربا: خذ سلاحك للحرب، وقرا: {الذين ياكلون الربا}؛ الاية. وذلك حين يقوم من قبره”[5]، وجاء في “فتح القدير” عند تفسير هذه الاية: “وليس المراد بقوله هنا {الذين ياكلون الربا} اختصاص هذا الوعيد بمن ياكله، بل هو عام لكل من يعامل بالربا؛ فياخذه ويعطيه، وانما خص الاكل لزيادة التشنيع على فاعله، ولكونه هو الغرض الاهم؛ فان اخذ الربا انما اخذه للاكل، وقوله: {لا يقومون}؛ اي: يوم القيامة، كما يدل عليه قراءة ابن مسعود: “لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشطان من المس يوم القيامة”؛ وبهذا فسره جمهور المفسرين، قالوا: انه يبعث كالمجنون عقوبة له وتمقيتا عند اهل المحشر. وقيل: المراد تشبيه من يحرص في تجارته فيجمع ماله من الربا بقيام المجنون؛ لان الحرص، والطمع، والرغبة في الجمع قد استفزته، حتى صار شبيها في حركته بالمجنون، كما يقال لمن يسرع في مشيه ويضطرب في حركاته: انه قد جن؛ ومنه قول الاعشى:
وتصبح من غب السرى وكانها        الم بها  من  طائف  الجن  اولق
فجعلها – اي ناقته – بسرعة مشيها ونشاطها كالمجنون. قوله: {الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}؛ اي: الا قياما كقيام الذي يتخبطه؛ والخبط: الضرب بغير استواء كخبط العشواء، وهو المصروع، والمس: الجنون، والامس: المجنون، وكذلك الاولق، وهو متعلق بقوله: {يقومون}؛ اي: لا يقومون من المس الذي بهم {الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان} او متعلق ب{يقوم}؛ وفي الاية دليل على فساد قول من قال: ان الصرع لا يكون من جهة الجن، وزعم انه من فعل الطبائع، وقال: ان الاية خارجة على ما كانت العرب تزعمه من ان الشيطان يصرع الانسان، وليس بصحيح، وان الشيطان لا يسلك في الانسان، ولا يكون منه مس، وقد استعاذ النبي – صلى الله عليه وسلم – من ان يتخبطه الشيطان.
كما اخرجه النسائي وغيره، قوله: {ذلك} اشارة الى ما ذكر من حالهم وعقوبتهم بسبب قولهم: {انما البيع مثل الربا}؛ اي: انهم جعلوا البيع والربا شيئا واحدا، وانما شبهوا البيع بالربا مبالغة بجعلهم الربا اصلا والبيع فرعا، اي: انما البيع بلا زيادة عند حلول الاجل كالبيع بزيادة عند حلوله؛ فان العرب كانت لا تعرف ربا الا ذلك، فرد الله – سبحانه – عليهم بقوله: {واحل الله البيع وحرم الربا}؛ اي: ان الله احل البيع وحرم نوعا من انواعه وهو البيع المشتمل على الربا، والبيع: مصدر باع يبيع، اي: دفع عوضا واخذ معوضا، والجملة بيانية لا محل لها من الاعراب.
 قوله: {فمن جاءه موعظة من ربه}؛ اي: من بلغته موعظة من الله من المواعظ التي تشتمل عليها الاوامر والنواهي؛ ومنها ما وقع هنا من النهي عن الربا {فانتهى}؛ اي: فامتثل النهي الذي جاءه، وانزجر عن المنهي عنه، وهو معطوف – اي: قوله: {فانتهى} – على قوله {جاءه}.
وقوله: {من ربه}، متعلق بقوله: {جاءه} او بمحذوف وقع صفة لموعظة اي كائنة {من ربه فله ما سلف}؛ اي: ما تقدم منه من الربا لا يؤاخذ به؛ لانه فعله قبل ان يبلغه تحريم الربا، او قبل ان تنزل اية تحريم الربا.
وقوله {فامره الى الله}؛ قيل: الضمير عائد الى الربا؛ اي: وامر الربا الى الله في تحريمه على عباده، واستمرار ذلك التحريم. وقيل: الضمير يرجع الى المرابي؛ اي: امر من عامل بالربا الى الله في تثبيته على الانتهاء او الرجوع الى المعصية، {ومن عاد} الى اكل الربا، والمعاملة به {فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون}، والاشارة الى {من عاد}، وجمع {اصحاب} باعتبار معنى {من}. وقيل: ان معنى {من عاد} هو ان يعود الى القول ب: {انما البيع مثل الربا}، وانه يكفر بذلك فيستحق الخلود، وعلى التقدير الاول يكون الخلود مستعارا على معنى المبالغة، كما تقول العرب: ملك خالد – اي طويل البقاء – والمصير الى هذا التاويل واجب للاحاديث المتواترة القاضية بخروج الموحدين من النار.
قوله: {يمحق الله الربا}؛ اي: يذهب بركته في الدنيا وان كان كثيرا فلا يبقى بيد صاحبه. وقيل يمحق بركته في الاخرة.
قوله – تعالى -: {يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين}؛ قوله: {اتقوا الله}؛ اي: قوا انفسكم من عقابه، واتركوا البقايا التي بقيت لكم من الربا، وظاهره انه ابطل من الربا ما لم يكن مقبوضا.
قوله – تعالى -: {ان كنتم مؤمنين}؛ قيل: هو شرط مجازي على جهة المبالغة. وقيل: ان {ان} في هذه الاية بمعنى (اذ)، قال ابن عطية: وهو مردود لا يعرف في اللغة، والظاهر ان المعنى: ان كنتم مؤمنين على الحقيقة؛ فان ذلك يستلزم امتثال اوامر الله ونواهيه،
قوله: {فان لم تفعلوا}؛ يعني: ما امرتم به من الاتقاء، وترك ما بقي من الربا {فاذنوا بحرب من الله ورسوله}؛ اي: فاعلموا بها، من اذن بالشيء اذا علم به. وقيل: هو من الاذن بالشيء: وهو الاستماع؛ لانه من طرق العلم، وقرا ابو بكر عن عاصم، وحمزة: {فاذنوا} على معنى: فاعلموا غيركم انكم على حربهم، وقد دلت هذه الاية على ان اكل الربا والعمل به من الكبائر، ولا خلاف في ذلك، وتنكير الحرب للتعظيم، وزادها تعظيما نسبتها الى اسم الله الاعظم والى رسوله الذي هو اشرف خليقته.
قوله: {فان تبتم}؛ اي: من الربا {فلكم رؤوس اموالكم} تاخذونها {لا تظلمون} غرماءكم باخذ الزيادة {ولا تظلمون} انتم من قبلهم بالمطل والنقص، والجملة حالية او استئنافية، وفي هذا دليل على ان اموالهم مع عدم التوبة حلال لمن اخذها من الائمة ونحوهم ممن ينوب عنهم.
قوله: {وان كان ذو عسرة} لما حكم – سبحانه – لاهل الربا برؤوس اموالهم عند الواجدين للمال حكم في ذوي العسرة بالنظرة الى يسار. والعسرة: ضيق الحال من جهة عدم المال، ومنه جيش العسرة. والنظرة: التاخير. والميسرة: مصدر بمعنى اليسر. وارتفع {ذو} بكان التامة، بمعنى وجد، واستمر في شرحه لرفع {ذو} ثم اورد رواية للمعتمر عن حجاج الوراق قال في مصحف عثمان {ان كان ذا عسرة}.
قال النحاس، ومكي، والنقاش: وعلى هذا يختص لفظ الاية باهل الربا، وعلى من قرا {ذو} فهي عامة في جميع من عليه دين، واليه ذهب الجمهور.
قوله {وان تصدقوا} بحذف احدى التائين، وقرئ بتشديد الصاد؛ اي: وان تصدقوا على معسر غرمائكم بالابراء خير لكم، وفيه الترغيب لهم بان يتصدقوا برؤوس اموالهم على من اعسر، وجعل ذلك خيرا من انظاره. قاله السدي.
ونقل ابن جرير الطبري في “تفسيره”: ان المراد التصدق برؤوس اموالكم على الغني والفقير منهم، قال: “واولى التاويلين بالصواب تاويل من قال: معناه: وان تصدقوا على المعسر برؤوس اموالكم خير لكم؛ لانه يلي ذكر حكمه في المعنيين، والحاقه بالذي يليه احب الى من الحاقه بالذي بعد منه”[6].
قوله: {ان كنتم تعلمون} جوابه محذوف؛ اي: ان كنتم تعلمون انه خير لكم عملتم به. قوله: {واتقوا يوما} هو يوم القيامة، وتنكيره للتهويل، وهو منصوب على انه مفعول به لا ظرف.
قوله: {ترجعون فيه الى الله} وصف له، وذهب قوم الى ان هذا اليوم المذكور هو يوم الموت. وذهب الجمهور الى انه يوم القيامة، كما تقدم. قوله: {الى الله} وفيه مضاف محذوف تقديره: الى حكم الله {ثم توفى كل نفس} من النفوس المكلفة {ما كسبت}؛ اي: جزاء ما عملت من خير او شر، وجملة {وهم لا يظلمون} حالية، وجمع الضمير لانه انسب بحال الجزاء، كما ان الافراد انسب بحال الكسب.
 وهذه الاية فيها الموعظة الحسنة لجميع الناس؛ وقد اخرج ابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم عن السدي في قوله: {يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا}؛ قال: “نزلت في العباس بن عبدالمطلب، ورجل من بني المغيرة، كانا شريكين في الجاهلة يسلفان الربا الى ناس من ثقيف، فجاء الاسلام ولهما اموال عظيمة في الربا. فانزل الله هذه الاية”، واخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: “كانت ثقيف قد صالحت النبي – صلى الله عليه وسلم – على ان ما لهم من ربا على الناس، وما كان للناس عليهم من ربا فهو موضوع، فلما كان الفتح استعمل عتاب بن اسيد على مكة، وكانت بنو عمرو بن عوف ياخذون الربا من بني المغيرة، وكان بنو المغيرة يربون لهم في الجاهلة، فجاء الاسلام ولهم عليهم مال كثير، فاتاهم بنو عمرو يطلبون رباهم فابى بنو المغيرة ان يعطوهم في الاسلام، ورفعوا ذلك الى عتاب بن اسيد، فكتب عتاب الى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فنزلت {يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا}. فكتب بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الى عتاب، وقال: ((ان رضوا والا فاذنهم بحرب))؛ وبسند ابن جرير وغيره عن ابن عباس في قوله: {فاذنوا بحرب} قال: “من كان مقيما على الربا، لا ينزع منه فحق على امام المسلمين ان يستتيبه، فان نزع والا ضرب عنقه”. واخرجوا ايضا عنه في قوله: {فاذنوا بحرب} قال: “استيقنوا بحرب”.
واخرج اهل السنن وغيرهم عن عمرو الاحوص انه شهد حجة الوداع مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: ((الا وان كل ربا في الجاهلة موضوع، لكم رؤوس اموالكم، لا تظلمون ولا تظلمون، واول ربا موضوع ربا العباس)).
واخرج ابن منده عن ابن عباس قال: “نزلت هذه الاية في ربيعة بن عمرو واصحابه {وان تبتم فلكم رؤوس اموالكم}”. وبالسند عن ابن عباس في قوله – تعالى -: {وان كان ذو عسرة} قال: “نزلت في الربا”.
واخرج عبدالرزاق بالسند عن ابن جريج عن الضحاك في الاية قال: “وكذلك كل دين على مسلم”.
واخرج ابن ابي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه، وقد وردت احاديث صحيحة في “الصحيحين” وغيرهما في الترغيب لمن له دين على معسر ان ينظره. وبالسند عن ابن عباس قال: “اخر اية نزلت من القران {واتقوا يوما ترجعون فيه الى الله}”. وعن ابن عباس ايضا: “كان بين نزولها وبين موت النبي – صلى الله عليه وسلم – احد وثمانون يوما”. وعن سعيد بن جبير: “انه عاش النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد نزولها تسع ليال”؛[7] ا.ه.
خلاصة التفسير:
تلخص من مجموع ما اوردناه في تفسير الايات ما ياتي:
1 – المراد باكل الربا جميع التصرفات، وعبر عن ذلك بالاكل؛ لانه الغرض الرئيس وغيره من الاغراض تبع له.
2 – تشبيه المرابي بالمصروع؛ لان المصروع يتخبط في سيره، فينهض ويسقط، وكذلك اكل الربا يوم القيامة.
3 – تشبيه البيع بالربا مبالغة في جعل الربا اصلا في الحل والبيع فرعا، والعكس هو الصحيح.
4 – المحق يشمل ما ياتي:
ا – المحق بالكلية، بحيث يذهب المال من يد المرابي دون ان ينتفع به.
ب – محق بركة المال مهما كثر، فان عاقبته الى قل.
5 – اسدال الستر على ما سبق من تعاطي الربا قبل تحريمه، فلا يلحق المرء تبعته.
6 – الترغيب في بذل الصدقات للوعد الكريم بتنمية الله لها.
7 – الوعيد الشديد لمن يزاول تعاطي الربا بعد التحريم.
8 – للمرابي ان ياخذ راس ماله ويدع الزيادة عليه.
9 – الترغيب في انظار المعسر، او ابراء ذمته من الدين.
10 – توجيه الانظار ليوم القيامة، والتذكير بالوقفة فيه امام رب العزة للحساب والجزاء على الاعمال.
مبحث الربا في السنة النبوية:
قوام الدين وعماده والمصدر الذي يؤخذ منه التشريع كتاب الله وسنة رسوله محمد – صلى الله عليه وسلم – وقد عرضنا فيما تقدم من هذا البحث للايات التي ورد فيها ذكر الربا وتحريمه والوعيد عليه ونردف ذلك بما ورد في السنة النبوية في موضوع الربا، ولن نستعرض كل الاحاديث الواردة في ذلك وانما نكتفي منها بما يلي:
1 – حديث ابي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((اجتنبوا السبع الموبقات)). قالوا يا رسول الله، وما هن؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله الا بالحق، واكل الربا، واكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات))؛ رواه البخاري ومسلم.
الشرح:
قوله: ((اجتنبوا))؛ اي: ابعدوا وهو ابلغ من قوله: دعوا واتركوا؛ لان النهي عن القربان ابلغ، كقوله {ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن}؛ [الانعام: 151].
قوله: ((الموبقات))؛ اي: المهلكات، وسميت هذه موبقات؛ لانها تهلك فاعلها في الدنيا بما يترتب عليها من العقوبات وفي الاخرة من العذاب، وفي حديث ابن عمر عند البخاري في “الادب المفرد”، والطبري في “التفسير”، وعبدالرزاق مرفوعا، وموقوفا قال: ((الكبائر تسع)). وذكر السبعة المذكورة، وزاد ((الالحاد في الحرم، وعقوق الوالدين)). الى اخر ما افاض فيه شارح الحديث في تعداد الكبائر.
قوله: ((الشرك بالله)) هو: ان يجعل لله ندا يدعوه، ويرجوه، ويخافه كما يخاف الله؛ بدا به لانه اعظم ذنب عصي الله به في الارض، كما في “الصحيحين” عن ابن مسعود: “سالت النبي – صلى الله عليه وسلم -: اي الذنب اعظم عند الله. قال: ((ان تجعل لله ندا وهو خلقك))؛ الحديث. واخرجه الترمذي بسنده عن صفوان بن عسال ثم اورد الحديث بتمامه وقال: صحيح.
قوله: ((السحر))؛ السحر في اللغة: هو ما خفي ولطف سببه، وقال في “الكافي”: “السحر عزائم، ورقى، يؤثر في القلوب والابدان؛ الى اخر ما افاض فيه الشارح – – يرحمه الله -.
قوله: ((وقتل النفس التي حرم الله))؛ اي: حرم الله قتلها: وهي نفس المسلم المعصوم ((الا بالحق))؛ اي: بان تفعل ما يوجب قتلها.
قوله ((واكل الربا))؛ تناوله باي وجه كان، كما قال – تعالى -: {الذين ياكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}؛ الايات من سورة البقرة، قال ابن دقيق العيد: “وهو مجرب لسوء الخاتمة – نعوذ بالله من ذلك.
قوله: ((واكل مال اليتيم))؛ يعني: التعدي فيه وعبر بالاكل لانه اعم وجوه الانتفاع.
قوله: ((والتولي يوم الزحف))؛ اي: الادبار عن الكفار وقت التحام القتال، وانما يكون كبيرة اذا فر الى غير فئة، او غير متحرف لقتال، كما قيد به في قوله تعالى: {يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار *ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفا لقتال او متحيزا الى فئة فقد باء بغضب من الله وماواه جهنم وبئس المصير}؛ [الانفال: 15، 16].
وقوله: ((وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات))؛ اي: المحفوظات من الزنا، والمراد الحرائر العفيفات[8].
2 – حديث عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه -: “ان النبي – صلى الله عليه وسلم – لعن اكل الربا، ومؤكله، وشاهديه، وكاتبه”؛ رواه الخمسة، وصححه الترمذي، غير ان لفظ النسائي: “اكل الربا، ومؤكله، وشاهديه، وكاتبه، اذا علموا ذلك ملعونون على لسان محمد – صلى الله عليه وسلم – يوم القيامة”.
3 – حديث عبدالله بن حنظلة غسيل الملائكة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((درهم من ربا ياكله الرجل وهو يعلم اشد من ست وثلاثين زنية))؛ رواه احمد.
الشرح:
حديث ابن مسعود اخرجه ايضا ابن حبان، والحاكم وصححاه، واخرجه مسلم من حديث جابر بلفظ: “ان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لعن اكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: ((هم سواء)).
وفي الباب عن علي – رضي الله عنه – عند النسائي، وعن ابي جحفة، وحديث عبدالله بن حنظلة اخرجه ايضا الطبراني في “الاوسط” و”الكبير”. قال في “مجمع الزوائد”: ورجال احمد رجال الصحيح. ويشهد له حديث البراء عند ابن جرير بلفظ: ((الربا اثنان وستون بابا ادناها مثل اتيان الرجل امه))؛ وهو حديث صحيح. وحديث ابي هريرة عند البيهقي بلفظ: ((الربا ثلاثة وسبعون بابا، ادناها مثل ان ينكح الرجل امه)). واخرج ابن جرير نحوه، وكذلك اخرج عنه نحوه ابن ابي الدنيا. وحديث عبدالله ابن مسعود عند الحاكم، وصححه بلفظ: ((الربا ثلاثة وسبعون بابا ايسرها مثل ان ينكح الرجل امه)). واخرج ابن جرير نحوه، وكذلك اخرج عنه نحوه ابن ابي الدنيا. وحديث عبد الله بن مسعود عند الحاكم، وصححه بلفظ: ((الربا ثلاثة وسبعون بابا، ايسرها مثل ان ينكح الرجل امه، وان اربى الربا عرض الرجل المسلم))؛ وهو حديث صحيح.
وقوله: ((اكل الربا ومؤكله))؛ بسكون الهمزة بعد الميم، ويجوز ابدالها واوا؛ اي: ولعن مطعمه غيره، وسمي اخذ المال اكلا ودافعه مؤكلا؛ لان المقصود منه الاكل وهو اعظم منافعه، وسببه اتلاف اكثر الاشياء.
قوله: ((وشاهديه))؛ رواية ابي داود بالافراد، والبيهقي ((وشاهديه – او شاهده)).
قوله: ((وكاتبه))؛ دليل على تحريم كتابة الربا اذا علم ذلك، وكذلك الشاهد لا يحرم عليه الشهادة الا مع العلم، فاما من كتب، او شهد غير عالم فلا يدخل في الوعيد.
قوله: ((اشد من ست وثلاثين))؛ الخ يدل على ان معصية الربا من اشد المعاصي؛ لان المعصية التي تعدل معصية الزنا التي هي في غاية الفظاعة والشناعة بمقدار العدد المذكور، بل اشد منها لا شك انها قد تجاوزت الحد في القبح، واقبح منها استطالة الرجل في عرض اخيه المسلم؛ ولهذا جعله الشارع اربى الربا، فالرجل يتكلم بالكلمة التي لا يجد لها لذة، ولا تزيد في ماله ولا جاهه فيكون اثمه عند الله اشد من اثم من زنى ستا وثلاثين زنية، هذا ما لا يصنعه بنفسه عاقل[9].
4 – حديث سمرة بن جندب الطويل نجتزئ منه بما يلي؛ قال: “كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – اذا صلى الغداة اقبل علينا بوجهه، فقال: ((هل راى منكم احد الليلة رؤيا)). فان كان احد راى فيها رؤيا قصها عليه، فيقول فيها ما شاء الله، فسالنا يوما ((هل راى احد منكم رؤيا)). فقلنا لا. قال: ((ولكني رايت الليلة رجلين اتياني، فاخذا بيدي، فاخرجاني الى ارض مستوية – او فضاء – فمررنا برجل جالس، ورجل قائم على راسه وبيده كلوب من حديد يدخله في شدقة فيشقه حتى يبلغ فاه، ثم يفعل بشدقة الاخر مثل ذلك، ويلتئم شدقه هذا فيعود فيه فيصنع به مثل ذلك، قال: قلت: ما هذا؟! قالا: انطلق – واستمر الرسول – صلى الله عليه وسلم – في سرد رؤيته الى ان قال – فانطلقنا حتى ناتي على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى شط النهر رجل قائم بين يديه حجارة، فاقبل ذلك الرجل الذي في النهر، فاذا اراد ان يخرج منه رمى الرجل بحجر في فيه، فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فرده حيث كان، فقلت لهما: ما هذا؟! قالا: انطلق))؛ الحديث اخرجه البخاري، نعرض بعد هذا للايضاح عن الفقرات التي وردت في هذا الحديث عن الملكين:
((قالا: اما الرجل الذي رايت يشق شدقه: فانه رجل كذاب يتحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الافاق، فهو يصنع به ما ترى الى يوم القيامة، واما الرجل الذي رايته يشدخ راسه: فان ذلك رجل علمه الله القران فنام عنه بالليل، ولم يعمل بما فيه بالنهار، فهو يعمل به ما رايت الى يوم القيامة، واما الذي رايت في نهر الدم فذاك اكل الربا))؛ وهذه الفقرة هي المقصودة من ايراد هذا الحديث[10].
وعلق الامام الذهبي في كتابه الكبائر على هذا الحديث او على الفقرة التي جاء فيه الوعيد لاكل الربا بقوله: “ان اكل الربا يعذب من حين يموت الى يوم القيامة بالسباحة في النهر الاحمر، الذي هو مثل الدم، ويلقم بالحجارة، وهو المال الحرام الذي كان جمعه في الدنيا يكلف المشقة فيه ويلقم حجارة من نار، كما ابتلع الحرام في الدنيا، هذا العذاب له في البرزخ قبل يوم القيامة مع لعنة الله له، كما في حديث ابي امامة بسند ضعيف جدا ان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((اربع حق على الله الا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها؛ مدمن الخمر، واكل الربا، واكل مال اليتيم بغير حق، والعاق لوالديه، الا ان يتوبوا))؛ اخرجه الحاكم، وابو الشيخ، والمقدسي في “المختارة”، وقد ورد ان اكلة الربا يحشرون في صور الكلاب والخنازير من اجل حيلهم على اكل الربا، كما مسخ اصحاب السبت حين تحيلوا على اخراج الحيتان التي نهاهم الله عن اصطيادها يوم السبت فحفروا لها حياضا تقع فيها يوم السبت فياخذونها يوم الاحد، فلما فعلوا ذلك مسخهم الله قردة وخنازير. وهكذا الذين يتحيلون على الربا بانواع الحيل فان الله لا تخفى عليه حيل المحتالين[11]؛ اه.
وحسبنا الاحاديث التي اوردناها عن الربا وبشاعته وعقوبة المرابين ننتقل بعد ذلك الي:
مبحث حكم الربا في الاسلام:
وقد تقدم من اي الكتاب العزيز، والسنة النبوية ما يشعر ويوجب تحريم الربا مما لا يدع مجالا للتردد في ذلك، او التاويل، ولم يحرم الاسلام شيئا الا لحكمة واضحة، او منفعة تعود على العباد، وتبعا لتحريمه حرم الوسائل المفضية اليه؛ سدا للذريعة؛ فمثلا حرم بيع العينة – بكسر العين، وفتح النون – وهي: ان تباع سلعة بثمن معلوم الى اجل، ثم يشتريها البائع من المشتري باقل ليبقى الكثير في ذمته، وسميت عينة لحصول العين – اي: النقد – فيها؛ ولانه يعود الى البائع عين ماله، واستدل لتحريم بيع العينة بالحديث الذي رواه ابو داود عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: “سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((اذا تبايعتم بالعينة، واخذتم باذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم)).
ففي هذا الحديث دليل على تحريم هذا البيع، وذهب اليه مالك، واحمد، وبعض الشافعية قالوا: لما فيه من تفويت مقصد الشارع من المنع عن الربا، وسد الذرائع. قال القرطبي: “لان بعض صور هذا البيع تؤدي الى بيع التمر بالتمر متفاضلا، وبكون الثمن لغوا”[12]؛ ا ه. نعود الى الحديث – المذكور انفا ((اذا تبايعتم بالعينة))؛ الحديث – لنكشف عن صحته وهل عليه ماخذ من حيث سنده يهبط به عن درجة الصحة.
يقول الشيخ محمد ناصر الدين الالباني – حفظه الله – في كتابه “سلسلة الاحاديث الصحيحة”: “هو حديث صحيح؛ لمجموع طرقه، وقد وقفت على ثلاث منها كلها عن ابن عمر – رضي الله عنه – مرفوعا؛ الاولى: عن اسحاق ابي عبدالرحمن ان عطاء الخراساني حدثه ان نافعا حدثه عن ابن عمر قال فذكره – اي الحديث – الى ان قال – اي الشيخ الالباني – روى ذلك من وجهين عن عطاء بن ابي رباح عن ابن عمر يشير بذلك الى تقوية الحديث – وقد وقفت على احد الوجهين المشار اليهما وهو الطريق الثانية عن ابي بكر بن عياش عن الاعمش عن عطاء بن ابي رباح عن ابن عمر اخرجه احمد. الثالثة: عن شهر بن حوشب عن ابن عمر رواه احمد.
ثم وجدنا له شاهدا من رواية بشير بن زياد الخراساني: حدثنا ابن جريج عن عطاء عن جابر سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فذكره – اي الحديث – اخرجه ابن عدي في ترجمة بشير هذا من “الكامل”، وهو غير معروف، في حديثه بعض النكارة. وقال الذهبي: ولم يترك[13]. وجاء في “معالم السنن” توجيه الخطابي لوجهة نظر المحرمين للعينة: قال المحرمون للعينة: الدليل على تحريمها من وجوه؛ احدها: ان الله – تعالى – حرم الربا، والعينة وسيلة اليه، بل هي من اقرب وسائله، الوسيلة الى الحرام حرام، فهنا مقامان؛ احدهما: بيان كونها وسيلة، والثاني: بيان الوسيلة الى الحرام حرام. فاما الاول فيشهد له النقل، والعرف، والنية، والقصد، وحال المتعاقدين ثم اورد جملة احاديث تصور البيع بالعينة الى ان قال: واما شهادة العرف بذلك فاظهر من ان تحتاج الى تقرير، بل قد علم الله وعباده من المتبايعين قصدهما انهما لم يعقدا على السلعة عقدا يقصدان به تملكها، ولا غرض لهما فيها بحال، وانما الغرض والمقصود بالقصد الاول، مئة بمئة وعشرين وادخال تلك السلعة تلبيس وعبث، وهي بمنزلة الحرف الذي لا معنى له في نفسه، بل جيء به لمعنى في غيره حتى لو كانت تلك السلعة تساوي اضعاف ذلك الثمن او تساوي اقل جزء من اجزائه لم يبالوا بجعلها موردا للعقد؛ لانهم لا غرض لهم فيها، واهل العرف لا يكابرون انفسهم في هذا. واما النية والقصد فالاجنبي المشاهد لهما يقطع بانه لا غرض لهما في السلعة، وانما القصد الاول مئة بمئة وعشرين فضلا عن علم المتعاقدين ونيتهما؛ ولهذا يتواطا كثير منهم على ذلك قبل العقد، ثم يحضران تلك السلعة تحليلا لما حرم الله ورسوله.
واما المقام الثاني: وهو ان الوسيلة الى الحرام حرام فبانت بالكتاب، والسنة، والفطرة، والمعقول؛ فان الله – سبحانه – مسخ اليهود قردة وخنازير لما توسلوا الى الصيد الحرام بالوسيلة التي ظنوها مباحة، وسمى اصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والتابعون مثل ذلك مخادعة كما تقدم، وقال ايوب السختياني: “يخادعون الله كما يخادعون الصبيان، لو اتوا الامر على وجهه كان اسهل”. والرجوع الى الصحابة في معاني الالفاظ متعين سواء كانت لغوية ام شرعية، والخداع حرام، وهذا العقد يتضمن اظهار صورة مباحة واضمار ما هو اكبر من الكبائر، فلا تنقلب الكبيرة مباحة باخراجها في صورة البيع الذي لم يقصد نقل الملك فيه اصلا. وانما قصده حقيقة الربا.
والطريق متى افضت الى الحرام فان الشريعة لا تاتي باختها اصلا؛ لان اباحتها وتحريم الغاية جمع بين النقيضين، فلا يتصور ان يباح شيء ويحرم ما يفضي اليه، بل لابد من تحريمهما او اباحتهما، والثاني باطل قطعا فتعين الاول.
وليعلم ان الشارع انما حرم الربا لان فيه اعظم الفساد والضرر، فلا يتصور مع هذا ان يبيح هذا الفساد العظيم بايسر شيء يكون من الحيل[14]؛ اه.
ولشيخ الاسلام ابن تيمية – يرحمه الله – جملة فتاوى في مسالة بيع العينة؛ منها انه سئل عن رجل طلب من انسان الف درهم الى سنة بالف ومئتي درهم، فباعه فرسا او قماشا بالف درهم واشتراه منه بالف ومئتي درهم الى اجل معلوم.
فاجاب: “لا يحل له بذلك، بل هو ربا باتفاق الصحابة والعلماء، كما دلت على ذلك سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سئل ابن عباس – رضي الله عنه – عن رجل باع حريرة ثم ابتاعها لاجل زيادة درهم. فقال: “دراهم بدراهم، دخلت بينهما حريرة”. وسئل عن ذلك انس بن مالك. فقال: “هذا مما حرم الله ورسوله”. وقالت عائشة – رضي الله عنها – لام ولد زيد بن ارقم في نحو ذلك: “بئس ما شريت، وبئس ما اشتريت، اخبري زيدا انه قد ابطل جهاده مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الا ان يتوب”. فمتى كان مقصود المتعامل دراهم بدراهم الى اجل؛ فانما الاعمال بالنيات، وانما لكل امرئ ما نوى.
فسواء باع المعطى الاجل او باع الاجل المعطى ثم استعاد السلعة، وفي السنن عن النبي – صلى الله عليه وسلم – انه قال: ((من باع بيعتين في بيعة فله اوكسهما او الربا)). وفيها ايضا: ((اذا تبايعتم بالعينة، واتبعتم اذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله ارسل الله عليكم ذلا لا يرفعه عنكم حتى ترجعوا الى دينكم)). وهذا كله بيع العينة. وهو: بيعتان في بيعة، وقال – صلى الله عليه وسلم -: ((لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك))؛ قال الترمذي: حديث صحيح. فحرم – صلى الله عليه وسلم – ان يبيع الرجل شيئا ويقرضه مع ذلك؛ فانه يحابيه في البيع لاجل القرض؛ حتى ينفعه، فهو ربا.
وهذه الاحاديث وغيرها تبين ان ما تواطا عليه الرجلان بما يقصدان به دراهم بدراهم اكثر منها الى اجل فانه ربا، سواء كان يبيع ثم يبتاع، او يبيع ويقرض، وما اشبه ذلك، والله اعلم[15].
الخلاصة:
اتضح مما اوردنا من اي الكتاب العزيز وتفسيرها، والسنة النبوية وشروحها، واقوال الصحابة والتابعين – تحريم الربا في الاسلام والوسائل المفضية اليه، فتلخص من ذلك ما ياتي:
1 – النهي عن تعاطي الربا بكل الالوان والوسائل.
2 – انه من الموبقات اي المهلكات.
3 – انه من كبائر الذنوب.
4 – لعن اكل الربا ومؤكله وكل من تعاون عليه بكتابة او شهادة.
5 – معصية اكل الربا تجاوزت الحد في القبح؛ لانها تعدل معصية الزنا.
6 – اكل الربا – كما جاء في حديث سمرة وتعليق صاحب شرح السنة – يعذب في البرزخ بالسباحة في النهر الاحمر، ويلقم بحجارة من نار، وعليه اللعنة ثم الحيلولة بينه وبين دخول الجنة.
7 – حرمة عرض المسلم، وتحريم الاستطالة فيه.
8 – اكلة الربا يحشرون في صورة الكلاب والخنازير من اجل تحيلهم على اكله.
9 – من وسائل التحيل لاكل الربا بيع العينة.
10 – الوعيد الوارد على التبايع بالعينة.
11 – الوسيلة للحرام محرمة.
12 – تحريم الربا واباحة الوسيلة الموصلة اليه هو جمع بين النقيضين، وذلك لا يقره الاسلام.
13 – لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما لم يكن تحت تصرف البائع.
14 – ما تواطا عليه البائع والمشتري بما يقصدان به دراهم بدراهم اكثر منها الى اجل فانه ربا سواء كان يبيع ثم يبتاع او يبيع ويقرض وامثال ذلك.
مضار الربا وحكمة تحريمه:
قلت في مقدمة هذا البحث ان الاسلام دين العمل وبقدر ما يعمل المسلم ياخذ، اما التبطل والقعود عن الكسب المشروع اتكالا على مجهود الغير، او اعتدادا بغنيمة باردة تصل اليه فليس ذلك من دين الاسلام، بل هو مناقض لما جاء به الاسلام ومن ثم نجد المدخل لمضار الربا فهو تبطل يعيش المتعاطي له على حساب الغير؛ ياكل كسبهم، ويمتص نشاطهم الى اخر ما سطرته في المقدمة اضافة الى انه يسبب العداء بين افراد المجتمع، ودين الاسلام دين التراحم والتعاطف والمساواة لا يقر الهامل الذي يعيش كالمتطفل على كدح غيره، يستمرئ حياة الدعة لياكل الربا غنيمة باردة دون عناء وجهد في الكسب؛ ولذلك اباح الله البيع وحرم الربا للفارق العظيم بين البيع والربا؛ فالبيع: كد وجهد مبذول ولقمة ياكلها البائع من عرق الجبين، بخلاف المرابي فانه تتضخم ثروته وينمو ماله بالغنيمة الباردة التي يبتزها من الفقير المحتاج.
وهنالك خسارة قد تحيق بالمرابي دون ان يحسب لها حسابا الا وهي هبوط الاسعار والديون التي اثقل بها نفسه، واخذها بفائدة؛ ليوسع بها تجارته، قد ينجم عنه الافلاس، فهو مضطر اذا حان اجل السداد ان يبيع السلعة براس مالها؛ حتى ياتي على كل السلع التي تحت يديه التي كانت قوام تجارته، ويغدو صفر اليدين، بل قد تلجئه الحاجة الى ان يتكفف الناس، او يركن الى الاستدانة، وذلك ما تترجم عنه الاية الكريمة {يمحق الله الربا}، والحديث النبوي الشريف ((الربا وان كثر فان عاقبته الى قل))، او كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وذكر بعض العلماء المعاصرين عن مضار الربا؛ انه وسيلة للاستعمار وشقائه، فقد ثبت ان الغزو الاقتصادي القائم على المعاملات الربوية كان التمهيد الفعال للاحتلال العسكري الذي سقطت اكثر دول الشرق تحت وطاته، فقد اقترضت الحكومات الشرقية بالربا، وفتحت ابواب البلاد للمرابين الاجانب فما هي الا سنوات معدودة حتى تسربت الثروة من ايدي المواطنين الى هؤلاء الاجانب، حتى اذا افاقت الحكومات وارادت الذود عن نفسها واموالها استعدى هؤلاء الاجانب عليها دولهم فدخلت باسم حماية رعاياها، ثم تغلغلت هي كذلك فوضعت يدها مستثمرة مرافق البلاد؛ ولهذا لعن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – اكل الربا، ومؤكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: ((هم سواء))[16].
اما حكمة تحريم الربا فتشمل الجانب الاقتصادي، والاخلاقي، والاجتماعي، وتفصيل ذلك ملخصا فيما جاء في تفسير الفخر الرازي وهي كما يلي:
1 – ان الربا يقتضي اخذ مال الانسان من غير عوض؛ لان من يبيع الدرهم بالدرهمين يحصل له زيادة درهم من غير عوض. ومال الانسان متعلق بحاجته، وله حرمة عظيمة، كما جاء في الحديث ((حرمة مال المسلم كحرمة دمه)). فوجب ان يكون اخذ ماله من غير عوض محرما.
2 – ان الاعتماد على الربا يمنع الناس عن الاشتغال بالمكاسب، وذلك لان صاحب الدرهم اذا تمكن بواسطة عقد الربا من تحصيل الدرهم الزائد نقدا كان او نسيئة خف عليه اكتساب وجه المعيشة، فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب والصناعات الشاقة والتجارة، وذلك يفضي الى انقطاع منافع الخلق. ومن المعلوم ان مصالح العالم لا تنتظم الا بالتجارات، والحرف، والصناعات، والعمارات، وهذا هو الجانب الاقتصادي.
3 – انه يفضي الى انقطاع المعروف بين الناس من القرض؛ لان الربا اذا حرم طابت النفوس بقرض الدراهم واسترجاع مثله. ولو حل الربا لكانت حاجة المحتاج تحمله على اخذ الدرهم بدرهمين فيفضي ذلك الا انقطاع المواساة والمعروف والاحسان، وهذا هو الجانب الاخلاقي.
4 – ان الغالب ان المقرض يكون غنيا والمستقرض يكون فقيرا، فالقول بتجويز عقد الربا تمكين من ياخذ من الفقير الضعيف مالا زائدا، وذلك غير جائز برحمة الرحيم، وهذا هو الجانب الاجتماعي، ومعنى هذا ان الربا فيه اعتصار الضعيف لمصلحة القوي، ونتيجته ان يزداد الغني غنى والفقير فقرا، مما يفضي الى تضخم طبقة من المجتمع على حساب طبقة او طبقات اخرى، مما يخلق الاحقاد والضغائن، ويورث نار الصراع بين المجتمع بعضه ببعض، ويؤدي الى الثورات المتطرفة والمبادئ الهدامة، كما اثبت التاريخ القريب خطر الربا والمرابين على السياسة والحكم والامن المحلي والدول جميعا[17].
انواع الربا وحكم كل نوع:
الشح خلة ضعة وهوان تزري بصاحبها وتجعله نشازا في مجتمعه يجمع المال ويشح بانفاقه حتى على مصالح نفسه، وعلى العكس منه البذل بسخاء خاصة في وجوه البر والخير، واغاثة الملهوف، وكل ما فيه مصلحة للمجموع، وعلى هذا الاعتبار جاء تحريم الربا والترغيب في البذل ابتغاء كريم الاجر، ونزل القران والعرب تتعامل بالربا لتفكك مجتمعهم وانفصام عرى التالف بينهم، فعندما تنزل الحاجة باحدهم، او يوصله الفقر بالرغام لا يجد من يسعفه او يعينه في محنته، او ينقذه من ذل الحاجة الا بنكبته بالزيادة على ما يقرضه، والمفاضلة بين ما يقبضه ويعيده من مال، وذلك هو الربا الذي جاء الاسلام بتحريمه، وقد اوردنا من اي الكتاب العزيز والسنة المطهرة ما يكفي عن المزيد، بقي ان نوضح نوعية الربا المحرم والذي كانت العرب تتعامل به، جاء في كتاب “احكام القران”: “قوله: الربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله انما كان قرض الدراهم والدنانير الى اجل بزيادة على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به، ولم يكونوا يعرفون البيع بالنقد اذا كان متفاضلا من جنس واحد، هذا كان المتعارف المشهور بينهم؛ ولذلك قال – تعالى -: {وما اتيتم من ربا ليربو في اموال الناس فلا يربو عند الله}؛ [الروم: 39].فاخبر ان تلك الزيادة المشروطة انما كانت ربا في المال العين لانه لا عوض لها من جهة المقرض، وقال – تعالى -: {لا تاكلوا الربوا اضعافا مضاعفة} اخبار عن الحال التي خرج عليها الكلام من شرط الزيادة اضعافا مضاعفة، فابطل الله الربا الذي كانوا يتعاملون به، وابطل ضروبا من البياعات وسماها ربا، فانتظم قوله – تعالى -: {وحرم الربا} تحريم جميعها لشمول الاسم عليها من طريق الشرع، ولم يكن تعاملهم بالربا الا على الوجه الذي ذكرناه من قرض دراهم او دنانير الى اجل مع شرط الزيادة[18]. اه.
وذكر صاحب “تفسير ايات الاحكام” ان الربا ينقسم الى قسمين: ربا النسيئة، وربا الفضل، فربا النسيئة: هو الذي كان معروفا بين العرب في الجاهلية لا يعرفون غيره، وهو انهم كانوا يدفعون المال على ان ياخذوا كل شهر قدرا معينا، فاذا حل الاجل طولب المدين براس المال كاملا، فان تعذر الاداء زادوا في الحق والاجل.
وربا الفضل ان يباع من الحنطة (منا) ب (منوين) منها، او درهم بدرهمين، او دينار بدينارين، او رطل من العسل برطلين، وقد كان ابن عباس لا يحرم الا القسم الاول، وكان يجوز ربا الفضل؛ اعتمادا على ما روي ان النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((انما الربا في النسيئة))، ولكن لما تواتر عنده الخبر بان النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((الحنطة بالحنطة، مثلا بمثل، يدا بيد)، وذكر الاصناف الستة، كما رواه عبادة بن الصامت وغيره؛ رجع عن قوله.
واما قوله – عليه السلام -: ((وانما الربا في النسيئة)) فمحمول على اختلاف الجنس؛ فان النسيئة حينئذ تحرم ويباح التفاضل؛ كبيع الحنطة بالشعير، تحرم فيه النسيئة، ويباح التفاضل؛ ولذلك وقع الاتفاق على تحريم الربا في القسمين.
اما الاول: فقد ثبت تحريمه بالقران. واما الثاني: فقد ثبت تحريمه بالخبر الصحيح؛ كما روي عن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – ان النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلا بمثل، سواء بسواء، يدا بيد، فاذا اختلفت هذه الاصناف فبيعوا كيف شئتم اذا كان يدا بيد)). واشتهرت روايته هذه حتى كانت مسلمة عند الجميع، ثم اختلف العلماء بعد ذلك، فقال نفاة القياس: ان الحرمة مقصورة على هذه الاشياء الستة، وقال ابو حنيفة ومالك والشافعي واحمد وجمهور الفقهاء: ان الحرمة غير مقصورة على هذه الاشياء الستة؛ بل تتعداها الى غيرها، وان الحرمة ثبتت في هذه الستة لعلة، فتتعدى الحرمة الى كل ما توجد فيه تلك العلة.
ثم اختلفوا في هذه العلة؛ فقال الحنفية: ان العلة هي اتحاد هذه الاشياء الستة في الجنس والقدر – اي: الكيل والوزن – فمتى اتحد البدلان في الجنس والقدر حرم الربا، كبيع الحنطة بالحنطة، واذا عدما معا حل التفاضل والنسيئة، كبيع الحنطة بالدراهم الى اجل، واذا عدم القدر واتحد الجنس حل الفضل دون النسيئة، كبيع عبد بعبدين، واذا عدم الجنس واتحد القدر حل الفضل دون النسيئة ايضا، كبيع الحنطة بالشعير.
وقال المالكية: ان العلة هي اتحاد الجنسين مع الاقتيات او ما يصلح به الاقتيات وقال الشافعية: ان العلة في الذهب والفضة هي اتحاد الجنس مع النقدية، وفي الاشياء الاربعة الباقية اتحاد الجنس مع الطعم، والتفاضل في امر الربا يعلم من كتب الفقه[19].
نوعية الربا كما اوضحها ابن القيم:
وقفت في جملة ما وقفت عليه من المراجع على كتاب بعنوان “الودائع المصرفية النقدية واستثمارها في الاسلام” لمؤلفه حسن عبدالله الامين، اورد فيه نص ابن قيم الجوزية – رحمه الله – عن نوعية الربا، وقدم له بقوله:
“تكلمنا فيما سبق عن التقسيم الفقهي القديم للربا: ربا النسيئة وربا الفضل، وبقي هناك قسم ثالث للربا، وضعه عالم جليل هو ابن قيم الجوزية، وهو تقسيم يتفق في مضمونه مع تقسيم الربا الى: ربا ديون، وربا بيوع، ولكنه يسمي الاول الربا الجلي، وان تحريمه تحريم مقاصد؛ لانه ثابت بالقران الكريم وهو ما كانت تفعله الجاهلية، ويسمي النوع الثاني الربا الخفي، وانه حرم سدا للذريعة من الربا الجلي، فتحريمه تحريم وسيلة، وهو الذي ثبت بالسنة في الاصناف الستة، ثم ذكر النص من كتاب “اعلام الموقعين” فقال – اي ابن القيم -: الربا نوعان: جلي وخفي؛ فالجلي حرم لما فيه من الضرر العظيم. والخفي حرم لانه ذريعة الى الجلي، فتحريم الاول قصدا، وتحريم الثاني وسيلة، فاما الجلي فربا النسيئة، وهو الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية؛ مثل ان يؤخر دينه ويزيده في المال. وكلما اخره زاد في المال حتى تصير المئة عنده الافا[20].
واما ربا الفضل فتحريمه من باب سد الذرائع، كما صرح به في حديث ابي سعيد الخدري – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين، فاني اخاف عليكم الرماء))؛ والرماء: هو الربا، فمنعهم من ربا الفضل لما يخافه عليهم من ربا النسيئة، وذلك انهم اذا باعوا درهما بدرهمين – ولا يفعل هذا الا للتفاوت الذي بين النوعين، اما في الجودة، واما في السكة، واما في الثقل والخفة وغير ذلك – تدرجوا بالربح المعجل فيها الى الربح المؤخر، وهو عين ربا النسيئة، وهذه ذريعة قريبة جدا، فمن حكمة الشارع ان سد عليهم هذه الذرائع، ومنعهم من بيع درهم بدرهمين نقدا او نسيئة[21].
التعامل مع البنوك:
التعامل مع البنوك على اقراض المال بفائدة مشروطة محددة كاثنين في المئة مثلا، او اكثر، او اقل: هل هو من انواع الربا المحرم ام له احتمال اخر؟
نعود مرة اخرى الى كتاب “الودائع المصرفية” المذكور انفا، فنجد المؤلف يقرر بصراحة ان معنى الزيادة في القرض عند العقد هي احدى صورتي ربا الجاهلية، الذي حرم تحريما قاطعا بنص القران – ونص كلامه كالاتي: “اذا كان معنى الفائدة يختلف عن معنى الربح في المصطلح الفقهي، ولا يلتقي معه بحال؛ فماذا يكون موقف الفائدة من الربا؛ هل تلتقي معه في احدى صوره، ام انها تختلف عنه كما اختلفت عن الربح، ولا تلتقي معه في واحدة منها؟”.
ثم افاض في البسط حتى قال: “تبين لنا على ضوء ما تقدم ان معنى الفائدة يلتقي تماما في مقاييس الفقه والشريعة الاسلامية بمعنى الزيادة في القرض عند العقد، وهي احدى صورتي ربا الجاهلية الذي حرم تحريما قاطعا بنص القران؛ بل هي الصورة البارزة في ربا الجاهلية، حتى ان الجصاص بالغ في التوكيد عليها، لدرجة انه قال: “ولم يكن تعاملهم – اي: عرب الجاهلية – بالربا الا على الوجه الذي ذكرنا، من قرض دراهم او دنانير الى اجل مع الزيادة؛ فالفائدة اذن ما هي الا زيادة مشروطة في قرض مؤجل لمصلحة المودع في حالة الودائع المؤجلة، او ودائع الادخار، بدليل عدم وجودها في الودائع الجارية – اي: تحت الطلب – مع انها هي ايضا معتبرة قرضا في الفقه والتشريع، كما انها زيادة في قرض مؤجل ايضا لمصلحة البنك في حالة اقراضه لشخص اخر، فالزيادة في حالة استقراض البنك بقبول الودائع المؤجلة، او اقراضه بدفع قروض من امواله الخاصة، او من ودائع المقترضين الاخرين هي ربا؛ بل هي الربا الذي لا يشك فيه؛ لانها احدى صورتي ربا الجاهلية الذي كانوا يتعاملون به، الذي حرمه القران تحريما قاطعا بقوله – تعالى -: {واحل الله البيع وحرم الربا}، وقال فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في حجة الوداع: ((ربا الجاهلية موضوع؛ واول ربا ابدا به ربا العباس بن عبد المطلب)) [22].
تحريم الربا الاستهلاكي والانتاجي:
يفرق بعض علماء الاقتصاد الغربيين بين تحريم الربا الاستهلاكي والانتاجي، بدعوى ان تحريم الربا كان من الضروريات في الماضي، وان اباحته في هذا العصر من الضروريات ايضا؛ لان الدين فيما مضى كان للاستهلاك، واما الان فهو للانتاج. وهو زعم متداع؛ لان الربا ان كان للاستهلاك فهو لنفقة المستدين على حاجاته الضرورية، فانه لا يجوز ان يرهق برد زائد على دينه، فحسبه ان يرد اصل الدين عند الميسرة. وان كان للانتاج فالاصل ان الجهد الذي يبذله المستدين هو الذي ينال عليه الربح لا المال الذي يستدينه، فالمال لا يربح الا بالجهد[23].
وفي اطار الحديث عن انواع الربا يتحدث الداعية الاسلامي ابو الاعلى المودودي في الفصل الخامس من كتابه “الربا” تحت عنوان: الربا واحكامه فيقول: “ان الربا هو الزيادة التي ينالها الدائن من مدينه نظير التاجيل، وهذا النوع من الربا يصطلح عليه شرعا بربا النسيئة، اي: الزيادة بسبب النسيئة وهي التاجيل، وهذا النوع من الربا هو المنصوص على تحريمه في القران، واجمع على تحريمه السلف الصالح والعلماء المجتهدون من بعدهم، وتعاقبت القرون على ذلك الاجماع، ولم يتطرق اليه الريب في عصر من العصور”، واستمر في البسط الى ان قال: “لقد كان الاسلام انما نهى عن التعامل بالربا في شؤون الدين والقرض في بادئ الامر”، واستمر في البسط فتحدث عن ربا الفضل، وقال: “وهذا النوع ايضا قد حرمه النبي – صلى الله عليه وسلم – لانه يفتح الباب في وجه الناس الى الربا الصريح، وينشئ فيهم عقلية من نتائجها اللازمة شيوع المراباة في المجتمع، وذلك عين ما اوضحه النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله: ((لا تبيعوا الدرهم بدرهمين؛ فاني اخاف عليكم الرماء))؛ وهو الربا، وتحدث عن حكم ربا الفضل، واورد حديث عبادة بن الصامت، وجملة احاديث في معناه، ثم علق عليها تعليقا ضافيا، ثم ذكر خلاف الفقهاء في علة تحريم ربا الفضل، وخلص من ذلك الى القول بان الاختلاف بين المذاهب في الامور التي يدخلها الربا انما هو من الامور المشتبهة الواقعة على الحد بين الحلال والحرام، فان حاول احد الان محتجا بهذه المسائل المختلف فيها ان يرمي بالاشتباه احكام الشريعة في المعاملات التي قد وردت النصوص على كونها من الربا، ويفتح باب الرخص والحيل بهذا الطريق للاستدلال، ويدعو الامة الى سلوك طرق الراسمالية فلا شك انه يعد تاركا للكتاب والسنة للظن والخرص، وضالا مضلا، ولو كان مخلصا صادق النية عند نفسه[24]”. اه.
وسائل القضاء على الربا:
من مزايا دين الاسلام انه لم يحرم شيئا الا اوجد له بديلا يغني عنه، وياخذ بحجز المسلمين من ان يقعوا في المحرم المنكور، ولا نطيل ضرب الامثلة لذلك، وانما نكتفي بتحريم الخمر: ابدل الله المسلمين عن شربها بشرب جميع العصيرات والمنتبذات مما لا يكون فيه شبهة حرام، وعندما حرم الربا اباح البيع والتجارة في الامور المباحة وانواع المضاربة، وهكذا، فلم يرهق المسلم من امره عسرا، ولم يكلفه شططا وانما اوجد له الحلول، وشرع وسائل من شانها القضاء على الربا، والتجافي عنه، والترفع عن مزالقه، والتورط في اثمه ويشمل ذلك ما ياتي:
(ا) القرض الحسن: فبدلا من ان يقرض المسلم ماله بفائدة تقض مضجع المقترض وتزيد من محنته وبلائه رغب الاسلام في القرض الحسن بالوعد الكريم، والجزاء الضافي كما قال – تعالى -: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له اضعافا كثيرة}؛ [البقرة: 245]. وقال – تعالى -: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله اجر كريم}؛ [الحديد: 11].
(ب) انظار المعسر: ريثما يزول اعساره، والترغيب في ابراء ذمته من الدين دون مطالبته كما قال – تعالى -: {وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة وان تصدقوا خير لكم ان كنتم تعلمون} [البقرة: 280].
(ج) التعاون: في مختلف دروبه، وبكل وسائله؛ يشمل التعاون الاجتماعي، والصناعي، والزراعي، ويدخل في اطار ذلك الضمان الاجتماعي، وتمويل المزارعين، واصحاب الصناعات بما يشد ازرهم، ويضاعف انتاجهم فيما يعود بالخير على المجتمع الاسلامي، وثمة فتح المدارس، وبناء المستشفيات، ودور العجزة، وما اليه مما تشمله الاية الكريمة: {وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة: 2]، فيغدو المجتمع في ظلال هذا التعاون الشامل سعيدا بعيدا عن ماسي الربا، والانزلاق الى اوحاله، ولا يغيب عن الاذهان اخراج زكاة الاموال، ودفعها الى مستحقيها، كما نصت على ذلك الاية الكريمة: {انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل} [التوبة: 60].
وجملة القول ان وسائل القضاء على الربا، والاخذ بها، والتعاون على تنفيذها، وفي الطليعة اخراج الزكاة دون تهرب، او تسويف، او طغيان الانانية على بعض النفوس، فتستاثر بالمال، وتحتجزه، وتشح به فلا تستجيب لانفاقه كما امر الله، وكما قال – تعالى -: {امنوا بالله ورسوله وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} [الحديد: 7] – كل اولئك مما يحول دون الارتداغ في ارجاس الربا، والوقوع في اوحاله.
وقبل ان نضع القلم يجدر بنا ان نعرض لموضوع كثر الاخذ به في اعقاب الزمن، وهو بيع التورق، يشتري المرء السلعة بثمن الى اجل ثم يبيعها باقل من الثمن الذي اشتراها به، وذلك ما يسمى بمسالة التورق؛ لان البائع ليس له حاجة في السلعة، وانما حاجته في الورق، وايضاح ذلك من قول شيخ الاسلام ابن تيمية – رحمه الله – في “فتاويه” حيث سئل عن الرجل يبيع سلعة بثمن مؤجل، ثم يشتريها من ذلك الرجل باقل من ذلك الثمن حالا: هل يجوز ام لا؟ فاجاب: “اذا باع السلعة الى اجل ثم اشتراها من المشتري باقل من ذلك حالا فهذه تسمى مسالة العينة، وهي غير جائزة عند اكثر العلماء؛ كابي حنيفة ومالك واحمد وغيرهم، وهو الماثور عن الصحابة؛ كعائشة وابن عباس وانس بن مالك؛ فان ابن عباس سئل عن حريرة بيعت الى اجل ثم اشتريت باقل. فقال: “دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة”، وابلغ من ذلك ان ابن عباس قال: “اذا اشتريت بنقد ثم بعت بنسيئة فتلك دراهم بدراهم”. فبين انه اذا قوم السلعة بدراهم، ثم باعها الى اجل فيكون مقصوده دراهم بدراهم، والاعمال بالنيات، وهذه تسمى (التورق)؛ فان المشتري تارة يشتري السلعة لينتفع بها، وتارة يشتريها ليتجر بها، فهذان جائزان باتفاق المسلمين، وتارة لا يكون مقصوده الا اخذ الدراهم، فينظر كم تساوي نقدا فيشتري بها الى اجل، ثم يبيعها في السوق بنقد فمقصوده الورق. فهذا مكروه في اظهر قولي العلماء؛ كما نقل ذلك عن عمر بن عبدالعزيز، وهو احدى الروايتين عن احمد. الى اخر ما افاض فيه – يرحمه الله – مما خرج به للاستطراد[25].
خاتمة البحث:
ناتي بعد ان فرغنا من كتابة البحث – بتوفيق الله – الى الخاتمة، فقد عرضنا بعد المقدمة لتعريف الربا لغة وشرعا، واوردنا الايات القرانية التي جاءت منتظمة عن الربا مع تفسيرها، وقد تحصل من التفسير ما ياتي:
1- المراد باكل الربا جميع التصرفات.
2- تشبيه المرابي بالمصروع.
3- المحق يشمل ذهاب المال، وذهاب بركته.
4- لا يلحق متعاطي الربا تبعة التعامل به قبل التحريم.
5- الترغيب في بذل الصدقات.
6- الوعيد لمن تعاطى الربا بعد التحريم.
7- للمرء ان ياخذ راس ماله بعد التوبة من تعاطي الربا.
8- الترغيب في انظار المعسر وابراء ذمته، واردفنا ذلك بمبحث الربا في السنة، وايراد نص ما ورد من الاحاديث مع شرحها، ثم بيان حكم الربا في الاسلام، وانه محرم بالكتاب والسنة، واقوال الصحابة، واساطين العلم، بما في ذلك تحريم كل وسيلة تفضي اليه، كبيع العينة، واستخلصنا من مجموع ذلك ما ياتي:
ا- النهي عن تعاطي الربا بكل الالوان والوسائل.
ب- انه من الموبقات، ومن كبائر الذنوب.
ج – لعن اكل الربا وكل متعاون عليه.
د- معصية الربا تجاوزت كل حد في الكفر.
ه – تحريم الاستطالة في عرض المسلم.
و- اكل الربا يعذب في البرزخ، وعليه اللعنة، ويحال بينه وبين دخول الجنة.
ز- اكلة الربا يحشرون في اسوا صورة.
ح – تحريم التبايع بالعينة، والوعيد عليها.
ط – الوسيلة للحرام محرمة.
ك – لا يحل سلف، ولا بيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما لم يكن تحت تصرف البائع.
ل – ما تواطا عليه البائع والمشتري بما يقصدان به دراهم بدراهم اكثر منها الى اجل فهو ربا محرم، سواء كان يبيع ثم يبتاع ام يبيع ويقرض.
ثم انتقلنا بعد ذلك الى مضار الربا، وحكمة تحريمه، واوردنا نقولا عن ذلك من اقوال العلماء القدامى والمعاصرين مبسوطة في الصفحات (18، 19)، وعقبنا بمبحث انواع الربا، وحكم كل نوع، فذكرنا ربا النسيئة، وانه هو الربا الذي كانت تتعامل به الجاهلية الاولى، وهو الذي ورد تحريمه بالقران، ثم ربا الفضل وتحريمه، جاءت به السنة النبوية سدا للذريعة، وعرضنا لعلة تحريم ربا الفضل، واختلاف العلماء فيها، ثم لنوعية الربا، كما اوضحها ابن القيم – يرحمه الله – ثم لبحث التعامل مع البنوك، وفيه القرض بالفائدة المشروطة، وانها محرمة، ثم تناولنا بحث تحريم الربا الاستهلاكي والانتاجي، ورد نظرية تحريم الربا في الماضي واباحته في الحاضر، واردفنا ذلك بالحديث عن وسائل القضاء على الربا، وذكرنا ان منها القرض الحسن، وانظار المعسر، وابراء ذمته، والتعاون الاجتماعي والصناعي والزراعي، وتوزيع اموال الزكاة، ثم انهينا البحث بموضوع التورق، وانه مكروه، واوردنا فتوى لشيخ الاسلام ابن تيمية – يرحمه الله – في هذه المسالة.
واسال الله ان ياجرني بقدر ما بذلت في هذا البحث من جهد علمي وجسمي، ولم اصل فيه الى الكمال، وانما هو اسهام وجهد مقل، وان يشمل – سبحانه – بتوفيقه ابني اسامة على ما اسهم به من تهيئة المراجع المطلوبة للبحث، والعون بجهد مشكور، وينفع به كل من قراه مغضيا عما لعله ان يكون فيه من ماخذ، فالكمال لله وحده، وياجر ايضا كل من تعاون على اشاعته بكل وسيلة، خاصة مجلة “البحوث” بالرياض، ورئاسة تحريرها، والمشرفين عليها.
وصلى الله على خير خلقه سيدنا محمد، وعلى اله وصحبه، ومن اتبع سبيله، وسار على نهجه، وقد فرغت من وضعه في شهر جمادى الثانية سنة الف واربع مئة واربع.
وفقنا والله الى ما فيه الخير والرشاد.
ثبت المراجع والمصادر
1- ابن تيمية، ابو العباس احمد بن عبدالحليم الحراني.
(الفتاوى): الطبعة الاولى، 1382ه، الرياض: مطابع الرياض.
2- ابن حجر، احمد بن علي العسقلاني.
(فتح الباري، بشرح صحيح البخاري)، الطبعة الاولى، تصحيح وترقيم: محمد فؤاد عبدالباقي – محب الدين الخطيب، القاهرة        : المطبعة السلفية (13 جزء).
[1]   اخرجه احمد، ج4 ص131، والبخاري ج3 ص121.
[2]   البخاري، ج3، ص121، ومسلم، ج2 ص721 واللفظ له.
[3]   اخرجه البخاري، 3/155، ومسلم 3/1218.
[4]   احكام القران ج1 ص551 – 552.
[5]   تفسير ابن كثير، ج2 ص54-55.
[6]   تفسير الطبري، ج6 ص35.
[7]   فتح القدير (1 ص297 – 298 – 299).
[8]   فتح المجيد (ص 237 الى 240)، فتح الباري 12/ 181، 184، صحيح مسلم بشرح النووي 2/ 83 – 88.
[9]   نيل الاوطار، ح5 (ص 296، 297).
[10]   شرح السنة، ص51 – 52 – 53.
[11]   الكبائر، ص68 -69.
[12]   سبل السلاح، ج3، ص55.
[13]   سلسلة الاحاديث الصحيحة. ج1، ص15-16.
[14]   مختصر سنن ابي داود، ج-5 ص(100 و101 و102).
[15]   مجموع الفتاوى، ج29 – ص(100 و101 و102).
[16]   رواه مسلم روح الدين الاسلامي ص332.
[17]   الحلال والحرام، ص263.
[18]   احكام القران للجصاص، ص552.
[19]   تفسير ايات الاحكام، ص 162 و263.
[20]   اعلام الموقعين، ج2 ص99.
[21]   اعلام الموقعين، ج2 – ص99 100.
[22]   الودائع المصرفية واستثمارها في الاسلام، ص280 و281.
[23]   روح الدين الاسلامي، ص333 و334.
[24]   الربا، ص90 و90 و98.
[25]   الفتاوي، ج29 – ص446 و447
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/813/#ixzz3Q9johl1W
  • هل يجو ز اكل الربا؟
السابق
خلفيات سامسونج اس 3 للبنات
التالي
اعظم الحسنات