افضل مواضيع جميلة بالصور

رحمة الله سبقت غضبه

المسلك الثالث : مسلك الرحمة فانها هي المسئولية الشاملة العامة للموجودات كلها وبها قامت الموجودات ، فهي التي وسعت كل شيء ، والرب وسع كل شيء رحمة وعلما ، فوصلت رحمته الى حيث وصل علمه ، فليس موجود سوى الله تعالى الا وقد وسعته رحمته وشملته وناله منها حظ ونصيب ، ولكن المؤمنون اكتسبوا اسبابا استوجبوا بها تكميل الرحمة ودوامها ، والكفار اكتسبوا اسبابا استوجبوا بها صرف الرحمة الى غيرهم .فاسباب الرحمة متصلة دائمة لا انقطاع لها لانها من صفة الرحمة ، والاسباب التي عارضتها مضمحلة زائلة لانها عارضة على اسباب الرحمة طارئة عليها ، واذا كان كل مخلوق قد انتهت اليه الرحمة ووسعته فلا بد ان يظهر اثرها فيه اخرا كما ظهر اثرها فيه اولا ، فان اثر الرحمة ظهر فيه اول النشاة ثم اكتسب ما يقتضي اثار الغضب ، فاذا ترتب على الغضب اثره عادت الرحمة فاقتضت اثرها اخرها كما اقتضته اولا لزوال المانع وحصول المقتضى في الموضعين .

ومما يوضح هذا المعنى ان الجنة مقتضى رحمته ومغفرته ، والنار من عذابه ، وهو مخلوق منفصل عنه ، ولهذا قال تعالى : ( نبئ عبادي اني انا الغفور الرحيم وان عذابي هو العذاب الاليم ) وقال : ( اعلموا ان الله شديد العقاب وان الله غفور رحيم ) وقال تعالى : ( ان ربك لسريع العقاب وانه لغفور رحيم ) فالنعم موجب اسمائه وصفاته ، واما العذاب فانه من مخلوقاته المقصودة لغيرها بالقصد الثاني ، فهو سبحانه اذا ذكر الرحمة والاحسان والعفو نسبه الى ذاته ، واخبر انه من صفاته ، واذا ذكر العقاب نسبه الى افعاله ولم يتصف به ، فرحمته من لوازم ذاته ، وليس غضبه وعقابه من لوازم ذاته ، فهو سبحانه لا يكون الا رحيما ، كما انه لا يكون الا حيا عليما قديرا سميعا ، واما كونه لا يكون الا غضبانا معذبا فليس ذلك من كماله المقدس ، ولا هو مما اثنى به على نفسه وتمدح به .

يوضح هذا المعنى انه كتب على نفسه الرحمة ، ولم يكتب عليها الغضب ، وسبقت رحمته غضبه وغلبته ، ولم يسبقها الغضب ولا غلبها ، ووسعت رحمته كل شيء ، ولم يسع غضبه وعقابه كل شيء ، وخلق الخلق ليرحمهم لا ليعاقبهم ، والعفو [ ص: 261 ] احب اليه من الانتقام ، والفضل احب اليه من العدل ، والرحمة اثر عنده من العقوبة ، لهذا لا يخلد في النار من في قلبه مثقال ذرة من خير ، وجعل جانب الفضل الحسنة بعشر امثالها الى سبعمائة ضعف الى اضعاف كثيرة ، وجانب العدل السيئة فيه بمثلها وهي معرضة للزوال بايسر شيء ، وكل هذا ينفي ان يخلق خلقا لمجرد عذابه السرمدي الذي لا انتهاء له ولا انقضاء ، لا لحكمة مطلوبة الا لمجرد التعذيب والالم الزائد على الحد ، فما قدر الله حق قدره من نسب اليه ذلك ، بخلاف ما اذا خلقهم ليرحمهم ويحسن اليهم وينعم عليهم ، فاكتسبوا ما اغضبه واسخطه فاصابهم من عذابه وعقوبته بحسب ذلك العارض الذي اكتسبوا ثم اضمحل سبب العقوبة وزال وعاد مقتضى الرحمة ، فهذا هو الذي يليق برحمة ارحم الراحمين وحكمة احكم الحاكمين .

ومما يبين هذا ان الجنة لا يدخلها من لم يعمل خيرا قط ، ويدخلها من ينشئه الله تعالى فيها ، ويدخلها من دخل النار اولا ، ويدخلها الابناء بعمل الاباء ، واما النار فذلك كله منتف فيها ، ولا يدخلها من لم يعمل شرا قط ، ولا ينشئ الله تعالى فيها خلقا يعذبهم من غير جرم ، ولا يدخلها من يدخل الجنة اولا ، ولا يدخلها الذرية بكفر الاباء وعملهم ، وهذا يدل على انها خلقت لمصلحة من دخلها الذيب . . . فضلاته واوساخه وادرانه ، وتطهره من خبثه ونجاسته ، كالكير الذي يخرج خبث الجواهر المنتفع بها ، ولمصلحة من يدخلها ليردعه ذكرها ، والخبر عنها عن ظلمه وغيه ، فليست الداران عند الله سواء في الاسباب والغايات والحكم والمصالح .

يوضح ذلك ان الله تعالى لا يعذب احدا الا لحكمة ، ولا يضع عذابه الا في المحل الذي يليق به ، كما اقتضى شرعه العقوبات الدنيوية بالحدود التي امر باقامتها لما فيها من المصالح والحكم في حق صاحبها وغيره ، وكذلك ما يقدره من المصائب والالام فيها من الحكم ما لا يحصيه الا الله ، من تزكية النفوس وتطهيرها ، والردع والزجر ، وتعريف قدر العاقبة ، وامتحان الخلق ، ليظهر من يعبده على السراء والضراء ممن يعبده على حرف الى اضعاف ذلك من الحكم .

وكيف يخلو اعظم العقوبات عن حكمة ومصلحة ورحمة ، ان مصدرها عن تقدير احكم الحاكمين وارحم الراحمين ، والجنة طيبة لا يدخلها الا طيب ، ولهذا يدخل النار من اهل التوحيد من فيه خبث وشر حتى يتطهر فيها ويطيب ، ومن كان فيه دون ذلك حبس على قنطرة بين الجنة والنار ، [ ص: 262 ] حتى اذا هذب ونقي اذن له بالدخول ، ومعلوم ان النفوس الشريرة الظالمة المظلمة الاثيمة لا تصلح لتلك الدار التي هي دار الطيبين ، ولو ردت الى الدنيا قبل العذاب لعادت لما نهيت عنه ، فلا تصلح لدار السلام التي سلمت من كل عيب وافة ، فاقتضت الحكمة تعذيب هذه النفوس عذابا يطهر نفوسهم من ذلك الشر والخبث ، ويكون مصلحة لهم ، ورحمة بهم ذلك العذاب ، وهذا معقول في الحكمة ، اما خلق النفوس لمجرد العذاب السرمدي لا لحكمة ولا لمصلحة فتاباه حكمة احكم الحاكمين وارحم الراحمين .

يوضحه : ان الله تعالى قيد دار العذاب ووقتها بما لم يقيد به دار النعيم وبوقتها ، فقال تعالى في دار العذاب : ( لابثين فيها احقابا ) وقال : ( النار مثواكم خالدين فيها الا ما شاء الله ان ربك حكيم عليم ) فقيدها بالمشيئة ، واخبر ان ذلك صادر عن حكمته وعلمه ، وقال تعالى : ( فاما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والارض الا ما شاء ربك ان ربك فعال لما يريد ) واما الجنة فانه اخبر ببقاء نعيمها ودوامه وانه لا نفاد له ولا انقطاع ، فقال : ( اكلها دائم وظلها ) وقال ( ان هذا لرزقنا ما له من نفاد ) واما النار فغاية ما اخبر به عنها ان اهلها لا يخرجون منها ، وانهم خالدين فيها وما هم منها بمخرجين ، وهذا مجمع عليه بين ائمة الاسلام ، وهو معلوم بالضرورة ان الرسول جاء به ، ولكن الكلام في مقام اخر ان النار ابدية لا تفنى اصلا ، كما ان الجنة كذلك ، فهذا الذي تكلم فيه الصحابة والتابعون ومن بعدهم .

قال حرب في مسالة : سالت اسحاق عن قول الله تعالى : ( خالدين فيها ما دامت السماوات والارض الا ما شاء ربك ) قال : اتت هذه الاية على كل وعيد في القران ، قال اسحاق : حدثنا عبد الله بن معاذ حدثنا معتمر بن سليمان قال : قال ابي : حدثني ابو نضرة عن جابر وابي سعيد ، او بعض اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : هذه الاية تاتي على القران كله ( الا ما شاء ربك ان ربك فعال لما يريد ) قال المعتمر قال [ ص: 263 ] ابي : كل وعيد في القران ، وقال ابن جرير في تفسيره : حدثنا الحسن بن يحيى حدثنا عبد الرزاق حدثنا ابن التميمي عن ابيه عن ابي نضرة عن جابر وابي سعيد ، وعن رجل من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : ( الا ما شاء ربك ان ربك فعال لما يريد ) قال : ” هذه الاية تاتي على القران كله حيث يقول في القران : ( خالدين فيها ) تاتي عليه ” .

قال ابن جرير : حدثت عن ابن المسيب عمن ذكره عن ابن عباس قال : ( خالدين فيها ما دامت السماوات والارض الا ما شاء ربك ان ربك فعال لما يريد ) قال ( امر النار تاكلهم ) قال : وقال ابن مسعود : لياتين على جهنم زمان تخفق ابوابها ، ليس فيها احد ، وذلك بعدما يلبثون فيها احقابا .

وقال احمد : حدثنا ابن حميد حدثنا جرير عن ساق عن الشعبي قال : جهنم اسرع الدارين عمرانا واسرعها خرابا .

وقال حرب عن اسحاق بن راهويه : حدثنا عبد الله بن معاذ حدثنا ابي ، حدثنا شعبة عن ابي بلج ، سمع عمرو بن ميمون يحدث عن عبد الله بن عمرو قال : ” لياتين على جهنم يوم تصفق فيه ابوابها ليس فيها احد ، وذلك بعدما يلبثون فيها احقابا ” .

وقال اسحاق : حدثنا عبيد بن معاذ حدثنا ابي ، حدثنا شعبة عن يحيى بن ايوب عن ابي زرعة عن ابي هريرة قال ” ما انا بالذي اقول انه سياتي على جهنم يوم لا يبقى فيها احد ، وقرا : ( فاما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والارض الا ما شاء ربك ان ربك فعال لما يريد )

  • صور رحمة الله
  • ا0مل صور الرحمة
  • رحمة الله سبقت
  • رحمة الله سبقت غضبه
  • سبقت الله
السابق
اسباب الغضب السريع
التالي
فوائد زيت حبه البركه