افضل مواضيع جميلة بالصور

خطب عن الصدق

الصدق

يحكى ان رجلا كان يعصي الله -سبحانه- وكان فيه كثير من العيوب، فحاول ان يصلحها، فلم يستطع، فذهب الى عالم، وطلب منه وصية يعالج بها عيوبه، فامره العالم ان يعالج عيبا واحدا وهو الكذب، واوصاه بالصدق في كل حال، واخذ من الرجل عهدا على ذلك، وبعد فترة اراد الرجل ان يشرب خمرا فاشتراها وملا كاسا منها، وعندما رفعها الى فمه قال: ماذا اقول للعالم ان سالني: هل شربت خمرا؟ فهل اكذب عليه؟ لا، لن اشرب الخمر ابدا.
وفي اليوم التالي، اراد الرجل ان يفعل ذنبا اخر، لكنه تذكر عهده مع العالم بالصدق. فلم يفعل ذلك الذنب، وكلما اراد الرجل ان يفعل ذنبا امتنع عن فعله حتى لا يكذب على العالم، وبمرور الايام تخلى الرجل عن كل عيوبه بفضل تمسكه بخلق الصدق.
ويحكى ان طفلا كان كثير الكذب، سواء في الجد او المزاح، وفي احدى المرات كان يسبح بجوار شاطئ البحر وتظاهر بانه سيغرق، وظل ينادي اصحابه: انقذوني انقذوني.. اني اغرق. فجرى زملاؤه اليه لينقذوه فاذا به يضحك لانه خدعهم، وفعل معهم ذلك اكثر من مرة.
وفي احدى هذه المرات ارتفع الموج، وكاد الطفل ان يغرق، فاخذ ينادي ويستنجد باصحابه، لكنهم ظنوا انه يكذب عليهم كعادته، فلم يلتفتوا اليه حتى جري احد الناس نحوه وانقذه، فقال الولد لاصحابه: لقد عاقبني الله على كذبي عليكم، ولن اكذب بعد اليوم. وبعدها لم يعد هذا الطفل الى الكذب مرة اخري.
ما هو الصدق؟
الصدق هو قول الحق ومطابقة الكلام للواقع. وقد امر الله -تعالى- بالصدق، فقال: {يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة: 119].
صدق الله:
يقول الله تعالى: {ومن اصدق من الله قيلا} [النساء: 122]، فلا احد اصدق منه قولا، واصدق الحديث كتاب الله -تعالى-. وقال تعالى: {هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله} [الاحزاب: 22].
صدق الانبياء:
اثنى الله على كثير من انبيائه بالصدق، فقال تعالى عن نبي الله ابراهيم: {واذكر في الكتاب ابراهيم انه كان صديقا نبيا} [مريم: 41].
وقال الله تعالى عن اسماعيل: {واذكر في الكتاب اسماعيل انه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا} [مريم: 54].
وقال الله تعالى عن يوسف: {يوسف ايها الصديق} [يوسف: 46].
وقال تعالى عن ادريس: {واذكر في الكتاب ادريس انه كان صديقا نبيا} [مريم: 56].
وكان الصدق صفة لازمة للرسول صلى الله عليه وسلم، وكان قومه ينادونه بالصادق الامين، ولقد قالت له السيدة خديجة -رضي الله عنها- عند نزول الوحي عليه: انك لتصدق الحديث..
انواع الصدق:
المسلم يكون صادقا مع الله وصادقا مع الناس وصادقا مع نفسه.
الصدق مع الله: وذلك باخلاص الاعمال كلها لله، فلا يكون فيها رياء ولا سمعة، فمن عمل عملا لم يخلص فيه النية لله لم يتقبل الله منه عمله، والمسلم يخلص في جميع الطاعات باعطائها حقها وادائها على الوجه المطلوب منه.
الصدق مع الناس: فلا يكذب المسلم في حديثه مع الاخرين، وقد روي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كبرت خيانة ان تحدث اخاك حديثا، هو لك مصدق، وانت له كاذب) [احمد].
الصدق مع النفس: فالمسلم الصادق لا يخدع نفسه، ويعترف بعيوبه واخطائه ويصححها، فهو يعلم ان الصدق طريق النجاة، قال صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك الى ما لا يريبك، فان الكذب ريبة والصدق طمانينة) [الترمذي].
فضل الصدق:
اثنى الله على الصادقين بانهم هم المتقون اصحاب الجنة، جزاء لهم على صدقهم، فقال تعالى: {اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون} [البقرة: 177].
وقال تعالى: {قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم} [المائدة: 119].
والصدق طمانينة، ومنجاة في الدنيا والاخرة، قال صلى الله عليه وسلم: (تحروا الصدق وان رايتم ان فيه الهلكة، فان فيه النجاة) [ابن ابي الدنيا].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ان الصدق يهدي الى البر، وان البر يهدي الى الجنة، وان الرجل ليصدق؛ حتى يكتب عند الله صديقا، وان الكذب يهدي الى الفجور، وان الفجور يهدي الى النار، وان الرجل ليكذب، حتى يكتب عند الله كذابا) [متفق عليه].
فاحرى بكل مسلم واجدر به ان يتاسى برسول الله صلى الله عليه وسلم في صدقه، وان يجعل الصدق صفة دائمة له، وما اجمل قول الشاعر:
عليك بالصدق ولو انه
احرقك الصدق بنار الوعيد
وابغ رضا المولي، فاشقي الوري
من اسخط المولي وارضي العبيد
وقال الشاعر:
وعود لسانك قول الصدق تحظ به
ان اللسان لما عودت معتاد
الكذب:
وهو ان يقول الانسان كلاما خلاف الحق والواقع، وهو علامة من علامات النفاق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اية المنافق ثلاث: اذا حدث كذب، واذا وعد اخلف، واذا ائتمن خان) [متفق عليه].
والمؤمن الحق لا يكذب ابدا، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: ايكون المؤمن جبانا؟ قال: (نعم).
قيل: ايكون المؤمن بخيلا؟ قال: (نعم).
قيل: ايكون المؤمن كذابا؟ قال: (لا) [مالك].
والكذاب لا يستطيع ان يداري كذبه او ينكره، بل ان الكذب يظهر عليه، قال الامام علي: ما اضمر احد شيئا الا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه.
وليس هناك كذب ابيض وكذب اسود، او كذب صغير وكذب كبير، فكل الكذب مكروه منبوذ، والمسلم يحاسب على كذبه ويعاقب عليه، حتى ولو كان صغيرا، وقد قالت السيدة اسماء بنت يزيد -رضي الله عنها- لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، اذا قالت احدانا لشيء تشتهيه: لا اشتهيه، يعد ذلك كذبا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (ان الكذب يكتب كذبا، حتى تكتب الكذيبة كذيبة) [احمد].
وعن عبد الله بن عامر -رضي الله عنه- قال: دعتني امي يوما -ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا- فقالت: تعال اعطك، فقال لها: (ما اردت ان تعطيه؟). قالت: اردت ان اعطيه تمرا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اما انك لو لم تعطه شيئا كتبت عليك كذبة) [ابوداود].
الكذب المباح:
هناك حالات ثلاث يرخص للمرء فيها ان يكذب، ويقول غير الحقيقة، ولا يعاقبه الله على هذا؛ بل ان له اجرا على ذلك، وهذه الحالات هي:
الصلح بين المتخاصمين: فاذا علمت ان اثنين من اصدقائك قد تخاصما، وحاولت ان تصلح بينهما، فلا مانع من ان تقول للاول: ان فلانا يحبك ويصفك بالخير.. وتقول للثاني نفس الكلام…وهكذا حتى يعود المتخاصمان الى ما كان بينهما من محبة ومودة.
الكذب على الاعداء: فاذا وقع المسلم في ايدي الاعداء وطلبوا منه معلومات عن بلاده، فعليه الا يخبرهم بما يريدون، بل يعطيهم معلومات كاذبة حتى لا يضر بلاده.
في الحياة الزوجية: فليس من ادب الاسلام ان يقول الرجل لزوجته: انها قبيحة ودميمة، وانه لا يحبها، ولا يرغب فيها، بل على الزوج ان يطيب خاطر زوجته، ويرضيها، ويصفها بالجمال، ويبين لها سعادته بها -ولو كان كذبا-، وكذلك على المراة ان تفعل هذا مع زوجها، ولا يعد هذا من الكذب، بل ان صاحبه ياخذ عليه الاجر من الله رب العالمين.
المسلم لا يكذب في المدح او المزاح:
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم اناسا منافقين يمدحون من امامهم ولو كذبا، فقال صلى الله عليه وسلم: (اذا رايتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب) [مسلم].
وهناك اناس يريدون ان يضحكوا الناس؛ فيكذبون من اجل اضحاكهم، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم؛ فيكذب، ويل له، ويل له) [الترمذي].
وقال صلى الله عليه وسلم: (انا زعيم بيت في ربض الجنة (اطرافها) لمن ترك المراء وان كان محقا، وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وان كان مازحا، وبيت في اعلى الجنة لمن حسن خلقه) [ابوداود].
وكان ابو بكر الصديق -رضي الله عنه- اذا سمع من يمدحه يقول: اللهم انت اعلم بي من نفسي، وانا اعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيرا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون.

 

السابق
لون النحاسى
التالي
رواية هي وهو والخوف