افضل مواضيع جميلة بالصور

مقال نقدية

لطالما كانت الحكاية غربية السرد ايا كان دراكولا الذي نتحدث عنه، سواء اكان ذاك الذي يظهر في افلام الرعب، ام كان “الكاونت” دراكولا المسلي الذي يظهر في النسخة الانكليزية “شارع السمسم” ويعلم الاطفال العد. الجديد في رواية “المخوزق” للروائي السعودي اشرف احسان فقيه هي اننا نسمع الحكاية بلسان مشرقي.

“المخوزق” تحكي عن قصة “دراكولا” الشهيرة من خلال تتبع رحلة اورهان افندي، مبعوث السلطان العثماني محمد الثاني (الفاتح)، المرسل كي يبطل الخرافة المخيفة التي تتناقلها الالسن. ونحن هنا ازاء صنف روائي يجمع بين ثلاثة امور: التاريخ، والفانتازيا، والرعب.

علي ان اشير بداية ان قصة “دراكولا” الاصلية هي رواية ل”برام ستوكر” صدرت في العام 1897، ويرى النقاد ان ستوكر استلهم شخصية دراكولا الدموية من سيرة ڤلاد الثالث الشهير ب”المخوزق” حاكم “ولاشيا” السايكوباتي والذي اكتسب اسم دراكولا (اي ابن التنين او الشيطان) وله تاريخ من الشد والجذب مع الدولة العثمانية التي افقدها الاف مؤلفة من بنيها. وعرف ڤلاد هذا باختراع طرق وحشية للتخلص ممن لا يروقون له.

ما يقدمه فقيه لنا في “المخوزق” هو مزيج صعب، فهناك الخيط التاريخي في استقصاء تلك الفترة التاريخية، وكتابة التاريخ روائيا مهمة مرهقة جدا، فهي تمر بامور عريضة وعامة مثل مراعاة الاحداث التاريخية، وبدقائق متعبة مثل مراعاة وصف الاماكن، والادوات، والطبيعة، بل وحتى الاسماء التي يتسمى بها الناس في تلك الفترة. والخيط الثاني هو خيط الفانتازيا، خيط تلك الخرافة الادبية-الفنية التي الهمت الكثيرين، وتقديمها بطريقة اصيلة ومغايرة لكن تتسق في الوقت ذاته مع القالب التاريخي الذي تاتي من خلاله. وهذه برايي مهمة ليست بالسهلة فقد يكون من الاسهل كتابة فانتازيا تدور في المستقبل، او في الفضاء الخارجي، او في عالم ما تحت الارض، حيث يمكن للاحداث ان تنساب دون ان يقلق المؤلف حول قيود التاريخ. لكن ان يكون الماضي هو الاطار الذي تدور فية الاحداث، وان تكون الرواية مهمومة بالتوثيق التاريخي وباصالة الفانتازيا التي تقدمها في الوقت نفسه، فهذه مهمة ليست يسيرة ابدا، وارى ان الكاتب وفق في ذلك. هذا قطعا لا يعني ان كل ما ورد في الرواية حدث فعلا، فالبادي ان عددا لا باس به (بما في ذلك البطل اورهان افندي) هي من نسخ خيال الكاتب، وكذلك هي تفاصيل الاحداث، لكن كل ما يحدث كان مربوطا بالصورة التاريخية العامة، يتاطر باطارها، ويسير في مجراها.

بطل الرواية هو اورهان افندي، المعلم الالمعي -لكن المغمور- الذي تصل سيرة رجاحة عقله وسعة علمه الى السلطان محمد الفاتح، فينتجبه ليتقصى الحقائق ويخرس الاقاويل عن تلك الانفس التي تموت في “ولاشيا” (التابعة للحكم العثماني) وقد نهش شيء رقبتها. كان الناس يرددون ان ڤلاد الثالث (دراكولا) قد جاء بعث من الجحيم، وانه هو من اجهز على كل هؤلاء! وبدل ان ياتي اورهان ظافرا، يجد هذا الشيء وقد نهش رقبة مرافقيه الموكلين بحمايته واخفائه عن الاعين. يختطفه بعدها جماعة من الغجر (او “الرومن” كما يسمون انفسهم) الذين يحاولون التاكيد لاورهان بان ما يظنه خرافة حقيقة، وبانهم لهم شخصيا ثار مع ابن الشيطان هذا، الا ان اورهان يظل غير مصدق. وحينما تقترب الحكاية نحو النهاية تبرز طائفة من المفاجات مكانها قلعة “بوناري” حيث يقابل ميخنا وميخائيل، ومفاجات من العيار الثقل تفسر كل ما كان يحدث. بانت الرؤية، ودكت الخرافة بان حل محلها تفسير فواجعي، تفسير منطقي جدا، وبعيد عن الماورائيات والاقاويل المستشرية، لكنه تفسير يجعلنا نفضل الخرافة على معرفة ما يدور فعلا. المؤسف ان اورهان يجابه الموت قبل ان ينقل هذه الاخبار لارض الاناضول.

الرواية تحمل تحذيرا بانها غير مناسبة لمن هم دون السابعة عشرة، وهذا تحذير واجب، فالرواية فيها تفاصيل اقل ما يقال عنها انها غير مناسبة للجميع، بل مزعجة، بل مرعبة. لكن الرواية ليست من نوعية الروايات المكتوبة لاثارة الرعب وحسب (الرعب لاجل الرعب اذا شئتم)، لكن طبيعة القصة تفترض هذه التفاصيل المرعبة. تصل الرواية الى اقصى دمويتها في الفصول الثلاثة الاخيرة، وشخصيا انصح بقراءة هذا الجزء حينما يكون القارئ سلفا في مزاج سيء ويشعر بالتقزز من العالم.

كنت اتمنى في بعض المواضع مزيدا من الهوامش لشرح بعض الكلمات او توضيح بعض الجهات الجغرافية، او وضع ذلك في محلق اخر الكتاب. كما ان شخصية “شيلا” الغجرية تبدو مكررة، وتتشابه الى حد بعيد مع شخصية “ازميرالدا” الغجرية في رواية فيكتور ايغو “احدب نوتردام”. نجد شيلا في “المخوزق” جميلة الى حد لا يتسق مع الغجر، شانها شان ازميرالدا، يرافقها دب اليف منزوع الاسنان، في حين يرافق ازميرلدا عنزة.

ختم المؤلف الرواية بشكل جيد وحاسم، بان اوقع اورهان في يد من كان وراء هذه الجرائم الذي اخذ يعده العدة للقضاء على اورهان، وهذه النهاية –رغم انها مؤسفة- الا انها كانت كافية وجيدة فنيا. ثم يبدو ان المؤلف ندم على حسمه هذا، فاضاف بضعة جمل تجعل النهاية اقل حسما ودراماتيكية، بان حول انتباه القارئ من مسالة قتل اورهان، الى حالة اورهان النفسية خلال الموت، وماذا قد يفكر فيه. وهذا امر مفتوح للتاويلات، ويشتت انبهار القارئ بالعمل.

رواية المخوزق لاشرف فقيه، دروس في التاريخ وفي كيفية النظر اليه من اكثر من زاوية، معلومات مثرية، وحبكة مشوقة وان كانت مرعبة. هذه الرواية –بكل المقاييس- مشروع ممتاز لفلم عربي قد يصل للعالمية ان اتيحت له الامكانات الجادة.

  • مقال المخوزق
  • مقالات نقديه باللغه الانكليزيه لبعض الروايات
السابق
اريد معرفه وقت الولادة باتاريخالهجري
التالي
عشبة الكثيرا للشعر