السؤال
خطب شاب فتاة لمدة عام ونصف، ولم يكن جادا في اتمام الزواج، ثم بعد ذلك انفصل عنها من تلقاء نفسه؛ فهل له حق في الذهب الذي اهداها اياه في بداية الخطبة؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وبعد:
اذا اهدى الخاطب الى مخطوبته، او انفق عليها، ثم لم يتم الزواج، ففي الرجوع بالهدية والنفقة خلاف بين العلماء، نوجزه فيما يلي:
اولا: ذهب الحنفية الى: ان الخاطب اذا خطب، ثم لم يزوجها ابوها، فما بعث للمهر، يسترد عينه قائما، وان تغير بالاستعمال، او بدله ان هلك؛ لانه اعطي على سبيل المعاوضة ولم تتم، فجاز الاسترداد، وكذا يسترد ما بعث هدية، وهو قائم دون الهالك والمستهلك؛ لانه في معنى الهبة، والهلاك او الاستهلاك مانع من الرجوع بها.
قال الحصكفي في “الدر المختار”: “(خطب بنت رجل، وبعث اليها اشياء، ولم يزوجها ابوها، فما بعث للمهر يسترد عينه قائما) فقط، وان تغير بالاستعمال (او قيمته هالكا)؛ لانه معاوضة ولم تتم، فجاز الاسترداد، (وكذا) يسترد (ما بعث هدية، وهو قائم دون الهالك والمستهلك)؛ لانه في معنى الهبة، (ولو ادعت انه)، اي: المبعوث (من المهر، وقال هو وديعة، فانه كان من جنس المهر، فالقول لها، وان كان من خلافه، فالقول له) بشهادة الظاهر”. اه.
ثانيا: ذهب الشافعية الى: ان من خطب امراة، ثم انفق عليها نفقة ليتزوجها، فله الرجوع بما انفقه على من دفعه له، سواء اكان ماكلا ام مشربا ام حلوى ام حليا، وسواء رجع هو ام مجيبه ام مات احدهما؛ لانه انما انفقه لاجل تزوجها، فيرجع به ان بقي، وببدله ان تلف، ولو كان ذلك بقصد الهدية لا لاجل تزوجه بها، لم يختلف في عدم الرجوع، وقالوا: لو دفع الخاطب بنفسه او وكيله او وليه شيئا من ماكول، او مشروب، او ملبوس لمخطوبته او وليها، ثم حصل اعراض من الجانبين او من احدهما، او موت لهما، او لاحدهما – رجع الدافع او وارثه بجميع ما دفعه، ان كان قبل العقد مطلقا، وكذا بعده ان طلق قبل الدخول او مات، لا ان ماتت هي، ولا رجوع بعد الدخول مطلقا.
وفي “فتاوى الرملي”: “(سئل) عمن خطب امراة، ثم انفق نفقة ليتزوجها، ولم يتزوجها: هل يرجع بما انفقه ام لا؟ (فاجاب): بان له الرجوع بما انفقه على من دفعه له، سواء كان ماكلا او مشربا ام حلوى ام حليا، وسواء رجع هو ام مجيبه ام مات احدهما؛ لانه انما انفقه لاجل تزويجه بها، فيرجع به ان بقي وببدله ان تلف، وظاهره انه لا حاجة الى التعرض؛ لعدم قصده الهدية لا لاجل تزوجه بها؛ لانه صورة المسالة؛ اذ لو قصد ذلك، لم يختلف في عدم رجوعه”. اه .
ثالثا: ذهب الحنابلة الى ان هدية الزوج ليست من المهر نصا، فما اهداه الزوج من هدية قبل عقد – ان وعدوه بان يزوجوه ولم يفوا – رجع بها – قاله ابن تيمية – لانه بذلها في نظير النكاح ولم يسلم له، وان امتنع هو لا رجوع له.
قال الرحيباني في “مطالب اولي النهى”: “وحينئذ فلمعطي الهدية رجاء المعاوضة او قضاء حاجة ممن اهدى اليه، فلم يفعل ان (يرجع) بهديته ان كانت باقية، او بدلها ان تلفت، (كزوج) خطب امراة، و (وعد) ه اولياؤها ان يزوجوها منه، (ولم يفوا له) بما وعدوه من التزويج، وكان قد اهدى لهم بعد ان اجابوه قبل عدولهم عن التزويج، فله الرجوع بما اهداهم؛ لانه دفع ذلك على عوض لم يسلم له، فكان له الرجوع به، وهو متجه”. اه.
والذي نرجحه هنا: ان الشبكة وغيرها من الهدايا اذا لم تدخل في المهر، وكانت على سبيل الهدية، فالتفصيل فيها كالاتي (وهذا التفصيل عند المالكية):
اولا: اذا كان العدول من جهة الخاطب – كما في مسالتنا – او كان الخاطب هو الذي حمل اهل المخطوبة على الفسخ بسوء معاملته – فلا يكون له حق الرجوع، لا في الشبكة ولا غيرها من الهدايا، وتكون من حق المخطوبة، وانما رجحنا هذا؛ لانه ارفق بالناس، واكفل بتحقيق العدالة بينهم، واوفق لقواعد الشريعة واصولها العامة، التي قامت على رعاية المصالح وجلبها، ودفع المفاسد ودرئها، وفي الزام الخاطب بذلك حماية المجتمع من تلاعب الخطاب والحرص على تقوية نفس المعدول عنه؛ لانه يشعر بعد عدول المقابل بنوع من الحزن والاسى، الذي يجبره المال شيئا ما.
وهذا الحكم مقيد بكون عدوله بدون سبب، فان كان عدوله بسبب، كعلمه بعيب من عيوب النكاح بعد ان كان جاهلا به، ونحو ذلك، ويوكل علم الخاطب بالعيوب قبل الخطبة الى ديانته – تدينه والتزامه باحكام الدين باطنا – فان ادعى عدم العلم بها، فالقول قوله؛ لانه منكر للعلم به، والاصل العدم، فان ادعوا علمه به، فانكر، ولم تكن عندهم بينة؛ صدق بيمينه.
ثانيا: ان كان العدول من جانب المخطوبة، فان للخاطب ان يسترد الشبكة والهدايا ان كانت باقية، او ثمنها ان كانت هالكة.
وننبه الى ان هذه الاحكام تتصل بالخطبة فقط، ولا علاقة لها بالاحكام التي تترتب على العقد او الدخول، فلكل مرحلة احكام تخصها.
- هل الشبكة من حق الزوجة
- اهدى مخطوبته هل صداق
- هل من حق من يفسخ الخطوبة استرداد الشبكة