بسم الله الرحمان الرحيم .
وبركاته
الحمد لله ” ذي الجلال والاكرام والمواهب العظام والمتكلم بالقران والخالق للانسان والمنعم عليه بالايمان والمرسل رسوله بالبيان محمدا صلى الله عليه وسلم ما اختلف الملوان وتعاقب الجديدان ارسله بكتابه المبين الفارق بين الشك واليقين الذي اعجزت الفصحاء معارضته واعيت الالباء مناقضته واخرست البلغاء مشاكلته فلا ياتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا “[1].
وبعد: فمن اهم الامور التي يجب فيها التناصح والتواصي تعظيم كتاب الله ، والتنبيه على الوجوه الصحيحة للتعظيم , لان الانسان قد يميل به الجهل و الشيطان الى امور يظنها تعظيما وهي بضد ذلك كما قيل :
رام نفعا فضر من غير قصد … ومن البر ما يكون عقوقا
ومن ذلك امور ثلاثة مستنكرة غفل الناس عنها وتتابعوا على الوقوع فيها مع شناعتها وظهور فسادها وهي :
1_تعليق الايات القرانية على الجدران.
2_وضع لفظ الجلالة وبجانبه اسم الرسول عليه الصلاة والسلام.
3_كتابة الايات على شكل لا يجوز ( حيوان, طائر, هيئة رجل راكع او ساجد ) او بخطوط لا تفهم .
فاستعنت بالله في تقريب وجمع فتاوى لبعض اهل العلم[2]في هذه المسائل ,مستمدا من الله عونه وتوفيقه انه ولي ذلك و القادر عليه .
سئل فضيلة الشيخسعد بن ناصر الشثري حفظه اللهقد كثر في هذه الاعوام تعليق الايات القرانية، والاحاديث النبوية، وما عرف من اسماء الله الحسنى، او بعض الاذكار، على الجدران داخل المساجد، والبيوت، والمكاتب، والسيارات، ونحوها؟ فما هو الحكم الشرعي في ذلك؟.
فاجاب بقوله:
لقد ذهب جماهير العلماء الى ان كتابة وتعليق ايات القران على الجدران ونحوها مكروه.
وبهذاقال بعض الحنفية:
قال العلامة ابن نجيم ت970ه رحمه الله: (وليس بمستحسن كتابة القران على المحاريب والجدران لما يخاف من سقوط الكتابة وان توطا) البحر الرائق شرح كنز الدقائق ج2/40، وكذا في مجمع الانهر في شرح ملتقى الابحر ج1/191 للافندي.
وقال ابن عابدين ت1252ه رحمه الله:وتكره كتابة القران، واسماء الله تعالى على الدرهم، والمحاريب، والجدران، وما يفرش، والله تعالى اعلم.حاشية ابن عابدين (ج1/179).
وهو الظاهر من قول المالكية:
قال الامام القرطبي ت631ه:ومن حرمته الا يكتب على الارض ولا على حائط كما يفعل به في المساجد المحدثة، حدثنا محمد بن علي الشقيقي عن ابيه عن عبد الله بن المبارك عن سفيان عن محمد بن الزبير قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يحدث قال: «مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب في ارض فقال لشاب من هذيل: ما هذا، قال: من كتاب الله كتبه يهودي، فقال:لعن الله من فعل هذا،لا تضعوا كتاب اللهالا موضعه»قال محمد بن الزبير:راى عمر بن عبد العزيز ابنا له يكتب القران على حائط فضربه.الجامع لاحكام القران (ج1/30)، وانظر: التذكار في افضل الاذكار (ص120 )كلاهما للقرطبي.
وقال الشيخ محمد بن عليش رحمه الله: (وينبغي حرمة نقش القران، واسماء الله تعالى مطلقا، لتاديته الى الامتهان، وكذا نقشها على الحيطان)منح الجليل على مختصر العلامة خليل (ج1/517-518.)
وقال احمد بن محمد الدردير ت1201ه رحمه الله: (وظاهره ان النقش مكروه ولو قرانا، وينبغي الحرمة، لانه يؤدي الى امتهانه كذا ذكروا، ومثله نقش القران، واسماء الله في الجدران)الشرح الكبير على مختصر خليل (ج1/425).
وبه قال الشافعية:
قال الامام النووي ت676ه رحمه الله:(مذهبنا انه يكره نقش الحيطان والثياب بالقران، وباسماء الله تعالى.وقال ايضا:(لا تجوز كتابة القران بشيء نجس، وتكره كتابته على الجدران عندنا)التبيان في اداب حملة القران (ص89 و 97 )للنووي، وانظر: حاشية الباجوري على شرح ابن قاسم الغزي (ج1/198 )لابراهيم الباجوري.
وقال ايضا: (ويكره كتابته على الحيطان سواء المسجد وغيره)روضة الطالبين ج1/80.
وقال الشيخ محمد الشربيني ت977ه رحمه الله:ويكره كتب القران على حائط ولو لمسجد، وثياب، وطعام، ونحو ذلك، ويجوز هدم الحائط، ولبس الثوب، واكل الطعام، ولا تضر ملاقاته ما في المعدة، بخلاف ابتلاع قرطاس عليه اسم الله تعالى فانه يحرم عليه) الاقناع في حل الفاظ ابي شجاع (ج1/104)، وانظر: مغني المحتاج الى معرفة معاني الفاظ المنهاج( ج1/38) كلاهما للشربيني.
وقال الشيخ الشرواني رحمه الله:يكره كتب القران على حائط، وسقف، ولو لمسجد، وثياب، وطعام، ونحو ذلك)حاشية الشرواني (ج1/156.)
وقال العلامة السيوطي ت911ه رحمه الله: (قال اصحابنا:وتكره كتابته على الحيطان، والجدران، وعلى السقوف اشد كراهة)الاتقان في علوم القران (ج2/454).
وقال الشيخ صديق حسن خان ت1307ه رحمه الله: (قالت الشافعية:وتكره كتابته على الحيطان، والجدران، وعلى السقوف اشد كراهية، لانه يوطا.انتهى) ابجد العلوم الوشي المرقوم في بيان احوال العلوم (ج2/37).
والحنابلة:
قال شيخ الاسلام ابن تيمية ت728ه رحمه الله:(واما حياصة الفضة: ففيها نزاع بين العلماء، وقد اباحها الشافعي، واحمد في احدى الروايتين، واما كتابة القران عليها:فيشبه كتابة القران على الدرهم، والدينار، ولكن يمتاز هذا بانها تعاد الى النار بعد الكتابة، وهذا كله مكروه، فانه يفضي الى ابتذال القران، وامتهانه، ووقوعه في المواضع التي ينزه القران عنها، فان الحياصة والدرهم والدينار ونحو ذلك هو في معرض الابتذال والامتهان، وان كان من العلماء من رخص في حمل الدراهم المكتوب عليها القران فذلك للحاجة، ولم يرخص في كتابة القران عليها، والله اعلم) مجموع الفتاوى (ج25/66-67.)
وقال العلامة محمد بن مفلح ت762ه رحمه الله: وقال ابو المعالي:يكره كتابة القران على الدراهم عند الضرب الفروع (ج1/126 )لابن مفلح، وانظر: الاقناع (ج1/42 )لموسى الحجاوي.
وقال الشيخ منصور البهوتي ت1051ه رحمه الله:وتكره كتابة القران على الدرهم، والدينار، والخياطة.كشاف القناع عن متن الاقناع (ج3/272.)..اه(التبيان في حكم تعليق القران على الجدران)
السؤال:ان حامله عبد الله محمد بالطو معه عينة من علاقات حائط مكتوب عليها ايات قرانية وصورة المسجد النبوي والكعبة والمسجد الاقصى لتشويق الناس اليها، وهي جارية منذ سنتين وموجودة بكثير من البيوت، ويذكر بان الجمرك حجزها عليه بتوجيه من مندوب الهيئة، ويا سبحان الله كيف يسمح بدخول الصور الخليعة والمملوءة الاسواق منها ويمنع مثل ذلك، ارى ان هذا من الدس والتشويه ووضع الامور بغير مواضعها؛ لهذا ارجو مشاهدة ذلك وهيئتكم الموقرة والامر بما يلزم نحو ذلك، حفظكم الله ورعاكم؟
الجواب :اولا:انزل الله تعالى القران موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة للمؤمنين، وليكون حجة على الناس، ونورا وبصيرة لمن فتح قلبه له، يتلوه ويتعبد به، ويتدبره، ويتعلم منه احكام العقائد والعبادات والمعاملات الاسلامية ويعتصم به في
كل احواله، ولم ينزل ليعلق على الجدران زينة لها، ولا ليجعل حروزا وتمائم تعلق في البيوت او المحلات التجارية ونحوها؛ صيانة وحفظا لها من الحريق واللصوص، وما شابه ذلك مما يعتقده بعض العامة، وخاصة المبتدعة -وما اكثرهم- فمن انتفع بالقران فيما انزل من اجله فهو على بينة من ربه وهدى وبصيرة، ومن كتبه على الجدران او على خرق تعلق عليها ونحو ذلك؛ زينة او حرزا وصيانة للسكان والاثاث وسائر المتاع فقد انحرف بكتاب الله او باية او بسورة منه عن جادة الهدى، وحاد عن الطريق السوي والصراط المستقيم، وابتدع في الدين ما لم ياذن به الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم قولا او عملا، ولا عمل به الخلفاء الراشدون وسائر الصحابة رضي الله عنهم اجمعين ولا ائمة الهدى في القرون الثلاثة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بانها خير القرون، ومع ذلك فقد عرض ايات القران او سوره للاهانة عند الانتقال من بيته الى اخر بطرح هذه الخرق في الاثاث المتراكم، وكذا الحال عند بلاها وطرحها هنا وهنا مما لا ينبغي، وجدير بالمسلم ان يرعى القران واياته، والمحافظة على حرمته، ولا يعرضه لما قد يكون فيه امتهان له.
ثانيا: اطلعت اللجنة على الخرق الثلاث، (العلاقات) ، فوجدت ان احداها قد كتب عليها البسملة، وقوله تعالى: {فول وجهك شطر المسجد الحرام} وقوله: {رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي وان اعمل صالحا ترضاه وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين} وفيها صورة الكعبة وصور لرجال ونساء في المطاف، وفي الثانية: البسملة وسورة الفاتحة ودعاء ولفظ الجلالة واسم محمد صلى الله عليه وسلم واسماء الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم بازاء لفظ الجلالة، وصورة المسجد الاقصى. وتطبيقا لما تقدم في رقم (1) لا يجوز اتخاذ هذه الخرق ولا تعليقها في البيوت او المدارس او النوادي او المحلات التجارية ونحوها زينة لها او تبركا بها مثلا؛ للامور الاتية:
(ا) لما في ذلك من الانحراف بالقران عما انزل من اجله من الهداية والموعظة الحسنة والتعبد بتلاوته ونحو ذلك.
(ب)لمخالفة ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم، فانهم لم يكونوا يفعلون ذلك، والخير كل الخير في اتباعهم لا في الابتداع.
(ج)سد ذريعة الشرك، والقضاء على وسائله من الحروز والتمائم وان كانت من القران؛ لعموم حديث النهي عن ذلك، ولا شك ان تعليق هذه الخرق وامثالها يفضي الى اتخاذها حروزا؛
لصيانة ما علقت فيه، كما دل على ذلك التجربة وواقع الناس.
(د) ما في الكتابة عليها من اتخاذ القران وسيلة لترويج التجارة فيها والزيادة في كسبها، فانها خرقة لا تساوي الا ثمنا زهيدا، فاذا كتب عليها القران راجت وارتفع سعرها، وما انزل القران ليتخذ الة ووسيلة للرواج التجاري وزيادة الاسعار، فيجب ان يترفع به عن ذلك.
(ه) في ذلك تعريض ايات القران وسوره للامتهان والاذى عند الانتقال من بيت الى اخر حيث ترمى مع اثاث البيت المتراكم على اختلاف انواعه، وكذلك عند بلاها فتطرح هذه الخرقة بما فيها من القران فيما ينبغي وما لا ينبغي. وبالجملة: اغلاق باب الشر، والسير على ما كان عليه ائمة الهدى في القرون الاولى التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية – اسلم للمسلمين في عقائدهم وسائر احكام دينهم من ابتداع بدع لا يدرى مدى ما تنتهي اليه من الشر.
ثالثا: لا يجوز ان يكون التشويق الى الخير ببدع تفضي الى الشرك، وتعريض القران للمهانة واتخاذ كتابته على الخرق التي تعلق على الجدران وسيلة لنفاق التجارة وزيادة ثمنها، ولا يعدم الداعية الى الخير وسائل اخرى مشروعة ناجحة.
رابعا: كثرة امثال هذه الخرق (العلاقات) ، وانتشارها منذ زمن بعيد ووجودها في بيوت كثير من الناس وامتلاء الاسواق بها دليل على الضعف والفتور، وعدم مبالاة من اتخذها او اتجر فيها بارتكاب المنكر او الجهل به، وليس دليلا على جواز اتخاذها، فالمبتدعة والمخرفون كثرة، والمدافعون عن البدع اكثر، ولا حول ولا قوة الا بالله، بل ما وقع من بعض الناس من اتخاذها منكر يجب على العلماء التعاون على انكاره والقضاء عليه استيرادا واستعمالا، لكن المراقب الديني الذي حصل منه التوجيه لحجز هذه الخرق، (العلاقات) فعل ما في اختصاصه -شكر الله له سعيه- اما ما زاد على ذلك من المنكرات التي عمت وطمت فهو اسوة غيره في انكار المنكر في حدود علمه وقدرته، ولا يعتبر فيما فعل من اهل الدس والتشويه، بل قدم معروفا للامة يحمد عليه، وادى واجب مهمته التي اسندت اليه على ما تبين له من احكام الشريعة، وحسن توجيه رئاسته له. وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، واله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء الفتوى رقم (2078)
عضو عضو نائب رئيس اللجنة الرئيس
- هل يجوز التجاره بالقران