((لان ياخذ احدكم احبله, ثم ياتي الجبل, فياتي بحزمة من حطب على ظهره, فيبيعها, فيكف الله بها وجهه, خير له من ان يسال الناس, اعطوه او منعوه))
[اخرجه البخاري في الصحيح عن الزبير بن العوام ]
هذا الحديث الشريف يبين قيمة العمل، والنبي عليه الصلاة والسلام حينما امسك بيد عبد الله بن مسعود وراها خشنة، قال عليه الصلاة والسلام:
((ان هذه اليد يحبها الله ورسوله))
النبي عليه الصلاة والسلام دخل الى المسجد، فراى انسانا يصلي ساله:
((من يطعمك؟ قال: اخي, فقال عليه الصلاة والسلام: اخوك اعبد منك))
في هذا الحديث اشارات دقيقة: عن هشام بن عروة, عن ابيه, عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((لان ياخذ احدكم حبله))
وفي رواية:
((احبله))
جمع حبل، ولكن الجموع في اللغة العربية على نوعين، جموع قلة وجموع كثرة، هذا من جموع القلة، وجمع الكثرة الحبال .
((لان ياخذ احدكم احبله, -ثم ياتي الجبل، لماذا اختار النبي عليه السلام الجبل؟ يبدو ان صعود الجبل امر شاق، فيعطينا النبي عليه الصلاة والسلام اعلى درجات بذل الجهد، قال تعالى:
﴿الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا﴾
[سورة الملك الاية:2]
خلقنا ليبتلينا، فهنا حدد النبي عليه السلام الجبل، او قال بعض شارحي الحديث: المقصود اي مكان اخر، على كل؛ هناك بذل للجهد- ثم ياتي الجبل, فياتي بحزمة من حطب على ظهره.
-قال بعضهم: على ظهر حماره، او على ظهره هو، والاولى على ظهره, مبالغة في بذل الجهد، كم يقدس النبي عليه السلام العمل، اذا فعل هذا؛ توجه الى جبل، وجاء بحزمة حطب، وتجشم مشاق قطعها، ومشاق بيعها، خير له الف مرة من ان يسال الناس، بل ان الامام الشافعي رضي الله عنه, يرى ان الذي يستطيع ان يكسب رزقه ويسال الناس، فقد وقع في اثم كبير، بل وقع في درجة الحرمة- .
فياتي بحزمة من حطب على ظهره, فيبيعها, فيكف الله بها وجهه))
فقد سئل الامام علي كرم الله وجه:
((ما الذل؟ فقال: ان يقف الكريم في باب اللئيم, ثم يرده))
بل في نهج البلاغة قول للامام علي كرم الله وجهه:
((والله والله مرتين، لحفر بئرين بابرتين، وكنس ارض الحجاز في يوم عاصف بريشتين، ونقل بحرين زاخرين بمنخلين، وغسل عبدين اسودين, حتى يصيرا ابيضين، اهون علي من طلب حاجة من لئيم لوفاء دين))
ان يقف الكريم بباب اللئيم ثم يرده، لذلك من الذل: ان يحتاج الكريم اللئيم، فالنبي عليه السلام يقول:
((ابتغوا الحوائج بعزة الانفس، فان الامور تجري بالمقادير))
النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((لا يحل لمؤمن ان يذل نفسه))
يقول عليه الصلاة والسلام:
((شرف المؤمن قيامه الليل، وعزه استغناؤه عن الناس))
يقول عليه السلام :
((الايمان عفيف عن المحارم, عفيف عن المطامع))
يعني: نفس المؤمن نفس راقية، شخصيته شخصية فذة، تابى الضيم، تابى الذل:
((من جلس الى غني فتضعضع له, ذهب ثلثا دينه))
اذا:
((لان ياخذ احدكم احبله, ثم ياتي الجبل, فياتي بحزمة من حطب على ظهره, فيبيعها, فيكف الله بها وجهه .
-يستغني بهذا الدخل عن بذل ماء وجهه، يستغني بهذا الدخل, عن ان يريق ماء وجهه، يستغني بهذا الكسب, عن ان يقف بباب اللئيم-, خير له من ان يسال الناس اعطوه او منعوه))
لذلك سيدنا الصديق كان على ناقته، فنزل من على ناقته, وحوله اصحابه، تعجبوا، نزل ليلتقط زمام بعيره، فازدادوا عجبا، قالوا:
((يا خليفة رسول الله, نكفيك ذلك، قال: امرني حبيبي الا اسال الناس شيئا))
ما دمت قادرا على ان تقضي حاجتك بيدك فافعل، هذا من اخلاق المسلم، بل ان بذل الجهد قوام الطب الوقائي، الطب الوقائي قوامه: بذل الجهد، ما الذي يزعج الناس الان؟ هذه الامراض الوبيلة سببها: التوتر العصبي, والكسل العضلي، اجدادنا رحمهم الله عز وجل كانوا يتعبون ونفوسهم مرتاحة، اساس صحة القلب: في بذل الجهد, وفي راحة النفس، والناس اليوم يريحون عضلاتهم, ويتعبون انفسهم، النبي عليه السلام قال:
((من جعل الهموم هما واحد, كفاه الله هموم الدنيا والاخرة))
((اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها))
((ما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي، اعرف ذلك من نيته، فتكيده اهل السموات والارض، الا جعلت له من بين ذلك مخرجا، وما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني, اعرف ذلك من نيته، الا جعلت الارض هويا تحت قدميه، وقطعت اسباب السماء بين يديه))
المؤمن مؤنته خفيفة، متوكل على الله، اذا اردت ان تكون اقوى الناس, فتوكل على الله، اذا اردت ان تكون اغنى الناس, فكن بما في يدي الله, اوثق منك بما في يديك، اذا اردت ان تكون اكرم الناس, فاتق الله، فاذا كسبت رزقا بمشقة بالغة، خير لك الف مرة, من ان تسال الناس اعطوك او منعوك .
الحقيقة: ان تقف على باب انسان فتساله، موقف حرج لك، فاذا ردك, فالموقف اشد حرجا، فاذا سالته مرارا، فالموقف بالنسبة اليه ايضا حرج، يعني تكف عن احراجه، وتكف عن احراج نفسك، وتكف عن رده السيء, اذا كان سيء الخلق، فلذلك: النبي عليه الصلاة والسلام هكذا يامرنا .
هذا الحديث, رواه الامام البخاري رحمه الله تعالى، وصحيح البخاري كما يقول علماء السنة:
((اصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل))
- لان ياخذ احدكم حبله فيأتي بحزمة حطب عل ظهره مافائدة الكسب الشريف