افضل مواضيع جميلة بالصور

قصة الليمونة الذهبية

حنين و “الليمونة الكبيرة”

جعلني الضجر اؤرجح رجلاي تاركا كعب حذائي يضرب قوائم الكرسي المرتفع حيث اجلس بين ابي و جدي في بيت جارنا “ابو حنين” . ضربة من الكعب الايمن تتبعها اخرى من كعبي الايسر ، ثم ضربة من احداهما تتبعها اثنتان متتاليتان من الثانية ، اوازن الضربات مع تمتمات لا معنى لها ، اعدل مخارجها حسب ضربات كعب حذائي ، عندما يوشك الانسجام و تتسلل في متعة الايقاع ، ينهرني ابي فتهرب نغماتي ، تتسمر رجلاي و اسكن.. لحظات ثم انزلق ثانية باحثا عنها.. انسجم ، ينهرني فتفر مني الطيور، اسمع صفق اجنحتها..اتململ ، احدق بجارنا المطرق الحزين ، اشعر بالكابة كنميل في حلقي ، لماذا كل هذا الحزن ؟ اليس لديهم حكايا يقولونها ؟ لو لم نات لزيارتهم لكنت الان بين العابي تحت الليمونة الكبيرة .
نزلت عن الكرسي ناويا الخروج من غرفة استقبال الرجال الى غرفة النساء حيث امي ، اعترضني ابي: الى اين؟ اجبت: الى امي هناك ، و اشرت نحو الباب. رد لائما: الرجل يبقى مع الرجال .. عيب عليك هل انت امراة ؟!
يزيد النميل في حلقي ، اشعر بحاجة للبكاء ، اتسلق الكرسي ، اجلس و اعلق رجلي في الهواء. انحنى جدي علي حتى لامس شارباه الغليظان جبيني ، سالني : الا تريد البقاء معنا؟ نفيت براسي ، همس مبعدا جسمه عني: اذهب . التفت لابي ، فاعاد جدي بصوت مرتفع : اذهب . لم تتغير ملامح ابي و لم يعترض ، بدا كانه لا يسمع و لا يرى ، نزلت عن الكرسي و العصافير تعود الي تنقرني من الداخل ، تدغدغني ، اكاد انفجر ضاحكا ، اعدو نحو الباب ، تتعلق بي امنية : متى اصبح بعمر جدي ليخاف مني ابي ؟؟
لم افتح الباب ما يكفي لخروجي ، تعثرت به و سقطت ، فانفجر الالم في ركبتي اليسرى ، ماوجت شظاياه الضوء في عيني ، هرع خلفي الرجال ، ابي و جدي و جارنا ابو حنين و شقيقه “عمو جلال” ، خفت ان يعيدوني لسجنهم ، فرشقتهم بابتسامة عريضة و قمت اعدو على رجل واحدة ممسكا ركبتي بيدي.
القيت بنفسي جانب امي على الارض وهي منهمكة بالانصات لجارتنا ام حنين ، لم تلتفت لي ، لكنها مدت يدها نحو راسي و ادخلت اصابعها في شعري ، تركتهما كظباء تقف على قوائمها الخلفية ، تمد اعناقها لتقضم بعض اوراق الشجر ، اسمع “خرخشة” الورق ، تفوح رائحة الغابة و التراب ، تسحرني الظلال الخميلة فاتمطى ، ينعشني الحفيف ، يتحول الالم لسريان لذيذ ، يخفض القلب من قرعه فوق الضلوع .. ياتيني هديل من بعيد .. هديل حمام يعلو و يقترب و يعلو حتى صارت كل خلية لحم في حمامة تدور حول نفسها و تهدل و تهدل .. يدور الحمام كله و يهدل.. احسست راسي يدور معها حتى انفاسي صارت هديلا ، ما ان سحبت يدها حتى اعترضتها بكفي الصغيرتين ، التقطتها ، تحلقت اصابعي كالظباء حول اناملها ، اشدها ، اعيدها ، اثنيها ابعدها عن بعضها اعود فاقربها ، اضغطها ، احملها لصدري ، اضمها ، ارفعها و اترك خدي يتوسدها .. يستريح .. عظيمة انامل النساء .. عظيمة اناملك يا امي… اي سر بانامل النساء.؟ كيف يقول ابي المراة عيب ؟ اي عيب يا ابي ، هل جربت انامل النساء ؟ ضحكت فجاة ، تذكرت ابي بصلعته المتلالئة..لولا معاناة الرجال من الصلع ، لعرفوا ان انامل امي هي المجرات التي تتحول لظباء تقضمنا.. هي سر الكون !!
عندما بدات اسمع احاديثهن كانت يد امي قد تحررت من كفي الصغيرتين . تتساءل عن عدم ظهور حنين فهي لم تات الا لرؤيتها و الاطمئنان عليها. تعتذر جارتنا ام حنين و تسترسل و تقول ان “حنين” خجلة من ما جرى لها ، تستحي بمنظر وجهها ، حزينة ، اغلقت على نفسها غرفتها بعد شجار مع والدها الذي وبخها فور عودتها من المستشفى و لامها ، اتهمها انها تتعمد سقوط منديلها عن راسها ، و لو لا ذلك لما حصل لها ما حصل ، فهي تخدعهم ، اذ تخرج من البيت حاجبة شعرها و في الجامعة تكشف عنه ، كاد يضربها لولا وقوف الام بينهما تذكره بمرضها و حالها فاكتفى ببصقتين ، واحدة في وجه الام لانها تداري على ابنتها و الثانية من فوق كتف الام بوجه حنين.
اصرت امي على رؤية حنين ، فقامت جارتنا و اختفت داخل المنزل ثم عادت بعد لحظات بحنين ، ما ان رات امي حتى رمت بنفسها في حضنها باكية بصوت مرتفع ، و لاني احب “حنين” كثيرا ، استنفرت اشيائي الصغيرة ، جف حلقي و عاد قلبي للخفقان. حنين حليقة الحاجبين ، وجهها جزر الوان متداخلة ، من الاحمر الطازج تدرجا نزولا حتى الابيض ، بثور صغيرة و بقايا اخرى ، قشور من الجلد تقلصت و انكمشت سوداء حول الجزر الملونة ، رقبتها الطويلة يغطيها الشاش الابيض . الهث ، لا اكاد التقط انفاسي و انا اتتبع التغييرات في التضاريس التي كنت اعرفها ، اي ذهول سيجتاحنا لو نظرنا صباحا من النافذة فوجدنا البحر مكان الجبل الذي تعودنا على رؤيته ، و القوارب مكان الشجر ؟؟!! هنا شيء يشبه تكوينا اخرا غير التكوين الذي اعرفه في وجه حبيبتي حنين.
استفيق من ذهولي قليلا و حنين تجيب على استفسارات امي ، اميل بجسمي الى الامام ، اسند ذقني بكفي ، ابحلق بوجهها و استمع .
_ اتعرفينهم
– نعم زميلان لنا في الكلية .
– ماذا يريدان؟ الم يقولا لكما ماذا يريدان.
– بلا يا خالتي ام حكيم ، قالا هذا جزاء كشفنا لشعورنا و ارتدائنا قمصان تظهر من خلالها الصدرية.
– لماذا لم تهربا ، لم تفعلا شيئا ، و قفتن هكذا ؟
– اقتربا يا خاله منا فحسبناهما يريدان السؤال عن شيء يتعلق بالجامعة.
– عندما رايتماهما يخرجان العبوات لماذا لم تتصرفن ، تهربن تفعلن اي شيء؟
اجهشت حنين بالبكاء و هي تقول : لقد شد احدهما قميصي الى الامام ناحيته ، و فرغ العبوة على صدري ، عندما حاولت ازاحة يده رشق ما تبقى على وجهي و عنقي ، كيف ساهرب يا خالة ؟ كل شيء كان فجائيا سريعا و غريبا ..
يختلط دعاء ام حنين بدعاء امي و ابتهالاتهما و تضرعهما الى الله بحرقة ، ليشل ايديهما و يكويهما بناره كما كويا حنين و صديقتها بهذه الماء الكاوية. اتجمد كما انا مبحلقا بوجه حنين مذهولا. اسمع اخر الكلمات منها و هي تشرح عن هذه الماء الكاوية التي سرقاها من المختبر عن طريق زملاء اخرين لهم .
تلاحظني حنين ، فتصطدم عيناي بعينيها ، تبتسم لي و تفر بهما كطائرين حائرين ، يخفق قلبي .. بعد ان فزت خلاياي ، كما تعودت ، لتدفعني نحوها فهي تحضنني كلما راتني ، بقيت معلقا عاليا حين فرت مني عيناها ، فسمعت صوت ارتطام جسدي يسقط في وادي سحيق .
عندما كنت اصغر ، كانت حنين ترفعني عاليا لاقطف حبات الليمون عن ليمونتنا الكبيرة ، و حين اتاخر فتضعف يداها ، تسندني بصدرها ، كنت اجلس على هذين النهدين اللذين احترقا الان…
احسست بالضوء يجرفه سيل الدموع في عيني ، تقف غصة في حلقي يترجرج لها صدري ، لم يشعر بي احد ، فقلبت جسدي الملتصق بامي الى الناحية الثانية ، بعيدا عن وجوههم ، رايت دمعتين تبللا فراش الارض ، اجتاحتني رغبة شديدة بان اذهب لغرفة الرجال ، اخذ عكاز جدي و اضربهم ، اضربهم جميعا ما عدا جدي. لماذا يهربون من النساء و يجلسون لوحدهم؟؟ لماذا لا ياتون و يسمعون ما تقول حنين و يبكون معها ، لماذا ؟؟ الانهم يخافون ان يروا على سفوح وجهها اثار المياه الكاوية .. كل الرجال يرشقون النساء بالمياه الكاوية ، كل النساء حنين ، كل النهود كويت و احترقت ، لم يبق شيئا يسندني يرفعني لاقطف الليمون.. لم يبق شيئا.

  • yhs-mobotap
السابق
جديد اللانجري للعرايس
التالي
ستار تايمز اسرار لفش