افضل مواضيع جميلة بالصور

روايات فرجينيا وولف

ليس صعبا على من يقرا رواية فرجينيا وولف «مسز دالاواي»، ويكون قد قرا قبلها رواية جيمس جويس «يوليسيس»، ان يكتشف ان رواية الاولى انما هي اشبه بالرد المباشر، والانثوي، على رواية الثاني، بل من السهل القول ان وولف قد استعانت بالاسلوب ذاته الذي اتبعه جويس في روايته الاشهر، لتقدم يوما من حياة بطلة روايتها، السيدة كلاريسا دالاواي، هو في الرواية، المعادل الطبيعي لليوم الذي يصوره جويس من حياة بطله. علما ان احد الفوارق الرئيسية بين الروايتين يكمن في ان «مسز دالاواي» تدور «احداثا» في لندن، فيما تدور «احداث» «يوليسيس» في دابلن. ولكن، ان كانت دابلن هي صاحبة البطولة المطلقة في رواية جويس، فان لندن في رواية وولف لا تشكل اكثر من الاطار الخاص الذي يكاد يعكس بريطانيا كلها كما كانت تعيش وتتنفس بعيد الحرب العالمية الاولى. غير ان هذا الحضور المتفاوت لكل من المدينتين في كل من الروايتين، لا ينبغي ان يحجب عنا انهما – اي الروايتين – تنتميان معا الى المنطق الروائي السردي ذاته «منطق تيار الوعي» الذي كان جيمس جويس يعتبر رائدا في اضفائه على عمله الروائي، فيما لم تكن فرجينيا وولف سوى مستخدمة له وليس في كل اعمالها بالطبع. والجدير ذكره هنا ان حضور تيار الوعي قويا في العملين معا، انما كان الحاجز الذي حال دون التمكن من نقل اي من العملين الى السينما التي يصعب عليها التعبير عن تيار الوعي هذا. غير ان هذا لم يمنع المحاولة، ومرتين في نمطين مختلفين بالنسبة الى «مسز دالاواي»، مرة حين حققت المخرجة الدنماركية مارلين غوريس فيلما مباشرا مقتبسا من الرواية من بطولة فانيسا ردغريف، فتمخض المشروع عن فشل تعبيري ذريع. ومرة ثانية حين انطلق المخرج الانكليزي ستيفن دالدري، من الرواية، كما من فصل من فصول حياة فرجينيا وولف نفسها، ليقدم حبكة معصرنة تمزج بين ثلاثة مصائر نسائية وذلك في فيلمه «الساعات» الذي لعبت فيه نيكول كدمان دور فرجينيا وولف، فيما لعبت مريل ستريب دور «مسز دالاواي» معاصرة. هذا المشروع الاخير كان انجح واكثر اقناعا، لكن التساؤل ظل مطروحا في صدده حول: ماذا بقي في الفيلم من فرجينيا وولف وروايتها الكبرى؟

* في المقاييس كلها، اذا، يمكن النظر الى «مسز دالاواي» على انها الاكبر والاهم بين مجموع النصوص الروائية والقصصية التي كتبتها فرجينيا وولف. وهذه الرواية على رغم ان اية مقاربة مع «يوليسيس» ليست في مصلحتها، تعتبر من اهم الاعمال الروائية التي صدرت خلال النصف الاول من القرن العشرين، ويقينا ان قوتها تكمن في المكان ذاته الذي يحول دون اقتباسها في اي عمل فني اخر… ما يعني ان «مسز دالاواي» عصية كذلك على التلخيص. فهي – بعد كل شيء – ليست من الروايات التي تسرد احداثا معينة، كما انها لا تقدم لقرائها اية لقاءات ذات دلالة حتى. هي، في هذا الاطار، مثل «يوليسيس» تتعاطى مع مفهوم مرور الزمن الذي يبدو ساكنا لا يحدث فيه شيء استثنائي، اي لا يحدث فيه امر درامي يشكل في الاحوال العادية حبكة لعمل روائي عادي. في «مسز دالاواي» لا يحدث شيء كبير اذا. مجرد لقاءات من تلك التي يمكن ان تحدث كل يوم ونوع شديد الخصوصية والتامل من اعمال الفكر، لدى «مسز دالاواي» نفسها في ما يدور حولها وفي مصائر الناس الذين تعرفهم. وفي هذا الاطار، كان من الطبيعي ان تبدا الرواية مع «بطلتها» كلاريسا دالاواي، اذ تخرج من بيتها ذات يوم عادي من ايام حياتها، عند الصباح لتقوم بجولة عادية، او بالاحرى شبه عادية، طالما انها خلال تجوالها ستسعى الى التحضير لحفلة تقيمها وتستضيف فيها عددا من معارفها.

* بنت فرجينيا وولف هذه الرواية انطلاقا من قصتين قصيرتين كانت نشرت اولاهما وعنوانها «مسز دالاواي في بوند ستريت»، ولم تتمكن من انجاز ثانيتهما وعنوانها «رئيس الوزراء». اذا دمجت وولف هاتين القصتين في رواية واحدة تبدا مع شراء «مسز دالاواي» زهورا لترسلها الى رسام صديق لها، هو سبتيموس الذي يعيش حال انهيار صحي مرعبة، ستقوده في نهاية الامر الى الانتحار، الانتحار ذاته الذي نعرف خلال الرواية ان «مسز دالاواي» حاولته ذات مرة، وتحديدا بمحاولة رمي نفسها من النافذة ذاتها التي القى سبتيموس نفسه منها، فنجحت محاولته هو فيما اخفقت محاولتها هي. والحقيقة ان هذا التوازي بين شخصية كلاريسا دالاواي، وشخصية سبتيموس، ليس التوازي الوحيد في الرواية… بل ان فرجينيا وولف عبرت طوال صفحات الرواية – التي على رغم سردها حكاية ساعات اليوم الواحد وتنقلات دالاواي الفكرية والعاطفية والجغرافية خلاله، تتوغل في ذكريات الماضي في ما يشبه الرحلة المكوكية بين الحاضر وذلك الماضي – عبرت عن الشرط الانساني، خصوصا الشرط النسائي من خلال ذلك التقابل بين الشخصيتين. وهذا التقابل الذي اصرت فيه الكاتبة على ان تقابل امراتها بشخصية فنان مريض ومثلي الجنسية ايضا، وبلغ من الضعف بحيث ينهي ايامه انتحارا في نهاية المطاف، هذا التقابل اتاح لها – اي للكاتبة – ان تجعل من روايتها واحدة من اكبر الروايات النسوية واعمقها في القرن العشرين. او هذا ما وصل الى القراء في نهاية الامر من رواية لامست في الوقت نفسه، ومن طريق تفكير بطلتها وتيار الوعي الذي يصاحبها طوال نهارها المشهود ذاك، جملة من بعض اهم او اعقد المشكلات التي كانت مطروحة في ذلك الحين… من قضية المراة – طبعا – الى المسالة الكولونيالية، الى مسالة تحول كل شيء وكل القيم الى سلع، وصولا الى الكثير من المشكلات السياسية.

* والحال ان المشكلات السياسية تبدو لدى وولف اكثر حدة منها لدى جيمس جويس، وان كان الاديبان وصفا، وتحديدا انطلاقا من عمليهما اللذين نقصر الحديث عنهما هنا، بانهما رائدا الحداثة في الادب الروائي في القرن العشرين. تلك الحداثة التي راى النقاد والباحثون ان شرطها الاول هو ان تعيش الرواية الحياة كما هي، لا كما يمكن عقل كاتب ان يتخيلها ويؤمثلها. وهذه الحياة، اذا كانت تقدم لنا هنا في «مسز دالاواي» كما هي طوال ذلك اليوم، فانها تقدم ايضا كما كانت قبل ذلك اليوم… او بالاحرى كيف وصلت ب «مسز دالاواي» الى ذلك اليوم. ولهذه الغاية تغوص بنا الرواية – كما اشرنا – في ماضي «مسز دالاواي» كما في ذكرياتها، وكذلك في تصوراتها عما سيحدث خلال الساعات المقبلة، حيث يبدو كل شيء متوقعا انطلاقا من المقدمات التي تلامسها، بما في ذلك انتحار سبتيموس الذي لا يرتدي اي طابع درامي هنا… وبالتالي لا يرتدي اي طابع ميلودرامي حتى وان كان شيء من الجنون يصاحب كل حديث عن سبتيموس وعن انهياره.

* عبر هذا كله عرفت فرجينيا وولف (1882 – 1941) التي ماتت ايضا انتحارا بعد ستة عشر عاما من صدور «مسز دالاواي»، عرفت كيف تقدم صورة ما لبريطانيا الخارجة من الحرب العالمية الاولى والمتغيرة اخلاقيا واجتماعيا بعد اعوام من نهاية العصر الفيكتوري وتزمته. وحين كتبت وولف هذه الرواية (1925) كانت تعيش في وسط صخب الحياة الادبية في لندن، وكانت، وزوجها، عضوين مؤسسين في مجموعة بلومبزبيري، ذات المناحي الاشتراكية – سياسيا – والتجديدية ادبيا. وكانت «مسز دالاواي» الاولى بين سلسلة اعمال فرجينيا وولف الكبرى، ومنها «نحو المنارة» (1927)، و «اورلاندو» و «غرفة خاصة» (1929) و «الامواج» (1931) و «بين الفصول» (1941)، اضافة الى مجموعات من القصص القصيرة، ثم بخاصة كتاب مذكراتها الشهير «يوميات كاتبة» الذي يمكن القارئ ان يتلمس فيه تفاصيل تطور «جنونها» الذي قادها في نهاية الامر الى الانتحار.

  • الساعات فرجينيا وولف
  • روايات فرجينيا ولف
  • صور فرجينيا وولف
  • كتاب المناره لفرجينيا ولف
السابق
كيفية عمل فساتين كروشيه للاطفال
التالي
صور للخطوبه جديدة