افضل مواضيع جميلة بالصور

قراءة روايات احلام الرومانسية

 

الملخص
-لا..خرحت هذه الكلمة بقسوة ووحشية فقطعت سؤال الكاهن
وحل محله الصمت الذي اطبق على الحاضرين.
عاد الكاهن يقول :”ايدان؟هل تقبل باينديا زوجة لك؟”.
-لا….!.
-لايمكن ان تعني…
انقضت يده عليها بسرعة يجذبها بعنف وقسوة:
-لا..لن اتزوج بك في السراء وفي الضراء،في الصحة وفي
المرض في الغنى وفي الفقر…
وخرج ايدن وولف من حياة العروس المحطمة بدون اكتراث كمن
يدوس زهرة مرمية..وكما رحل عاد..بعد سنة..فخبات اينديا دموع الذل
في عينها خلف ستار اللا مبالاة ،لن تكون لعبة سهلة هذه المرة
،لكن ايدان مازال يسعى للانتقام،والثمن الذي ستدفعه الان سيكون اكبر

 
اذن انت الانسة ديكنسون المصدر الوحيد لمشاكلى فى الوقت الحاضر ؟
لم تفهم لورا السكرتيرة البسيطة كيف تشغل بال روب ماكفرسون رئيس مجلس الادارة العظيم الى هذه الدرجة ، ولكنها ادركت ان مستقبلها محكوم بالدمار من هذا الرجل ، ومع هذا قبلت التحدى
حياتى الخاصة ملكى سيد ماكفرسون ولن اقبل ان يفرض على احد شيئا !
وهكذا بدات الحرب ، واستعمل فيها الطرفان كافة انواع الاسلحة ، واثبت روب ماكفرسون ان لاشئ يقف فى طريقه عندما يريد امرا .

 

قبيحة لكن ذكية !

جلست ليليان كامبل مرتجفة في المقعد الكبير .. طبعا ما حصل كان غلطتها .. فمن يحرص على الاصغاء كثيرا لايسمع نفسه .. كان عليها حالما نطق ارثر غايتور اسمها ان تدعه يعرف انها هنا . لكن , بينما هي مترددة , رد جوك هانيز ردا ابقاها مسمرة في مكانها , وجعل من المستحيل عليها ان تفعل شيئا سوى الاختباء في الكرسي , والتمني بان تكون بعيدة الاف الاميال.
وفيما هي تتذكرماحدث , احمر وجهها من الالم والخجل , لانه تحدث عنها كما فعل ..كما لانها تالمت كلامه , وكانما لا تعرف نوعه من الرجال . العمل عنده سكرتيرة مدة تسعة اشهر لم يترك لها مجالا للشك لعيوبه وقوته, مع ذلك فقد كان قرارها بالعمل عنده،ومؤامراتها الماكرة للحصول على الوظيفة, تعتمد كليا على معرفة شخصيته.
لكن فرصة ليليان لم يكن لها علاقة بتخطيطها , بل القدر وحده اسكنها في شقة مؤلفة من غرفتين تقع قبالة شقة الانسة باربرا بكمان, سكرتيرة جوك هانيز قمر الليل الخاصة. وهذا كان يرسلها الى مسكنها بعد وقت طويل من عودة اهل الحي الى بيوتهم , ويرسلها الى العمل في وقت يكون الجميع فيه يتناولون حلوى نهاية الاسبوع ..
ولكن بالنسبة لليليان التعويضات المالية تغلب اي صعوبة اخرى
انفعلت الانسة بكمان , عندما سمعت ليليان تقول هذا للمرة الاولى .. كانتا قد اصبحتا صديقتين عندما تشاركتا فترة غسيل صباح السبت .. ولكن حينما علمت ان منبع اهتمام ليليان بالمال تصميمها على كسب المال اللازم لتامين دراسة اخيها الجامعية , قررت ان تساعدها .
قالت ليليان شارحة :
– لقد عاش طفولة كئيبة , ولم بكنالسبب فقط فقدان ابوينا , بل اضطرارنا للعيش مع جدينا اللذين لا مانا على وفاة ابنتهما .
– وكيف لهما هذا؟
تنهدت ليليان :
– كانا يعرفان ان امي مصابة بعقدة ***** الخوف من السفرفي السيارة..وكانها كانت تحس بان السيارة ستودي بحياتها يوما. لقد وافقت على السفرالى الريف لان تود طلب منها ذلك كهدية عيد ميلاد , ولولا هذا لما اقنعها شيء بالسفر.
– وكان هذا هو اليوم الذي…
– قتلت فيه مع ابي.. لاانظر الى شاحنة الا اتذكر. كان جداي يشعران الشعور ذاته نحو تود, وبامكانك تصور مشاعره لاضطراره الى العيش معهما. حالما انهيت دراستي ووجدت عملا استاجرت شقة.
– وامضيت كل السنوات منذ وفاتهما تحاولين الا يشعر بالذنب ؟
– وهل تلومينني ؟
– لا… ولوكنت مكانك لافسدته دلالا.
كان تفهم الانسة بكمان لوضع ليليان هو ما دفعها للتوصية بها عندما سنحت لها فرصة العمل كسكرتيرة في قسم التوضيب من (( مصانع هانيز للالبسة )) . ادركت ليليان ان حصولها على هذا المركز بناء على توصية من الانسة بكمان هو امتياز بحد ذاته, فتمسكت بالفرصة.
ثم وبدون سابق انذار.. برز حظها .. فقد ورثت الا نسة بكمان ميراثا علمت به عن طريق رسالة من احد المحامين , يقول لها فيها انها ورثت عشرات الالاف من الدولات , ومزرعة بالقرب من مدينة جاكسون في ولاية الاباما. وكانت المزرعة , والمنزل الكبير فيها هما ما دفعاها للتخلي عن كل شيء وما ان مضى شهران

حتى اخلت شقتها , واستقالت من وظيفتها , وتقاعدت لتتبوا سيادة مزرعة ريفية.. ولكنها لم تفعل ذلك قبلا ان تعرض على ليليان العمل كسكرتيرة عند جوك هانيز محلها.
قالت لها ليليان:
– يفضل المسنات والناضجات.
– لانه يظنهن اقل عبثا… ستناسبينه تماما… اذا اقتنع بك. انما من المؤسف انك جميلة , فجمالك سيبعده عنك بالتاكيد .. لو تصرفنا بحذر ومكرلجعلتك مقبولة .. هذا اذا رغبت في الوظيفة.
– قولي لي ماذا اقول , وماذا ارتدي.
وهكذا , ذهبت لمقابلته متنكرة .. شدت شعرها الاسود المتموج حول وجهها المستدير الى الوراء وعقصته .. لم تضع ماكياجا اوخطوطا سوداء على حاجبيها المقوسين او اهدابها الكثيفة , بل وضعت نظارة سميكة اخفت بنجاح بريق عينيهاالزرقاوين , ولم تنس ان تغطي بشرتها البيضاء العاجية بكريم اساس اسمر. اما ملابسها , فكانت بذلة رمادية واسعة , لا شكل لها , اخفت جسمها الانيق النحيل .
قبلها جوك هانيز بدون سؤال. القى نظرة سريعة عليها, ثم امضى معظم وقته يسالها اسئلة خاصة ليتاكد من استعدادها لالزام نفسها بالعمل عنده.
لم تشاهده من قبل الامن مسافة بعيدة , لم تبين لها مدى جمال طلعته .. لكنه في الواقع وسيم جدا.. فشعره اسود قاتم وبشرته برونزية, وعيناه رماديتان قابعتان
تحت حاجبين اسودين , وقامته ممشوقة.
لم يتملكها الخوف الا بعد ان فكرت قمر الليل كيف ستستطيع بعد مغادرة العمل ان تغير ملابسها ومظهرها التي ستبدو فيها امراة تمثل كل التحدي , فليس جوك هانيز برجل يحب الخداع . وما ان تصبح سكرتيرته حتى تصبح ملتزمة , باكثرمن طريقة. ولكن حالما تذكرت التقديمات التي سيؤمنها لها العمل , وجدت ان من السخافة التراجع..هل سيغير الزي العتيق وعدم التبرج شخصيتها ؟ فما زالت ليليان نفسها ومادامت تذكر ذلك , فستكون بخير مايرام.
بعد مضي ثلاثة اشهر , كادت لا تصدق انها تمكنت من العمل في وظيفة اخرى .
كانت ساعات العمل طويلة ومرهقة , لكن العمل نفسه ممتع حتى ان الوقت كان يمر بسرعة .. وما ان اعتادت على مشاريع الشركة الكثيرة حتى بدات تهتم شخصيا بتلك المشاريع.
كانت تفهم طبيعة عملها وتقدر جوك هانيز الذي يضغط عليها بالاعمال الكثيرة , مع انها لم تلاحظ هذا الحمل الا بعد مضي عدة اشهر.
بعد رجوعه من اجتماع عاصف متعب .. رمى لها كومة اوراق على طاولتها , وامرها بطبعها ثم دخل الى مكتبه .. بعد لحظات لحقت به, فوجدته منهارا على مقعده والعرق يتفصد من جبينه..
تمتم متوقعا سؤالها:
– صداع .. اتركها في المنزل , لم اصب بصداع منذ زمن طويل .. ولكن ساعود بعد لحطات.
اقفلت الستائر لتحجب نور الشمس , ثمخرجت من الغرفة بسرعة , واقفلت الباب وراءها , ثم اضاءت النور الاحمر الذي ينبى المدراء بان جوك هانيز مشغول .. سارعت للخروج من المبنى الى جهة الشارع الاخرى قاصدة اقرب صيدلية, ثم عادت بعد عشر دقائق لتعطيه حبتين مع كوب ماء , ثم خرجت من جديد حتى يستريح.
بعد نصف ساعة, استدعاها الجرس الى مكتبه وهناك وجدته جالسا وراء الطاولة.
– شكرا لك انسة كامبل .. انت كفؤة في المسائل الشخصيةككفاءتك في العمل.
وكان ذكاء منك الاتطلبي المساعدة من السيدة سيمونز مدبرة المنزل في الشركة.
– لو فعلت لعرف جميع من في المبنى انك مصاب بصداع.
– وكيف عرفت اننياريد ان يبقى خبر صداعي سرا ؟
– لان السيدة سيمونز لم تبلغني به حتى الان .
ضحك بصوت دافىء ملؤه النشاط :
– هل اتصلت بخادمي ..؟ فهو وحده من يعرف الحبوب التى انتاولها.
– لم تصل به… سالت الصيدلي عن اخر واكثر الادوية فعالية.
– وهل فعاليته ام سعره الغالي هو مادفعك الى شرائه ؟
– كلامها … يستحسن ان تحتفظ ببعض الحبوب منه هنا.
– سافعل… انما منذ اربعة اشهر لم اصب بمثل هذا الصداع. ومضت اربعة اشهر منذ انعقد اخر اجتماع متعب لمجلس الادارة؟!
سرعان ما تبخر دفئه وعاد اليه تحفظه , وكانه لا حظ انها تتساءل عن مدى قوته .. فهل يعتبرالصداع دليلا على الضعف ؟! نظر اليها نظرة ملؤها الكره . مع ذلك .. لماذا هو مصمم على الظهور بمظهرالرجل الخارق ، وكانه ليس من البشر في انطلاقته الشيطانية.
احنت قمر الليل راسها فوق دفترالملاحظات, وبدا على الفور باملاء رسائله, مكررا الارقام بسرعة فائقة . لا تستغرب اذن عودته من اجتماع شاكيا من الم في راسه .
اخذ جوك هانيز , شيئا فشيئا , يتركها تعتني بشؤونه الخاصة .
وهكذا اخذت تضع ترتيبات حفلات العشاء الخاصة التي يقيمها اضافة الى توفير ما لا نهاية له من باقات الورود والكتب , والعطور , لعدد لا يحصى من الفتيات , ولم يدهشها وجود هذا العدد من النساء اللاتي يرغبن في وضع انفسهن تحت تصرفه بل ما ادهشها ان يجد الوقت الكافي لهن ، لهذا لا تستغرب نحوله وتوتر اعصابه في الصباح دائما .
خرج من المكتب ثم سالها وقد لاحظ تعابير وجهها :
– ما الخطب ؟
– لا اعاتي من اي خطب اما انت فستصاب بخطب ما ان لم تقلل من اندفاعك0 لقد قضيت ليلة امس بكاملها تدرس عملية دمج وضع ماسترز, وها انت الليلة تستعد للذهاب الى عرض مسرحي.
– اذا لم اذهب, فساعمل. لا تقلقي علي انسةكامبل..ان خروجي برفقة شقراء بلهاء او سمراء لطريقة مثالية للاسترخاء.
– ظننتك ستموت ساما من صحبتهن .
خرجت الكلمات لا اراديا, ولما رات دهشته, غضبت من نفسها لقلة لباقتها.. فاعتذرت :
– انا اسفة .. ما كان علي ان اتفوه بتلك الكلمات.
– انسي الامر… فانت تعرفينني منذ فترة تؤهلك لقول الحقيقة. وانت لا تعرفنني حق المعرفة لتكوني دقيقة في ملاحظاتك.. اذ لاتضجرني البلهاوات بل الذكية وحدها من تضجرني.
– لست جادا؟
– بل جاد. فالنساء الذكيات يعرفن قدر انفسهن وهن تائقات دائما لاثبات قدرتهن على المساواة مع الرجل .. وهن يبحثن دائما عن ثغرة في دفاعاته .
– لن يجدن معك ما لا وجود له.
– انما ذلك لايمنعهن عن المحاولة.
لم يلاحظ السخرية في كلامها , عندما قالت :
– مع ذلك تشترط الذكاء في سكرتيرتك؟
– طبعا … فانا اختارها بسبب قدراتها لا بغية التسلية.
ران صمت قصير,وعندما تابع حديثه اتى كلامه بطيئا وواضحا.
انا اقسم النساء الى ثلاثة اصناف :
الجميلة البلهاء التي لا تطلب شيئا لانها بلهاء.. والجميلة الذكية التي تتوقع من الرجل الجري وراء .. والقبيحة الذكية التي تلتقي بالرجل على قدم المساواة ولا تتوقع شيئا , لذلك عندما اطلب سكرتيرة كفؤة اخير نفسي مابين الجميلة البلهاء والقبيحة الذكية .

– وتفوز القبيحة في النهاية.
– طبعا!
نظر اليها ***** ساخرا ثم خرج, تاركا اياها بصحبة افكارها التي جاءت مريرة على غير توقع. رغبت لعدة لحظات لوتقول له ما رايها فيه .. ولكنها عادت الى رشدها
والتقطت الهاتف لتطلب له الزهور لاخر صديقاته .
وهكذا تركت المكتب ذلك المساء ووقفت لحظات على الدرج تنشق هواء حزيران الدافىء , بينما اشعة الشمس الافلة تلفح وجهها بحرارتها .. لاحظت شابا ينزل الدرج خلفها. صاح بدهشة :
– ليليان .. ! اهذه انت؟
التفتت قمر الليل بسرعة الى الرجل المتجسم خلفها وردت بوهن محاولة اخفاء انزعاجها :
– بيتر , ماهذه المفاجاة !
– مفاجاة فعلا .. خاصة وانك في المرة الاخيرة التي اتصلت بك قلت انك ستتركين هذا العمل , وانك ستتصلين بي حالما تستقرين في عمل اخر.
– كنت مشغولة جدا .
نظر اليها متفحصا اياها من راسها الى اخمص قدميها.
– هذا ما اراه .. منذ متى تهوين الفن المسرحي ؟
ردت بسرعة وقد تورد وجهها:
– ساشرح لك .
– يسرني ان اصغي انما على موعد عشاء. لا اتحمل الشروحات بمعدة فارغة.
– لا يمكنني الخروج معك هكذا.
– وهذا ما يريحني ! ظننتك ستعتبرين الدينا كلها مسرحا.
– وانا ممثلة فيها بكل تاكيد . ساخبرك عن دوري اثناء العشاء.
لم يستطع بيتر تورب اخفاء دهشته عندما سمع دوافعها الى ذاك التنكر , وقال :
– لا الومك .. فما من احد في الشركة يفهم طباعه .. وحينما تفكرين في النساء
الرائعات اللاتي يخرج بصحبتهن ربما يعتقد ان الجميلات لسن كفؤات .
– كنت بحاجة للوظيفة , لذلك مثلث الدور الذي يؤمنها لي .
– ونجحت بكل تاكيد . فلولا وقوفك تحت اشعة الشمس بعد الظهر لما عرفتك.. ولكن شعرك الاحمر فضحك .
– انه ليس احمر .. بني محمر.
رمقها بنظرات مرحة وقحة , ثم قال:
– لن ادعك بعد اليوم تهربيهن مني .. خاصة وقد عرفت انك مازلت في المبنى نفسه, سوف..
قاطعته :
– لن تاتي لتراني لان السيد هانيز سيستشيط غضبا ان عرف الحقيقة .
– وكيف سيعرف ؟ لن اخبره .
– ربما .. لكنه سيتغرب عندما يجدك تحوم حولي .
بدت الحيرة على بيتر .. ثم ضحك :
– بسبب تنكرك ؟ كدت انسى هذا .
– حسنا .. لا تنسه .. فوظيفتي تعتمد عليك الان.
– اتنوين الاستمرار هكذا الى الابد ؟
– ربما ساخفف من التنكر قليلا . انما بحذر لانه سيغضب بكل تاكيد ان عرف انني اسغفلته .
– فلنرقص الان و لنتكلم عن نفسينا فما اصطحبتك الى هذا المكان لنتكلم عن رئيسنا.
كانت قمر الليل تحاول نسيان جوك هانيز , لكن وجودها مع بيتر يدفعه الى ذاكرتها بقوة مضاعفة , اذ لم تستطع الا مقارنة جراته الرائعة وذكاءه بمرح بيتر وتعقله .
تلك الليلة , في فراشها راحت تفكر : ظهورها بمظهر البشعة يجعلها منطوية على الذات . وان لم تكن حذرة سينتهي بها الامر لتكون صارمة كمظهرها .
بسبب هذه الفكرة استبدلت البلوزة الوقورة الطويلة الكمين التي ترتديها للمكتب باخرى اقل وقارا ذات اكمام قصيرة وياقة جميلة.
ولكن الياقة بدت متنافرة مع شعرها المعقوص الى الخلف , فخلعت البلوزة , وارتدت ملابسها المعتادة عليها للمحافظة على دورها .. ما تفعله قد يجعل من المستحيل عليها العودة الى سابق عهدها .
لقاؤها القصير مع بيتر , ايقظ فيها استجابات كانت هاجعة منذ اشهر طويلة .. ووجدت من المزعج ان تسير في الشارع وهي تعرف انها لا تجذب نظر احد. مع ذلك , فالشيك الشهري الذي تتقاضاه تعويض كاف وخاصة وهي قادرة على التخلص من زيها المزري حالما تترك المكتب .. ولكنها كانت تتوق في المكتب اكثر من اي مكان اخر ان تكون عل ى حقيقتها.. وتساءلت ما سيكون رد فعل جوك لو نفضت شعرها وحررته, وتخلت عن حذائها البشع، ورفعت تنورتها قليلا.
وجدت نفسها على غير عادتها شاردة الذهن , وكانها مشغولة بافكار خارج عملها .. فتحت وهي تفكر مفكرته فرات انها تسجل اسم كوني ماولنغ .. عبست متذكرة متى ذكر اسم الفتاة . كان هذا منذ ثلاثة اسابيع , حينما تلقى رسالة من صديق قديم تعود صداقتهما الى ايام الجامعة , وهو الان عضو في حكومة الفيليبين .. وقد طلب منه مقابلة ابنه عمه التي تزور امريكا للمرة الاولى .
قال لها يومذاك وهو يرمي رسالة الجنرال رامولوس على الطاولة :
– فليحمنى الله من هذه الدعوات الرسمية .. مع ذلك, من الافضل ان اخرج معها مرة.
ما بدا دعوة واجب , تحول الى متعة , ففي الاسابيع التالية لاحق الفتاة الفيليبينية بلا هوادة . كان يقابلها في ساعات متاخرة عندما لا يستطيع الهرب من اجتماع عمل عاجل.
سالته ليليان بعد ظهر يوم حينما ادخلت اليه الرسائل ليوقعها.
– هل زرت الفيليبين يوما ؟
هز راسه :
– لطالما وعدت نفسي بزيارة الفيليبين , ولكن حياتي كلها عمل.
– هذا امر غير صحي .
– اوافقك الراي. قد اسافر الى ذاك البلد بعد انتهاء موسم الامطار.
– وهل ستبقى الانسة ماولنغ هنا حتى ذلك الوقت ؟
نظر اليها ساخرا :
– وهل استشف رائحة الفضول انسة كامبل؟
– بل هو مجرد اهتمام سيد هانيز.
– اظنها باقية هناشهرا اخر.

اكمل توقيعه على اخر رسالة وطوى الملف ليعيده اليها, فسالته:
– اتريد طبع مذكراتك لاجتماع الساعة العاشرة غدا ؟
– اطبعيها قمر الليل.. ساترك المكتب باكرا, ولو لمرة واحدة.
في الصباح التالي تاخر ***** في الوصول, وهذا مازاد من ذهولها :
– ساخذ فرصة بعد الظهر انسة كامبل ..ومن الافضل ان تلغي كل مواعيدي حدقت قمر الليل اليه بذهول جعله يضحك , وهذا مازاد من ذهولها :
– ساخذ فرصة بعد الظهر لارافق الانسة ماولنغ الى الجامعة .. انا لم ارز جامعتي منذ تخرجت .
– لا بد ان ريتشموند جميلة في مثل هذاالوقت من السنة .
– هيا الان انسة كامبل .. انت اذكى من هذا !
– عفوا ؟
– عدم موافقتك واضحة . ظننتك ستبتهجين لتغيبي عن العمل.
– انا سعيدة من اجلك انمالم اتوقع.
– تكون جميع الامور في اغلب الاحيان غير متوقعة .. اي محل ازهار توصيني به ؟
– ” لا فلورا ” هل اطلب لك شيئا؟
– لا .. ساقوم بذلك بنفسي .
كان المكتب بدون حضور جوك هانيز فارغا معدومة منه الحياة.. بسبب تراكم العمل شعرت ليليان بالوقت يمر متثاقلا. لا شك انه والانسة ماولنغ قد وصلا الى جامعة (( ريتشمود )) الا اذا توقفا في مكان ما للغداء .. اقبلت الساعة الرابعة , ومعها افكار عن نهر جايمس وقارب يتهادى فوق مياهه الساكنة .. اما في الساعة الخامسة , فتراءت لها نزهة في مروج الكلية واروقتها يعقبها عودة في السيارة بقيادة بطيئة كسولة على الطريق المشجرة والحقول الخضراء.. تذكرت قمر الليل اخاها تود الذي يدرس هناك.. فاغرورقت عيناها بالدموع اذ لم تره منذ اسابيع .. ربما هذا سبب تكدرها .. ولكنها علمت انها كاذبة .. يكون الكذب احيانا اسهل من الحقيقة، خاصة وهي حقيقة تخشى مواجهتها .
جعل صوت متناه من مكتب جوك قلبها يخفق , فسارعت لرؤية من في الداخل .
كانا شخصين متلاصقين قرب النافذة , انفصلا عن بعضهما بعضا بسرعة , فاحمر وجه ليليان , وتمتمت وهي تنسحب :
– ظننت ان عاملة التنظيف وصلت , واردت التاكيد من عدم وجود اوراق مبعثرة .. لم اعرف ..
رد جوك:
-استخدمت مدخل المكتب الخاص , لم اكن اعرف انك لا تزالين هنا .. كوني هذه سكرتيرتي التي لا بديل عنها الانسة كامبل , والتي بدونها لا استطيع العمل.
سالته الفتاة : ماذا تعمل ؟ .
ضحك:
– اي شيء تقريبا ! فا لانسة كومبيوتر متجول.
نظرت كوني ماولنغ الى ليليان :

– لا شك ا نك راضية بهذا التقدير .
ابتسمت ليليان .. لا تتوقع ان يراها اكثر من جهاز كومبيوتر , على عكس هذا الجمال الفاتن , التي تبدو صاحبته وكانها خرجت من قصة خيالية .. ترجعت ليليان الى الباب :
– اعذراني على الازعاج .
ناداها جوك :
– لماذا مازالين هنا حتى هذا الوقت المتاخر ؟
– كنت اطبع تقارير اجتماع الغد .
– هكذا اذن .
وتقدم ***** الى خزانة المنحوتة خلف مكتبه:
– فلاقدم لك على الاقل عصيرا انسة كامبل .. انه مجرد تعويض بسيط لعملك حتى هذه الساعة .
قبلت قمر الليل على مضض كوب عصير الكرز , واخذت تحتسيه وهي تعلم انها مزرية المظهر بالمقارنة مع مظهر الفتاة التي سرعان ما سالتها :
– هل زرت بلادي من انسة كامبل ؟
– انا عادة لا اذهب عادة الا الى ريتشموند , حيث تركت امي لي ولاخي كوخا.
قال جوك :
– لم اعلم ان لك اخا .. تصورتك وحيدة .
– وحيدة مع قطة وعصفور كناري ؟ قد تكون المظاهر خداعة سيد هانيز.
وضعت كوبها على المنضدة , وتمتمت :
– عمتما مساء .
ما ان اصبحت في مكتبها حتى تمنت لو تركل نفسها لا نزعاجها من ملاحظته .. همست لنفسها : ان لم اكن حذرة انتهى بي الامر كما انتهى بالانسة بكمان !
وفيما كانت في الطريق الى الباب لتغادر , عادت الى طاولتها لتطلب رقم هاتف بيتر .. بعد الرنة الاولى اجاب .
– هذه انا .. ليليان .. هل انت حر الليلة ؟
اجاب بيتر بصوت ملؤه البهجة :
– انا حر متى شئت . انها المرة الاولى التي تتصلين بي . هل ادركت فجاة كما انا شاب عظيم ؟
ردت بصوت مرح ساخر :
– بل ادركت كم انا عظيمة .. تعال واصحبني في الثامنة .

 

2- دموع بلا سبب

اقتضاها العودة الى الدور الذي اختارته لنفسها تصميم كبير منها في الصباح التالي .
مع ذلك , فقد مكنتها ارادتها الصلبة من انتعال حذائها المفلطح وجواربها السميكة .. تركت قمر الليل الشقة وهي مرتدية تنوره جيدة التفصيل وبلوزة مماثلة .. ولكنها لم تضطر للقلق من ان ينظر اليها جوك هانيز مستغربا التغيير , فقد كان مشغولا في مكتبه.
عند الظهر, رن جرس الهاتف, فتوقفت عن الطباعة ومدت يدها الى الهاتف تقول معتذرة:
– انا اسفة طلبت من الموزع ان يحول كل المخابرات الى مساعدتي.. ولا ادري لماذا ..
– ربما هي مكالمة خاصة . قلت لهم انني اتوقعها .
عضت شفتها واعطته السماعة ووقفت .. لكنه اشار اليها ان تبقى, وهكذا اضطرت الى الاستماع لحديثه. كان يتحدث الى كوني والتوق في صوته يظهره اصغر من سنواته الحادية والثلاثين . وحده من يحب عمله ويتمتع به قد يتحمل الضغط اليومي بلا جهد .
الاشهر السبعة التي عملت فيها معه بدت لها سبعة اعوام, ومع ذلك ليس في شعره الاسود البراق شعرة رمادية واحدة. تبا له ! لا يحق له ان يكون نشيطا ديناميكيا هكذا.
ادركت انه يتكلم اليها :
– لم اعهدك تحلمين احلام اليقظة انسة كامبل .. ساغيب في عطلة نهاية اسبوع طويلة .. واريد انهاء القدر الممكن من الاعمال , اتمانعين في البقاء حتى وقت متاخر الليلة ؟
– هذا ما افعله في اكثر الليالي .
ارتفع حاجباه استغرابا .
– لم اعرف اني رب عمل قاس الى هذه الدرجة .
– العمل الاضافي جزء من وظيفتي .
– ليس الى درجة العمل اليومي حتى وقت متاخر.
– انا لا اتدمرين ابدا! انت سكرتيرة ممتازة انسة كامبل. ما كنت لاظن انني ساجد اكفا من الانسة بكمان.
– والى اين انت ذاهب ؟
– اما زلت تحلمين احلام النهار ؟ ارجو الا تكوني قد وقعت في الحب انسة كامبل ..سيصعب علي ان اخسرك بعد وقت قصير على خسارتي للانسة بكمان.
– لا حاجة للخوف .. سابقى هنا ما دمت بحاجة الي.
ابسم , وكالعادة استجابت لبسمته .. وقال :
– كنت اتحدث عن رحلتي الى اوروبا , اريد ان تؤكدي لي الحجز في فندق كونتيننتال في روما , ودبري امر ارسال دزينة من الورود الحمراء الى جناح الانسة ماولنغ.

قامت ليليان بكره شديد بما طلبه منها .. ولكن لماذا تكدرها تصرفاته ؟ انه يتصرف معظم الرجال في مثل مركزه , ومن السخف توقع العكس .
ما ان اتمت ترتيبات نهاية الاسبوع حتى عادت ليليان الى مكتبها .. ليست المرة الاولى التي تعجب فيها بعقله , او بالطريقة التي يعالج فيها المشاكل بغض النظر عن تعقيداتها وتشابكها .
وعلى هذا بالطبع كان يعتمد في نجاحه , فهو لم يصل الى مركزه الحالي بفتنته فقط.
في الثامنة والنصف من ذلك المساء , اوقف ***** العمل على غير توقع وعرض ان يوصلها الى بيتها في سيارته على الرغم من احتجاجاتها … كان بانتظاره خارج المبنى سيارة كاديلاك سوداء فاخرة. شعرت انها اميرة تذهب الى حفلة راقصة , فجلست قمر الليل في المقعد الفاخر في الخلف معه , وقالت متجة :
– لكنني اسكن في الجهة الاخرى من المدينة , لو انزلتني عند اقرب محطة باصات…
– سنتناول عشاء سريعا اولا.
سالتقي الانسة ماولنغ في المطعم في العاشرة , وبعد الطعام سيقلك السائق مارتن الى منزلك .
نظرت اليه حائرة .. تفكر في ما قد يقوله لو علم انها لا تكبر كوني ماوانغ الا بسنة واحدة , ولكنه يعرف ذلك بالتاكيد , فهذا مسجل في ملفها الخاص . تنهدت فنظر اليها قائلا :
– ستشعرين بتحسن حينما تتناولين بعض الطعام , كدنا نصل .
باهتمام لم تستطع ليليان الا ان تلاحظه .. قادهما الساقي الى طاولة منزوية في غرفة مقسمة بقضبان متشابكة , وهناك بالرغم من احتجابها التقريبي عن الانظار شعرت بانها عصفور صغير بين الطواويس .. فقالت :
– لا ارتدي الملابس اللائقة لمكان فخم كهذا .
– لم اظنك تهتمين بالمظاهر .
تمتمت :
– نعم انا لست انيقة , ولكنني افهم في موضة الثيات .
– لم اقصد هذا . انها طريقتي الخرقاء في القول انك اذكى من ان تتاثري بامر غير مهم كالثياب .
– بل هي مهمة , ولكن عندما تكو قبيحا مثلي تعتاد على جعل نفسك غير متانق قدر المستطاع .
– ولكنك لست قبيحة الى هذه الدرجة .
الطريقة التي تجنب فيها فجاة النظر اليها ليركز بصره على لائحة الطعام اعادت اليها روح المرح .. مااغباها لانها لا ترى الجانب المضحك من الموقف ! زال اشفاقها على نفسها بعدما ادركت كم سيبدو حديثه مع بيتر مثيرا . لا غرابة ان يحثها بيتر على التخلي عن تنكرها والذهاب الى المكتب على صورتها الحقيقية . وكم سيسعدها ان تشاهد وجه جوك هانيز حين تفعل هذا انما لن يكون ذلك الان , فامام تود سنة اخرى في جامعة ريشموند . بعدها , وبعدها فقط , ستصبح حرة في القيام بما تريد .غضت طرفها بسرعة لتركز على الاختيار بين سلطة الهليون والصلصة الفرنسية , وبين السلمون المدخن . قال لها مقترحا :
– ما رايك بالبيض المقلي مع الجبن ؟
– يبدو لذيذا .
– وكوب من عصير الليمون مع مياه غازية ام تفضلين المرطبات ؟
بعد الطلب , اسند جوك ظهره الى كرسيه واشعل سيكارة ..
كان نادرا مايدخن , وبسبب حساسيتها امام مزاجه احست بتوتره .
اهو نافد الصبر لانه مضطر الى قضاء الوقت معها, ام لانه يفكر في نهاية الاسبوع المرتقبة ؟
قطع وصول الطعام قطع عليها افكارها .. ولا حظت انه لا ياكل بل يتلاعب بطعامه .. احس بنظرتها , فهز كتفيه :
– ساتعشى فيما بعد .. لا اريد افساد شهيتي .
– ما كان عليك اصطحابي الى هنا .. تشعرني بالذنب .
– لشعرت بذنب مضاعف لو ارسلتك الى بيتك جائعة . والان ماذا ترغبين ايضا ؟ فاكهة ؟
ردت قمر الليل بسرعة ثم استدركت :
– شيء فيه كريما .. اعني .. فاكهة مع سكر .
– لا تتراجعي انسة كامبل .. قلت .. شيئا مع الكريما .. وهذا ما ساطلبه !
وماهي الا لحطات حتى وقفت امامها عربة فيها ما لذ وطاب , واحست بالحيرة بين انتقاء البندق مع الكريما المخفوقة , وبين كريما الشوكولا مع الزبيب .
قال لها ممازحا :
– كوني شيطانة وخذي الصنفين .
انصاعت له بعينين متراقصتين , وكان ان استمتعت قمر الليل باكلهما في الدقائق العشرة التالية وحينما كانت تضع الملعقة من يدها فقط .. فكرت كم كانت قربية من فضح نفسها .. فقد كان ينظر اليها بدهشة وتسلية :
من المثير للاهتمام مراقبة الناس وهم ياكلون .. لم الاحظ كم انت صغيرة الا بعدما شاهدتك تستمتعين بالحلوى , وعندما نكون في المكتب اميل للنسيان0
ردت بحذر :
– انا ابدو اكبر من سني.
-هذا صحيح .. لكنني اعتقد ان لك بمحض اختيارك , فان رغبت في ان تكوني كاي مو ظفة الشركة ..
قاطعته :
– لن اكون ساعتئذ سكرتيرتك !
– صحيح .. فانا لا اطيق النساء المتبرجات المطليات بالمساحيق.
– تعنى من يعملن معك؟
– يجب ان تكون المخلوقات المتبرجات للزينة فقط..فهن يلهين المرء عن العمل.
وقع الفاتورة ووقف..خارج المطعم قال:
– سيقلك مارتن.
– استطيع الوصل وحدي.
– اثق بقدرتك انسة كامبل , انما لماذا التعب حين لا تدعو الحاجة اليه ؟
احرقت الدموع بدون توقع او سبب عينيها , فتمتمت : “عمت مساء ” ثم اندست في السيارة .
وفيما هي بمفردها في السيارة السائرة في الشوراع المظلمة، اخذت تفكر ان الساعة الاخيرة مرت بسرعة.
كان حديثهما مركزا على العمل، ومع ذلك جعله مسليا الى درجة الشعور بالاغتباط في الاصغاء اليه.من المثير للاهتمام مراقبة الناس وهم ياكلون .. لم الاحظ كم انت صغير الا بعدها شاهدتك تستمتعين بالحلوى , وعندما نكون في المكتب اميل للنيان0

رد بحذر : ” انا ابدو اكبر من سني”.
-هذا صحيح .. لكنني اعتقد ان لك بمحض اختيارك , فان رغبت في ان تكوني كاي مو في الشركة .. قاطعته :
– لن اكون ساعتئذ سكرتيرتك !
– صحيح .. فانا لا اطيق النساء المتبرجات المطليات بالمساحيق.
دفع الفاتورة ووقف .. خارج المطعم قال :
– سيقلك مارتن.
– استطيع الوصل وحدي.
– اثق بقدرتك انسة كامبل , انما لماذا التعب حين لا تدعو الحاجة اليه ؟
احرقت الدموع بدون توقع او سبب عينيها , فتمتمت : “عمت مساء ” ثم اندست في السيارة .
وفيما هي بمفردها في السيارة السائرة في الشوارع المظلمة , اخذت تفكر ان الساعة الاخيرة مرت بسرعة. كان حديثهما مركزا على العمل , ومع ذلك جعله مسليا الى درجة الشعور بالاغتياظ في الاصغاء اليه .

في نهاية الاسبوع، فكرت كثيرا ..لكنها كانت تدفع ذكراه عنها في كل مرة ,قانعة بقضاء يوم السبت برفقة بيتر .. والاحد برفقة اخيها.
كانت الشقة تبدو مزدحمة عندما يزورها تيودور , فالجدران تهتز بسبب الموسيقى الصاخبة التي يهواها , والغرفتان تمتلئان بالجص الذي يعمل فيه .. قالت معترضة وهي تفتح النافذة :
– ساضطر الى ارسال ثيابي كلها الى التنظيف .. حقا تود .. كيف تطيق رائحة الجص ؟
ضحك ***** ومدد جسده النحيل , فبدا لها اصغر سنا واكثر ضعفا حتى تاقت الى الى عناقه.. لكنها غيرت الموضوع :
– ماذا تخطط للصيف ؟
– قال صديقي الذي اسكن معه ان والده سيشغلني في كارجه ليلا .. عندما سيكون لي كل النهار .
– لفعل ماذا ؟
– لاشتغل عملا اخر .
– لست مضطرا الى القيام بعملين .. فانت بحاجة للدراسة في العطلة .
– لا تقلقي , سانال علامات جيدة واتخرج.
ليتها تعرف احدا تستطيع التحدث اليه عن تود. فجاة فكرت في جوك هانيز وفي وجهه المتجهم بالذكاء المتناقض تماما مع وجه اخيها المرح الضاحك .. لا شك في ان الواحد منهما سيكره الاخر منذ النظرة الاولى , خاصة وان افكار تود عن الراسمالية افكار راديكالية .
لم يجف النوم مقلتيها يوما كما جفاها هذه الليلة. فقد ظلت قمر الليل افكارها تطوف حول جوك هانيز وكوني ماولنغ , وكانت كل فكرة اكثر حميمية من الاخرى .. حتى بعثتها افكارها فجاة من مرقدها لتضيء النور املا في محو عيون افكارها وتخيلاتها .. ولكن النور ضاعف الامر سوءا وتصورت كوني مستلقية مكانها على الوسادة بشعرها الاسود اللماع ..
صرخت صرخة يائسة ثم هرعت الى المطبخ .. ترجو ان يلطف ثورة اعصابها كوب من الحليب الساخن .. لكن مع غليان الماء في الابريق , ازداد غليان عواطفها حتى اصبحت لا تطاق, ولم تعد تستطيع تجاهلها .. اخيرا كان عليها مواجهة الواقع .
انها تحب جوك هانيز .
وخزها مرة اخرى التفكير في الفتاة الشرقية .. اذا كان جوك يحب الفتاة حقا , فلا فائدة من محاولة القتال لاجله .. كم ستكون المخاطرة كبيرة في الذهاب الى المكتب وهي تبدو على حقيقتها .. مهما كان عنده روح مرحة , فهو قد حكم سلفا على النساء اللواتي يقبل ان يعملن عنده ولن يقبل ابدا تحولها الفجائي . وهذا يعني انها مضطرة لتنفيذ ما تريد بمكر ودهاء , لئلا يلاحظ مايجري حتى يتم نهائيا , فعندئذ سيخف غضبه , وستزول المخاطرة .
لكن .. ماذا لو واجه ليليان الحقيقية .. ولم تعجبه ؟
عاد جوك الى المكتب يوم الثلاثاء .. لم يشر الى رحلته مطلقا.
مع ان ليليان وجدت صعوبة في رؤيته بدون التفكير بكوني ماولنغ .. وهذا ما وتر اعصابها حتى انعكست على مساعدتها المسكينة , التي قالت بتعاسة :
– لا بد ان مزاج السيد هانيز يؤثر فيك .

ردت لن بحدة :
– ولماذا تقولين هذا ؟
– لانه متوتر الاعصاب ايضا . كاد يطيح براسي عندما ادخلت اليه التقرير الذي اعطيتني اياه .
– لديه اشياء كثيرة في ذهنه .
جاء الرد الوقح :
– على الارجح هناك شيء واحد .. وكلنا نعرف ماهو !
مع مرور اليوم , تذكرت ليليان هذه الملاحظة فقد اصبح اكثر توترا وما زاد من دهشتها غياب الفتاة الفليبينية عن مواعيده .. ولكنها لم تكتشف السبب الا بعد اسبوع من عودته .
دخلت قمر الليل الى غرفته لتضع بعض الاوراق التي تحتاج الى توقيع فوجدت نفسها وجها لوجه مع كوني .
قالت الفتاة :
– اوصاتني موظفة الاستقبال الى هنا .. اريد رؤية السيد هانيز.
– لا اعرف بالضبط متى يعود , فليس موعده التالي قبل الساعة الثالثة .
– سانتظر , لن تطير طائرتي قبل السابعة .. فانا عائدة لبلادي .
حاولت ليليان اخفاء سعادتها للخبر .
– وهل انت مسرورة بعودتك ؟
– انا حزينة لانني ساترك جوك .
اجبر الفضول ليليان على القول :
– تساءلت ما اذا كنت سافرت .
رد ت بمرح :
– طبعا .. فانت السكرتيرة التي تعرف كل شيء عن رئيسها !
– ان احدى مهماتي ان اعرف التزامات السيد هانيز .
– حتى الخاصة ؟
كان في صوتها الناعم حدة قاسية .. انها هرة شرسة داخل هريرة سيامية .
تابعت كوني :
– انت كمعظم السكرتيرات الكفؤات .. اظنك تدللين مخدومك . انما يبدو ان جميع النساء يدللنه , ولهذا قررت الا احذو حذوهن .
استدارت لتحدق خارج النافذة .. كانت تبدو حتى تحت اشعة الشمس كاملة بلا عيب . تبدو الوانها في ارض معظم النساء فيها من البيضاوات غريبة ومنمنمة , ولكن شكلها الكامل يجعلها مميزة .. فلا غرابة ان يرغب فيها جوك هانيز.
– جوك غاضب مني لانني مسافرة. انما هكذا افضل , فعليه للمرة الاولى في حياته ان يقوم هو بالمطاردة.
احرج افشاء السر هذا ليليان مع انها ارادت معرفته بياس .. ما من شك في ان جوك ما يزال راغبا في هذه الفتاة الجميلة , والا لما كان غاضبا لرحيلها.
عاد قبل خمس دقائق على الثالثة الى مكتبه. سمعت ليليان صيحة العجب الحادة عندما شاهد زائرته , ثم اقفل الباب , ولم تعد ليليان تسمع شيئا سوى دقات قلبها المتسارعة .
كانت الساعة تقارب الثالثة والنصف حينما رافق كوني ولكن لم يكن على وجهه اي تعبير وهو يسير معها بل احمرار على خديه , اما تجمد عينيه الرماديتين فكانتا دليلا لا يدحض على غضبه.
عندما عاد الى المكتب لم يكن مزاجه قد تغير , مع ان كلماته ادهشت ليليان .
– هل لك ان ترسلي ثلاث دزينات من الورود الحمراء الى المطار ؟
– للانسة ماولنغ ؟
– اجل, وارسلي ثلاث اخرى الى مطار كيزون , ولتكن بيضاء .
سقط القلم من يدها ذهولا .. فضحك بدون مرح :
– الحمراء دليل الحب انسة كامبل .. والبيضاء للدلالة على انه يخبو.
– بهذه السرعة ؟
– يجب على الرجل الا يترك امراة تسيطر عليه , فما ان يفعل ذلك مرة واحدة حتى لا تعود حياته له.

بعدما دخل ***** الى غرفته فكرت ليليان في كلماته مليا ..انها تشير ال واجهة اخرى من شخصيته المعقدة .
مسكينة كوني .. لقد اساءت تقدير قوتها .. او ربما من الصحيح اكثر ان يقال انها اساءت الحكم على قوة جوك.. لكن كيف له ان يحب امراة اذا كان يرفض ان يسمح لنفسه بان يحتاجها ؟

 

3- كمبيوتر اسمه ليليان

شغلت مرة اخرى نساء اخريات حياة جوك هانيز, لكن ليليان احست بالراحة من الاعتقاد السائد بان في الكثرة السلامة .
كان يعمل اقسى مما مضى .. يتمتع بالخوض والاقتحام في عالم التجارة , الذي تجده ليليان مذهلا . قبل ان تعمل في الشركة , كان اهتمامها منصبا على الادب والفن , ولكنها الان بدات تطالع الاقسام السياسية والعلمية في الصحف , وكان اكثر ما يحيرها الطريقة التي تؤثر فيها السياسة على الاعمال , والعكس بالعكس.
سالها بعد الظهر في اثناء استراحة سريعة :
– هل انت مشغولة في نهاية الاسبوع ؟ يجب ان احضر تقريرا لاجتماع مجلس الادارة .. واذا انكببت عليه معك ..
– لا شيء يشغلني .
– عظيم .. ستقيمين معي في ” ريفرسايد “. انه منزلي , فذلك انسب لنا.
لم تكن ليليان قد ذهبت الى منزله من قبل. مع انها سمعت عنه الكثير من بيتر الذي كان , مع مجموعة من المديرين , يذهبون لتناول الغذاء فيه احيانا ايام الاحاد.
قطع صوته عليها افكارها.

– حسنا ؟ اعتقد ان لا اعتراض عندك على الاقامة في منزلي .
– ابدا .. هل يجب ان احضر شيئا خاصا .. ثيابا مثلا ؟
– تبدين رائعة كما انت بالنسبة لي , فارتدي ما ترتدينه عادة.
كان منزل ريفرسايد كما وصفه بيتر تماما . يقع وسط مساحة كبيرة من الاراضي الريفية , وحوله قطعة ارض حولت الى مرجة تصل البيت بنهر جايمس. اما الاثاث , فعكس اثاث مكتبه اذ كله من الاثريات وهناك سجاد فارسي ومدفاة ذات طراز قديم.

بعد افراغ قمر الليل ثيابها من الحقائب في خزانة في غرفة نوم رائعة اعطيت لها, نزلت الى المكتبة حيث كان جوك هانيز جالسا بانتظارها , وقال:
– لقد طلبت القهوة. ظننتك بحاجة الى القليل بعد الرحلة.
شكرته واخذت الفنجان , لكن ما كادت تجلس حتى بدا بالاملاء .. يا له من رجل ! انه يقوم بايماءة كلها تقدير, ثم يجعل من المستحيل عليها ان تستمتع بها.
كان في اوج اندفاعه عندما دخل الساقي ليعلن عن موعد الغداء. ومع ان الغداء كان لذيذا, فانه تناوله بنفاد صبر حتى يعود الى عمله, وكان ان لم تجد ليليان الوقت لتتناول طعامها كله. وهما عائدان الى المكتبة, التفت نحو الشرفة وقال :
– اخشى الا تكون لديك فرصة للاستمتاع بالريف انسة كامبل .. ولكنني حذرتك بان لدي اعمالا كثيرة.
– ولهذا انا هنا.
– ومع ذلك لا سبب يحول دون ان نعمل في الحديقة .. اذهبي واحضري دفتر ملاحظاتك.
عندما عادت وجدته جالسا في مقعد من الخيزران المجدول .. كان يوما من ايام حزيران الرائعة والهواء مشبع باريج الورود .. على بعد امتارمنهما كانت اغصان شجرة الليلاك الارجوانية الزهر الملتوية كانها سيدة رشيقة تبعث بين الفينة والاخرى عطرها الممز.
– فيم تفكرين بهذه الجدية ؟
وقطع سؤاله عليه افكارها , فردت بصراحة وهي متاثرة بما يحيط بها :
– كنت اتساءل لماذا تعمل بجهد هكذا , وانت لا تحتاج الى العمل .
– لانني استمتع بعملي , فان وجدته مملا اتقاعد فورا .
– لا اتصورك تتقاعد .. فالتقاعد سيشعرك بالمزيد من الملل .
– هذا يدل على انك لا تعرفينني جيدا. لدي هوايات عديدة.
– مثل ماذا ؟
– السباق , الطيران , التزلج ..
– كلها نشاطات .. الا تفعل ما يجعلك تجلس بهدوء في البيت ؟
فكر قليلا :
– احب الموسيقى.
– وانا كذلك .. خاصة الصاخبة منها .
– حقا؟ اعتقدت ان الموسيقى الصاخبة قوية عليك .. اه! انا اسف .. انه كلام فظ يبدر مني .
هزت كتفيها تخفي ابتسامة :
– اعرف انني لا ابدو ممن يقدر الموسيقى الحديثة .. انما عليك الا تحكم بناء على المظاهر.
– استحق هذا التانيب .
وكمانما قرر ان ليس من الملائم المضي في الحديث الاجتماعي , لذا عاد الى العمل ولم يتوقف الا في الرابعة لاحتساء الشاي ولتناول بعض السندويشات والكايك المصنوع بالحليب الذي تنتجه مزرعته .
استمتعت ليليان بكل قضمة من الحلوى الكايك , ولم تلاحظ ان جوك كان يراقبها :
– انت كالطفلة عندما تاكلين .. انت تغرقين فعلا في اكل الحلوى والكريما.
ردت محتجة :
– لكن السندويشات لم تكن من الحلوى . وهي مغذي جدا .. عليك تناول القليل منها على الاقل .
– لا تحاول معاملتي معاملة الام .
– اذن لا تلعب معي دور الاب .
فضحك لها :
– في هذه اللحظات , احس بحنان ابوي نحوك .. تبدين صغيرة في السن وانت تجلسين على العشب هنا .
– هذا لانني ارتدي ملابس مختلفة .
– بل اكثر من هذا , فانا لم الاحظ من قبل ما ترتدين على اي حال. حولك .. هالة مختلفة.
لم تستطع انكار ابتهاجها , وخرجت سعادتها مع ضحكة مفاجئة :
– من السهل على المرء الاسترخاء في حديقة جميلة.
– انا مسرور لانك مستمتعة. على الاقل لن تمتعضي لتخليك عن عطلة الاسبوع.
اعادت الحديث بتصميم الى المستوى العملي :
– هذا ما اتقاضى اجرا عليه.
وبعد هذا الحوار القصير عادا الى العمل , ولم يتوقفا حتى عندما بدات الشمس تغوص نحو الافق .. كانت قمرا لليل اشعتها اللطيفة تزيد الظلال التي يرميها المنزل فوق المرجة عمقا. ولم ينتبه اي منهما لمرور الوقت حتى تناهى اليهما صوت اجش , فرفعا بصرهما ليجدا رجلا ممتلىء الجسم يخطو نحوهما , فصاح جوك :
– دوغلاس ! وصلت مبكرا.
– ولكن في الوقت المناسب لتناول المرطبات قبل العشاء.
ليتني اعرف كيف اقنع سكرتيرتي بالعمل معي في عطلات الاسبوع !
توقف للحظات تاركا المجال لجوك بان يقدمه رسميا. فقام الاخير بالتعارف ذاكرا ان دوغلاس كيرانغ صديق قديم تعود صداقتهما الى ايام الدراسة.
ادركت ان الرجلين ينظران اليها , فاستجمعت شجاعتها, وسمعت جوك يقترح عليها الاستراحة ساعة ثم تلاقيهما في المكتبة .. وافقت بكل احترام وواجب , فخلدت الى غرفتها حيث استلقت في المغطس تستمتع بالماء الفاتر وتفكر بسعادة في الامسية القادمة .. ليليان القبيحة على وشك التلاشي والتبدد .. وسيستيقظ طائر الفينيق من بين رماده اكثر بهاء واتم جمالا ..
الليلة اما النجاح واما الموت ونسف كل المستقبل ! اذن فهو لا يلاحظ الثياب التي تلبسها ؟ حسنا .. بعد ساعة من الان سيبتلع كلماته !
اولا .. هناك شعرها .. تنهدت تنهيدة حارة ثم رمت الدبابيس التي تمسك به في سلة المهملات واطلقت الشلال الاحمر القاتم حرا .
واخذت تمشطه حتى توهج لونه القاتم ازاء بشرتها الكريمية .. وبعد ذلك ركزت بعناية ” الماسكار ” الزرقاء حول عينيها لتزيدهما زرقة. ثم جاء دور الثوب الذي التصقت ثناياه الناعمة بالقسم العلوي قدها الرشيق , وانسلت اجزاؤه الاخرى الى الاسفل لتجعل خصرها اشد نحولا. ثم اتى دور الحذاء العالي الكعبين والجورب الشفاف الذي اتم الصورة. شعرت وكانها تحولت الى اوزة بيضاء , فطارت حالمة تهبط الدرجات .
لقد بكرت في الوصول .. ولكنها ستشعر بسعادة مضاعفة فيما لو كانت في المكتبة عندما يدخل جوك. على الاقل لن تضطر الى تحمل نظرته وهي تقطع الممر المغطى بالسجاد . استقرت قمر الليل بهدوء في مقعد ذي ذراعين .. واسترخت في عمق المقعد المريح .. وقد طغى عليها الاحساس بالتعب , فاغمضت عينيها , وتركت افكارها تطوف , سعيدة بفترة الراحة قبل الفصل الاخير .
سمعت وقع اقدام قادمة من بعيد , فعادت الى وعيها وفتحت عينيها متنهدة . كان جوك يقول باستنكار :
– سيتزوج سكرتيرته ؟ لا شك ان لا وسن جن.
كانت قمر الليل على وشك الوقوف لاظهار نفسها , لكنها بقيت جالسة وتابع جوك :
– الزواج اما من اجل الحب او من اجل المال .. انما لا يتم ابدا من اجل التقارب ! اعتقد ان هذا هو السبب الوحيد الذي يدفع الرجل للزواج بسكرتيرته .
ضحك دوغلاس :
– لم اكن اعرف انك متعجرف هكذا.
– لست متعجرفا , بل منطقي. قد تبدو الفتاة المثالية وهي في مكتبك تحميك من اشخاص لا تريد ان تراهم .. لكن ما ان تصبح في بيتك حتى تعطى الاوامر بدل تنفيذها , هذه قصة اخرى !
– لكن قد تكون باعثة على السعادة .
– اشك في هذا. على كل حال , انا لا ارحب بالمراة العاملة , ولا استطيع الزواج بها .
– ان قلة من النساء لايعملن هذه الايام .
– لا اعترض على ان تشغل الفتاة وقتها بعمل .. شرط الا تنظر الى عملها وكانه اساس جوهري لحياتها .
– ما دمت لا تحب النساء العاملات , فلماذا تحيط نفسك بهن اذن ؟
– كنت اتكلم عن زوجة .. لا عن موظفة.
– لا ارى فرقا. ان سكرتيرتك الشابة قد تناسبني في كلا الحالتين .
– من .. الانسة كامبل ؟
– لا تبدي هذه الدهشة. انها جميلة .. واراهن ان فيها شعلة ما .. حمراوات الشعر هكذا هن دائما.
– لم اكن اعرف ان شعرها احمر , والانسة كامبل فتاة حساسة عاقلة , وهي بالتاكيد ليس لها نظرة رومانسية نحوي .
– اود لو اعطيها بعض الاهتمام .. ما اسمها الاول ؟
تردد جوك , واحست ليليان بتردده :
– اسمها يبدا بحرف اللام .. اظنه ليلي او لاسي .. تعال ندخل غرفة الجلوس لالقاء نظرة على التمثال الخزفي الذي اشتريته , اظنني قمت بصفقة .
ما ان تلاشى وقع خطواتهما حتى نهضت ليليان من المقعد.
ليلي .. او لاسي .. حقا !
ارسلها الغضب راكضة الى غرفتها .. اخيرا عرفت كيف ينظر اليها جوك هانيز .. امراة قد تكون جارية عنده , اما ان تكون ندا له فهذا هو المستحيل .
خلعت حذاءها ركلا وجلست الى طاولة الزينة .. فحتى الاعمى قادر على رؤية ان شعرها احمر. تدفقت الدموع من عينيها , فهرعت الى الحمام لتغسل الماكياج عن وجهها , ثم فتشت قمر الليل في سلة المهملات لتستعيد دبا بيس الشعر, ولتعيد تثبيت العقصة السابقة , ثم خلعت ثوبها الحريري
,وارتدت ثوبا من الكتان مرتفع الياقة اسود اللون , ربما كان عقلها الباطني عندما وضعتهة في الحقيبة يفكر في منع الكارثة.
كان لونه مناسبا للحزن على موت امها.
حينما عادت الى المكتبة وجدت الرجلين هناك .. ترددت قليلا قبل الدخول ثم تعجبت قمر الليل من قوة ارادتها التي تتحمل ان تنظر ثانية الى وجه جوك هانيز .. كم سيكون دهشا لو سمحت لعاطفتها بالتغلب عليها , وطبعت صفعة على وجهه الناعم الحليق.
قبلت بهدوء كاس العصير, وتقدمت تنظر الى الاوراق التي وضعتها بنفسها فوق مكتبه .. فقال لها محتجا :
– انسي العمل هذه الامسية.
– كنت اتاكيد من ان كل شيء جاهز للغد.
قال دوغلاس ممازحا :
– السكرتيرة الكاملة. الا تنسين عملك ابدا ؟
– انا مخلصة لعملي.
– لكنك صغيرة قليلا على ذلك .. اليس كذلك ؟
– لا اظن. فالعمل افضل ما يرضيني في الحياة.
اجفله ردها , فالتفت الى مضيفه , اما ليليان فنظرت الى الظلمة بدات تنتشر.
تلاعبت اثناء العشاء بطعامها , تحركه من جانب الى اخر. حاول الرجلان عدة مرات جرها الى حديثهما , ولكنها تجنبت هذا , وما ان انتهت من احتساء القهوة , حتى ادعت التعب لنذهب الى غرفتها .
في الفراش , لم تستطع الحؤول دون انهمار الدموع.
كانت تبكي احلامها الحمقاء والمستقبل القاتم . ما عرفته اليوم عن جوك كان وجها من وجوه شخصيته , ولكنه وجه حطم قلبها. لا تزال تحبه , وتعرف انها لن تتوقف عن حبه .. ويجب ان تجد عذرا للرحيل لانها حينئذ فقط قد تامل باستعادة حياتها العادية.
امضت ليليان بهدوء عجيب اليوم التالي .. مع انها كانت مخدرة الحس من التعب عندما صعدت الى القطارة لتعود الى المدينة في الساعة السادسة من ذلك اليوم.
صباح الاثنين , حيت جوك في مكتبه وجلست امامه وهو يعمل , لكنها وجدت صعوبة في التصديق ان الحديث الذي سمعته منه قد جرى فعلا ..
سالها فجاة :
– الا تشعرين بانك بخير ؟ كنت صامتة طوال اليوم.
انقذها الهاتف من الرد برنينه , وكانت مكالمة من لندن , فتركته يتحدث وخرجت .
ارسله القدر العطوف في رحلة الى لندن في الايام التالية .. ولانها كرهت قضاء امسياتها بمفردها خرجت مع بيتر الذي علق على حالتها , وهما يتناولان العشاء :

– تبدين متكدرة .. ولا شك ان السبب اضطرارك الى التنكر نهارا.
– اشعر فعلا بالتكدر.
– انهي هذه المهزلة , وعودي الى طبيعتك !
– هذا ما سافعله. اريد تغييرا كاملا .. وافضله في الخارج.
– قرار مفاجىء .. لكن ان كنت جادة فقد استطيع المساعدة .. ان احدى زبونات الشركة وهي صاحبة محل ازياء مسافرة , بحاجة الى سكرتيرة لمدة سنة , انها السيدة بارف الارملة. كان زوجها صاحب محل ازياء , وهي الان تتابع عمله , ولكن بطريقة اخرى تعتمد على السفر.
– اهي اليزبيت بارف ؟
– تماما.
– اذن هذه هي الوظيفة المناسبة .. ساذهب لرؤيتها.
كانت ليليان في الامسية التالية تجلس قبالة السيدة بارف في غرفة جلوس انيقة في منزلها. مضت قمر الليل ساعة من الحديث العذب قبل ان تدرك ليليان انهما لم تبحثا سبب مجيئها الى هنا ..
قالت المراة وكانها تقرا افكار ليليان :
– يعرف المرء عن الانسان الكثير بالتحدث اليه , لا احتاج الى طرح اي سؤال لاعرف انك الشخص الذي ابحث عنه , كما ان بيتر قال انك ممتازة .
ضحكت ليليان :
– انه متسرع باحكامه.
– ما دمت تملكين من الذكاء ما خولك العمل عند هانيز , فهذا يعني انك اكثر من مناسبة لي . لكن العمل لي لن يكون مثيرا كعملك هذا.
– اود ان اسافر .. فالسفر سبب رغبتي في تركه . قال بيتر انك مسافرة.
– الى كيزون في الواقع.
– الفيليبين ؟
– اجل .. انها بلاد رائعة.
عضت ليليان شفتها .. لكن لا سبب يدفعها للخوف من الذهاب الى هناك , وانزعجت لان ذكرى كوني ماولنغ جعلتها مترددة.
اردفت المراة :
– قال بيتر انك مصورة جيدة .. وقد نضطر الى التقاط بعض الصور للازياء والعارضات.
– لكنني لم احلم من قبل بامر كهذا , فانا مجر هاوية.
– كنت هاوي حتى صممت اول زي ! الديك صور اشاهدها ؟
فتحت ليليان حقيبتها واخرجت بعض الصور:
– كنت في طريقي الى معهد التصوير, ولهذا حملتها معي.
نظرت السيدة بارف الى الصور .. كانت تظهر ثلاثة مناظر لميناء ريتشموند من ثلاث زوايا مختلفة :
– انها ممتازة .. لو استطعت التكيف مع كوزون كما فعلت هنا. عليك بكل بساطة مرافقتي. لن ادعك تتخلين عني !
– ولكنني مضطرة الى اعطاء شهر انذار لترك العمل .. وقد يطلب السيد هانيز مدة اطول.
– لا يمكنك اعطاءه المزيد ! ساتحدث اليه .. فلا تقلقي. لن يقطع راسي .. اعرفه منذ طفولته.
عندما غادرت ليليان منزل المراة كانت قد قبلت الوظيفة بحزم .. ولم يكن يكدر سعادتها بقبولها الا اضطرارها ان تقول لجوك انها ستتركه .. لكنها مضطرة الى كبح توترها حتى يعود من لندن نهاية الاسبوع.
لكن واقع مواجهتها له كانت اقسى مما قادها خيالها اليه, فقد تفوه بكلام ممطوط قبل ان تنهي كلامها.
– ان كنت تريدين المزيد من المال, فما من مشكلة.
– ليس لهذا علاقة بالمال .. اريد اسافر فقط.
– وماذا عن شقيقك؟ طالما اعطيت انطباعا بانك متعلقة به.
ومن غيره قد يضرب على الوتر الحساس الذي يزيد من تكدرها؟
ردت عليه :
– انا متعلقة به فعلا كثيرا. ولهذا من الافضل ان ابتعد عنه لسنة .. وحين يترك الجامعة اكون قد عدت.
انفجر غاضبا :
– لا تستطيعين الذهاب ! ما كنت لاقبل بك لو عرفت انك ستتركينني بهذه السرعة.
– اعمل عندك منذ تسعة اشهر.
– هذا لاشيء! ولوكانت تسع سنوات لفهمت حاجتك الى التغيير.
جعلها الغضب من افتراضه بان عالمها يجب ان يرتكز عليه تتخطى حاجز التحفظ :
– لي حياتي الخاصة سيد هانيز .. لا اجدني مستمتعة بحياتي وانا اعمل عندك.
– ان كان الامر يتعلق بالعمل الاضافي..
– لا علاقة للامر به, اريد وظيفة اعامل فيها كبشر, لا ككومبيوتر! واسمي ليس ليلي او لاسي .. بل ليليان .. شعري احمر.. هذان امران بديهيان يجب ان يعرفهما رب العمل بعد تسعة ايام لا بعد تسعة اشهر!
كان الصمت حادا, واحست ليليان ببشرتها تقشعر خجلا .. ولكن الوقت فات , واخذت قمر الليل العينان الرماديتان تنظران اليها بخبث وحقد :
– لم اعرف ان استراق السمع من خصائصك !
– كانت صدفة. دخلت الى المكتبة قبلكما وغفوت على المقعد, وعندما استيقظت كنت والسيد كيرانيغ تتحدثان.
– وهكذا .. اصغيت؟
– كان هذا اقل احراجا من ابلاغك بانني موجودة.
– لكنك تبلغينني بذلك الان.
– لم اشا ذلك .. ولكنك استفززتني ففقدت اعصابي.
– لم اكن اعرف ان لك طبعا .. فطالما اعطيتني انطباعا .. كنت ساقول هادئة وكفؤه .. ولكنني لو قلتهما لا عتبرت كلامي اهانة!
وابتسم :
– هيا الان انسة كامبل .. انا واثق من قدرتك على نسيان كل هذا. لماذا لا تاخذين بضعة ايام اجازة و…
لن اغير رايي سيد هانيز .. اود ترك العمل في نهاية شهر اب.
كان هدوء صوتها مقنعا اكثر من كلماتها, فتلاشى الدفء من وجهه وسارعت تقول :
– انا واثقة من انك ستجد الانسة بروك بديلا كفؤا.

هز كتفيه :
– ان كان هذا ما تظنين .. ساتركك تقومين بالترتيبات اللازمة.
فيما هي خارجة ناداها :
– انسة كامبل .. لم الحظ لون شعرك بسبب الطريقة التي تربطينه بها .. لكنه ليس احمر .. انه بني محمر.
صدمتها قمر الليل كلماته وكانه وجه لها ضربة .. فقد ذكرتها كلماته بوالدها الذي لم يستخدم احد سواه هذا الوصف لشعرها .. وسماعها جوك الرجل الذي تحبه والذي ينظر اليها كالة امر لم تستطع احتماله .. فغشيت الدموع عينيها وهربت راكضة.
اتصلت صباح اليوم التالي باخيها في الجامعة , وقالت شارحة :
– عرضت علي وظيفة في الفيليبين مدة , ولست واثقة ان كان يجب ان اقبل بها.
– مجنونة ان رفضتها.
– لكنها بلاد بعيدة.
– ان حدث شيء فانا قادر على الوصول اليك في اربع وعشرين ساعة.
شهقت ضاحكة .. من السخرية ان يسيء تود الحكم على اسباب ترددها. وما ان اتنهى قلقها على تود حتى عادت مشكلة جوك تستحوذ على افكارها..
في الصباح التالي علمت من الانسة بروك انه عاد الى السفر فجاة الى لندن. وانه سيعود بعد اسبوع, يوم الاثنين التالي على ابعد تقدير. لكن الاسبوع امتد اسبوعين ثم ثلاثة. ووصل موعد رحيل ليليان قبل ان يعود .. علمت ان من الافضل لها الا تراه , ولكن هذه الفكرة جلبت الدموع الى عينيها.
كالعادة كان بيتر هو اليد التي تبهجا دوما , فعندما وصلت الى الرصيف راته وراءها يقود سيارته الصغيرة :
– فكرت قمر الليل في تناول العشاء معا, فالله وحده يعرف متى اراك ثانية.
– لن اغيب اكثر من سنة!
– وهذا وقت كاف للزواج برجل فيليبيني.
لم تستطع سوى الضحك على الفكرة. استمر في مزاجه حتى لم يترك لها مجالا للتفكير في شيء اخر. عندما اوصلها الى باب شقتها في وقت متاخرمن تلك الليلة بدات التفكير مجددا في مستقبلها, انما بخوف اقل, قانعة بانها تفعل افضل ما بوسعها في الظرف الراهن.
الهروب جبن .. ولكن في مثل حالتها .. انه الحل الوحيد المنطقي!

4- رجل واحد فقط
نقلت اربع عشرة ساعة من الطيران فوق المحيط الهادىء ليليان من بداية الخريف في جورجيا على ساحل الاطلسي , الى مطار كوزون اكبر مدينة على جزيرة لوزون اهم جزر ارخبيل الفليبيبن0
كانت اثار التقدم البنياني موجودة في كل مكان. بدا الضجيج والنشاط الصاخب وكانه يزيد من حرارة الاسفلت. حيرها ما تراه للوهلة الاولى , فقد اصطفت صفوف طويلة من الناس امام مركز الجوازات بانتظار المرور حيث يجري التدقيق بهوية كل مسافر على حدى , وكانه ارهابي خاطف او عميل سري. والحشود تتدافع وتتجادل للحصول على حقائبها, والمرتزقة يلحقون بها وكانهم كلاب جائعة عارضين التاكسيات والفنادق والخدمات الاخرى.
وقفت ليليان التزاما بتعليمات السيدة بارف قرب المدخل الرئيسي حيث حياها رجل في ثيات السائق الرسمية, شرح لها بابتسامة انه ***** ارسل لمرافقة ” سيدة اميركية حمراء الشعر ” .
عرف عن نفسه ذاكرا ان اسمه تشانغ لي. ثم راح يتحدث بلا انقطاع وهو يقود السيارة اليابانية الفخمة باتجاه المدينة. لم تعط هذه الطريق كمعظم الطرقات القادمة من المطارات , سوى فكرة مختصرة عما يقع بعدها. فقد كان معظم من مرت بهم يرتدون الثياب الاوروبية.. فالفتيات في الجينز. ولولا عيونهن المتجهة الى الاعلى,وشعورهن السوداء الطويلة لما عرفت انهن شرقيات.. فجاة التقت عن بعد براهب بوذي, روبه الزعفراني اللون يلمع كالفوسفور, فاحست فعلا بانها على ارض غريبة.
اعلمها تشانغ :
– يصبح معظم الشبان رهبانا مدة ثلاثة اشهر قبل الزواج وبعضهم مدة سنة. انها الطريقة الوحيدة لتعلم تعاليم بوذا.
– وهل كنت راهبا؟
– اجل .. لمدة سنة.
بعدما بدا لها قيادة لانهاية لها بين الزحام والشوارع المكتظة , وصلت السيارة الى شارع سكني , هو مزيج من ناطحات سحاب ومبانى مؤلفة من طابقين او اكثر تحتها محلات تشبه الاسواق ،فوق المحلات مكاتب. الشارع, كما يبدو,هو احد الشوارع الرئيسية,عرضه يكفي لمرور ستة صفوف من السيارات في ان واحد. وكانت المباني في هذه المنطقة حديثة, مزينة بالواح الاعلانات المكتوبة , بلغة غريبة.
ادخل تشانغ لي السيارة ما بين دفتي بوابة خشبية, ثم عبر ممرا مرصوفا بالحصى, تحده مرجات عريضة تقطعها اشجار النخيل المروحية الاغصان. في اخر الممر,وقف منزل اكبر بكثير مما توقعته ليليان, صحيح انه غير مبني على ركائز مرتفعة عن الارض, الا انه على الطراز المحلي القديم, له سقف مستدير مدبب, وشرفات واسعة.
كانت السيدة بارف بانتظارها عند درجات المدخل, فرحبت بها بحرارة حتى احست ليليان وكانها ابنتها التي عادت الى المنزل,لا كانها موظفة تصل لتستلم عملها. قادتها الى داخل المنزل الذي بدا خشبه الداخلي قاتما وبارد الجو بوجود المكيف,ثم اوصلتها سلمات عدة من خشب السنديان الى غرف النوم.. كان هناك اربعة اجنحة. ادخلها الى الجناح الاخير في الممر.
اخذت السيدة تشرح لها وهي تفتح الباب:
– لكل غرفة حمامها. لقدجدد المنزل رجل اميركي كان يملكه, وهكذا استطاعت وكالة التاجير ان تضمن التمديدات الصحية فيه!
– لم اتوقع مثل الفخامة.. ولا اصدق انني ساعمل هنا.
– ستغيرين رايك حينما نبدا العمل.. فانا قاسية عندما اباشر بالعمل.
– هل المدينة حارة هكذا دائما؟
– كانت اسوا من هذا منذ شهر. نحن في منتصف موسم الامطار الموسمية الان.. لكن ما ان يحل تشرين الثاني حتى يبرد الجو قليلا.
ضحكت ليليان:
– لاباس في هذا, فالحرارة لا تزعجني.
– لكنك قد تجدين الرطوبة مزعجة, فهي اسوا من اي شيء اخر.
– هذا ما اراه.
مدت قمر الليل يدها الى فمها تتثاءب:
– اسفة.. ولكنني اعاني من دوار الطيران.
– لا يدهشتي ذلك, سارسل لك القهوة,ثم بعد ذلك استريحي.
– بل افضل المقاومة فان نمت الان, فساتاخر في التعود على التوقيت والروتين المحلي.
مر اليوم بشكل ضبابي,مع انها تتذكر انها استكشفت المنزل, والتقت الخدم الذين يبلغ عددهم ستة..وتفحصت الة الطباعة الالكرونية الجديدة في غرفة الجلوس المفروشة باثاث رفيع الذوق.
قالت لها السيدة:
– هناك حياة اجتماعية ناشطة هنا..انا اعرف معظم افراد الجالية الاميركية,وبعضا من الجالية الاوروبية لذلك لا حاجة بك الى القلق من الوحدة.
ردت ليليان:
– انماجئت الى هنا بغية العمل.
– ولكن ليس طوال الوقت..انت الاجمل من ان تقضي يومك كله بالعمل.
– لااظن ان هناك نقصاص في الجميلات هنا..فمن رايتهن حتى الان كلهن جميلات.
– صحيح ان الفيليبينات جميلات,لكنهن لن يؤثرن فيك,فسيجلب لون بشرتك الاهتمام دائما.
فكرت ليليان عن غير توقع كيف ان هذا اللون لم يجذب اهتمام جوك هانيز, لكنها بسرعة اجبرت افكارها على الاتجاه في اتجاه اخر. انها الان في جزء اخر انها الان في جزء اخر من العالم وستتبع طريقة مختلفة في الحياة.. ولن تترك لنفسها المجال لتفكرفي الماضي.
بعد عشرة ايام من وصولها, خرجت ليليان الى الشرفة, فرات رزمة كبيرة امام صحنها, وعليها اسمها..فتحتها حائرة, فوجدت كاميرا من احدث طراز مع عدة عدسات اضافية. كانت تتاملها متسائلة عما اذا كان في الامر خطا ما عندما انضمت اليها السيدة بارف.
– هل اعجبتك هديتك ليليان؟
– انها رائعة..لكن ثمنها.. لا لزوم لك..
– لم ادفع ثمنها..انها من جوك.. اتصل بي من لندن وطلب مني ان اشتري لك هدية اعتقد انها تعجبك.
تبخرت سعادة ليليان..انها عادته في القيام بلفتة كريمة,ثم يطلب من غيره تقديمها عنه. وكم كانت الهدية ستكون ذات قيمة مضاعفة فيما لو وجد الوقت الكافي لشرائها بنفسه,والانكى انه لم يرسل مع الهدية رسالة !
كانما السيدة بارف عرفت بما تفكر فيه ليليان..فاخرجت من جيبها مغلفا:
– كما طلب مني ان اعطيك هذه.ارسلها الي لانه يريدك ان تستلميها في الوقت نفسه مع الهدية.
اخذت قمر الليل الرسالة بيد ثابتة,واخرجت ورقة واحدة..كاد قلبها يقفز لرؤية الكتابة المالوفة لها:
” بما انك تعتقدين ان لي عينين لاارى بهما..فانا على الارجح بحاجة الى هذه العدسات اكثر منك! ولكنني واثق من انك قادرة على استخدامها اكثر مني,واتمنى ان تستخدميها اكثر في عملك الجديد اوبما قد يثبت انه مهنة جديدة.
جوك هانيز ”
الرسالة صورة مثالية عنه فيها ذكاء ومرح واعتذار. وهذا ما بدا واضحا .. فجهدت لئلا تبكي ..
قالت السيدة بارف لها:
– اعتقد انك ستخرجين لا ستخدامها؟
– ابدا.
– يا لك من كاذبة ! في كل الاحوال, انا اتوق الى رؤية ما قد تصنعين بها. ولا تنسي ان لدينا عروضا بحاجة للتصوير.
– ما ظننتك تعنين ماقلت بهذا الصدد.
– لا اقول ما لا اعنيه,على الاقل في ما يتعلق بالعمل. لكنني عادة اجتماعية مزيفة! لا ياعزيزتي..اخرجي ما شاء لك ذلك واستمتعي. تذكري انني اذنت لك بالخروج.
اصرت السيدة على ان يرافقها تشانغ بالسيارة:
– انت لا تعرفين اللغة المحلية. لااريد ان تتجولي في الازقة بمفردك.
انشغلت طوال الصباح بالتقاط صور لمناظر مختلفة. كان القسم القسم من المدينة على الرغم من الفقر والازدحام نظيفا ومرتبا.
دفعها مطر مباغت في الصباح للهرب طلبا لملجا في احد المنازل الذي كانت تصوره. كان ذا طابقين, الاول غرفة كبيرة وشرفة واسعة حيث تطبخ العائلة وتعيش فيها نهارها. والثاني يحتوي على جناج النوم: غرفتان عاريتا الا من بساط وفراش رفيع للنوم.
تدير المنزل الجدة التي قصت شعرها قصيرا .. عندما توقف المطر انطلقت وتشانغ في طريقهما , فسالته لماذا تقص النساء المسنات شعورهن هكذا , فاجاب :
– انها اشارة الى انهن يعرفين بانهن لم يعدن جذابات .. لكن جدتي لم تقص شعرها هكذا حتى بلغت الثمانين !

ضحكت ليليان , ولم تعلق .
قالت : اعتقد انني سابقى في الخارج طوال بعد الظهر , فهل لديك اي اقتراحات ؟
– زيارة معبد الغجر .. انه مقصد السياح .
كان الطقس حارا جدا عندما شاهدته ليليان للمرة الاولى . يرتفع مئتين وخمسين قدما على منبسط من الارض يطل على المدينة القديمة .. لقمته المدببة العظيمة اربع قباب,وكل جهة من جهاتها المربعة الاربعة مغطاة بالموزاييك الملون .. وكانما الوف الصحون الخزفية حطمت قصدا لتستخدم قطعها في تزيين السقوف .. صحيح انه كان بدائيا فجا,ولكنه بشكل اجمالي رائع يبهج النظر .
ما ان انتهت من تصوير المعبد من الداخل حتى اتجهت لتصوير الحياة التي تدور حوله : الاكشاك المنتشرة حول قاعدته التي يتصايح مالكوها للفت اهتمام السياح الى ما يعرضون من صناعات نحاسية وقبعات وبطاقات بريدية وحلى من الفضة المخرمة , والخرز الملون .. لكنها رفضت بحزم ان يغريها احد بالشراء, فامامها سنة اخرى وتستطع الانتظار .
بعدما استخدمت قمر الليل فيلمين كاملين,عادت الى المنزل وقد تضاعف احساسها بالذنب لبقائها طويلا في الخارج. ما ان شاهدت السيدة تنتظر على الشرفة حتى قالت بسرعة :
– لم ادرك كم يمر الوقت بسرعة .
ابتسمت السيدة :
– جلست انتظرك .. فالطقس حار في الخارج . تناولي بعض العصير البارد الذي سينعشك قليلا.
تناولته قمر الليل منها شاكرة , ومنعت نفسها من ابتلاعه دفعة واحدة من فرط عطشها .
تابعت المراة :
– اعط الافلام الى تشانغ لي .. سيظهرها لك بسرعة .
– لكنها ملونة .. الن تاخذ وقتا طويلا ؟
– ليس ان عرفت الى اين تاخذينها وتشانغ يعرف .. هذا احد الاسباب التي دفتني الى توظيفه .
ضحكت ليليان , فهذا وجه من وجوه هذه البلاد : المعرفة بان الاشياء تتم سريعا ان دفع المرء الثمن المناسب , للشخص المناسب .
اردفت السيدة بارف :
– البلاد هنا فقير , ولا يمكن زيادة دخلها الا بزيادة الصناعة .. وهذا يقتضي المال الكثير والوقت الطويل .
– الا يمكن ان يحصلوا على استثمارات خارجية ؟
– يجب ان تسالي جوك في هذا .. سيراس بعثة تجارية رسمية تصل الى هنا بعد اسابيع .. اخبرني ذلك السفير الاميركي ليلة امس .
احست ليليان بالانزعاج للمشاعر التي ثارت في داخلها , فهل يهم اين يكون جوك ؟ في اميركا او اوروبا او الشرق الاقصى ما دام لا يعيش في عالمها .. وان ارادت راحة البال فعليها ان تتذكر ذلك جيدا.
– لم اكن اعرف انه يهتم بالسياسة او التجارة .
– انه لا يهتم بها , لكن طلب منه هذا بسبب صداقته مع الجنرال رامولس , الذي يراس الوفد الفيليبيني .
– يبدو لي الموقف دقيقا .

– صحيح , لذلك ترين ان جوك في مركز حساس ! انه ذكي فيما يتعلق بالامور المالية , وسيجد طريقة لاقناع صديقه ان سوق امريكا هو افضل سوق امامهم.
– انا واثقة من نجاحه , فهو يعيش ليحقق النجاح فقط .
– لا يمكن لومه .. اصيب بصدمة كبيرة في طفولته .
– بسبب موت امه ؟ سمعت انها التقطت عدوى قاتلة ..
– لقد مات بالنسبة لزوجها وطفلها قبل التقاطها بوقت طويل .. ساخبرك بالقصة , فلا ضرورة للسرية ما دمت لا تعملين عنده الان .. كانت جويس انكليزية جميلة , ذكية . كانت عالمة احياء تعمل في اميركا عندما التقاها دايفيد والد جوك . بعد سنة من زواجهما ولد جوك , امل دافيد ان تكون له المضيفة الاجتماعية الكبيرة , ولكنها كانت تكره هذه الحياة , وعندما اصبح جوك في السنة الاولى من عمره , عادت الى العمل . لم يتعرض زوجها ما دام عملها في اميركا . ولكنه غضب حينما بدات تسافر الى الخارج واحس ان لا زوجة له وان جوك لا ام له . كانت في رحلة ابحاث في افريقيا حين التقطت ” فيروسا ” قتلها , واحس دايفيد بمرارة كبرى لموتها .
– لا يمكنه لومها لانها ماتت .
– لكنه احس ان هذا ما كان ليحدث لو انها فضلته وابنها على عملها . بعد موتها احاط نفسه بنساء جميلات عديمات التفكير لكنه لم ينس جويس , وهذا ما جعله يحس بمرارة مضاعفة . قد تتصورين كم اثر كل هذا في جوك . لقد تربى على ان مكان المراة هو بيتها , وان معيشتها وقف على سيدها الرجل !
– اعرف هذا .. لكن الم يتزوج في ما بعد ؟
– انه يخاف الزواج , ولا يلام على ذلك , فقد شاهد تعاسة ابويه.
لم تقتنع ليليان بكل هذا التبرير لتصرفاته .. الم يدرك يوما انه لن يكون سعيدا مع انسانة عديمة الذكاء ؟ وماذا سيكون عليه مستقبله ؟
حيرها السؤال وهي مستلقية تلك الليلة في فراشها .
هل سيتزوج في النهاية من فتاة لمجرد حاجته الى مضيفة لمنزله الجميل , وام لاطفاله , تقبل ببساطة انها لن تكون رفيقة له في افكاره ؟ام انه وبسبب تصميمه على عدم التورط،سيظل اعزب قانعا بعلاقات عابرة؟
رمت بقلق الغطاء عنها , وتقدمت نحو النافذة .. كانت الحديقة مدثرة بالظلمة , ولكنها من وراء سور الجدار البعيد لمحت انوار السيارات العابرة . كالعادة كانت النوافذ مغلقة لمنع الحرارة من الدخول الى المنزل المبرد بالمكيف , فاراحت جبينها على الزجاج , وكانما برودته قد تريح بعضا من حرارة افكارها .
لقد مر شهران منذ وصولها الى هنا .. وثلاثة اشهر منذ رات جوك لاخر مرة .. مع ذلك لم تستطع نسيانه اكثر من اخر مرة كانت فيها معه .. والان .. ولكي تصبح مهمة النسيان اصعب ها هو قادم الى الفيليبين.
بعد اسبوع انفجر الطقس في امطار موسمية حادة , وارتفعت البرودة امام تراجع الحرارة والرطوبة .. وعلى حين غرة هجم الشتاء الى اجواء الفليبين , وهذا اجمل وقت في السنة , حيث الايام فيه دافئة بلا حر , وباردة بلا برد . اما السماء فيه فزرقاء والشمس لماعة وكانها ميدالية ذهبية .
قالت السيدة بارف لليليان , وهما جالستان في الحديقة تنظران الى بعض الصور التي التقطتها ليليان :
– لا يمكنك الاستمرار في العمل كسكرتيرة .. يجب ان تستخدمي موهبتك في التصوير .
ضحكت ليليان :
– لو استمررت في اطرائي , لظننت انك تريدين الخلاص مني !
ردت السيدة زاجرة :
– تعرفين جيدا ان هذا غير صحيح .. ولكن حينما انشر الصور التي التقطها للازياء التي اصممها هنا , فستهطل عليك العروض , بل قد يطلب اليك تنفيذ عقود خاصة للتصوير .. فكاميرتك تتحدث عنك وعن نفسها .
ما اروع ان تعمل لحسابها الخاص , لتصور ما تريد وكيفما تريد وبالطريقة التي تريد ..
ضحكت السيدة :
– ارى انك معجبة باقتراحي , فلماذا لا تبداين العمل لحسابك منذ الان ؟ فلست بحاجة للعمل لي طوال الوقت .. فاخرجي بمفردك مع كاميرتك ! لقد حان الوقت للاختلاط مع اشخاص في مثل عمرك .. فلست بحاجة الى عمل بمقدار حاجتك الى رجل !
لا .. ليس الى رجل , اي رجل , بل الى واحد فقط .. جوك !
وبما انها لن تحصل عليه فلن تقبل باحد .

 

5- للقدر راي اخر

بدات السيدة بارف العازمة على تنفيذ بتنظيم حياة ليليان الاجتماعية .. فكان ان امتلا المنزل بالناس ليلة بعد ليلة .
بدت لها البلاد نقطة وصل بين الشرق والغرب , والعكس صحيح .
هكذا كانت مدينة كوزون محط رحال الجميع في تنقلاتهم على هذه الطريق .. عج المنزل بالسياسيين ورجال الاعمال , والكتاب, والاساتذة الكبار, والدبلوماسيين .
كانت قمر الليل حذرة في التعامل مع نساء الفيليبين والسبب كوني ماولنغ المثال الوحيد عنهن .
لكن من تعرفت اليهن كن دافئات لطيفات حتى وجدت من السهولة مصادقتهن .. لقد حكم الرجال هذه البلاد منذ مئات السنوات , ولكن بعدما تراست السلطة امراة اندفعت الفيليبنيات الى العمل والبروز , فكان ان تعملمن كيف يستخدمن حريتهن الجديدة , وكيف يدرن المصانع والمحلات ويعملن في مهن تتطلب البراعة العالية بدون خسارة انوثتهن .
لم تكن ليليان تفتقر الى اهتمام الرجال بها في ريتشموند , ومع ذلك انتشت بالتاثير الذي احدثته هنا في كوزون .
قال لها احد الدبلوماسيين الاميركيين :
– انه لون بشرتك عزيزتي .. الفتيات هنا ساحرات , لكن المرء يسام من الشعر الاسود طوال الوقت !
– هذا صحيح !
جعل صوت عذب منخفض ليليان تلتفت لترى رجلا طوله اقل من الطول المتوسط بقليل , شعره الاسود يعلن جنسيته ..
صاح الدبلوماسي :
– لوك ! لم ارك منذ زمن بعيد .
– كنت مسافرا .
ونظر عمدا الى ليليان ليشير الى الرجل بالمباشرة بالتعارف .
– ليليان , اريد ان تقابلي المايجور تشوك .. وهو معروف باسم لوك عند اصدقائه . انا واثق من انه يريد ان تكوني صديقة !
ابتسلمت ليليان للمايجور :
– اكنت مسافرا في مناورات روتينية ؟
ضحك وهز راسه :
– لم اعد في الجيش انسة كامبل .. انا الان عضو في الحكومة .
قال الاميركي :
– يحتفظ اهل البلاد هنا بلقبهم العسكري .انهم يحبون الاقارب .
سرعان ما انسحب الدبلوماسي تاركا ليليان مع المايجور الذي قال بسرعة :
– هكذا افضل .. فكرت طوال الامسية بطريقة ما اصل فيها اليك .
– وماذا تفعل في الحكومة ؟
– اعمل في وزارة التجارة , انما لنتكلم عنك اولا .. فهذا اكثر اثارة للاهتمام .. لمكان صاخب .. اتمانعين لو تمشينا في الحديقة ؟
– نعم ان ضمنت لي الا يعضني شيء .. فبعوضكم اشد البعوض نهما في العالم !
– وهي تعضنا كذلك ..
تمشيا ببطء فوق المرج , فراحت تنظاهر بالاهتمام بما يقول ولكنها وجدت نفسها بعد قليل مستغرقة ماخوذة بحديثه .. تلقى تعليمه في بلاده , وسافر الى لندن ليحصل على درجة من جامعة اوكسفورد , ثم عاد الى بلاده حيث اصبح عسكريا بناء على اصرار والده .
– اردت ان اصبح عالما اقتصاديا واغضبتني العودة . لم يكن لدي فكرة انني سابقى طوال عمري وانا اقود الدوريات ضد الثوار !
– ومع ذلك اطعت والدك ؟
– هذا واجبي .
– في الغرب لا نجد ضرورة في اطاعة كبار السن منا .
– هذه خسارة لكم . فالحكمة تاتي من الخبرة , والخبرة لا تاتي الا مع تقدم السن .
– ليس دائما بالضرورة .
– على وجه العموم ..
– لكن التعميم قد يكون خطرا !
ضحك : ” انت تتلاعبين بالكلمات ليليان .. هل لي ان ادعوك ليليان ؟ ”
هزت راسها موافقة , فتابع :
– هل انت قريبة للسيدة بارف ؟

– سكرتيرتها .. ولكنها تعاملني كابنتها .
– انها امراة رائعة .. اميركية اصيلة.
– وماذا يفترض بهذا ان يعني ؟
– انها تصمم على الحصول على ما تريد من الحياة .. الاوروبيات اكثر تساهلا في نضالهن .. الان انا اعمم .. ستحتجين ثانية !
فابتسمت :
– افعل هذا بالنسبة لنساء بلادك مايجور .
– ناديني لوك .. اظن ان نساء بلادي مخمليات الملمس حديديات الارادة . ولهذا لم اتزوج حتى الان .
تنهد .. ثم اضاف :
– ان عدم زواجي مصدر الجدال الدائم بيني وبين ابي .. معظم من في مثل عمري متزوجون ولهم عائلة .
– لا اظن انه من الصعب عليك ان تجد فتاة ” كلها مخمل ” !
– قد يكون هذا مضجرا ! اترين؟ اريد الافضل في العالم .. المخمل بلمسة فولاذ ! واظن انني وجدتها الان .
جعلها صوته المنخفض الاجش تدرك انها بمفردها معه في الظلام , فحاولت ابقاء الحديث عاديا مملا .
– ما نوع السياسة الاقتصادية التي تهتم بها مايجور ؟
– لوك .. اتعامل مع الاستثمارات الاجنبية .. في الصناعة و الزراعة..ولكن الزراعة هي اقل نتيجة، واذا رغبنا في التقدم هنا يجب ان نستخدم القوى العاملة في اعمال انتاجية.
– ايمكنكم فعل هذا ؟
– ليس بمفردنا .. علينا الحصول على دعم مالي .
– من الشرق ام الغرب ؟
– ولماذا نتطلع الى الشرق ؟
– بسبب الصين التي ستكون سوقا مهمة لانتاجكم .
– ترغب حكومتي في علاقات مع اميركا , وهذا ما نفعله منذ الحرب العالمية الاخيرة .. ولولا اتفاق رايي مع راي الجنرال لما عملت معه .
– اتعرف ***** الجنرال ؟
– بالطبع فانا اعمل معه .. اتعرفينه ؟
– لا .. بل يعرفه رجل عملت عنده , وهو صناعي اميركي .
– اتشيرين الى جوك هانيز ؟
– اجل .
– لا شك انك تتوقين الى مقابلته مرة اخري .. سيصل الى هنا قريبا .
– هذا لا يعني انني ساراه . كنت سكرتيرته ولم اكن صديقته .
– لكنك امراة جميلة جدا , انا واثق انك سترينه مجددا !
ضحكت قمر الليل: ” امن السهل عليك التكهن عادة ؟ ”
– وما صعوبة التكهن بتصرفات رجل تجاه امراة جميلة ؟ يجب ان تعرفي هذا من نفسك .
– كل ما اعرفه الان انني اؤكل الان وانا حية .. فلندخل , فالمنزل امن حالا .
– اهي الحشرات وحدها التي تهربين منها ؟
– طبعا ..
عرفت من ضحكته وهو يحث الخطى ليلحق بها انه لم يصدقها .

لم يخف لوك تشوك اعجابه بليليان .. اذ انطلق بشكل دؤوب يلاحقها,
ولكنها كرهت الخروج برفقته , كانت تعلم انه من سلالة فخورة
مشبوبة العاطفة , ولم تستطع الا ان تتصور لعلاقتهما نهاية قاسية .
لكنها بعد يومين , خرجت قمر الليل معه وهي تشعر بتوتر وكانها تواعدت مع رجل من كوكب اخر .. مرت عدة ساعات قبل ان تعترف بان مخاوفها سخيفة , فقد توقعت ان تقاتل لاجل عفتها , فوجدته يعاملها كصديقة وند له .
سالها وهما في الطريق الى المنزل :
– هل انت مشغولة وقت العشاء غدا ؟
– بهذه السرعة ؟
– احاول تعويض الوقت المهدور !
– ربما يصعب علي ذلك غدا .. فما انا هنا في عطلة .
– ولكنك لاتعملين في المساء, اليس كذلك ؟
– احيانا اعمل .. ذلك وقف على مواعيد السيدة بارف . ولكنني مساء الغدة حرة .. فهي ستتناول العشاء في السفارة .
– اذن ساتي لاصطحابك في الثامنة .
رفع يدها الى شفتيه وهي باردة اخرى تذكرها بان ثقافته غريبة..ولكنه كان في وجوه كثيرة نموذج حي لتقاليد المزيد عرقه، وقد عرفت عن هذه التقاليد المزيد مع نمو صداقتهما.
على الرغم من انه رجل يعيش عصره , فهو يؤمن بالديانة البوذية التي تستسلم للقدر كالايمان بحياة اخرى قادمة، وهذا ماجعله غير قادر على الاعراض عن الكثير من اوجه الحياة في بلاده , الاوجه التي تجدها صعبة التقبل …
قال لها في احدى الامسيات :
– ايماتي جزء من ميزتي .. ولا استطيع ان اتغير .
– لماذا اذن لا تتوقف عن العمل , وتترك الامور تحدث ؟ ان كمن تؤمن بالقدر بقوة..
– ليس بالقدر ..انا اؤمن بان كلا منا مسؤول عن تحسين اوضاعه ،واننا نتحسن من خلال الصلاة والتامل ونستطيع الوصول الى حياة ارقى.
تنهدت :
– لا افهم شيئا !
– ان كنت مهتمة بالموضوع اعطيك بعض الكتب . اسمعي !
اريد لشعبي حياة افضل اليوم لا غدا في الحياة القادمة .. انما يجب الا اضجرك بحديث السياسة .. فلنتكلم في اشياء اخرى .
– لكنني احب حديث السياسة .
رد بحزم :
– لا .. بعد ايام سيصل السيد هانيز , وعندها لن يكون لدي عمل سوى حديث السياسة !
يستحيل الا تفهم ما يعنيه منتديات ***** ، وهكذا ، وعلى الرغم من عدم رغبتها في الحديث عن مهمة جوك حاولت عدم الخوض فيه ثم تسللت ببراعة من هذا الموضوع للحديث عن عائلته ، اخذت تطرح اسئلة عن امه واخوته واخواته , فانجرف للحديث بسهولة :
– لي شقيقتان متزوجتان , تعيشان مع زوجيهما ولي شقيقان متزوجان ايضا , وهما مع زوجتيهما يعيشون مع والدي .
ابتسمت ليليان :
– ومن يدير المطبخ ؟
– لدينا طباخة وعدد كبير من الخدم . لكل زوجة واجبات محددة , والكل يعيش بسعادة معا .. اؤكد لك .
– اكاد لا اصدق ما تقول .. ففي الغرب ..
قاطعها لوك :
– في الغرب مشاكل كثيرة , ولعل فقدان المشاعر العائلية احدى هذه المشكلات البارزة .
– لكن شعبنا يرغب في ان يكون لكل من منزله.
– افهم هذا .. لكن الاحبة يستطيعون الاختلاء متى شاؤوا .. والعيش مع الابوين متعة يجب عدم انكارها . ان اخذت حكمة وخبرة العمر , وطبقتها بحمية الشباب وطاقته , قد تنتج اشياء عظيمة .
وهكذا ابتعد لوك عن السياسة وعن ذكر جوك هانيز .. في اثناء العودة الى المنزل , فكرت قمر الليل في ان الحكمة تدفعها الى عدم مقابلته مرة اخرى . فعلى الرغم من محافظته على جو الصداقة بينهما ، فقد سرب بضع كلمات الليلة , تدل على المجرى الذي تسلكه افكاره .
احست بالرضى لانه ينظر اليها كزوجة مناسبة لرجل جاد في خدمة بلاده .. ولكنها غير مناسبة له , عاطفيا او نفسيا.
راحت بسبب معرفتها ان جوك سيصل قريبا , تخرج ليلة بعد اخرى ،ومع انها كانت تقسم وقتها بين شبان عدة تعرفت اليهم من السفارتين الاميريكية و الانكليزية ، الا ان لوك كان يحوم حولها دائما.
عندما وصل الوفد تزايدت النشاطات الاجتماعية التي لم تدع اليها ليليان من حسن حظها . صحيح ان السيدة بارف تعتبرها اكثر من ابنة لها ان البروتوكول الدبلوماسي صارم في هذه النواحي .
قابلت السيدة بارف جوك في اليوم الثالث على وجوده , وعادت من سهرتها في الوقت الذي كان فيه لوك يودع ليليان بعد عودتهما من السهر . دخلت المراتان الى غرفة الجلوس لتبادل اطراف الحديث قبل الذهاب للنوم . فقالت السيدة راسا علبة الحلوى .. فقالت ليليان :
– اكان العشاء فقيرا ؟
– بل كان عشاءا انكليزيا مثاليا ! وهذا امر نادر ..
– انت تحبين الطعام .
– لماذا عدت باكرا ؟
– لدى لوك اجتمع مع الجنرال رامولس .
هزت المراة راسها :
– صحيح .. فالمباحثات تبدا في الغد .
– ظننتها بدات .
– كانت لقاءات مبدئية فقط ..
– لديك معلومات جيدة عما يجري .
– تحدثنا بالامر طوال العشاء , جلست قرب جوك , وهو يرسل اليك تحياته ويسال عن صحتك .
– هل قلت له انني بخير ؟
– طبعا .. كما قلت له انك تستمتعين بوقتك . ولدي انطباع بانه يود رؤيتك , مع ان لا وقت لديه في الاسابيع القادمة , اذ ستوكون المفاوضات صعبة . ولديه مشكلة مع سكرتيرته.
صمتت المراة فجاة , فاحست ليليان بالحرج في هذا الصمت .. فسالتها :
– وما قصدك ؟ تبدين كمن يشعر بالذنب .
– صحيح ؟ حسنا .. اصطحب معه سكرتيرة ولكنها مرضت .
– تلبك معدة بسبب تغيير الطقس على الارجح . ستتحسن صحتها خلال يومين .
– لسوء الحظ ان لا .. يقول طبيب السفارة انها قد تمضي شهرا مريضة , وفي الواقع ان مرضها حدث في اسوا وقت ممكن .
– لا ارى ان كلامك مجرد حديث .. لا شك ان هناك الكثير من السكرتيرات .
– لكن ليس منهن من هي سكرتيرة ممتازة .
– اذن فليرسلوا له سكرتيرة من اميركا .
– هذا يعني تاخير المفاوضات اياما , فعلى الفتاة ان تسجيل كل شيء في الاجتماعات , خاصة تلك التي سيعقدها جوك مع الجنرال رامولس … وهي مفاوضات اكثر سرية من ان تطيع علنا .
– انها مجرد مفاوضات تجارية .
– بل اكثر من هذا بكثير .. فالحكومة لا توافق على شروط التجارة مع اميركا .. وهناك من يتمنى عدم نجاح المفاوضات .. وقد يتحول اهتمام المعنيين هنا الى بلدان اخرى ..فاذا لم يكن هذا امر مهم..انا واثقة من ان السيد هانيز سيجد سكرتيرة مناسبة . اهناك شيء اخر ؟
– تعرفين ***** جيدا ان هناك شيئا اخر! فلا تدعي الجهل امامي ليليان ! تعرفين تماما ما فعلت !
نظرت اليها ليليان بحدة :
– هلا اخبرتني ماذا قلت له ؟
– قلت له انك ستعملين معه ما دام موجودا هنا !
تحول الخوف الذي كان يتارجح في نفس ليليان منذ بدء الحديث الى ذعر .. فانهارت قمر الليل على المقعد ثانية , بعدما كانت قد وقفت لتذهب الى غرفتها .
– لا استطيع العمل معه ثانية .. لا استطيع !
اسرعت السيدة اليها :
– لم افعل هذا عامدة متعمدة , بل حدث الامر لا اراديا .. بعد ذلك احسست بانني مخطئة .. غضبت من نفسي غضبا جعلني اترك الحفلة باكرا .. ومنذ تلك اللحظة وانا افكر في طريقة لعدم الوفاء بوعدي , ولكنني لم اجد طريقة تبعد الشك عن جوك .
وهذا ما اكد مخاوف ليليان , فسالت هامسة :
– اتعرفين الحقيقة ؟
– اجل عزيزتي ؟
– يجب الا يعرفها جوك .. لا اتحمل ان يعرفها .
– اذن عليك ان تعملي معه . لا مجال اخر للخروج من الورطة .. انا اسفة ليليان .. ليتني قطعت لساني .
تنهدت ليليان وهي تقف :
– ليست مدة شهر بعمرة كامل .. ستمر بسرعة .
في غرفتها , اخذت تتساءل عما اذا كانت ستعود الى تنكرها الاصلي معه , ولكنها صرفت النظر عن الفكرة فورا. احبت هذا ام لا يجب ان تبقى على حالها . خففت سخرية الموقف قليلا من بؤسها .. تصورت مبتسمة رد فعل جوك هانيز, وهو يتوقع رؤية الانسة كامبل الوقورة فاذا به يواجه المخلوقة الجميلة الساحرة التي هي عليها الان ..
كانت للقدر راي اخر..فالمقابلة الاولى كانت مختلفة كل الاختلاف عما توقعت .
ارتدت في الصباح التالي ثوب السباحة ، ووضعت قبعة القش ثم هرعت الى الحديقة الى لتسبح باكرا في المسبح.. سبحت وغطست حتى احست بالتعب .. فجلست تشمس جسدها عند حافة البركة .. وقدماها في الماء .. وسرعان ما غطى ظل اسود ساقيها , فذعرت , نظرت الى فوق فاذا بها تجد عيني جوك هانيز الضيقتين الدهشتين .
فشهقت :
– انت ! لم اكن اتوقعك !
اخذ ينظر اليها من راسها المغطى بالقبعة الى اصابع قدميها الغائصة في الماء. قال بلهجته الممطوطة المتشدقة :
– هذا ما يبدو .. يبدو انني جئت في وقت غير ملائم .
جلس ***** على كرسي قريب فاخذت تتامله عبر زجاج نظارتها السوداء .. جعلته سمرة بشرته يبدو شرقيا اكثر من لوك , مع انه اطول من ان يكون غير اميركي .. ابتلعت اخر قطعة اناناس في كوبها ثم مسحت فمها,وقالت:
– عرفت ان سكرتيرتك مريضة !
– لهذا انا هنا. اردت التحدث اليك بشان عرض السيدة بارف .. اردت التاكد من انك لا تمانعين في العمل معي.
– ولماذا امانع ؟
– لانك تركتني .
– ولن اعود .. ساعمل معك لشهر واحد فقط.
نظر***** اليها بحدة , وقال باقتضاب :
– اعتقد اننا اتفقنا .. لقد تم قبولك من الجهات الامنية. لقد ساعد عملك السابق معي في هذا الاجراء.
وصمت .. فاخذت تفتش عما تقوله .
– ان شراء الكاميرا لي للطف كبير . كنت كريما جدا .
– هذا ما قلته في رسالة الشكر التي ارسلتها . احسست ان هذا اقل ما قد ارسله اليك . كانت هدية تقدير لك بمقدار ماهي اعتذار على فظاظتي معك , لانني لم انظر اليك كامراة.
– ادارت وجهها بعيدا :
– كانت جراة وقحة مني ان اتوقع هذا. كنت سكرتيرتك لذا ليس هناك ما يدعوك الى ان تنظر الي نظرة اخرى.
لا مجال للشك في بريق عينيه :
– السكرتيرات نساء كذلك ! وطالما تساءلت عما ازعجك اكثر, نسياني لا سمك الاول , ام عدم معرفتي للون شعرك !
تجاهلت قمر الليل سؤاله , واشارت الى الشرفة :
– لا بد انك تشعر بالحر هنا , فان رغبت في شراب بارد ..
– فكرة رائعة.
مشت الى جانبه وهي تحس وكانها قطة خارجة من الماء.
قال لها فجاة:
– طالما فكرت في شعرك .. متسائلا عما يدفعك الى تسريحه بهذه الطريقة البعيدة عن الموضة.
– ربما كنت اتبع تعاليم رجال الدين !
– اتنظرين الى مكتبي كمكان مقدس ؟
– يراه بعض الناس مقدسا!
– ولكنك لست منهم انسة كامبل .. فرفضك للارهاب والتخويف كان افضل خصائصك .. الانسة بروك بديلة كفؤة .. ولكنها تتصرف كقطة وجلة.
لم تستطع ليليان الا ان تضحك. عندما سمع رنين ضحكتها توقف وامسك بذراعها:
– اذكر انك تضحكين كذلك , فكرت فيك كثيرا منذ تركتني. نعم فكرت فيك اكثر مما فكرت فيك وانت تعملين معي !
– هذا لان رحيلي ازعجك.
– انا لا اضيع وقتي بالتفكير في من يزعجني , بل بكل بساطة ابعده عن تفكيري !
لم تعلق على كلامه , بل قالت وهي ترتقي درج الشرفة :
– سارسل اليك المرطبات سيد هانيز .. اعذرني لانني ذاهبة لابدل ملابسي .. اتريد ان ابدا العمل اليوم ؟
– ارجوك .. فاجتماعي الاول في الحادية عشرة. هذا يعني ان امامي ساعتين فقط لاناقش معك الامور.
عندما عادت قمر الليل الى الشرفة المليئة بالزهور, بدت وكانها زهرة نحيلة , ممشوقة القوام , لدنة , تترنح تنورتها الواسعة فوق خصر نحيل , ويبرق شعرها احمر متموجا فوق راسها.
كان كوب المرطبات في يده .. حدق جوك اليها وهي تجلس امامه قبل ان تستوي الى الخلف, لانها لاحظت ان قامته المديدة تعطيه المجال للنظر الى فتحتة ياقة فستانها..
قالت له:
– انا جاهزة للبدء بالعمل سيد هانيز.
بدا بهدوء مثير للاعصاب يردد لها التفاصيل التي ستحتاج اليها بالنسبة للوفد واعضائه.
– ستكون المحادثات باللغة الانكليزية .. لكن سيظل معك مترجم.
– ارجو ان تكون سرعتي في الكتابة ملائمة.
– لا داعي للقلق .. عندما يكون هناك اجتماع كامل تعين الحكومة سكرتيرات اخريات.
– ظننت ان المحادثات سرية.
– اللقاءات الخاصة فقط. لكن بوجود كلا الوفدين في المناقشات سنكون اكثر انفتاحا .. احتاجك اساسا في اجتماعاتي مع الجنرال رامولس. يجب الا ادعوه باسمه الاول .. فانا انسى دائما البروتوكول.
ردت بعذوبة :
– اعتبرك سياسيا ممتازا.
– اهذا اطراء ام اهانة ؟ ساعود الان الى السفارة .. وسارسل سيارة لتقلك بعد ساعة.
رافقته حتى الباب , وما ان وصلا اليه حتى وصلت السيدة بارف الى الردهة , وسالت وهي تنظر الى ليليان بقلق :
– هل كل شيء على مايرام ؟
رد عليها:
– كل شيء .. لا ادري كيف اشكرك.
تابعت ليليان برهبة كلام السيدة بارف واحتجاجاتها عندما عملت بان جوك يقيم في الفندق:
– ظننتك ستقيم في السفارة ؟
– لا .. رفضت العرض فهذا سيعني البروتوكول مدة اربع وعشرين ساعة.
– لكن الفندق كثير الصخب .. الشارع الرئيسي من الامام والميناء من الخلف ! يجب ان تقيم هنا .. لدينا اكثر من غرفة .
– لن اتطفل عليكما.
– سيكون من دواعي سعادتي .. لاجوك .. انا مصرة.

راقبت ليليان مقاومة وتردد جوك تتحول الى قبول سعيد. قالت السيدة مبتهجة :
– ساخصص لك الجناح الغربي .. ففيه غرفة نوم وغرفة جلوس وغرفة صغيرة لخادمك.
– يبدو هذا رائعا .. انت حقا ملاكي الحارس!
اتجهت السيدة مبتسمة الى غرفة الطعام من اجل الفطور.عندما انضمت اليها ليليان , قالت لها غاضبة :
– تاكدت الان انني ساعمل معه !
– كان هذا اقل ما افعله للرجل المسكين .. ستكون المفاوضات متعبة , وسيحتاج الى الراحة والهدوء .. سيفيده في مطلق الاحوال ان يراك طوال الوقت .. فقد يلاحظ مدى جمالك وبهائك.
لم تجرؤ ليليان على الرد .. وشغلت نفسها بسكب القهوة .. هل السيدة بارف على حق ؟ انه سؤال احست بالخوف من التفتيش عن رد له .. فمن الافضل الا تقال بعض الامور.
وصلت في الحادية عشرة سيارة سوداء رسمية اقلتها الى وزارة التجارة. كالعادة , صدمتها المفارقات التي تجدها عادة في شوارع المدينة .. لكن قمر الليل ما ان دخلت عبر البوابات المحروسة للمبنى الحكومي , حتى احست بانها في عاصمة من عواصم العالم .. الروتين هو الروتين في كل مكان , هذا ما قررته وهي تضرب الارض بكعب حذائها تنتظر مراجعة اسمها, ثم اعطائها البطاقة التي طلب اليها وضعها على صدرها طوال الوقت.
اخيرا , رافقها احدهم الى غرفة ضخمة مبردة .. كانت الكراسي حول الطاولة البيضاوية محاطة برجال متجهمي الوجوه بدوا اكثر صرامة عندما انفتح الباب في زاوية الغرفة ليدخل جوك هانيز والجنرال رامولس.
فوجئت ليليان بالرجل , فلانه صديق لجوك لم تتوقع ان يكون اكبر من سنا بما لا يقل عن عشرات سنوات .. اعطته الشعر الرمادي الكث مظهر الاسد.
علق احد الرجال المشاركين في اثناء استراحة للقهوة :
– له دماغ حاد كالموس , يبدو ان هذه المحادثات ستستمر اشهر!
– لكنني اعتقد اننا تقدمنا كثيرا اليوم.
نظر اليها الرجل بشفقة :
– الانهم لم يجادلوا كثيرا ؟ انت حديثة العهد بمثل هذه المفاوضات ! .. الجنرال ينتظر اثارة كل المواضيع قبل البدء بمناقشة الموضوع تلو الاخر.
تاكدت قمر الليل لها صحة هذه الملاحظات فيما بعد عندما اشار اليها جوك بالبقاء , بعدما غادر الجميع في الساعة السادسة. وما ان غادر اخر المشتركين القاعة حتى عاد الجنرال .. فجلست ليليان بهدوء تراقب الرجلين.
استرخى الرجلان , كانت تعابير جوك الجادة قد اكتسحتها ابتسامة صادقة اما ابتسامة الجنرال فتحولت الى جد.
بدات تدرك وهي تصغي الى حوارهما ان الامور, وان بدت ناعمة في الظاهر, تحتوي على خلافات متضاربة , قد تسبب الاخفاق في كل شيء.
قال لها جوك وهما عائدان :
– الجنرال في مركز حرج .. لو كان الامر بيده فقط لما كان هناك مشكلة .. ولكنه مضطر للظهور بمظهر المساوم.

– لماذا ؟
– لان في حزبه من لا يريد التحالف مع اميركا.
تنهدت قمر الليل :
– وانا من ظننت ان الامور سهلة .
– في الظاهر فقط .. اما من الداخل فهي صعبة جدا. لاهل البلاد كرامة .. وهذه معادلة صعبة.
– ولماذا قبلت المهمة ؟
– على جميع الناس بمن فيهم الصناعين اظهار الولاء لبلادهم !
– مع ذلك , فلولا معرفتك بالجنرال , لما …
– لما طلب الي المشاركة ؟ اشكر لك تقديرك لقيمتي , انسة كامبل ! لكنك على حق لولا معرفتي به لما كنت هنا. لكنني مع ذلك اريد النجاح.
– لتحقيق نصر شخصي اخر؟
– كل شيء بالنسبة لي شخصي , فان لم يكن شخصيا فلا يستحق مني الاهتمام.
اخطات قمر الليل عندما ظنت ان طباعة الملاحطات ستتم في اربع ساعات , فقد حلت الساعة الثالثة والنصف ونصف المذكرات غير مطبوع , فقررت تناول بعض السندويشات والقهوة بدلا من العشاء .. سمعت قمر الليل عبر باب غرفة جلوسها المقفل ان السيدة بارف المتعلقة بالاستقبالات قد دعت بعض الضيوف للعشاء , وكم تمنت لو تنضم اليهم .
مرت الساعة العاشرة قبل ان تسحب اخر ورقة من الالة , وعندما انتهت تمددت برضى. ترددت في الخروج للبحث عنه , ولكنها لما تذكرت ان يقرا المذكرات قبل اجتماعه التالي خرجت الى الشرفة. وسرعان ما لمحتها السيدة بارف من الحديقة حيث كان الجميع يتناولون المرطبات والقهوة , فاشارت اليه نحو المسبح.
تقدمت ليليان على العشب والهواء الاستوائي يداعب وجهها , كادت تصدق انها في طريقها الى ملاقاة حبيبها لا الى ملاقاة الرجل الذي يعتبرها الة .. فقط حينما وصلت الى انفها رائحة سيكار الهافانا الفاخر, وتناهت معه تلك الرائحة الغربية التي اعادتها في الزمن الى المكتب في ريتشموند , تذكرت كوني ماولنغ.
اقتربت ليليان بجهد :
– انا اسفة لمقاطعتك سيد هانيز .. لكنني انهيت طباعة المذكرات.
– جيد .. تذكرين الانسة ماولنغ ؟
– طبعا.
وجاءها صوت كوني الاجش :
– لم اكن لاظن اننا سنلتقي في بلادي انسة كامبل .. اما زلت تعملين عند جوك ؟
– عملي عنده مؤقت فقط , فانا اعمل هنا عند السيدة بارف .
تدخل جوك ليتناول الاوراق منها , ويقول :
– عذرا للحظات كوني , اريد الحديث مع الانسة كامبل.
– طبعا .. حبيبي !
قال لها وهما يبتعدان :
– لم اعلم انك ستتاخرين الى هذا الحد في طباعة المذكرات , ولم اظن انك لن تشاركي بالعشاء بسببها.
– تناولت السندويشات والقهوة .
– مازلت تعملين جاهدة .. لا اريد التطفل عليك .
– لو قلت لك انني اعتبر الامر مهمة وطنية , فهل يريح هذا ضميرك ؟
ضرب الاوراق بيده الاخرى :
– لا .. اشتغلي ماشئت من ساعات اضافية , انما ليس الى هذه الدرجة .
– لكنك بحاجة للمذكرات , لا ضرورة للاعتذار .. فانت لم تعتذر قط .
– ثمة امور كثيرة لم افعلها من قبل.
هزت قمر الليل كتفيها واستدارت , ولكنه اوقفها بمناداتها باسمها :
– شيء اخر .. مظهرك الان .. التغيير في مظهرك .. ايهما الخدعة ؟
– عليك ان تقرر بنفسك , فانت ذكي جدا , وانا واثقة من ان بمقدورك ان تعرف الحقيقة.
– ذكائي يتوقف عندما يصل المر الى النساء .. لكنني ساعيد التفكير في هذه المعضلة.

 

6- ليليان الحزينة

اذا كان على ليليان ان تمسك بعنان مشاعرها نحو جوك هانيز , فظهور كوني

ماولنغ كان اللجام المطلوب. مع ذلك كان قلبها الغبي يتغلب عليها كلما

شاهدته. اما العمل معه يوما بعد يوم فاعاد ايقاظ اعجابها به وبحدة ذكائه.
قال لها في احدى الامسيات :
– انا ادفعك الى العمل الكثير.. فليكن يوم غد عطلة لك.
ردت ساخرة : ” هذا ما انويه .. فالغد يوم سبت! “.
– ياالهي صحيح!
كانت دهشته مضحكة , فضحكت ..
قال : ” احب ضحكتك. طالما لاحظتها حتى وانت .. “.
– ليليان القبيحة؟
– اجل .. مع انك الان .. ليليان الجميلة.
انها المرة الاولى التي ينطق بها باسمها , وسماعه منه دفع الدموع الى عينيها ,

فتسلقت الدرج بسرعة وهي تحس بانه مازال واقفا هناك يراقبها حتى اختفت عن

نظره.
كان هناك كالعادة حفلة عشاء , ومن المدعوين الليلة لوك وكوني. لاحظت ليليان

ان مقعد الفتاة قرب مقعد جوك .. فقاومت اغراءا كان يدفعها الى تبديل

البطاقات بحيث تضعها قرب صحفي فرنسي بدين , كان يحاول الحصول على حق

نشر صور تصميمات السيدة بارف.
في غرفة الجلوس , وجدت جوك يصب لنفسه العصير , فالتفت اليها ببطء

كالعادته , وكالعادة بدا قلبها بالخفقان. تمنت الا تكون خفقاته ظاهرة عبر قماش

الحريري الرقيق.
سالها :
-شراب الكرز ام عصير الاناناس ؟ لا .. ثوبك هذا يتطلب شيئا خاصا .
صب لها وله شراب الكرز , ثم اضاف اليه المياه الغازية قبل ان يقدم اليها الكاس

بالمزيج الفوار … ورفع ***** يده ليشرب نخبا..وقفا جنبا الى جنب يحتسيان الشراب

..
قال لها فجاة :
– تنكرك يناسبك.
– تنكري ؟
– اجل .. فقد وجدت ان ما كنت تظهرين عليه هو حقيقتك .. ايدهشك قولي

هذا ؟
– قليلا.
– هذه غلطتك .. فقد اثرت في اكثر عندما كنت الانسة كامبل المتزمتة.
وبما انها لم تكن تعرف ما يعني ظلت صامتة , فقال معلقا :
– ازعجتك ثانية .. لكنني لم اقصد.
– لم تزعجني البتة. اطريتني وانا شاكرة لك اطراءك.
انقذها وصول المزيد من المزيد من الضيوف من الحرج , فتحركت بسرعة مبتعدة

عنه. كان وصول لوك الهاء مرحبا به لافكارها , فحيته بحرارة اكثر من المعتاد ,

ثم قالت بابتسامة :
– لم ارك منذ زمن بعيد.
– هذه غلطتك , فكلما اتصلت بك وجدتك مشغولة.
– اللوم على المفاوضات , فانت تعرف عنها ما اعرفه انا.
– اشك في هذا فانت لانك سكرتيرة السيد هانيز تعرفين اكثر من اي كان.
– انا لا افعل سوى الجلوس في الزاوية حتى اكون حاضرة اذا ما احتاجني.
– يجب ان تتعلمي قراءة الشفاه !
ضحكت قمر الليل:
– ليس هناك ما يستحق الجهد.
– ولا حتى معرفة الاتفاقات السرية ؟
– لماذا تظن ان هناك اسرارا ؟
بدا على وجه لوك فجاة الجد.
– لان الجنرال يلعب لعبة خطرة , ان العديد من افراد شعبنا لا يريدون التحالف

لانهم يكرهون الغرب.
– ما كنت لاظن انكم تكرهون الغرباء !
تنهد لوك :
– منذ زمن طويل والغربيون يسيطرون على قسم كبير من اسيا.
كنا نشاهد ما يجري حولنا , وصممنا ان نغير هذا الواقع. نحن نرحب بالغرب

كند لنا .. انما ليس على اي اساس اخر .. ولهذا يبدو الجنرال مفاوضا قاسيا ..

لن يترك اميركا تسيطر علينا.
وضعت ليليان في ذهنها ان تذكر كلمة ” سيطرة ” لجوك حتى يكون حذرا في

مفاوضاته.
خلال العشاء همست ليليان في اذن لوك وهي تجلس الى جانبه , مشيرة الى كوني

ماولنغ :
– لم اكن اعرف ان غير المتزوجات يخرجن بدون مرافقة.
– تضع الانسة ماولنغ قوانينها الخاصة. هذا ما تفعله الطبقة الارستقراطية عموما.
– وهل هي من الارستقراطيين ؟
– كانت عائلتها من العائلات الشهيرة هنا.
– كانت ؟
– قتل شقيقان من اشقائها وهما يحاربان الثوار .. والثالث قتل في حادث اصطدام

خلال سباق عالمي .. حطمت الماساة قلب الكولونيل ماولينغ ولم يستعد بعد ذلك

عافيته , فكان ان مات بعد ذلك باشهر .. الانسة كوني اخر سلالة عائلتها. ولهذا

يجب ان يكون اختيارها دقيقا حين تريد الزواج , اذ لديها الكثير مما تقدمه.
– تعني ماليا ؟
– وهذا كذلك. لكني كنت افكر في ميراث عائلتها.
– والى اي حد تعرفها ؟
– اعرفها معرفة تجعلني مقتنعا باننا لن نسعد معا , فانا لا اتمنى الزواج بها حتى من

اجل مستقبلي العملي.
– انها جميلة جدا.
رد بهدوء :
– لدينا نساء جميلات بكثرة .. تباحثنا في الموضوع في اول لقاء لنا .. ولكنها

ليست من طرازي .. اما انت فاجل , انت ناعمة مفعمة بالانوثة.
سرها غزله واحرجها , فادارت وجهها لتلحظ احد الخدم يقف متوترا في الباب

يومىء اليها, فاعتذرت وذهبت اليه .. فهمس :
– يريد رجل مقابلتك في غرفة الجلوس , يقول انها مفاجاة كبيرة.
اسرعت ليليان يلفها الغموض لتفتح باب غرفة الجلوس.
وسرعان ما ارتمى في وجهها قميص قطني مشبع برائحة العرق وبغبار السفر ,

فشهقت قمر الليل:
– تود !
ارتدت لتنظر الى وجه اخيها ببهجة.
– كيف وصلت الى هنا ؟ ولماذا لم تعملني ؟
– اردت مفاجاتك .. اصيب احد زملائي بالمرض , وطلب اهله عودته لقضاء

العيد , فاختارني لمرافقته.
– ماهذا الحظ !
قال ***** متواضعا وهو يحضنها ثانية :
– انه سحري .. الذي اوصلني الى تايوان حيث اهل شولن ثم تدبرت امري من

هناك الى هنا.
– هذا ما اراه.
– هل يمكنني استخدام حمام ؟
– تعال الى غرفتي واستخدم حمامي.
– اهناك مكان انام فيه .. سجادة غرفتك كافية.
– لا تكن سخيفا .. سنجد لك سريرا.
تركت شقيقها في الردهة بعد انتهاء حمامه , ودخلت تخبر السيدة بارف بوجوده .. فصاحت المراة :
– ماهذه الهدية الرائعة ! اين هو الان ؟
– في الردهة.
– احضريه الى هنا.
– ساحمل اليه بعض الطعام اولا ثم هناك ثيابه , فهي غير مناسبة.
– ماهذا الهراء !
دفعت المراة كرسيها الى الوراء ولحقت بليليان الى الردهة وهناك وقفت تحدث تود

بفضول لم تحاول اخفاءه .. بدا بوجهه المتورد المشرق بعد الحمام كالطفل .. كان

قد استخرج من حقيبته جينز نظيف وقميص رغم تجعيده نظيفا ناصع البياض.
ابتسمت السيدة بارف :
– اذن انت شقيق ليليان , كنت ساعرفك في اي مكان .
ابتسم تود لها ابتسامة حارة .
– ارجو ان تعذري اقتحامي منزلك بهذه الطريقة .
– يسعدني ذلك , حالما تتناول الطعام عليك ان تقابل ضيوفي .
نظر الى اخته :
– ارشديني الى المطبخ , وهناك ادبر امري بمفردي , لا اريد ابعادك عن الحفلة .
ضحكت قمر الليل:
– انت لا تشغلني ابدا , ولا حاجة بك للقلق بالنسبة للطعام . فلا تنقصنا اليد

العاملة هنا !
امسكت بذراعه لتقوده الى غرفة الجلوس الخاصة حيث تعمل , وفي الغرفة وجد

صينية طعام قرب الالة الكاتبة .
اخبرته باختصار ما حصل معها . وعندما سالها لماذا تركت جوك هانيز اصلا

ذكرت له عذرا سريعا .
– ساتركك تنهي طعامك , لدي عمل اقوم به .
ضحك *****:
– مضيفة للاثرياء ؟
– بل مقدمة للقهوة .
وضحكت له ردا .. ثم تركته وخرجت . كانت تقدم فعلا القهوة عندما تقدم

جوك منها قائلا :
– اذن شقيقك هنا ؟
– ومن قال لك ؟
– السيدة بارف . لاحظت انشغالك خلال العشاء , فسالتها عن السبب .
ادهشتها ملاحظته فبسبب انشغاله بالانسة ماولنغ , اعتقدت انه لن يلاحظ احدا

سواها.
– اعتقد انه طفلك المدلل .
قدمت اليه فنجان قهوة مبتسمة , فتلامست اصابعهما في لحظة خاطفة ، احست

خلالها بانها لامست تيارا كهربائيا , ولكن هذا التيار كان في اتجاه واحد , فقد

سارع للاستناد الى الجدار ليحرك السكر في قهوته . قال :
– انت صديقة للمايجور تشوك .
– كان دليلي في البلاد قبل ان تصل انت .
– دليل فقط ؟
نظرت اليه بحدة : ” وماذا يفترض بكلامك ان يعني ؟ “.
– مجرد تحذير .. تحظى الامريكيات باعجاب شديد هنا , ولن تجدي صعوبة في ايجاد زوج .
– وماذا في هذا ؟
– اياك .. لاتتزوجي فيليبنيا .
– انك تتسرع في الاستنتاج .
– لا تخلطي بين المنطق والاستنتاج . ثمة اختلافات كثيرة في النظريات .. والذي

يحدث ان الزيجات المختلطة كثيرا ما تفشل . ففارق الدين مشكلة كافية , ولكن

عندما يضاف اليها صعوبة اختلاف العرق ..
– بكل تاكيد هذا وقف على الاشخاص انفسهم !
– انت شخص اعرف الى درجة تخولني تقديم النصح له .
– ربما انت بحاجة ايضا الى النصح . فالزيجات المختلطة تبقى مختلطة سواء اكانت

من وجهة نظر الرجل ام من وجهة نظر المراة !
اخبرها تشنج عضلات عنقه انها اصابت الهدف . ولكنه لم يعلق , بل وضع فنجان

قهوته على الطاولة وتوجه ليعود الى الجلوس قرب كوني .
صعب عليها ان تحافظ على هدوئها امام بودة اعصابه , منحها دخول تود فرصة

للانسحاب الى جانب الغرفة والجلوس بدون ان يراها احد .
بدا لها غربيا ان يمثل صبيا شابا مهمازا بين هذا الحشد الممتلىء البطون , الفاخر

الملبس .. وكانما حدة شخصيته تذيب كالاسيد ما حولها لتكشف الشخصيات

الحقيقية .. استيقظت ذكريات طال هجوعها , طموح الشباب الذي طال

هجوعها، طموح الشباب الذي طال نسيانه تحرك واشتعل امام حماس ابن العشرين

ربيعا الذي كان يؤمن بان الايمان بطيبة الناس قد يحل جميع المشاكل في العالم .
قال الصحفي الفرنسي :
– لو استعدت حياتي من بدايتها , لكنت مزارعا كوالدي الذي مات سعيدا

وقانعا عن عمر تجاوز الثمانية والثمانين .
نظر الى كرشه :
– اما انا فساموت غنيا في الثمانية والخمسين !
قال اميركي :
– لم يفت الوقت بعد لتغيير مهنتك . كنت طبيبا قبل ممارسة السياسة .. لكن بعد

سماعي كلام تود الشاب اتخلى عن السياسة لاصبح ثوريا !
رد تود :
– انا لا ابشر بالثورة .. ولكن في بعض الاحيان تكون الطريقة الوحيدة

للحصول على ما يريد المرء هو القتال .
تدخل جوك في الجدال :
– هناك امور لا يمكن القتال من اجلها. على بعض الاحداث ان تحدث في اوانها.
رد تود :
– ليس اذا كان الامر سيستغرق العمر كله ! .
– حتى ولو استغرق عمرين !
احمر وجه تود غضبا , ولكن قبل ان يرد غيرت كوني مجرى الحديث .
– يحب الشباب القتال .. فعندهم عدوانية متاصلة ولديهم جميعا حب الثورة ضد

التسلط ليبرهنوا عن الشجاعة . لكن هذه الرغبات تتلاشى مع تقدم العمر.
قال جوك :
– لكنها لم تتلاش عندي , فانا اكره السلطة التي تصفها كوني ايها الشاب .
سرت همهمة بين الجميع , لكنه تجاهلها واردف :
– انني كصديقي الفرنسي , ارغب ايضا في تغيير نمط حياتي لو استطعت البدء بها

من جديد. ولكنني لن اصبح مزارعا , ساختار الجاسوسية .
صاحت السيدة بارف غير مصدقة :
– انت لن تتحمل ذلك لانك لا تطيق اطاعة الاوامر.
– لم اكن افكر في التجسس لمصلحة بلادي , بل لمصلحة الصناعة .
– اتعني كمن يبيع اسرار صناعة مصنع لمصنع اخر ؟ يمكنك صنع ثروة كبيرة

هكذا !
قال الفرنسي :
– وعندما تكسب ثروتك تصبح سمينا وتتقاعد !
– لن افعل هذا من اجل المال .. بل حبا بالاثارة والخطر والغموض . لقد دخلت

الى عالم الدبلوماسية هنا , وهنا اسمي وسمعتي في خطر !
تحولت منتديات ***** دفة الحديث الى العموميات , فتقدمت ليليان من اخيها :
– لقد فتحت معركة قوية هنا !
– حقا ؟! السيد هانيز شخصية رائعة !
– لا يصدق كل ما يقوله .
– لم يكن يمزح ليليان . عرفت هذا من طريقة كلامه .. كان بامكانه ان يكون

قرصانا ممتازا.
– وكان سيموت معلقا على مشنقة.
– ليس هانيز , انه بارد .. قد ادعمه ضد اي كان 0
تثاءب تود فسارعت تقول :
– الى الفراش الان.
تركت تود يستقر في غرفة صغيرة قبالة جناح جوك , ثم عادت الى الضيوف ..

كان عدد منهم قد ذهب , وكان لوك يتحدث الى جوك وكوني , فصعب عليها

عدم الانضمام اليهم .
سالت كوني :
– كيف تشعرين بوجود اخ هيبي ؟
ردت ليليان :
– انها كلمة قديمة الطراز هذه الايام.
قاطعها جوك :
– لكل جيل هيبيته الخاصة .. وعندما كنت في مثل عمر تود رغبت كذلك في

اصلاح العالم.
سالت كوني :
– والان ؟
– الان .. لدي ما يكفيني من مشاكل لاصلاح نفسي !
حولت الفكاهة التوتر الخفي , وبعد دقائق قاد لوك ليليان الى اريكة :
– كلما رايتك , وجدتك تزدادين جمالا.
– ويزداد اطراؤك وغزلك.
– انه ليس غزلا .. وتعرفين انني احبك ليليان .
– ارجوك .. لا تزد ..كلمة على ماقلت .
– يجب ان ازيد .. لم اخطط للاعتراف بحبي بهذه الطريقة ولكن لا يمكن كبح

المشاعر دائما .. اريد ان تقابلي والدي .

تمنت قمر الليل لو تبتعد عنه الان ملايين الاميال . كانت تعرف ان عليها مواجهة الواقع في

هذا الموقف الصعب الذي لا تلوم سوى نفسها عليه .
قالت بهدوء ولطف :
– انا لا احبك .. نعم انا متعلقة بك كثيرا .. انما تعلقي بك ليس كافيا للزواج

بك .
– لكنك عرفت مشاعري التي اوضحتها لك . وكان ان وافقت على الخروج

معي .. املتني كثيرا.
وقف بعصبية وشدها معه.
– لايمكننا الكلام هنا .
واخرجها الى الشرفة .. فقالت :
– لم اعلم انك تريد الزواج بي . اعلم انك تجدني جذابة .. لكنني ..
رد بحدة :
– لاتكذبي .. لقد اوضحت نواياي منذ البداية .. ولكن لن تتجادل بشان ما

مضى .. فمستقبلنا هو المهم عندي .. اريد الزواج بك ليليان .. اريد ان

تشاركيني بيتي وحياتي . اعدك بان تكون حياة طيبة ..
– لا شك عندي في ذلك انما لن يؤثر ما تقول على قراري . لا استطيع الزواج

بك لوك .. لانني لست مغرمة بك .
– وهل هناك سواي ؟
قالت كاذبة :
– لا .
– اذن ساجعلك تغيرين رايك لي .. لقد ارسلك القدر الي .
– لكنني لا اؤمن بذلك ..بمعتقدكم .

– انا اؤمن به .. وقدري هو قدرك.
جذبها غلى ذراعيه، وعانقها بشدة لم تتوقعها، لكن كان من المستحيل ان تحس بين

يديه باية مشاعر ..مع انها شعرت بانفاسه اللاهثة وبارتعاشهة جسمه ظلت سلبية

بين ذراعيه ..وهذا مااشعره بالاحباط ..فارتد عنها ينظر اليها بهدوء:
– انت خائفة مني ليليان ، ولهذا لم تستجيبى ما دام لا وجود لاحد غيري في قلبك

فساجعلك تحبينني .
افزعتها ثقته بنفسه , فشكت بقوة ارادتها .. لكن ما قاله سخيف , لا يمكنه

اجبارها على شيء . ثم هي تحب شخصا اخر .. اعطاها للمرة الاولى حبها لجوك

الراحة بدل الالم .
عادا الى غرفة الجلوس فوجدا انها فارغة الا من السيدة بارف التي كانت تقف

قرب الطاولة تنظر الى بعض الصور التي التقطتها ليليان , فتوقف معها يبدي

اعجابه بها .. ولكنه سرعان ما ادرك انه اخر الموجودين , فاعتذر على مضض .

تنهدت السيدة :
– الان استطيع الذهاب الى النوم .. فضلت ان ابقى هنا ما دام موجودا , فقد

شاهدت بريق الحب في عينيه !
– لم استجب له .
– ربما هناك ماهو قادم .
– لا .. هذا خارج اي جدال .
– بسبب حبك لجوك ؟
– وهل الامر واضح الى هذه الدرجة ؟
– لي قفط .. والسبب انني احبك .. اشك في ان احدا لاحظ الامر .

– ليتك على حق . فلا اريد ان يعرف جوك .
– اواثقة انه لا يعرف ؟
– قطعا .. فهو معجب بي لانه يقدر الذكاء فيمن يعمل عنده . ولكنه في الاساس

يحتقر النساء العاملات .
– انت تعرفين السبب .
– احس احيانا انه يكره جميع النساء ..يحتاج اليهن ، ولكنه يكره نفسه بسبب

حاجته تلك.
نظرت المراة الى ليليان باشفاق :
– ان هذا الامر مؤسف .. انكما زوج مثالي . ولهذا حاولت لعب دور مدبرة

الزواج .. اه ليتني ابقيت فمي مقفلا .. !
قالت ليليان :
– لاتشغلي بالك بالمسالة .. بعد اسبوعين او يزيد ينتهي كل هذا .
رنت هذه الكلمات في راسها بعد وقت طويل من نطقها , وكانها تتردد في وادي

السنوات الطويلة المستوحشة التي تمتد امامها .
قريبا ينتهي كل هذا !

 

7- كانه امير احلامها
دفع انشغال ليليان بالطباعة تود الى مرافقة السيدة بارف في تجوالها في المدينة .. وجدها خير دليل . اما هي , فكانت تتسلى بملاحظاته الخالية من الاحترام , وبنظرته الثاقبة .
لم تسمح قمر الليل روح تود المعنوية المرتفعة لليليان بالبقاء كئيبة . ومع انها تتذكر احيانا ان جوك قد خرج في نزهة مع كوني ماولنغ , الا انها لم تفكر فيه بغضب الا بعد ما عاد الى المنزل مساء الاحد .
بدا اكثر ارتياحا , فاحست بالغيرة تجتاحها .. ولكنها لم تفضح مشاعرها بالمظهر او بالكلمة . وعندما طلب اليها ***** ان تعمل معه لمدة ساعة , ولفقت على الفور.
احست بوجود دفتر المذكرات في يدها بانها اقرب اليه من اي وقت اخر .. وهي تعلم ان اقرب ما يمكن ان يكونا عليه . بدا لها لدقائق عدة ضائعا في افكاره , وعندما تكلم اخيرا , سالها كيف تنظر الى تقدم المفاوضات , فاجابت :
– اشعر ان الجنرال يتعرض الى اكثر من الضغط الذي يعترف به .
– وهذا ما اشعر به ايضا حينما نكون بمفردنا . يلاحظ كل شيء قبل ان اراه انا .. لكن خلال اللقاءات العامة يتظاهر انه لا يفهمني .

– انه يجادلك عامدا متعمدا , ليوهم اعضاء من وفده بانه يقاومك .
خلل اصابعه في شعره :
– ليتني اعرف ما اذا كانت المعارضة تاتيه من اليسار ام من اليمين .
– وما الفرق ؟
– من مبدا اعرف عدوك .. اكره القتال في الظلام .
فجاة , انطلق قارئا عليها ملاحظات مسجلة . الا انه كان يسرع في الكلام حتى وجدت قمر الليل صعوبة في مجاراته . قالت محتجة :
– لن استطيع طبع هذا كله .
– لن احتاجها قبل الظهر لانني ساتغدى مع الجنرال . اتمنى ان احل النقاط الرئيسية معه في الغد , لكن ثمة امور كثيرة يتوجب علي مراجعة واشنطن فيها , والتحدث الى وزير خارجيتنا .
– ايعني هذا اضطرارك الى السفر الى البلاد والعودة ؟
– اجل .. ساغيب اسبوعا , او اسبوعين على الاكثر .. املت ان ترافقيني .
– انا سعيدة هنا مع السيدة بارف .
– اريد مؤقتا . ما دامت المفاوضات جارية فانا بحاجة اليك في واشنطن بمقدار حاجتي اليك هنا .
اطرقت الى الارض , غاضبة من نفسها على سوء فهمها :
– يجب ان اسال السيدة بارف .
– سالتها ووافقت .
ارتفع راسها بحدة :
– انت تاخذ الامور , وكانها مسلم بها .
– الثقة بالنفس عامل ضروري في النجاج !
– لكنني اسمي تصرفك غرورا !
برقت عيناه فهبت واقفة بسرعة .. وقالت :
– سابدا الطباعة الان .
عندما نزلت ليليان في الصباح التالي كان جوك قد ترك المنزل.
لم تره او تكلمه حتى التقيا في الوزارة قبل دقائق من اجتماع بعد الظهر .
همست قمر الليل له :
– كيف كان الغذاء ؟
– لم يكن غداء عمل .. يريد مني الجنرال ان اساعد احد اصدقائه .
– اسفة .. لم اقصد التطفل .. لم اكن اعرف ان الامر شخصي .
– ولا انا .. احد مساعديه متورط بعلاقة مع ” زوجة احد الوزراء ” ويريد مني الجنرال ان اساعده .
– تساعد من .. ؟ الزوجة ام العشيقة ام الحبيب ؟
– لا تغضبي هكذا! يريد مني ابعاد مساعده لبضعة اشهر لان اقل فضيحة في الوقت الراهن قد تضره .
– ولماذا ؟ ليس مسؤولا عن اخلاق موظفيه !
– الصحف مستعدة للقول بانه كان يشجع العلاقة .. لقد اسقطت حادثة ممائلة الحكومة منذ سنتين .
تذكرت ليليان فضيحة مماثلة هزت ايطاليا , وكادت تصل الى زعزعة الحكومة , فقدرت موقف الجنرال الذي وضع وصوله حدا لحديثهما . انشغلت ليليان بعد ذلك طوال اليوم وما فكرت في الامر .

كان الوقت متاخرا بعد الظهر حينما تقدمت المفاوضات , ولان الاعضاء غير مستعدين للتوقف اقنعوا انفسهم باستراحة قصيرة لتناول القهوة , لكنهم سرعان ما انهوا يومهم .
كانت الساعة التاسعة عندما عاد جوك وليليان الى المنزل .
رافقت السيدة بارف تود للتفرج على عرض محلي راقص . كانت المائدة غنية بماكل باردة , ولكن جوك هانيز نظر اليها باشمئزاز :
– لا استطيع رؤية الطعام .
وتحرك فجاة نحو الدرج . كانت يده على عمود السياج عندما ترنح فجاة . فاسرعت ليليان من غير تردد تساعده وتصحبه الى غرفة الجلوس حيث دفعته ليتمدد فوق الاريكة ثم وضعت وسادة تحت راسه .. شحبت بشرته كثيرا , فادركت قمر الليل ان الصداع النصفي قد عاوده .
– اين هي الحبوب ؟
– في غرفتي !
هرعت الى غرفته لتحضرها . وعادت بسرعة لتعطيه حبتين مع كوب ماء , ثم اسرعت تغلق النوافذ وتطفىء النور .
– ان احتجتني تجدني في الغرفة المجاورة .
لم يرد عليها , وخرجت الى غرفة الطعام , كانت متعبة جدا فلم تستطع اكل الكثير . بعد وجبة سريعة , عادت متسللة لتتفقده , فاذا به يغط في النوم , واذا بانفاسه ثقيلة . عادت الى غرفة الطعام لتحضر بعض الطعام على صينية مع ابريق قهوة .
عندما عادت قمر الليل اليه كان لا يزال مغمض العينين .. فوضعت الصينية على الطاولة , وجلست ولكنها سرعان ما شاهدته يراقبها :
– هل نمت طويلا ؟
– ساعة .. حملت اليك بعض القهوة والسندويشات .
فتنهد ***** وتمطى :
– رائع .. احس بالجوع .. لا شك ان فيك ما يعيد الصداع الي !
تناول منها احد السندويشات .
– ربما لانك تعمل جاهدا عندما اكون معك..فعلى اي حال، مامن احد يستطيع مجاراتك في سرعة العمل !
ابتسم :
– في الواقع انت ملهمتي . اشعر معك بانني شاب حار الدماء يحاول اثبات نفسه !
تورد وجهها لكنها حافظت على هدوئها :
– وماذا لديك لتثبته لي ؟
– مدى نجاحي .. اليس هذا ما يعجب النساء في الرجل ؟ النجاح والقوة .. فما ان يكتشفن نقطة ضعف فيه حتى يستخدمنها لتدميره !
– نظرتك الى المراة نظرة عدائية .
وضع السندويش نصف الماكول من يده , وكانه يجده بلا طعم .
تمتم : ” ربما .. اتظنين ان من الخطا ان يكون المرء مكتفيا معتمدا على نفسه ؟ انها افضل طريقة للعيش .. فعندئذ لا يقدر احد على اذيتك ” .
– لا يمكنك العيش بمفردك .. هذا اذا كنت ترغب في حياة طبيعية .
– حياتي طبيعية !
– بلا حب ؟
– لدي الحب الذي احتاجه !
– الرغبة ؟
– لا اظن ان لديك حبا فما تتحدث عنه هو ” كل شيء” الا الحب .
– انها السبب الوحيد الذي يدفع الرجل الى الزواج.
– وهل تصدق هذا حقاص؟
– اجل..فالرغبة اقوى قوة دافعة على وجه الارض.
– لكنها ليست الوحيدة.
– بلى فيما يتعلق بعلاقة الرجل بالمراة.
– اذا كان والدك من رباك على هذا الاعتقاد, فلا عجب ان يكون زواجه فاشلا !
صدر عنه صوت مخنوق , فتوقفت مذعورة عن الكلام, وشعرت بالاسف لانها فقدت قمر الليل السيطرة على لسانها..
قال بصوت هادىء مدهش :
– انت لا تحجمين ابدا عن الهجوم .. اليس كذلك ؟ لكن اعتقد ان علي الايضاح ان مشاعري هي خاصة بي , وان لا علاقة لها بتصرفات ابي.
ردت بعناد :
– لكنه من رباك. لا شك في انه اثر كثيرا في طريقة تفكيرك.
اصبح غير هادئ الان :
– انت عنيدة .. اتشيرين الى انه كان مخطئا ؟
– اشير الى ان عليك تكوين حكمك الخاص .
– بشان ماذا ؟
– بشان امك.
– ليس لدي رغبة في مناقشة تصرفات ابي نحو امي.
– انما هذا ما غير حياتك كلها. ان تصرفاتك تجاه النساء متاثرة بكل ما علمك اياه ابوك!
– تعرفين الكثير عن حياتي الخاصة.
– عملت في شركتك , وعملت معك , والناس يتداولون الشائعات.
– هذا ما يبدو .. ولكنها شائعات مغرضة , فقد احب والدي امي , وعندما تركته تحطم قلبه .. لقد بذل ما بوسعه لا ستعادتها.
– ولكنه تركها تعيش كما تريد.
– وماذا عن واجبات الزواج ؟
– الزواج جزء من الحياة لا الحياة كلها. لم تتوقع امك من ابيك ان يتخلى عن عمله ليخصص نفسه لها طوال الوقت طوال الوقت !
– لاتكوني سخيفة !
– ما اقول ليس اسخف مما كان يريده ابوك. كانت امك عالمة احياء ناجحة عندما تزوجته .. فلماذا يتوقع منها ان تتخلى عن مهنتها ؟
– من واجب الزوجة ان ..
– ان تحب زوجها وعائلتها. انما هذا لا يعني ان تتخلى عن حياتها الخاصة ! وما دام والدك يريد هذا النوع من النساء , فلماذا لم يختر سواها؟
رد بغضب :
– ربما ما كان على امي ان تتزوج اساسا , بل ما كان عليها الانجاب ! ام تظنين ان من الطبيعي ان تهجر المراة زوجها وطفلها من اجل بعض الابحاث في مكان ما من العالم ؟
– وهل هجرتك؟
– ماذا تعنين بهذا ؟
– عرفت ان امك كانت تصحبك اينما رحلت.
– كانت تصحبني معها حتى بلغت السادسة.
– ست سنوات زمن طويل. فلماذا تتكلم عنها وكانها هجرتك في المهد؟
– هكذا كان احساسي.
– لان والدك اراد منك ان تشعر بهذا ! كان يريد منك ان تشعر بالذنب لانك تحب امك , وكان ان وصل بك الامر ان شعرت بانك لم تعش معها يوما. ولهذا تتحدث وكان السنوات الستة الاولى من عمرك غير موجودة.
– انت تتخيلين استنتاجات لا وجود لها.
– وهل هي فعلا خيالات ؟ .. انا ابني كلامي على امور قلتها وقمت بها وعلى تصرفاتك مع النساء .. فانت تؤمن ان المراة تخطىء عندما ترغب في الزواج والعمل في ان واحد. ولهذا امضيت ومازلت تمضي اوقاتك مع نساء جميلات غبيات وتهرب بعيدا عن اي ذكية ! فان لم تدرك ان مثل هذا التصرف ينسجم مع التخلف , فوالدك اذن لم يلقنك ما تؤمن به فقط , بل غسل دماغك كذلك !
ومضت عيناه غضبا :
– ما دام هذا رايك , فلماذا تهدرين وقتك ؟
– لانني اعتقد ان هناك املا! اعرف انني ازج انفي في ما لا يعنيني , ولكني لا استطيع منع نفسي .. الا تعتقد ان نسيانك للسنوات التي عشتها مع امك دليل على شعورك بالذنب , لانك تحبها ؟
– الذنب ؟ لا بد انك تمزحين !
– لا امزح .. شعرت بان حبك لامك هو عدم ولاء لابيك , والا لماذا تستمر في الاصرار على ان المراة المثالية بالنسبة لك هي من ليس لديها حياة منفصلة عن بيتها وعن عائلتها ؟ لو فكرت مليا لعرفت انني اقول الحقيقة , ولكنك مصمم على اتباع ما علمك اياه ابوك حتى تبرهن انك ابن بار.
– لكنه مات ..
– انما لم تمت ذكراه.
رد بهدوء :
– هذا صحيح .. لانني مازلت اذكر تعاسته .. ولا تستغربي ان لمت امي على تعاسته.
– ولماذا تلومها ولا تلومه ؟ لماذا لا تتقبل واقع انهما زوج غير متجانس.
– يصعب نسيان الماضي .
– على الاقل حاول الا تجعل الذكرى قاسية.
رد ساخرا :
– اعتقد انك تريدين مني ان اصدق ان امي كانت رائعة؟
– الم تكن رائعة ؟ سمعت انها كانت ذكية في مضمار عملها. من الواضح انها احبتك , والا لما ارادتك معها. لا تلمها لان والدك اخذك منها.
– كان يريدني كذلك.
– هنا المشكلة , كان كل منهما يريدك .. لكن لماذا تلوم امك ؟
– لانها هي من تركت المنزل.
– كانت ذات عقل مفكر تريد استخدامه .. لو حاول فهمها .. لالتقيا ..
– كيف ؟ بان يترك عمله ويلحق بها ؟
سحبت قمر الليل نفسا عميقا:
– ربما كانا سيتمكنان من التوصل الى حل وسطي , ان كل ما اريد منك ان تعرفه ان امك لم تكن مخطئة بالكامل.
– وهل سيجلني هذا احب امراة ذات عقل راجح؟ لماذا لا تتقبلين واقع انني افضل الغبيات اللواتي لا يطالبن بشيء؟
– اذا كان هذا ما تريد , اذن لقد هدرت وقتي في محادثتك وانا اسفة.
– لست اسفة ابدا لان شعلة المعركة ما تزال في عينيك !
حدقت اليه مدهوشة .. لقد توقعت غضبه , وفوجئت بمرحه.
فتحركت نحو الباب , لكنه سبقها اليه سادا عليها الطريقة وسالها برقة :
– لم لا تقبلين بي على ما انا عليه ؟
ردت بحذر :
– ليس من واجباتي ان اتقبلك .. فانا من الفتيات اللواتي لا تحبهن .. احب عملي , واتمنى ان اؤسس عملا خاصا بي في عالم التصوير!
قبل ان تدرك ماينوى كان قد شدها اليه:
– انا مستعد لغض النظر عن هذا .. ما اعندك. لا شك ان السبب هو لون النار في شعرك الاحمر!
حاولت ان تبتعد عنه ، لكن حركتها جعلته يشدها اليه اكثر ، نظرت عيناه في عينيها .. عندما ردت اليه نظرته وجدت ان لون عينيه يزداد كثافة .. ام تراها كانت انعكاس صورتها فيهما؟ قال بصوت اجش:
– لا شك ان هناك وسيلة لاسكاتك.
انحنى اليها يعاتقها، انه الاتصال الاول بينهما..ومع انها طالما حلمت بهذه اللحظة، الا ان حقيقتها كانت صدمة لكبريائها.
قاومته بغضب، دفعت ظهرها الى الوراء لتدفعه عنها، لكن ذراعيه ازدادتا اصرارا، التحم قدها المياس بقده الرشيق فيما كان وجهها طوال الوقت مدفون في صدره، يسعى الى التفتيش عن رد لهذه العاطفة المشبوبة التي تاقت للاستجابة لها.
ولانه وجدها تقاومه، اصبح اكثر تصميما على جعلها تستكين. فزاد ضغطه عليها انما بلطف ورقة و بطريقة اخذت تنزع سلاحها تدريجيا..لكن حتى و مشاعرها المفعمة بالحب تصرخ مطالبة، استولى عقلها على زمام الامور بقوة ادهشتها هي فدفعته بعيدا وهي تصيح :
– اتركني وشاني .. لا يحق لك ان تستغلني!
لاحظت ان في عينيه ما لا يمكن سبر غوره ..
قال : ” هذا اخر ما اود فعله. انت احدى النساء القليلات التي استطيع الوثوق بها ” .
– رغم ما قلته لك ؟
– ربما بسببه .. انت على الاقل تنظرين الي كانسان له حقوقه , وعليه واجباته , لا كانسان ثري فقط !
– وانت تحصل على ما تستحق.
ضحك :
– اما زال لسانك سليطا بحقي ؟
– اسفة .. لم اقصد هذا.
– اظهري لي الى اي حد انت اسفة اذن.
واحتوتها ذراعاه ثانية، في هذه المرة لم تقاومه، بل امتدت ذراعاها الى عنقه، تشده هي اكثر اليها وكانه امير احلامها.
لم يكن في لمسته نزعة للسيطرة، بل عاطفة لجوج مستعرة.
فقد الوقت معناه وهويته واصبحا فقط رجلاص وامراة..كان عقلها يشدها الى الخلف فمت هذا هو الحب الذي كانت تحلم به.. ومن الافضل ان توقف ما يجري بينهما، قبل ان تكره نفسها الى الابد.
صاحت قمر الليل :
– لا استطيع.. انه تصرف غير سيلم!
– بل هو سيلم جدا! وانت شابة جميلة جدا.
زادت لهجته اكثر من كلامه حدة غضبها، فقالت:
_ انه تقارب..كذلك الرجل الذي تزوج من سكرتيرته!
تراج جوك:
– الشيء الوحيد الذي يفسد فتنة النساء هو عادتهن في تذكر كل شيء! لو كان للتقارب علاقة في عناقي هذا، لفعلت ذلك منذ اسابيع او منذ اشهر حتى، وجدت فرصا كثيرة سانحة.
– كنت ابدو مختلفة يوممذاك.
– ما تبدين عليه غير مهم .. ان طريقة كلامك وتفكيرك هما المهمان , وهذا ما كان دائما نفسه .. حتى الان وانا افكر فيك , اتذكر كيف كنت تبدين .. قلت لك هذا من قبل.
لم تعرف ما تقول , فاتجهت الاتجاه السليم :
– كان يومنا طويلا , انا متعبة واريد الاخلاد الى الفراش.
كانت يدها على الباب عندما طبقت يده على يدها :
– انا اسف حقا ليليان. ارجو الا يؤثر ما جرى على عملك معي ؟
كبحت قمر الليل ارتجافها .. يا لا هتمامه بعدم خسران سكرتيرة قديرة!
– ولماذا يؤثر .. حتى اكثر الناس سيطرة على انفسهم ينسون هذه السيطرة احيانا !
رد بقسو :
– انا لم انس بل كنت اتذكر.
– تتذكر ماذا؟
– رقتك .. تفهمك ..
تمنت لو تصدق ما يقوله , لكنها تعلم ان هذا امر خطير .. ردت بخفة :
– كنت افعل ما بوسعى لارضيك.
برقت عيناه:
– ايعني هذا ان اعتبر رقتك وتفهمك جزءا من الخدمة العادية؟
– انا اخدمك مؤقتا فقط. اتذكر؟
كانت ضحكته صادقة فسارعت الى الابتعاد قبل ان يرد .. لكن مشاعرها بعناقه كان ملتصقا في كيانها كقطعة ذهب ن***ة مخباة بعناية لئلا تختفي بسرعة…ان هذا العناق الذكرى الوحيدة منه..لكن عليها الا تسمح لماحدث بان يتكرر.
كان نومها تلك الليلة متقطعا .. في السابعة صباحا , نهضت وارتدت ثوب سباحة, ثم اتجهت الى المسبح. سبحت نصف ساعة , ثم تعبت , فاستلقت على ظهرها لتعوم ولتستمتع بدفء الشمس على وجهها.
– استيقظت باكرا ليليان.
اجفلها الصوت الممطوط فشهقت , وغاصت الى الاسفل لتعود الى السطح بعد ذلك وهي تسعل.
– سيد هانيز! لم اشاهدك تتقدم.
امتدت يداه القويتان لتجذباها من المسبح:
– لم اشا اخافتك ! انما لا ادري لما يصدمك وجودي .. هل بمقدورك التوقف عن مناداتي السيد هانيز ؟ لقد تجاوزنا مرحلة الالقاب.
– ان هذا التجاوز هو ارقني ليلة امس، واود الاعتذار ثانية على ماتماديت به.
– انسي الامر.
مدد ***** قدميه حيث جلس قبالتها، واردف:
– واناكذلك لم انم كثيرا , فلم اتوقف عن التفكير في ما قلته لي .. كلامك كان مقنعا ليليان .. كنت ستنجحين لو كنت عالمة نفس.
– بل ساكون سيئة لانني ساتورط بالمشاكل التي امامي.
– مع ذلك تتورطين من اجلي.
– نحن نتكلم عن امرين مختلفين , فالتورط في عمل شخص غير التورط في حياته الخاصة !
– لكن حياتي هي عملي.
– هذا ما يؤسف عليه!
وقفت قمر الليل لتعقد روب الحمام, فقال :
– لا احتاجك هذا الصباح .. فاخرجي مع اخيك اذا شئت.اشعر بالذنب لانني احول دون خروجك مع اخيك.
– انا سعيدة بمجرد وجوده هنا, فان كنت ستمنحني اجازة لهذا السبب ..
رد باختصار:
– ليس لهذا السبب. لو كنت بحاجة اليك لا ستخدمتك.
– حاضر سيد هانيز.
– لا تناديني بالسيد هانيز!
– انها العادة.
– اذن اجبري نفسك على التخلص منها! لم يكن هذا صعبا علي.
ردت بعذوبه :
– لا املك قوة ارادتك.
سمعت ضحكته الساخرة , وهي تركض على المرجة متوجهة نحو المنزل.

8-امراة كاللؤلؤ
امضت ليليان معظم فترة قبل الظهر بالتجول في المدينة, للزيارة والاستمتاع بالتقاط الصور .. لدى عودتها الى المنزل شاهدت كوني ماولنغ تنزل من سيارتها. بعد التحية ابلغتها الفتاة انها مدعوة للغداء مع جوك:
-من المفترض ان اتناول الغداء مع جوك , فارجو الا يتاخر.
اشارت ليليان الى شخص يتقدم نحوهما :
-انا اراه.
قبل ان يصل كانت قد قفزت قمر الليل صاعدة الدرج متوجهة الى المنزل. غشيت الدموع عينيها, فلم تشاهد تود الا بعد اصطدامها به .. فضحك لها وامسك بها , ثم اجبرها على الرد على ابتسامته ،حينها نظرت الى الاكياس التي يحملها.
-لا تقل ان اخي الذكي وقع في ما يقع فيه السواح من تفاهات.
-الاشياء رخيصة هنا, لذا من الجنون الا اشتريها.
-وماهي هذه الاشياء؟
-ترؤوس تماثيل , غليونات محلية و رؤوس لبوذا. استطيع بيعها في اميركا بما يزيد عن ثمنها بعشر مرات.
-لكنك ستدفع ما يزيد عن ثمنها اضعافا لتنقلها !
-فكرت ان تاخذي معك قسما منها , فلن تمكثي هناك الا اسبوعا. لا اظنك بحاجة الى حمل حقائب كثيرة.
اخذت ليليان قسما من المشتريات , وهي تتوجه الى الطابق الثاني. كانت تحس بجوك وكوني يراقبانها, وارتفع حاجبا جوك عندما راى ما تحمل :
– ليست لك؟
رد تود:
– انها لي , ولكن ليليان ستاخذها.
ضحكت كوني , ونظرت الى جوك بتملك :
-للشقيقات فوائد هن .
ارتقت ليليان بسرعة الدرج خافقة القلب خفقانا كاد يتعالى على كل الاصوات .. ولانها لا ترغب في رؤية جوك وكوني معا , تناولت الغداء المكون من بعض الفاكهة في غرفتها , ولم تنزل حتى بعث جوك خادمة تستدعيها.
قال لها متوترا حينما وصلت الى الردهة :
-قلت لك انني ساحتاجك بعد الظهر.
-لم اكن اعلم انك بنتظاري.
-لقد غادرت كوني المنزل بعد الغداء مباشرة .
وخرج نحو السيارة مشيرا اليها بنفاد صبر حتى تصمد. شعرت بسبب احساسها بوجوده بان كل عرق في جسدها ينبض. مع ذلك لم تعط الدليل على عذابها .. ولكنها لم تجد كلما تقولها لتكسر الصمت , بل استمرت ذكرى حواهما ليلة امس تسيطر على تفكيرها , وهذا ما جعلها ترتجف .. فقال جوك برقة :
-لا تنزعجي كثيرا ليليان ..

احست قمر الليل بصدمة تسري في جسدها , هل تبدو افكارها واضحة هكذا ؟
-ليس تود بطفل. سيكون بخير عندما يعود بمفرده الى البلاد , بل رحلة العودة امن من رحلته الى هنا.
احست بالراحة لانه لم يفهم اسباب حزنها .. لكنه لم يصدقها عندما قالت له انها ليست قلقة على اخيها.
-بل انت قلقة .. هذا ما اراه في عينيك عندما تنظرين اليه .. مشكلتك انك تحسين بانه بحاجة الى حمايتك.
-انه شعور اشعر به تجاه جميع من احبهم ومن اشفق عليهم.
-ما تراه النساء حماية , هو في الواقع كبت !
-من الافضل ان نترك هذا الموضوع،فانت تعلم الى اين اوصلنا ليلة امس.
فهمت قمر الليل متاخرة ما قالته ، ومه انها ابقت عينيها بعدتين عنه الا انها احست بنظرته الحادة .. وعندما تكلم كان الموضوع مختلفا كل الاختلاف.
-اعرف انك تريدين البقاء مع السيدة بارف حتى تنهي عملها هنا .. ولكن مارايك بالعودة الى العمل عندي لاحقا؟
-ليست العودة بمحمودة العواقب.
-لا تكوني سخيفة ! فكري في الامر ليليان .. انا احبذ العمل معك اكثر من اي كان .. انت تفهمينني .. معك لا اجدني بحاجة الى شرح الامور , فكري.
كانت الرغبة في القبول قوية.
-لا .. جوك .. لن ينجح هذا. لن اعود اليك.
ما تبقى من الاسبوع , كانت مشغولة جدا بحيث لم تستطع التفكير في نفسها , وما ان اقترب العيد حتى امسك جوك بزمام المفاوضات بيد ثابتة .
قررت السيدة بارف اقامة عشاء تقليدي بمناسبة العيد , ثم قررت تزيين المنزل , فكان ان تولى المهمة ليليان وتود , فامضيا عدة ايام وهما يعلقان بسعادة حبال الزينة.
علق جوك على التحضيرات :
-قد ابطل الاحتفال بالعيد لو استطعت .. انه اسوا فرصة في العالم لاجتماع العائلة .. وهو في الغالب يقود الى الشجار. يقول علماء النفس ان عياداتهم تمتلىء بالمرضى لاشهر بعد هذه المناسبة.
-يؤسفي شعورك هذا, لكنني اعتقد ان الزينة سخيفة بدون اطفال يستمتعون بها.
-انت طفلة … وانت تقومين بالزينة لنفسك.
تذكرت ملاحظته عندما كانت تشتري له هدية .. بعد تردد, اشترت له مثقلة ورق للقرود الحكماء الثلاثة ذات العيون والاذان والافواه المقفلة .. بعدما لفتها تساءلت عما اذا كان سيقرا منها اكثر مما تعني.
لان السيدة بارف تعلم ان اعلان سهرة مفتوحة سيجلب الكثير من الزوار قررت ان تجعل المناسبة عائلية فقط , مع انها دعت كوني ولوك. وكانت السيدة قد دعت لوك على الرغم من احتجاجات ليليان التي رات ان من غير اللائق دعوته بعد رفضها الزواج به, ولكن بسبب وجود جوك في المنزل قررت استغلال وجود لوك كدعم عاطفي لها, وكتغطية لمشاعرها في الوقت نفسه.
كانت ساعات الصباح الاولى عند ليليان ساعات مغلقة بالحزن لانها تذكرت الاعياد السعيدة التي امضتها مع اخيها ووالديها .. ولكن ما ان تجمع الجميع في منتصف النهار حتى ولى حزنها وحل محله المرح.
صاحت قمر الليل بسرور عندما تسلمت هدية السيدة بارف وهي عبارة عن عقد ذهبي وقرطين, بينما تسبب خف تود الصوفي بضجة ضاحكة, اما زجاجة العطر الكبيرة هدية لوك, فجعلتها تدرك انه رغم حبه لها , فهولا يفهمها ابدا.
فاجاتها هدية جوك .. وفيما هي تنظر الى القلادة ذات الحجر اللازوردي , القابعة في علبة مخملية سوداء , تمنت لو انها فتحتها بعيدا عن العيون المحدقة اليها .. احست وهي تمسك السلسلة الذهبية الرائعة بين اصابعها بجوك يتقدم ليركع الى جانبها.
-اعجبتك ليليان ؟
-انها رائعة .. متى وجدت الوقت لتشتريها ؟
-اشتريتها في اميركا.
جلست قمر الليل مذهولة تحدق اليه:
-لكنني . كيف عرفت انك ستقابلني هنا؟
-كنت هنا .. وكنت انوي رؤيتك.
-هل تعامل دائما سكرتيراتك السابقات بهذا السخاء ؟
-فقط عندما يبقين في ذاكرتي ! اود رؤيتك تضعينه.
وضعته حول عنقها ولكن اناملها تعثرت باقفاله فمد يده يساعدها، فكان ان استراحت يداه للحظات على مؤخرة عنقها.. استدارت ببطء تواجهه,فاستقرت عيناه على الحجر الازرق العميق اللون المستريح بدلال على جيدها.
همس لها :
-خلق جيدك للالماس. سيقدمها اليك لوك لوقلت له الكلمة المناسبة.
-لست بحاجة ماسة للالماس !
-ارجو ان يظل هذا هو شعورك دوما .. لا تتزوجي ابدا من اجل التقارب.
هناك في عينيه شعلة تحترق للحظات ثم تموت. قال لها :
-يجب ان ارى هديتي.
ما ان راى القرود الثلاثة , حتى التوى فمه, ورماها بنظرة ممتزجة ما بين المرح والتوتر :
-لا تستطيعين مقاومة النصح حتى وانت تشترين لي هدية ! اتصفني هذه القرود في الوقت الحالي ام تراك تريدينني على هذا الحال ؟
-انها مجرد مثقلة للورق . لم اشا ان تكون تعليقا على شخصيتك !
-لا اصدقك. لكنك على الاقل لم تشتر نسخة عن تمثال ” رودين ” عن القبلات الثلاث .. الا ترين انها انسب من هذه الهدية.
لم تستطع التفكير في رد لاذع , فوقفت وتقدمت الى وسط الغرفة .. وفي سائر النهار تمكنت من تجنب مكالمته مع انها كانت تشعر بالغيرة لانه سيغادر المنزل ليقضي ما تبقى من يومه واليوم التالي في منزل كوني ماولنغ.
بذلت ما بوسعها لنسيانه, ولكنه لم تستطع نسيان التلميحات المتعددة التي كشفها والتي تدل على انه رجل وحيد .. ان مثل هذا الرجل بحاجة لزواج ذهني فكري اضافة الى زواج جسدي , لكن ان لم يتمكن من الهرب من ماضيه , فلن يتقبل ابدا هذا الواقع ..
تمنت ليليان من كل قلبها لو تتمكن من دفعه الى ادراك هذا الامر. تعرف انها لن تشاركه مستقبله, ومع ذلك يؤلمها ان تفكر في ما يفعل بنفسه.
صممت في الصباح التالي , الا تكون في المنزل لدى عودة جوك , فكان ان خرجت مع تود الى الاستوديوم الكبير لمشاهدة حفلة ملاكمة. كانت رياضة وطنية, والطريقة التي يقدم فيها اللاعبون على الحلبة طريقة ساحرة , فهم يرتدون اروابا حريرية , وكل لاعب منهم يصل الى زاويته المحددة له حيث يركع ويصلي , ثم تزال الارواب وتربط الرؤوس برباط ومقدس, ويبدا باستعراض امام مشجعيه , ويقدم فروض الطاعة لروح مدربه واستاذه .. بعضهم يتحرك كراقصي الباليه , وبعضهم كالبهلوانات , ولكن ما ان تنتهي هذه المقدمات وتبدا المنافسة حتى يسود العنف على كل شيء.
تغلب الغثيان على اعجاب ليليان بسبب ما تراه من عنف امامها , واحست بالفرح عندما دق الجرس مرسلا كل مقاتل الى مكانه للراحة. لم تصدق ان لهذا الشعب الرقيق الضئيل الجسم مثل هذه الرياضة الوطنية العنيفة..
في نهاية الامسية كانت مرهقة : اولا بسبب ما شاهدت , وثانيا بسبب خوفها مما يسببه هذا العنف من اصابات خطيرة.
بعد يومين من هذا سافر تود عائدا الى ريتشموند, وكانت ليليان غارقة بالعمل درجة لم تشعر معها بالتكدر بسبب سفره .. وكان المؤتمر قد حقق درجة عالية من النجاح, ومع ان هناك بعض نقاط الخلاف الا ان جوك كان مقتنعا بسهولة التغلب عليها.
ابلغ الجنرال لوك انه سيقيم حفلة للوفد بعد يومين. وبعد اتنهاء الاجتماع تقدم الجنرال ليحدث السكرتاريا , مشجعا وشاكرا جهودهما , مع انه وجه معظم كلامه الى ليليان.
-عرفت انك كنت تعملين عند جوك هانيز في اميركا .. وانك تركته بسبب رغبتك في السفر.
فابتسمت قمر الليل:
-لكنني مازلت اعمل عنده !
-هذا لانه سافر هو ايضا ! اتمنى رؤيتك في حفلتي ؟
-لم اكن اعرف ان السكرتيرات مدعوات.
-طبعا مدعوات , ما من احد مهما كان صغيرا الا وله اهميته في الدولاب الكبير !
بعد ليلتين حين وقفت قمر الليل في قاعة الرقص المشعة في فندق كيزون انترناشيونال لتراقب الراقصين في الحلبة .. كان لوك كونه مساعدا شخصيا للوزير مضطرا للتجول بين المدعوين , ولمجاملة الاطراف , فاحست بانها تسير في حديقة عامة .. تابعت المسير بكسل من ممر الى اخر , تلوح بالكاميرا .. لم تستخدم حتى الان سوى نصف فليم. قررت ان تضع الكاميرا في غرفة الملابس مع معطفها حالما تعود الى الداخل. استدارت لتعود ولكن صدمها منظر السقف الضخم الذي بدا راسه مدببا , وكانه طاعن في السماء المعتمة. وهي هناك واقفة شاهدت من بعيد رجلا وامراة , فارتدت الى الوراء بحدة لانها لا تريد ان تقاطع مشهدا غراميا.
احست قمر الليل ان ما بين هذين الشخصين امر سري .. فكرت بانهما يقومان بعملية تخريبية. اخذت نبضات قلبها تتسارع , وحرك النسيم الخفيف اغصان الاشجار, ولامس النور الفضي راس المراة .. انها كوني ماولنغ.
سرعان قمر الليل ما استرخت اعصابها , والتفتت ثانية الى الفندق فاكتشف ان منظره من هذه الزاوية مختلف .. فرفعت الكاميرا لتسجل الواقع. وفيما هي تلتقط الصورة شاهدت الرجل الذي يرافق كوني يعطيها لفافة لها غطاء مذهب انعكس نور القمر عليه. جعلتها حركتهما المفاجئة تنتفض فارتدت الى الوراء فقفلت راجعة الى الداخل.
صدمها الهواء المبرد في الداخل .. وبعد اسوداد الليل ولون القمر الفضي بدت لها الوان الفساتين المبهجة والوان البدلات الكاكية الرسمية مختلفة ..
سالها صوت عميق :
-اتسمحين ؟
التفتت قمر الليل فشاهدت جوك امامها. لحقته بصمت الى باحة الرقص , حيث خفت الانوار فوق الرؤوس , وتلاشت ايقاعات السامبا العنيفة , وحلت محلها نغمات السلو الناعمة , تردد ضرباتها موسيقى ضربات قلبها.
-انت المراة الوحيدة التي ترتدي الاسود .. يجب ان ترتديه دوما.
-لماذا ؟ لانه يبقيني في الصفوف الخلفية ؟
-لا .. بل لانه يبرز الوانك , فانت تبدين بهذه البشرة, وبهذا الشعر فاتنة.
-شكر لك سيدي.
-اعني ما اقول .. لقد جعل الاسود بشرتك تشع كاللؤلؤ.
اشتد احراجها , فحاولت اخفاء مشاعرها.
-لؤلؤ صناعي .. تربية مزارع ؟
-لا هذا ولا ذاك , بل انت من الصنف الطبيعي .. مع انك الان تتصرفين بتصنع ! ما بالك ليليان .. هل مراقصتي تجعلك متوترة ؟
وجدت ان الحقيقة هي افضل انواع الكذب , فقالت :
-بل تخوفني .. بعد رقصك مع كل هؤلاء الجميلات , لن ابدو جميلة في عينيك.
ضحك : ” مازلت تبدين لي صغيرة .. ربما لانك رشيقة الجسم “.
اخطات خطوة في الرقص , فهزها *****:
-هل انت متعبة من مراقصتي ؟
-متعبة فقط.
-اجهدتك بالعمل. عندما نعود من سفرتنا الى اميركا, عليك ان تاخذي عطلة. يمكنك قضاء وقت في قصر كوني الريفي .. السباحة هناك رائعة.
-كوم منك ان تعرض علي ضيافة شخص اخر!
-لن تمانع كوني .. وهي لن تكون هناك على اي حال .. ستسافر بعد حوالى الشهر .. يبدو انك متعبة.
وجذبها الى خميلة تظللها ورود جميلة لا رائحة لها , وتمتم لها :
-هذه الورود كالنساء الجميلات .. منظرهن رائع انما ينقصهن العطر الاصيل !
-ظننتك بحاجة الى الجمال فقط.
-ما الذي يجعلك قادرة على الحكم على ما احتاج اليه ؟
-اظنني كنت اكثر سكرتيراتك عنادا, ولا بد انك سررت لانك تخلصت مني.

-تعرفين ان هذا غير صحيح … فقد طلبت منك العودة , ولن اكرر عرضي. فهل من الممكن ان تغيري رايك ؟
-لا .. فلن ننجح.
-لكننا نجحنا هنا.
-لان الاجواء مختلفة , كما انني قد اكره ان تعود رب عملي مرة اخرى.
تنهد:
-فهمت .. قد تكونين على حق.
احست قمر الليل بخيبة الامل لانه تخلى عن ملاحقة الامر:
-اظن ان علي العودة الى المنزل , فانا مرهقة.
-تبدين مرهقة .. استخدمي سيارتي مع السائق. لا اريد ان تعودي بسيارة اجرة في مثل هذا الوقت.
اصطحبها نحو سيارة السفارة التي عينت له وطلب من السائق ان يوصلها ثم انتظرها حتى جلست في المقعد الخلفي وتمتم ” تصبحين على خير” وعاد الى الفندق .. حجبته الدموع عن نظرها واحست بالسرور لابتعاد لئلا يراها .. انها فعلا متعبة , نفخت انفها في منديلها ببؤس .. انها متعبة من مقاومة حبها له ومن التظاهر بانها قادرة على نسيانه .. وكانما المسافات قادرة على محو ذكراه !
استولى عليها الياس كاملا , فدفنت راسها بين يديها واجهشت بالبكاء ..

9- من اجل حبك

عشية السفر, دخلت الى غرفة جوك لتشرف على توضيب حقائبه..وجدت ” مندي ” الخادم الذي عينته السفارة لخدمة جوك خلال وجوده في البلاد, يوضب له الحقائب وعلى وجهه تقطبية عابسة. اشار الى الاشياء الجميلة الكثيرة التي يمكن ان يشتريها المرء من هنا كهدايا وكانه يشير الى كابوس.
– تمكنت من وضع كل شيء في مكانه الا هذا, انه اكبر من ان تستوعبه حقيبة من حقائب السيد.
اشار مندي الى سبب مشكلته, لفافة مربعة ملفوقة بورق ذهبي مطروحة على السرير.. قدرت صعوبة مشكلة الخادم.. انها اكبر من ان يحملها جوك بنفسه.رفعت قمر الليل اللفافة تهزها فقال الخادم :
– لاشك انها هدية لشخص ما لانها كانت على السرير بين هدايا اخرى عندما اتيت لاوضب له الحقائب.
قالت بمرح :
– حسنا, لا يمكنك تقسيمها.. ومن الافضل ان اضعها في حقيبتي..لدي مكان شاغر.
في الصباح كان في المنزل ضوضاء السفر وعجلته. في المطار, فعل سحر الجواز الدبلوماسي , ووجود نائب القنصل معهما دورا في تخليصهما من الاجراءات القانونية , لكن هذا لم يمنع تفتيش حقائبهما.

قال جوك بتوتر وعجرفة لمامورالجمرك :
– قلت لك ان لا شيء معي يستحق الاعلان عنه.
– عذرا سيدي .. هذا اجراء رسمي.
سال نائب القنصل :
– عم لتفتشون ؟ على السيد هانيز ان يلحق بطائرته.. فما من ضرورة لتفتيش الحقائب في طريق الخروج من البلاد ؟
– للاسف.. الامر ضروري..لقد جعل طلابكم الامر ضروريا.
– وما شان طلابنا بالسيد هانيز؟
لكن المسؤول هز كتفه ثم تحول لتفتيش حقائب ليليان .. اخرجت كل اغراض تود من لفائفها وفحصت .. اصبح الموقف حرجا عندما وصل الدور الى الملابس الداخلية الحريرية التي عرضت كي يجري فحصها.
تمتم جوك ساخرا:
– ربما يفتشون عن رموز كتابة على الملابس الداخلية.
امسك الضابط باللفافة الكبيرة ففتحها ثم كشف عن اطار فيه صورة الجنرال مبتسما ..كان الرجل من المعجبين بالجنرال ، وتاثر بما اعتبره عاطفة طبية من الجنرال تجاه هذه الفتاة الاميركية .

عندما شاهد جوك الصورة رفع حاجبيه دهشة .. فعرفت ان ” مندي” لم يخبره بامرالصورة, فتقدمت نحو لتشرح, لكن الكلمة التي صدرت من بين اسنانه اوقفتها. فاستدرات لتشاهد الرجل يعاين حافة الاطار المحفورة باصابعه.. فقالت قمر الليل بصوت مرتفع :
– انه اطار عادي..فلماذا تفتحها؟
– عفوا.
لكنه تابع تفحصه.. فتقدم جوك نحوه , وما ان اطل ليحدق الى الصورة حتى انكسر طرف الاطار. فصاحت ليليان .
– ها قد كسرته ! الا يمكنك …
وماتت الكلمات على شفتيها حينما وضع الرجل القطعة المكسورة, واخرج من اخرى لفافة ملفوفة بورق مشمع .. طولها عدة سنتمترات و سماكتها سنتمتران ..فتح الورق المشمع بحذر ثم شم البودرة البيضاء فشهقت:
– ماهذا بحق الله ؟
نظر اليها الرجل ببرود .
– ارجو ان تتبعيني.
– لماذا.. لم افعل شيئا , لا اعرف ماهذا.
نظرت الى جوك .. لماذا ينظر اليها هكذا؟
صاحت قمر الليل ثانية:
– ماالامر…ماهي هذه البودرة؟
– انها مخدرات.. من الافضل ان ترافقي الضابط, سالحق بك بعد لحطات.
لحقت الرجل وهي لا تصدق ان هذا يصيبها .اصطحبهاالرجل الى غرفة صغيرة على نافذتها قضبان حديدية. مخدرات في اطار صورة.. يقرا المرء عن هذه الامور في كتاب او صحيفة , ولكنه لا يراه على ارض الواقع.
لكنه اصابني .. اصابني انا .. !
ماهذه الجراة التي اظهرها جوك في اخفاء المخدرات في اطار صورة الجنرال؟ الصورة موقعة منه ليبدو الاطار جزءا من الهدية!
انما لماذا يفعل شيئا مجنونا كهذا؟ ليس من اجل المال طبعا.. فلماذا اذن؟ اتراه تصرفا يريد منه الاثارة؟
تذكرت ما قاله ليلة وصول تود : لاشيء اكثر اثارة من تحدي السلطات .. عندما تملك المال الذي تحتاجه,لا يبقى امامك ما تخافه سوى سمعتك.
وهذا ماحصل اليوم الا ان الكارثة وقعت على راسها, فهي التي تحمل الاطار!
انفتح الباب ليدخل جوك برفقة ضابطين .. فسالته قمر الليل هامسة:
– ماذا يجري؟
تقدم منها :
– سيحجزونك .. لماذا بالله عليك حملت الاطار؟
– لم اكن اعرف مافيه! ولو علمت لاتلفته! لم اكن اعرف!
– ستواجهين صعوبة في اثبات هذا.
-انت تعرف الحقيقة, ويجب ان تخرجني من هنا.
– سافعل ما بوسعي , انما انا بحاجة الى وقت طويل والى نفوذ كبير.الا تدركين ما يعني هذا؟ قد يدمر كل ما فعلنا. انت سكرتيرتي .. جزء من الوفد .. والصورة موقعة من الجنرال. ان شيئا كهذا سيغضبه.
حدقت اليه قمر الليل مذهولة وهي غير قادرة على التصديق , بكل تاكيد لن يتركها تحمل وزر جرم ارتكبه.
صاحت بسخط :
– اعرف خير معرفة ما قد يفعل هذا بالجنرال! لكن لا يمكنك ان تضع وزر الجرم علي! لولا …
امسك بكتفيها بقوة اخرستها:
– ليليان .. ! الغرفة مراقبة .. كوني حذرة فيما تقولين.
يقصد الا تورطه, انسلت من بين يديه:
– انت من يجب ان يكون حذرا!
– انا احاول .. انها سمعتي , انه النجاح الذي عملنا عليه خلال شهر.. سامارس كافة الضغوط لاخرجك .. لكن قد يستغرق هذا وقتا.. سامارس كافة الضغوط لاخر الجنرال, لكنه مضطر الى الحذر كذلك.جك..لكن قد يستغرق هذا وقتا..سيساعدنا الجنرال، لكنه مضطر الى الحذر كذلك.
– هل ستقول له الحقيقة ؟
– لافائدة … سيساعدنا على اي حال.
-اذن ستتركه يعتقد انني مذنبة ؟
– وهل يقلقك هذا ما دمت ستنالين حريتك ؟
– انا اهتم بسمعتي كذلك.
رد بعذوبة وبصوت خفيض :
– لكنك تفكرين في سمعة شخص اخر, والا لقلت ان الاطار ليس لك.
– انت تعرف لماذا بقيت صامتة.
– اجل .. اعرف. حاولي الا تقلقي .. ما اغباك ! لماذا اخذتها؟
اقفل الباب وراءه. واحست ليليان داخل الغرفة المربعة الصغيرة بانها وحيدة اكثرة من اي وقت مضى.
في الصباح .. زارها نائب القنصل , ليخبرها ان جوك سافر:
– سافر؟ لا اصدق انه ذهب وتخلى عني !
– لم يكن لديه خيار .. فهو مضطر لتقديم تقريره الى الوزارة .. كان كل شيء مرسوما , ولكنه سيعود بعد عشرة ايام.
عشرة ايام من السجن , حدقت ليليان الى الطاولة الخشبية اممامها .. وهمست :
– ماذا سيحل بي ؟ لست مذنبة سيد فونزي .. انا لم اضع المخدرات في الاطار .. بل ليس …
رفع راسه بحدة الى المصباح المعلق فوق راسيهما:
– اعرف ..
فحركت فمها بكلمات صامتة :
– هل يصغون الى كل شيء ؟
هز فونزي راسه الاشيب .. فتابعت صمتها .. فهل اعترف جوك لنائب القنصل ان الاطار له ؟ ايحاولون تدمير سمعتها بدلا من سمعته ؟ على اي حال, ماهي سمعة سكرتيرة بسيطة بالمقارنة مع نتيجة مفاوضات تجارية صناعية ضخمة؟
– نحن نبذل جهدنا لاطلاق سراحك .. لم يتمكن السيد هانيز من رؤية الجنرال قبل سفره , ولكنه اتصل به هاتفيا.
– وماذا سيحصل اذا لم تستطع اطلاق سراحي ؟ انهم يعاملون مهربي المخدرات بقسوة. اليس كذلك ؟
– انهم متشددون بحق من يتعامل بالمخدرات الصعبة اما البسيطة فامرها هين.
– ولكنني ذاهبة الى السجن.
– انا واثق من اننا قادرون على تجنب هذا .. فقد قال السيد هانيز انه سيدفع اي مبلغ مهما كان.
– ما اكرمه!
– انه فعلا كريم .. فقد كاد تصرفك ..
ورفع راسه الى فوق ثم صمت . اردف : اذ اردت شيئا فاتصلي بي رجاء.
– ما داموا مستعدين لتغريمي بالمال , فلماذا لا يغرمونني وننتهي؟
– يجب ان تخضعي للمحاكمة , انما يامل السيد هاينز ان يمنع الجنرال حدوث المحاكمة، ان ذلك لمؤسف.
– ولكان الامر اعظم لو كان السيد هانيز هو ..
تذكرت اجهزة التنصت المدسوسة في الغرفة فصمتت , ثم اضافت :
– من الافضل ان تطلب منه ان يشرح لك الامر.. اذا كان مستعدا!
ارجع بسرعة نائب القنصل كرسيه الى الوراء ووقف مودعا .. ثم ترك الغرفة.
تساءلت ليليان وهي في زنزانتها كيف كان شعوره عندما فتشوا حقائبه, فلم يجدوا الصورة فيها .. وفيم فكر حينما وجدوها في حقيبتها؟ انها متاكدة من شيء واحد وهو انه لم يخبر احدا بان الصورة له, والشيء الاخر انه سيتركها تتحمل المسؤولية وحدها.
ثبتت صحة هذا الاعتقاد عندما زارتها السيدة بارف في نهاية الاسبوع لاهثة. دخلت المراة الى غرفة الزوار, لتضم ليليان بعناق حار. لا بد انها تلقت تحذيرا بصدد ما ستقول, فعلى الرغم من تدفق حديثها لم تتطرق لقضيتها بكلمة. لكن فيما كانت على وشك المغادرة امسكت ليليان بذراعها, واقتربت من اذنها:
– انا بريئة .. الاطار لم يكن لي.
ردت بهمس مماثل :
– اعرف.

– هل اخبرك جوك ؟
– اجل .. قال انك تحمين شخصا اخر.
– وهل قال لك من ؟
هزت المراة راسها , فتنفست ليليان الصعداء وزالت اوهامها كما يزول الضباب امام نور الشمس.
– كان غاضبا منك جدا.
– يجب ان يغضب من نفسه اكثر.
– ولماذا؟ .. لا يمكن لومه.
نظر الحارس الى ساعته, ولئلا تصبح الايماءة كلاما حضنت السيدة بارف ليليان بشدة, وذهبت.
اخذت ليليان تفكر في كلمات السيدة بارف الاخيرة. لماذا يغضب جوك منها وهي من انقذته؟ ام انه مؤمن ان الاطار لو كان في حقيبته لما شددوا في التفتيش.
مرت نهاية الاسبوع طويلة .. خلالها لم يسمح لاحد بزيارتها.اما السجن فكان صامتا كالمغارة. عشية الاحد, كانت ليليان قد غاصت الى قعر الياس عندما تقدم منها حارس ليرافقها الى غرفة الانتظار .. حيث وجدت لوك:
– كان علي ان اراك ليليان .. لم استطع الانتظار.
لم تكن واثقة كيف ترد عليه, فهو لم يتقدم منها ليحييها فانتظرت ليكمل كلامه:
– لماذا فعلت هذا؟ انت لست مهربة مخدرات .. لااصدق! ،انت تحمين شخصا اخر.. اليس كذلك؟
اعطتها ثقته ببراءتها الدفء. ومع انها تاقت الى اخطاره بالحقيقة لم تفعل .. فلو اخبرته انها تحمي جوك لتدمر كل شيء.
سالها بعنف:
– اخبريني من تحمين؟
– لا احد.
– لا اصدقك .. انت بريئة .. لا يمكنك خداعي!
اجبرت قمر الليل نفسها على اخفاء سرورها لانه مؤمن ببراءتها. قالت له بهدوء وحزم, حتى يسمع الشرطي الذي يصغي لحديثهما الى هذه النقطة بالذات:
– لكنني لم اضع المخدرات في الاطار .. هناك من وضعها!
– من اين اشتريت الاطار؟
– لا اذكر.. ذهبت الى محلات عدة قبل ان اجد ما اريد..
– انت غبية مجنونة لانك تستمرين في الكذب .. قد تسجنين سبع سنوات .. ارجوك كوني واقعية!
– اخبرتك الحقيقة .. الاطار لي , ولكنني لم اضع فيه شيئا .. مطلقا!
– انت تحمين شخصا اخر!
اريد بحدة نحو الباب , ثم التفت اليها وفتح فمه , وكانه يريد قول شيء , لكنه صمت وخرج.
مرة عدة ايام اخرى .. وتلاشى لون البراعم عن خديها, مع ان شعرها ظل براقا كعادته. في نهاية الاسبوع التالي زارها نائب القنصل مرة اخرى .. وقال :
– لا اخبار جديدة على ما اخشى. مازال الجنرال مسافرا, وليس بامكاننا فعل شيء حتى عوته. نبذل جهدنا الان حتى لا تعقد المحاكمة قبل عودته.
– وهل المحاكمة محتملة؟

– لا .. لا .. ما ان يعود الجنرال حتى يطلق سراحك.
– وبعد ذلك ماذا سيحدث لي ؟
– سيرحلونك الى اميركا.
فهمت قمر الليل عندئذ فقط انها بحمايتها لجوك دمرت مستقبلها.. وفقدت اي امل في العودة الى هنا والعمل عند السيدة بارف .. وما هي فرصتها للحصول على عمل لا ئق؟ لا يقدم الناس بسهولة على استخدام مهربة مخدرات..
قال السيد فونزي ليذكرها بوجوده:
– لا تياسي ياعزيزتي.
ابتسمت له بذهول , وسرها انه وقف ليخرج. ظلت شاردة الذهن كئيبة حتى اقتيدت مرة اخرى الى غرفة الزيارة. ما ان دخلت الى الغرفة حتى توقفت فجاة .. جوك! لقد عاد..
تقدم منها, وما ان بزر وجهه للضوء.. حتى تراجعت:
– جوك! متى وصلت, لم يخبرني السيد فونزي شيئا!
– لم يعرف اني وصلت.. وصلت منذ ساعة ثم توجهت مباشرة من المطار الى السجن.. لقد شاهدت تود.. وصلته برقيتك, وجاء لمقابلني حالما وصلت الى ريتشموند.. اراد معرفة ما حدث.
– هل اخبرته الحقيقة؟
صاح منفجرا:
– الحقيقة ! هذا ما لا اعرفه..لم يقرر موعد عودتي قبل الاسبوع القادم.. انما بعد مقابلة تود اسرعت بالمجيء.. ارجوك ليليان.. حبا بالله ليليان ..ماهي اللعبة التي تلعبينها؟
– سبق ان شرحت لك الامر سابقا.
– انما ماقلته غير منطقي.. فانت لم تعرفي شيئا عن المخدرات في الاطار.. اليس كذلك؟
هزت راسها نفيا.. فسالها :
– من اين حصلت عليه اذن؟ يجب ان تخبريني.
سؤاله رهيب لا يصدق, ظنت نفسها تعيش كابوسا.. ايقول لها بطريقة غير مباشرة انه مستعد لتحمل المسؤولية. تساءلت للمرة الاولى عما اذا انهارت المحادثات.. وحتى تتحقق من نظريتها, قالت:
– هل ذهبت الى واشنطن؟
– طبقا.. فهذا احد اسباب اضطراري للسفر.
– وهل كل شيء على مايرام؟
– طبعا.. ثمة عدة امور بحاجة للتسوية انما كل شيء على وشك ان يتم.
– اذن يجب الا تسمح لاي شيء باعاقة الاتفاق النهائي.
– وهل تظنين ان عليك ابلاغي بهذا؟
– يبدو لي ضروريا.. ما يصيبني غير مهم. قال السيد فونزي انك ستدفع الكفالة مهما كانت, وكان واثقا من ان صداقتك للجنرال ستساعدك في اطلاق سراحي.
– اهذا ما يهمك؟ الن تنزعجي من وصمك بالتهريب؟
تمتمت متجنبة النظر اليه:
– اسمي غير مهم كاسمك.
– وما شان اسمي بالموضوع؟
– له كل الشان. سالتزم بقصتي جوك.. لذلك ارحل.. ودعني وشاني.
بد ان غضبها امتص غضبه.. قال بصوت منخفض:
– انه الحب .. على ما اعتقد.
هزت راسها لان كبرياءها غدت غير مهمة, فقد دمرها السجن الانفرادي في زنزانة.
قالت قمر الليل هامسة:
– اجل .. انه الحب.
– هل انت واثقة من انك لن تندمي؟
– قطعا.
– انما ذلك لن يؤدي الى الزواج. اتفهمين هذا..؟ انت في نظر العالم مذنبة.. وهذا سيلغي اي فرصة للزواج نهائيا.
– لم اتوقع الزواج.
– اذن .. انت اشد غباء مما توقعت ! حملت اليك بعض الكتب.
ثم تركها ومضى قبل ان تتمكن من الرد.
اجتاحتها المرارة مرة اخرى.. ورمت لفافة الكتب التي جلبها جوك الى الارض.. انها لا تريد شيئا منه, بما في ذلك الشفقة او التفهم اوالمساعدة. بل هي تفضل البقاء سجينة الى الابد بدلا من ان يشتري لها حريتها!
اطلت الشمس عليها من نافذة زنزاتها الصغيرة, فانارت الطاولة والكرسي الذي سارعت الى ضربه بقدمها غاضبة ورمته فوق الكتب.. انحنت لتعيد الكرسي ولتلتقط الكتب المغلفة بورق مذهب.
تذكرت قمر الليل عن غير توقع منها قبة المعبد الذهبية, وهو المعبد الذي زارته في اول يوم استخدمت فيه الكاميرا, ثم تذكرت اخر مرة استخدمتها فيها في فندق كيزون انترناشيونال.. عندما كانت تتمشى في الحديقة , وكادت تجد نفسها وجها امام كوني.. ملست الورقة المذهبة بكابة.. كانت كوني تحمل لفافة مذهبة مثلها.. كبيرة, مربعة, وكانها اطار لصورة.
اطار لصورة..
خطرت على بالها فكرة مجنونة خيالية سرعان ما صرفتها من تفكيرها .. من الجنون التفكير هكذا.لكن..اكان جنونا ام لا.. رفضت الفكرة التنحي, واحست بدافع غريب الى مقاومتها, ولكنها علمت ان عليها التفكير مليا, اما لاثباتها واما لصرف النظر عنها نهائيا.
عبست ليليان مفكرة : لن يثق جوك باحد في مثل هذا. لذلك, لا يمكن ان تكون كوني متوطة.. الرزمتان متشابهتان, ولكن تشابههما لا يعني شيئا في بلد يكثر فيه هذا النوع من الورق!
خطرت لها فكرة مجنونة اخرى.. لنفترض ان كوني متورطة وان جوك لا يعرف شيئا؟
لا..لا بد ان غيرتها من كوني هي التي تدفعها الى اساءة الظن بالفتاة..او ان تفكيرها المنطقي هو ما قادها الى هذا التفكير؟
انه الواقع المنطقي.. واقع وجود رزمة مربعة ملفوفة بورق مذهب, تماثل في الحجم والشكل اطار الصورة.. وقد يكون هذا كله من عمل ذراع الصدف الطويلة..غير ان هذا الاحتمال يقود الى سؤال يحتاج الى رد: هل جوك بريء؟
ماذا لو اعطته الفتاة الصورة هدية ثم اتى شخص اخر خبا المخدرات فيها.. وربما هذا ماجعل رجال الجمارك يبحثون عن المخدرات, لان شخصا ما ابلغهم بوجودها, بقصد الاساءة الى اسم جوك. الدافع لا يحتاج الى تفكير… ان تدمير اسمه يعني تدمير المفاوضات.

راجعت قمر الليل بحذر في ذهنها كل ما قاله جوك .. ثم اجبرت نفسها على العودة الى حديثهما قبل سفره.. ان تذكر الاحداث لامر صعب الا ان ما تذكرته كان كافيا لاقناعها تقترب من الحل.
اتهمها جوك بانها تحمي شخصا..فان كان بريئا, فهذا يعني انه يشير الى اخيها تود.. كان جوك في الردهة عندما اعطاها تود بعض المشتريات لتحملها معها الى اميركا.اذن جوك افترض ان احد هذه المشتريات هو اطار الصورة, ولكنه عندما التقى بتود في اميركا علم انه بريء, فتساءل من هو الذي تحميه.
ما اغباها لانها لم تدرك هذا كله عندما سالها بغضب هذا السؤال بالذات. كان يحاول ابلاغها ان تود بريء, ويحاول معرفة من اعطاها الصورة اصلا!
جعلها هذا التفكير تواجه الحل الوحيد..شخص ما دس الاطار في اغراض جوك.. هاهي الشكوك جميعها تدل على كوني ماولنغ!
انما لماذا ترغب كوني في تدمير سمعة جوك؟ اجبرت نفسها على الهدوء حتى تتوصل الى الحقيقة.
حاولت ليليان لما بدا لها وقتا ابديا ان تتفهم الوضع غير المعقول .. هي واثقة الان من ان جوك بريء, وبان شخصا ما يريد اظهاره بمظهر المذنب, وهي مقتنعة كذلك بان هذا الشخص هو كوني..
لكن كيف لهذه الملخوقة الرقيقة التي لم تعان عائلتها من رياح الحرمان منذ اجيال طويلة, ان تكون قومية متطرفة؟.. الفكرة سخيفة .. مع ذلك.. للقوميين مبادئهم التي قد تروق للكثير من الناس مهما اختلفت مستوياتهم. فان كانت هذه المبادىء اجتذبت كوني , فستكون المبرر لعملها.. ومااشد ما كان عملها ماكرا!
لكن الاثارة التي شعرت بها بسبب ما اكتشفت سرعان ما خبت. نعم ما توصلت اليه منطقي وسليم, انما كيف السبيل الى اثباته؟
صرخت قمر الليل صرخة انتصار, ثم هبت واقفة على قدميها, فقد تذكرت حفلة الجنرال.. لقد شاهدت كوني تاخذ الرزمة الذهبية من رجل في الوقت الذي كانت فيه تلتقط صورة الفندق الاثري..ترى هل التقطت صورة كوني ايضا؟ اتكون الرزمة ظاهرة في الصورة؟ ان الصورة في الكاميرا التي مازال الفيلم فيها ..عندما تشاهد مافيه فستمكن من اتخاذ قرار بشان الخطوة التالية، انما يجب اولا استعادة الكاميرا من منزل السيدة بارف حيث تركتها.
اسرعت الى الباب, واخذت تضربه وتصبح.. ظلت على هذه الحال حتى سمعت وقع اقدام تقترب ثم اعقبها صوت المفتاح في القفل , وبعده واجهها رجل قاسي الملامح لم تره من قبل.
افترض انها تود الرجوع الى زنزانتها, هز راسه وامسك بذراعها يدفعها الى الممر ، لكنها احتجت :
– اود محادثة السيد هانيز.
كان الرد عليها دفقا من الكلمات باللغة المحلية. لو دخلت الى زنزانتها لضاعت. صاحت مرة اخرى :
– يجب ان اكلم السيد هانيز! الامر هام !
كان لا حتجاجها مجددا رد فعل عكسيا من الحارس , فقد صاح بها, ودفعها الى زنزانتها, لكنها تشبثت بالباب وصاحت :

تبدلت تعابير وجه الحارس من الغضب الى الشك, فتابعت استغلال ترده.
– اريد محادثة المايجور لوك.. مايجور لوك تشوك!
لكن الرجل تهكم غاضبا واقفل الباب عليها, فبدات تضرب عليه.. ساورتها مشاعر مركبة, يزايد الواحد منها على الاخر حتى تلاشت لديها القدرة على التفكير المنطقي.. لن تبقى هنا الى الابد وحيدة.. لا ريب ان شخصا ما سيزورها. يجب ان تستعيد الكاميرا.. انها املها الوحيد الان.
اوقفها صرير الباب مجددا على قدميها. تقدم جسد نحيل صغير نحوها.. فصاحت :
– لوك..! شكرا لله على قدومك ..اردت الاتصال بجوك ، لكنهم لم يسمحوا لي.
امسكها لوك بكتفيها مطمئنا:
– ما الامر ليليان؟
– عرفت من وضع المخدرات في الاطار!
– من وضعها؟
– اجل.. قلت انك واثق من براءتي. انا الان قادرة على اثباتها, اعرف من وضع الاطار في غرفة جوك!
– اذن.. كان جوك ! كنت تهربينها لمصلحته؟
– بالطبع لا.. وجدتها في غرفته ولكنها ليست له .. بل هو لا يعرف بوجودها حتى .. كانت موضوعة هناك للاساءة اليه!
– ولماذا يريد احد الاساءة اليه؟
– لتشويه سمعته وتخريب المحادثات. انت تعرف ماهي الفضيحة التي ستحدث لوضبطت المخدرات بين اغراضه؟
– لكن كيف وصل اليك الاطار؟
– صدفة.. كنت اساعد مندي , الخادم, في توضيب اغراض جوك, فعرضت عليه ان اضعها في حقيبتي بسبب عدم وجود مكان لها في حقائب جوك الذي لم يشاهدها قط.
– وكيف تاكدت من هذا؟ اما كان جوك ليلا حظها؟
– هنا يمكن المكر في المؤامرة كلها. لو راى جوك الصورة, وراى صورة الجنرال وتوقيعه, لظنها هدية منه.
– لكن ..
– انا محقة! انها الصدفة التي جلعتني اخذ الاطار من مندي, والا لكان جوك هو من يحملها.
– اذن كنت تحمينه طوال هذه المدة؟
– لكنه لا يعرف بامر الاطار.. لقد دسته كوني ماولنغ له!
بدا الذهول على لوك :
– كوني..؟ لست جادة!
– لكنني لست في مزاج للمزاح. لقد دست له الاطار في الليلة التي سبقت سفرنا. كانت تتناول العشاء هناك, وكان امامها الوقت الكافي لتدسه حيث تريد بدون ان يراها احد.
– انما هذا غير منطقي..لماذا تفعل شيئا؟ كهذا؟
– لانها من القوميين المتطرفين.
– اتتوقعين ان اصدق قولك. عائلتها من اشد العائلات احتراما هنا.
– لا يهمني ولو كانت الاكثر احتراما في العالم كله! انها كما قلت.
– ابدا.

– لقد شاهدتها بنفسي تاخذه.
ارضتها ثانية رؤية الصدمة على وجهه:
– شاهدتها بنفسي تاخذ الاطار؟ متى كان هذا؟
– ليلة حفلة الجنرال.. كنت التقط بعض الصور في الحديقة عندما رايتها تحدث رجلا.
– رجل! هل شاهدت من هو؟
كان جسده ينتفض كجسدها, وهزت راسها.
– كانا بين الاشجار, لكن كوني تحركت وشاهدت الرجل يعطيها الرزمة, اطار الصورة.
– وماذا لو اعطاها احد رزمة.. هذا لا يثبت شيئا؟
– كانت تشبه تلك التي وجدتها على سرير جوك.
– ستكون كلمتك ضد كلمتها.
– ليست مجرد كلمة ضد كلمة.. لدي الدليل, صورة لها في الكاميرا.
– صورة في الظلام.. بالله عليك ..لا تعلقي امالك على هذا! مع ذلك فلوحصلت على الصورة , فكيف تثبتين انها رزمة ذهبية؟
– ساظهرالفليم, وستراها بنفسك.. يجب ان تساعدني لوك.. انها فرصتي الوحيدة لاثبات براءتي وبراءة جوك.
تنهد *****:
– اكره ان اراك تبنين امالا على شيء واه .. اين هي الكاميرا؟
– في غرفة نومي .. في منزل السيدة بارف .. اتصل بجوك انا واثقة من انه ..
– ساحضرها بنفسي. لدي اجتماع مع الجنرال بعد نصف ساعة .. ساذهب حالما انتهي .. انما ارجوك عزيزتي , لا تكوني واثقة الى هذا الحد.
– بل انا واثقة, انما لااظن ان السيدة بارف موجودة في المنزل لانها مسافرة لبضعة ايام.
– لديها حارس في المنزل, وليس من الصعب الدخول.
– الا يمكنك الذهاب الان؟
– واترك الجنرال منظرا؟ سيقطع راسي!
تلاشت الاثارة ثانية من نفسها, لتتركها مع احساس الفراغ. لكن لماذا؟ ما الذي جعلها ترتجف هكذا؟ الان لوك يشك في ان هناك ما قد يظهر في الصورة؟
استلقت قمر الليل في سريرها مطمئنة لانها توصلت الى تاكيد الشكوك, ولكن اطمئنانها سرعان ما شابه بعض الخوف.
الخوف مماذا؟ الخوف ممن؟
تنهدت قمر الليل.. انها ومندي الوحيدان اللذان رايا ان الرزمة ملفوفة بورق مذهب, وهناك ايضا كوني. ان من يعرف انها ملفوفة بورق مذهب هم ثلاثة.
ثلاثة فقط!
هبت ليليان على قدميها .. هذا هو السر اذن ! هذا هو سر الخوف الذي دار في كيانها وكانه نقار الخشب .. اشخاص ثلاثة فقط يعرفون ان الاطار ملفوف بورق مذهب .. هي , مندي , وكوني ..
مع ذلك فقد قال لوك انها لفافة ذهبية .. ليس مرة واحدة, بل مرتين.
حافظي على هدوئك , وفكري بروية.
راجعت ماحصل في الساعة الاخيرة, محاولة تذكر كل كلمة قبلت.. لكن فكرة واحدة كانت على راس الاولويات.. تزيد من اضطربها, وتجعل الهدوء مستحيلا.. لقد توسلت الى لوك حتى يذهب لاحضار الكاميرا.

انما يجب الا يصل اليها, فان وصل اليها ضاع كل شيء, هي وجوك والمحادثات .. ضاع كل ما قاومت بشدة لانقاذه.
” لن تستطيعي وان حصلت على الصورة ان تثبتي انها ملفوفة بورق ذهبي”.
ازدادت مخاوفها.. لم تعد مجرد فكرة بسيطة , بل اصبحت كالاخطبوط يمد اذرعه ليخنقها لئلا تفضح الحقيقة, حقيقة معرفته بلون اللفافة, لانه شاهدها.. لانه كان الشخص الخفي الذي اعطاها لكوني ماولنغ!
ما اعمى بصيرتها لانها لم تر الحقيقة من قبل.. لا غرابة انه كان مقتنعا ببراءتها.وكيف لا؟ وهو يعرف من المذنب!
لماذا تضيع الوقت في محاولة اقناع الجميع؟ لماذا لا تسعى الى تحرير نفسها.
لم تمهل نفسها مجالا للتفكير اذ لفت ذراعيها على خصرها وراتمت على الارض وهي تصيح متاوهة، ورفست الكرسي الى جانبها ليقع على الارض . لم يحدث شيء..فضاعفت من صراخها واهاتها..سمعت من ورائها المفتاح يدور في القفل، وظهر وجه الحارس، لكنها ظلت تتلوى على الارض حتى دخل رجل اخر. تبادلا النظرات قبل ان يتقدم احدهما ليسال:
– مريضة؟
– الزائدة..
امسكت قمر الليل جنبها تتاوه مرة اخرى, فانحنى الحارس فوقها لحظات ثم تحدث مع زميله الذي سارع الى الابتعاد. اما ليليان, فتابعت صراخها, حتى بعدما حملها الرجل ووضعها بلطف على الاريكة.
– الم سيء؟
هزت قمر الليل راسها بالايجاب, فبدا عليه المزيد من الاهتمام. دخل رجل لم تشاهده ليليان من قبل, وقال لها بانكليزية لا تشوبها شائبة.
– فهمت انك متالمة!
– اظنها الزائدة.. تعرضت لمثل هذه الازمة سابقا. لقد حذرني الطبيب انني عرضة للاصابة بالالم ثانية.
تاوهت من جديد,بصوت مرتفع اكثر.
– من المؤسف انك لم تشعري بها ابكر من هذا, فلا طبيب مناوب هنا الليلة.
وكان هذا افضل خبرتسمعه. كانت الصرخة التي اطلقتها صرخة ارتياح اكثر من صرخة الم, وشهقت:
– الى المستشفى..هناك مستشفى اميركي.
– اخشى ان هذا مستحيل..يجب ان تذهبي الى مستشفى السجن.
والتفت الرجل الى الحارس بكلمه بحدة, ثم قال لها:
– لقد دبرت امر نقلك الى المستشفى.. سنحضر النقالة لنحملك الى السيارة.
ارتفعت معنوياتها ورفرفت كعصفور اطلق من القفص. وسمحت لهم بمقدار ما استطاعت من خنوع بنقلها الى السيارة.. لم يكن هناك داع للقلق, لانه لم يعتقد اي منهم بانها ستهرب, بل كان جل اهتمامهم منصب على نقلها الى المستشفى قبل ان تموت بين ايديهم.

والان كيف ستنفذ الخطة والحارس يجلس فوقها والسيارة تسير بسرعة.. وبسرعة زائدة..وشهقت:
– ابطىء السير ارجوك, الارتجاج يزيد من الالم!
سالهاالحارس:
– الالم سيء؟
– كثيرا.
– اتريدين بعض الثلج؟
رفعت قمر الليل نظرها اليه مدعية الغباء, فقال :
– عملت في الجهاز الطبي في الجيش وهناك شاهدت طبيبا يضع الثلج على خاصرة الرجل .. ساحضر لك الثلج من المطعم, فذلك قد يخفف من حدة الالم.
صاح للسائق حتى يتوقف, ثم قال لها:
– ساعود.. بسرعة.
وقفز من السيارة.
علمت ليليان ان عليها الان ان تتصرف بسرعة. فتاؤهت من جديد حتى يطل عليها السائق:
– ثلج.. احضر لي الثلج بسرعة.
وكان الصرخة كانت مهمازا مدببا, اذ قفز السائق يسعى وراء الحارس.
فتحت ليليان الباب الجانبي ورمت نفسها الى الخارج وهناك انحنت بشكل مضاعف لئلا يراها الحارس او السائق من ابواب المطعم, ثم ركضت نحو جهة الشارع الاخرى.. سارت قليلا حتى وصلت الى المنحى.. ثم بدات تعدو وتعدو وهي لا تلوي على شيء. كان جل اهتمامها منصب على الابتعاد قدر الامكان عن اسريها.

  • لا تلوم ى القدر روايات احلام
السابق
اسئلة 2024
التالي
رائحة الجسم الصدر الكريهة