افضل مواضيع جميلة بالصور

امواج من نار

الملخص

الحب كالامواج لا يمكن ان تخفيه مهما كان القلب عمل واسعا. قادرا على الاحتواء كالبحر الكبير . ففي النهاية لا بد ان يتدفق حار. جارفا كالنار.
هكذا هي قصة شاني التي رفضت ان تكون رهينة طبيب يوناني ارادها زوجة بالقوة. وفي ليلة دخلتها هربت وتوارت عن الانظار. غادرت بريطانيا الى قبرص حيث قابلت براين الفتى الانكليزي الذي لا حد لجاذبيته… لكن الدكتور مانو زوجها اليوناني عاد فظهر بعد خمس سنوات في المستشفى حيث كانت تعمل… ماذا تفعل الان؟ على اي صدر تتكىء ولا احد حولها يعرف انها متزوجة!!!
1- في المستشفى

جاءت مكالمة هاتفية لشاني, وقبل ان تتاح لها الفرصة للرد دخلت الاخت غلوفر الى الغرفة وهمست:
-” الرئيسة تريد ان تراك”.
-” الان؟”.
وتحدثت شاني الى براين واعدة ان تتصل به بعد دقائق.
-” هل ستقرع اجراس الزفاف قريبا؟”.
ولاحت تقطيبة على جفن شاني وقالت:
-” ما حان الوقت بعد يا جيني”.
-” لكنك ستتزوجينه؟”.
-” لم يطلب مني الزواج حتى الان ولكن…”.
وظهرت الابتسامة على وجه شاني مرة اخرى واكملت عبارتها بنبرة الثقة:
-” بالطبع ساتزوجه”.
ورمقت جيني صديقتها بفضول . ولاحظت التغيير في لون وجهها , ثم واصلت كلامها قائلة:
-” اهذا لانك لا تستطيعين تحمل فكرة رحيلك عن هذا المكان؟”.
-” ينبغي ان اعترف بان الفكرة تضايقني”؟
اعترفت شاني بذلك وهي تتمسك بالسؤال الثاني كوسيلة لتجنب الرد على السؤال الاول.
المستشفى تطل على خليج لوتراس ولانها اكبر المستشفيات في قبرص, واكثرها كفاءة, كان المستوطنون البريطانيون يفضلونها على سواها كما تمكنت ممرضة او اكثر من الممرضات الانكليزيات الحصول على عمل فيها , وكانت رئيسة الممرضات انكليزية ايضا , كذلك اثنان من الاطباء.
عفوا لايمكن عرض الرابط الا بعد التسجيل

القت الرئيسة نظرة على شاني وابتسمت لها وقالت:
-” تفضلي”.
ونهضت الرئيسة واغلقت احد مصاريع النافذة , فحرارة الشمس اصبحت لا تحتمل , ثم اضافت قائلة:
-” ارسلت في طلبك لاخبرك بانك ستنقلين الى غرفة العمليات حسب ارادتك”.
شكرتها شاني , لان العمل في غرفة العمليات كان دائما يجذبها, وعندما جاءت الى مستشفى لوتراس كانت تتمنى ان تعمل مع الدكتور روجرز كبير الاخصائيين في وحدة جراحة الاعصاب, لكن الدكتور روجرز اضطر الان للاعتزال بسبب صحته, واجمع كل من في قسم جراحة الاعصاب على ان المستشار الجديد لن يكون لطيفا مثل الدكتور روجرز مهما كانت شخصيته.
ومضت الرئيسة قائلة:
” الجراح الجديد سيصل بعد ظهر الغد , واريد ان تستعدي لمقابلته فهو غريب الاطوار على ما سمعت , ويحتمل ان يطلب مقابلة اعضاء الفريق الذي يعمل معه حالما يصل”.
وعدت شاني الرئيسة قائلة:
-” سابقى … متى سيكون هنا؟”.
-” بعد نحو ساعة”.
ثم مضت الرئيسة تتحدث عن عملية الانسة فورستر المقبلة التي سيجريها الجراح الجديد.
-” حسبما سمعت عنه فان الدكتور مانو لن يصبر كثيرا على عصبيتها”.
وغاض الدم من وجه شاني وهي تقول:
-” مانو ؟ اندرياس مانو؟”.
-” هل تعرفينه؟”.
نظرت اليها الرئيسة بقلق, اذ كان واضحا ان الاخت ريفز اهتزت اهتزازا شديدا.
-” اعتقدت … اعتقدت ان اسم الجراح الجديد مانوليس”.
-” يبدو انها كانت غلطة, هل تعرفينه؟”.
كررت الرئيسة سؤالها.
-” كان … احد…. زملاء ابي”.
وبذلت شاني جهدا لتستعيد رباطة جاشها ونجحت ظاهريا , لكن خفقات قلبها كانت خارجا عن ارادتها.
-” منذ متى توفي ابوك؟”.
-” منذ خمس سنوات…”.
هل مرت كل هذه المدة الطويلة؟ كم يمضى الوقت سريعا!
-” الدكتور مانو لا يزال يعمل في مستشفى لندن … او على الاقل كان هناك حتى الامس . سيبقى هنا في لوتراس حوالي سنة.”.
وتوقفت الرئيسة عن الكلام, وفي تلك اللحظة رن الهاتف وكان كل ما قالته الرئيسة:
-” لا تنسي ايتها الاخت ان تكوني مستعدة لمقابلته”.
عندما وصلت شاني الى غرفتها شعرت انها ضعيفة. منذ ادركت حقيقة شعورها اتجاه براين ارادت ان تتصل باندرياس , لكنها لم تفكر على الاطلاق في مقابلته.
وهبطت درجات السلم واتصلت ببراين تلفونيا . كان همه ان يؤكد موعد تناولهما العشاء في تلك الامسية.
وبعد اثنتي عشرة ساعة كانا يتناولان العشاء بالقرب من البحر, والهلال يسطع عاكسا نوره على مياه البحر كالقوس الفضي في السماء المتلالئة.
تناولا سمك البوري الطازج المزين بالبطاطا والسلطة, واختتما الوجبة بثمار التين الطازجة والقهوة التركية, ورقصا على انغام البوزوكي قبل ان يتجها الى السلالم المؤدية الى الشاطىء وضع براين ذراعه حول كتفيها كمن يريد امتلاكها , كانت الليلة ساحرة , ولم يكن الوقت اكثر ملائمة منه الان. وبعدما سارا في صمت لحظة او اثنتين , همس براين :
-” اريد ان اطلب منك شيئا يا شاني….. وانا واثق انك تعرفين ما هو؟”.

وكان هذا ما توقعته وما رغبت فيه ايضا , واجابت:
-” اعتقد ذلك…”.
كان صوتها خجولا ومترددا … وشد براين قبضة ذراعه حولها وقربها منه قائلا:
-” انني احبك … احبك يا عزيزتي … اتقبلين الزواج مني؟”
ورفعت عينيها , وقد شعت النسمة الباردة شعره , كم كان جذابا, وكم يحسدها الجميع ! لكن عقلها كان مضطربا وهي تناضل بلا جدوى لتجد الكلمات المناسبة . وتملصت , ثم استدارت وعيناها الجميلتان تبحثان عن مهرب من عينيه, وبصوت خال من الاحساس قالت:
-” انا في الواقع متزوجة”.
وفي فترة الصمت التي اعقبت ذلك بدات تتساءل اذا اخفق في التقاط كلماتها, فقد كانت اقرب الى الهمس .. واخيرا وجد براين صوته لكنه كان متقطعا وفظا وقال:
-” ماذا قلت؟”.
-” انها الحقيقة…. انا … انا متزوجة منذ خمس سنوات”.
-” خمس سنوات ؟ لكنك في الثالثة والعشرين من عمرك فقط الان؟”.
وبخشونة ادارها لتواجهه ثم اضاف:
-” متزوجة ؟ اي هراء هذا!”.
-” ليس هراء… ارغمت على الزواج … بنوع من التهديد”.
ومرة اخرى تخيلت شاني امامها ذلك الرجل الغليظ الاسمر الذي لم يرها الا مرة واحدة ومع ذلك تسلطت عليه رغبة لا يمكن قمعها وقالت:
-“هجرته”.
وسادت فترة صمت اخرى لم تقطعها الا همهمة الامواج وهي تتكسر برقة على الشاطىء . واخيرا قال براين:
-” لا اصدق هذا … وارغموك ؟ وهددوك؟ عم تتحدثين , انك تكذبين!”.
ولكن سرعان ما فقدت نبرة صوته قوتها , اذ كان يعرف انه لا يمكن ان يشك ان شاني تكذب . ثم قال:
-” يا الهي , كيف امكنك ان تضلليني يا شاني ؟ لماذا لم تخبريني من قبل؟”.
ثم اطلقها وابتعدت , وقد اجفلت من نبرة الياس التي شابت صوته وقالت بسرعة:
-” سيكون كل شيء على ما يرام يا براين, يمكنني ان احصل على الغاء لهذا الزواج لانني هربت قبل … قبل… هربت قبل ان ياخذ وجهي”.
وتالق امله لكنه ظل حائرا , وفي هذه اللحظة اكتفى بسؤالها بلهجة اللوم:
-” لماذا لم تخبريني ؟ منذ اسابيع عرفت مدى شعوري نحوك!”.
ونفت برقة:
-” ليس منذ اسابيع , كان تخميني منذ اسبوعين بالضبط”.
قاطعها بغضب:
-” نحن نخرج معا منذ ثلاثة اشهر ….. ثلاثة اشهر!”.
-” كان لقاؤنا تلبية لدعوتك اياي للعشاء من وقت لاخر”.
-” وفي الحفل الذي اقامته الاخت سمولمان ادركت انك تفكر في اكثر من اي واحدة اخرى”.
قبل ان بدا يخرج معها , كان براين دافيز الشاب الوسيم الضابط في السلاح الجوي الملكي البريطاني بالفرقة الموجودة قرب ليماسول مشهورا بمغازلته للفتيات . واضافت بسرعة اذ بدا متوترا:
-” اقصد انه منذ اسبوعين فقط بدات اعتقد انك جاد… وانك ستطلب مني الزواج , وحينئذ قررت ان اكتب الى اندرياس اطلب منه فسخ الزواج”.
واجابها مشتت الفكر:
-” اندرياس ؟ اليس انكليزيا؟”.
كانا يسيران على طول الشاطىء , ثم اتجها بطريقة تلقائية الى جدار منخفض وجلسا, واضاف:
-“لا يمكن ان يكون يونانيا , بالتاكيد؟”.
-” زوجي هو اندرياس مانو , جراح الدماغ”.
-” اندرياس مانو؟ سمعت عنه , فقد اجرى جراحات عديدة كانت بمثابة الامل . اليس صحيحا؟”.

واومات بالايجاب:
-” كان ابي كما اخبرتك طبيبا, وكان اندرياس يعمل في المستشفى نفسه”.
وتوقفت عن الكلام ثم اضافت بصعوبة كبيرة:
-” انه .. اندرياس اخصائي الدماغ الجديد في مستشفى لوتراس”.
واعقب ذلك صمت يشوبه الذهول , ولم يبد براين عاجزا عن الكلام فحسن, ولكنه بدا عاجزا عن فهم هذا الجزء الاخير من الانباء , وحاولت شاني ان تتكلم لتضع حدا للصمت المخيف لكنها لم تستطع , واخيرا قال براين , بنبرات خشنة جعلتها تجفل:
-” زوجك… قادم الى هنا! يا االهي , يا له من موقف معقد!”.
كانت تحتاج الى التعاطف , الى الفهم , الى كلمة رقيقة تعيد اليها الثقة والامل , ولكنها لم تلق منه الا غضبا شديدا, ونظرة لا يمكن وصفها الا انها مهلكة.
-” براين…”.
-” من الافضل لي ان اخبرك بالقصة كلها”.
-” من الافضل ان تفعلي”.
عند لقائها ببراين لم يكن زواجها يبدو شيئا هاما , فلم تكن ترى ان هناك اية عقبة في طريق فسخ الزواج بسرعة, وسيفهم براين الموقف وسينتظر في صبر حتى تحصل عليه, ولكن الان لم تعد شاني واثقة على الاطلاق من ذلك؟
-” على الاقل انت مدينة لي بذلك , لانك خدعتيني”.
-” لا , لا, لا تقل هذا . تلك الحادثة في حياتي مسالة تخصني وحدي , وكانت السبب في تركي انكلترا حتى ابدا حياتي من جديد, وكان هذا طبيعيا , ومنذ البداية احتفظت باسمي الخاص , اعني منذ اللحظة التي هجرته فيها, والواقع انني لم استخدم اسمه ولا مرة واحدة”.
ونظرت اليه في توسل لكنه ادار وجهه ولم تر الا التقاطيع القاسية لجانب وجهه وفمه المقطب ثم قالت:
-” لا يمكنك ان تلومني لانني لم اخبرك حتى اصبحت واثقة من حبك”.
-” حسنا … وبما انك اصبحت واثقة فلتعرفي الحقيقة، انني احبك واريد ان اتزوجك , فلا تحجبي عني اي شيء لو سمحت”.
ولم يكن هذا هو الموقف الذي توقعته على الاطلاق, لم تتلق دليلا على الحنان , ولا تصريحا مخلصا بانها لا تلام . كانت شاني خائفة من فقدان براين في هذا الوقت.
-“بدا كل شيء عندما توفيت امي , فقد لجا ابي الى الشراب.
كان الاسلوب الهادىء الخالي من الانفعال الذي بدات به سرد قصتها مثار دهشة شاني , لكنها لم تبد وكانها تروي القصة على الاطلاق , بل كانها تعيشها مرة اخرى.
ظهر في افق حياتهم ذات يوم من ايام سبتمبر / ايلول المشمسة الجميلة ذلك اليوناني الداكن الشرير الذي يتطاير الشرر من عينيه .. ولم تكن شاني تتوقع, وهي تراقب اقترابه منها , شيئا عن الانقلاب الذي سيحدثه اندرياس مانو في حياتها كلها.
كانا في الحديقة يتناولان الشاي, شخصان عاديان يعيشان حياتهما الهادئة الخالية من اية احداث كبيرة, ابوها الدكتور ريفز البدين الشائب , ظهره مصاب بانحناءة بسيطة وساقه بها عرج نتيجة حادث اثناء الحرب اذ اخترقت قطعة معدنية جسمه واستقرت بالقرب من عموده الفقري , فقد زوجته منذ سنة واصبح مدمنا على الشراب , مما اثار استياء شاني.
حذرته مرارا, ورغم انه كان يعرف مخاوفها لم يستطع السيطرة على تلك العادة , كانت زوجته مثل شاني ذات شعر باهت, عيناها زرقاوان واسعتان , وحتى النهاية احتفظت ملامحها بالخطوط الدقيقة والثنيات الخلابة التي امتلكت قلبه منذ لقائهما الاول , جاءت شاني شبيهة بامها في كل شيء حتى قوامها الفارع المتكامل رغم انه في حالة شاني, لم يكن مكتملا تماما لانها لم تكن تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها, مع انها اجتذبت عددا من القلوب.

كانت اول من قابل الرجل حين هرع عبر المرج الاخضر , حيث ترك سيارته , وتجهمت بعض الشيء لانه ذكرها بحيوان خطير نشب مخالبه استعدادا لتمزيق ضحيته .
-” اندرياس , كيف جئت الى هنا؟”.
ونهض دكتور ريفز وهو يمد يده شاحب الوجه ازاء التعيير المرتسم على وجه زائره وتساءل :
-” هل هناك شيء ما”.
ورغما عنها نظرت شاني الى السماء , وبدا كان سحابة داكنة حجبت الشمس. تغير الجو بوجود هذا الرجل تغيرا كبيرا , وشعرت شاني بقشعريرة باردة تخترق ببطء عمودها الفقري.
-” اود ان اتحدث معك على انفراد , فورا”.
ولم يلق الرجل اليوناني نظره الى شاني على الاطلاق , واتجه الرجلان نحو البيت تبعتهما شاني بعينيها . كان واضحا ان اليوناني يعاني توترا عنيفا , وجهه داكن غاضب مما ابرز التجاعيد التي امتدت من انفه الى فكه, تلك التجاعيد التي القت مسحة الشر على وجه يحمل بالفعل ملامح القسوة المتمثلة في عينين حادتين وشفتين رفيعتين مزمومتين بقوة.. اندرياس مانو جراح الدماغ البارز الذي ذكره ابوها مرات, لانهما كانا يعملان بالمستشفى نفسه .
واجرى اندرياس اخيرا جراحة اعتبرت حدثا, وابرزتها الصحف في عناوينها الرئيسية , وكان المريض لا يزال في المستشفى وحالته تتحسن بصورة مرضية.
ما الذي يمكن ان يريده رجل مثل اندرياس مانو من ابيها؟ لا بد انها مسالة خطيرة للغاية, لا يمكن ان تنتظر حتى الصباح, او حتى عن طريق الهاتف, ولسبب مبهم تسارعت دقات قلب شاني, وتسللت القشعريرة الباردة عبر عمودها الفقري مرة اخرى ولم تعد تشعر بالراحة, فتركت الشاي واتجهت الى البيت من باب اخر ووقفت بلا خجل خارج الغرفة التي كان اندرياس وابوها يتحدثان فيها.
-” كنت ثملا”.
-” لا يا اندرياس , ينبغي الا تقول انني كنت ثملا”.
-” هل كنت ستصف ذلك الدواء اذا لم تكن ثملا؟”.
-” انني … انني..”.
وعندما تداعى صوت ابيها بذلت شاني جهدا للسيطرة على نفسها, اذ كانت ترغب في الذهاب اليه والوقوف بجانبه , لكن الوقت لم يكن مناسبا.
-” هل مات؟ بعد جراحتك المدهشة؟”.
ووصل صوت اليوناني الى شاني مهددا مثل التقطيبة الحادة التي سبقت الهجوم.
-” لو كان مات يا ريفز كنت انت الذي قتلته , باي حق تصف دواء للمريض؟”.
-” كنت ازور احد المرضى, ولم يكن الرجل قادرا على النوم , ولم تكن انت هناك ولذلك اعطيته الدواء”.
” كانت اوامري ان يستدعوني عندما يحتاجون الي , ولحسن الحظ انني استيقظت وذهبت لالقي نظرة على الرجل, اما انت فكنت ذهبت حينذاك. اعتقد انك كنت ثملا لدرجة انك لم تستطع البقاء”.
وصرخ دكتور ريفز مما افزع الفتاة حتى قفزت من مكانها :
-” لا … لم اكن ثملا … لا تستطيع ان تثبت ذلك”.
-” استطيع … واثبت ان الدواء اعطي بناء على تعليماتك , ولو لم استيقظ لكان المريض قد لقي حتفه”.
وتوقف عن الكلام وبدا لشاني ان غضبه اختلط بالغرور, ولكن مهارته الفائقة كانت تغفر له ذلك – ثم اضاف:
-” كيف سترد على التهمة..؟”.
-” الممرضة… يمكن ان تكون غلطتها”.
وقاطعه اليوناني بزمجرة:
-” ايها الجبان! لكن يجب ان تتاكد من انك انت الذي ستدفع ثمن الغلطة … انك لست مؤهلا لتكون ارواح الناس بين يديك”.
وازدادت رعشة شاني . كان واضحا ان والده اقترف خطا. ويمكن ان تكون العواقب مدمرة, ولا عجب في ان السيد مانو كان غاضبا بشدة, فربما يلقى المريض حتفه كما قال , وقمعت افكارها لانها افزعتها.
وظل الرجلان يتناقشان , احدهما يتهم واللاخر ينفي.

وبينما كانت شاني تتنصت ساورها الشك في ان اباها يبكي, واندفعت الدموع الى عينيها … كانت معاناته شديدة, وغالبا ما كان يجلس ويستعيد الذكريات بينما كانت شاني تنصت في صبر.
ورغم انه كان يذكر شاني بطريقة عابرة فانه لم يكن معها . كان وحده مع المراة التي احبها , وفي احد الايام ادرك وجود ابنته ونظر اليها وقال:
-” سيجيء رجل ذات يوم رائع ويراك ويدرك انك له”.
ولم تعلق شاني . لم تكن تؤمن بان الحب من اول نظرة يمكن ان يحدث كثيرا, واخيرا قالت وهي تمنحه ابتسامة رقيقة:
-” لا اريد ان اتزوج الا بعد مرور فترة طويلة , فان مستقبلي ما زال في بدايته “.
-” اجل اعرف , وهو المستقبل الذي كنت اريد ان تختاريه , لكن لا تصبحي متفانية فيه الى درجة ان يفوتك قطار الزواج الرائع”.
-” ان ما اشعر به في الوقت الحالي هو انني اريد قضاء عدة سنوات في التمريض , فالزواج لا يروق لي”.
وتجهم والدها اولا , لكنه عاد وابتسم بفتور وهو يقول انه عندما ياتي الرجل المناسب ويحبها من اول نظرة فانها لن تقوى على مقاومته.
وعادت شاني الى الحاضر برعشة عنيفة عندما ادركت ان الاصوات توقفت , وان اليوناني يسير نحو الباب واسرعت بغية الوصول الى كرسيها في الحديقة, ولكن لحظة وصلت الى الباب الخارجي كادت تسقط بين ذراعي الغريب الطويل وهو يسرع الخطى خارجا من المنزل في غضب عارم.
وجفلت من الم قبضته على ذراعيها , وزفرت قائلة:
-” اسفة”.
جعلها التصادم تلهث قليلا, وعندما رفعت راسها لفحت انفاسها وجهه , ناعمة دافئة , وعيناها الجافلتان اللتان تحدقان في عينيه اصبح لونهما بلون سماء الشرق عند الظهيرة. وفي علو لا يصدق نظر اليها وعيناه الداكنتان تشعان ببريق ناعم من الدهشة وعدم التصديق.
-” لا بد انك شاني؟”.
وغمغمت قائلة:
-” اجل, انا شاني”.
-” شاني ! يا للفتنة!”.
نطق اسمها بنبرة تاكيد , ولم تكن تدري هل يقصد الاسم ام الفتاة لان القسوة عادت الى وجهه عندما ظهر ابوها من الغرفة المجاورة.
-” اندرياس , بحق الله, اليس هناك شيء استطيع ان افعله حتى تغير رايك؟ انني لم اذق الشراب الا بعد وفاة زوجتي عندما شعرت بانني محطم تماما”.
وتلاشى صوته عندما راى المنظر الذي امامه .
-” شاني, ماذا تفعلين؟”.
واحمر وجهها بشدة وثنت جسمها قليلا لتحرر نفسها عندما خف الضغط على ذراعيها وقالت:
-” اصطدمت بالسيد مانو”.
وتوسل ابوها.
-” انت ادمي بالتاكيد ؟ لن تبلغ عني”.
-” ادمي؟”.
وظل اندرياس يركز عينيه على وجه شاني وكانه لن يحولهما عنها اطلاقا , وظهر اغرب تغير في نبرة صوته وهو يغمغم وكانه يحدث نفسه:
-” اجل , انني ادمي”.
واضافت شاني وهي تعترف:
” سمعت عفوا كثيرا مما قلته لابي , وما قاله الان صحيح فهو لم يذق الشراب اطلاقا حتى عام مضى , عندما توفيت امي”.
وكانت لا تزال تقف قريبة جدا من اندرياس , وعندما رفعت عينيها المليئتين بعبارات التوسل الى عينيه لم تكن تدري الى اي حد اصبح يرغب فيها, بطريقته هو:
-” ارجوك ان تلزم الصمت يا سيد مانو, فهو لن يشرب ثانية على الاطلاق”.
وقال دكتور ريفز بحماسة:
-“اقسم على ذلك ! اعطني فرصة , اتوسل اليك , لا تبلغ عني”.

كان اندرياس مشغولا بالمنظر الذي امامه , ورغم ارتباك شاني من شدة تحديقه فيها , دققت في وجهه , عن عمد, وهي تشعر بالدهشة لان الانطباع الاول بقسوة ملامحه بدا يتلاشى بعض الشيء.. هل ينوي حقيقة ان يفضح اباها , ام ان الاحتمال الاكبر انه يقصد اخافته , كان واضحا انه نجح في ذلك, وبدا يخالج شاني احساس بالامتنان عندما تسبب اليوناني الاسمر في ارتباكها وهو يقول:
-” سالتني للتو ما يمكنك ان تفعل يا ريفز, يمكتك ان تعطيني ابنتك”.
وغرد طير على الشجرة المنعزلة عند نهاية الحديقة. وكان هذا هو الصوت الوحيد واخذ كل واحد من الثلاثة ينظر الى الاخر , كانت السحب تكاثفت وحجبت الشمس تماما , ونظرت شاني الى فوق وهي متجهمة:
-” لا اعتقد انني افهمك”.
اخيرا تكلم الطبيب واخذ لسانه يلعق شفتيه اللتين اصبحتا شاحبتين:
-” اريد الزواج من ابنتك , ليس هناك شيء غير عادي في ذلك”.
وقال الطبيب بعد لحظة توقف :
” اندرياس . قد يكون المتبع في بلادكم ان يختار الرجل فتاة ويعرض الزواج منها , لكنك لست في اليونان الان”.
وابتسم اندرياس وهو يلقي نظرة في اتجاهه قائلا:
-” انا يوناني مع ذلك, ومن الطبيعي ان ادير شؤوني وفقا لعاداتي , ساخذ شاني منك , واعدك بانها ستلقى مني كل راعية و … اعتبار”.
وهز الرجل الاكبر سنا راسه وقد اصابه الدوار , اما شاني فشعرت بغشاوة غطت عينيها وتعجبت من التردد الذي سبق نطقه بكلمة اعتبار.
وقال ابوها:
-” في البلد لا نعطي فتياتنا … ان شاني ستقع في الحب يوما ما, وسيكون زوجها رجلا اختارته بمحض رغبتها, لان مستقبلها بين يديها تماما”.
-” ومستقبلك بين يدي!”.
تحدث بنعومة بالغة ولكنه ذكر شاني مرة اخرى بحيوان شبيه بالنمر مستعد لان ينقض على فريسته , وابيض وجه ابيها عندما اتضح له المغزى الكامل لكلمات زميله.
” انا لا استطيع ان اصدق انك كنت جادا عندما طلبت الزواج من شاني”.
قال هذا بضعف وهو يمد يديه, وفهمت شاني المعنى الذي يقصده وهي تلاحظ التجاعيد الحادة التي اضافت في الحال سنوات عديدة الى عمره, وادركت شاني وهي ترتعش ان اباها يعرف ان اليوناني الضخم كان جادا في عرضه , واثبتت كلمات اندرياس التالية صحة استنتاجاتها.
-” انا لا اضيع وقتي في قول اشياء لا اقصدها . ارغب في الزواج من ابنتك , واطلب يدها منك”.
ولم يرد الطبيب واضاف اندرياس في هدوء , ولكن كلماته كانت تحمل تهديدا خسيسا:
-” ابنتك مقابل سكوتي”.
وبعدها ظلت شاني تتخذ موقف المتفرج , تحدثت اخيرا وهي ترفع ذقنها في اباء:
-” ذكرتنا للتو بانك يوناني, وانك تتولى شؤونك طبقا للعادات السائدة في بلدك, ولكن ابي ذكر انك لست في اليونان الان , هذه انكلترا , وتقاليدك تبدو مضحكة في نظر الانسان الغربي”.
ولم تكن تقصد الاستخفاف به , لكن شاني لسوء الحظ , لم تعرف كيف تختار عباراتها , واقترب حاجبا اليوناني المستقيمان الاسودان بعضهما من بعض بطريقة تنذر بالشر وهو يقول في نبراته المالوفة الناعمة التي تحمل في طياتها لهجة التهديد:
-” هل يمكنني القول ان غطرستك تبدو لي مضحكة , في ظل الملابسات القائمة , تلحظين ان اباك في موقف خطر للغاية, ومستقبله وسمعته الطيبة بين يدي تماما , وطبقا لما قررته فانه اما يحتفظ بمركزه واحترام مرضاه واصدقائة , واما ان يتقاعد في اعتزال شائن”.

وصرخت وهي تشعر بالندم لما ابدته من غطرسة:
-” عمله هو حياته … لا يمكنك ان تبلغ عنه”.
وبلا وعي عصرت يديها بطريق مخبولة, واتضح تماما انهما اصبحا في قبضة الرجل … ليته لم يرها … لكنهه راها .
-” لا يمكنك ان تفعل هذا ! وعي ابي درسه من دون ان يقع ضرر خطير , ارجوك ان تدع هذا الامر يمر , لن يمس ابي الشراب مرة اخرى”.
واعلن الدكتور ريفز :
-” ساقدم عهدا مقدسا على ذلك”.
وكان صوته متوترا , واعتقدت شاني انه سيمس وترا رقيقا في هيكل هذا الرجل , ولكن كانت هناك رغبة جامحة تتملكه ختى اختفت اية شهامة لديه, ووجه حديثه الى دكتور ريفز متجاهلا شاني تماما , وقال:
-” اوضحت شروطي , وعليك ان تختار : اما ابنتك واما التشهير بك , تستطيع ان تخبرني بقرارك غدا “.
وكان على وشك ان يسير خارجا عندما اوقفه صوت دكتور ريفز :
-” يمكنني ان اخبرك بقراري الان … اذهب وبلغ عني “.
-” ابي ! لا ! “.
واقتربت منه شاني شاحبة الوجه , ووضعت يدها على ذراعه وهي تحاول ان تسري عنه واضافت :
-” لا يمكنك ان تقرر بدون ان تفكر مليا في النتائج “.
-” فكرت فيها مليا”.
-” انتظر حتى الغد يا عزيزي , لا تستطيع ان تفكر بوضوح في الوقت الحالي “.
ولم تنظر الى الرجل المسؤول عن كل هذه المعاناة , لكنها ادركت ان الحقد الاسود يشتعل في عينيها لاول مرة في حياتها , وقال ابوها بخشونة :
-” اتخذت قراري”.
ثم اشار بيده نحو البوابة في ايماءة بالطرد , ووقف اندرياس في مكانه وهو يراقب شاني وقال بصوت مليء بثقة لا يخطئها احد:
-” سامنحك فرصة حتى الغد”.
وبصورة غير متوقعة وضع اندرياس يديه الداكنيتن القويتين على كتفي شاني , ثم ادارها لتواجهه , ونظر الى عينيها في عمق , ورغم انه لم يكن بامكانه ان يخطىء نظرة الكراهية فيهما راى شيئا اخر ايضا , شيئا كان يتوقع ان يجده , لانه قال وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة النصر :
-” انني اتعجب يا ريفز , اتعجب!”.
وكان حفل الزواج رائعا , فكان لاندرياس اصدقاء من اليونانيين والانكليز , كذلك كان لشاني اصدقاء , وعندما راوا اندرياس لاول مرة في الحفل همسوا جميعا بعلامات تعجب:
-” اين قابلته ؟ انه رائع!”.
-” اظن انه عن طريق ابيها , اندرياس مانو الشهير “.
-” لكن يجب ان تعترفوا ان شاني ( شيء اخر) “.
-” هه … ها هما قادمان … هل رايتم من قبل اثنين من قبل بمثل هذه الروعة ؟ وذلك الثوب … يقولون انه احضره اليها بالطائرة من اليونان , حيث صنعت كل غرزة فيه باليد , وكان خاصا بجدة اندرياس الكبرى”.
-” كل هذه الزخرفة والتطريز …. صنعت باليد؟”.
-” هكذا قالت الصحف , ان النساء اليونانيات يقضين اعمارهن في الحياكة والتطريز”.
-” ذلك العقد , الفصوص من الاحجار الكريمة ! يحتمل ان يكون من ارث الاسرة “.
-” انها تبدو مثل الاميرة , اراهن ان كل رجل في الكنيسة يحسد زوجها !”.
لكن حينما تقدمت شاني نحوهم , واستقرت يدها بجمود على ذراع عريسها , بينما كانت شفتاها مزمومتين وعيناها لا تتحركان , اتخذت التعليقات الهامسة مسارا اخر:
-” عيناها , كم هما حزينتان”.

كانت شاحبة للغاية, ومع ذلك كانت اجمل عروس, وفيما بعد , في حفل الاستقبال , وقفت مع زوجها وهي تتعجب …. ترى هل شعرت اية عروس بمثل ما تشعر به من بؤس وتعاسة. والتقت عينا ابيها بعينيها , وفيهما ايضا استقرت اعمق مشاعر الاسى . لقد اراد ان يتحمل نتائج غلطته ولا يضحي بها , لكن شاني هي التي اتخذت القرار , كان ابوها لا يزال يعاني من فقد زوجته لكنه احب عمله الذي يشغله تماما بحيث لا يجد وقتا للشعور بالاكتئاب ولو فضح ولحق به العار – وهو عار سيؤدي به حتما الى حياة الكسل قهرا – كان بلا شك سيفقد الرغبة في الحياة, وكان هذا اخر ما تريده شاني ولذلك اتخذت قرارا ولم تتزحزح عنه . قررت ان تتزوج اندرياس لكنها ستجعله يندم على اليوم الذي وجه فيه ذلك الانذار النهائي الى ابيها ؟
هذا ما كانت تحدث به نفسها مرارا وتكرارا دون ان تعرف بوضوح كيف ستجعل اندرياس يدفع الثمن , وبينما هي تختلس النظر اليه وهي تقف بجواره عندما كانا يصافحان الضيوف , شعرت بان قلبها مات بين ضلوعها . لن تكون اطلاقا شريكة حياته . ومع ذلك ادركت انها لم تقدم اطلاقا على اي عمل انتقامي بدون ان يقع عقابه على راسها . كان رجلا من الشرق حيث تخضع المراة لارادة الرجل بدون نقاش, ثم الم يقل اندرياس وهو يقدم ( عرضه) بالزواج منها , انه سيدبر شؤونه طبقا لتقاليد بلاده؟
لفترة طويلة وقفت امام منضدة الزينة , تمعن التفكير في احداث الاسبوعين الماضيين : موت والدها الماساوي فور خروجه من حفل الاستقبال الذي اقيم بمناسبة الزواج … هذه الوفاة لم تؤد فقط الى اثارة اعصابها , لكنها ادت ايضا الى زيادة استيائها من زوجها, فلو انه لم يصر على ان يتم الزواج عندما رغب في ذلك , لما تزوجته على الاطلاق .
ومن الطبيعي ان شهر العسل تاجل لان شاني كانت تعاني من حزن عميق , لكن بعد مرور اسبوعين نفذ صبر زوجها واخذ يلح عليها الحاحا فسرته بانه رغبة لا يستطيع السيطرة عليها مما اثار استياءها .
-” سنسافر لبضعة ايام “.
قال لها ذلك ورغم انها كانت تدرك ان توسلها لن يجدي طلبت منه مزيدا من الوقت , ورفض بحزم , ولم يتاثر بدموعها , وقال :
-” ستشعرين بتحسن اثر التغيير “.
وصرخت قائلة وهي تعصر يديها :
-” ربما كنت ساشعر بذلك لو لم اتزوج . الا تستطيع الانتظار فترة قصيرة اخرى؟”.
وعندما تمسك برايه جمعت حاجياتها في خنوع , وصحبته الى ( فولكستون) حيث اقترح ان يقضيا شهر العسل , واختار افضل الفنادق وحجز افخم جناح لهما؟
وعندما راته وهو يرتدي بيجامته ادركت كم من الوقت مر عليها وهي واقفة هناك , وارتفع حاجباه عندما راها , وتقدم نحوها في بطء , ولم تقاوم عندما ضم يديها بين يديه , لكنها كانت شاحبة وخائفة.
وقال مستفسرا بتهكم رقيق :
-” هل تنوين ان تظلي مستيقظة طوال الليل ؟”.
ولم ترد , لكن الدم تصاعد الى وجنتيها الشاحبتين , وربت على خدها وقال:
-” لا تخافي مني يا شاني , لن اؤذيك”.
يؤذيها ؟ الم يؤذها بالفعل الى اقصى حد ممكن ؟ دمر حياتها تماما.
” هلا اعطيتني فسحة من الوقت؟”.

كانت عيناها الجميلتان تتوسلان , ويداها تمتدان في استعطاف ومضت تقول:
-” لا ازال اعاني من صدمة وفاة ابي , وانت … لا تزال غريبا عني!”.
ولم تتلق جوابا على توسلاتها , واعتقدت انها لمست صلابة وخشونة في عينيه اقنعتها بانها تضييع وقتها , ومع ذلك حاولت مرة اخرى.
-” مساء الغد يا اندرياس , ارجوك اجل هذا الى مساء الغد”.
-” الغد؟”.
بدا انه يفكر في ذلك ولكن تعبيراته كانت غامضة , وتعذر عليها ان تقرا افكاره , وبعد فترة وجيزة شعرت بان جسمها انهار عندما هز راسه في حزم وقال :
-” الليلة يا عزيزتي …. ينبغي ان يكون الليلة “.
وادت نبرة صوته الدالة على تصميمه النهائي الى ان ترفع راسها بحدة ثم اضاف :
-“لو بقيت معي الليلة فستبقين معي الى الابد”.
وتجهمت. انه يقول شيئا غريبا ؟ وتصاعد الدم الى وجهها عندما اتض ما يقصده او ما استنتجت انه يقصده . واكتفت بان قالت , وهي تلقي نظرة غير واعية على الباب:
-” اتخشى ان اتركك؟ الان بعدما رحل ابي “.
” يمكنك ان تتركيني يا شاني , وان كنت لا ارغب في ذلك” .
وارتفع راسها الجميل عاليا في الهواء وقالت:
-” رغبت في بمجرد ان رايتني . واستخدمت معرفتك للفوز بي , فتاة رايتها ورغبت فيها على الفور , لكنك ستضطر الان للحياة مع خوف انها ستهجرك , وهو عقاب حقيقي لك”.
وقاطعها قائلا في نبرات رقيقة:
-” انا لم اعرف الخوف اطلاقا في حياتي , قلت انني لا اريد ان تتركيني “.
-” اعتقد ان الزوجة في اليونان لا تجرؤ اطلاقا على ترك زوجها؟”.
-” في اليونان نادرا ما تفكر الزوجة حتى في هجر زوجها “.
واعترف قائلا :
-” ان زوجها هو السيد , اجل . لكن الخضوع؟”.
-” السيادة والخضوع . اي فارق هناك؟”.
ورد قائلا:
-” هناك فارق يا شاني . لانني امقت كلمة الخضوع بشدة بينما السيادة لا تزعجني على الاطلاق”.
-” هل في نيتك ان تسودني؟”.
وتجهم لكنه قال بحزم:
-” سارشدك وانصحك . لن ادعك تقترفين اخطاء , يمكن ان تجعل ايامنا شقاء”.
-” يا لها من رقة بالغة”.
وادت لهجة التهكم في صوتها الى ان يجفل في دهشة, لانها كانت غريبة عن المخلوقة الرقيقة التي عرفها خلال مدة تعارفهما القصيرة, ومضت تقول:
-” ان ما تخبرني به حقيقة هو انك ستفرض قيودا واوامر , وستحد من ارادتي , وتحذرني ايضا من النظر الى اي رجل اخر”.
وظهر على وجهه تعبير شرير عندما ارتدت شفتاه الى الخلف, واصبحت عيناه الداكنتان بطبيعتهما مثل عيون معظم اليونانيين , سوداوان تماما كجمرة الغيرة التي تضطرم في اعماقهما , وخطت شاني خطوة الى الوراء, لكن يده امسكت برسغها وقربتها منه , لم تعرف مثل هذا الخوف من قبل اطلاقا, لم تفكر في ان يكون لها زوج يطلق العنان لرغباته كما يفعل هذا الوحش.
-” رجل اخر! اجل . يا شاني الجميلة. هذا بالضبط ما اعنيه , انظري الى رجل اخر وساقتلك . اتفهمين؟ انك ملكي , زوجتي للابد “.
وفي هذه اللحظة اثرت فيه رقتها والدموع التي دفعها الخوف الى عينيها , واخذت يداه تربتان برفق عليها , وفكرت فيه كجراح يستخدم يديه في خدمة مرضاه, حتى شفتاه ايضا اصبحتا رقيقتين . وعندما ابعدها عنه اخيرا همست وقد راودها الامل في استجابته :
-” مساء الغد!”.
لكنه رفض قائلا:
-” لو بقيت معي الليلة فلن تتركيني اطلاقا, انا واثق من هذا”.
عفوا لايمكن عرض الرابط الا بعد التسجيل

 

السابق
تصميم ملابس داخلية نسائية
التالي
الالوان فى ديكورات البيت وتاثيرها على الحاله النفسيه