انا انزلناة فليلة القدر
اشتملت هذي الايه على تنوية عظيم بالقران فافتتحت بحرف ( ان ) و بالاخبار عنها بالجمله الفعليه ؛
وكلاهما من طرق التاكيد و التقوى .
ويفيد ذلك التقديم قصرا و هو قصر قلب للرد على المشركين الذي نفوا ان يصبح القران منزلا من الله تعالى .
وفى ضمير العظمه و اسناد الانزال الية تشريف عظيم للقران .
وفى التاليان بضمير القران دون الاسم الظاهر ايماء الى انه حاضر فاذهان المسلمين لشده اقبالهم عليه ؛
فكون الضمير دون سبق معاد ايماء الى شهرتة بينهم فيجوز ان يراد فيه القران كله فيصبح فعل ( انزلنا ) مستخدما فابتداء الانزال ; لان الذي انزل فتلك الليلة خمس الايات الاول من سورة العلق ،
ثم فتر الوحى بعدها عاد انزالة منجما و لم يكمل انزال القران الا بعد نيف و عشرين سنه ،
ولكن لما كان كل القران مقررا فعلم الله تعالى مقدارة و انه ينزل على النبيء – صلى الله عليه و سلم – منجما حتي يتم ؛
كان انزالة بانزال الايات الاول منه ; لان ما الحق بالشيء يعد بمنزله اولة ،
فقد قال النبيء – صلى الله عليه و سلم – صلاه فمسجدى ذلك اروع من الف صلاه فيما سواة الحديث ،
فاتفق العلماء على ان الصره فيما الحق بالمسجد النبوى لها هذا الفضل ،
وان الطواف فزيادات المسجد الحرام يصح كلما اتسع المسجد .
ومن تسديد ترتيب المصحف ان و ضعت سورة القدر عقب سورة العلق مع انها اقل عدد ايات من سورة البينه و سور بعدين ؛
كانة اماء الى ان الضمير فانزلناة يعود الى القران الذي ابتدئ نزولة بسورة العلق .
ويجوز ان يصبح الضمير عائدا على المقدار الذي انزل فتلك الليلة و هو [ ص: 457 ] الايات الخمس من سورة العلق ؛
فان جميع جزء من القران يسمي قرانا ،
وعلي كلا الوجهين فالتعبير بالمضى ففعل انزلناة لا مجاز به .
وقيل : اطلق ضمير القران على بعضة مجازا بعلاقه البعضيه .
والايه صريحه فان الايات الاول من القران نزلت ليلا و هو الذي يقتضية حديث بدء الوحى فالصحيحين لقول عائشه به : ” فكان يتحنث فغار حراء الليالي ذوات العدد ” فكان تعبدة ليلا ،
ويظهر ان يصبح الملك ربما نزل عليه اثر فراغة من تعبدة .
واما قول عائشه ” فرجع فيها رسول الله يرجف فؤادة ” ؛
فمعناة انه خرج من غار حراء اثر الفجر بعد انقضاء تلقينة الايات الخمس ،
اذ يصبح نزولها عليه فاخر تلك الليلة و هذا اروع اوقات الليل كما قال تعالى : و المستغفرين بالاسحار .
وليلة القدر : اسم جعلة الله لليلة التي ابتدئ بها نزول القران .
ويظهر ان اول تسميتها بهذا الاسم كان فهذه الايه و لم تكن معروفة عند المسلمين و بذلك يصبح ذكرها بهذا الاسم تشويقا لمعرفتها ; و لذا عقب قوله : و ما ادراك ما ليلة القدر .
والقدر : الذي عرفت الليلة بالاضافه الية هو بمعني الشرف و الفضل كما قال تعالى فسورة الدخان انا انزلناة فليلة مباركه ،
اى : ليلة القدر و الشرف عند الله تعالى مما اعطاها من البركة ؛
فتلك ليلة جعل الله لها شرفا فجعلها مظهرا لما سبق فيه علمة فجعلها مبدا الوحى الى النبيء صلى الله عليه و سلم .
والتعريف فالقدر تعريف الجنس .
ولم يقل : فليلة قدر بالتنكير لانة قصد جعل ذلك المركب بمنزله العلم لتلك الليلة كالعلم بالغلبه ; لان تعريف المضاف الية باللام مع تعريف المضاف بالاضافه اوغل فجعل هذا المركب لقبا لاجتماع تعريفين به .
وقد ثبت ان ابتداء نزول القران كان فشهر رمضان قال تعالى : شهر رمضان الذي انزل به القران هدي للناس و بينات من الهدي و الفرقان .
ولا شك ان المسلمين كانوا يعلمون هذا اذ كان نزول هذي السورة قبل نزول سورة [ ص: 458 ] البقره بسنين ان كانت السورة مكيه او بمدة اقل من هذا ان كانت السورة مدنيه ؛
فليلة القدر المراده هنا كانت فرمضان ،
وتايد هذا بالاخبار الصحيحة من كونها من ليالي رمضان فكل سنه .
واكثر الروايات ان الليلة التي انزل بها القران على النبيء – صلى الله عليه و سلم – كانت ليلة سبعه عشره من رمضان .
وسياتى فتفسير الايات عقب ذلك الكلام فهل ليلة ذات عدد متماثل فجميع الاعوام او تختلف فالسنين ؟
وفى هل تقع فواحده من كل ليالي رمضان او لا تظهر عن العشر الاواخر منه ؟
وهل هي مخصوصه بليلة و تر كما كانت اول مره او لا تختص بذلك ؟
والمقصود من تشريف الليلة التي كان ابتداء انزال القران بها تشريف احدث للقران بتشريف زمان ظهورة ،
تنبيها على انه تعالى اختار لابتداء انزالة و قتا شريفا مباركا ; لان عظم قدر الفعل يقتضى ان يختار لايقاعة فضل الاوقات و الامكنه ؛
فاختيار فضل الاوقات لابتداء انزالة ينبئ عن علو قدرة عند الله تعالى كقوله : لا يمسة الا المطهرون على الوجهين فالمراد من المطهرين .
- هل عرفت ليلة القدر 2017