عندي مشكلة مع امي، فهي تكرهني منذ الصغر، تعبت نفسيا وجسديا، ودائما تشتمني، وتلفق القصص ضدي، وتقلل من قيمتي امام الناس مع العلم اني كنت احبها على الرغم من كل التعذيب النفسي والجسدي…! لكن الان اكرهها؛ لانني تعبت، كلما حاولت ان اتقرب منها تصدني، او تجاملني فترة لاخذ مصلحتها مني، ثم تنقلب علي وكانني عدوة لها! والله لا اذكر مرة اني شعرت انها امي، ولم اشعر بحنان الام اطلاقا، فقط اسمع عنه، واقرؤه في الروايات. والله ان زوجة الاب احن من قلب امي. لا اعلم لماذا هذا الكره؟ لا اعلم! كرهت حياتي بسببها، منذ الصغر وهي تعاملني كالخادمة، بل الخادمة تحن عليها اكثر مني. وتعامل اخوتي احسن مني، بل تحن عليهم وتشتري لهم كل ما يحتاجونه. قسوة امي ربما كانت سبب حب ابي لي. ولكن ابي حنون علي، وعلى اخوتي جميعا، لا يفرق بيننا كامي. لماذا تفعل هذا؟ لا ادري. هل لانني قريبة من والدي؟ لكن هذا طبيعي بما انني البنت الكبرى، فانا قريبة جدا من والدي. واحبه اكثر من اي شيء؛ لانه لم يقصر معي ابدا، بل عوضني عن امي، امي التي لم انطق اسمها ولا مرة! الكل يناديها (يمه) الا انا. اذكر مرة ناديتها فقط لكي استشعر الكلمة، نظرت الي غاضبة، واكملت طريقها كانها لم تسمعني، لا انكر اني -وللاسف- مرت علي مرحلة عندما كبرت واستطعت ان ادافع عن نفسي، رفعت يدي عليها، ولكن والله لم اقصد-وان تكرر الموقف-ولكنها مستفزة، تحب ان تستفزني لتظهر امام الجميع بانها مظلومة. لقد تعبت، وباءت محاولاتي كلها بالفشل لارضاء امي، فكيف ابتعد عنها كيلا ارفع صوتي عليها، او اتجادل معها؟ والله لا اريد ان اكون عاقة؛ ليوفقني الله، ويرضى علي؛ لاني في مرحلة حساسة جدا، ومهمومة. وصلت لمرحلة انني ابكي عندما اتجادل معها وتتشنج يداي، وتصفني بالدلوعة. واخوتي حتى لو اصيبوا بالزكام تخاف عليهم، اما انا فلا. كنت هادئة، ناعمة، رقيقة. اما الان فالكل يصفني بالعصبية، ودائما اصرخ لاتفه الامور. احاول ان اكون هادئة، لكن بيئتي لا تساعد، والسبب امي. سؤالي: هل استطيع الا اكلمها كي ابتعد عن المشاكل ام يعتبر ذلك عقوقا؛ لان الابتعاد بالنسبة لي افضل كي لا اقع في المعصية.
الاجابة
فنسال الله ان يصلح ما بينك وبين امك، وان يوفقك لبرها، ويرزقك عطفها وحنانها، وان يؤلف بين قلوبكما على خير.
فقبل ان ندخل في الجواب، نحب ان نذكر الاخت السائلة باصل مهم تجعله نصب عينيها في تعاملها مع امها؛ الا وهو ان الشارع جعل لكل من الوالدين والاولاد حقوقا على الاخر، وواجبات بالاصالة، لا على سبيل المبادلة او المعاوضة. فمن حقوق البنوة: العدل، والرحمة، وحسن التربية. ومن حقوق الامومة او الابوة: الاحسان، والطاعة، والبر بغض النظر عن حالة اي منهما. فلم يجعل الله اداء احد الجانبين لما عليه من الحق والوجبات، شرطا لاداء الاخر، بل كل منهما حق وواجب مستقل؛ ولذلك لا يحل للبنت ان تقصر في القيام بحقوق الام وواجباتها نحوها مهما قصرت الام في حقوق البنت وواجباتها نحوها، ومهما بلغت الكراهية في قلبها نحوها بسبب السنوات الطويلة من التقصير والاقصاء، بل عليها ان تجاهد نفسها ان تبر امها، وتحسن اليها مهما قوبلت بالاساءة؛ لان حق الام عظيم، وهذا الاصل اصلناه، وبيناه في فتاوى كثيرة سابقة منها الفتاوى ارقام: 138250 ، 21916 ، 67588 ، 8173.
واعلمي انك قد ارتكبت عقوقا من ابلغ العقوق واسوئه برفعك يدك على امك، فهذا من ابشع صور العقوق، ولا يجوز بحال من الاحوال؛ يقول الله تعالى:{ فلا تقل لهما اف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما {الاسراء:23}، فما بالك بالضرب!
اما هل يعتبر ترك الكلام معها من العقوق؟ فهذا بحسب الحال والمقام: فاذا كان يؤذيها، فهو من العقوق، وكذلك اذا ادى ترك الكلام الى القطيعة والهجر، فهذا ايضا من العقوق، كما بيناه في الفتاوى ارقام: 49048 ، 40427 ، 17754 .
وبالمقابل فان كثيرا من المشاكل تنشا عن الكلام الذي لا موجب له، او لم يكن من خير الكلام؛ ولذلك قال جل وعلا : { وقل لعبادي يقولوا التي هي احسن ان الشيطان ينزغ بينهم ان الشيطان كان للانسان عدوا مبينا {الاسراء:53} وقال تعالى: { لا خير في كثير من نجواهم الا من امر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه اجرا عظيما {النساء:114}. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او ليصمت.
وبناء عليه: فعلى الاخت السائلة وزن الكلام قبل التكلم، فما كان من الخير والقول الكريم والكلمة الطيبة فلتقله، ولا ينبغي ان يحملها سوء المعاملة من الوالدة، او كرهها لها على تركه؛ لانه من البر الواجب، ومن اسباب اصلاح ما فسد غالبا؛ لان هذه المشاكل لم تنشا عن الكلمة الطيبة، ولكن عن مقابلة السيئة بسيئة مثلها، والكلمة القاسية بمثلها والتصعيد، وما صحبه من رفع للصوت، واليد، واساءة الادب. وهذا من العقوق المحرم، وحل هذه المشاكل لا يكون بترك القول الكريم، بل بان تتجمل الاخت السائلة بالحلم والصبر، وان تحمل نفسها على مقابلة السيئة بالحسنة، والكلمة القاسية بالطيبة، او الاعراض بحلم، وان لا تزيد على القول الكريم؛ فان ذلك يوقد فتيل الازمة، ويوقظ ذكريات الماضي السيئة. وللوقوف على مجموعة الضوابط الشرعية للحوار مع الوالدين انظري الفتاوى ارقام: 50556 ، 200023 ، 5925 . فان مراعاتها جديرة بان تحميك من الوقوع في العقوق بسبب الحوار.
نعم، اذا بلغت العلاقة من السوء مبلغا لا يحتمل اي كلمة طيبة، او قول كريم، بل لا يزيد ذلك الوضع الا تازما لشدة المقت، والتوتر بينكما، فههنا تكون قد غلبت مفسدة اصل التكلم على مصلحة حسن الكلمة، فينبغي تهدئة الاوضاع وترك الحوار، والسعي في اصلاح ذات البين بكل سبيل، والنظر في اسباب الوصول الى هذه الحالة ومعالجتها بكل حكمة، فاذا سكن ما في النفوس فلا بد من الرجوع الى القول الكريم، والكلمة الطيبة؛ فان هذا من البر الواجب؛ لان درء المفسدة والحالة هذه مقدم على جلب المصلحة.
ولعله مما يعينك على برها وحسن صلتها، ورعايتها، وعلاج العلاقة المتوترة بينكما: الوقوف على خطورة عقوق الوالدة وعظيم حقها عليك؛ فانظري في ذلك الفتاوى ارقام: 32022 ، 39230 ، 78838 ، 99048 ، 121149 ، 160391 .
- اكره ابني
- اكره ابني الغضه