البيع بالكلام
تعريف البيع.
البيع هو مبادلة مال بمال علي سبيل التراضي.
مشروعية البيع:
شرع الله سبحانه البيع لحاجة الناس الي ضرورات الحياة كالطعام والملبس وغير ذلك مما قد لا يستطيع الانسان الحصول عليه الا عن طريق شرائه من غيره، قال تعالي: (واحل الله البيع وحرم الربا)[البقرة: 275] وقال سبحانه: (يا ايها الذين امنوا لا تاكلوا اموالكم بينكم بالباطل الا ان تكون تجارة عن تراض منكم) [النساء: 29].
وسئل رسول الله ( عن اطيب الكسب فقال: “عمل المرء بيده، وكل بيع مبرور”[احمد والبزار]. والبيع المبرور هو الذي لا غش فيه ولا خيانة.
ما يتم به البيع:
يتم البيع باتفاق البائع والمشتري علي السلعة والثمن، فان تم الاتفاق بينهما اصبح للمشتري حق تملك السلعة والتصرف فيها، وللبائع حق تملك ثمن السلعة والتصرف فيه.
ويتم البيع بالكلام، فيتحدث البائع والمشتري الي بعضهما البعض، ويتفقان علي السلعة والثمن.
او يتم البيع بالكتابة اذا كان كل منهما بعيدا عن الاخر او لسبب ما، فيكتب المشتري الي البائع، ويكتب البائع الي المشتري حتى يتم الاتفاق علي السلعة وثمنها.
وقد يتم البيع بالاشارة، بين البائع والمشتري اذا كانا اخرسين، او احدهما اخرس فيتم الاتفاق بينهما بالاشارة، مادامت الاشارة هي وسيلة التفاهم بينهما.
وقد يتم البيع بالمعاطاة كان يقوم البائع بتسليم السلعة الي المشتري، ويقوم المشتري باعطاء الثمن له. وعادة ما يحدث هذا ان كان الشيء المبيع قليلا، ولا يحتاج الي جدال.
شروط البيع: وتنقسم شروط البيع الي:
ا- شروط خاصة بالبيع نفسه:
حيث يشترط في البيع الايجاب والقبول بين المشتري والبائع، او الاتفاق بينهما علي تحديد السلعة وثمنها وقبول كل منهما لهذا التحديد. ولابد ان يتم البيع بالايجاب والقبول.
ويشترط في الايجاب والقبول في الاتفاق:
1- انعقاد الاتفاق، فان اختلف البائع والمشتري لا يسمي ذلك بيعا. كان يقول البائع للمشتري هذا الثوب بعشرة جنيهات. فيقول المشتري سبعة جنيهات. فيرفض البائع وينصرف المشتري.
2- ان يكون البيع والشراء بلفظ الماضي فيقول البائع (بعت)، ويقول المشتري (قبلت) او ما في معني ذلك من الفاظ.
3- ان يتم ذلك في مجلس واحد. فان قال البائع (بعت)، ومشي المشتري دون ان يرد عليه بما يفيد موافقته؛ فلا يعد بيعا.
ب- شروط خاصة بالبائع والمشتري:
فيشترط فيهما ما ياتي:
1- الا يكون احدهما مجنونا او سفيها او طفلا صغيرا لا يحسن التصرف الا اذا اجاز وليه او الوصي عليه ذلك؛ كان يشتري الطفل حلوي فيوافق وليه علي شرائه.
اما الطفل المميز للامور فبيعه وشراؤه جائزان، ولكنهما لا ينفذان الا بعد موافقة وليه.
2- الا يكون احدهما مكرها علي البيع او الشراء، فبيع او شراء المكره لا يجوز الا اذا كان الحاكم او الدولة هي التي اكرهته علي البيع من اجل مصلحة عامة، كان تجبر الحكومة الرجل علي ان يبيع ارضا له لتوسعة الطريق مثلا. او ان تجبره علي بيع شيء يملكه ليسدد ما عليه من دين ثم تعوضه عنه.
3- الا يكون احدهما قد غلبه السكر وقت البيع، فبيع السكران لا يجوز.
شروط خاصة بالشيء المبيع:
1- ان يكون ملكا للبائع، والا يكون قد هلك قبل التسلم.
2- ان يحدد ثمنه قبل بيعه، فلا يبيع الرجل لرجل شيئا دون ان يتفقا علي سعره، وان يحدد كذلك وقت سداد الثمن علي حسب اتفاق يتم بينهما؛ كان يتفقا علي ان يدفع المشتري ثمن السلعة في الحال، او ان يتفق المشتري مع البائع علي السداد في وقت مؤجل.
وتحديد السعر يرجع الي اتفاق بين البائع والمشتري،اما ما يسمي بالتسعير حيث يقوم الحاكم او من ينوب عنه بتحديد اسعار بعض السلع فغير جائز، فقد روي ان الناس قالوا لرسول الله ( يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا. فقال رسول الله (: “ان الله هو المسعر، القابض الباسط الرازق، واني لارجو ان القي الله وليس احد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال”[ابو داود والترمذي وابن ماجة]. لكن ان وجد الحاكم او من ينوب عنه ان التجار رفعوا الاسعار بما يضر بالناس؛ جاز له تحديد السعر.
3- ان يكون الشيء المبيع طاهرا، فلا يجوز بيع الشيء النجس او المحرم كالخنزير والميتة والخمر واللبن اذا وقعت فيه نجاسة، واجاز بعض الفقهاء بيع النجس ان كانت فيه منفعة لغير الاكل والشرب، فيجوز بيع الارواث والازبال النجسة التي تدعو الضرورة الي استعمالها في البساتين، وينتفع بها وقودا وسمادا. ويجوز بيع الزيت ليضاء به المصباح او لتطلي به السفن، وبيع الكلب للصيد والحراسة، فقد روي عن جابر -رضي الله عنه- ان رسول الله ( نهي عن ثمن الكلب الا كلب صيد [النسائي].
4- ان يكون الشيء المبيع مما يجوز ان ينتفع به الانسان، كالطعام والثياب.
5- ان يكون الشيء المبيع مما يمكن تسليمه، فلا يبيع الصياد سمكا لم يصده بعد، او يبيع الرجل طيرا في الهواء. لقوله (: “لا تبع ما ليس عندك”[ابو داود والترمذي].
6- ان تكون السلعة معلومة للمشتري علما تاما سواء اكان ذلك بمشاهدة المشتري السلعة ام بوصفها له وصفا دقيقا ان كانت السلعة غائبة عن مجلس البيع.
فان كانت السلعة غائبة عن مجلس البيع ووصفها البائع للمشتري، وكانت موافقة للوصف اخذها المشتري، اما اذا خالفت الوصف جاز للمشتري ان يرجع في الشراء.
فاذا توفرت الشروط السابقة كان البيع صحيحا، ولا يجوز للبائع او المشتري الرجوع في البيع، الا ان يكون لهما او لاحدهما حق الخيار، او اراد احدهما الرجوع، لظروف معينة، وقبل الاخر منه ذلك.
الخيار في البيع:
الخيار يعني الحرية في امضاء العقد او فسخه.
والخيار انواع، وهي:
خيار المجلس:
حيث يكون لكل من البائع والمشتري الرجوع في البيع ان كانا لم يغادرا مجلس البيع بعد، قال (: “البيعان بالخيار مالم يتفرقا”[الجماعة].
خيار الشروط:
وهو ان يشترط احدهما مدة معينة (يومين مثلا) يكون له فيها الحق في انفاذ البيع او فسخه. فقد روي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- ان رسول الله ( قال: “كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا الا بيع الخيار” [البخاري]. (اي: الا اذا اشترط احدهما او كلاهما الخيار مدة معلومة).
خيار العيب:
ويقصد به ان للمشتري الحق في فسخ البيع او امضائه ان اكتشف في السلعة عيبا كتمه عنه البائع ولم يطلعه عليه. اما اذا علم بالعيب قبل الشراء فلا يحق له الرجوع ولا خيار له.
خيار التدليس:
بمعني اذا دلس البائع او خدع المشتري لزيادة ثمن السلعة،كان للمشتري بعد معرفته بهذا الخداع الحق في امضاء العقد او فسخه، فقد قال ( :”لا تصروا الابل والغنم” (اي: لاتتركو لبنهما في ضرعهما لتخدعوا المشتري) فمن ابتاعها (اشتراها) فهو بخير النظرين (باي الرايين) بعد ان يحلبها: ان شاء امسكها، وان سخطها ردها وصاعا من تمر.[متفق عليه].
خيار الغبن:
بمعني اذا باع الرجل ما يساوي عشرة جنيهات بخمسة جنيهات او اذا اشتري الرجل ما يساوي خمسة جنيهات بعشرة جنيهات كان له حق الخيار، بشرط ان يكون جاهلا بثمن السلعة، وان يكون الغبن فاحشا.
واذا هلكت السلعة بسبب من البائع او بسبب من السلعة نفسها قبل ان يتسلمها المشتري، كان للمشتري ان يفسخ البيع وياخذ ماله، فان هلك بعض السلعة وليست كلها؛ كان له ان يفسخ البيع، او ان ياخذ الجزء السليم الذي لم يهلك، وينقص من الثمن بقدر الجزء الهالك، وان كان هلاك السلعة بسبب من المشتري، لم يجز له فسخ البيع، وعليه ان يدفع ثمن السلعة.
ما يجوز عند البيع:
1- الاشهاد علي البيع: فللبائع والمشتري ان يشهدا علي عقد البيع. قال تعالي: (واشهدوا اذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد) [البقرة: 282].
2- السمسرة: فيجوز للبائع او المشتري ان يوسطا رجلا بينهما لتسهيل عملية البيع، فان قال الرجل لغيره. بع لي بكذا. فما كان من ربح فهو لك او بيني وبينك؛ جاز ذلك لقوله ( “المسلمون عند شروطهم” [البخاري].
ما يجب علي البائع:
1- الصدق والامانة: فلا يغش بضاعته، ولا يخفي عيوب سلعته، قال ( :”المسلم اخو المسلم، ولا يحل لمسلم باع من اخيه بيعا وفيه عيب الا بينه له”[ابن ماجه]. وقال:”من غش فليس منا” [مسلم]. وقال (: “البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فان صدقا وبينا؛ بورك لهما في بيعهما، وان كتما وكذبا، محقت (اي ذهبت) بركة بيعهم” [متفق عليه].
2- التنزه عن الحلف بالله كثيرا لترويج السلعة؛ لان كثرة الحلف في البيع يذهب بركته. قال (:”الحلف منفقة للسلعة،ممحقة للربح”[مسلم].
3- السماحة في البيع، والتبسم في وجوه الناس، وعدم الرد علي من يشتمه او يسبه، قال (: “ان الله يحب سمح البيع، سمح الشراء”[الترمذي].
4- توفية الكيل: قال تعالي: (واوفوا الكيل اذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستعيم)[الاسراء: 35].
5- العلم بما يحل بيعه وما يحرم حتى لا يقع في المحرم، وقد كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: لا يبيع في سوقنا الا من تفقه في الدين [الترمذي] 6- عدم الاحتكار: فقد حرم الاسلام الاحتكار لما فيه من جشع، قال (: “المحتكر ملعون”[ابن ماجه].
ولا يعد الرجل محتكرا الا اذا كان ما يحتكره يزيد عن حاجته وحاجة من يعولهم سنة كاملة، وان يكون الرجل قد تعمد بحبسه السلعة انتظار الوقت الذي ترتفع فيه اسعار السلعة ليخرجها الي الناس، فيبيعها بثمن فاحش، وان يكون حبسه للسلعة في وقت احتياج الناس لها. فان كانوا في غير حاجة وحبسها، فلا يعد محتكرا.
7- التصدق من ماله سواء اكانت الصدقة نقودا ام شيئا من بضاعته ليطهر نفسه من الاخطاء التي يقع فيها اثناء عملية البيع من حلف ولغو وغير ذلك، قال ( يوما للتجار بالمدينة المنورة:”يا معشر التجار، ان البيع يحضره اللغو والحلف، فشوبوه بالصدقة”[النسائي وابو داود وابن ماجة والحاكم].
انواع البيع المحرمة:
النوع الاول بيع الغرر: وهو كل بيع احتوي علي جهالة سواء اكانت الجهالة في السلعة ام في ثمنها، ام تضمن مخاطرة من البائع او المشتري، او قام علي المقامرة، كان يبيع رجل دابة شاردة عنه،او كان يبيع الرجل طيرا في الهواء. وهو بيع منهي عنه لما فيه من غش وخداع.
ولبيع الغرر انواع عديدة، منها:
بيع الحصاة: حيث يبيع الرجل ارضا لرجل اخر دون ان يحدد مساحتها، ثم تقذف حصاة علي الارض التي باع منها صاحبها، وحيثما تنزل الحصاة يكون ملكا للمشتري ويكون هو الجزء المبيع، وكان هذا البيع معروفا قبل مجيء الاسلام، فلما جاء الاسلام نهي عنه ولم يجزه، فقد روي عن ابي هريرة -رضي الله عنه- قال: نهي رسول الله ( عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر[الجماعة الا البخاري] ضربة الغواص: حيث يدفع الرجل الي الغواص بعض المال علي ان يكون له ما يخرج به الغواص من البحر في غطسته. وسبب النهي عنه يرجع الي ان الغواص قد لا يخرج من غطسته شيئا، وقد يخرج بشيء اغلي في الثمن مما اخذه من المشتري.
بيع المزابنة: وهو بيع ثمار غير معلومة الوزن او المقدار بثمار معلومة المقدار كبيع ثمار النخل غير معلومة الوزن او الصفة بكيل معلوم من التمر، وكبيع العنب بكيل معلوم من الزبيب، فقد ورد عن ابن عمر -رضي الله عنهما- انه قال: نهي رسول الله ( عن المزابنة [الجماعة].
بيع النتاج: ويقصد به بيع ما تنتجه الماشية قبل ان تنتج، كاللبن او ما في بطونها قبل ان تلده.
بيع الملامسة: ويقصد به بيع ما يلمسه المشتري دون ان يتحقق من انه خال من العيوب.
بيع المحاقلة: ويقصد به بيع حصاد الزرع غير معلوم الكيل او الوزن مقابل طعام معلوم الكيل او الوزن.
بيع المخاضرة: ويقصد به بيع الثمار الخضراء قبل نضجها.
فقد قال رسول الله (:”لا تبيعوا الثمرة حتى يبدو صلاحها”[متفق عليه]. وقال (:”ارايت اذا منع الله الثمرة، بم ياخذ احدكم مال اخيه” [البخاري].
فان بيعت الثمار قبل نضجها بشرط قطعها في الحال؛ جاز البيع لانه في هذه الحالة لا خوف من تلف الثمار.
واذا نضج بعض الثمار جاز؛ بيع الثمار كلها. واذا كانت الثمار او الزرع مما يخرج ثماره اكثر من مرة في الموسم الواحد مثل الموز والورد والقثاء وغير ذلك وظهر صلاح الثمار في المرة الاولي جاز بيع الثمار كلها. ويجوز كذلك بيع القمح في سنبله والبقول في قشرها، والارز والسمسم الي غير ذلك مما تدعو الضرورة اليه.
بيع صوف الحيوان وهو حي غير جائز، فان اخذه صاحبه بقص او حلق او غيره، فباعه،جاز بيعه.
بيع السمن في اللبن، وهو لم يعزل عنه بعد، قال ابن عباس: نهي رسول الله ( ان نبتاع ثمرة حتى تطعم، ولا يباع صوف علي ظهر، ولا لبن في ضرع.[البيهقي والدار قطني].
انواع الغرر الجائز، مثل:
1-ان يبيع الرجل شيئا داخلا في الشيء المبيع بحيث لو تم الفصل بينهما لا يصح البيع كبيع اساس لبناء تبعا للبناء.
2- ان يحتوي الشيء المباع علي جهالة يسيرة عادة ما يتسامح فيه صاحبه، او ان يحتوي علي شيء يصعب تحديده تحديدا دقيقا كبيع الثياب محشوة قطنا، فالقطن هنا غير محدد، ورغم ذلك يصح البيع، لانه لا يعقل ان يقوم الرجل بتقطيع الثياب لاخراج ما فيها من قطن، ثم يحدد تحديدا دقيقا، ثم تعاد الثياب مرة اخري لكي يتم البيع.
3- بيع الجزاف: ويقصد به بيع ما لا يعرف قدره علي التفصيل، فلا يعرف كيله ولا وزنه ولا عدده، فيباع بعد رؤيته علي اساس التخمين بقدره ووزنه من اهل الخبرة في معرفة وزن الاشياء دون استخدام ميزان لذلك، اذا كان الشيء مما يوزن. قال ابن عمر -رضي الله عنه- كانوا يتبايعون الطعام جزافا باعلي السوق، فنهاهم الرسول ( ان يبيعوه حتى ينقلوه [الجماعة] فاقرهم علي بيع الجزاف، والنهي هنا عن بيعه بعد شرائه قبل ان يستلمه المشتري ويستوفيه.
4- بيع ما في رؤيته مشقة او ضرر، كبيع انابيب الاكسجين والادوية وغير ذلك مما لا يفتح الا عند الاستعمال. او كبيع المحاصيل التي ثمارها مدفونة في الارض كاللفت والبطاطس والبطاطا وغيرها.
النوع الثاني من انواع البيوع المحرمة: بيع العربون: وفيه يعطي المشتري للبائع جزءا من الثمن، فان تم البيع اعطاه باقي الثمن، وان لم يتم البيع كان ما اخذه البائع هبة ولا يرده الي صاحبه. فقد ورد ان النبي ( نهي عن بيع العربان (العربون([ابن ماجه].
وقد اجازه بعض الفقهاء وقالوا ان هذا الحديث ضعيف، واستدلوا علي صحة بيع العربون بما روي عن نافع بن عبد الحارث من انه اشتري لعمر بن الخطاب-رضي الله عنه- دار السجن من صفوان بن امية باربعة الاف درهم، فان رضي عمر كان البيع نافذا، وان لم يرض فلصفوان اربعمائة درهم.
النوع الثالث: بيع البخت كان يشتري الرجل شيئا مغلقا ويكون له ما فيه، فقد يجد شيئا اغلي من الثمن الذي دفعه، وقد لا يجد شيئا، وبذلك يضيع ماله سدي بلا فائدة.
النوع الرابع: بيع التلجئة: وفيها يخاف انسان ما علي شيء يملكه من ان ياخذه ظالم يخشاه، فيبيعه لرجل بثمن قليل في الظاهر، فاذا امن الرجل ممن يخشاه وذهب عنه الخوف، اعاده اليه المشتري مرة ثانية، واخذ ما اعطاه له. وهذا البيع اجازه بعض الفقهاء ولم يجزه اخرون.
النوع الخامس: بيع الهازل وهو ان يشتري الرجل او يبيع شيئا قاصدا بذلك الهزل، وليس البيع او الشراء حقيقة.
النوع السادس: بيع المسلم علي بيع اخيه المسلم: وله صورتان: اما الاولي، ففيها بائع ومشتريان، يشتري رجل شيئا ما وقبل ان ياخذه ياتي رجل اخر فيقول للبائع انا اخذه وادفع اكثر مما يدفع هو. قال (:”لا يبع الرجل علي بيع اخيه حتى يبتاع او يذر (يترك السلعة)”[النسائي]. فان ترك المشتري السلعة ولم ياخذها، جاز حينئذ لغيره ان يشتريها. فان كان البائع قد باعها للمشتري، ثم جاء اخر وقال ادفع اكثر فاعطاه البائع السلعة؛ اثم البائع والرجل الذي اراد شراء ما اشتراه غيره. ويكون بيعهما باطل عند بعض الفقهاء، وهو صحيح عند اخرين رغم انهما اثمان.
اما ان عرض البائع سلعته في مزاد علني، فيبيعها لمن يدفع اكثر فلا اثم في ذلك؛ لان البيع لم ينعقد للمشتري الاول. ولا يندرج بيع المزاد تحت تحريم بيع المسلم فوق بيع اخيه. فقد روي ان النبي ( قد باع بساطا واناء لرجل من الانصار يساله صدقة، في مزاد علني فقال (:”من يشتري هذين”. فقال رجل: انا اخذهما بدرهم. قال (:”من يزيد علي درهم؟” مرتين او ثلاثا، فقال رجل: انا اخذهما بدرهمين. فاعطهما اياه واخذ الدرهمين فاعطاهما للانصاري.[ابو داود] الصورة الثانية من بيع المسلم علي بيع اخيه، وفيها ياتي رجل لشراء سلعة ما فيتفاوض مع البائع علي ثمنها فياتي بائع اخر لنفس السلعة فيقول للمشتري: انا اعطيك هذه السلعة بثمن اقل. فهذا بيع حرام، لان البائع يكون قد باع ما خرج عن ملكه بالبيع الاول ففي الحديث (:”من باع بيعا من رجلين فهو للاول منهما”[الترمذي والدرامي].
اما ان ترك المشتري من تلقاء نفسه البائع الاول؛ لان السعر لا يرضيه ثم ذهب الي البائع الثاني واشتري منه بثمن اقل؛ جاز ذلك.
البيع وقت صلاة الجمعة: يبدا وقت تحريم البيع يوم الجمعة من اول الاذان حتى الفراغ من الصلاة، لقوله سبحانه: (يا ايها الذين امنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون)[الجمعة: 9].
وقد ذهب بعض الفقهاء الي عدم اباحة البيع ايضا اذا كان الوقت ضيقا، ولا يكفي الا لاداء الفريضة في غير يوم الجمعة قبل دخول وقت الفريضة التالية.
بيع اليا نصيب: وهو ان يشتري الرجل اوراقا لها رقم مسلسل تبيعها احدي الشركات او الهيئات، ثم يتم سحب الرقم الفائز. فيكسب مبلغا كبيرا، وهذا نوع من المقامرة والميسر، فقد يحصل الرجل مبلغا كبيرا بورقة اشتراها بمبلغ قليل جدا، وقد يحدث العكس كان يشتري انسان عددا كبيرا من هذه الاوراق بمبالغ كبيرة ولا يربح شيئا. وقد قال سبحانه: (يايها الذين امنوا انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) [المائدة].
والمال الذي يكتسبه الانسان بهذه الطريقة مال خبيث وحرام. وسبب تحريم بيع هذه الاوراق انها تعد من البيوع الفاسدة للجهالة بالمبيع. فالذي يشتري اليانصيب لا يدري ماذا سياخذ في مقابله، ولا يدري ان كان سياخذ شيئا ام لا، وهذا عين القمار.
بيع النجش:وهو ان يتواطا او يتفق البائع مع رجل علي انه اذا جاء من يشتري ان يتقدم هو فيعرض في السلعة ثمنا مرتفعا ليغري المشتري، فيقبل شراءها بهذا الثمن او ازيد، وقد روي عن ابن عمر -رضي الله عنهما- ان رسول الله ( نهي عن النجش [متفق عليه].
بيع وشراء المغصوب والمسروق: كان يشتري الانسان من غيره شيئا وهو يعلم انه سارقه او مغتصبه، فوجب الابتعاد عن هذا البيع، وليذهب الي اخر يشتري منه.
بيع الحلال لمن يستعمله في الحرام: كان يبيع الرجل لغيره عنبا وهو يعلم انه سيصنع منه خمرا، فان كان البائع لا يعرف ان المشتري سيستعمله في صنع الخمر، جاز البيع.
اما ان باع الرجل حلالا اختلط بمحرم، فقد قيل يصح البيع في المباح ويبطل في المحرم، وقيل يبطل البيع فيهما.
البيع في المسجد: حرم بعض الفقهاء البيع في المسجد لقوله (:”اذا رايتم من يبيع او يشتري في المسجد فقولوا: لا اربح الله تجارتك” [الترمذي والحاكم]. وقال بعض الفقهاء انه بيع جائز ولكنه مكروه. وقال اخرون يجوز البيع في المسجد ويكره الاتيان بالسلع فيه. اي يحدث الاتفاق دون وجود سلعة.
بيع الماء: بيع ماء البحر او النهر او المطر لا يجوز لقول الرسول (:”المسلمون شركاء في ثلاث: في الكلا والماء والنار”[احمد وابو داود] اما ان جاء الماء بحفر بئر او شراء الة لاستخراج الماء، جاز بيع الماء، علي ان الماء هنا كالحطب، فالحطب مباح اخذه، فان قام انسان بجمع الحطب وباعه جاز له ذلك. وبيع الماء علي هذا الاساس لا يكون الا في الحالات العادية، فان كانت هناك احوال اضطرارية، وجب علي المالك ان يبذل دون ان ياخذ عليه ثمنا، فقد روي ابو هريرة -رضي الله عنه- ان رسول الله ( قال:”ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة. رجل منع ابن السبيل فضل ماء عنده، ورجل حلف علي سلعة بعد العصر -يعني كاذبا-، ورجل بايع اماما ان اعطاه؛ وفي له، وان لم يعطه؛ لم يف له” [متفق عليه].
بيع العينة: وهو ان يبيع الرجل لغيره شيئا بمبلغ من المال يدفعه في وقت مؤجل، ثم يشتري البائع نفسه من المشتري ذاته نفس الشيء بثمن اقل يدفع حالا، وهو بيع محرم وباطل عند جمهور الفقهاء لما فيه من ربا. قال (:”[اذ تبايعتم بالعينة، واخذتم اذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلا، لا ينزعه حتى ترجعوا الي دينكم”[ابو داود].
بيع المكره:يشترط في البيع التراضي، فان اكره احد المتعاقدين علي البيع او الشراء لا يصح البيع، لقوله تعالي: (الا ان تكون تجارة عن تراض منكم)[النساء].
بيع الثمار والزروع قبل ظهور علامات صلاحها: فقد تفسد الثمار او تتعرض لافة من الافات، فتهلك، قال رسول الله (:”لا تبتاعوا الثمار حتى يبدو صلاحها”[مسلم].
وضع الجوائح: والجوائح جمع جائحة، وهي الافة التي تصيب الزروع والثمار فتهلك، وليس للاخرين دخل فيها مثل البرد والحر والعطش.
اذا باع رجل لاخيه ثمارا قبل ان يتم نضجها وصلاحها واصابتها جائحة (اي افة) فاتلفتها كان علي البائع ان يضمنها وليس علي المشتري شيء، وليس للبائع ان ياخذ ثمنها من اخيه او يستحل منه شيئا علي سبيل الاستحباب، لان رسول الله ( امر بوضع الجوائح. وفي حديث اخر عن انس-رضي الله عنه-ان رسول الله ( نهي عن بيع الثمرة حتى تزهي. فقيل لانس: وما تزهي؟ قالوا: تحمر. فقال: “اذا منع الله الثمرة، فبم تستحل مال اخيك؟”[مسلم].
ويتحمل المشتري من التلف الثلث فما دونه، وان كان اكثر من الثلث فيتحمله البائع.
فهذه البيوع المحرمة اذا تم منها بيع فهو بيع فاسد، لانه خالف الشروط التي وضعها الشرع لصحة البيع، ولهذا لا ينعقد، واي ربح يحصل عليه البائع من وراء هذا البيع الفاسد فهو ربح حرام، وعليه فسخ البيع، ورد الثمن الي صاحب السلعة والتصدق بهذا الربح.
بيع الفضولي:
ويقصد به بيع الرجل حاجة غيره دون اذن صاحبها، وهو بيع غير صحيح الا اذا وافق عليه مالك الشيء المبيع. فان لم يقره المالك كان البيع باطلا. فقد روي عن عروة البازقي انه قال: دفع الي رسول الله ( دينارا لاشتري له شاة، فاشتريت له شاتين، بعت احداهما بدينار، وجئت بالشاة والدينار الي النبي ( فذكر ما كان من امره، فقال له ( :”بارك الله لك في صفقة يمينك”[الترمذي] فعروة اشتري شاتين فاصبحا ملكا للرسول (، ثم باع احداهما دون ان يستاذنه في ذلك، فلما رجع الي النبي ( اقره ودعا له، فكان البيع صحيحا.
هذه هي الانواع المحرمة من البيوع، التي يجب علي كل من البائع والمشتري تجنبها حتى لا يقعا في محرم.
وماعدا هذه البيوع فهو جائز ومباح، ومنها علي سبيل المثال لا الحصر:
بيع الوفاء: وهو ان يبيع الرجل عقارا له (بيتا) مثلا الي اخر، علي ان يسترده منه عندما يعطيه ثمن العقار الذي اخذه منه.
بيع الاستصناع: ويقصد به ان يشتري الرجل ما يصنعه الصانع؛ كان يتفق مع صانع احذية مثلا ان ياخذ منه كل ما يصنعه.
بيع السلف او السلم: وهو ان يتفق رجل مع غيره علي شراء شجره او حصاد زرعه بعد ان ينضج الثمر او يصلح الزرع فيدفع له الثمن عاجلا لينفق منه البائع علي زرعه او شجره حتى يتم الصلاح او النضج. وهو بيع مباح لان الضرورة تدعو اليه. وورد ان رسول الله ( قدم المدينة وهم يسلفون في الثمر العام والعامين، فقال لهم: “من سلف في تمر، فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم واجل معلوم”[متفق عليه]. اي ان بيع السلف جائز بشرط ان يتفق البائع والمشتري علي الكيل (مائة كيلو مثلا) وان يحددا موعد استلام المشتري الثمر) هل هو العام القادم او الذي يليه مثلا.
وهذا البيع جائز ايضا في غير الزرع، كبيع الشقق والادوات المنزلية والسيارات وغير ذلك.
البيع بالتقسيط:
يجوز للمسلم ان يشتري ما يريد بثمن معين الي اجل معلوم، فقد اشتري رسول الله ( طعاما من يهودي لنفقة اهله الي اجل، ورهنه درعا من حديد.[البخاري]، وذلك دون زيادة في الثمن.
وبعض الناس يزيدون في الثمن مقابل تاخير دفع الثمن، فقد يشتري شخص ملابسا بخمسة وعشرين جنيها علي ان يدفع ثمنها بعد شهرين، فيزيد البائع عليه خمسة جنيهات في مقابل تاجيل دفع الثمن فهل هذا الزيادة حلال؟.
من الفقهاء من حرم هذا البيع؛ لانه شبيه بالربا، وجمهور الفقهاء علي انه جائز؛ لانه لم يرد نص بالتحريم، والاصل في الاشياء الاباحة، وليس مشابها للربا من جميع الوجوه، والبائع يزيد في السلعة لاسباب يراها.
بيع المضطر:
وهو بيع الرجل شيئا يملكه لضرورة ما، وهو بيع جائز ولكنه مكروه. والاولي ان يقترض المضطر الي ان تتحسن احواله.
ما يستحب للبائع والمشتري:
يستحب لكل منهما قبول الاقالة، بمعني ان الرجل قد يشتري شيئا ثم يبدو له انه غير محتاج اليه، فيريد ان يعيده الي البائع، او ان يبيع الرجل شيئا ثم يكتشف انه في حاجة اليه، فيذهب للمشتري، ليسترده منه ويعطيه نقوده، فقد ورد عن ابي هريرة ان النبي ( قال:”من اقال مسلما؛ اقال الله عثرته”[ابو داود وابن ماجه].
الشروط في البيع:
الشروط في البيع نوعان:ا- نوع صحيح لازم.
ب- نوع مبطل للعقد (للبيع).
فالاول علي اربعة انواع، هي:
1- ما يتطلبه ويقتضيه العقد: كان يشتري شخص شيئا بشرط ان يسلم البائع المبيع او يسلم المشتري الثمن، او ان يحبس البائع المبيع حتى اداء جميع الثمن.
2- ما ورد الشرع بجوازه: مثل جواز الخيار والتاجيل لمدة معلومة لاحد المتعاقدين، لانه ورد عن رسول الله ( انه قال لحبان بن منفذ:”اذا بايعت فقل لاخلابة، لاخداع، ولي الخيار ثلاثة ايام [البخاري وابو داود]. وكذلك لحاجة الناس اليه.
3- ما يلائم ويناسب ما يقتضيه العقد: كان يبيع الرجل سلعة بثمن مؤجل لاجل معلوم علي شرط ان يقدم المشتري رهنا او كفيلا.
ويضمن البائع ان المشتري سيسدد ما عليه.
4- ما جري به العرف ولا يناقض الشرع: كشراء غسالة او ثلاجة او ساعة بشرط ان يضمن البائع اصلاحها لمدة سنة اذا اصابها خلل، ووجه الجواز وجود منفعة لاحد المتعاقدين، وقد تعامل الناس به.
والنوع الثاني من الشروط وهو المبطل للعقد وهو علي ثلاثة انواع:
1- ما يبطل العقد من اصله: كان يشترط احدهما علي صاحبه عقدا اخر، مثل قول البائع للمشتري: ابيعك هذا علي ان تبيعني كذا وتقرضني. وهذا منهي عنه، لقول الرسول ( :”لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع”[رواه الترمذي].
2- ما يصح معه البيع ويبطل الشرط: وهو الشرط المنافي لمقتضى العقد، مثل اشتراط البائع علي المشتري الا يبيع المبيع ولا يهبه، قال رسول الله (:”كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل. ولو كان مائة شرط”[متفق عليه].
3- ما لا يصح معه بيع: مثل ان يقول رجل لاخر: ابيع لك هذا الشيء ان رضي فلان، او ان جئتني بكذا، وكذلك كل بيع معلق علي شرط مستقبل، مثل ان يقول البائع? ابيع لك هذا الشيء اذا حدث كذا.