اولا: حكم التفضيل وعدم التسوية في الهبة والوصية للابناء
ذهب اهل العلم رحمهم الله في ذلك مذاهب:
- التفضيل حرام والتسوية واجبة: احمد واسحاق وداود.
- التفضيل مكروه والتسوية مستحبة: الجمهور، منهم مالك والشافعي.
- التفضيل لعلة يجوز: رواية عن احمد.
- يجوز التفاضل ان لم يرد به الاضرار: ابو يوسف.
استدل المحرمون للتفضيل الموجبون للتسوية بما صح4 عن النعمان رضي الله عنهما انه قال: (اعطاني ابي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة امه : لا ارضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتى رسول الله فقال: اني اعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فامرتني ان اشهدك يا رسول الله، قال: “اعطيت سائر ولدك مثل هذا؟”، قال: لا، قال: “فاتقوا الله واعدلوا بين اولادكم”. قال: فرجع ورد وصيته).
وفي رواية عنه: (ان اباه اتى به الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اني نحلت ابني هذا غلاما، فقال: “اكل ولدك نحلت مثله؟”، قال: لا، قال: “فارجعه”5).
وفي رواية عنه، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “سووا بين اولادكم في العطية كما تحبون ان يسووا بينكم في البر”6.
وفي رواية عنه7: ان والدي بشير بن سعد اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ان عمرة بنت رواحة نفست بغلام، واني سميته النعمان، وانها ابت ان تربيه حتى جعلت له حديقة من افضل مال هو لي، وانها قالت: اشهد على ذلك رسول الله، وفيه قال صلى الله عليه وسلم: “لا اشهد على جور”، وفي رواية: “اشهد على هذا غيري”.
واستدل القائلون باستحباب التسوية وكراهية التفضيل، بالرواية التي فيها: “اشهد على هذا غيري”، فكانه تنزه هو ان يشهد، واذن لغيره ان يشهد، وفي هذا الاستدلال بعد ولي لعنق الحديث.
واستدل القائلون بجواز التفضيل لحاجة تدعو اليه لزمانة او فقر او عالة، او صلاح ونحوه، بان ابن عمر رضي الله عنهما منح ابنه واقد دون ابنائه الاخرين.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه لحديث النعمان بن بشير السابق: (وقد تمسك به من اوجب التسوية في عطية الاولاد، وبه صرح البخاري، وهو قول طاوس، والثوري، واحمد، واسحاق، وقال به بعض المالكية، ثم المشهور عن هؤلاء انها باطلة، وعن احمد تصح ويجب ان يرجع، وعن احمد يجوز التفاضل ان كان له سبب، كان يحتاج الولد لزمانته ودينه او نحو ذلك دون الباقين.
وقال ابو يوسف صاحب ابي حنيفة : تجب التسوية ان قصد بالتفضيل الاضرار. وذهب الجمهور الى ان التسوية مستحبة، فان فضل بعضا صح وكره، واستحبت المبادرة الى التسوية او الرجوع.
فحملوا الامر على الندب والنهي على التنزيه، ومن حجة من اوجبها انها مقدمة على الواجب ؛ لان قطع الرحم والعقوق محرمان، فما يؤدي اليهما يكون محرما، والتفضيل مما يؤدي اليهما)8.
وقال ابن دقيق العيد في شرح حديث النعمان السابق: (والحديث دل على طلب التسوية بين الاولاد في الهبات، والحكمة فيه ان التفضيل يؤدي الى الايحاش، والتباغض، وعدم البر من الولد لوالده، اعني الولد المفضل عليه.
الى ان قال: واختلف الفقهاء في ان التفضيل هل هو محرم او مكروه؟، فذهب بعضهم الى انه محرم لتسميته صلى الله عليه وسلم اياه جورا، وامره بالرجوع فيه سيما اذا اخذنا بظاهر الحديث انه كان صدقة، فان الصدقة على الولد لا يجوز الرجوع فيها، فان الرجوع هنا يقتضي انها وقعت على غير الموقع الشرعي حتى نقضت بعد لزومها.
ومذهب الشافعي ومالك: ان هذا التفضيل مكروه لا غير، وربما استدل على ذلك بالرواية التي قيل فيها: “اشهد على هذا غيري”، فانها تقتضي اباحة اشهاد الغير، ولا يباح اشهاد الغير الا على امر جائز، ويكون امتناع النبي صلى الله عليه وسلم من المباشرة لهذه الشهادة معللا بانها جور فيخرج الصيغة عن ظاهر الاذن بهذه القرائن.
ومما يستدل به على المنع ايضا قوله: “اتقوا الله”، فانه يؤذن بانه خلاف التسوية ليس بتقوى، وان التسوية تقوى)9.
وقال البيجاني رحمه الله في شرح حديث النعمان السابق: (وظاهر الحديث يدل على وجوب المساواة بينهم الا اذا رضوا ووافقوا على ماصنع ابوهم، كما وقع ذلك بين اولاد ابي بكر وعمر فيما جعله الصديق لعائشة، ثم رجع عنه عند موته لانها لم تقبضه10، وكذلك جعل الفاروق لولده عاصم بن عمر.
ومن اراد بر ابنائه، وان يترحموا عليه اذا مات، ولا تكون بعده خصومه، فليتق الله وليسو بينهم، وليجعلهم عنده بمنزلة واحدة، لايفضل احدا على احد الا يعلم او عمل صالح)11.
الراجح من مذاهب اهل العلم السابقة ان التسوية واجبة بين الابناء، وان تفضيل بعضهم على بعض من غير علة حرام ولا يجوز، وان وجد سبب للتفضيل لا يتم ذلك الا برضا جميع الابناء، ومن باب اولى وبالاحرى تفضيل بعض الزوجات على بعض فهو اشد حرمة واعظم جرما، والله اعلم.
- هل يجوز الاعطية للزوجة
- الهبة للزوجة
- الهبة للزوجة دون الاولاد
- حكم الهبة للزوجة
- حكم الهبة للزوجة و الأولاد
- حكم الوصية للبنات دون الاولاد
- فاتّقوا اللّه و اعدلوا بين أولادكم فرجع