افضل مواضيع جميلة بالصور

حكم التزوج بي المتبنية

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الامين, اللهم لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا, وانفعنا بما علمتنا, وزدنا علما, وارنا الحق حقا, وارزقنا اتباعه, وارنا الباطل باطلا, وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه, وادخلنا برحمتك في عبادك الصالحين, اخرجنا من ظلمات الجهل والوهم الى انوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات الى جنات القربات .

ايها الاخوة المؤمنون, مع سير الصحابيات الجليلات رضوان الله عنهن اجمعين، ومع ام المؤمنين السيدة زينب بنت جحش .
هي زينب بنت جحش ام المؤمنين، وامها اميمة بنت عبد المطلب, عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولدت في مكة قبل البعثة بسبع عشرة سنة، وكانت من المهاجرات الاول ، واسلمت قديما، هذه الصحابية الجليلة ام المؤمنين، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت عند زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ايها الاخوة, كلمة المولى من اندر الالفاظ في اللغة، ففي اللغة العربية هناك اسماء لها معنيان متعاكسان، فالمولى هو السيد والعبد معا، تقول: يا مولاي، تخاطب الله عز وجل، وقد تخاطب عبدا عندك, فتقول له: يا مولاي، فالمولى هو السيد والعبد .
كانت عند زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم طلقها، وتزوجها النبي عليه الصلاة والسلام بنص القران الكريم، الزوجة الوحيدة التي امر الله النبي عليه الصلاة والسلام ان يتزوجها، وبسببها نزلت اية الحجاب، وقد نزل فيها قوله تعالى:

﴿فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها﴾

[سورة الاحزاب الاية: 37]

وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولها من العمر خمس وثلاثون سنة .
اما الروايات التالفة، الساقطة، المزورة، المفتراة, التي وردت في بعض التفاسير: ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يمشي في الطريق، فراى بابا مفتوحا، فنظر الى داخله، فاذا امراة حسناء, تغتسل عارية، وشعرها وصل الى اسفل ظهرها، فوقعت في نفسه، فهذه رواية من وضع الزنادقة، لا اصل لها، رواية ساقطة تالفة، ان قراتموها في كتاب, اعتمد على روايات تالفة, فانبذوا هذه الرواية .
كانت هذه الزوجة الكريمة، اول نسائه صلى الله عليه وسلم وفاة بعده، صلى عليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعنها .

لماذا امر الله نبيه ان يتزوج زوجة متبناه, وما هي علة تحريم التبني ؟

اما قصة زواجها من زيد وطلاقها فكما وردت في كتب السيرة، قال تعالى:

﴿واذ تقول للذي انعم الله عليه وانعمت عليه امسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله احق ان تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها﴾

[سورة الاحزاب الاية: 37]


فالله عز وجل امر النبي ان يتزوج زينب زوجة متبناه، فابطل الله عز وجل بها عادة جاهلية، وهي عادة التبني، كان الرجل يتبنى طفلا، وينسبه اليه، وهو ليس ابنه، هذا الابن اجنبي في هذا البيت، وبحسب الفطرة البشرية الاخ في البيت لا يشتهي اخته، والاب في البيت لا يشتهي ابنته، اما لو تبنى رجل فتاة صغيرة، وكبرت هذه الفتاة، فهي عند صاحب البيت مشتهاة .
لو تبنى رجل طفلا صغيرا، ثم شب هذا الطفل، وفي البيت فتاة في ريعان الصبا، ربما وقعت الفاحشة داخل البيت, دون ان يعلم احد، لان الطفل المتبنى، او الطفلة المتبناة، اذا شبت، وكبرت، واينعت، ليست من احد افراد الاسرة, انها امراة غريبة، وان هذا الابن شاب غريب، ربما وقعت الفاحشة في البيت .
لذلك اراد الله جل جلاله من خلال هذه القصة، ان يبطل عادة جاهلية هي عادة التبني ، وقد دفع النبي عليه الصلاة والسلام ثمن ابطال هذه العادة دفع غاليا، لانه شيء مالوف، شيء دخل في صميم العادات والتقاليد، كيف يتزوج الانسان زوجة ابنه المتبنى؟ شيء لا يحتمل، وهذا معنى قول الله عز وجل:

﴿وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله احق ان تخشاه﴾

[سورة الاحزاب الاية: 37]

من امثلة القران على تحريم عادة التبني :

كان زيد بن حارثة مولى لخديجة رضي الله عنها، فلما تزوجها النبي عليه الصلاة والسلام وهبته له، صار زيد غلاما لرسول الله .
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:

((ان زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم, ما كنا ندعوه الا زيد بن محمد, حتى نزل القران: ادعوهم لابائهم هو اقسط عند الله))

[اخرجه البخاري في الصحيح]

اصبح اسمه: زيد بن حارثة، وقد علم ابوه انه عند محمد صلى الله عليه وسلم، فاتاه هو واخوه كعب لفدائه، كان غلاما عند خديجة، فلما تزوج بها النبي وهبته اياه، فهو عنده، فلما علم ابوه وعمه ان زيدا عند محمد صلى الله عليه وسلم، جاؤوا النبي عليه الصلاة والسلام فقالا:

((يا بن عبد المطلب، يا بن سيد قومه، انتم اهل حرم الله، تفكون العاني، وتطعمون الاسير، جئناك في ولدنا عندك، فامنن علينا، واحسن في فدائه, فقال عليه الصلاة والسلام: ادعوه فخيروه، فان اختاركم, فهو لكم بغير فداء, وان اختارني, فو الله ما انا بالذي اختار على من اختارني فداء .

-هل في الارض كلها شاب او صبي, يؤثر رجلا على ابيه وعمه، او على ابيه وامه؟ ماذا تلقى من محمد عليه الصلاة والسلام؛ من معاملة طيبة، من اكرام بالغ، من رحمة واسعة ، من لطف بالغ، حتى اثر النبي على امه وابيه؟!- .

قال: فدعاه, فقال: هل تعرف هؤلاء؟ -لعلهما ادعيا انهما اقرباؤه- قال: نعم, هذا ابي، وهذا عمي, فقال عليه الصلاة والسلام: فانا من قد علمت, ورايت صحبتي لك, فاخترني او اخترهما, فقال زيد: ما انا بالذي اختار عليك احدا، انت مني بمكان الاب والعم, -عندئذ كاد ابوه ينفجر- فقال: ويحك يا زيد, اتختار العبودية على الحرية، وعلى ابيك, وعمك, واهل بيتك ؟ فقال زيد: لقد رايت من هذا الرجل شيئا، ما انا بالذي اختار عليه احدا .
-ايها الاخوة, الانسان احيانا يتساءل، النبي عليه الصلاة والسلام عنده زيد، وهو غلامه، ويعلم ان له ابا، واما، واهلا، وهو سيد الخلق، هو اكمل خلق الله، فكيف يسمح النبي لنفسه ان يبقي عنده زيد؟ .
الجواب: النبي عليه الصلاة والسلام يعرف من هو؟ يعرف ان رحمته اكبر من رحمة ابيه وامه، يعرف ان السعادة كلها عنده، يعرف ان خير الدنيا والاخرة في صحبته، ما تركه عنده قسرا، والدليل: لما جاء ابوه وعمه, يدفعان مالا وفيرا ليفتديانه, اختار زيد رسول الله، اذا: هو واثق من نفسه، واثق ان صحبة زيد لرسول الله افضل له من كل شيء؛ من امه وابيه-.
فلما راى النبي عليه الصلاة والسلام هذا الموقف الوفي، -والنبي عليه الصلاة السلام سيد الاوفياء- اخرجه الى الحجر, -الى حجر اسماعيل- امسكه بيده, وقال : اشهدوا ان زيدا ابني، يرثني وارثه .
فلما راى ذلك ابوه وعمه, طابت انفسهما وانصرفا)) .
ومن هذه اللحظة: دعي زيد بن محمد، حتى جاء الاسلام، وجاءت البعثة؛ بعثة النبي العدنان، صار اسمه زيد بن محمد، وليس في القران الكريم كله اسم صحابي الا زيد، لانه خسر نسبه الى النبي بعد ان ابطل الله عادة التبني، كان اسمه بين كل الصحابة زيد بن محمد، فلما ابطل الله عادة التبني، عوضه خيرا من هذا الاسم، فجعل اسمه في القران الكريم:

﴿فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها﴾

[سورة الاحزاب الاية: 37]

لم يرد في القران كله اسم صحابي الا زيد .

اليكم قصة زواج زينب من زيد وطلاقها منه :

اما قصة زواجه من زينب فقد حكتها زينب نفسها، قالت:

((خطبني عدة رجال من قريش، فارسلت اختي الى رسول الله استشيره .
فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: اين هي ممن يعلمها كتاب الله وسنة نبيها؟.
قالت: ومن هو يا رسول الله؟ .
فقال عليه الصلاة والسلام: زيد بن حارثة .
قال: فغضبت اختها غضبا شديدا .
قالت: يا رسول الله! اتزوج ابنة عمتك مولاك؟ .
-ليس هناك تناسب، وهذه العادة الجاهلية سارية المفعول حتى الان، زينب من قريش، وقريش من اعظم قبائل العرب، تسكن في مكة، وهي سيدة القبائل، وهي بنت عمته، يزوجها لعبد اسود؟! يزوجها لمولاه؟! .
حينما داس بدوي من فزاره ازار جبلة بن الايهم ملك الغساسنة, ضربه ضربة هشمت انفه، فشكاه الى عمر رضي الله عنه، قال له:

ارض الفتى لا بد من ارضائه ما زال ظفرك عالقا بدمائه
او يهشمن الان انفك وتنال ما فعلته كفك

جبلة ملك الغساسنة، قال:

كيف ذاك يا امير، هو س وقة، وانا عرش وتاج؟
كيف ترضى ان يخر النجم ارضا؟

قال له:

نزوات الجاهلية، ورياح العنجهية قد دفناها اقمنا فوقها صرحا جديدا
وتساوى الناس احرارا لدينا وعبيدا

قيم جديدة، قيم الجاهلية تحت الاقدام, قال:

كان وهما ما جرى في خلدي انني عندك اقوى واعز
انا مرتد اذا اكرهتني

قال:

عنق المرتد بالسيف تحز عالم نبنيه، كل صدع فيه
بشبا السيف يداوى واعز الن اس بالعبد بالصعلوك تساوى

زيد من ارومة قريش، وهو عبد اسود، هذه قيم جاهلية، سيدنا عمر خرج, وهو خليفة المسلمين، الى ظاهر المدينة, لاستقبال سيدنا بلال الحبشي .
سيدنا الصديق وضع يده في ابط بلال, وقال:

((هذا اخي حقا))

كان اصحاب النبي عليهم رضوان الله, اذا ذكروا سيدنا الصديق, قالوا:

((هو سيدنا واعتق سيدنا))

يعنون بلالا، هذا هو الاسلام .
عبد؛ ابيض، اسود، ملون، هذه قيم جاهلية تحت الاقدام- .
النبي عليه الصلاة والسلام قال لابنة عمته زينب, قال: ازوجك زيد بن حارثة .
اختها غضبت وقالت: يا رسول الله! اتزوج ابنة عمتك مولاك؟! .

وقالت زينب: وجاءتني فاعلمتني، فغضبت اشد من غضبها, فقلت: اشد من قولها، فانزل الله عز وجل قوله تعالى:

﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم﴾

[سورة الاحزاب الاية: 36]

-اسمحوا لي ان اقول لكم: هناك درجة في الايمان اذا وضعت قضية, قضى بها القران، او قضى بها النبي العدنان، اذا وضعتها على بساط البحث, فانت لست مؤمنا .
شيء بت به الشرع، شيء محرم بنص القران الكريم، شيء حلال بنص القران الكريم، ان اردت انت ان تحلل او تحرم، ولم تقبل حكم الله عز وجل فلست مؤمنا, قال تعالى:

﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم﴾

[سورة الاحزاب الاية: 36]

قالت: فارسلت الى النبي عليه الصلاة والسلام, فقلت: اني استغفر الله، واطيع الله ورسوله، افعل يا رسول الله ما رايت، فزوجني رسول الله زيد .
-الموقف لطيف، المؤمن اذا غلط تجده يدعو: انا استغفرك يا رب، يا رب سامحني, انا تبت اليك .
بالمناسبة خصوص السبب شيء، والعموم؛ عموم القصد شيء اخر، لعل هذه الاية نزلت في زينب، ولكن الاية نصها عام، فاي مؤمن وضع قضية, قطع بها الشرع على بساط البحث, ليس مؤمنا, قال تعالى:

﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم﴾

[سورة الاحزاب الاية: 36]

في ندوة اذيعت على الهواء مباشرة، سئلت عالمة كبيرة في مصر عن رايها في التعدد, قالت: ما كان لي ان ادلي برايي، وقد سمح الله به, هذا المؤمن .
لكن يبدو ان زينب ليست معصومة، ما تحملت ان يكون زيد زوجها، فعن انس قال:

((لما نزلت هذه الاية

﴿وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس﴾

في شان زينب بنت جحش, جاء زيد يشكو, فهم بطلاقها, فاستامر النبي صلى الله عليه وسلم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: امسك عليك زوجك, واتق الله))

[اخرجه الترمذي في سننه]

تالم زيد، فاراد ان يطلقها، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: فقال: امسك عليك زوجك، فقال زيد: انا اطلقها، قالت: فطلقني، فلما انقضت عدتي, لم اعلم الا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرني، لان الاية الكريمة:

﴿واذ تقول للذي انعم الله عليه وانعمت عليه امسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله احق ان تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها﴾

[سورة الاحزاب الاية: 37]

فالنبي تنفيذا لامر الله عز وجل ذكرها، وتزوج النبي امراة زيد بعده، وانتفى ما كان اهل الجاهلية يعتقدونه, من ان الذي يتبنى غيره يصير ابنه، لا .
فالعوام يقولون احيانا: ان شاء الله مثل اخي، لا هذا ليس اخاك، فهذا اجنبي، وهذا قد يشتهيك، وهذا قد تزله قدمه معك، وقد يغريك، هذا كلام باطل ليس له اصل .
فكان زواجه من امراة متبناه بعد طلاقها, وانتهاء عدتها، تاكيدا لابطال التبني الذي ساد الجاهلية، لذلك قال الله تعالى:

﴿وما جعل ادعياءكم ابناءكم﴾

[سورة الاحزاب الاية: 4]

الولد الذي يتبنى ليس ابنا، اذا وجد الرجل لقيطا, ماذا يفعل؟ يمكن ان يكون في البيت ، لكن ليس ابنه، فهو لقيط، يمكن ان يرعاه، ويقدم له كل مساعدة، يطببه، يعلمه، اما اذا بلغ, فلا بد ان يعزله عن اهل البيت، فلا تمنع الاية العمل الصالح، ان تاخذ طفلا يتيما بلا اب ولا ام فترعاه، هذا موضوع ثان، اما ان يكون هذا المتبنى ابنا فهو ليس ابنك .

اليكم هذا الخبر الذي ورد في طبقات ابن سعد :

وفي خبر تزويجها عند ابن سعد:

((فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث عند عائشة، اذ اخذته غشية فسري عنه، وهو يبتسم، ويقول: من يذهب الى زينب ويبشرها، وتلا قوله تعالى:

﴿واذ تقول للذي انعم الله عليه وانعمت عليه امسك عليك زوجك واتق الله﴾

[سورة الاحزاب الاية: 37]

قالت عائشة: فاخذني ما قرب وما بعد, لما يبلغنا من جمالها))

اصابتها الغيرة, واخرى هي اعظم واشرف، ما صنع لها؛ زوجها الله من السماء .
فهي المراة الوحيدة التي زوجها الله عز وجل، وكانت تقول مفتخرة:

((لقد زوجكم اولياؤكم, وزوجني رب العزة))

وقالت عنها عائشة:

((يرحم الله زينب, لقد نالت في الدنيا الشرف الذي لا يبلغه شرف، ان الله زوجها, ونطق بها القران، وان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اسرعكن لحوقا بي اطولكن يدا))

فبشرها بسرعة لحوقها به، وهي زوجته في الجنة، واول زوجاته لحوقا به زينب .

ماذا نستنبط من هذه الايات ؟

الان نريد ان نستشف الحكم الشرعي المستنبط من هذه القصة، قال تعالى:

﴿وما جعل ادعياءكم ابناءكم ذلكم قولكم بافواهكم﴾

[سورة الاحزاب الاية: 4]

فمثلا هذا كاس ماء، لو انك قلت شيئا اخر، يبقى ماء لا يتغير شيء، تغيير الاسم لا يغير حقيقة الشيء، قال تعالى:

﴿وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل ازواجكم اللائي تظاهرون منهن امهاتكم وما جعل ادعياءكم ابناءكم ذلكم قولكم بافواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل * ادعوهم لابائهم هو اقسط عند الله فان لم تعلموا اباءهم فاخوانكم في الدين﴾

[سورة الاحزاب الاية: 4-5]

الاية الثانية:

﴿فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في ازواج ادعيائهم اذا قضوا منهن وطرا وكان امر الله مفعولا﴾

[سورة الاحزاب الاية: 37]

فقد كان النبي بهذا مشرعا، امره الله عز وجل، وفي هذا الامر احراج شديد له صلى الله عليه وسلم .
فنحن الان نرتدي ثيابا جميعا، لا يقبل ولا يعقل ان يمشي الانسان بلا ثياب, خرج عن التقاليد والعادات، والذوق العام، فالقيم راسخة، والتقاليد راسخة، والاعراف راسخة، وهذا المتبنى ابن، وهذه زوجته، ان يقول الله عز وجل لنبيه المرسل: تزوج ابنة متبناك، شيء فوق طاقة الاحتمال, ولكن النبي كان مشرعا بهذا .
اذا: نزلت هذه الايات الكريمة لابطال حكم التبني، الذي ساد شيوعه في الجاهلية وصدر الاسلام .
كما نزل قوله تعالى:

﴿ما كان محمد ابا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما﴾

[سورة الاحزاب الاية: 40]

وثمة حكمة ثانية: لحكمة بالغة بالغة لم يكن من ذرية النبي من الاحياء ولد ذكر؛ لئلا يقول: انا وريث النبوة، محمد ابي، لئلا تقع منازعات، لئلا تقع خصومات، لئلا يكون قدوة غير صالحة لاتباع النبي عليهم رضوان الله، لئلا تنشا مشكلة, قال تعالى:

﴿ما كان محمد ابا احد من رجالكم﴾

[سورة الاحزاب الاية: 40]

لا حقيقة، ولا تبنيا ابدا, قال تعالى:

﴿ولكن رسول الله وخاتم النبيين﴾

[سورة الاحزاب الاية: 40]


ولحكمة بالغة والله اعلم: ان اباه وامه توفيا قبل ان يبعث، لو ان اباه حي يرزق، فسيقول: هذا ابني، انا ربيته، هذه تربيتي، لا، هذه تربية الله عز وجل، لو ان امه حية ترزق لقالت: هذه تربيتي، انا ربيته هكذا، ليس له اب ولا ام، ولا ولد ذكر من بعده، لان الله سبحانه وتعالى اصطنعه لنفسه, قال تعالى:

﴿واصطنعتك لنفسي﴾

[سورة طه الاية: 41]

لان الله سبحانه وتعالى اصطفاه ليكون سيد الخلق, وحبيب الحق، لان الله سبحانه وتعالى هو الذي علمه, قال تعالى:

﴿ما كان محمد ابا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما﴾

[سورة الاحزاب الاية: 40] طبعا بعد هذه الحادثة, هناك نهي قطعي عن ان يقال: زيد بن محمد، اسمه زيد بن حارثة .
قال كتاب السيرة: انه صلى الله عليه وسلم لم يعش له ولد ذكر, حتى بلغ الحلم، فجميع اولاده الذكور, ماتوا جميعا صغارا الا بناته, فقد عشن وتزوجن، ومات له ثلاث بنات منهن في حياته؛ هي زينب، ورقية، وام كلثوم، واما فاطمة فماتت بعده بستة اشهر، واما اولاده الذكور الذين ماتوا, وهم صغار هم؛ القاسم, والطيب، والطاهر، وهم من خديجة، وابراهيم, وهو من ماريا القبطية .
اذن اذاقه الله موت الولد في حياته :

((ان العين تدمع ، والقلب يحزن، ولا نقول الا ما يرضي ربنا، وانا بفراقك يا ابراهيم لمحزونون))

[اخرجه البخاري في الصحيح] من هذا يتبين: ان الله لم يشا ان يكون لرسوله صلى الله عليه وسلم، ان يكون النبي عليه الصلاة والسلام ابا احد من الرجال، لما خصه سبحانه وتعالى بخاتم الانبياء والمرسلين، ولئلا يدعي احد من بعده من ابنائه وراثة النبوة بداعي النبوة، لذلك حرم الله تحريما قدريا وشرعيا ان يكون للنبي عليه الصلاة والسلام ولد من بعده، او ان يكون النبي عليه الصلاة والسلام ابا لاحد من الرجال, قال تعالى:

﴿ما كان محمد ابا احد من رجالكم﴾

[سورة الاحزاب الاية: 40]

سماه العلماء: تحريم تشريعي, وتحريم قدري، اي ان الله عز وجل ما سمح لاحد اولاده ان يبلغ الحلم في حياته، ماتوا صغارا، تحريم قدري، وتحريم شرعي, قال تعالى:

﴿ما كان محمد ابا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما﴾

[سورة الاحزاب الاية: 40]

وقال علماء السيرة: ولتاكيد ابطال حكم التبني عموما للناس وخصوصا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، زوجه الله تعالى زوجة زيد الذي كان قد تبناه، وذلك ان الله قد حرم على الاباء زوجات ابنائهم، والولد المتبنى ليس بابن على الحقيقة .
فنحن من يستطيع ان يتزوج زوجة ابنه؟ مستحيل، فلما امر الله النبي ان يتزوج زوجة زيد، هذا اعلان صارخ ان زيدا ليس ابنه، بدليل ان الله امر النبي بزواجه من زوجة زيد، ولو كان ابنه, لكان مستحيلا ان يتم هذا الزواج .

الوليمة التي قدمها النبي في زواجه من زينب :

كانت هذه السيدة المصون زينب, تفتخر امام ضراتها، فعن انس قال:

((فكانت زينب تفخر على ازواج النبي صلى الله عليه وسلم, تقول: زوجكن اهاليكن, وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات))

[اخرجه البخاري في الصحيح]

وكانت وليمة العرس حافلة؛ ذبح النبي صلى الله عليه وسلم شاة، وامر صلى الله عليه وسلم انس بن مالك, ان يدعو الناس الى الوليمة, فترادفوا افواجا افواجا, ياكل فوج فيخرج، ثم يدخل فوج اخر، حتى اكلوا كلهم، وجلس جماعة منهم يتحدثون في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم, ورسول الله جالس، فلما فرغ النبي عليه الصلاة والسلام, اي انهم فرغوا من الطعام، والصحابة مستانسون، استمروا في جلوسهم, وحديثهم مع النبي, فقال الله عز وجل في هذا الموطن:

﴿يا ايها الذين امنوا لا تدخلوا بيوت النبي الا ان يؤذن لكم الى طعام غير ناظرين اناه ولكن اذا دعيتم فادخلوا فاذا طعمتم فانتشروا ولا مستانسين لحديث ان ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق واذا سالتموهن متاعا فاسالوهن من وراء حجاب ذلكم اطهر لقلوبكم وقلوبهن﴾

[سورة الاحزاب الاية: 53]

فالانسان احيانا يستانس, لكن هذا الذي تستانس به مجهود، متعب، امضى ساعات طويلة في العمل المضني، انت مستانس, اما هو متعب، فلا بد ان يلاحظ ذلك، فالانسان الكامل ظله خفيف، هؤلاء مع رسول الله, وهو سيد الخلق، فاستانسوا، وكان في حرج، والبيت ضيق، وزينب في مكان صعب، فلذلك قال تعالى:

﴿فاذا طعمتم فانتشروا ولا مستانسين لحديث ان ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم والله لا يستحيي من الحق﴾

[سورة الاحزاب الاية: 53]

الخاتمة :

ايها الاخوة الكرام, موضوع اخر متعلق بهذه السيدة الكريمة زينب، فبمناسبة هذه القصة, نزلت اية الحجاب، وهذا موضوع الدرس القادم ان شاء الله تعالى .
ولو اردنا ان نستنبط من هذه القصة بعض المواعظ: ان اي كلمة يقولها العوام: ان فلانة كاختي، او فلان كاخي، فهذا مرفوض شرعا، ومرفوض واقعا، ومرفوض عقلا، الانسان بفطرته السليمة؛ لا يشتهي اخته، ولا يشتهي امه، ولا يشتهي ابنته، اما اذا تبنى طفل ، فهذا الطفل اذا كبر, فهو اجنبي, يشتهي من في البيت من النساء، لذلك مفسدة عظيمة جدا ان ينشا اجنبي في بيت، ويعامل كانه احد افراد البيت، وكل انواع الفساد الاسري, اساسه هذا, لذلك استاصل الله عز وجل هذه العادة وابطلها، والنبي عليه الصلاة والسلام هو الذي كلف بهذا, حينما تزوج زوجة متبناه سيدنا زيد .

السابق
خلفيات بلاك بيري حزينة
التالي
حقائب يدوية 2024