السؤال:
ساختصر الامر قدر المستطاع في انتظار فتواكم التي قد تنقذ عائلة من الانهيار ، فقد ساء الامر جدا بعد مشكلة حدثت ، هذه احداثها : اختي كان عمرها 16 او 17 سنة حين خطبها شاب ملتزم نحسبه على خير ، وكانت هي سعيدة بذلك غاية السعادة ، وكانت قبل ذلك قد انقطعت عن الدراسة فرارا بدينها ؛ فالمعاهد عندنا مختلطة ، سار كل شيء على اتم وجه ، وتم العقد الشرعي ، وكان لا يشك احد في انهما يعيشان سعادة حقيقية ، فجاة صارت اختي تقول : انا لا احب هذا الشخص ، لا اطيقه ، لماذا يتصرف هكذا .. الخ ، وبدت كانها تخترع له عيوبا ، ظننا ان الامر سحر او ما شابه ؛ لان ارتباطهما اثار غيرة الكثير من الفتيات في سنها ، طال الامر وزاد نفورها من زوجها ولا احد يفهم السبب وزوجها في غاية العجب واللطف معها ، ويؤول الامر لصغر سنها او خوفها من الزواج ومسؤولياته ، حتى اتى اليوم الذي اعترفت فيه انها تحب غيره ! وكانت الصدمة الكبرى ، تبين انه فتى من سنها كان يدرس معها في نفس الصف وانها كانت تحبه في صمت لعدة سنوات وهو لا يدري ، والجديد انه اتصل بها على الانترنت وبدا منه انه يهتم لامرها ، صدته ، وكان دافعها ان ذلك لا يجوز ، لكن النفس والشيطان انتصرا عليها ، وصارت بينهما علاقة الكترونية ، لا تقابله ولا يقابلها لكن الاتصال موجود ، نفرها ذلك من زوجها عقد شرعي بدون دخول وانفجر الوضع ، علم الاب والزوج بذلك ، كاد ابي يقضي نحبه من الصدمة ؛ لانه ظن دائما ان ابنته لا يمكن ان تقع في مثل هذه الامر ، وهي التي اختارت بنفسها الالتزام والحجاب ونفرت من المدارس المختلطة ، ووافقت بملء ارادتها على زوج متدين ، وعاشت بعيدة عن المجون والاحتكاك بالناس والمسلسلات والغناء …الخ ، عاشت في وسط نظيف ، سبحان الله ، لما تازم الامر اعتذرت واقسمت على التوبة والعودة للطريق المستقيم ، وسامحها زوجها مؤولا الامر لنزوة مراهقة اضافة لتمسك بمصاهرته لعائلتنا فهو يحب ابي جدا ، لكن الامور توترت واختي لم تتب وساء خلقها مع الجميع وخاصة مع زوجها وحتى والديها ، وصارت الحياة مع زوج لا تحبه امرا غير محتمل ، انتهت اشهر من العذاب والاحزان بانفصالها عن زوجها بالم كبير من اطرافنا جميعا ، ابي تبرا منها وضربها واعلن سخطه عليها ، بعد مرور اشهر على ذلك كله لا زالت اختي تحب الشاب الاول ، لا تنساه ، ولا تريد غيره ، سالنا عن هذا الشاب فبدا جادا ، مقيما للصلاة ومتمسكا باختي جدا ، ابي يرفض ارتباطهما تماما . سؤالنا : ما حكم الشرع في هذا الامر هل جائز لهما الارتباط ؟ هل تكون فيه بركة ؟ ابي قد يغير رايه بفتوى منكم ، لا اخفيك اختي تتعذب ، لا تخرج من غرفتها تقريبا ، ترى اننا نحرمها من الحلال .. الخ .
الجواب :
الحمد لله
اولا:
نسال الله تعالى ان يوفقكم لما فيه صلاح اسرتكم واجتماعها ، ونساله تعالى ان يهدي اختك لما يحب ويرضى وان يجنبها الفتن والمنكر والاثم .
وما تذكريه في رسالتك يؤكد ما نذكره دوما في اجابتنا من خطر الاختلاط والعلاقات بين الجنسين مراسلة ومحادثة ، وليس ثمة فرق في هذا بين عامي او ملتزم ؛ ففتنة الشهوة لا تفرق بينهم اذا ظهر نارها واشتعل عودها .
ثانيا:
بما ان الحديث لن يكون مع اختك بل معك ومع والدك الفاضل : فاننا نرجو ان نوفق فيما ننصحكم به ونوجهكم نحو العمل بمقتضاه :
1. لا تحملوا انفسكم مسئولية ما حدث مع اختك ، فانتم لم تقصروا في تربيتها ، وقد وافقتم على خروجها من مدرسة الاختلاط ، وقد حرصتم على اعفافها بتزويجها لرجل من اهل الصلاح وكان ذلك ، فلم يحصل منكم ما تلومون به انفسكم ، اللهم الا ان يكون التساهل مع اختك في استعمالها للانترنت .
2. لا يحل للولي ان يكره موليته على الزواج بمن تكره ، وانتم لن تفعلوا هذا – ان شاء الله – مع اختك ، سواء كان الاكراه على الرجوع لزوجها الاول او غيره .
3. لا يكون الاب عاضلا لابنته اذا كان يمنع تزوجها من شخص غير مرضي الدين والخلق ، وانما يكون عاضلا اذا رفض كل من تقدم لابنته وهو مرضي الدين والخلق .
4. واما بخصوص التصرف الشرعي مع اختكم فنرى :
ا. عدم ذكر ما جرى منها لاحد من اقربائكم – فضلا عن غيرهم – كائنا من كان ، فلا احد يوثق به من قريب او جار ان يسرب خبرها فيزاد فيه ولا ينقص حتى تتسع الدائرة عليكم ، فلا تقدروا على مواجهتها والذب عن انفسكم .
ب. عدم مقاطعة والدك لها وعدم التبرؤ منها والسخط عليها ، ونرى انها الان احوج ما تكون لعقل والدها ليلجم سعار عاطفتها ، فهي الان محجوبة عن التفكير بعقلها ، وتحتاج من يقف معها من اهلها لمخاطبة عقلها ، واحياء تدينها بتذكيرها بحكم ما حصل منها وعواقب ذلك ، فهي قد ارتكبت معصية بينة بانشائها علاقة مع رجل اجنبي عنها ، وهي اثمة بالحديث معه ومراسلته ، فيجب ان تعلم حقيقة مخالفتها للشرع ، كما انها تحتاج الى من يخاطب عقلها ليبين لها ان ما تفعله قد يكون له عواقب سيئة من تفرق الاسرة ، ومن هوانها على عشيقها ذاك عندما يصير زوجا لها ، ومن احتمال ان يعاقبها ربها بابنة تتصرف مثل تصرفها ، ومن انتشار خبرها بين الناس مما يسبب طعنا وتجريحا بوالدها وامها واخواتها ، وهكذا في قائمة طويلة من العواقب السيئة تخبر بها وتوقف عليها ؛ فلعل ذلك الخطاب لتدينها وعقلها ان يثمر ثمرة يانعة .
ثم تعرفوها مع ذلك : ان هذا الشاب هو الذي افسدها على زوجها الذي عقد عليها عقدا شرعيا ، وسبب نفرتها منه ، وقد تبرا النبي صلى الله عليه وسلم من كل من افسد امراة على زوجها ، ولعنه ، حتى ذهب بعض اهل العلم الى عدم صحة زواجها من هذا المفسد .
وينظر جواب السؤال رقم (84849) .
ج. اذا لم تقنع اختكم بما تعظونها به وتذكرونها بعواقبه ، وظلت مصرة على التزوج بذاك الشاب : فنرى ان تزوجوها اياه ! علاجا لمرضها ودائها ، واستصلاحا لشانها ، وسترا عليها وعلى اسرتكم ان تنالكم السنة السوء ، ولا يكون هذا منكم الا بعد التاكد من صلاحية ذاك الشاب ليكون زوجا لاختكم من حيث دينه وخلقه ، والا فلا يحل لكم القبول به زوجا لها.
نحن على علم بصعوبة هذا الامر عليكم ، ونحن نقدر ذلك ، ولكن من نظر الى عواقب خلاف هذا الامر ، فانه لن يتردد بقبوله ، ومما رايناه وعلمناه من حوادث مشابهة رفض فيها الاهل تزويج من تعلقت به ابنتهم : زنا ، هروب من البيت ، انتحار ، السفر خارج بلادها … وغير ذلك مما انتشرت حكايته وذاعت اخباره ، نسال الله ان يعصمكم من شر ذلك كله ، ولذا فما نقوله لكم وان كان صعبا على النفس قبوله ، لكن الاصعب قد يكون في خلافه .
فابدؤوا اذا بالصواب في وعظها وارشادها لفعل الصواب ، من قطع علاقتها بذلك الشاب حقيقة لا صورة ، وواقعا لا كلاما ، فان استجابت لكم فبها ونعمت ، وان لم تستجب فليس امامكم الا الجمع بينها وبين ذاك الشاب بالحلال ، ايقافا لاثمها في علاقتها به الان بالحرام ، واتقاء لشر نخافه من عاقبة ذلك الامر.
ونرى ، اذا حصل الخيار الثاني ، وتقدم هذا الشاب فعليا اليكم ، ان لا يكون تعجل في الدخول ، بل لتكن ثمة فترة معقولة بعد العقد ، فقد تتضح لها من الامور ما كان عنها خافيا عليها من سلوك واخلاق وتصرفات لذاك الشاب تنفرها منه ، وقد تعيد التفكير في قرارها في التزوج منه فلا تكمل مشوارها ، وبكل حال فالخير في تاخير الدخول حتى تتضح الامور وتكمل قناعتها بصواب فعلها .
وهذا الذي ذكرناه لك من اجتماعهما بالحلال بالزواج قد ورد بمثله الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم :
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لم نر – وفي لفظ ( ير ) – للمتحابين مثل النكاح ) رواه ابن ماجه ( 1847 ) وصححه البوصيري ، والالباني في ” صحيح الجامع “.
قال المناوي – رحمه الله – : ” ( لم ير للمتحابين ) قال الطيبي : هو من الخطاب العام ، ومفعوله الاول محذوف ؛ اي : لم تر ايها السامع ما تزيد به المحبة ( مثل النكاح ) لفظ ابن ماجه والحاكم ( مثل التزوج ) اي : اذا نظر رجل لاجنبية واخذت بمجامع قلبه ، فنكاحها يورثه مزيد المحبة ، كذا ذكره الطيبي ، وافصح منه قول بعض الاكابر المراد : ان اعظم الادوية التي يعالج بها العشق : النكاح ، فهو علاجه الذي لا يعدل عنه لغيره ما وجد اليه سبيلا ”
انتهى من ” فيض القدير ” ( 5 / 376 ) .
وقال ابن القيم – رحمه الله – في بيان علاج داء العشق – : ” وقد اتفق راي العقلاء من الاطباء وغيرهم في مواضع الادوية : ان شفاء هذا الداء : في التقاء الروحين والتصاق البدنين ” انتهى من ” روضة المحبين ” ( ص 212 ) .
وقال – رحمه الله – ايضا – : ” ولقد ابطل من قال : انها اذا عينت كفئا تحبه ، وعين ابوها كفئا : فالعبرة بتعيينه ، ولو كان بغيضا اليها قبيح الخلقة .
واما موافقته لمصالح الامة : فلا يخفى مصلحة البنت فى تزويجها بمن تختاره وترضاه وحصول مقاصد النكاح لها به ، وحصول ضد ذلك بمن تبغضه وتنفر عنه ، فلو لم تات السنة الصريحة بهذا القول ، لكان القياس الصحيح وقواعد الشريعة لا تقتضى غيره ، وبالله التوفيق ” .
انتهى من ” زاد المعاد في هدي خير العباد ” ( 5 / 97 ، 98 ) .
نسال الله ان ييسر امركم ويفرج كربكم ويهديكم لما فيه رضاه .
والله اعلم
- حكم منع البنت من الزواج بمن تحب
- حكم منع زواج المتحابين
- حكم منع البنت من الزواج
- مسئولية البنت في الزواج
- هروب البنت مع عشيقها
- هل يمكن الزواج بمن تحب بعد معصية