1- الاعلان القدري
ooooooooooooooooooooooooooooooooooo
بيدين مرتجفتين، فتحت سيرينا صفحة الاعلانات في صحيفة واسعة الانتشار وراحت تبحث عن الاعلان الذي اثار مناقشات حماسية في المكتب حيث تعمل . وكان ذلك اثناء فترة الغداء .واذا بعينيها تحدقان باعلان كتب بالحروف السوداء العريضة . وتذكرت المشهد حين صرخت جوي ,صغيرة الموظفات عندما قاطعت الحديث وقالت والدهشة تملا وجهها :
“اه ! شيء لايصدق ! انظروا الى هذا الاعلان ، هنا فوق … في اعلى الصفحة …”
انزعجت بولا فيكرز من هذا التصرف الوقح وهزت كتفيها وقالت بلهجة لاذعة وناعمة :
” وهل يجب عليك ان تقاطعينا كلما قرات اعلانا عن حفلة موسيقية صاخبة ؟”
اجابت حينذاك جوي قائلة :
“تبا لموسيقى البوب الصاخبة ! في كل حال ، لايمكنك ان ترشحي نفسك ، فالمطلوب فتاة شقراء ذات عينين زرقاوين ..”
سالت بولا ببرود:
“ترشيح نفسي ؟ ولاي سبب ؟”
اطلقت جوي زفرة انزعاج وقالت :
“لهذه الوظيفة ! لكن مهما كان الامر فالوظيفة لاتناسبك .”
وبفضول قوي اقتربت بقية الفتيات واعلن معا : ” مالقضية ؟”
ناولتهن جوي الجريدة وقرات احداهن ا بصوت ساخر وفي بطء الاعلان الذي يقول :
” عرض لفتاة انكليزية ، شقراء وحسب ، وظيفة تؤمن لها استقرارا ماديا طيلة حياتها . يجب ان تكون حافظة سر ومطيعة ووديعة ، تقبل الطلبات لمن تبدي استعدادها لتحمل اعباء الاسرة . ولاخذ موعد الاتصال برقم الهاتف اعلاه”
بعد الدهشة ، دوت قهقهة عامة داخل المكتب . واكدت احدى الفتيات قائلة :
“في ايامنا هذه ، هذا النوع من الاعلان لايمكنه ان يخدع اي فتاة مهما كانت . لاشك ان صاحب الاعلان فقد عقله….”
قالت بولا:
” هذا رايي ، انا ايضا .ربما يعتقد انه بامكانه شراء كل مايريده بالمال . وربما كان صاحب الاعلان مهووسا يبحث عن فتاة شقراء ليجدد حريمه!”
اجابت فتاة اخرى:
“لا ! انها مزحة حتى المهووس لايمكنه ان يجهل ان نساء اليوم لسن ساذجات وخاصة في لندن!”
الضحك يعلو من جميع الاطراف . وجوي الحالمة كانت تحدق في سيرينا بامعان ثم قالت :
“لا اعرف ربما سيرينا تتمتع بهذه المواصفات..”
كانت سيرينا مسترسلة في افكارها فلم تلتقط من الحديث الجاري سوى القليل فاهتمامها من نوع اخر اذ كانت تتساءل بقلق كيف ستتمكن من دفع المصاريف الباهظة التي تفرضها عليها دار الحضانة حيث وضعت اختها الصغيرة ويندي.
وكانت مديرة دار الحضانة قد اعلنت لسيرينا صباح اليوم قائلة :
“اني اسفة حقا يانسة باين . نحن مضطرون ان نزيد عليك جنيها استرلينيا واحدا كل اسبوع ، وذلك ابتداء من الاسبوع المقبل .انت تعرفين ان الاسعار ترتفع في جميع الميادين … انه التضخم المالي …هذا يؤسفني لكنه اصبح لابد منه”
وخلال يوم بكاملة كانت سيرينا تطرح على نفسها الاسئلة المختلفة . اين ستجد هذا المبلغ الاضافي ؟ الم يسبق ان خفضت مصاريفها الى ادنى درجة وخاصة في مايتعلق بالغذاء ؟ كانت تبدو سريعة العطب من شدة نحول جسمها ، وكانت تتلقى الانتقادات بهذا الشان من معظم العاملين معها.
فجاة تنبهت سيرينا الى مايدور حولها ، فقد ران الصمت بعد ملاحظة جوي. وشعرت بثقل النظرات الموجهه اليها ، اذ يبدو انهن ينتظرون ردها.
“كيف؟ عما تتكلمين ؟ المعذرة فلم اكن اصغي ”
لم يرد احد باستثناء بولا التي هزت كتفيها بالتذكير قائلة :
“ربما انت على حق ياجوي قيل لي انه في الاسبوع الماضي لبت سيرينا دعوة الرجل الجذاب الذي يدعى جايسون ..”
احمرت خدا الفتاة واعلنت بصوت برتجف غضبا: ” ولم لا ؟ لقد امضيت سهرة ممتعة ، وبرهن السيد جايسون عن لطف كبير في ان يدعوني الى منزله”
قالت لورا باستغراب :
” تسمين ذلك لطفا! كانت تجول في راسه افكار مختلفة .. لا اعرف كيف تصرفت معه ، لكن بالنسبة اليه ، كان لقاؤكما خيبة واخفاقا تامين ، حتى انه صرح في اليوم التالي انه للمره الاولى في حياته يحار في معاملة امراة من هذا النوع المتحفظ”
احست سيرينا بقنوط وجرح شعورها لسماع ضحكات زميلاتها في المكتب ، ضحكات ساخرة هازئة ولما بدات الفتيات بالاستعداد لممارسة عملهن من جديد بعد استراحة فترة الغداء اقتربت منها اكبرهن سنا وقالت:
“لاتتوتري لهذه الامور التافهة ربما انك ماتزالين ساذجة لكن هذة البراءة التي تتحلين بها هي مصدر قوتك..”
انها الان في بيتها وعيناها مسمرتان في الاعلان وشعرت بالاشمئزاز لتذكرها ذلك الحوار الذي جرى ظهر اليوم في مكتب عملها . وفجاة نسيت كل شئ اذ بدات ويندي بالبكاء . اسرعت سيرينا نحو سرير الطفلة لتؤانسها بسرعة لئلا يعلو صراخها وتزعج الجيران . كانت اسنانها تبدا بالبروز ولا شئ يسكن الامها وخاصة في الليل .
حملت الطفة وراحت تذرع الغرفة ذهابا وايابا تؤرجحها وتتحدث اليها وشوشة . ولحسن الحظ خفت حدة صراخها وتدريجيا هدات الطفلة ، غير ان سيرينا استمرت في المشي طولا وعرضا لكن ببطء خشية ان تعود الفتاة الى الصراخ وتقلق راحة العمارة .
وراحت افكارها تاخذها بعيدا الى الوراء الى قبل سنة الفترة السعيدة حيث كان مستقبلها يبشرها بشتى الاحلام الجميلة ولم يبقى من هذة السعادة الماضية الا ذكرى بعيدة..
وراحت تتخيل تلك الليلة عندما جاءت والدتها في المساء لتخبرها بقليل من الانزعاج والخجل:
“سيرينا ، والدك وانا لدينا خبر سعيد نريد ان نزفة اليك ”
“وما هو؟”
وكانت سيرينا في هذة اللحظة تتصفح الاعلان في احدى الصحف المحلية بعد ان نالت شهادة السكرتاريا بتفوق فقالت والدتها:
” ضعي هذه الصحيفة جانبا ياصبيتي واصغي الي بامعان”
رفعت سيرينا عينيها ولاحظت ملامح والدها المنفعلة فوضعت الصحيفة جانبا وسمعت والدتها تقول لها :
“لدى والدك شئ مهم يريد ان يفصح لك به..”
قال الوالد للوالدة:
“لا قوليه انت”.
“لا انت”
نهضت سيرينا من مقعدها وقالت باستغراب :
” اه باسم السماء عليكما ان تقررا من منكما سيعلن النبا او ربما بالاحرى يمكنكما ان تعلناه معا”
وهذا مافعلاه اعلنا في صوت واحد مليء بالفخر
” اننا ننتظر مولودا سعيدا .”
وفي ذهول حقيقي حدقت سيرينا فترة طويلة في عيون والديها كانهما اتيان من كوكب اخر كانت عائلتها الصغيرة المؤلفة من ثلاثة اشخاص على قدر واسع من الانسجام والاتحاد وظلت على ماهي مدة 19 سنة وهي الان مندهشة اذ تراها تتسع لمخلوق جديد اخر .
لكنها سرعان ماندمت على انفعالها الاناني لمجرد رؤية خيبة الامل ترتسم على وجهي والديها فاسرعت بالقول لتطمئنهما قائلة :
“هذا خبر رائع ! حلمت مرارا ان يصبح لي اخ او اخت ”
تنفست والدتها الصعداء واطلقت زفرة بكاء وفرح
فامسك والدها بكتفي زوجته وضمها اليه بحنان وقال ” الم اقل انها ستسعد للخبر ؟”
غير ان هذا الفرح بدا يتخلله بعض القلق في الاشهر اللاحقة واصبحت والدتها تزور الطبيب مرات عديدة كلما اقترب موعد الانجاب حتى افصح الطبيب مؤخرا عن تخوفة من خطورة الوضع.
ولما حان موعد الانجاب انتظرت سيرينا مع والدها في قاعة الانتظار في المستشفى ساعات طويلة والهم يكبرهما اخيرا جاء الطبيب عابس الوجه واعلن الخبر الرهيب :
” اني اسف ياسيد باين ويانسة سيرينا جهدنا باء بالفشل … لكننا تمكننا من انقاذ الطفل ….”
لم تنس سيرينا تعبير وجه والدها الكئيب الذي ارتسم في هذه اللحظة وظل اسابيع طويلة بعد وفاة زوجته في حال تشبة الخمول يرد بالرغم منه على اشئلتها وبعد فترة غير بعيدة جاء شرطي ليعلمها بان والدها قتل في حادث سيارة.
لم تسنح لها الفرصة لللحسرة والحداد اذ ان ويندي الصغيرة كانت بحاجة الى عناية واهتمام في كل لحظة .وبدات المشاكل تنهمر عليها فاضطرت الى ان تبيع المنزل ومحطة الوقود حيث عمل والدها سنوات عديدة لتفي الديون والرهونات الكثيرة ولم يبقى معها الا المال الكافي لتسديد المصاريف الضرورية الى ان وجدت غرفة ضغيرة استاجرتها ودار حضانه لويندي قرب مركز عملها وهذا لم يكن باختيارها بل اضطرت الى قبولة لان الحاجة المادية بدات تهدد استقرارها …
وضعت سيرينا ويندي في سريرها ثم جلست على الكرسي امام الطاولة وراحت تقوم بحسابات المصاريف المتوجبة عليها.
وخرجت بنتيجة صعبة اذ عليها ان تخفف مصاريفها الى ادنى درجة لتتمكن من دفع اجرة دار الحضانة … منذ الان لن تذهب عند المزين ولن تستعمل ادوات الزينه وستصلح احذيتها قدر امكانها حتى لاتحتاج الى شراء حذاء جديد ولحسن حظها شعرها مجعد بشكل طبيعي وليس بحاجة الى شامبو خاص بة.
لكن لايمكنها ان تحرم نفسها من الشورباء وسندويش الغداء, والا لما تمكنت من التركيز ورغم ذلك يشكو مديرها من النسيان الذي اصابها اخيرا وهي تعرف ان ذلك عائد الى تغذيتها البسيطة والزاهدة.
حالمة وجهت تظرها باتجاه ويندي وبفخر راحت تتامل فرحة خديها البارزين الحمراوين وجسمها الممتلئ وتتبتسم فجاة عبست لدى سماعها صراخ الطفلة المتالمة وبعد بضعة لحظات دوى صراخها في ارجاء الغرفة.
“اه لا عادت الى الصراخ من جديد يالهي!”
تناولت سيرينا اختها بين ذراعيها لكن الطفلة لم تتوقف عن الصراخ الا بعد ربع ساعه بدت لها دهرا طويلا وكانت تهم بوضع الطفلة في السرير من جديد حينما سمعت طرقا على الباب فتحت سيرينا الباب وامام العتبة وقفت صاحبة الملك حمراء غضبا.
تلعثمت سيرينا وقالت في حيرة وارتباك :
” انا متاسفة سيدة كولينز..”
اعلنت صاحبة الملك في صوت قاطع :
” انا كذالك انسة باين عليك ان تغادري هذة الغرفة خلال اسبوع من الان لقد تحملت الكثير جارك ينزعج من بكاء الطفلة المستمر ويهدد بالذهاب انا اسفة صدقيني لكن ساضع هذه الغرفة برسم الايجار ابتداء من السبت المقبل !”
ادارت ظهرها وولت تاركة سيرينا من دون صوت اغلقت الفتاة الباب بهدوء الان ويندي نائمة بسلام نظرت سيرينا في امعان وحنان الى وجه اختها البريء لاغرورقت عيناها بالدموع واسرعت تضعها في السرير ثم جلست الى طاولتها وخبات وجهها بين ذراعيها وراحت تبكي تاركة العنان لحزنها لقد صبرت كثيرا خلال هذه السنة الاخيرة وبات حزنها نهرا من الدموع القدر يتلذذ في تدميرها وتفتيت اندفاعها وانهيار اعصابها فحتى الان جابهت الامور بشجاعة لكنها اليوم تبوح بفشلها .
في احد الايام اقترحت عليها بولا ان تضع الطفلة في دار الايتام لكن تلك الفكرة كانت ترعبها اما الان فلابد لها من الرضوخ للامر الواقع فهي ترى ان هذه الفكرة هي الحل الاخير لمشاكلها .
وفي بطء رفعت راسها وراحت تنظر في ارجاء الغرفة ذات الاثاث الحقير بساط بال ومقاعد مهترئة وسرير ومغسلة وغاز صغير لكن بالرغم من ماساتها كانت تمثل هذه الغرفة كل استقرارها اذ كانت تؤويها هي وويندي .. ويندي لايمكنها ان تقتنع بضرورة االتخلي عنها انه اسوا الحلول ورفضت هذه الفكرة بقوة الياس.
كانت الصحيفة موضوعه على الطاولة فتناولتها سيرينا وراحت تتفحصها بعين يائسة ومرة اخرى وقع نظرها على ذلك الاعلان الغامض. فجاة توقفت على جملة تحتوي كلمات قدرية :
” تقبل الطلبات للواتي يتحملن اعباء الاسرة …”
وفي عنف امسكت الصحيفة وهبطت السلالم بسرعة وتوجهت الى حيث الهاتف وبيدين مرتجفتين اضطرت ان تدير الرقم ثلاث مرات قبل ان تنجح وبصوت عديم الثقة طلبت موعدا فاعطاها المتكلم عنوانا قبل ان يقفل الخط بقوة ظلت مسمرة النظر في الاعلان حيث كنت مسرعة : الموعد: السبت الثانية والنصف ظهرا في فندف امبريال غرفة 1005 ”
كان ذلك نهار الغد!
××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××
نهاية الفصل الاول
oooooooooooooooooooooooooooooooooooooooo
2- الشيخ وبلاده
ooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooo
لم تشعر باي حيرة لاختيار ملابسها لانها ارتدت المجموعة الانيقة الوحيدة التي تملكها انها كناية عن تنورة وسترة ذات لون بني غامق يناقض بشرتها الفاتحة ولون شعرها الطويل الذهبي الذي ينسدل امواجا على كتفيها وارتدت تحت السترة قميصا من اللون الكريمي غير انها قطبت حاجبيها عندما نظرت في المراة لاشي في هذه البزه الكلاسيكية يلفت الانظار واذا صدق ماقالته زميلاتها من ان صاحب الاعلان ليس سوى ثري مضر سيكون حظها قد خانها .د
” اللواتي يتحملن اعباء الاسرة” . هذه الكلمات تتمايل في راسها اذا كان الرل الذي ستلتقي به يفي بوعده واذا حصلت على هذ الوظيفة الغامضة ستضمن مستقبل الطفلة . القت سيرينا نظرة الى ساعتها لم يبقى لها سوى عشرين دقيقة للوصول الى الفندق . ستصل سيارة التاكسي في اي لحظة الان وبعدما نظرت مرة اخرى الى المراة حملت حقيبتة يدها وعلقتها بكتفيها وهبطت السلالم .اوقفها التاكسي امام باب فندق امبريال الرئيسي وكانت مبكرة فتوجهت الى مكتب الاستقبال بانفاس متقطعة من شدة الانفعال.طلبت ان يصار الى اعلام الغرفة رقم 1005
بحضورها .كان الموظف يراقبها خلسة فجاه اشتعل وجهها احمرارا لانها انتبهت انه لاشك بان موظفي الفندق على علم بسبب وجودها هنا. وخلال بضعة دقائق بدت لها طويله جاء صبي الفندق وطلب منها ان تتبعه . شعرت بقدميها ترتخيان فجاة لكنها تمكنت من عبور البهو
المفروشة ارضه ببساط واسع مزين بالوان ورسوم فنية ولما انفتح باب المصعد من دون احداث ضجة خيل اليها انها تغادر العالم المتزن الواضح لتدخل عالما اخر غريبا ومروعا انها تنتمي الى عالم حيث لايمكن لاي انسان ان يخطر في باله شراء انسان حي حسب مايمكن الاعلان ان يفصح عنه فهناك وعد بالاستقرار ” طيلة حياتها ” وبالتالي فهي اسيرة سجن ذهبي .. لكن ماذا سيحصل في مقابل ذلك ؟
الغم يضغط على حنجرتها وهي تحاول جاهدة ان تنطق من دون جدوى . الطوابق تمر امامها وهي عاجزة ان تطلب من صبي الفندق ان يعيدها الى المدخل توقف المصعد وخرج الصبي امامها . تبعته وقدماها تدوسان البساط الازرق السميك بينما كانا يتوجهان نحو الغرفة القدرية.
اخيرا توقفا امام غرفة كتب على بابها رقم 1005 .
تلعثمت وهي تفتش في حقيبتها عن بعض العملة :
” شكرا ..”
لكن صبي الفندق رفض البقشيش وعاد ادراجة نحو المصعد بعد ان رمقها بنظرة ازدراء . قربت سيرينا يدها لتطرق الباب ثم عدلت في اللحظة الاخيرة وفجاة تذكرت حكايات تجار الرقيق الابيض التي تداولتها رفيقاتها في العمل … قصص الفتيات اللواتي يلبين مثل هذه الاعلانات ومصيرهن الاسود . همست لنفسها وهي تهز قدميها اضطرابا :
” سيرينا باين ، انت حقا مجنونة ! لماذا تجازفين بنفسك ؟ لاشك ان هناك وسائل اخرى للخروج من وضعك المالي في ايامنا هذه من المستحيل ان يسمح للناس ان تعيش من دون سقف: فالمساعدة الاجتماعية موجودة حقا غير انها استاءت لفكرة وضع ويندي في دور الايتام وبعد تردد طرقت الباب . وفي الحال فتح الخادم ودعاها الى الدخول بلياقة كبيرة . كانت الغرفة واسعة واثاثها فاخرا، فعادت انفاسها تتوتر هناك . مقاعد مريحه وطاولة مستديرة موضوعة فوق بساط ابيض سميك . ولوحات ونحوت ومرايا ذات اطارات مذهبة وكلها تزين الجدران المغلقة بالقماش الازرق الفاتح . وبالرغم من الشمس التي تخترق اشعتها الزجاج الواسع ، اكتشفت سيرينا بدهشة وجود مدفاة يشتعل داخلها الحطب الكبير .
اقتربت بخطى مترددة وتوقفت امام احد المقاعد بينما توارى الخادم عن الانظار . تقلصت سيرينا لاتعرف بماذا تفكر . لكنها شعرت بالارتياح وهي ترى رجلا عجوزا يدخل الغرفة ويقول : “انسة باين ؟”
كان صوته رنانا مع لكنة خفيفة في باديء الامر اعتقدت انه فرنسي الجنسية لكنها غيرت رايها عندما سمعته يسال في تهذيب رفيع وعزة نفس ويقول :
” هل تتفضل السنيوريتا بالجلوس ؟”
جلست سيرينا في المقعد وراحت تجوب بنظرها و جه هذا العجوز وملامحه النبيلة والرفيعه : عيناه ثاقبتان .. وتمكنت سيرينا من ان تقرا فيهما قليلا من الاستغراب غير ان فمه يعبر عن عطف وتسامح وفكرت بان شعره الابيض لاشك انه كان في الماضي اسود كاملا غير انه مازال يحافظ على قامته الطويلة ورشاقة رجل شاب .
انتظرت سيرينا منه ان يتابع كلامه وبدا غمها وتخوفها وقلقها لانحسار رويدا رويدا عندما لاحظت انه يبحث عن الكلمات المناسبة ومن دون اي شك هذه خبرة جديده على الرجل النبيل الواثق من نفسة وكي تشجعه ابتسمت له فاسرع بالقول : ” قبل كل شيء ياسنيوريتا اسمحي لي بان اقدم نفسي انا الكونت البيرتو دي فالريفيا وانت تدعين سيرينا اليس كذلك ؟”
قالت بصوت غير واثق :
” نعم حضرة الكونت ..”
قام بحركة سلبية وقال :
” يكفي ان تناديني دون البيرتو ياعزيزتي فانا انما افصحت عن لقبي في حال اردت ان تستعلمي عني”
قالت في عصبية خفيفة :
” شكرا دون البيرتو لكن لن اجروء ابدا ان اقوم بشيء كهذا …”
قال رافعا حاجبيه:
” ولم لا ؟ انت لاتعرفين شيئا عني الا اني ابحث عن فتاة انكليزية وقد كتبت الاعلان في كلمات تدعو الى الغموض والالتباس الاتعرفين بذلك ”
وافقت سيرينا بهزة من راسها وخاطرت تقول :
” بالمناسبة احب ان اطرح عليك بعض الاسئلة “.
” سارد عليها بكل طيبة خاطر لكن قبل كل شيء سنفعل بما ينص علينا التقليد البريطاني ونتناول قليلا من الشاي ”
رن الجرس فحضر الخادم في الحال
” شاي للانسه يابيدرو ولي ايضا .. تقليدكم هذا يدل على لطف ولباقة ”
احنى الخادم راسه وخرج من الغرفة كان دون البيرتو يراقب سيرينا قليلا فقال :”سنيوريتا ارغب بمعرفة ما الذي لفت نظرك في هذا الاعلان هل هذا يعودى احتمال ان تتجردي يا من اعبائك الماديه؟”
ابتسم بسخرية وتابع يقول :
” خلال الايام الاخيرة جلست مكانك نساء كثيرات شابات… كلهن من الجنسية الانكليزية شقراوات طيعات ومحتشمات – حسب تصريحهن- ومن دون استثناء كل واحده صرحت ان السبب الذي من اجله طرقن هذا الباب هو الحياة المترفة والاستقرار المادي طيلة حياتهن غير اني اشعر ان الفضائل التي يتحلين بها كانت خاطئة مثل الوان شعرهن صحيح اني رجل عجوز وتقليدي لكن مازلت قادرا على الحكم اذا كان الشعر مصبوغا ام لا!”
احتجت سيرينا رافعة ذقنها في حماس وقالت:
“لون شعري طبيعي ياسنيور واريد ان تعرف شيئا مهما اذا كنت ابحث عن الحياة السهلة والاستقرار المادي فليس من اجلي “.
قال باستغراب:
” هكذا اذن ! في هذه الحال هل باستطاعتي ان اسالك من اجل من تنشدين الاستقرار”
ترددت لحظة ثم اعلنت تقول:
“ذكر الاعلان ان الطلبات مقبولة للواتي يتحملن اعباء الاسرة معي طفلة عمرها سنة واحدة وصاحبة الغرفة التي اسكنها انذرتني بضرورة مغادرتها لان الطفلة غلبا ما تبكي لانها تتالم من اسنانها التي بدات تنشق. واضافة الى ذلك علمت البارحة ان مصاريف دور الحضانة حيث ارسلت ويندي ارتفعت اسعارها واخشى الااقدر على مجابهة الوضع . هذا مادفعني للمثول هنا اليوم . اني ابحث بشكل بائس عن سقف يمكنه ان يؤوينا انا وويندي . واذا لم اتكن من ايجاده ساضطر الى وضع ويندي في دار الايتام لكني مستعدة لكل شيء كي اتحاشى ذلك مستعده لكل شيء !”
وفي بطء رفعت عينيها . كان العجوز يحدق فيها ليس في تسامح بل في احتقار قطب حاجبية وقال في سخرية :
” وانا الذي اعتقدت ان ابحاثي قد اعطت ثمارها في النهاية . لقد تاكدت من النظرة الاولى انك الوحيدة التي تلائم هذه الوظيفة تبدين فتاة بريئة سليمة النية .. لكن مع طفلة بعد كل شيء!”
اطلعميقة ثم اضاف:” حتما الاخلاق تغيرت كليا”
احمرت وجنتا الفتاة ونهضت فجاة وكانت تغلي من الغيظ قائلة:
” ليست ويندي ابنتي بل شقيتي ! كيف بامكانك ان تعتقد ان…”
ظل دون البيرتو جامدا ثم هز راسه بحزوقال:
” ياعزيزتي لم اكن انتظر منك ان تجدي عذرا لما لته.”
” لكن ماتقول خطا ولست بحاجة الى اختلاق الاعذار !”
ضربت قدمها ارضا بغضب نسيت خجلها وقالت بصوت مرتفع :
” كنت في التاسع عشرة من عمري عندما عرفت والدتي نها تنتظر مولودا سعيدا وفترة الحمل كانت قاسية وخطرة بسبب كبر سنها .. لست قادرة ان ادخل بالتفاصيل الان كل مابوسعي قوله انها ماتت في الوقت الذي انجبت خلاله ويندي وبعد اشهر قتل والدي في حادث سيارة مذ ذاك وانا اهتم باختي قدر المستطاع للاسف معاشي غير مرتفع وستحيل علي احيانا ان اوازي الدخل مع المصروف لهذا السبب انا هنا اعلانك دفع بي الى امل الخروج من هذا الوضع ربما الى حياة جديدة ستنفتح امام يندي غير اني لم ات هنا من اجل الحصول على حياة مترفة او من اجل الارتزاق ببساطة انا ابحث عن مكان يمكنني فيه من اربي ويندي من دون ان اضطر الى اسكاتها كلما بكت الى مكان حيث يمكنها ان تفتح وتعيش حياة طبيعية هذا مارغبة يا سنيور وهذا ما سارغبه دائما ! الى اللقاء سنيور ..”
ارتدت قفازيها وهي على وشك الانهيار في البكاء وانهت كلامها قائلة :
” لاسبب لاستدعاء الخادم اعرف الطريق جيدا “.
في سرعة ورشاقة بالنسبة الى رجل من سنه اقترب دون البيرتو منها وقال :
” لاتذهبي يانسة ارجوك لقد اسات الحكم عليك .. ارجوك ان تقبلي اعتذاري هل تتشرفين بالبقاء؟ لدي ما اقوله لك.”
.. وكان دخول بيدرو المفاجئ وهو يجر طاولة صغير قد افقد من عزيمتها عن المغادرة فقال دون البيرتو بلهجة ملاطفة :
” من فضلك ابقي هنا وقدمي لي الشاي ”
كان من الصعب مقاومة سحره ولم تلبث سيرينا الا ان استسلمت قائلة بعد لحظات مترددة :
” حسنا اقبل اعتذارك وساحتسي الشاي معك ”
في صو ت رنان دعاها الى الجلوس وبينما كانت تسكب الشاي العنبري في فناجين صينية شفافة راح يراقب بعينيه حركاتها الدقيقة وفي الحال اضاء بريق صغير عينيه السوداوين .
خلال الحديث بينهما استجوبها في لياقة ذكية وارغمها على البوح بكل تفاصيل حياتها الماضية من دون ان تشعر اطلاقا انها تخضع لتحقيق بل العكس كانت تشعر تجاهه بنوع من عرفان الجميل للاهتمام الذي يحمله اليها كان يستعمل سحره بسعاده اشعرتها بالاسترخاء الممتع كانها تشاطر رفقة عمها المهتم بمشاكلها والذي يدير لها اذنا صاغية شعرت بثقة تامة وراحت تقص عليه كل عذاباتها الماضية وامالها المستقبلية.
دقت الساعه الرابعه قاطعة هذا الحوار الحميم وقالت سيرينا المندهشة باستغراب :
” كيف مر الوقت بهذه السرعه ؟ لم اكن افكر اني ساتغيب اكثر من ساعة يجب ان اعود الان.”
نظر اليها دون البيرتو بدهشة وقال :
“لا يمكننا ان نختصر هذا الحديث الان ونحن مازلنا في خضمه يابنتي مازلت في حاجة لان احدثك بالتفصيل عن العرض الذي كنت بصدد تقديمه اليك”
” اذن هل في نيتك ان توظفني عندك؟”
“اخترتك ولن يقع اختياري على غيرك ”
ابتسم واقترب منها وقال :
” غير ان القرار النهائي عائد اليك بكل تاكيد”
استرخت سيرينا في مقعدها متاثرة بلهجة دون البيرتو الوقورة .فقد كانت على انتظار وترقب.
سالها فجاة:
“ماذا تعرفين عن شيلي .”
قالت مندهشة مستغربة.
” الشيء القليل تقع في امريكا الجنوبية اليس كذلك؟”
هز راسه ايجابا وابتسم قائلا:
“تماما انها بلاد بشكل الفاصوليا الخضراء تقع بين الانديس والمحيط الهادي من جهة هناك الجبال وثلوجها المستمره ومن جهة اخرى البحر ورغوته العاليه انها وطني وارض بلادي وهي المكان المفضل لتربية شقيقتك هذا البلد المتنوع المناخ بسبب طوله وكذلك مناظره المختلفة ففي الشمال نرى فسحات شاسعه صحراوية حارة حيث الامطار نادرة بينما في الجنوب فالغابات رطبة جدا ولذلك ابناء شيلي يقولون في مزاح انها تمطر على الاقل 365يوما كل سنه وقمم الصلج المجلد العالية تطلق السيول والانهار والبحيرات وبين الاراضي الصحراوية في الشمال والاراضي الواسعه والبارده في اقصى الجنوب يقع السهل الاوسط الكبير وهنا اقطن في اسفل الوادي الخصب الطقس رائع الصيف حار وناشف والشتاء ممطر وناعم”
توقف دون البيرتو لحظة ثم اعاد يقول:
” اتت عائلتي الى هذه البلاد منذ القرن السادس عشر اسلافي كانوا ينتمون الى المغامرين الذين غزوا اميركا والذين جاءوا من اسبانيا متعطشين الى خوض مغامرة البحث عن الذهب لم يجدوا ماكاتوا يبغونه انا استقوا في هذه البلاد وبعد مدة غير قصيرة ارسلوا وراء عائلاتهم في البداية كان ذلك صعبا لانهم كانوا يعيشون محاطين بالهنود العدائيين .والخسائر البشرية كانت عديدة لكن رويدا رويدا توصلوا الى التغلب على جيرانهم وقهرهم واليوم يعتبرون انفسهم من ابناء تشيلي اكثر من كونهم اسبانين اننا معجبون كثيرا بالهنود وحبهم للحرية كما اننا نعي تماما كوننا متعلقين بالتقاليد القديمة التي حملها الغزاة معهم ان هذه الفضائل التي يتمتع بها الهنود ساعدت على انشاء الامة التشيلية الاستعمار الاسباني القديم اصبح جمهورية شابة غير
ان موقعها الجغرافي وكونها مطوقة بالجبل والبحر والصحراء يجعلها منزلة تقريبا عن العالم الحروب والثورات المستمرة مزقتها الهزات الارضية والتيارات البحرية القوية و الماكررة ساعدت على تدمير مدن بكاملها ومازال هذا يحدث الان البراكين استيقظت من جديد وتبرز احيانا بين ليلة وضحاها ان الشباب الشيليين يشبهون تماما” الكاوبوي” رعاة البقر الاميريكيين العاملين في مزرعتي والذين يهتمون بالماشية انهم صاخبون انفعاليون وتلقائيون وهم يعكسون صورة بلادهم .”
توقف قليلا ثم تابع يقول:
” ومن اجله نشرت الاعلان في الصحف … واذا كنت ارغب في ان تاتي معي الى اخر العالم ذلك من اجل ان تصبحي زوجته!”
حدقت سيرينا به مذعوره وقالت في تلعثم:
“م…..ماذا؟”
اضاف دون البيرتو والحزن يملا وجهه:
“نعم . هذا محتوى عرضي . حفيدي في حاجة الى زوجة واعتقد اني الوحيد الذي يمكنه ان يختارها له”
اطلق زفرة وهمس بصوت يدل عن ارهاق وتعب:
“والان اصبحت رجلا عجوزا ياسنيوريتا وارغب – وهذه امنيتي الغالية- ان اغادر مزرعتي تاركا اياها في ايد صالحة عندما يتزوج يصبح حفيدي قادرا ان يفرض سلطته على رجال الاعمال الناضجين الذين يتعامل معهم ويفرض الطاعه على العمال الذين في سنه والذين مازالوا يعتبرونه واحدا منهم”.
راح قلب سيرينا يخفق بسرعه وهي تهز راسها كلمات دون البيرتو احدثت عندها نوعا من الدوار كتلة الصور تتداخل في مخيلتها وتتصادم فوق بعضها البعض قمم الجبال المثلجة والبحار الهائجة والصحاري الحارة حتى لهب الشمس والغابات الغارقة تحت المطر كل هذه الصور بدات تتمايل امام عينيها وفي هذه الاماكن قام الغزاه الوقحون الباحثون عن كنوز الذهب بشن معارك لاترحم ضد الهنود!
الهزات الارضية المرعبه التي وردت في حديث دون البيرتو لم تحدث فيها رعبا مثلما احدث فيها عرضه غير المنتظر الزواج من حفيده! كانت مضطربه ومشوشه وكانت تجد صعوبه كبيره في السيطره على تناغم افكارها العمال الذين يشبههم برعاة البقر الاميركين هؤلاء المندفعون الصاخبون يعيشون نمط حياة مختلفة تماما عن الحياة التي تعيشها صحيح انه تسنى لها ان ترى في السنما المواشي المنتشرة على مد النظر في السهول وان تعجب بالفرسان والرعاة الذين لايعادرون احصنتهم ليلا ونهارا لكن هذه المساحات الشاسعه التي كانت تشاهدها على شاشات الصالات المظلمة كانت تبدو من صنع الخيال اكثر من كونها واقعية اضافة الى ذلك تلك الموائد التي يشترك فيها العمال في الهواء الطلق تحت ضوء القمر والنجوم حيث تشوى اللحوم بكمية ضخمة تزيد هذا الشعور خيالا وبعدا عن الواقعية فالبيض المقلي واللوبياء المسلوقة اليس هذا ماكان يتالف منه طعامها ؟ وهاهي الان في وضه يقترح عليها عجوز شيلي ان تتزوج من رجل ينتمي الى عالم اخر تجهل كل شيء عنه .
فتحت عينيها بقوة فاحدثتا عند الرجل العجوز دهشة قوية كانها حالة صدمة ما فتمكنت من القول:
“هل انت تتكلم بجدية؟”
اجاب بلهجة قاطعة :
“نعم. انا اتكلم بجدية تامة يسنيوريتا”
اطلقت زفرة ممؤلمة وقالت :
“لكن حفيدك هذا …ماذا يفكر بمثل هذا التدبير ؟ اي نوع من الرجال هو كي يقبل ان يختار له جده زوجة؟”
همس العجوز حالما:
“اي نوع من الرجال هو؟ انه نسخة طبق الاصل عن والده .. تالمنا لخيارته منذ سنوات عديدة كان ابني الوحيد وقتل على اثر هزة ارضية احب زوجته حبا كبيرا وهي كانت رائعة الجمال اراد يوما ان يقد لها الملابس الجديدة ومساحيق الزينه فاصطحبها معه الى المدينه وهناك وقعت الماساة كانا في الفندق عندما حدثت الهزة وسقطت الجدران عليهما كانا زوجين مثاليين متحدين بشكل لا يوصف…”
ران صمت قصير ثم تابع قوله:
“لايتذكر حفيدي شيئا عن والديه ومع مرور الزمن اصبح يذكرني كثيرا بوالده في السنوات الاخيره قبل وفاته منحني ابني الوحيد ارتياحا وتعويضات جمة وقبل وفاته ببضعة اسابيع شكرني على طريقة تربيتي له وعلى نصائحي سيشكرني حفيدي يوما ما لاني سادله على الطريق الصحيح –الطريق الوحيد لتحقيق الذات كليا لكن لا اعرف ماذا ستكون ردة فعله امام هذه المبادرة …”
فجاة اصبح نظره باردا وغير واضح التعبير وقال:
“لكنه في الاخير سيفعل ما ساقوله له”
شعرت سيرينا بالشفقه تجاه ذلك الشاب الذي يعيش منذ سنوات عديده تحت ظل هذا العجوز السلطوي المستبد لاشك ان الثقه تنقصه وهذا ماتفهمه تماما اذ انه يثق بحكم الغير اكثر من حكمة هو لاشك ان الخجل قد شله لابد ان يكون انسان معقدا وحساسا للانتقادات ومكبوتا على ذاته.
غير انها بالرغم من الشفقه التي تشعرها تجاهه فليس واردا ان تقترن به!
اعلنت في هدوء تام :
“انا اسفه عليك ان تبحث عن زوجة لحفيدك في مكان اخر ”
سالها بصوت قاطع :
“لماذا ؟هل انت مغرمة برجل اخر؟”
“لا ليس هذا هو السبب اطلاقا”
“اذا لماذا تكذبين؟الم تؤكدي لي منذ قليل انك ستفعلين اي شيء من اجل ايواء اختك؟ وما اقدمه لك ليس “اي شيء ” .يبدو انك لاتفهمين ان حظا يفلق الصخر قد قدم اليك فكري
قليلا بالحياه التي تعيشينها في الوقت الحالي وبالحياه التي اقدمها اليك ..”
احتجت قائلة:
“لكنك لا تفهم شيئا؟ لن اتزوج ابدا برجل اجهل عنه كل شيء ولم يسبق ان التقيت به حتى ولو مره واحدة!”
“غير انك ترغبين في الزواج يوما ”
احمر وجه سيرينا وقالت :
“يعني ان..يوما ما …اود …نعم”
قاطعها وقال بصوت ناعم :
” انت كثيرة التفاؤل اليس كذلك ياسنيوريتا ؟امال كثيرة من دون شك لكن هل تعتقدين حقا ان رجلا سيقبل ان يربي طفلة ليست منه؟ الرجال انانيون ويرفضون التضحيات .. هل تريدينني ان ارسم لك وضعك الذي ستواجهينه بعد بضعة سنوات ؟ سترهقين باعباء تربية طفلة لوحدك وستصبحين عجوزا قبل الاوان ستجدين نفسك وحيده عندما تصبح اختك في سن الدراسة ثم وحيدة من جديد عندما تبدا في الخروج وسترين سن الشيخوخة يمتد امامك وستجدين نفسك غير محبوبة او مرغوبة ولاتعودين في حاجة للانتظار كي تشكرك اختك على اهتمامك بها هذا اذا كانت مختلفة وغير اعتيادية ”
غمرتها قشعريرة باردة فقالت:
“انت رجل قاس ، ياسنيور!”
“واقعي ياسنيوريتا من الافضل لك ان تتبعي نصحيتي ” ادار ظهره وخرج من الغرفة وبالرغم من الحرارة داخل الغرفة شعرت سيرينا بالبرد يحتلها اجتاحها خوف فوق الوصف راحت ترى نفسها وحيدة وقد فقدت اغراءها وجاذبيتها واصبحت هرمة.اليس هذا مايخيف؟
نظرت حولها وراحت تقارن محتوى الغرفة الانيقة والفاخرة بغرفتها الحقيرة شبه العارية غرفة عليها مغادرتها بعد اسبوع الى اين تذهب؟ والى متى سيدوم هذا الواقع المؤلم ؟ ربما ستشعر ويندي بعدم الاستقرار الذي سيترك اثرا ابديا.
عندما عاد دون البيرتو الى الغرفة كانت عينا سيرينا تحدقان بنار المدفاة التي يترنح لهبها باستمرار كانت تبدو هادئة جدا اقترب منها فادارت وجهها نحوه ورات في عينيه بريق امل فابتسمت له فقال:
“هل قررت ياسنيوريتا؟”
“ننعم سنيور قررت ان اقبل العرض امل ان يجدني حفيدك زوجة تناسبة “.
××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××
نهاية الفصل الثاني
ooooooooooooooooooooooooooooooooo
3- بعض من هداياه
ooooooooooooooooooooooooooooooooo
بعد ثلاثه ايام كانت سيرينا جالسه اما نافذة الفندق الذي يطل على الساحه العامه تراقب فصيلة من الحنود تقوم بمناورات حربية على صوت الابواق انه تبديل الحراس امام قصر مونيدا قصر الضيافة التابع لرئيس الدولة ويعتمر الجنود قبعات ويرتدون الدروع والسراويل الكاكية وينتعلون جزمات من الجلد الاسود تصل الى ركبهم كانوا مصطفين امام من سيحلون مكانهم وينتظرون الاوامر الضباط التابعون للفريقين يسحبون سيوفهم ويحيون بعضهم بحرككات انيقة ودقيقة ويحصل التغير اثنين اثنين الى ان تتغير الفصيلة كلها ثم تعزف الابواق موسيقى عسكرية ويمشي الجنود بعد نهاية مهمتهم في شوارع سانتياغو متجهين الى ثكنتهم. بدت العاصمة ممتدة كليا امام انظار سيرينا . انها تقع وسط سهل واسع ويعبرها نهر في جهتها الشماليه وتحدها شرقا الجبال الشاهقة التي تسد الافق وهي جبال الانديس.
كان الانطلاق من لندن منذ 24 ساعه وكانت الرحلة مريحة وموفقة واهتم دون البيرتو بالطفلة ويندي تمام كما يجب وبينما كانت في احضان سيرينا لم تكف عن النظر اليه والابتسام له.
سحرته الطفلة فاصر على حملها وتدليلها تاركا سيرينا في افكارها وهي تتساءل عن الحوافز العميقة وعن الشائعات التي ستروجها زميلاتها في المكتب
خادم دون البيرتو اهتم بكل شيء حتى اخر التفاصيل لكن الوقت كان قصيرا وشعرت سيرينا بانها لاهثة ومبهورة كانت تعي انها ترتكب جنونا حقيقيا … ففي انزعاج كبير كانت قد اتصلت بمديرها وشرحت له انها ستقدم استقالتها من العمل.
” بسبب الظروف العائلية اضطررت للبحث عن مسكن جديد .. كما اني وجدت عملا اخر لايبعد عن المكان الذي اسكنه من الان فصاعدا ..”
اجابها بلهجة لطيفة:
“اننا اسفون ان تغادرينا لكن بما اننا ندخل فترة عصيبة فغيابك لن يؤذينا بامكانك ان تتصلي بي في الوقت الذي يناسبك حتى ارسل اليك راتبك وشهادة العمل”
اتصلت سيرينا بمديرها في فترة الغداء حتى تتحاشى اسئلة زميلاتها المحرجة فهي لاتتمتع بالشجاعة الكافية لترد على اسئلتهن كانت علاقاتها مع زميلاتها في المكتب علاقات عمل وحسب وكانت تضطر الى رفض جميع الدعوات لانها كرست كل وقتها الفارغ للاهتمام بويندي ولذلك لم تكن على صداقة حميمة مع اي من الزميلات وفكرت سيرينا في مرارة انهن سيتكلمن عنها يوما او يومين ثم سينسينها تمام كباخرة في عرض البحر تختفي في الليل ولا تترك سوى صورة هاربة .
تنفست الصعداء وابتعدت عن النافذة متوجهة نحو سريرها منذ وصولهم الى هذا الفندق تدبر لها المدير مربية ستهتم بويندي خلال مدة اقامتها القصيرة في العاصمة الشيلية.
نصحها دون البيرتو قائلا:
“حاولي ان تنامي قليلا اذا تمكنت من ذلك ياعزيزتي سنلتقي وقت الغداء في غرفة الطعام هناك اشياء كثيرة اريد ان احدثك بها قبل الذهاب الى المزرعة”
قبلت هذا الاقتراح بفرح كبير فقد تمت الاحداث بسرعة غريبة في الايام الاخيرة وهذه البلاد تبلبلها الضجيج والمناظر الجديدة والوجوه كل شيء يبدو غريبا عليها بل محيرا وكئيبا .
منهكة تمددت سيرينا على السرير تعبها ليس جسديا بل سببه التوتر النفسي السرير مريح والاغطية ناعمة ومع ذلك فلا شيء باستطاعته تهدئة اضطراب اعصابها كانت متقلصة الوجه ومشوشة الافكار .
الم تقبل الزواج من رجل لم نره في حياتها من قبل؟ وهل هي قادرة ان تكون سندا فعالا لهذا الرجل الخجول ذي الطبع اللين؟ وهل ستحل الخدمات التي ستقدمها له مكان الحب؟
لم تتوصل الى الشعور بالراحة المنشودة وظلت تتقلب في فراشها
يمنة ويسرة من دون جدوى .احتلها ارتخاء متعب وتدريجيا شعرت بثقل في جفنيها وسرعان ماغطت في نوم عميق حلمت ان رجلا ظهر في حياتها ليريحها من كل اعباء الحياة كانت ارادته لاتقهر وحماسه لايضاهى جاء ليعزيها ويواسي همومها شفى جروحها العميقة واعاد اليها الحماس وحب الحياه واخيرا اشعل في صميم قلبها الحب .. ننذ سنة تقريبا وهذا الحلم يراود لياليها .
وعندما استيقظت من نومها بعد مرور ساعها تقريبا كانت الدموع تلالا في عينها نظرت الى ساعة يدها مازال امامها الوقت قبل ان تهيء نفسها لموعد الغداء الشمس سربت اشعتها من وراء النوافذ الخشبية المغلقة والقت نظرة حولها باستغراب انها تذكر كليا انها تركت النوافذ مفتوحة قبل ان تتمدد في سريرها لا احد غيرها موجود في الغرفة غير ان شخصا قد دخل الى غرفتها في صمت وهدوء بينما كانت نائمه واغلق النوافذ وفي سرعة توجهت الى الباب واقفلته بالمفتاح الشعور بالتجسس عليها وضعها في حالة انزعاج لكن تصرفها هذا لايجدي حتى انها اعتبرته تافها غيير انها شعرت في الوقت الحاضر انها سريعة العطب وان اقفالها الباب سيجعلها اكثر اطمئنانا.
شعرت برغبة في الاستحمام فتوجهت نحو الحمام وتوقفت فجاة حين رات تلة من الصناديق الرمادية موضوعة في ارض الغرفة .
انها من مختلف الاحجام وكلها تحمل اسم “ميرابيل ” محفورة احرفها بالذهب تناولت الصندوق الاول وهزته بحذر فصدر عنه حفيف بالكاد سمعته فاثار اهتمامها فتحته وبيدين مرتجفتين ابعدت الورقة الحريرة البنفسيجية وشاهدت قميص نوم من الدانتال الناعم . لم تتمكن من الامتناع عن اطلاق زفرة استغراب فرحة قبل ان تسحبة من العلبة وتتامله مليا.
وواحدة بعد الاخرى فتحت جميع العلب بنوع من الاثارة جعل انفاسها تتقطع : كل صنف من الالبسة يسحر الالباب وامام عينيها غير المصدقتين انتشرت اخير مجموعة من الفساتين
وقمصان النوم والبزات والبنطولنات والحقائب اليدوية والاحذية ..لا شك ان كل هذا كلف اموالا طائلة كانت الغرفة قد امتلات بالاوراق واغطية العلب عندما فتحت الصندوق الاخير الذي يفوق الصناديق الاخرى وجدت صعوبة لتمزق الورق الملفوف حول العلبة قبل فتحها لكنها سرعان ماطلقت صرخة اندهاش وهي تنظر الى معطف من الفرو الغامق الللون وبعد تردد بسيط راحت تلامسه في نشوة وامتنان.
وظلت برهة مفتونه امام هذه الثروات الممتده امامها حتى نجمات السينما لاتملكن مثل هذه الملابس الفاخرة .. والباهظة! وبما انها متعودة ان تكون فتاه اقتصادية وجدت مثل هذا الاسراف غريبا وشاذا ولاتجرؤ ان تقدر قيمته.
وبعد تفكير طويل اختارت ثوبا ابيض اللون بسيطا يدخلة التطريز الانجليزي ارتدته ووقفت امام المراه تتامل نفسها داخل هذا الثوب فوجدت انه يليق بها اذ ان قصته ذات فن رفيع … ان هذا الفستان يظهر شكل جسمها النحيف والممشوق ويلفت الانتباه.
مساحيق الزينة والعطورات كانت موجودة ا يضا فوضعت على شفتيها قليلا من احمر الشفاه بلون المرجان وكحلت عينيها وجفنيها وكانت في الوقت نفسه تفكر بالرجل الذي حلمت به يرافقها تذكرت دون البيرتو هذا العجوز الفريد من نوعه الذي لاشك ان ليده معرفة واسعه بالنساء ويعرف كيفية ارضائهن واثارت اهتمامهن وبث الحماس فيهن في حدس ذكي عرف ذوقها تماما بالرغم من لامبالاتها بالزينه والملابس المترفة حتى انه اكتشف قياسات جسمها وقدميها…
وبعدما تاكدت ان ويندي تنام بهدوؤ خبطت سيرينا الادراج متوجهة الى مطعم الفندق حيث كان دون البيرتو في انتظارها كان يحتسي شرابا خفيفا وهو جالس قرب النافذة نهض واقفا عندما راها تقترب منه فشعرت سيرينا في الحال برغبة التعبير عن امتنانها فمدت له يدها لكنها اندهشت عندما رفعها الى فمه وقال في اعجاب :
” الشعلة.. الجميلة..”
قالت وهي تهز راسها:
“شكرا جزيلا ياسنيور ”
كان الوقت ظهرا والشمس التي كانت تملا الغرفة تعكس اشعتها على جدائل شعر سيرينا الملفوفة حول راسها.
بعد وقت قصير جلسا امام مائدة الطعام وقدم لها الخادم سلطة “بالتا” المؤلفة من القريدس والافوكادو المتبله بعصير الحامض .
والوجبة الاساسية كانت مؤلفة من عجينة تحتوي على مجموعة من اللحوم والزيتون والبصل والفلفل الاخضر والزبيب وبينما كانا ياكلان كان الحديث يدور حول امور عادية لكنهما كانا يعرفان جيدا انهما سيشرعان بعد قليل البحث في الامور الاساسية..
بابتسامة متسامحة انتظر دون البيرتو ان تنتهي سيرينا من تناول الوجبة الاخير المؤلفة من بوظة الفراولة وان تحتسي القهوة ثم اعلن بغتة:
“صباح اليوم اتصلت لاسلكيا بحفيدي سياتي في طائرته لملاقاتنا في مطار سانتياغو ”
ثم القى نظرة الى ساعة واضاف:
“سيصل بعد ساعة بالضبط ”
قالت سيرينا بصوت مخنوق:
“هكذا باكرا؟”
باشارة من راسة وافق دون البيرتو ثم قال:
“اريد ان اطلب منك شيئا ياسنيوريتا قبل وصول حفيدي بعد تفكير طويل توصلت الى النتيجة التالية: ارى من الافضل ان تدعية يعتقد ان ويندي ابنتك…”
ارتسم الاندهاش على وجه الفتاه فاسرع يقول بالتحديد :
“في الوقت المناسب سافصح له بالحقيقة كلها”
“لكن لماذا تريد ان تكبده خيبة الامل هذه ياسنيور؟”
ظل ساكتا يحدق فيها بامعان كان وجهها مليئا بالبراءة والنضارة مما جعل الابتسام يرتسم على وجه دون البيرتو الذي قال :
“بما اني اعرف ذوق حفيدي لما يسمى بالالغاز فقد قررت ان اطرح علية لغزا لاشيء يوقظ التحدي مثل سر يبقى كاملا وكيف عندما يرى فتاة متحفظة وبشوشة لايمكن لاحد ان يشك انها ام لطفلة صغيرة؟ الطفلة تشبهك كثيرا وسيعتقد كما سبق واعتقدت انا انها ابنتك سيكون الامر طبيعيا…”
احمرت وجنتا سيرينا وحاولت جهدها للحفاظ على هدوئها وقالت:
“اذن ياسنيور تريدني ان ادعي باني والدة ويندي من اجل ان تشحذ فضول حفيدك فقط لاغير اعتقد ان ذلك ليس تصرفا لائقا من جانبك ان بالنسبة الي او بالنسبة الية”
تجهم وجه دون البيرتو وظهرت القساوة في نظرته وقال بلهجة لاذعة:
“لادخل للعواطف في هذه الصفقة التي عقدناها وليس فيها سوى الفوائد المادية التي ستحصلين عليها!”
اكفهر وجهها ,ظاهريا يبدو هذا العجوز طيبا وساحرا وكنه يخفي وراء ذلك قساوة حقيقية غير انها توافق بان له الحق ان يذكرها بغاية هذا الاتفاق الذي تجني منه فائدتها بسعادة ساذجة .
غرفتها في فندق درجة اولى ملابسها الفاخرة كلها تظهر كرمه الحاتمي وفي الوقت الحاضر لم يعد لديها الحق في التذمر لانها قامت باختيار سجنها الذهبي وعليها ان تسلم به وتتحمل كل المسؤولية .
“قالت خافضة الراس:
“سافعل ما تريد ياسنيور لكن ماذا تريد مني ان اقول لحفيدك بالضبط؟ الموضوع شديد الدقة..”
“انك مسؤولة عن طفلة وعليك تحمل اعباء ذلك ببساطة”
“شيء في اعلانك اثار اهتمامي وهي الفقرة التي تتعلق بقبول طلبات اللواتي يتحملن اعباء الاسرة نادرا مايقبل اصحاب العمل ان يقيم الموظف لديهم في بيوتهم مع افراد العائلة …اذن لماذا؟”
وبما ان سيرينا وعدت بلطف ان تفعل مايرده العجوز منها تغير مزاجه وتناول سيكارا واجاب قائلا:
“كل كلمة وردت في الاعلان كانت مدروسة في اعتناء ودقة وخاصة ماجاء في الفقرة التي تنوهين بها الفتاه التي كنت ابحث عنها عليها ان تمتلك كل الصفات التي لاجدل فيها وخاصة ان تتحلى بحسن الواجب الذي هو اهم شيء في مظهري يجب الا افقد ثقتي بها في المستقبل … وعندما يكون المرء خاليا من هذه الصفات لايمكنه تحمل اعباء الاسرة وخاصة لفترة طويلة وهذه الطفلة تخدم خطتي تماما لايحب المرء اهله الابعدما يصبح هو ابا ام اما ايضا لذلك ان تعيشي قرب هذه الطفلة وتهتمي بها سيعود ذلك اليها بفائدة جمة فاذا امضى حفيدي ليلة قرب سرير طفلة مريضة سيتعلم الكثير وسيجني ثمارا لايمكن لاي فلسفة نظرية ان تمنحها له..”
“قلت ان حفيدك لايتذكر والدية اطلاقا وبنظرة انت الذي لعبت دور اهلة هل هذا يعني انه تصرف نحوك بجحود ؟”
“ليس تماما لكنه يشك بصحة طريقتي وليس قادرا ان يفهم بوضوح دوافعي ربما اذا جابه بنفسه المشاكل التي تطرا على تربية الاطفال سيعي الصعوبات التي واجهتها عندما كنت اربيه سيفهم اخير ان ما افعله يخدم مصالحه”
“وبقدر ماهذه المصالح توافق مصالحك”هذا مافكرت به سيرينا في نفسها وهي ترتعش
منذ لقائهما الاول تنبات سيرينا ان هذه اللياقة الخارجية التي يظهر بها دون البيرتو تخفي وراءها رجلا قاسيا وحاسما يسخر باراء غيرة ويفرض ارادته على الضعفاء وذلك في عجرفة وتعاظم ودون مراعاة وبالنتيجة ايقظ في نفس حفيده الخجول والمطيع العداء والضغينة!
انقبض قلبها حفيده انسان ضعيف وواهن مثلها…ماذا بامكان هذان المهرجان ان يفعلاه اذا كانت هناك يد حديدية تعاملهما كما تشاء.
×××××××××××××××××××××××××××××××
نهاية الفصل الثالث
oooooooooooooooooooooooooooooooooo
4- مهماز الغضب
ooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooooo
في سيارة التاكسي التي تقلهم الى مطار سانتياغو لم يتكلم دون البيرتو الا قليلا كان يبدو متوترا وعصبيا لما دخلوا الى المدرج شعرت سيرينا بانقباض وتوتر ايضا.
بعد دقائق قليلة ستتعرف الى الرجل الذي وعدت الزواج منه!
كانت ويندي متكورة على صدر اختها بقوة مما جعل سيرينا تسرع لتقف قرب دون البيرتو الذي كان مسمرا العينين في الطائرة الانيقة الجاثمة على المدرج همس يقول:
“عظيم لم يتاخر في الوصول”ارتخت تقلصات شفتيه وابتسم وانتشرت حولهم حركة نشطة .
اندفع سيل من المسافرين الى الطائرات التابعة لمختلف شركات الطيران . الاقلاع والهبوط يتعاقبان في تناغم ثابت لكن سيرينا لم تكن تنظر الا الى الرجل الذي خرج من الطائرة الفاخرة وراح يتقدم نحوهم في خطى واسعة فاشار اليه دون البيرتو بيده ثم قال باستغراب وخيبة امل :
“يالهي! لماذا جئت انت ياكوستا ؟ اين حفيدي ؟”
ارخت سيرينا ضغطها على ويندي وشعرت بارتياح لان الشاب الواقف امامها ليس حفيد دون البيرتو كان الطيار يرمقهم بنظرات استغراب وبدا منزعجا في شكل واضح ثم قال:
“طلب مني ان اعبر لكم عن اسفة لعدم قدرته المجيء ياسنيور من كثرة انشغالة لم يتمكن من ان يحرر نفسه كي ياتي ويرافقكم”
انطلق دون البيرتو غاضبا :
“تبا له ! ماذا الذي منعه من المجيء ؟لم تحدث هزة ارضية على ما اظن!”
اخذ كل واحد مكانه داخل الطائرة فجلست سيرينا قرب العجوز المتوتر الاعصاب وخلال مدة نصف ساعه ظل صامتا وعابسا بينما كانت الطائرة تتجه نحو الجنوب وغابت العاصمة وناطحات السحاب بعيدا وراءهم كانت الطائرة تحلق على ارتفاع منخفض فوق حقول مزروعة باشجار السرو والاوكاليبتوس والحور.
وقنوات مائية تصل الحقول ببعضها البعض.
قال دون البيرتو بعد ان انفرجت اسارير وجهه:
“هذه الاراضي هي افضل اراضي شيلي وبسبب الجبل الري يتم بصورة جيدة جبال الانديس والتلال المكسوة بالثلج تشكل خزانا حقيقيا لذلك فلا تنقصنا المياه حتى في الصيف الجاف”
سالت سيرينا وهي متقلصة اليدين:
“هل لديم مزروعات ياسنيور؟”
” اننا نرعى الماشية لكن لدينا بالطبع حقول مزروعة تكفي حاجتنا فقط”
ومرة اخرى غاص صمت عميق وازداد توتر سيرينا التي كانت تحدق من خلا نافذه الطيار
وترى القمح والذرة والسعير والخضار ثم قطعان الماشية وبعد قليل لم تعد ترى سوى مساحات واسعه من العشب الممتد الى مالا نهاية وحيث الوف الابقار والاغنام والماعز لم يسبق ان رات مثل هذا التجمع الضخم وهذه القطعان . ولما بدات الطائرة بالهبوط باتجاه احد المنازل الذي كان بالكاد مرئيا على خط الافق عرفت سيرينا انهم وصلوا الى المكان المقصود .وخلال الهبوط خارت قدماها وشعرت بخفقان قلبها على طرف المدرج كانت السيارة بانتظارهم صعدت سيرينا في المقعد الخلفي واقلعت السيارة في الحال متجهة نحو مسكن كبير يقع وسط مجموعه من اشجار الاوكاليبتوس والجدران مبينه من الحجارة الثقيلة ومطلية بالكلس الابيض اما السقف فمصنوع من صفوف القرميد الاخضر المدور البلاط الاخضر يكسو ارض الشرفة وينتشر حول بركة السباحه .
عندما دخلوا المنزل لاحطت سيرينا البلاط نفسه في الارض دعاها دون البيرتو ان تعبر المدخل وتوجه بها نحو الصالون بساط بني فاتح يفرش الارض وحول الصالون مجموعه مقاعد مستندة الى الجدار ملبسة بالقماش الهافاني وعلى الجدار رفوف بيضاء مليئة بالكتب الضخمة والمجلدة هنا وههناك لمبات رفيعه وانيقة تليق بهذا الجو مدفاه ضخمة تلفت النظر من حجر الرخام تعلوها ظهرية نحاسية تعكس الوان النار الفاقعه والمتبدله ويمكن لعشرة اشخاص ان يتجمعوا حولها.
فتنها المنظر كليا فسالها دون البيرتو الذي شعر بسعاده واطراء :
“هل اعجبك منزلي ياسنيوريتا؟”
كانت نظراتها البراقه تفيض بجواب ايجابي فقالت:
“انه رائع للغاية ياسنيور ويحتوي على ذوق رفيع عرفت ان تدخل كل وسائل الراحه والحياه العصرية من دون ان يسيء الية الطابع الاصلي ”
هزا راسه وكاد ان يشكرها لهذا الاطراء حين انفتح باب الصالون بعنف واطلت منه امراه قصيرة القامه بدينه راحت تهز ذراعيها مرحبه بهم في حرارة
“المعذرة سيدي الكونت لقد اعلمني الطيار كوستا بوصولك لتوه . تاخذان بعض الشرابات المنعشة انت والسيده اليس كذلك ؟ هل اجلب حليبا للطفلة؟”
“شكرا ياكارمين انا اكيد ان ضيوفي يشعرون بالعطش مثلي لكن قبل ان تقدمي لنا الشراب ربما من الافضل ان تدلي الانسه باين الى غرفتها هل اخذتم التدابير الضرورية بما يتعلق بالطفلة حسب اوامري؟”
” نعم ياسينيور كل شيء جاهز لو تتفضل الانسه وتتبعني؟”
وقبل مغادرة الصاله سالا دون البيرتو مستعلما:/
“والمربيه ؟ هل وجدت الممرضه المناسبة؟”
“اهتميت بالامر كذلك ياسنيور طلبت من شقيقة كوستا ان تهتم بالامر وهي تنتظر بفارغ الصبر ان تلتقي الصغيرة”
قال بامتنان ظاهري:
“رائع كل شيء تم على احسن مايرام”
ثم وجه كلامه الى سيرينا بوجه بشوش وابتسامه على الشفتين:
“عليك ان تعذريني ياسنيوريتا ستحتسين الشراب وحدك بسبب تغيبي عن المنزل تكدست الاعمال علي …لكن في المساء سنتناول العشاء معا وامل حينذاك ان ان اعرفك الى حفيدي الذي سيعتذر بحرارة لانه لم ياتي الاستقبالك في المطار”
” لاتقلق علي ياسينيور ولاتتردد في ممارسه اعمالك التي لابد ان تكون كثيرة على ما اظن اما بالنسبة الى حفيدك فنعرف ان عذرة معه سنلتقي جميعا في المساء!”
كادت ان نفقد هدوءها لمجرد التفكير بهذا اللقاء وحاولت ان تتمالك نفسها فتبعت كارمين وهي تضم شقيقتها ويندي الى صدرها لقد حققت ماكانت تتمناه اذ وجدت المكان المناسب كي تترعرع فيه ويندي من دون ان تشعر بحاجه لاي شيء لكن عليها ان تدفع هذا الثمن حتى ولو
كان مرتفعا.
تبعت سيرينا كارمين التي قادتها الى اعلى البيت حيث تقع غرفتها وغرفة شقيقتها ويندي كانت كارمين تتكلم بسرعه دون توقف شارحه للضيفة كل مابوسعها قوله كانت الغرفتان تقعان تحت سند السقف مباشرة وقد طليت جدرانها بالابيض وبنيت الخزائن والرفوف في الزوايا العديده بذكاء واتقان وتحت النافذه علقت صفحه خشبيه طويله يمكن استعمالها كطاولة عمل.
والغرفتان متصلتان ببعضها البعض بباب داخلي في غرفة ويندي كانت النوافذ مصونه بشباك حديدي من خلاله يتسرب الهواء المليئ باريج الزهور المختلفة وبعد وقت قصير تعرفت سيرينا الى بيللا المربيه التي اختارتها كارمين للاهتمام بالطفلة فناولتها شقيقتها النائمه بين ذراعيها والتي وضعت للحال في سريرها.
واحتلت سيرينا حاله هيام وعجب لو انها جالت انحاء المعمورة كلها لما امكنها اكتشاف هذا المكان الذي يشبه الفردوس وفي فرح وغبطه راحت تتصور شقيقتها وهي تلعب في هذه البساتين الخلابه بين الحيوانات الاليفة لاشيء في العالم يرغمها على الرحيل من هنا ..هذا ماوعدت نفسها به!
امضت سيرينا بقيه فتره بعد الظهر في التنزه حول المنزل كانت تسرح في المكان من دون هدف معين وبعد قليل وصلت امام مكان مسيج فاسندت ظهرها على الاسوار الخشبية كان المكان خاليا لا شك ان الرجال في مثل هذا الوقت يكونون في السهول المجاورة يرعون القطعان التي شاهدتها وهي في الطائرة فاكلمت تجوالها ذهابا وايابا في خطى هادئة ونظرت داخل مبنى واسع معد خصيصا للمنامه لاحساه لمن تنادي لكن بعد قليل سمعت اصوات طناجر وسكاكين فاقتربت لتكتشف مطبخا واسعا تنبعث منه رائحة اللحوم المشويه هنا يحضر طعام الرعاة البقر الذين لابد ان يعودوا في اقل من ساعه
بدات الشمس بالهبوط فاسرعت سيرينا في العودة الى المزرعة كانت مصرة ان تبدو في افضل شكل امام الرجل سبب سعادتها وحظها كما هي على استعداد كي توقظ في هذا الرجل الخجول كل اهتمام وفضول فارتدت فستانا مخمليا ازرق ليليا ذا اكمام طويله يظهر نحافه جسمها وانتعلت حذاء رماديا فضيا ثم سرحت شعرها الطويل حتى ينسدل امواجا شقراء على كتفيها ونظرت مرة اخيرة في المراه وشعرت بالامتنان من نفسها في الحال خرجت من غرفتها.وفي اعلى السلالم استجمعت كل مالديها من شجاعه كادت تقوم بالخطوة الاولى حين سمعت رعدا من الاصوات المبتهجه تنقض على المنزل وتعكر صفو هذا الهدوء الذي كان مستتبا طوال فتره النهار كان عشرات الفرسان يقفزون عن احصنتهم ويتوجهون في صخب الى المطبخ .
تسمرت سيرينا في مكانها متردده ثم سمعت خطوات ثقيله في الشرفه مباشرة تحت النافذه احد الرعاه ولج في المدخل وسمعت بوضوح صوت المهاميز تسقط على الارض وبعد بضعه ثوان ارتفعت اصوات في الصالون في البدايه كانت عاديه لكنها سرعان مارتفعت عاليا وبدا الضجيج والصراخ والصياح والصخب بالكاد تعرفت الى صوت دون البيرتو لان من كان يتكلم معه كان يقاطعه باستمرار وبحقد وبلهجة انتقاميه.
في حيرة واضطراب انحنت سيرينا الى الامام محاولة ان ترى الرجل الذي يجاوب بحده وعنف على كلمات دون البيرتو من يكون هذا الرجل ليجرؤ ان يتطاول على العجوز الذي يدير المزرعه بيد من حديد ؟ لايمكنه ان يكون موظفا او عاملا لان مثل هؤلاء لا يستطعون ان يتكلموا بهذه الوقاحه وهذا الجفاء..
اصطفق باب في عنف محدثا ارتجاجا في جدران المنزل وعاد الصمت الثقيل المقلق وعبق الجو بتوتر يشبة الكهرباء.
حاولت سيرينا السيطره على خوفها فتنفست الصعداء واطلقت زفرة طويلة فجاة انفتح باب غرفتها بقوة ودخل رجل ممشوق القامه يرتدي بزه سوداء هذا الاقتحام الفظ ارعب الفتاه فتسمرت مكانها من دون ان تحدث صوتا كانت تحدق في عينين متسائلتين.
كان الرجل يقيسها بامعان ووقاحه كان يتارجح من كل جانب ويطقطق بمهمازه الفضي يرتدي سروالا من الجلد الاسود ضيقا ويظهر نحافة وركيه وطول ساقية العضليتين وكان قميصه المفتوح يظهر صدره الاسمر وشعره المشعث من شده الريح فشعره اسود كذلك عيناه اللتان تلمعان ببريق شيطاني ارتسمت على شفتيه ابتسامه ساخرة وقاسيه مظهره اسنانه البيضاء الناصعه
قال بلهجه ساخره:
“اذن انت اخر مقتنيات الكونت !كان يجب على ان افطن الى انه سيختار فتاه شقراء بارده كانها مصنوعه من جص!”
” من انت؟ كيف تجرؤ على الدخول الى غرفتي من دون ان..”
قاطعها بعنف قائلا:
“اه ارجوك لاتبداى باعتباري انسانا احمق! لايليق بك ان تلعبي دور النساء الخجولات حسب راي جدي انت مستعده تمام الاستعداد لتقاسميني السرير!”
احمرت وجنتا سيرينا اشتعالا وهمست تقول في تالم:
“اتريد ان تقول انك..”
“زوجك لااكثر ولا اقل لكني زوج عاص ومتمرد..”
احنى راسه ساخرا واضاف يقول:
“انا دون خوان دي فالديفيا بيدق اخر في لعبة جدي..”
تلعثمت تقول:
“بيدق…لعبه…؟”
اقترب منها وقال:
“ربما لاتعرفين خطه جدي … لاشك انه خجل ان يكلمك عن خطته اجلسي ياسنيوريتا هناك شيء عليك ان تعرفيه بشكل ضروري ”
جلست سيرينا في المقعد وكتفت يديها وشدتهما الى صدرها في تشنج كانها تريد بذلك ان تبدد خوفها الكبير من هذا الرجل الذي يشبة دون البيرتو بشراسته وهوله كان عليها ان تتخلص من اوهامها وقناعتها فخوان دي فالديفيا ليس كما وصفه لها جون البيرتو ذلك الرجل المنطوي على نفسه والورع وبدات تفضل ان تجابه النار والطاعون واي بلاء او مصيبة ولا ان ترتبط حتى اخر حياتها بهذا السفاح البربري ونظرته الباردة وارث التوحش من اسلافه الغزاه.
قال بنظره قاتمه:
“جدي مربي ماشيه معروف قضى حياته يختار ويزاوج ويحسن مختلف الاجناس واليوم انه قادر ان ينتج –حسب الطلب- الحيوانات القويه او المؤذية او الوديعه وهو يفتخر بذلك واضافه الى هذا فهو على استعداد ان يرد للشاري كل مادفعه اذا لم يكن هذا الاخير راضيا بما يشتريه وفي الوقت الحاضر ينوي جدي ان يطبق معلوماته وخبراته على الجنس لبشري …”
فوجئت سيرينا بما يقوله واصابتها الغصه لكن خوان دي فالديفيا لم يترك لها مجال للاحتجاج اذا قال مؤكدا :
:”نعم ماقوله صحيح لقد سبق وفعل ذلك ونال نجاحا كبيرا ولهذا السبب يريد ان يقوم بتجربة جديده!”
صمت قليلا ثم تابع يقول:
“والدي كان مثلي رجلا عنيدا كان يفضل ان يفعل مايروق له حتى لو قام باغلاط كبيرة بدلا من ان يسمع لنصائح جدي وذات يوم ومن دون سابق انذار دخلت المزرعه فتاه جميله كانت انكليزيه شقراء ذات عينين زرقاوين وديعه ومطيعه اختيرت كي تعجب والدي وقيل لي انه وقع في غرامها وكان ذلك الحب متبادلا بينهما غير ان شككت في بادي الامر واعتقدت ان والدي وقع في حب هذه المزرعه الغنيه اكثر من حبها لكن للاسف هذه الهزة الارضيه لم تسمح لجدي ان يكمل تجربته حتى النهايه ولاشك انه متاسف على ذلك وكذلك ومن دون اي شك يريد ان يقوم بتجربه جديده ياسنيوريتا ومعنا..”
رفع ذقنه وسالها في سخريه :
“ماذا لو قلت لك انه اختارك فقط من اجل ان يكون لك الاثر اللطيف علي مما يجعلين اتصرف نحو جدي بطاعه عمياء ؟ لكني احذرك ياسنيوريتا ان هذه اللخطه لن تنجح … ولا احد بامكانه ان يجعلني اركع له!”
بدا قلب سيرينا ينبض بسرعه بالغه فرجعت الوراء ويدها على صدرها وقالت وهي تهز راسها:
“لست انوي ان اجعلك ان تركع لي ياسنيور كنت اعتقد انك بحاجه الي ولهذا السبب جئت الى هنا تصورت انك…”
اختنق صوتها لحظه ثم تابعت تقول:
“كنت اعتقد اني ساوجه رجلا خجول ومعقدا غير قادر ان يجد بنفسه زوجه له لكن في الوقت الحاضر بدات ادرك ان جدك وصفك لي بطريقه خياليه ولاشيء مما قاله يوازي الحقيقه وحتى لايصار الى سوء تفاهم لن اتزوجك ياسنيور حتى ولو اضطررت ان اموت جوعا !”
اصابته في غطرسته وتفاخره فراح يرمقها بنظرات احتقار وغضب وباحتراز ابتعدت عنه وتوجهت نحو النافذه وقالت:
“والان ياسنيور اخرج من الغرفة من فضلك ”
حيرة تصرف الفتاه المتعالي فاقترب منها بارتباك وامسكها بذراعها في عنف فتمالكت لئلا تصرخ فارغمها على الالتفات اليه وقال:
“اتساءل مالذي جعلك تقررين المجيء الى هنا انت فتاه جميلة ويمكنك ان تثيري اعجاب الرجل بك لذلك فانا اكيد انك لم تاتي الى هنا لانك لم تجدي رجلا يحبك ويريدك زوجة له هل قدم لك الكونت مبلغا كبيرا من المال ؟ اه اذن هذا هو السبب !”
افلت يده بسرعه وغضب توجه نحو الباب الغرفة توقف هناك واعلن بصوت قاطع مليء باحتقار مر قائلا:
“بما ان جدي هو الذي اشتراك فسيفعل بك كما يريد لم يعد لي دخل بذلك لكن ياسنيوريتا اذا اردت نصيحتي ارحلي في اسرع وقت ممكن لم نعد بحاجه اليك هنا!”
اجتاز عتبه الباب عندما بدا صراخ ويندي يعلو من الغرفة المجاورة فاسرعت سيرينا اليها لان الطفلة كانت وحدها وبيللا المربيه تتناول الطعام باتفاق مع سيرينا ولما وصلت الى سرير ويندي توقف البكاء وبدا الطفلة تزقزق بفرح:
فقالت لها سيرينا في حنان وقسوة :
“يايتها الفتاه الدلوعه ! اذا بقيت اعاملك هكذا ستصبحين فتاه مدللة فوق اللزوم ”
سمعت صوتا وراءها داخل الغرفة غير المضاءة فتذكرت للحال انها لم تكن وحدها
“لمن هذه الطفلة ”
كانت سيرينا تدور حول نفسها حاملة ويندي بين ذراعيها وتشبه العذراء ببراءتها وطهارتها اجابته بهدوء وافيه بالعهد الذي قطعته امام دون البيرتو
“هذه الطفلة لي”
قال غير مصدق:
“لك؟”
“نعم لي”
فرحت سيرينا لدى رؤيتها الدهشه العميقه التي ارتسمت على وجد خوان دي فالديفيا الذي قال :
“ووالدها اين هو؟”
من دون اضطراب قالت بلهجة عاديه لايمكنه ان يشك بصدقها:
“والدها مات”
القى نظرة سريعه الي يد سيرينا اليسرى فلم تكن ترتدي محبس الزواج ولم تكن تابه بما سيفكرها عنها لم تكن تود سوى شيءوهو ان تتخلص من الرجل العدائي .
في فضول انحنى نحو ويندي ذات العينين الزرقاوين الصافيتين .
فمدت له ذراعيها منتظره ان يحملها بدا مرتبكا الى درجة جعلت سيرينا تشهق ضاحكه لكنها سرعان ماوضعت الطفلة في مهدها وقالت:
“عليك ان تنامي ياصغيرتي لا لاتجلسي!”
قبلتها سيرينا وقالت :
“تصبحين على خير ياحبيبتي ”
اشارت لخوان دي فالديفيا ان يخرج وراءها من الغرفة قبل ان تغلق الباب الذي يصل الغرفتين فقال الرجل في شراسه:
“هل جاء معك احد غير هذه الطفلة؟”
اجابت بصراحه بعد ان فوجئت قليلا:
“كلا بالنسبة الى ويندي والي حيثما نكون نحن معا يكون منزلنا..”
ملا وجه سيرينا استرخاء كبير رمقها بنظره غاضبة وعضلات فمه ترتجف بقوة كانه يحاول ان يقوم شرا مؤذيا فقال:
“هذا العجوز محتال كالشيطاطن لكن بالرغم من هذه الظروف لن اغير رايي!”
لم يتسن لها الوقت لتساله عن تفسير وايضاح فقد اسرع نحو الباب وخرج الى الممر في خطوات واسعه تعبر عن غضبة ولم تعد تسمع الا خشخشه المهماز.
×××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××
نهاية الفصل الرابع …^_^”
oooooooooooooooooooooooooooooooo
5 خطه الجد
ooooooooooooooooooooooooooooooooo
فجاه دق الجرس معلنا موعد العشاء تمالكت سيرينا نفسها قليلا لئلا تهرب في الحقيقه لم تعد تنوي البقاء هنا في المزرعه غير ان مواجهه صريحه مع الكونت دون البيرتو اصبحت مهمه حتميه ولا مفر منها عليه الان ان يشرح لها الامور بوضوح وان يتصرف بنبل ويقدم اليها اعتذاره لانه رسم لها صورة كاذبة عن حفيدة بعيده كليا عن الحقيقه والواقع
هبطت السلالم بسرعه وعصبيه ولما وصلت اما باب الصالون توقفت في تردد ثم استجمعت قواها وكل ماتبقى لها من شجاعه وقررت ان تفتح الباب وتدخل قاعه الاستقبال
فوجئت بوجود دون البيرتو وحده كان مستغرقا في افكاره يحدق بكاسه في كابه ولما دخلت القاعه وثق يستقبلها لم تلمح في وجهه اي اشارات للندم او تبكيت الضمير
“انت رائعه حقا ياسنيوريتا لي الشرف ان ارحب بك في بيتي واكرمك على مائدتي من زمان بعيد لم تدخل منزلنا فتاه جميله مثلك “.تقلصت سيرينا وخشيت ان تخور عزيمتها وتتخلى عن تصميمها الذي قطعته على نفسها برفض الزواج من حفيده مهما كلف الامر
“هذا لطف منك ياسنيور غير انه عليك ان تسامحني اذا قلت لك ان هذه المجاملات وهذا الافراط في المديح الذي تنعم به علي يبدو لي عديم الجدوى مثل بعض تصريحاتك الاخيرة ..”
عدل جلسته وتوارى التغضن المرير عن وجهه واعلن بصراحة:
“نعم علي الاعتذار منك ياسنيوريتا ربما كان اخفاء الخطر اخطر من الكذب المتعمد ..لكن بانتظار المناقشه بكل هذا اسمحي لي ان اقدم لك شرابا منعشا بامكاننا ان نتناول العشاء بعد قليل لانه اذا وجدت نفسك في ارتياح واسترخاء ستتذوقينه افضل ”
قبلت ان تتبعه الى المقعد حيث جلست ونظراتها المليئه بالخوف كانت منجذبه تلقائيا نحو الباب عرف دون البيرتو مايدور في خلدها فهمس يقول:
“استرخي ياسنيوريتا حفيدي ليس في المزرعه مساء اليوم ذهب الى المدينه برفقه بعض الرعاه ولن يعودوا قبل الفجر وستسمعين ضجتهم الاعتياديه اذا لم يكن نومك عميقا”
شعرت سيرينا بارتياح واسترحت في مقعدها وبين الوسائد المحيطه بها فابتسم دون البيرتو لرده فعلها وقال:
“اذن لقد اتيحت لك فرصه لقاء حفيدي ..”
فاعترتها قشعريره باردة وقالت:
“ماحدث بيننا لم يكن ماتسميه باللقاء لقد احتجزني ووشمني للحال كما تفعلون بالماشيه!”
كان دون البيرتو منهمكا في تحضير الشراب الذي رفضته فقاطعها فجاه وردد وهو مقطب الحاجبين:
“وشمك؟”
“وشمني مثل اي امراه سلعه ياسنيور وبراي حفيدك انا امراه لا مكان لها هنا ومصيرها متعلق بمن اشتراها يعني انت ايها الكونت!”
قال في غضب :
“يالهي! لو كان مايزال صبيا لقاصصته على هذا الكلام البذيء!”
“لكنه لم يعد صبيا وفي كل حال الظاهر انه على حق ان تختار بنفسك امراه لتزوجها من حفيدك الخجول المرتاب ليس هذا بعيدا عن الخيال لكن حفيدك يدعى خوان دي فالديفيا وليس ذلك الرجل الخجول والمرتاب ومافعلته عديم الفائدة! لا يمكنك ان تجهل ان مبادرتك هذه ستجعله يغضب بعنف؟”
جلس قربها واكتفى باطلاق زفره عميقة لاشك انه نادم على ما فعله لكن على ماذا هو نادم بالتحديد ؟ على فشل مخططه ام على الضرر الذي الحقه بحفيده وبها؟
قال بلهجه متوسله:
“اذا قبلت سماع ماساقوله سترين ان تصرفي هو اقل انانيه مما كنت تتصورين”
“وما الفائده بعد الان؟ بعدما باح به حفيدك اصبح كل شيء واضحا انت مربي ماشيه معروف ولا احد ينكر نجاحك الباهر في هذا المجال لكنك توصلت الى الاقتناع انه بامكانك تحقيق تجاربك على الكائن البشري وشيئا فشيئا توصلت الى مشروعك وهو ان تحقق اتحادا كاملا لزوجين مثاليين غير انك ارتكبت خطا جسيما في يتعلق بنا دون خوان رجل .. غليظ وفظ واذا كان هذا غير كاف فانه يرجع كل شيء اليه .. وهذا ما اكده اكثر من اي شيء اخر!”
لمع بريق شحيح في نظرات دون البيرتو وارتسمت ابتسامه صغيرة على وجهه فوجئت سيرينا بردة فعله وانزعجت بعض الشيء ونهضت مسرعه لكنه مد اليها يده واعلن بلهجة هادئه قائلا:
“سامحيني يا عزيزتي لكن سبق وسمعت هذا الكلام من قبل وبالحماس والصدق نفسهما ذلك ان المراه التي اصبحت كنتي كانت تتكلم مثلك تماما. وبالنسبه اليها على ان اقول صراحه اني احتجزتها في المزرعه بنيه تزويجها ابني ستقولين اني مازلت في الهاجس نفسه وابني كان رجلا ذا طباع غريبه لايمكن قهره بسهوله ولا يختلف عن حفيدي الذي شاهدته اليوم كان يفضل العمل برفقه الرعاه وكان يحسدهم على حريتهم ولم يكن هو الذي يتحمل مسؤوليه اداره وحرثة هذا المشروع الكبير الذي اعتبره دويله كبيره داخل دوله كل المسؤوليات والهموم والاعباء التي تنبثق عن هذا الثقل اتحملها وحدي انا ! وكان هناك العديد من الفتيات من العائلات الرفيعه اللواتي كن يتمنين الزواج منه لكنه لم يكن مسالا الا الى النساء الاقل احتراما اللواتي يعاشرهن الرعاه في حانات المدينه وهذا ينطبق الان على حفيدي واصدقائه”
ران صمت طويل ثم تابع يقول:
،”لم اختر هذه الفتاه بنفسي لقد وصلت الى هنا بطريق الصدفة لكن يجب ان اعترف لك اني منذ رايتها خطرت ببالي فكره جهنميه واردت ان انفذها بتسهيل اللقاء بينهما الى ابعد حد في البداية كانت اللقاءات تتم في مناخ عدائي لكني فرحت اكثر عندما علمت ان العلاقه بينهما بدات تتوطد تدريجيا وكما توقعت اخذا يشعران تجاه بعضهما البعض بالحنان الذي تحول فيما بعد الى حب كبير وبالتالي تغيرت طباع ابني بشكل كلي وعرفا معا سعاده كبيره ياسنيوريتا ولايمكنني ان اعبر لك بالكلمات ما شعرت به عندما علمت بالماساه .. لذلك ارغب من كل قلبي ان يقدم خوان ثمره هذا الحب على زواج سعيد وان يسعد مثل والده .. هذه هي امنيتي الفريده لايمكنك ان تلوميني ان اقدمت على تحقيق هذه الامنيه حتى ولو كنت تفكرين في اعماق انني معاذا الله اعتبر نفسي متساويا مع الخالق الكبير عز وجل”
اقتربت سيرينا من المدفاه وانحنت صوب النار المتوهجة التي انعكست على وجهها حيث ظهر تشوش عميق وارتباك وحيرة انها تشعر نحوه بالشفقه لانه يعتبر نفسه الحاكم المستبد بمملكته الصغيرة ومقتنع بقدرته الامتناهيه كان الامر مضحكا ومؤسفا في الوقت نفسه الكونت دون البيرتو ملك المزارعين! سيتقاعد املا ان تصبح هي ملكة المزرعه .. فشعرت بالتواء ياخر ومر في فمها.
غير ان ملامح وجهها حافظت على الوقار والرصانه عندما التفتت الى العجوز الذي كان جالسا في مقعده منحنيا الى الامام ويده على ذقنه لم تكن تريد ان تجرح شعورة فاعلنت بلهجة متنزنه قائلة:
“اسفه سينيور لكنني غير قادره على قبول ترتيباتك ..”
هز راسه احتجاجا فاضافت في الحال بحزم كبير :
“نعم انها ترتيبات.. كل انسان حر ان يتصرف بحياته كما يرى مناسبا ان كان هذا الانسان حفيدك ان اي شخص اخر انا متاكدة باقتناع انك لاتفعل ذلك بانانيه وانك تتمنى بكل اخلاص سعاده خوان لكن..”
توقفت لحظة ورمقت العجوز بنظره صافيه وسالت:
“هل فكرت بان النجاح الذي احرزته في مايتعلق بابنك كان مجرد حظ وان هذا النوع من التجارب لايمكنه ان يؤدي الى النتيجة نفسها؟”
“الطبيعه الانسانيه لاتتغير سنيوريتا ! الاجيال تتلاحق والسنوات تمر والانسان مازال ينقل الى نسله الطباع والعاهات والفضائل والعيوب نفسها في عروقي يجري دم الغزاه الاول فقد ورثت عنهم حب المغامره وكراهية الخوف والانانيه والعنفوان وكان ابني يتمتع بهذه الصفات واليوم ارها عند حفيدي ولهذا السبب انا متاكد ان ماقدمت عليه ليس خاطئا ولا يقبل بالفشل”
قالت سيرينا بهدوء وهي تضم بشده يديها المرتجفتين على بعضهما :”لكن ماحدث يؤكد استحاله مهمتك مخططك باء بالفشل لانك نسيتني بكل بساطه .. وانا ما ازال موجوده سينيور من دوني لايمكنك ان تحقق اهدافك! اني ارفض الاشتراك في هذه الترتيبات وامل ان تعفيني من تحقيق العهد الذي قطعته اتمنى العودة الى بلادي باسرع وقت ممكن ولا سبب لان ارى حفيدك بعد الان !”
وضع دون البيرتو كاسه على الطاوله بهدوء ثم اقترب منها فتهيا لها انها خادمه امام معلمها وكادت ان تحني راسها خضوعا كان ينظر اليها بتفصيل يقيسها مطولا ثم قال بلهجة بارده ومراعيه:
“اخشى ان يكون ماتمنيته مستحيلا اذكرك بانه سبق وعقدنا صفقه لامجال للتراجع عنها هذه الملابس التي ترتدينها وهذا المنزل الذي تسكنيه انت واختك دليل قاطع ويحق لي ان انتظر منك امتثالا وطواعيه”.توقف لحظه ثم اضاف:
“وكما لاحظت فالمزرعه مقطوعه عن العالم اذن لامجال ان تاملي في الهروب والرحيل انها اضاعه للوقت كي تخرجي من هنا عليك ان تاخذي الطائرة وتلك التي نملكها لن اضعها تحت تصرفك عليك اذن ان تبقي هنا شئت ام ابيت!”
اطلقت نواحا عميقا وشحب وجهها وقالت بغضب:
“بامكانك ان تعتبرني سجينه لديك لكنك لن تتوصل ابدا لان تجعلني اتزوج حفيدك بالقوة!”
اجاب دون البيرتو من دون اضطراب كان شيئا لم يكن:
“في البدايه المراه التي جاءت قبلك كانت تفعل مثلك في جميع تصرفاتها وردة فعلك هذه لايمكنها الا ان تؤكد لي نجاح مهمتي ولذلك انا مسرور جدا..”
القمر يلقي اشعته البيضاء على سرير سيرينا حيث ارتمت منذ ساعات بعدما هرعت راكضة من قاعة الاستقبال حانقه على دون البيرتو وخائبه لحظها السيء فقرار الكونت الذي لا رجوع عنه وضعها في حاله حزن وكابه والان تعتبر هذا المنزل سجنا وهذه الغرفة زنزانه حيث بامكانها ان تتاسف على مصيرها وتندم شدت على معصميها وانزلقت تحت الاغطيه وراحت تنتحب باكيه وتصرخ :
“انا مجنونه حقا مجنونه لماذا لم يخطر ببالي انني بقبولي هذه الصفقه رميت نفسي في مازق؟”
صحيح انها استعدت لقبول كل العواقب التي تنتج عن هذا القرار لكن الرجل الذي قبلت منه لم يظهر على حقيقته الا اليوم…
كبتت دموعها ونهضت خارج السرير وخلعت فستانها بقسوة هذا الفستان الذي هو هديه من دون البيرتو .. وشعرت سيرينا بالخجل لما فعلته برغم انها تعرف ان سبب ذلك يعود الى ويندي غير انها احست بالقرف من تصرفها.
كان ذيل قميص نومها الشفاف يمسح ارض غرفتها ذهابا ايابا ثم جلست قرب النافذه وظلت مسمره مكانها مده طويله كالبلهاء فجاه سمعت خشخشه صغيرة وبعدها عم صوت عميق ثم اقنعت نفسها بان ماسمعته ليس سوى وهم مخيلتها لكنها سمعت الخشخشه نفسها مره ثانيه فالتفتت سيرينا حولها وفتحت عينيها جيدا تبحث في ظلمه الغرفة علها ترى شيئا فلاحظت ظلا يتحرك ويقترب منها ارتعبت ولم تجرء على القيام باي حركه بريق معدني لفت نظرها وعلى ضوء القمر الشحيح رات البكله الفضية المعلقه بالزنار الجلدي الاسود فعرفت من يكون صاحيها واستعادت صوتهاوقالت باستغراب :
“ماذا تريد؟ كيف سمحت لنفسك بالدخول الى غرفتي من دون سابق يادون خوان!”
قهقه ضاحكا واقترب منها بترنح وشعرت بنفسها على وشك السقوط وقال ساخرا:
“انا بحاجه للحديث معك في الحقيقه فكرت مطولا بالوضع الدقيق الذي وجدنا فيه … واعتقد انني عثرت على حل لذلك”
ادركت بانزعاج انه دائخ والعطر الخفيف الذي يرطب قميصه يدل انه لم يقض الليل وحيدا قالت:
“انا ايضا اخذت قرار نهائيا قررت ان ارحل من هنا … واريد ان تعدني بمساعدتي في العودة الى بلادي ”
امسك كتفيها بشده وراحت ترتعش عندما بدات يداه تمتدان الى جسمها نصف العاري لكنها ظلت جامده رافضه ان ترجوه الا يفعل ذلك. قال صارخا:
“هذا مستحيل ! انه يشوش مخططي! اليك ما انوي فعله:
ساتزوج منك …لكن عليك الاتعتقدي اني سافعل ذلك لاني اخضع لارادة جدي ابدا اريد ان القنه درسا وابرهن له ان زواجا مدبرا بهذه الطريقة الجهنميه لن يؤدي الا الى الفشل … الفشل الذي سيؤلمه كثيرا صحيح ان بزواجي ساحقق له امنيته العزيزة على قلبه لكن عليه بالمقابل ان يفي بوعده ”
بالكاد نطقت سيرينا قائله:
“وعد ؟اي وعد؟”
“ان يعهد الي ادارة المزرعه بكاملها لا اريد شيئا اخر لقد اشتغلت كثيرا بلا هوادة لانني اعرف ان ملكية هذه المزرعه ستكلفني عذابات شتى ! واخيرا وضعني جدي امام الامر الواقع :الزواج ام خساره المزرعه وليس فقط الزواج وانما هو الذي سيختار العروس ! واذا رفضت سوف يحرمني من الميراث لكن ياسنيوريتا سنحتال على هذا الثعلب معا … لندعه يعتقد انه سيد الوضع فقد اصبح عجوزا ولن تدوم عظمته الى الابد!…”
ارتعشت امام لهجته المحزنه فاضاف يقول :
“بعد بضعه سنوات سيموت وكل واحد منا يذهب في طريقة لكن الوقت الحاضر ارغب ان نتزوج سيكون الاحتفال شكليا ولن يربطنا اي قسم او يمين طبعا لن اغير تصرفي وبالنسبة اليك سينيوريتا اعتقد ان الزواج واللقب الذي ستنالينه سيكونا عزاءين كافيين ساتجرا واسالك الست زوجه سبق وعاشت من قبل خبرة الزواج اقصد بذلك انك كنت ملكا لرجل اخر؟”
هذه الملاحظه الاخيرة كانت بالنسبة الى سيرينا صفعه حقيقيه شعرت فجاه تجاهه بقرف وحقد وضغينه الى درجة انها كادت ان تبوح له بحقيقة ويندي فقط من اجل ان يعتذر عن هذه التهمه والشتيمه غير ان غريزتها نبهتها الا تقدم على فعل كهذا وتبين لها بوضوح ان دون خوان دي فالديفيا لا يمكنه قبول زوجه قد ملكها رجل اخر قبله ولهذا السبب فهو يتعذب بانانيه وعنفوان لانه سيضطر قبول ذلك ولو بصورة شكليه…
ظلت سيرينا صامته فاسرع يقول :
“اذن مارايك ؟ هل انت مستعده لمساعدتي لمواجهة هذا الثعلب العجوز ؟”
فسالته قائلة ببرود وحقد :
“ايمكنني الاختيار؟”
ظل دون خوان مسمرا عينيه الثاقبتين في وجه الفتاه الشاحب .
وهو مازال ممسكا بها وسيرينا تحاول جاهده ان تظل هادئة وغير مباليه اطلق ضحكه ساخرة وقال
“هذا الجمال الذي تتحلين به لايبدد ضجري ولايؤثر بي ياسينيوريتا ! في بلادنا النساء لسن باردات بالعكس انهن شغوفات حارات مضطرمات … لذلك لاتخافي مني بصفتي زوجك في المستقبل: لن احاول ابدا ان اتقاسم فراشك! هل هناك اسوا من عناق كتله جليد ؟”
وللحال ابعدها عنه بعنف فقالت بغضب :
“افهم اشمئزازك ياسينيور انا اشعر نحوك بالشعور نفسه! يؤلمني ان ارى نفسي في غرفتي بصحبة رجل دائخ…”
اصابته في عزة نفسه وكانت ردة فعله ان حملها من دون اي جهد وجذبها نحوه في شده قائلا واسنانه تصطك :
“امرك ان تعتذري مني والاستندمين عما قلته!”
قالت وهي تتخبط للتخلص منه :
اتركني .. ابتعد عني!
” ليس قبل ان تعتذري على ماقلته الان ”
” وعن ماذا تريدني ان اعتذر؟ لاني قلت الحقيقه؟ لم اطلب نك ان تعتذر مني عندما شتمتني انت الرجل النبيل”
ابعد راسه الى الوراء واطلق ضحكة ساخرة ومتعجرفة وقال:
“لم اعتبر نفسي ابدا رجلا نبيلا! هذا النوع من الرجال الضعفاء الذين يمضون معظم اوقاتهم في النوح لا اعتقد انا ان هذا النوع من الرجال يعجبك ياسنيوريتا؟”
” اني افضل الرجال الذين لا يستعملون القوة الا بعد ان يجربوا كل وسائل الاقناع الاخرى!”
” اني افكر عكس ذلك فالتصرف بهذه الرقه يرهق من دون جدوى من الافضل استعمال القوة منذ البداية!”
وكي يدعي قوله ضمها نحوه بشده وانصب عليها بغضب بارد كانه يريد ان يقاصصها ويحقرها وتذكرت سيرينا ماقاله في مايخص نساء تلك البلاد فارغمت نفسها على البقاء جامده من جليد وهكذا ببرودها التام تؤكد له رفضها الدخول في لعبته وفي الوقت نفسه تظهر له عن كرهها واحتقراها لغلاظته .
ومن دون اظهار اي ندم ابتعد عنها وابعدها عنه ثم ابتعد بخطى فخورة ولما وصل الى الباب اعلن قائلا:
“حافظي على العناق لنفسك يا ايتها الانسة الباردة! لا اعرف اذا كان واجبي الاعجاب بذلك الرجل الذي توصل ان يجعل منك امراه كامله واما لطفلة ام يجب ان اتاسف عليه!”
××××××××××××××××××××××××××××××××/×
نهاية الفصل الخامس^^”
oooooooooooooooooooooooooooooooooooo
6- حفل الزواج
ooooooooooooooooooooooooooooooooooooo
بعد اسبوع بدات الاستعدات للاحتفال بزواج خوان وسيرينا في كنيسه صغيرة تابعه للمزرعه واختصر عدد المدعوين الى الحفل بسبب قصر الوقت فكان الحضور مؤلفا من الاقرباء والاصدقاء المقربين.
وقام دون البيرتو بتدبير المعاملات الرسمية الضرورية فقد فوجيء بتقلب اراء خوان من جهة وباصرار سيرينا عليه من الا يبوح لحفيده بحقيقة امر شقيقتها ويندي
حينذاك قال صارخا:
“ولماذا يا صغيرتي؟ كوني انسانه طيبه وتفهميه وانتشلي هذه الشوكه من خاصرته … لماذا لاتنقذية من الشكوك التي تزعج خواطره وتؤلمه؟”
فاجابت بجفاف:
“ليست في نيتي ان اكون طيبه معه فانت رفضت فك ارتباطي وارغمتني على قبول هذا الزواج…لكن هناك شرط اريد منك ان تحترمه وهو الذي يتعلق بويندي فاذا بحت بهذا السر لن يتم الزواج!”
بالنسبه الى دون البيرتو كان ماقالته تفصيلا لاسيتحق التوقف عنده راى نفسه على مقربه من تحقيق اهدافه .. وغير مستعد للتوقف عند امور تافهه بامكانها ان تفسد مخططاته.
اجابها قائلا :
“اتفقنا مادمت مصرة على ذلك..”
حك ذقنه مفكرا وسرعان ما انارت الابتسامه وجهه وقال:
“ربما تصلين الى تحقيق اهدافك اذا مازلت تصرين على هذا الشرط انت امراة ذكيه وانا لست بغبي بخوان بحاجه الى حجة متينه كي يقبل بالزواج… هل احس بالشفقه نحوك؟ ان انه شعر بانجذاب باطني من دون ان يعي ذلك؟ هذا ما اجهله في كل حال انا مستعد ان ارتكز على حدسك كس اضرم عواطفه واوقظ عنده المشاعر الوديه .. نعم ياعزيزتي حافظي على هذا السر مهما كلف الامر وبجميع الطرق! فال فالديفيا يتميزون بحب التملك والغيرة وخاصة الرجال بوجود شقيقتك الصغيرة سيظل يتذكر باستمرار انك كنت في الماضي ملكا لرجل اخر…”
وبينما كانت سيرينا ترتدي ثوبها المخرم حالمه متردده ايقنت بانها ستقدو رمزا لتلك المراه التي سبق لها ان تزوجت من قبل وهي الان على استعداد لخوض هذه المغامره مرة اخرى ورددت في ذهنها وهي تقول : اليس هذا ما كان يقصده دون البيرتو؟
ولحفل الزواج اختارت سيرينا ثوبا ابيض واسعا مبطنا بالحرير اظهرت اكمامه الشفافه بشرتها المخمليه الناعمه ورفعت شعرها الاشقر الطويل جدائل بشكل تاج ذهبي وزينتها بالزهور البيضاء التي خففت من رصانه تسريحتها لكن عينيها الكئيبتين وملامحها المشدوده وشحوب وجهها كانت كلها تعبر عن خوف اليم وحذر عميق فلم تغادر غرفتها منذ الصباح ومن النافذه المفتوحه كانت تسمع اصوات المدعوين الذين قصدوا المزرعه من بعيد معظمهم استقلوا الطائرات .
كان المنزل يعج بالناس والاصوات تطنطن مثل وكر النحل لكن سيرينا تملكها الحذر ولم تغامر بالظهور امام الجمهور لانها تعرف جيدا انها ستكون نقطة اهتمام الحضور كما كانت متمسكه بقول قديم مفاده ان لقاء الخطيب مباشرة قبل حفل الزواج لايجلب الحظ…
بعد قليل دوت اصوات محركات السيارات المتجمعه تحت الشرفه وتوجه المدعون الى الكنيسه شعرت سيرينا بتقلص مؤلم في معدتها فلم تتناول سوى الطعام الخفيف وبعض القهوة برغم تحذيرات الخادمه ومع اخر سيارة تبتعد عن المزرعه احست سيرينا فجاه بضعف فاستندت على ظهر كرسي بجانبها وفجاه سمعت طرقا على الباب فراح قلبها يخفق بسرعه وبعد لحظات قالت متلعثمه :
“ادخل”
ظهرت كارمين الخادمه حمراء الوجه كثيرة الحماس وانحنت امامها مثل خادمات القرون الماضية وسلمتها قطعه قماش طويله من الدانتال الكيريمي اللون وقالت:
“الطرحة ياسنيوريتا … سبق وارتدتها من قبل كل العرائس اللواتي ينتمين الى عائلة فالديفيا”
فرجعت سيرينا الى الوراء بشده وقالت:
“لا شكرا لن احتاج اليها”
فتحت كارمين عينيها السوداوين متعجبة وقالت بغضب :
“لكن ياسنيوريتا انه محرم ان تدخلي الكنيسه مكشوفة الراس ! يجب على العروس ان تصون وجهها وتحميه من نظرات المتطفلين … الم تري كيف تسرح عندنا النساء شعرهن وكم هن انيقات!”
وضعت كارمين الطرحه على راس سيرينا من دون ان تترك لها مجال الاعتراض ثم سوت اطرافها المطرزه فوق الخدين الشاحبين وصرخت:
“رائعه انت هكذا ياسنيوريتا هل اعجبتك؟”
قالت الفتاة غصبا عنها:
“نعم انها طرحه جميلة لكن الن يفاجا دون البيتو برؤيتي اعتمر هذه الطرحه الناعمة والثمينه؟”
هزت كارمين راسها بحماس وقالت:
“لن يرفض الكونت شيئا لزوجة حفيدة الجميلة!”
الزوجة الجميلة! اغتم قلبها وتحسرت : فاضافت الخادمة المتالقة تقول:
الكونت ينتظرك لم يبقى احد هنا غيرنا”
سالتها سيرينا بصوت مخنوق:
“ودون خوان اين هو؟”
قالت كارمين وهي تكبت ضحكتها :
“في الكنيسه من دون شك لاشك ا نه في انتظارك بفارغ الصبر …امامك دقائق معدوده لندخل الان”
هبطت سيرينا السلالم ببطء وقدماها ترتجفان وظلت متمسكه بالدرابزين لئلا تقع او تفقد توازنها المنزل كان خاليا كليا والجو مازال يعبق برائحة السكائر وعطور النساء كان دون البيرتو ينتظر بهدوء داخل الصالون وما ان سمع وقع خطوات الفتاه حتى التفت الى الوراء واعلن بلهجة دافئة :
“انت حقا رائعه ياعزيزتي وجميع اصدقاء خوان سيحسدونه عليك!”
جذبها نحو النافذة امامها تمتد الحديقة المسعه بالشمس الحارة تركها الكونت هناك بضع دقائق وراح يفتش في درج مكتبه فارتعبت سيرينا عندما سمعت صوت دون البيرتو يدخل اذنيها قائلا :
“هذه هدية العرس وساسر لو تفضلت ووضعته خلال حفل الزواج “فتح العلبه واخرج منها عقدا من اللؤلؤ ودعاها للاقتراب نحو المراه .قالت بصوت حيادي:
“اشكرك انه لشيء رائع لكن بما انك الان على وشك تحقيق امنيتك العزيزة لم تعد بحاجة لتقدم لي الهدايا الثمينه لقد اعطيتني مسكنا لي ولويندي ولا اريد اكثر من هذا”
كان في الوقت الحاضر مستعدا لان ينسى كل شيء لكن ماقالته ذكره بالصفقه فقطب حاجبيه وقال:
“ارجوك ان تقبلي هذه الهديه التي ليست سوى شكر وعرفان بالجميل من قبل رجل عجوز سعيد ان يستقبلك داخل عائلته وان يجعلك واحده منها ولهذا ارغب منك ان تنادين ابويليتو مادمت ستصبحين بعد لحظات قصيرة زوجة حفيدي ويشرفني اذا اعتبرتني جدك انت وويندي وعلي ان اقول لك من دون مواريه بان ويندي لفتت انظار ومودة الجميع في اقل من اسبوع ”
ابتسامه عابرة مرت على شفتي سيرينا في الحقيقه لقد تهاتفت على ويندي المعجبون الشغوفون الذين احاطوها بالاهتمام التام وهي فهمت بطريقه سريه انها ستبقى في المزرعه بصورة دائمة وكان دون البيرتو يغتنم الفرص لياخذ الطفلة بين ذراعيه ويكلمها والخادمتان كارميلا وبيللا تلبيان رغباتها وجميع نزواتها بينما كان خوان يرد على مبادراتها باتسامه بطيئة.
وكلما تواجد خوان بجوارها لاتعود الطفلة تهتم الابه وتظل ترمقه بعينيها الواسعتين الزرقاوين وكانت ترسل اليه القبلات بالحاح تجعله مضطرا ان يرد عليها بالمثل او ان يهزم لها راسه هو الذي لم يتعود على وجود اطفال بقربه غير ان سيرينا لاحظته مرة من دون معرفته بينما كان يلاعب ويندي بالطابة وبنهاية اللعب راح يداعبها بلطف وحنان ويلامسها تحت الذقن حتى كادت الطفلة تقهقه من شدة الضحك.
اصر دون خوان على ان تحضر ويندي حفل الزواج فاصطحبتها الخادمه قبل موعد الاحتفال بعشر دقائق وكانت ترتدي فستانا ناعما من الازرق يليق بلون عينيها وشريطه زرقاء تزين خصلات شعرها.
“تعالي ياعزيزتي حان لنا الوقت للذهاب”
فجاه افاقت سيرينا من احلام اليقظه لكن دون البيرتو اضاف قائلا:
“اني في غاية الامتنان لان اسمح لنفسي ان احل في هذا اليوم مكان والدك الذي فقدته منذ فترة وجيزة ”
تلالات الدموع في عينيها لكنها تمكنت من السيطرة على انفعالها انها تخضع لسحر هذا الرجل العجوز لكن عليها ان تتذكر باستمرار قساوته نحوها كان عليها ان تشعر بالغضب نحوه لكن في هذه اللحظة بالذات لم تكن تشعر لا بالحقد ولا بالمرارة ….
خرجا الى الشرفة ومن هناك توجها نحو السيارة في هذا الوقت اسرعت ويندي نحو سيرينا وعيناها مبللتان فضمتها كارمين اليها في عاطفة كبيرة وقبلتها على الخدين وهمست لها ببعض الكلمات باللغه الاسبانيه فهذا التصرف الامومي من قبل الخادمة جعل سيرينا تضطرب بعمق لكم كانت سيرينا تتمنى ان تكون والدتها حية ترزق وتكون بجانبها في هذا اليوم التاريخي … فاحتلها انفعال قوي واندفعت الدموع من عينيها وفكر دون البيرتو وهو يراها ان نظراتها الزرقاء الجميله قد تعكرت مثل بحيرة حين تعصف الريح وتبدا العاصفه.
قدم لها منديلا لكن العاصفة لم تهدا فاضطر الى ان يذكرها قائلا:
“المدعوون بانتظارنا واعزيزتي وكذلك خوان والصبر ليس من فضائلة ”
انتصب سيرينا ورفعت ذقنها بشجاعه وقالت بصوت غير مطمئن :
“المعذرة . اني مستعده الان”
اعجب دون البيرتو بقوة ارادتها واعترف في داخله ان الفتاه تتمتع بذكاء وجراة.
ظلت كارمين تلوح بذراعها حتى اختفت السيارة عن الانظار ثم صعدت السلالم المؤديه الى الشرفة المزينه باناقة لهذه المناسبة كان عليها ان تبقى في المنزل كي تشرف على تحضيرمادبة الغداء الذي سيقدم للمدعوين .
وفي طريقها الى الكنيسه لاحظت سيرينا وجود الشرائط الملونه المصنوعه من الورق معلقة بين الاشجار في المساء كان العشاء فاخرا سيعد للرعاه وعائلاتهم وسيتم هناك تحت هذه الزينه .
قال دون البيرتو بغية تشجيع الفتاه :
” ستحبين كنيستنا الصغيرة ياعزيزتي فقد بناها اسلافنا ودخلها المؤمنون بفرح كبير وانا اراكما انت وخوان تمارسان هذا التقليد”
في لحظة كلمح البصر كادت ان تضحك منه لانه بدا يعتبر هذا الزواج المفبرك كانه حقيقي لاشك انه يامل على المدى الطويل ان تتحق هواجسه واوهامه.
فجاه دوت الاصوات من جميع الجهات وظهر الفرسان من وراء غيمة غبار كثيفة واحاطوا السيارة كانوا يطلقون الصياح الصاخب ويشبهون الدراويش المولولين وفي صفوف مشدوده جاء الرعاة ليؤلفوا الموكب كانوا يرتدون معاطف البانشو الملونه ودروع الساق الجلديه السوداء المعلقة فوق الركبة وينتعلون الاحذية العالية ذات الاكعاب المرتفعه والمزينه بالمهاميز المحيكه باليد وفي ملامح وجوههم النحيلة التي لوحتها الشمس التعبير الامبالي والوقح نفسه وصلوا الى اسفل السلالم التي تؤدي الى الكنيسه وظلوا يطلقون صياحهم الثاقب.
وعندما نزلت سيرينا من السيارة خلعوا قبعاتهم العريضة في تحية ساخرة فهزت الفتاه بخجل راسها ثم دخلت الى الكنيسه متابطة ذراع البيرتو وراح الارغن يعزف مقطوعه رائعه وفي خطى بطيئة توجها الى حيث كان خوان بانتظارهما كادت سيرينا ان تجهله بثيابه الغريبه لكن ملامح وجهه النبيله كانت تعبر عن رصانه غير اعتيادية.
لعبت سيرينا دورها بغاية الكمال وكانها في حلم وبالكاد شاهدت الزينه الفاخرة والجمهور الغفير على المقاعد والبنوك.
الرجال ينتصبون باعتزاز قرب زوجاتهم اللواتي يرتدين الملابس الانيقة والفاخرة.
كان شبح سيرينا النحيل تغمره اشعه الشمس الملونه التي تتسرب من خلال الزجاج وبهدوء ظاهري لفظت امنياتها بصوت صارم ومن دون انفعال وفي حالة غيبوبة لم ترتجف ولم ترتعش عندما ردد خوان بربطة جاش واتزان الكلمات السريه قائلا:
“اني اقسم لك الاخلاص والحمايه والحب حتى يفرقنا الموت..”
اطلقت زفرة عميقة ليس مايقولة سوى كذبة صغيرة لان موتا اخر موت دون البيرتو هو الذي سيجعلهما احرارا من جديد فهي لاتشك بان دون خوان سيفي بوعده بالحاح وبسرعه.
انغلقت يد خوان الطويله والقاسيه على يد سيرينا وادخل خاتم الزواج في اصبع يدها اليسرى فارتعشت رموش عينيها وتشابكت نظراتهما ولمحت سيرينا في نظرته لمعانا ساخرا فحولت عينيها بسرعه.
اقترب دون البيرتو ليقبلهما ولم تنتبه الا في هذه اللحظه بالذات ان مراسم الزواج اشرفت على نهايتها فاسترخت قليلا وبينما كانت خارجة من الكنيسه متابطة ذراع زوجها وراحت تبتسم للجمهور.
وما ان اصبحت خارج عتبه الكنيسه حتى ارتفع صراخ التهنئة وسطعت اشعة الشمس البراقة فلم تمنع نفسها من اقفال عينيها على جفنين مرتعشين وبينما كانا يهبطان السلالم راح الجمهور يمطرها بوابل من الورود والزهور المختلفة.
ضحك خوان ودفع بسيرينا نحو السيارة لكن زوجات الرعاة ابدين اصرارا على رؤية العروس من قريب فتجمهن وراءها واذا بخوان يحملها ويدفعها داخل السيارة احمرت وجنتا سيرينا مما زاد في حماس الجمهور الذي صرخ يقول:
“قبلها سينيور! قبلها!”
وبالفعل اطاع خوان فاخرج زوجته من السيارة واوقفها في قسوة افقدتها نفسها ثم امسكها بعنقها وجذبها بنخوة نحوة ودفعها داخل السيارة من جديد ودخل وراءها وتمكن بصعوبه من اغلاق الباب بسبب الجمهور الذي انصب حولهما اقلعت السيارة وافاقت سيرينا من الارتباك والخجل من جراء هذه القبلة وحدقت بعيني خوان السوداوين وصرخت تقول:
“ليس في هذه الصفقه التي عقدناها مايسمح لك ان تتصرف على هذا النحو! ان تعاملني كالفتيات اللواتي تمضي معهن بعض الوقت في الحانات والبارات الوسخه في المدينه … كيف تجرؤ على ذلك؟”
اختفت ابتسامه خوان وقال بجفاف:
“بدات تذكريني بتلك الزوجات اللواتي لايكففن عن التذمر ياسنيوريتا ! يضاف الى هذا اننا لم نعقد اي صفقه لقد طلبت مني ان اتزوجك”
واضاف قائلا:
“لقد قلت لك انك ستتزوجيني غير اني اعترف ان لديك بعض الحقوق بصفتك زوجتي اذا كان خروجي الى المدينه برفقه النساء يزعجك فاني مستعد ان اتخلى عن ذلك في كل حال لم يعد هناك اي سبب كي اتمادى في هذا تبدا الهموم مع الزواج لكن العزوبيه لاتجلب الفرح والان بما اننا متزوجان فمن واجبك ان تخففي عني هذا الحمل”.
×××××××××××××××××××××××××××××××××
نهاية الفصل السادس…*_^
ooooooooooooooooooooooooo
7- اقاويل الحضور
ooooooooooooooooooooooooo
بعد قليل راح العروسان يستقبلان المدعوين على مدخل الصالون .
كان الفضول يحتلهم فراحوا يراقبون العروسين خفيه ويتلفظون بالملاحظات الخاطفة باصوات منخفضة ولدهشة سيرينا اقترب خوان من بيللا وامرها قائلا:
“اذهبي وانضمي الى اصدقائك وتمتعي بوجودك معهم مده ساعه وسنهتم نحن بالطفلة”
امسك ويندي بين ذراعيه وفي الحال اشرقت عينا الطفلة الزرقاوين وراحت تزقزق كالعصفور وتلامس بيديها خدي خوان السمراوين .
ولشدة دهشتها رات سيرينا زوجها يتجاوب مع اهتمام اختها الملحة.وخلال لحظات قصيرة تغيرت ملامح وجه خوان فمه القاسي ونظرته الساخرة ورصانته المتعاليه كلها امتلات بحنان كبير فشعرت المراة بارتباك لم تصدق ان هذا الرجل الفظ والعنيف والحازم بامكانه ان يتمتع بهذا الحنان وهذه النبرة اللطيفة.
ولما بدات ويندي تلعب بشعرة الاسود المشعث راح خوان يقهيقة ضاحكا بصوت مرتفع مما لفت نظر الحضور كله وفي هذا الوقت بالذات دخل دون البيرتو الى الغرفة متابطا ذراع امراه عجوز ذات شعر ابيض كالثلج وقوام نحيل كانت ملامحها متعاليه ومتحفظه ومتشامخه مما سدل على انها تنتمي الى بيئة اجتماعيه كالتي ينتمي اليها رفيقها وتدريجيا عم الصمت في المكان كل انسان حبس انفاسه شعرت سيرينا باضطراب داخلي وتوتر عميقين واستعداد لتحمل هذا اللقاء .
تقدمت المراه العجوز المتكئة على عكازها من العروسين بخطى ثقيلة وتوقفت قربها فبدا دون البيرتو بتقديم العروس والطفلة لكنها ردعته بحركه سريعه وقالت بلهجة متحديه :
“ها انت ياخوان تتحمل اعباء عائلة بكاملها زوجه وطفلة يتهيا لي لدى رؤياك ان هذه الطفلة ابنتك..”
ارتج الحضور وامتلا وجه سيرينا بالاحمرار لكن خوان لم تبد عليه الصدمه فملامح وجهه مسترخيه ووجهه بشوش ومرتاح انحنى بسخرية واجابها من دون اي اضطراب:
“هذا النوع من الحدس يظهر احيانا في محله ياعمتي ايزابيللا..”
حاولت سيرينا كل جهدها ان تكبت استغرابها فرد دون خوان الوقح لاشك يتجاوب مع شكوك المدعوين بان ويندي هي حقا ابنه خوان وان هذا الخير هذا الرجل الشريف يتحمل كل مسؤولياته في هذا النهار التاريخي حينئذ فقط فهمت سيرينا بوضوح خطه خوان بزواجه منها فهو يريد تمويه ماضية الفاسق وبالتالي لن يعود مضطرا لتحمل شفقه الناس الذين يشعرون عادة بالسفقه لمن يقبل تحمل اعباء طفلة من رجل اخر.
حتى عمة خوان ذات العينين السوداوين الحادتين انخدعت فراحت تنظر اليه مفصلا الى ان ارتسمت الابتسامه على شفتيها وقالت بهدوء:
” سامحني ياصغيري وقدم لي زوجتك”
وخلال الساعات التاليه تهيا لسيرينا ان هذه المجموعه الصغيرة المتعلقة بالقيم التقليدية كانت تنظر اليها بعطف وتسامح كما ان كلمات خوان بدت كانها الاعتراف الواضح المطلوب وساهمت في تهديم الحاجز بينها وبين الحضور وبينما كان العروسان يتحركان بين المدعوين اسرع احدهم بالقول:
“افهم الان لماذا كنت كتوما في مايتعلق بغيابك السنه الفائته ياخوان! وصدقنا ماكنت تقوله انك كنت تقضي اجازة ترفيهيه لا اكثر لا اقل …. لكننا ننعرف الان ياصديقي ماذا كنت تفعل هناك!”
خيمت الحيرة على الجميع لكن زاد هذا الرجل اسرع في تغيير الحديث وراح يتكلم عن امكانيه اسواق الماشيه الحالية لكن سيرينا ظلت تعاني صدمة الاهانه فاحمر وجهها وهمست باعتذار غير واضح واخذت ويندي عن ذراع خوان وغادرت الصالون بسرعه انزعج الحضور من تصرفها وتحلوا بالصمت.
من حسن حظها وجدت سيرينا بيللا في غرفة الطفلة واوكلتها بشقيقتها وبارتياح توجهت الى الغرفة المجاورة كانت تشعر بحالة قريبه من الارهاق والتعب فخلعت طرحتها ورمتها على السرير واندفعت تجلس على الكرسي المواجه لمنضدة الزينه ولمححت نظراتها في المراه كانت عيناها تغليان غضبا وراحت تتمتم قائلة :
“تبا له ولياكله الشيطان ! كيف تجرا…”
وقفت فجاة وراحت تخلع ثوبها وترميه على ارضا ثم ارتدت مئزرا اخضر وبدات تسحب من شعرها الدبابيس العديده حتى انسدل على كتفيها شلالات شقراء مكسوة بالازهار البيضاء المعطرة لم تسرح شعرها بل جلست امام النافذة المفتوحه ووضعت راسها بين يديها وراحت تشتم هذا الرجل الذي تكرهه الذي عراها من عزة نفسها وكبريائها.
لكن لم تسنح لها الفرصه للحصول على هدنه ولم يمضي الاعشر دقائق حتى انفتح الباب بقوة ودخل خوان الغرفة وقال بصوت قاطع بعد ان اخذ قراره النهائي:
“غيابك لاحظه الجميع وهم يتساءلون عن سببه ارتدي ملابسك من جديد وبسرعه سننزل معا الى الصالون”
نهضت سيرينا بسرعه وجسمها مشدود كسهم وقالت بلهجة حاسمه:
“انني اقول “لا” بكل تاكيد بامكان مدعويك ان يتلفظوا بما يريدونه ويعلقون كما يشاؤون لايهمني ذلك! لكنني لن اعود الى الصالون وارجوك ان تتركني وحدي”
اقترب منها بنظرة مهدده وقال:
“لاتعاندي والااضطررت ان اضع عليك ملابسك بنفسي! لديك خمس ثوان لتقرري….”
وقالت واسنانها تصطك :
“لن ارضخ لمطالبك!”
وامتلات عيناها بتحد كبير واضافت تقول:
“اذا تقدمت بخطوة واحده سابدا بالصراخ … وماذا سيقول المدعوون ؟”
” اذا صرخت سارغمك على السكوت حتى ولو اضطررت الى استعمال الوسائل العنيفة”
شعرت انه مصر على قرارة ولين يتراجع عنه وبالرغم من ذلك كانت تعبر عن عناد فجاها هي بالذات ان كبرياءها يمنعها من الاستسلام لرغبات خوان ويقنعها بان خوان لن يجرؤ على تنفيذ تهديداته فلا رجل بمركزة قادر على التصرف بقسوة من هذا النوع. رفعت في الحال ذقنها بفخر ونظرت اليه واثقة متحديه فجاه غدرها خوان وتمسك بمئزرها وشده ناجحا في خلعه عنها ثم رماه باشمئزاز على السرير بينما كانت سيرينا مصدومه من هذا العنف الرهيب ترتجف في كل انحاء اطرافها لم تقدر على اصدار اكثر من صرخه خانقة ويدا خوان انطبقتا على كتفيها العاريتين كمخالب حيوان مفترس وهمس يقول بغضب:
“الم احذرك؟”
وجذبها نحوه كانه يريد معانقتها …. لم يسبق لها ان شعرت مثل هذا اليوم باحساس عنيف الى هذا الحد كان موجه تجرفها وتعريها من اي حكم وتحليل لم تكن قادرة على فهم نفسها واعتبرت ان انفعالها عائد الى الكراهيه والرفض اللذين تشعر بهما نحو خوان . رفع هذا الاخير راسه وقال:
“اذن… هل سترتدين ملابسك ام ساضطر الى…؟”
تمكنت من دفعه عنها وهو بدوره تركها فقالت وهي ترتجف :
“انت شيطان حقيقي ! لايكفيك انك تهينني كما فعلت بل تصر على معاملتي مثل بنات الشارع لشدة ماعاشرتهن..”
“هل تعتقدين انك مختلفة عن تلك النساء اللواتي ينتظرهن الرعاة في الحانتات والبارات؟ انهن يبعن انفسهن من اجل المال تماما مثلك بعضهن يعترفن بذلك وهن صادقات تجاه انفسهن لكن هناك البعض الاخر مثلك يتصرفن ببراءة ونعومه ظاهريا مايجعل الرجل يشعر تجاههن بالخجل ولايجرؤ على الاقتراب منهن الى ان يجدهن بين ذراعي رجل اخر يتظاهرون بالنعومه الملائكية لكنهن مقيتات واكثر وضاعه من سواهن”
عرفت سيرينا اهانات كثيرة لكن مثل هذه الاهانه تفوقها كلها وفهمت انه لن يتراجع امام اي شيء ليشفي غليل انتقامه لكنها حاولت الدفاع عن نفسها وهي ترتجف انفعالا وتقول:
“لست ابدا مثل هذه النساء اللواتي تقارنني بهن عندما قبلت المجيء الى هنا مع جدك ”
قاطعها خوان بجفاف قائلا:
“هذا المجنون المسكين بامكانك ان تخدعيه بسهولة اكثر مني يعتبر نفسه كانه يعيش في القرن الماضي بالنسبة اليه النساء بحاجة الى ان يدللهن الرجال ويحمونهن لاشك انك شعرت بصدمه كبيرة عندما تبين لك انني من نوع الرجال الذين لا ينساقون بسهوله وان الدموع لاتؤثر فيهم كما لاينجرفون وراء حيل النساء … في اي حال اننا نتصرق بقلة تهذيب امام مدعوينا”
اشار باصبعه الى الفستان الممدد ارضا وقال بلؤم:
“اسرعي في ارتدائة ولا داعي ان تمشطي شعرك فلم يعد امامنا وقت ”
ابتسم في سخرية واضاف:
“عندما يرى الحضور شعرك المنسدل سيعتقدون اني عانقتك بشغف وحماس”
سيرينا تتعذب كثيرا وببطء راحت تلملم فستانها وتبدا بارتدائة انها تستسلم لانها تخشى هذا الرجل وردات فعله غير المنتظرة … هذا الرجل الاناني مثل الريح والقاسي كالنسر.
كانت تتوقع ان يدير ظهره لكنه لم يفعل كتف ذراعيه على صدرة وراح يتامل كل حركة تقوم بها من دون ان يشعر باي شفقة تجاه توترها وفي ارتباك راحت ترتدي فستانا وتزررة باصابع مرتجفة مما جعلها تستغرق وقتا مضاعفا عن العادة
ثم توجهت نحو منضدة الزينه وراحت تسرح شعرها بسرعه لا احد بامكانه ان يرغمها على ان تبدوا مشعثة الشعر امام الحضور وفي المراه كانت تلمح في عينيه السوداوين ملامح ساخرة ولهوا مبيرا لكنهاعندما التفتت نحوه كان تعبير وجهه غامضا.
اقترب من الطاولة الصغيرة واخذ بيده عقد اللؤلؤ وقال:
“من الافضل لك ان ترتديه انه مكافاه جميلة لك لقيامك بالخدمات المطلوبه لاشك ان هذا العقد قد كلف العجوز اموالا طائلة!”
وضعته حول عنقها بارتجاف لكن في اعماقها كانت غاضبة من نفسها فاستغل خوان اضطرابها ليقو لوقاحه :
“بصورة جمالية اجدك مخيبة للامل ومشوشه لانه كلما اقتربت منك تعدلين عن بعض مواقفك بنفور وتجفلين لكن في الحقيقة هذا التصرف لا يدهش هناك عدد كبير من النساء الخبيرات يستعملن خجلهن وسذاجتهن كحاجز واق…”
ولما دخلا الى الصالون كان بعض الضيوف يغادرون المكان وبارتباك ظاهري اضطرت سيرينا ان تسلم عليهم باليد وتبادرهم بالكلمات المحببة اللطيفة وكان نظرها يشتبك بالنظرات الساخرة المليئة بالتعجرف او بعض التسامح واحيانا قليله بالنظرات الرؤوفه ونظرات الحنان كل واحد
من الحضور كان يبدو مرتاحا لانتهاء الحفل وهذا الاجتماع الصغير بخاصة الرجال المسنين الذين يظهرون عن وجوههم الرصينه والغامضة تهذيبا لكنهم لم يتكبدوا مشقة الانتقال الى المزرعه الا للصداقة التي تربطهم بدون البيرتو لانهم لم يكونوا راضين عن حفيده بنظرهم لقد وصخ هذا الاخير الصيت المعروف عن عائلة محترمة ولم يعوض عنه الا بهذا الزواج الذي جاء متاخرا لكن بالنسبة الى الزوجات فكن يشعرن بالاطمئنان لان مستقبل بناتهن لم يعد مهددا ولا احد يجهل ان دون خوان لايمكن قهره والدليل على ذلك الجهود المبذولة من قبل جده ليجعله يطيع اوامره لكن من دوم جدوى انه يشبة جوادا متوحشا يرفض فضلات الطعام…
وبين الحضور كانت الفتيات وحدهن خائبات الامل ان تربيتهن قاسية وتعود الى اجيال وقرون ماضية وبينما كن يحيين الزوجين بعيون حزينه كانت سيرينا على يقين ان هؤلاء المراهقات متى لنوجدن في غرفهن سيطلقن العنان للبكاء.
ولما غادر المدعوون المنزل اقتربت دونا ايزابيلا التي كانت تنتظر ذهابهم من سيرينا وقالت :
“تعالي واجلسي قربي يا ابنتي العزيزة لدي ماقوله لك”
غريزيا بحثت سيرينا عن خوان بنظرها لتحثة على المجيء لمساعدتها وبهزة راسه فهمت انه لامجال لها ان تتهرب من دونا ايزابيلا
قالت المراه العجوز بلهجة جافة وهي ترى خوان يشير بحركه في اتجاهها:
“ليس انت من اريد اني ارغب في التحدث الى زوجتك على حده”
” كما تشائين ياعمتي لكن عليك ان تحذري صحيح انها تبدو مسالمه وغير مؤذية كجميع الفتيات الانكليزيات الا انها متى احرجت تخرج مخالبها”
“انا سعيدة ان اسمع منك هذا الكلام !”
ازاحت دونا ايزابيلا طرف المقعد وربتت على الفراش مشيرة الى سيرينا ان تاتي لتجلس قربها فلبت المراه طلبها وبدات دونا ايزابيلا الكلام موجهه اياه الى دون خوان:
“من الاسهل التقاط الفئران بالمطرقة بدل تقديم الحلوى! ويجب على زوجتك ان تجمع في داخلها قوة هرقل وحكمة سليمان كي تستطيع مقومة تجربة الزواج مع رجل من طرازك”
رفع خوان حاجبية السوداوين وقال:
“وانت ستعلمينها كيف عليها ان تتحلى بهذه الصفات اليس كذلك ياعمتي ؟”
“ليست بحاجة الى نصائح على ماظن انها امراه بمعنى الكلمة اريد فقط ان احذرها من جاذبيتك الشيطانيه هذا السحر الذي تستعمله منذ طفولتك ”
ضحك خوان وقبل الانسحاب وظلت سيرينا تنظر اليه وهو يبتعد وتفكر بكلمات العمه التي لاشك تخفي محبة كبيرة له وما ان انغلق الباب وراءة حتى انحنت دونا ايزابيلا وهمست قائلة:
“ياله من رجل ساحر! انه يخيف اكثر من جده عندما كان في سنه هناك شيء يجب ان ابوح لك به ياعزيزتي .. لقد امسكت الجواد بلجامه على ماعتقد لكن لاتحاولي ارجوك ان تروضية”
ظلت سيرينا صامته مكتفة اليدين فوق ركبتيها كانت تحدق بطرف حذاء دونا ايزابيلا التي تابعت تقول:
“اعرف بماذا تشعرين . عندما كنت في سن المراهقة وقعت في غرام الكونت حتى الجنون … ان سحر ال فالديفيا شيء اسطوري في هذه المنطقة ومنذ تاسيس مجموعتنا الصغيرة تحطمت قلوب نساء عديدات لانهن لم يفهمن ان ردة فعل ال فالديفيا قاسيه اذا ما استعملن معهم القوة انهم بحاجة ان نترك لهم الحبل في العنق.
ولاحظي انه لم يفسح لي مجال تجربة نظرياتي لانه لم تسنح لي الفرصة لذلك عندما اختار والدي شريك حياتي لم يهتم بمعرفة اذا كنت اميل اليه او احبة وهذا مازال يحدث حتى الان فال فالديفيا اصطدموا بالاباء الذين يبحثون لبناتهم عن ازواج لا يطابقون معرفتهن او ميولهن انما يحتارون لهن رجالا يطابقون امنياتهم هم”
اكلقت زفرة ثم اضافت:
“اني احسدك ياعزيزتي لكنك ماتزالين شابة وسليمة النيه وبريئة لذلك انا ارتجف مكانك دون خوان سبب لك اذى كليا غير اني ارجو منك ان تتحلي بالصبر معه والاتعيري انتباها لملاحظاته اللاذعه وان تردي عليها بالابتسام وان تتحملي من دون خوان طبعه الغاضب والعاصف ذلك لاني اعدك بانك ستجدين مكافاه على اعمالك في النهاية وهو ان حبا عميقا ودائما سيلد بينكما..”
ابتسمت سيرينا ابتسامه صفراء بينما كانت دونا ايزابيلا تنهض واقفه لو كانت تعرف الحقيقه! ان خوان يتمتع بحريه كبيرة وليست سيرينا على استعداد ان تعارض هذه الحرية وتحرمه اياها بامكانه ان يذهب الى الجحيم!
×××××××××××××××××××××××××××××××××××
نهاية الفصل السابع
oooooooooooooooooooooooo
8- الراقصة المثيرة
ooooooooooooooooooooooooooooooooo
في المساء غيرت سيرينا ثيابها للاشتراك في حفلة شواء ستتم في الهواء الطلق وسط حديقة القصر فاختارت لهذه المناسبة تنورة مقلمة ذات الوان زاهيه وقميصا فلاحيا باكمام قصيرة واسعه مثلما ترتدي نساء وصديقات الرعاة ثم سرحت شعرها الطويل جيدا ورفعته بشكل ذنب الخيل فانسدل حتى خصرها ولاسباب غامضة تحلت بالشجاعه فالاحتفال الذي سيتم الليله لن يخجلها مثل حفل الصباح لان الرعاه اقل تصنعا وعجرفة من اصدقاء دون البيرتو وبالتالي سيتقبلونها بترحاب ودفء صحيح ان هذا الزواج السريع فاجاهم هم ايضا لكنهم لن يتظاهروا بالحكم عليها مسبقا او ادانتها لقد تعودوا ان يفيدوا من كل ماتقدمه الحياة وهذه فلسفتهم وبالتالي سيتفهمونها جيدا وسيحترمون نزواتها ونظرتها الى العلم.
اما ويندي التي ارهقها اللعب والدلال فنامت بعمق عندما جاءت سيرينا لتنحني فوق سريرها وكانت تسمع الموسيقى الصاخبة والضحكات المبتهجة الاتيه من الحديقة وبخفة هبطت المراه بخطوات نشيطه ومرحه السلالم المؤديه الى قاعه الاستقبال الصغيرة حيث كان من عادات دون البيرتو ان يجلس لتناول المقبلات قبل موعد العشاء لكن ابتسامتها اختفت عندما رات دون خوان ممدا على احد المقاعد كان وحده ويلهو بكاس بين يديه وما ان دخلت القاعه حتى نهض لتوه لاحظ نظراتها المتسائلة فاعلن ببساطه قبل ان يدعها تطرح السؤال المتوقع قائلا:
“جدي الرزين والكتوم كالعاده قرر قضاء بضعه ايام في منزل دونا ايزابيلا هذا لطف منه اليس كذلك؟”
فتحت سيرينا عينين واسعتين اندهاشا وقالت:
“اتريد ان تقول اننا وحيدان هنا”
“نعم تماما فهناك الخدم الذي يسكنون الجناح القريب من هنا من يمنعني من اخذك بالقوة هذه الليله … لا احد بامكانه ان يسمع صراخك وعويلك…”
تلعثمت حين قالت:
“لاتكن تافها!”
” انت مخطئة ياعزيزتي كيف بامكانك ان تكوني حازمه ومعك الجواب القاطع؟ فالليله مازالت في بدايتها ان اجهل تماما ماذا سيكون تصرفي في الساعات المقبلة”
امسك ذراعها فتقلصت ثم وضع يده على معصمها وادارها نحوه وذكرها قائلا:
“لقد تزوجنا منذ قليل ياحبيتي لذلك من المفروض ان نقدم لبعضنا العطف والمحبة والعروس عليها ان تبدو متالقة اما بالنسبة الي فساحاول جهدي ان ابدو مغرما وساهمس في اذنك بعض الكلمات الناعهة وساضمك الى صدري في اوج السهره ساقطف من خدك قبلة… لنبدا اذن بالابتسام ومن جهة ثانيه لا اريد ان ارى في عينيك ملامح الكابه والقلق بعد الان فهمت؟”
صمت قليلا ثم اضاف قائلا:
“افهم تخوفك لكن يكون الامر غريبا عليك كما في المرة الاولى..”
من لخجته فهمت سيرينا انه يتالم في صميم كبريائة فاستعادت نشاطها وتوجهت معه الى باب الدخل حيث ينتظر الرعاة قدومهما وما ان اجتازا العتبه حتى سمعا اصواتهم الحماسية وصراخ صديقاتهم او زوجاتهم :”اهلا! اهلا !انت رائعه ياسنيورا!”
تمكنت سيرينا من مالابتسام بثقة كبيرة ادهشت خوان كليا. المشهد الذي واجههما في غياب الشمس كان ذا جمال عنيف وبدائي وضعت المشاعل حول دائرة واسعه وسطها الحركه مستمره فالتحضير لهذه السهرة بدا منذ ساعات عديده صغار الرعاه كانوا ينحنون فوق موقد كبير حيث يوقد الحطب يتصببون عرقا ويحركون اشياشا كبيرة حيث تشوى ببطء شرائح كامله من لحم البقر والعجل والنساء اللواتي لمعت عيونهن اثارة وحماسا جلبن الصحون الى الطاولات العريضة.
انه اسراف وافراط بالطعام .”الباباس” وهي عجبة البطاطا المحشوة باللحم المفروم والبصل او الجبنه .”البانشو فيللا” اي حبوب الذرة والفاصولياء المطبوخه مع البيض المقلي والمتبله بالثوم … ولفتت نظر سيرينا اهرامات الفاكهه والخضار المنوعه .
القناديل المعلقة تحت الاشجار تضيء اوراق الشجر السميكه واللماعه والملونه بجميع الوان قوس قزح مجموعه من الشباب خرجت من الظل على اكتافهم القيثارات وتحت اصابعهم المرنه تنبعث موسيقى ناعمة وايقاعبيه الابتسامه عريضة على شفاههم وتظهر اسنانهم البيضاء الناصعه.
كانوا يشكلون حرس الشرف حول دون خوان وزوجته فترك موظفو المزرعه اعمالهم واسرعوا نحو العروسين للتهنئة وتقديم الاحترام والولاء ففي هذا المساء يجري الاحتفال بعيد امير الرعاه دون خوان وبالتالي كانهم يحتفلون بعيد كل واحد منهم في الوقت نفسه كانوا يشعرون انه مختلف عن بقية الرجال فلم يحملوا من قبل ان تكون رفيقتهم امراه شقراء ذات عينين تائهتين زائقتين جميلة كما هي بعيدة متحفظة .
وبعد هذا الاستقبال الحار والرفيع بالالوان بدا الهرج والمرج والمزاحمه جلسوا على البنوك بينما جلس خوان وسيرينا على طرف الطاولة وللحال شرعوا بتقطيع شرائح اللحم المشوي وعبق الجو بها . كان الجميع جائعين ولم يخشوا ان يستعملوا اصابعهم ليتقاسموا قطع الشواء وفي هذا الجو الغريب كانت الريح تهب بهدوء وتمشط جبال الانديس القريبه التي بدت مرئية تماما في الظلام ففي وضح النهار يتهيا للمرء انه قادر ان يلمسها باصبعه.
كانت المادبه تدور بفرح وضحك الابتهاج والحركه والاندفاع حررت سيرينا التي كانت تقضم باسنانها هذه اللحوم اللذيذه بنهم شبيه بنهم الرعاه .
كانت تتلقى اسئلة من حين الى اخر :
“ما رايك؟ هل الطعام يعجبك؟”
“نعم جدا انمه رائع للغاية”
كانوا ينادونها بمختلف الصفات : المراة الانكليزية زوجة السينيور الرائعه الجمال الشقراء الغجرية…
وبعد انتهاء العشاء ازيحت الطاولات والبنوك ليحل مكانها العازفون والموسيقيون الذين راحوا يعزفون موسيقى حماسية وتحمس الرعاة فدعوا رفيقاتهم للرقص .
انحنى خوان فوق سيرينا وقال لها :
“الكويكا رقصة الحب الشيلية”
ابتعدت عنه لكنه امسك بخصرها وشرح لها قائلا:
“منذ البدء على المراه ان تجذب انتباه الرجل وخلال الرقصة تستميل حبة وتدخل الى قلبه”
لم تعيره سيرينا غير انتباه سطحي اذ كانت تنظر الى الراقصين الرجل والمراة يقفان وجها لوجه ويحاولان تحويم مناديل واسعه حول راسيهما ثم تقوم المراه باستدارات عديده اخذه وقفات مغريه بينما الرجل يضرب بقدميه على ايقاع الموسيقى التي تزداد حماسا بشكل تدريجي ويضرب بيديه المهاميز والحضور يطلق صياح الحماس والتشجيع ثم ينضم الى الحلبة التي تتحول الى هياج ودوامه لانظير فجاه ظهرت فتاه سمراء ساحرة الجمال من وراء الاشجار ومن كيانها ينبعث السحر والاغراء كانت سيرينا تحدق بها وتتبع تحركها وهمس احدهم قربها:
“كابرييللا الهجينه انها تبحث عن رجلها..”
كانت الفتاه تتفحص الوجوه ثم ما ان رات خوان حتى اقتربت منه كانت تحدق فيه بالحاح غير مكترثة بتعليقات الرعاة همسات وفضائح كانت تسمع هنا وهناك.
وفي اناقه رشيقة توقفت امام خوان وانتصبت على رؤوس اصابعها ودعته في وقاحة ان يتامل صدرها المثير وخصرها الرفيع وقوامها الرشيق رمقت سيرينا بنظرة اشمئزاز كانها تريد ان تقول لها ان نحافتك وشقرة بشرتك لايمكنهما ان يثيرا عشيقي ومن دون اي انزعاج وضعت موضع الخصم والمنافس راحت سيرينا ترتعش وتقول لنفسها ان هذه الفتاه لم تبد غاضبة على خوان لانه تركها غير انها تستقل المناسبة لتتحداه وكانت كل الحظوظ بجانبها.
وبحركه كريمه دفع خوان بسلة فاكهه نحو الفتاه الجميلة ومن دون ان تحيد نظرها عنه تناولت التفاحه وعضت عليها ثم مدت ذقنها وشدت على التفاحة بين اسنانها الناصعه ودعت خوان ان يتقاسمها معها مثل حواء في جنة عدن انحنى خوان للحال ليلبي دعوتها لكن في سرعة البرق حولت راسها عنه وراحت تضحك ثم خطت خطوة الى الوراء داعيه اياه ان يتبعها
توقف الراقصون في امكنتهم وراحوا يراقبون المشهد ظلت الفتاه تحدق بخوان وهي ترجع الى الوراء بحركه راقصة كان وجه سيرينا من رخام وخوان الذي سحرته الفتاه اقترب منها بخطى عريضة وراح الحضور يصفق بايقاع والموسيقون يعزفون بحماس على قيثاراتهم وراح خوان يضرب بقدميه ويصفع المهماز بيديه وكابريللا تدور ببطء حوله وتنورتها الطويله والواسعه تتطاير حولها مظهره قوامها الجذاب واشتدت الموسيقى وراحت سرع كما راحت خطوات كابريللا تسرع ايضا وتتظاهر امام خوان باستعرض متوحش ومثير كانت تقترب منه بدون ان تلمسه وتساءلت سيرينا :”كيف سينتهي الامر؟” الفتاه كانت منجذبة بعنف نحو خوان وهذا لاشك فيه وجاءت في يوم عرسه لتحقق هذه الرقصة المليئة شغفا كانها تهب نفسها له ولم تمتنع سيرينا من الشعور نحوها بالشفقة لانها مرفوضة تلقائيا لدى عائلة فالديفيا النبيلة لا شك ان كابيريللا مولعه بغرام خوان لكن هذا الاخير لا يشاطرها هذا الحب لابد انه يستحسن جمالها ومرحها واثارتها لكنه لاشك يعتبر هذه العلاقة عابرة لا اكثر ولا اقل …
وكما يدل اسمه “دون خوان” فهو رجل ارستقراطي فاسد يينقل بسخريه ولامبالاة من مغامرة الى اخرى فكرت سيرينا بكل هذا وامتلا قلبها مرارة كبرى.
حول دون خوان نظرة عن الراقصة لينظر نحو زوجته كانت نظراته تلمع بالسخرية وفهمت سيرينا انه لاشك عرف مايدور في ذهنها وبغضب منه ومن نفسها انتظرت حتى ادار لها ظهره ونهضت في هذا الظلام ولم يلاحظ احد رحيلها لكنها دخلت المنزل راكضة وصعدت السلالم اربعه اربعه مسرعه نحو غرفتها وبعدما صفقت الباب بشدة ظلت مستندة االيه برهة حتى تستعيد تنفسها اقفلت الباب بالمفتاح وبدات تخلع ملابسها كانت على وشك الارهاق هذا النهار الطويل كان مليئا وخصبا بالانفعالات !
غير ان الليل مازال في بدايته بالنسبة الى الرعاة.
وبتردد فتحت سيرينا درج خزانتها لتاخذ قميص نومها لشده دهشتها كان فارغا فتحت الدرج الثاني ثم الثالث ولم تجد اثر للالبيسه الداخلية وحتى داخل الخزانه لم تجد اي لباس فاحتلها احساس بالتوتر والخوف اقتربت من السرير ورات الفراش عاريا من الشراشف والمخدات والاغطيه سمعت سيرينا خطوات على السلالم فتناولت الغطاء الوحيد الذي يغلف السرير ووضعته حول جسمها توقفت الخطوات امام الباب فتسمرت مذعورة تحركت قبضة الباب فظلت سيرينا صامته وسمع صوت خوان الجاف قائلا:
“دعيني ادخل يازوجتي والا خلعت الباب…”
وبعد قليلي خلع الباب بالفعل ودخل ولاحظ وجود الادراج كلها مفتوحه فقال بسخرية وهو يغلق ابواب الخزانه:
“هل كنت تتوقعين البقاء في هذه الغرفة بعد زواجنا ؟ وكارمين المراة العاطفية لاتتحمل ان نبقى منفصلين مدة طويلة ! فقد حملت امتعتك الى غرفتنا التي سنتقاسمها معا من الان فصاعدا”
شعرت سيرينا بارتخاء في قدميها وكادت تقع لكنها تمكنت من القول:
“لكن ماذا يعني هذا الكلام؟ الم نتفق على ان…”
قاطعها خوان ضاحكا :
“اطمئني ! انها غرفتان متصلتان بباب مشترك سننام اذن كل واحد على حده لكن كي لانوقظ شكوك الخدم علينا ان يروننا معا .. وارجوا الايكون هذا الطلب مهمة شاقة لفتاة انكليزية طاهرة؟”
“اني اقبل هذه الشروط هل بامكانك ان تريني هذه الغرفة ؟ فانا اشعر بالبرد…”
حملها بين ذراعيه وتوجه نحو الممر وهبط بها السلالم كانت يداه تحرقان جسمها فتقلصت بتوتر ابتسم خوان بوقاحه هادئة وهمس وهو يقف اما باب الغرفة:
“قولي ياعزيزتي لماذا هربت من الحفلة ؟ الا تريدين مقارنه نفسك بمنافستك ام انك غيورة ؟”
رددت بارتباك/
“غيورة؟عليك..”
كان منظرها لايصدق فغابت الابتسامه عن وجه خوان ومن دون ان يلفظ كلمه دخل الغرفة ووضع سيرينا على قدميها وبينما كانت تتخلص من ذراعيه هبط الغطاء الناعم الذي يحيط بها مظهرا كتفيها فرفعته بحركه عصبية واشتبك بنظر خوان الذي ظل صامتا وخافت سيرينا ان يكون خوان يحضر خطة جهنميه للانتقام منها.
فقال اخير باستغراب:
“لا طبعا! كيف يمكن لقطعه جليد مثلك ان تغار ؟ انه شعور تجهلينه … ماذا اذن وراء تصرفاتك الباردة ؟ بماذا تشعرين لو كان لديك شعور من المهم ان اعرف!”
وفي عنف جذبها خوان بين ذراعيه ولم تكن قادرة على التخلص من قبضته خوفا ان ينزلق الغطاء عن جسمها ثم راح يلامسها بيديه الفضولتين .. لاتنقصه الخبرة ولاحتى كيفية التصرف وسيرينا التي كانت تتصنع اللامبالاة كانت تشعر داخليا بالرغم منها
وراح يهمس باذنها قائلا:
اهذاي ياعزيزتي ”
وبعدما لامس خدها الساخن راح يعانقها بشغف وهي كانت تشعر باحاسيس عنيفة تحرق داخلها فارتعبت ولما رفع راسه كان الامتنان مرتسما على وجهه مما جعل سيرينا تصفعه بكل قواها .
وللحال امسك خوان بمعصمها وضمها اليه وانتزع يدها المتمسكه بالغطاء الحريري وارتسم على وجه سيرينا وشاح اليم عتم قلبها . فلم تكن تريد الاستلام له وراحت تتخبط بكل طاقتها للتخلص منه فسقط الغطاء حتى قدميها.
قهقه خوان وشعرت سيرينا بالاهانه والكرهية العمياء له حتى انها تمنت لو بامكانها ان تقتله في هذه اللحظة بالذات!
قال ساخرا:
“بدا الجليد بالذوبان كان يكفي شرارة … وكيف احداثها!”
ظلت صامته لاتتحرك كانها تمثال من مرمر فقد عراها روحا وجسدا ثم تمكنت من القول والدموع مخنوقه في حنجرتها:
“انت انسان فظ ومتوحش! اني اكرهك”
وتشنجت مستعدة لتحمل قهقهته الساخرة لكنه اكتفى بمراقبتها بامعان ثم قال:
“في الاقل تمكنت من خلق عواطف شغوفة لديك .. واني على يقين ان احدثت فيك انفعالا كبيرا اكبر مما احدثة والد ويندي!”
ضربه من اي شيء وهذه اله الذكرى اللا ارادية لوالدها فتت قلبها فحاولت كبت بكائها لكن الدموع راحت تتلالا من جفنيها.
فقال غير مصدق:
“اتبكين لذكرى الرجل الذي تركك ؟ هل مازتزالين تحبينه؟”
اجابت بجفاف:
“لم يتركني بل مات لكني ما ازال احبه وساظل احبة..”
ران الصمت بضع ثوان ثم انحنى خوان والتقط الغطاء الحريري ولفه حول سيرينا كانه يقمط طفلا صغيرا ثم حملها بين ذراعيه حتى السرير ورفعت نحوه عينين قلقتين فاسرع يقول لها:
“بامكانك ان تنامي بهدوء ياعزيزتي لست انوي محاربة شبح او خيال لكن لاتنسي شيئا مهما: اننا ننتمي الى عالم الاحياء لذلك يجب ان نفكر بهم وليس بالاموات ..ياعزيزتي ارتاحي بسلام لان الرجل لايموت اذا مانسيناه”
××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××××
- رواية سيدالرعاة لحظة دخول ويندي للحلبه