ان الله يحب لرابطة الزواج الاستقرار والاستمرار، وان تظل مصدر سعادة وتعاون على البر والتقوى للزوجين، ومصدر نفع للمجتمع والناس، وانه تعالى يكره انفصام هذه الرابطة وهو سبحانه يضع القيود، ولا يبيح الطلاق الا بعد بذل جهود كبيرة للاصلاح والتوفيق بين الزوجين، حيث ان الطلاق بدون سبب او لسبب لا يعترف به الشارع اثم ومعصية، واتخاذ لايات الله هزوا وتلاعب بكتاب الله، قال تعالى: (واذا طلقتم النساء فبلغن اجلهن فامسكوهن بمعروف او سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه، ولا تتخذوا ايات الله هزوا واذكروا نعمة الله عليكم وما انزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا ان الله بكل شيء عليم) ، وكان صلى الله عليه وسلم اذا علم بطلاق على غير السنة المشروعة غضب، وقال: “اتلعبون بكتاب الله وانا بين اظهركم”.
احكام الطلاق
وهي مناشدة قوية للازواج وتحذير من ان يتلاعبوا بالعلاقة الزوجية، ومن ان يعبثوا باحكام الطلاق، او ان يتعدوا فيها حدود الله، ومما يدل على ان الطلاق محظور اذا كان بغير سبب لما فيه من التجني على المراة والاساءة اليها ما جاء في قوله تعالى (فان اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا)؛ فان المراة متى استقامت احوالها والتزمت بواجبها صار طلاقها محظورا لما فيه من التجني عليها ولكونه يمثل جريمة في حقها، وقد قال صلى الله عليه وسلم لما استشاره ابو ايوب في طلاق زوجته قال: “ان في طلاق ام ايوب حوبا – اي اثما”،
كذلك نهى الشارع المراة ان تسال زوجها الطلاق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “ايما امراة سالت زوجها الطلاق من غير ما باس فرائحة الجنة عليها حرام” وقال عليه السلام:”ان المختلعات هن المنافقات”.
ولهذا لا يجوز فصم هذه العلاقة الا اذا تعذر الابقاء على الزوجية، ولهذا منع الشارع الازواج من ايقاع الطلاق في اثناء العادة الشهرية او النفاس او في طهر واقعها فيه، او ان يوقع الطلاق بالثلاثة دفعة واحدة، لانه مخالف لقوله تعالى (الطلاق مرتان فامساك بمعروف او تسريح باحسان).
والله جل وعلا جعل الطلاق المشروع على ثلاث مراحل وجعل للزوج ان يراجع زوجته في المرحلتين الاولى والثانية ما دامت في العدة اما بعد المرحلة الثالثة فقد حرمت عليه حتى تنكح زوجا اخر نكاح رغبة لا نكاح دلسة، فاذا طلقها الثاني او مات عنها وفرغت من عدتها ابيح للمطلق السابق ان يتقدم لخطبتها، وفي ذلك كله ابعاد للنهاية السيئة للعلاقة الزوحية وهي النهاية التي لا يحبها الله ولا رسوله، وهي انفصام عقد النكاح، قال صلى الله عليه وسلم:”ابغض الحلال الى الله الطلاق”.
وقال تعالى: (يا ايها النبي اذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن واحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا ان ياتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك امرا).
وقال صلى الله عليه وسلم:”لا يفرك مؤمن مؤمنة ان كره منها خلقا سره اخر”، لا يفرك: اي لا يمقت ولا يسخط، وقال عليه السلام: “استوصوا بالنساء خيرا فانكم اخذتموهن بامانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله”.
وهذا هو السر في ان الشريعة تعتبر عقد النكاح عقد دوام واستقرار واستمرار، وان انهاء هذا العقد خلاف الاصل وحكمه الحظر، وانه انما يلجا اليه متى كان بقاء العلاقة الزوجية امرا مستحيلا وقد يفضي الى ما حرم الله، وعندئذ تكون الرحمة بمنح كل من الزوجين بالتفريق فرصة جديدة لاستئناف حياة زوجية سعيدة يناسبها قول الله تبارك وتعالى (وان يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعا حكيما).
متعة المطلقة
المتعة شرعا، هي: اسم لمال يدفعه الزوج لمطلقته التي فارقها بسبب ايحاشه اياها بفرقة لا يد لها فيها، قال تعال:(لا جناح عليكم ان طلقتم النساء ما لم تمسوهن او تفرضوا لهن فريضة فمتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المسحنين)، واخرج البخاري في صحيحه بسنده عن سهل عن ابيه وابي اسيد قالا:”تزوج النبي صلى الله عليه وسلم اميمة بنت شراحيل فلما دخلت عليه بسط يده اليها، فكانها كرهت ذلك فامر ابا اسيد ان يجهزها ويكسوها ثوبين رازقيين”، وفي رواية اخرى انه صلى الله عليه وسلم قال:”يا ابا اسيد اكسها رازقيين والحقها باهلها”، ونستخلص من هذا التعريف امورا كثيرة، اهمها:
ان المراة لا تجب لها المتعة اذا كانت الفرقة بسبب من جهتها، ومن امثاله الفرقة الحاصلة من جهة المراة: ردة الزوجة عن الاسلام، اذا سبقت زوجها بالاسلام وهي لاتدين بدين سماوي وابت الدخول في الاسلام، واذا سبقت زوجها بالاسلام قبل الدخول بها، كذلك اذامكنت احد اصول الزوج او فروعه من فعل ما يوجب حرمتها على زوجها كان تمكنه من الزنى بها، او خالعت المراة زوجها فهي راغبة لا متوحشة حيث رغبت في فراقه وبذلت ما تخلص بها نفسها منه، فلا تستحق المتعة بسبب تمردها على عشرتها له وسوء ادبها معه.
احوال المطلقة
المراة المطلقة لا تخلو من احدى حالات اربع: مطلقة بعدالفرض وقبل الدخول، مطلقة قبل الفرض وقبل الدخول، مطلقة بعد الدخول وقبل الفرض، مطلقة بعد الدخول والفرض.
وعلى هذا فقد تفاوتت اراء الفقهاء في ثبوت الحق للمراة في المتعة، فذهبوا في ذلك الى اربعة اراء:
الاول:ان المتعة سنة في جميع الحالات والى هذا ذهب الفقهاء السبعة والامام مالك، وهو رواية عن الامام احمد، والثاني: القول بالوجوب في حالة واحدة وهي الطلاق قبل الفرض وقبل الدخول، وقالوا بالندرب فيما عدا ذلك، والى هذا ذهب الحنفية والزيدية، ورواية عن الامام مالك، ورواية عن الامام احمد، والقول الثالث: القول بالوجوب الا في حالة واحدة وهي المفروض لها اذا طلقت قبل الدخول، والى هذا ذهب الامام الشافعي في القديم ورواية عن الامام احمد، والرابع: القول بالوجوب في جميع الاحوال، والى ذهب الخليفة الراشد علي والحسن وابن العالية وسعيد بن جبير او قلابة والزهري وعطاء وقتادة والضحاك وابو ثور والطبري وابن حزم، وهو رواية عن الامام احمد، وقال به الشافعي في الجديد، واختاره الامام ابن تيمية وهو الحق الذي ينبغي الاخذ به والمصير اليه.
وقد استدل هؤلاء بقول الله تعالى: (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين)، وقالوا ان الاية عامة في كل مطلقة، لم تفرق بين مطلقة قبل الدخول، او بعده، فرض لها ام لم يفرض لها.
اما قوله تعالى:(وان طلقتموهن من قبل ان تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم) فهذه الاية اوجب للمفروض لها غير المدخول بها نصف المهر بالاضافة الى المتعة التي اوجدتها لها، ولا منافاة بين ما اوجبته كل من الايتين، فان الله تعالى لم يقل : فنصف ما فرضتم ولا متعة لها، وثبوت حكم في اية لا يدل على اسقاط حكم تثبت باية اخرى ما دام لا يترتب على اجتماعهما محال، فدل ذلك على ان وجوب نصف المهر لها لا ينفي حقها في المتعة.
وهذا الراي هو ما اختاره الامام ابن تيمية، وعليه جمهور العلماء من السلف والخلف، وهو ما يترجح لدينا، لان في القول به اخذا بجميع الادلة وابقاء للاوامر الواردة في الايات على بابها دون حاجة الى صرفها عن ظاهرها، ولا تعارض بين الايات حيث يمكن الجمع بين الاحكام الواردة فيها، سواء ما ورد منها في سورة البقرة او في سورة الاحزاب.
والقول بوجوب المتعة مطلقا هو مذهب جماهير العلماء، ومن اوجبها منهم في بعض الحالات احتاج الى التاويل او حمل الامر على الندب، ولا ينبغي صرف الامر على ظاهره من غير دليل، فلم يبق الا القول بوجوب المتعة مطلقا للنصوص الواردة في هذا الشان، ولان في القول جمعا بين الادلة ويتفق مع ما امر الله به من التسريح بالمعروف والتسريح بالاحسان عند تعذر استمرار الحياة الزوجية، واذا كان حسن الصحبة واجبا حال قيام الزوجية فينبغي ان يكون التسريح سراحا جميلا، وذلك بتخفيف اثار الطلاق على المراة ومواساة جراحها بما يدفع اليها المال بصرف النظر عما اخذته من المهر كله او نصفه، لان هذا شيء ملكته بالعقد، فلا يغني عما تستحقه بالطلاق.
وقد خاطب الله الازواج وطالبهم بالعفو عن نصف الصداق لتاخذ المراة الصداق كله اذاطلقت قبل الدخول، مع ان هذا الزوج لم ينل منها شيئا حتى المصافحة او القبلة، ولا تلزمها عدة في هذا الطلاق، وتستطيع ان تستقبل الخطاب فورا، ومع هذا استحقت نصف المسمى فرضا، وندب الرجل ان يتنازل لها عن النصف الثاني من الصداق لتاخذ الصداق كاملا، وقد بين الله تعالى هذا اقرب للتقوى واحرى لامتداد العلاقات الطبية بين الناس، ويدل على حسن الصحبة، ويتفق مع قوله تعالى: (ولا تنسوا الفضل بينكم)، ثم قال في الاية الاخرى( وللمطلقات متاع بالمعروف) فاوجب لها المتعة بعد ان اوجب لها نصف الصداق وحث على العفو عن النصف الاخر.
تقدير المتعة
هل يعتبر في تقديرها حال الزوج او حال الزوجة او حالهما معا؟
لعل الصواب ان المعتبر في تقدير المتعة هو حال الزوجين معا، لان الله تعالى في الاية الكريمة قد اعتبر امرين، هما: حال الرجل في يساره واعساره فقال تعالى:”على الموسع قدره وعلى المقتر قدره”، والثاني: ان يكون مع ذلك بالمعروف فقال تعالى:”… متاعا بالمعروف وحقا على المحسنين”، فبملاحظة هذين الامرين تجب ملاحظة حالهما.
هذا وينادي بعض ادعياء انصار المراة بوجوب تقدير معاش شهري للمطلقة مدى حياتها او الى ان تتزوج على انه متعة شرعية لها تعوض المطلقة عما اصابها من ضرر الطلاق، ولهذا نرى ان هذا مخالف للشريعة، وعدم فهم لما جاءت به في تشريع المتعة، وذلك لان تقرير معاش شهري على انه متعة سيجعل كل قسط شهري متعة مستقلة، وهذا يؤدي الى تكرار المتعة، وقد صرح الفقهاء بان المتعة لا تتكرر، ولان دفع مبلغ من المال كل شهر الى ان تموت المطلقة او تتزوج يفضي الى جعل المتعة مبلغا ضخما يرهق المطلق ويصيبه بالحرج والضرر.
وتقضي الاحكام الشرعية بايفاء المطلقة حقوقا مالية كثيرة وكبيرة تتمثل في:تسليم مؤخر الصداق، ثبوت الحق في نفقة العدة، اجرة الرضاع، اجرة الحضانة، متعة الطلاق والتي تساوي نصف الصداق عند كثير من العلماء المحققين.
* استاذ الدراسات العليا في الجامعات السعودية وعضو مجمع البحوث الاسلامية وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
- حكم الطلاق عن ظلم