[ اصلاح ذات البين]
سلمان بن يحي المالكي
[email protected]
لا ريب ان الشقاق والخلاف من اخطر اسلحة الشيطان الفتاكة التي يوغر بها صدور الخلق ، لينفصلوا بعد اتحاد ، ويتنافروا بعد اتفاق ، ويتعادوا بعد اخوة ، وقد اهتم الاسلام بمسالة احتمال وقوع الخلاف بين المؤمنين واخذها بعين الاعتبار ؛ وذلك لان المؤمنين بشر يخطئون ويصيبون ، ويعسر ان تتفق اراؤهم او تتوحد اتجاهاتهم دائما ، ولهذا عالج الاسلام مسالة الخلاف على اختلاف مستوياتها بدءا من مرحلة المشاحنة والمجادلة ، ومرورا بالهجر والتباعد ، وانتهاء بمرحلة الاعتداء والقتال ، والاسلام دين يتشوف الى الصلح ويسعى له وينادي اليه ، وليس ثمة خطوة احب الى الله عز وجل من خطوة يصلح فيها العبد بين اثنين ويقرب فيها بين قلبين ، فبالاصلاح تكون الطمانينة والهدوء والاستقرار والامن وتتفجر ينابيع الالفة والمحبة .
اهمية الاصلاح .
1. الاصلاح عبادة جليلة وخلق جميل يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو خير كله ” والصلح خير ” [ النساء : 128 ] 2. بالاصلاح تكون الامة وحدة متماسكة ، يعز فيها الضعف ويندر فيها الخلل ويقوى رباطها ويسعى بعضها في اصلاح بعض .
3. بالاصلاح يصلح المجتمع وتاتلف القلوب وتجتمع الكلمة وينبذ الخلاف وتزرع المحبة والمودة .
4. الاصلاح عنوان الايمان في الاخوان ” انما ٱلمؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم ” [ الحجرات : 10 ] 5. اذا فقد الاصلاح هلكت الشعوب والامم وفسدت البيوت والاسر وتبددت الثروات وانتهكت الحرمات وعم الشر القريب والبعيد .
6. الذي لا يقبل الصلح ولا يسعى فيه رجل قاسي القلب قد فسد باطنه وخبثت نيته وساء خلقه وغلظت كبده فهو الى الشر اقرب وعن الخير ابعد .
7. المصلح قلبه من احسن القلوب واطهرها ، نفسه تواقة للخير مشتاقة ، يبذل جهده ووقته وماله من اجل الاصلاح .
الله يصلح بين المؤمنين .
ومن عظيم بركة الرب وعفوه ورحمته انه يصلح بين المؤمنين يوم القيامة ، عن انس بن مالك رضي الله عنه قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس اذ رايناه ضحك حتى بدت ثناياه ، فقال له عمر: ما اضحكك يا رسول الله بابي انت وامي ؟ فقال : رجلان من امتي جثيا بين يدي رب العزة ، فقال احدهما : يا رب خذ لي مظلمتي من اخي ، فقال الله تبارك وتعالى للطالب : فكيف تصنع باخيك ولم يبق من حسناته شيء ؟ قال : يا رب فليحمل من اوزاري ، قال : وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ثم قال : ان ذاك اليوم يحتاج الناس الى من يحمل عنهم من اوزارهم ، فقال الله تعالى للطالب : ارفع بصرك فانظر في الجنان ، فرفع راسه فقال : يا رب ارى مدائن من ذهب وقصور من ذهب مكللة باللؤلؤ لاي نبي هذا ؟ او لاي صديق هذا ؟ او لاي شهيد هذا ؟ قال : هذا لمن اعطى الثمن ، قال : يا رب ومن يملك ذلك ؟ قال : انت تملكه ، قال : بماذا ؟ قال : بعفوك عن اخيك ، قال : يا رب فانى قد عفوت عنه ، قال الله عز وجل : فخذ بيد اخيك فادخله الجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك ” اتقوا الله واصلحوا ذات بينكم ، فان الله يصلح بين المؤمنين ” [ رواه الحاكم وقال : صحيح الاسناد ]
ميادين الاصلاح .
1. في الافراد والجماعات ، عن سهل بن سعد رضي الله عنه ان اهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة فاخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال : اذهبوا بنا نصلح بينهم ” [ رواه البخاري ] 2. في الازواج والزوجات ، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة فلم يجد عليا في البيت فقال : اين ابن عمك ؟ قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يقل عندي ، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم لانسان: انظر اين هو فجاء فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه واصابه تراب فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول: قم ابا تراب ، قم ابا تراب ” [ رواه البخاري ] 3. بين المتداينين ، عن كعب بن مالك انه تقاضى ابن ابي حدرد دينا كان له عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فارتفعت اصواتهما حتى سمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهما حتى كشف سجف حجرته فنادى كعب بن مالك فقال : يا كعب فقال : لبيك يا رسول الله، فاشار بيده ان ضع الشطر فقال كعب: قد فعلت يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قم فاقضه ” [ رواه البخاري ] .
4. في الاقارب والارحام ، حدثت عائشة رضي الله عنها ان عبد الله بن الزبير قال في بيع او عطاء اعطته عائشة : والله لتنتهين عائشة او لاحجرن عليها فقالت اهو قال هذا ؟ قالوا : نعم. قالت : هو لله علي نذر ان لا اكلم ابن الزبير ابدا ، فاستشفع ابن الزبير اليها حين طالت الهجرة فقالت : لا والله لا اشفع فيه ابدا ولا اتحنث الى نذري فلما طال ذلك على ابن الزبير كلم المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الاسود بن عبد يغوث وهما من بني زهرة وقال لهما انشدكما بالله لما ادخلتماني على عائشة فانها لا يحل لها ان تنذر قطيعتي ، فاقبل به المسور وعبد الرحمن مشتملين بارديتهما حتى استاذنا على عائشة فقال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته اندخل ؟ قالت عائشة: ادخلوا ، قالوا كلنا . قالت: نعم ادخلوا كلكم . ولا تعلم ان معهما ابن الزبير فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب فاعتنق عائشة وطفق يناشدها ويبكي وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدانها الا ما كلمته وقبلت منه ويقولان ان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عما قد علمت من الهجرة فانه لا يحل لمسلم ان يهجر اخاه فوق ثلاث ليال فلما اكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج طفقت تذكرهما نذرها وتبكي وتقول: اني نذرت والنذر شديد فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير واعتقت في نذرها ذلك اربعين رقبة وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتى تبل دموعها خمارها ” [ رواه البخاري ] 5. في القبائل والطوائف ، عن انس رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم لو اتيت عبد الله بن ابي فانطلق اليه النبي صلى الله عليه وسلم وركب حمارا فانطلق المسلمون يمشون معه وهي ارض سبخة فلما اتاه النبي قال: اليك عني والله لقد اذاني نتن حمارك. فقال رجل من الانصار منهم: والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم اطيب ريحا منك. فغضب لعبد الله رجل من قومه فشتمه ، فغضب لكل واحد منهما اصحابه فكان بينهما ضرب بالجريد والايدي والنعال فبلغنا انها انزلت ” وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما ” [ رواه البخاري ] 6. في الاموال والدماء ، عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : اشترى رجل من رجل عقارا له فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب فقال له الذي اشترى العقار خذ ذهبك مني انما اشتريت منك الارض ولم ابتع منك الذهب ، فقال الذي شرى الارض : انما بعتك الارض وما فيها ، قال : فتحاكما الى رجل فقال الذي تحاكما اليه : الكما ولد ؟ قال احدهما لي غلام وقال الاخر: لي جارية قال انكحوا الغلام الجارية وانفقوا على انفسكما منه وتصدقا ” [ رواه مسلم ] 7. في النزاع والخصومات ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت خصوم بالباب عالية اصواتهم ، واذا احدهما يستوضع الاخر ويسترفقه في شيء وهو يقول: والله لا افعل فخرج عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقال اين المتالي على الله لا يفعل المعروف ؟ فقال : انا يا رسول الله ، فله اي ذلك احب ” [ رواه البخاري ]
فقه الاصلاح .
الاصلاح عزيمة راشدة ونية خيرة وارادة مصلحة ، والامة تحتاج الى اصلاح يدخل الرضا على المتخاصمين ، ويعيد الوئام الى المتنازعين ، اصلاح تسكن به النفوس وتاتلف به القلوب ، ولا يقوم به الا عصبة خيرة من خلق الله ، شرفت اقدارهم ، وكرمت اخلاقهم ، وطابت منابتهم ، وللاصلاح فقه ومسالك دلت عليها نصوص الشرع وسار عليها المصلحون المخلصون ، ومنها :
1. استحضار النية الصالحة وابتغاء مرضاة الرب جل وعلا ” ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله نؤتيه اجرا عظيما ” [ النساء : 114 ] 2. تجنب الاهواء الشخصية والمنافع الدنيوية فهي مما يعيق التوفيق في تحقيق الهدف المنشود .
3. لزوم العدل والتقوى في الصلح ، لان الصلح اذا صدر عن هيئة اجتماعية معروفة بالعدالة والتقوى وجب على الجميع الالتزام به والتقيد باحكامه اذعانا للحق وارضاء للضمائر الحية ” فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا ” [ الحجرات : 9 ] 4. ان يكون المصلح عاقلا حكيما منصفا في ايصال كل ذي حق الى حقه مدركا للامور متمتعا بسعة الصدر وبعد النظر مضيقا شقة الخلاف والعداوة ، محلا المحبة والسلام .
5. سلوك مسلك السر والنجوى ، ولئن كان كثير من النجوى مذموما الا انه في هذا الموطن محمود ” لا خير فى كثير من نجواهم الا من امر بصدقة او معروف او اصلٰح بين ٱلناس ” [ النساء :114] .
6. الحذر من فشو الاحاديث وتسرب الاخبار والتشويش على الفهوم مما يفسد الامور المبرمة والاتفاقيات الخيرة ، لان من الناس من يتاذى من نشر مشاكله امام الناس ، وكلما ضاق نطاق الخلاف كان من السهل القضاء عليه.
7. اختيار الوقت المناسب للصلح بين المتخاصمين حتى يؤتي الصلح ثماره ويكون اوقع في النفوس .
8. ان يكون الصلح مبنيا على علم شرعي يخرج المتخاصمين من الشقاق الى الالفة ومن البغضاء الى المحبة .
9. التلطف في العبارة واختيار احسن الكلم في الصلح ولما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة فلم يجد عليا في البيت فقال: اين ابن عمك ؟ وفيه دليل على الاستعطاف بذكر القرابة .
10. استحباب الرفق في الصلح وترك المعاتبة ابقاء للمودة ، لان العتاب يجلب الحقد ويوغر الصدور ، وقد كتب عمر بن الخطاب الى ابي موسى الاشعري : رد الخصوم حتى يصطلحوا فان فصل القضاء يورث بينهم الضغائن ”
11. ابدا بالجلسات الفردية بين المتخاصمين لتليين قلبيهما الى قبول الصلح مع الثناء على لسان احدهما للاخر .
12. واخيرا .. الدعاء الدعاء بان يجعل الله التوفيق حليفك وان يسهل لك ما اقدمت عليه مع البراءة اليه سبحانه من قوتك وقدرتك وذكائك واظهار العجز والشدة والحاجة اليه للتاييد والتوفيق .
الامر باصلاح ذات البين في القران الكريم .
* قال تعالى ” فمن خاف من موص جنفا او اثما فاصلح بينهم فلا اثم عليه ان الله غفور رحيم ” [ البقرة : 182 ] * قال تعالى ” ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم ان تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم ” [ البقة : 224 ] * قال تعالى ” لا خير في كثير من نجواهم الا من امر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه اجرا عظيما ” [ النساء : 114 ] * قال تعالى ” وان امراة خافت من بعلها نشوزا او اعراضا فلا جناح عليهما ان يصلحا بينهما صلحا والصلح خير ” [ النساء : 128 ] * قال تعالى ” … فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وان تصلحوا وتتقوا فان الله كان غفورا رحيما ” [ النساء : 129 ] * قال تعالى” انما المؤمنون اخوة فاصلحوا بين اخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون ” [ الحجرات : 10 ]
* ” واصلحوا ذات بينكم “.
ومعنى ذات البين : صاحبة البين ، والبين في كلام العرب ياتي على وجهين متضادين :
1. الفراق والفرقة ومعناه : اصلاح صاحبة الفرقة بين المسلمين بازالة اسباب الخصام والتسامح والعفو ، وبهذا الاصلاح يذهب البين وتنحل عقدة الفرقة .
2. الوصل ومعناه : ومعناه : اصلاح صاحبة الوصل والتحابب والتالف بين المسلمين ، واصلاحها يكون براب ما تصدع منها وازالة الفساد الذي دب اليها بسبب الخصام والتنازع على امر من امور الدنيا ” [ الاخلاق الاسلامية للميداني 2/230 ]
فضل الاصلاح والمصلح .
* قال تعالى ” والذين يمسكون بالكتاب واقاموا الصلاة انا لا نضيع اجر المصلحين ” [ الاعراف : 170 ] * قال تعالى ” وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا واصلح فاجره على الله انه لا يحب الظالمين ”
* ” الا اخبركم بافضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ قالوا : بلى ، قال : صلاح ذات البين ، فان فساد ذات البين هي الحالقة ” [ رواه ابو داود ] * ” كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والانصار على ان يعقلوا معاقلهم ، وان يفدوا عانيهم بالمعروف [ العاني الاسير ] والاصلاح بين المسلمين ” [ رواه احمد ] * ” تفتح ابواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا شريك بالله شيئا الا رجلا كانت بينه وبين اخيه شحناء فيقال : انظروا هذين حتى يصطلحا ، انظروا هذين حتى يصطلحا ، انظروا هذين حتى يصطلحا ” [ رواه مسلم ] * ” ما عمل ابن ادم شيئا افضل من الصلاة , وصلاح ذات البين , وخلق حسن ” [ الصحيحة : 1448 ] * ” كل سلامي من الناس عليه صدقة ، كل يوم يعدل بين الناس صدقة ” [ رواه البخاري ] * قال انس رضي الله عنه ” من اصلح بين اثنين اعطاه الله بكل كلمة عتق رقبة ”
الكذب في الاصلاح .
1. عن ام كلثوم بنت عقبة بن ابي معيط وكانت من المهاجرات الاول التي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم اخبرته انها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول ” ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي [ بدون تشديد بمعنى نقل ما فيه خير وصلاح وبالتشديد الافساد ] خيرا او يقول خيرا ” [ رواه البخاري ] 2. قال بن شهاب : ولم اسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب الا في ثلاث : الحرب ، والاصلاح بين الناس ، وحديث الرجل امراته وحديث المراة زوجها ” [ رواه البخاري ]
اعدل الصلح .
قال بن القيم رحمه الله ” فالصلح الجائز بين المسلمين هو يعتمد فيه رضي الله سبحانه ورضي الخصمين ، فهذا اعدل الصلح واحقه ، وهو يعتمد العلم والعدل ، فيكون المصلح عالما بالوقائع ، عارفا بالواجب ، قاصدا العدل ، فدرجة هذا افضل من درجة الصائم القائم ” [ اعلام الموقعين 1 / 109 110 ]
واخيرا ..
ان المكارم كلها لو حصلت …… رجعت جملتها الى شيئين
تعظيم امر الله جل جلاله …… والسعي في اصلاح ذات البين
- مامعنى اصلاح ذات البين
- اصلاح ذات البين
- معنى اصلاح ذات البين
- معنى بإصلاح ذات البين
- ما معنى اصلاح بين
- ما معنى إصلاح ذات البين
- ما معنى اضلاح ذات البين
- صلاح ذات البين ، فإن فساد ذات البين
- معنى كلمة مطارح البين
- خير الناس من اصلح ذات البين