” مذكرتى العزيزه ؛
لقد عادت ايام الخريف الباردة لزيارتنا من جديد ،
اتمني ان تكون اطلالتها هذي السنه اروع من المرات الماضيه ،
انا احبك عزيزى الخريف و لكن … حسنا و لكن انت فالحقيقة تحمل لى جميع مره شيئا سيئا ؛
علي جميع حال ليس لدى العديد لاكتبة هذي الليلة فانا لم اغادر البيت سوي للمدرسة ،
لقد اردت ان اودع اصدقائى و جميع الزملاء و بذكر ذلك ،
الفصل الدراسي على و شك الانتهاء و تنتظرنى مذاكره طويله ،
اتعجب انني ما زلت املك الوقت لادون احداث يومي .
قد ذلك شيء جيد ،
فى النهاية ليس لدى اصدقاء اروى لهم ما يحدث معى ،
واذا استمر الامر كذا فطبعا لن احصل على المزيد منهم ،
لا باس .
.
ليس لان الامر يعجبنى و لكن على الاقل انه يساعد ابي .
.
و بذكر الاحداث ،
لعل الخريف هذي السنه يحمل لى بين ثنايا اوراقة شيئا جديدا يكسر طابع الملل المسيطر على روتين حياتي ،
لكم و ددت ان تطول اقامتنا هنا بضع شهور ثانية ،
لربما حملتنى الصدفه الى لقاء احدث مع هذا المجهول صاحب قلم الفحم … .
اوة ،
مذكرتى العزيزه ،
امي المسكينه تقوم بكل العمل لوحدها و انا اتكاسل هنا ،
اتهرب من مسؤولياتى ،
ويبدوا ان ضميرى النائم ربما عاود الاستيقاظ ،
ما يدفعنى لمفارقتك الان ،
ولنا تكمله فليلة ثانية … ” .
كان هذا احدث ما كتبتة قبل ان تسجل التاريخ و التوقيت بخط ما ئل للاعلي كما هي العاده فكل الاوراق السابقة ،
ابتعدت ببطء عن الكرسى الخشبى و لونة الدافئ اذ سيطر البنى على اغلب اثاث الغرفه الفسيحه او … ما تبقي بها من اثاث .
فالطابق السفلى لهذا المنزل المتواضع ،
عمت فوضي كبار مكونه من عدد هائل من الصناديق الورقيه ،
بعضها ربما تكوم تحت الدرج و قباله الباب الرئيسى للبيت ،
و البعض الاخر انتشر بفوضويه فارجاء الصاله ،
كما انتشر الاثاث و مقتنيات البيت بصورة تدفع لذهن الناظر انهم حقا يستعدون للانتقال من هنا .
صوت تصادم الاطباق و ادوات المائده المعدنيه يملا المطبخ حيث كانت تلك السيده تقف امام المغسله ،
تتحرك على عجل لتنهى العمل بين يديها و تنتقل للاخر ،
فى محاوله لاتمام اكبر جزء من الاعمال المتكومه قبل ان ينقضى ما تبقي من الليل .
اطلت الشابه ذات الشعر البنى الفاتح – و الذي اختلط ببعض الخصل النحاسيه المشرقه – من زاويه الباب لتتمم بصوت متذمر : امي ،
ماذا تردين ان افعل ؟
.
استدارت السيده نص استداره و يديها ما تزال تقلب القدر على النار : ايفى ،
هل انهيت توضيب غرفتك ؟
.
: تقريبا ،
لقد انهيت الجزء الاكبر منها .
.
: لا باس ،
حسنا اهتمى انت بالعشاء ريثما اكملت وضع هذي الاغراض فالصناديق .
: امي ،
لماذا نقوم بذلك نحن ؟
الا ممكن ان يقوم بذلك العمال فالغد ؟
.
: لا ،
يجب ان نرتبها بانفسنا حتي لا نتعب فافراغها فيما بعد ،
سوف يصبح ايجاد الاغراض سهلا ان عرفنا كيف رتبناها ،
والاروع ان تتوقف عن التذمر .
عقارب الساعة الجداريه العتيقه تعانق العاشرة ليلا ،
ويترنح البندول المنحوت يدويا من اجود نوعيات الخشب الاصلي يمينا و يسارا اخرى بعد ثانية ،
ولكن لا احد يهتم فيه الان الكل منشغل بشيء ما و يتمنون ان يبطئ بضع ثوان لينهوا العمل العديد الذي ينتظرهم .
و فالصاله الواسعه التي تشغل الصناديق معظمها و من الواضح ان اثاثها ربما رفع فهي خاليه سوي من تلك المقاعد المبعثره فارضها ذات البلاط الابيض و البنى ،
وتلك الطاوله التي تتسع لاربعه افراد ،
انهت ترتيب المائده و رفعت صوتها مناديه على البقيه : حسنا .
.
اتركوا ما بايديكم و تعالوا للعشاء ،
ان برد الاكل فلن اعيد تسخينة .
.!!
.
ويبدو انها لم تكن حقا فحاجة لذا التهديد الاخير ،
فهي لم تكد تنهى كلماتها حتي دخلوا الصاله واحدا اثر احدث يلتقطون احد تلك المقاعد المبعثره و يضعونها عند الطاوله للجلوس .
احدث الواصلين كانت السيده التي ما ان دخلت حتي جففت يديها فالمئزر الازرق حول و سطها بعدها ادارتهما خلفها لتحل العقده و تعلقة فمقبض الباب ،
لم يستغرق الامر منها سوي بضع ثوان لتجلس ،
ومثل جميع ليلة على العشاء يبدا هذا الحوار العائلى الذي يضجر ايفى بشده و يسد شهيتها عن الاكل ،
ولم تكن هذي المره مختلفة بل كانت اسوء فنظرها لانها تعرف مسبقا عما سيتكلمون الليلة .
رغم ذلك فقد انصتت بصمت عندما بدا السيد كلاركسون الكلام : حسنا انها الليلة الاخيرة لنا فهذا البيت،هل انتم متشوقون للغد ؟
.
لم يجب احد فالبداية سوي السيده ما رى التي اتسعت ابتسامتها على نحو مضطر لتساند زوجها : طبعا هم ايضا ،
سوف ننتقل لبلد جديد و سيتعرفون على اشخاص جدد و يكونون اصدقاء كثيرين .
.
.
قاطعها صوت اصطدام غاضب اكثر من كونة عنيف على الطاوله حولت نظرها صوب المصدر ،
لتري هذا الشاب ذو الملامح الغاضبه و التي يختفى اغلبها تحت شعرة المنسدل نحو الامام لانحنائة على الطاوله يقطب حاجبية بغضب مكبوت بعدما صدم كوب العصير على الطاوله : ذلك لن يحدث ابدا … !
قاطعة السيد مجددا : و لماذا ؟
ما الخاطئ فالامر .
.؟
اعاد الشاب كلامة بنفس النبره الغاضبه : لانة لم يحدث سابقا ،
نحن لا نمكث فنفس البيت اكثر من سنتين فاروع الاحوال ،
وكل مره نضطر ان نودع اصدقائنا و جميع الاشخاص المهمين فحياتنا ،
بعهد ما ،
بامل ان نلتقى مجددا و لكن ذلك لا يحصل ابدا ،
حتي انهم لا يستطيعون مراسلتنا بسبب تنقلنا المستمر ،
لهذا فالاروع الا نكون صداقات من البداية حتي لا نضطر للتخلى عنها فنهاية الامر .
زفرت ايفى بنحو منزعج لتردف : اصمت جيمى .
.
لا داعى لهذا الكلام الان ،
انة لن يغير الامر فهذه اللحظه ،
ثم يجب ان نراعى ظروف عمل ابي ،
انا متاكده من انه هو الاخر لا يحب ذلك الوضع المشتت ،
لذا لنجارى الامر ربما نستقر فمكان واحد فنهاية الامر .
.
همست السيده برقه : ايف … .
وابتسم السيد بنحو جانبى متامل ،
هو سعيد انهم يقدرون موقفة ،
عند تلك اللحظه كان الكل شارد بتفكيرة فشيء ما ،
جيمى يحرك العصير فالكاس بغضب ،
والسيدان ينظران لصحون الطعام بشرود ،
بينما كانت ايفى تطرق باصبعها على المنضده و كانها تفكر فشيء ما .
صوت ارتطام عنيف صدر عنه تهشم هذا الصحن الزجاجى الكبير الذي كان يحتوى السلطة ،
استفاق الجميع بذعر ليجدوا الطفلة الصغيرة ربما اوقعتة على الارض و هي تحاول الوصول للكؤوس القريبه منها .
صاحت السيده بحدة : انجل ….
اوة يا الهى ماذا فعلت !
.
وضع جيمى يدة على فمة و هو يغمغم بضحكه : انها ملاك ” انجل ” بالاسم فقط ،
اما افعالها فشيطانيه ،
علي جميع لقد خفت حمولتنا صحنا ثقيلا .
.
ربما يجب ان تشكروها لذا .
.
ضحك الجميع لحظه قبل ان يقاطعهم تتاوة السيده الضجر : و لكن من سينظف هذي الفوضي ،
لقد تاخر الوقت و يجب على الاهتمام باعمال كثيرة !
.
اجابت ايفى و هي تبتعد عن كرسيها : سافعل انا هذا يا امي ،
وانتم اذهبوا للنوم ،
سنتم العمل فالصباح الباكر .
.
اجابتها السيده الكريمه بالموافقه ،
فهي تدرك فحقيقة نفسها ان لا طاقة لها للمزيد من العمل هذي الليلة ،
لذا خطر لها ان ترتب باقى الثياب و تترك الباقى للصباح .
جلست ايفى على ركبتيها و هي تجمع اوراق السلطة المبعثره : لا باس ،
سانهى التنظيف و ارتب ما تبقي من اغراض المطبخ يا امي .
دقات الساعة صارت و اضحه و عاليه بعدما هدا البيت ،
كانت ايفى تسمع خطوات السيده بين حين و احدث و لكن ذلك لا يكفى لكسر طابع الهدوء المسيطر على المكان ،
انهت جمع الزجاج المبعثر فالكيس الورقى و التي كانت ذاهبه لترمية عندما اسندت يديها الى الارض متكئه عليها و لكن صدف و وضعتها فمكان سيء اذ ان قطعة زجاج مدببه اصابت اصبعها فجرحتها ،
لم تشعر بالالم و لم تنتبة حتي رات قطرات الدماء على البلاط ،
زفرت بضيق : اللعنه … .
فى حركات خفيفه قطعت الصاله لترمى الكيس فسله بلاستيكيه كانت تحتوى على زوائد غير هامه ،
و من جوارها سحبت منديل و رقى من العلبه ذات الغلاف المخملى ،
ظنت ان النزيف ربما توقف عندما رفعت المنديل عن الجرح ،
ولكن حدث خلاف هذا اذ و قعت قطرتان متتاليتان من الدماء لتصبغ البلاط مشكلة بقعه قانيه فحجم بصمه الابهام ،
زمت شفتيها بضيق و سارعت تبحث عن علبه الاسعافات الاوليه المميزه بلونها الاحمر ،
وما ان انهت علاج جرحها النازف حتي القت باهتمامها للفوضي التي تعم المطبخ ،
كان هنالك مجموعة من الصناديق الورقيه كتب عليها سلفا ما يجب ان تحتوية .
زفرت بملل و ارتدت المئزر لتبدا العمل ،
ولم يستغرق الامر منها سوي نص ساعة لتنهى غسل الاطباق فحركت يدها المبلله لتزيح خصل الشعر التي زحفت على و جهها ،
رفعت راسها و ابعدت عينيها عن صنبور المياة لتقع على صحن فضى كان ينتصب متكئ على مجموعة من الصحون الثانية بجوارها ،
ما ان و قعت عينيها عليه رات انعكاس ظل اسود غير منتظم تماما يقف عند اطار الباب ،
استدارت فاقل من جزء من الاخرى و لكنها لم تجد شيئا خلفها ،
اعادت النظر للصحن مجددا و اذا بالظل او مهما كان هذا الشيء ربما اختفي .
.!
.
تركت ما بيديها بسرعه و ركضت فخطوتين الى الباب ،
لم يكن هنالك اي احد و الممرالقصير الذي يفصل الصاله عن المطبخ هادئ و مضلم كما تركتة عندما دخلت ،
فكرت انها تتوهم الامر و لكن لتتاكد فقط رفعت صوتها بالنداء : امي .
.!
،
هل ما زلت مستيقظه ؟
.
لم يجبها سوي تردد الحروف الاخيرة من كلمه مستيقظه اثر الصدي الناتج عن المكان الكبير الفارغ من الاثاث و من اي شيء احدث سوي مجموعة الصناديق المكومه و التي لا تزال جامدة فمكانها .
اصغت بانتباة يسير بعد ان تذكرت ان خطوات امها السريعة و التي كانت تسمعها من الطابق الثاني ربما توقفت منذ فتره قبل ان تنهى غسل الاطباق ،
تقدمت بضع خطوات فالممر و بدا صوت تكتكه الساعة الجداريه مترددا بصوت عميق اشبة بقرع منظم للطبول .
توقفت فمكانها و بدت على و جهها نظره الغباء الشديد الذي تشعر فيه : اكاد اقسم انني فقدت عقلى ،
انا متاكده من ان ما رايتة هو مجرد خيال و ان سطح الصحن المحدب هو سببة … لكن يا الهى انه اوضح من ان يصبح خيالا ،
انة تماما كالظل الذي شاهدتة صباحا .
هزت راسها بشده و هي تبتسم : يا الهى ،
من الجيد ان لا احد هنا ليسمع هذي الهلوسات التي انطقها .