الحمد لله الكريم الرحمن، علم القران، خلق الانسان علمه البيان، واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، واشهد ان محمدا النبي العدنان؛ عبده ورسوله، وعلى اله وصحبه، ومن اتبعهم باحسان.
اما بعد:
فان العلم من نعم الله التي انعم الله بها علينا؛ فهو الخير والهداية والبركة والرفعة، مدحه الله – عز وجل – في كتابه، وعلى لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم – بل امر نبينا – عليه الصلاة والسلام – بان يطلب الاستزادة منه؛﴿ وقل رب زدني علما ﴾[طه: 114]، بل وافتتح الله به كتابه الكريم، وجعله اول ما نزل على نبينا الكريم – صلى الله عليه وسلم – وذلك في سورة العلق:﴿ اقرا باسم ربك الذي خلق * خلق الانسان من علق ﴾ [العلق: 1- 2].
فهو النور الذي يخرج الناس من ظلمات الجهل، وهو الوسيلة الناجحة للبناء والارتقاء، وكما قال الشاعر:
العلم يبني بيوتا لا عماد لها
والجهل يفني بيوت العز والكرم
وقال الشافعي من قبله:
العلم مغرس كل فخر فافتخر
واحذر يفوتك فخر ذاك المغرس
وبه يصبح الشخص ذا مكانة مرموقة في المجتمع، وصدق الشافعي اذ قال:
فلعل يوما ان حضرت بمجلس
كنت الرئيس وفخر ذاك المجلس
ولمزيد اهميته فان الله اولى لاهله ومكتسبيه العناية واعطاهم المكانة، ورفع من قدرهم وشرفهم وعظيم مكانتهم في ايات كثيرة، واحاديث نبوية عديدة؛ فقد قال – تعالى – في سورة الزمر: ﴿ قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون انما يتذكر اولو الالباب ﴾ [الزمر: 9]، وقال – عز وجل – في سورة المجادلة: ﴿ يرفع الله الذين امنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات ﴾ [المجادلة: 11].
اي ان الله يرفع هؤلاء العلماء الدرجات تلو الدرجات، وفضل هؤلاء انما يدل على فضل ما يحملون.
والسنة النبوية زادت ما اتى به القران الكريم من فضل العلم والعلماء، فنجد ان النبي – صلى الله عليه وسلم – جعل الخير متوقفا على العلم، فقال كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث معاوية بن ابي سفيان – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((من يرد الله به خيرا، يفقهه في الدين))، والفقه: هو العلم الشرعي.
بل جعل صاحبه بمنزلة المجاهد في سبيل الله؛ لما روى انس فقال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((من خرج في طلب العلم، فهو في سبيل الله حتى يرجع))؛ رواه الترمذي.
فضلا عن انه الطريق الموصل الى الجنة؛ قال نبينا – صلى الله عليه وسلم -: ((من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا الى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه، الا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده))؛ رواه الامام مسلم.
ولهذا الفضل اثره العظيم وخيره الجسيم على الامة؛ افرادا وجماعات، وعلى جميع المجتمعات، فانظر للمجتمعات التي ينتشر فيها العلم وتزداد فيها المعارف، ترها مجتمعات مرموقة في اخلاقها وفي تطورها وتعاملها فيما بينها، فيضفي العلم عليها صبغة الراحة والطمانينة والسكينة والعيش الرغيد، في حين ترى المجتمع الذي يسوده الجهل يكثر فيه الاضطراب والتناحر والتباغض، اضافة الى التخلف الذي يشهده، وكل هذا بسبب الجهل.
ولهذا نجد المسلمين نبغوا سابقا في العلوم كلها، والتمسوا المعرفة من كل مكان؛ من الشرق والغرب، وشجع الخلفاء على هذه الحركة العلمية؛ حتى كان الخليفة المتوكل يعطي “حنين بن اسحاق” اشهر المترجمين وزن ما يترجمه ذهبا.