تمهيد
ان من اعظم ما تركه لنا القرن العشرون مفهوم التنمية الشاملة الذي تفاوت حظ تطبيقه بين دول العالم، ولكنه اصبح من بين الاسس الثابتة لقياس تقدم المجتمعات، ودليلا على ان التنمية اصبحت تمثل مطلبا ملحا واساسيا لكل المجتمعات المعاصرة، وذلك لما تنطوي عليه من مضامين اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية هامة، وايضا لما ينتج عنها من نتائج حاسمة في حاضر هذه المجتمعات ومستقبلها.
واذا كان الهدف الاساس من التنمية هو سعادة البشر وتلبية حاجاتهم، والوصول بهم الى درجة ملائمة من التطور وتعميق انسانيتهم، فانها فى حد ذاتها، لا تقوم الا بالبشر انفسهم الذين هم اهم وسائل تحقيقها.
وفي اطار الاهتمام بقضية التنمية الشاملة، وانطلاقا من ان التنمية ترتكز في منطلقاتها على حشد الطاقات البشرية الموجودة في المجتمع دون تمييز بين النساء والرجال، يصبح الاهتمام بالمراة وبدورها في تنمية المجتمع جزءا اساسيا في عملية التنمية ذاتها، بالاضافة الى تاثيرها المباشر في النصف الاخر، ذلك ان النساء يشكلن نصف المجتمع وبالتالي نصف طاقته الانتاجية، وقد اصبح لزاما ان يسهمن في العملية التنموية على قدم المساواة مع الرجال، بل لقد اصبح تقدم اي مجتمع مرتبطا ارتباطا وثيقا بمدى تقدم النساء وقدرتهن على المشاركة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبقضاء هذا المجتمع على كافة اشكال التمييز ضدهن(1).
التعريف بدور المراة
سطرت المراة في العصور القديمة والحديثة وخاصة في المجتمعات الاسلامية اسطرا من نور في جميع المجالات، حيث كانت ملكة وقاضية وشاعرة وفنانة واديبة وفقيهة ومحاربة وراوية للاحاديث النبوية الشريفة.
والى الان ما زالت المراة في المجتمعات الاسلامية تكد وتكدح وتساهم بكل طاقاتها في رعاية بيتها وافراد اسرتها، فهي الام التي تقع على عاتقها مسؤولية تربية الاجيال القادمة، وهي الزوجة التي تدير البيت وتوجه اقتصادياته، وهي بنت او اخت او زوجة، وهذا يجعل الدور الذي تقوم به المراة في بناء المجتمع دورا لا يمكن اغفاله او التقليل من خطورته.
ولكن قدرة المراة على القيام بهذا الدور تتوقف على نوعية نظرة المجتمع اليها والاعتراف بقيمتها ودورها في المجتمع، وتمتعها بحقوقها وخاصة ما نالته من تثقيف وتاهيل وعلم ومعرفة لتنمية شخصيتها وتوسيع مداركها، ومن ثم يمكنها القيام بمسؤولياتها تجاه اسرتها، وعلى دخول ميدان العمل والمشاركة في مجال الخدمة العامة(2).
ومنذ بداية العقد العالمي للمراة (1985-75) وحتى مؤتمر بكين 1996، بدا الاهتمام العالمي بقضية تنمية المراة وتمكينها من اداء ادوارها بفعالية مثل الرجل، والمشاركة في اتخاذ القرار في مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقد واكب هذا الاهتمام العالمي اهتمام كثير من الدول والهيئات والمنظمات الدولية والاقليمية، وذلك من خلال عقد سلسلة من الندوات والمناقشات واوراش العمل والمؤتمرات، كان اخرها منتدى قمة المراة العربية بالمنامة في ابريل 2000، مرورا بمؤتمر القمة الاول للمراة العربية “القاهرة 2000″، ومؤتمر القمة الاستثنائية للمراة العربية بالمغرب “نوفمبر 2001″، بالاضافة الى عدة منتديات حول المراة والسياسة، والمراة والمجتمع، والمراة والاعلام، والمراة والاقتصاد، والمراة في بلاد المهجر، التي عقدت في عدة دول عربية.
وما هذه الدراسة حول البنى الملائمة لتعليم الفتيات والمراة في بعض بلدان العالم الاسلامي الا دليل على اهتمام المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة ايسيسكو بدور المراة وحرصها على تمكينها من دورها الحقيقي في المجتمع.
ولقد اكدت واوصت جميع هذه المنتديات بكافة صورها على ضرورة دعم دور المراة ومكانتها ومنحها حق العمل في الميادين كافة، انطلاقا من اهمية مكانة المراة في المجتمع ودورها في تحقيق استقرار الاسرة.
ويشير الواقع الديموغرافي لعدد السكان في بلدان العالم الاسلامي انه يبلغ 1028751 الف نسمة عام 2000، وتبلغ المراة نصف هذا العدد تقريبا اي حوالي 514.751 الف نسمة، والفئة العمرية للبنات في الشريحة العمرية من (14-6) حوالي 91324 الف من مجموع النساء اي بنسبة 17.8%(3).
ويلاحظ ارتفاع معدلات خصوبة المراة في هذه البلدان، وذلك يرجع الى العوامل الاجتماعية وعوامل ترتبط بالتراث الثقافي لهذه البلدان، وهذا الحجم المتزايد من السكان رجالا ونساء يطرح سؤالا : ما الادوار التى تقوم بها هذه الجموع البشرية من النساء في حاضر المجتمعات الاسلامية وفي مستقبلها ؟ والى اي مدى ترتبط هذه الادوار بما يهيئ لها من فرص الاعداد ووسائله لمواجهة الحياة حتى تتحول من دور واعد بالامكانية الى قوة مؤثرة بالفعل، وحتى تصبح طاقة منتجة لا عبئا ثقيلا ينوء المجتمع بتكاثره(4).
وللاجابة عن هذه الاسئلة المطروحة يركز هذا الفصل على الادوار التي تقوم بها المراة في تنمية المجتمع، وحتى يمكن تحديد هذه الادوار لابد اولا من تحديد المفاهيم الاساسية التي تعد من الموجهات الاساسية لهذا الفصل.
المفاهيم
مفهوم التنمية :
يعرف تقرير الامم المتحدة للتنمية البشرية لعام 1997 التنمية بانها عملية زيادة الخيارات المطروحة على الناس ومستوى ما يحققونه من رخاء، وهذه الخيارات ليست نهائية او ثابتة. وبغض النظر عن التنمية فان عناصرها الاساسية الثلاثة تشمل القدرة على العيش حياة طويلة وفي صحة جيدة، واكتساب المعرفة، والتمتع بفرص الحصول على الموارد اللازمة لعيش حياة لائقة. ولا تقف التنمية عند هذا الحد، فالناس ايضا يقدرون جيدا الحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية واتاحة الفرص امامهم للابداع والانتاج.
مفهوم تنمية المجتمع :
عرفت الامم المتحدة تنمية المجتمع بانها العمليات التي يمكن بها توحيد جهود المواطنين والحكومة لتحسين الاحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات ولمساعدتها على الاندماج في المجتمع والمساهمة في تقدمه باقصى قدر مستطاع.
مفهوم الدور :
عرفت د. نادية جمال الدين الدور بانه مجموعة من الصفات والتوقعات المحددة اجتماعيا والمرتبطة بمكانة معينة. والدور له اهمية اجتماعية لانه يوضح ان انشطة الافراد محكومة اجتماعيا، وتتبع نماذج سلوكية محددة، فالمراة في اسرتها تشغل مكانة اجتماعية معينة، ويتوقع منها القيام بمجموعة من الانماط السلوكية تمثل الدور المطلوب منها.
وبالنسبة للمراة فالدور المعياري لها كامراة وزوجة وام، اي الدور الذي يتوقعه منها المجتمع وينتظر منها القيام به، يتفق اتفاقا كبيرا مع دورها الفعلي ان لم يتطابق معه(5).
مفهوم الدور الاقتصادي :
هو كل نشاط اقتصادى تؤديه المراة داخل او خارج المنزل بهدف اشباع احتياجات الاسرة او المجتمع من خلال تحقيق فائدة اقتصادية، بمعنى ان هذا النشاط له قيمة اقتصادية يمكن قياسها او تقديرها.
مفهوم الدور الاجتماعي :
هو الانشطة التي تقوم بها المراة في نطاق اسرتها وخاصة ما يتعلق بتربية ابنائها وعلاقة اسرتها بغيرها من الاسر الاخرى خلال عملية نشاطها اليومي والاجتماعي.
مفهوم الدور الثقافي :
هو قدرة المراة على تقييم ما تتلقاه من معارف ومعلومات من وسائل الاعلام المختلفة بما يدعم دورها في معايشة قضايا العصر والانفتاح على العالم الخارجي. ويلعب التعليم دورا هاما في هذا المجال حيث انه كلما نالت المراة قسطا اكبر من التعليم كلما كانت اكثر فهما وادراكا ومقاومة للايحاءات والتاثيرات السلبية التي قد ينقلها الاتصال بالعالم الخارجي.
مفهوم الدور السياسي :
هو الانشطة التي تقوم بها المراة وتتمثل في ممارستها لحقوقها السياسية والمدنية مثل حق التصويت في الانتخابات، والترشح للمجالس الشعبية والنيابية، والمشاركة في النقابات والتنظيمات النسائية، وحرية التعبير عن الراي، والمساواة امام القانون.
واقع دور المراة في تنمية المجتمع
على الرغم من وجود تباين في البنى الاساسية الاقتصادية والثقافية والسياسية لبلدان العالم الاسلامي، الا ان الدين الاسلامي هو دين الغالبية العظمى لسكان هذه البلدان.
ولما كان الدين الاسلامى اكثر تقدما من اي دين اخر بالنسبة لمشاركة المراة في المجتمع، لانه اعطى صورة متكاملة عن دور المراة ومكانتها في المجتمع، فالقران والحديث والتفسير والاجتهادات المختلفة تعطي المراة مكانة خاصة تترجم عمليا الى اعراف تشريعية تملي عليها حقوقها وواجباتها سواء كانت ابنة ام زوجة ام اما، فاننا نفترض وجود تطابق الى حد ما في الاوضاع في هذه البلدان، ولذلك تم اختيار بعض دول العالم الاسلامي كعينة مختارة ممثلة لباقي الدول لنتعرف على ادوار المراة في تنمية هذه المجتمعات.
وحين ننظر الى الدور الذي تقوم به المراة في التنمية، لا بد ان ننظر اليه في اطار التنمية الشاملة بكل ابعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وفي اطار التنمية المستهدفة القائمة على الاصالة والتجديد الحضاري. و تجزئة الدور في هذا الفصل الى عدة ادوار هو بغرض التوضيح، وتفسير الى اي مدى تستطيع المراة ان تشارك وتساهم بفعالية في التنمية، وما العوامل التي تؤثر في معدلات اسهام المراة في التنمية في ظل المتغيرات والتطورات التي طرات على هذه المجتمعات ؟ وما العوامل التي تواجه المراة للقيام بهذه الادوار وتعوق اندماجها والتزامها بالمشاركة الحضارية الكاملة في صناعة الحياة بكل ابعادها بدءا من حقها الطبيعى في حرية الحركة والانتقال، الى ذروة التاثير في صنع القرار والاسهام في تحديد المسار.
اولا : الدور الاقتصادي :
الاسلام وعمل المراة :
تتمتع المراة في الاسلام منذ اربعة عشر قرنا بشخصيتها الاقتصادية المستقلة وحريتها الكاملة في التصرف باموالها دون اذن زوجها، لانها في هذا كالرجل سواء بسواء، وكذلك لها ان تبيع وتتاجر وتعقد الصفقات وتؤجر البيوت وترهنها، ولها الحق في ان تمتهن اي مهنة تحبها وتختارها، ولها ان تنتخب وتنتخب في اي مجلس تشريعي او سياسي او اقتصادي، ولها ان تتولى القضاء بل لها ان تفتي في الناس باحكام الشريعة اذا كانت عليمة بها، مثلما كانت السيدة عائشة ام المؤمنين تفتي الصحابة في المسائل التي عرفتها وغابت عنهم، اي ان الدين الاسلامي اجاز عمل المراة في كافة المهن بما يصون كرامتها ولا يسيئ الى انوثتها، وان الله يثني على من يتلقى اجرا نظير عمل، فالعاملون والعاملات لهم عند ربهم اجر عظيم، وفضلا عن ذلك فان الله يساوي بين الجنسين اذ يقول : { من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون } (سورة النحل، الاية 97)، والحديث الشريف يقول : >انما النساء شقائق الرجال<، فالمراة في الشريعة شقيقة الرجل، لها مثل حقوقه داخل الاسرة وخارجها، ولها مثل الذي عليها بالمعروف، تلك هي بعض المعالم الرئيسة في نظرة الاسلام الى المراة، وهي نظرة بعيدة تماما عن النظرة المتدنية الى المراة التي افرزتها اوضاع متخلفة في تاريخ الحضارة الاسلامية اختلطت مع الزمن بتعاليم الاسلام وروح الشريعة.
معدلات مساهمة المراة في النشاط الاقتصادي :
ان المعلومات والبيانات المتاحة عن عمل المراة لا يمكن اعتبارها كاملة، وليس كل المتاح ملائما لكل انواع التحليل والدراسة، ومن المعروف ان دولا كثيرة لا تتوفر لديها البيانات الضرورية عن اسهام المراة في قوة العمل حسب التصنيفات التي تعكس هذه الاسهامات.
وتشير الاحصاءات الى ان المراة المسلمة تسهم في تطوير بلدها رغم ان نشاطها الاقتصادي اقل من نشاط النساء في البلدان المتقدمة وذلك لان الاحصاءات الرسمية في البلدان الاسلامية لا تعكس اسهام المراة الفعلي نظرا لاستناد هذه الاحصاءات الى تقديرات، ولا تاخذ في اعتبارها اسهام المراة الفعلي في النشاط الاقتصادي، وخاصة في المجال الزراعي والرعوي والحرفي وتهميش هذا النشاط لانه خارج القطاع المنظم.
وتاخذ اشكال اسهامات المراة الاقتصادية من خلال الانشطة والاعمال التي تؤديها سواء داخل المنزل او خارجه صورا عديدة، منها اسهامات مباشرة وهي تبدو في شكل مادي كاجور اومرتبات تحصل عليها او اثمان سلع ومنتجات تبيعها، او ربح تحصل عليه من صناعة بعض المصنوعات اليدوية، اما الاسهامات غير المباشرة فتمثل قيمة المواد التي تنتجها المراة وتستهلك داخل المنزل، وهذا يعد قيمة نقدية تساهم بها المراة في ميزانية الاسرة وتشارك في تحسين مستوى الاسرة المعيشي.
وينبغي الاشارة الى ان معدلات اسهام المراة في النشاط الاقتصادي داخل قوة العمل تتباين بشكل كبير بين بلدان العالم الاسلامي، وتتباين ايضا في الاقطار العربية في نطاق قطاعات النشاط الاقتصادي المنظم وغير المنظم، بالاضافة الى انها تختلف في الدول نفسها بين الحضر والريف، وبين فئات العمر، وترجع هذه الاختلافات الى العوامل الاجتماعية والثقافية الخاصة بهذه المجتمعات.
وقد اسفرت دراسات منظمة العمل الدولية عن ان ثلث العاملين في العالم من النساء، وان اعلى نسبة لاسهام المراة هي سن 15 عاما فاكثر، اما فيما يتعلق باسهام المراة في النشاط الاقتصادي، فقد دلت الدراسات على انها تبلغ اقصاها في روسيا الاتحادية 60%، وتبلغ ادناها في بعض الدول الافريقية اقل من 10%(6).
وتشير الاحصاءات الى ان المعدل السنوي لنمو القوى العاملة يتراوح ما بين 3% و4% في معظم البلدان العربية بين 1980 و1995، ولم يزد نصيب العاملات في القوى العاملة سوى زيادة طفيفة، فزادت بنسبة اجمالية بين 1% و2% في معظم البلدان باستثناء الاردن التي يقفز فيها نصيبهن الى 6% منها خلال نفس الفترة البالغة خمسة عشر سنة(7).
ونجد هذه النسبة في بعض دول الخليج (قطر والامارات) منخفضة حيث يصل نصيبهن الى 1%، وتبلغ اعلاها فى لبنان 14.5%، بينما يبلغ نصيب النساء في القوى العاملة بمصر دون مستوى 10%(8).
اما بالنسبة لمدى اسهام المراة في شمال افريقيا في النشاط الاقتصادي في القطاع المنظم، فتوضح بعض الدراسات ان منطقة شمال افريقيا ما زالت دون المستويات المقبولة، ولا سيما فيما يتعلق بعمل المراة، اذ يعتبر مستوى نشاط المراة الجزائرية في الفئة العاملة من السكان من ادنى المستويات في العالم، كما ان معدل زيادته منخفض 2.61% عام 1977، اذا ما قورن بمعدل عمالة المراة في تونس 18.7% عام 1977(9).
اما بالنسبة لمعدلات مساهمة المراة في ايران، وهي من اكبر دول العالم الاسلامي، فلقد قامت المراة الايرانية بعملية غزو شاملة لسوق العمل تمكنت خلالها من امتلاك 33% من حجم الوظائف في الحكومة والجهاز الاداري للدولة، وصعدت 432 امراة الى منصب مدير عام، وتؤكد المراة الايرانية الان انها تسعى من خلال اجهزة الثورة لتصحيح المفاهيم الخاطئة الشائعة، لان الاسلام لا يعارض عمل المراة(10).
ويتركز اشتغال النساء في القطاعات المنظمة في بلدان العالم الاسلامي بصفة عامة والبلاد العربية بصفة خاصة في مجال الخدمات، بحيث تصل النسبة في عدد من دول الخليج الى اكثر من 80%، وتتراوح في عدد كبير من البلدان الاخرى بين 15% و35%. وهناك في بعض البلدان العربية التي تنمو فيها قطاعات الانتاج الصناعي لا تتجاوز نسبة النساء المشتغلات في قطاع الانتاج 16%، وتبلغ اعلاها في دول العالم الاسلامي جنوب شرق اسيا، وفى مصر نجد ان المراة تمثل نسبة تتراوح بين 15% و20% من قوة العمل الصناعية في مصر(11).
ومما ينبغى الاشارة اليه ايضا توزيع القوى العاملة النسائية حسب الفئات العمرية، وتركيز النساء المشتغلات في الفئتين العمريتين (24-20) وبين (29-25)، وتاخذ نسبة المشتغلات في الانخفاض تدريجيا بعد ذلك في معظم بلدان العالم الاسلامي.
معدلات مساهمة المراة في القطاع الاقتصادي غير المنظم :
من المعروف ان كثيرا من الانشطة التي تؤديها المراة تستثنى عادة من احصاءات القوى العاملة والدخل القومي، وخصوصا الاعمال التي تقوم بها المراة في الريف وفي التجمعات البدوية والرعوية، وهي انشطة اقتصادية تسهم في دخل الاسرة والدخل القومي، ويتراوح معدل عمل المراة في بلدان العالم الاسلامي والدول العربية في المجال التجاري والزراعي والحرفي والرعوي، وتحضير الطعام وحفظه بين 60%، ويمثل ايضا 70% في المشاريع الاجتماعية الصغيرة وكل الاعمال المنزلية تقريبا التي تتضمن في بعض البقاع حمل الماء والانتاج الزراعي والحطب وغيرها من الانشطة في القطاعات غير المنظمة(12).
هذا الى جانب كثير من الاعمال التي تعتبر مساندة للرجل ومهيئة لظروف عمله. وتشير احصاءات منظمة العمل العربية الى ارتفاع نسبة المشتغلات في القطاع الزراعي والمهن الزراعية من القوى العاملة النسائية بحيث تتراوح ما بين 25% و85% في الاقطار ذات الموارد الزراعية.
وتذكر احدى الدراسات ان نسبة النساء اللاتي تعملن في المجال الزراعي في البحرين تقل عن 1% وشان البحرين شان بعض دول الخليج مثل الكويت وقطر ودولة الامارات العربية، كما اشارت الدراسة الى ان مشاركة المراة الريفية ما زالت موضع اهمال، كما لا يشار اليها في احصاءات القوى العاملة في كل من الكويت والبحرين، ويعكس ذلك الوضع في دراسة احصائية في المملكة العربية السعودية ان العمال السعوديين الذين يعملون في الزراعة لا يشكلون سوى 671.650 نسمة، وان النساء بهذا القطاع لا يتجاوزن ما نسبته 33.2%، وترجع الدراسة هذا الوضع الى تدفق اعداد كبيرة للعمالة الاجنبية مما ادى الى اهمال مساهمة المراة في القوى العاملة وجعلها موردا غير مستغل(13).
وتبلغ نسبة مساهمة المراة في المناطق الريفية والبدوية اعلاها فى فئة العمر العشرين فاكثر، وفئة العمر (50-40) سنة.
اما بالنسبة لمصر فهي لا تختلف كثيرا، فنسبة النساء المشتغلات في القطاع الزراعي والحرفي تمثل 27.7%، وهي في نفس الوقت تمثل 55% من مجموع النساء في المناطق الريفية(14).
اما بالنسبة لدول شمال افريقيا، فالجزء الاكبر من عمل المراة في مجال القطاع غير المنظم ما زال غير مرئي، كما انه غير مسجل، وتؤكد الدراسات التي اجريت عن تونس بشان بعض خصائص عمل المراة تركيز الاناث على الاعمال الدنيا، وان 49% منهن يمارسن اعمالا يدوية، وتقوم 28% من النساء العاملات باعمال النظافة في المنازل بتونس، وتبلغ مساهمة المراة في الجزائر في القطاع غير المنظم 6% من المجموع الكلي للنساء، اما في المغرب فهي قرابة 38%(14).
والخلاصة ان المشتغلات من النساء تتركزن في قطاعات اقتصادية معينة ومهن محددة في قطاع الخدمات، كما ان نصيبهن من بعض الاعمال التي تدر اجرا عاليا ما زال هزيلا وغير متساو مع اجور الرجال. وعلى وجه التحديد يتركزن في اعمال التشييد والبناء والاعمال الزراعية واعمال النظافة في البيوت.
ويختلف اقبال المراة على العمل او حتى الرغبة فيه وفقا لبعض الاعتبارات الاجتماعية والثقافية، فالمراة غير المتزوجة قد تقبل اعمالا لا تقبلها المراة المتزوجة، او بالاحرى لا يسمح لها اجتماعيا ان تمارسها، بالاضافة الى ان الوضع الطبقي يلعب دورا اساسيا في قبول العمل او رفضه. وعلى الرغم من ذلك فقد اكدت الدراسات اخلاص المراة في مجالات العمل المختلفة ومساهمتها الفعالة في التنمية.
ونظرا الى ان المساهمة في سوق العمل ليست المقياس الوحيد لقياس مدى المساهمة في التنمية عموما، فاننا نحتاج الى ايجاد مفهوم مختلف تماما لتقييم مساهمة المراة المسلمة في الانشطة الاقتصادية والتخطيط لمستقبلها في هذا الاطار.
ثانيا : الدور الاجتماعي والثقافي :
نظرة الاسلام لمكانة المراة الاجتماعية :
لما كان الاسلام هو دين الغالبية العظمى من سكان دول العالم الاسلامي، واحد العوامل الكبرى في حركة الحضارة العربية الاسلامية ماضيا وحاضرا ومستقبلا، فان الامر يقتضي ان نركز على مكانة المراة الاجتماعية في الاسلام، وفي هذا الصدد، فان الاسلام قد ساوى بين الرجل والمراة في الكرامة الانسانية واستخلفهما معا لعمران الكون، كما نهى القران عن كراهية البنت، وحرم وادها، كما كان متبعا في الجاهلية.
ان القران الكريم قد ساوى بين الرجال والنساء في الواجبات الدينية وفي المسؤولية وفي الثواب والعقاب، حيث ذكر في محكم اياته : { وان ليس للانسان الا ما سعى وان سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الاوفى } (سورة النجم، الايات 41-39).. والانسان هنا يشمل كلا من الذكور والاناث بطبيعة الحال.
كما اكدت السنة النبوية على المساواة في معاملة الذكور، فالحديث الشريف يقرر >ساووا بين اولادكم فى العطية فلو كنت مفضلا احدا لفضلت النساء<. والمساواة في العطاء تمتد من تربية الاطفال ورعايتهم الى اتاحة الفرص المتكافئة لهم نموا وعملا ومشاركة من خلال ما يتمتعون به من حقوق وما يتحملونه من مسؤوليات، ويقرر الرسول# هذه المساواة بين الذكر والانثى بنصيحته للنساء اللائي جئن لمبايعته يوم فتح مكة : >من كانت له انثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها ادخله الله الجنة<.
اعطت الشريعة الاسلامية المراة حرية الاختيار والقرار وحق التعرف على من يريد ان يتزوجها، ومع ان الاسلام قد استهجن الطلاق وجعله ابغض الحلال، الا انه لم يقصر الحق فيه على الرجل، كما يجري الفهم القائم على تقاليد واعراف اجتماعية، وهكذا فان المساواة كاملة في انعقاد الزواج وفي تفريقه بين المراة والرجل.
والخلاصة ان الاسلام يرسي قاعدة مكينة لمكانة المراة بالنسبة لكرامتها ولمساواتها بالرجل ولحقها في المشاركة الفعلية العريضة في شؤون الحياة، كما فعلت كثير من فضليات النساء في كثير من حقب التاريخ.
مساهمة المراة في التنمية الاجتماعية والثقافية :
يرجع اهتمامنا بالدور الاجتماعي والثقافي للمراة الى ايماننا بالبيئة التي يعيش فيها الطفل في السنوات الاولى من عمره، وعلى نموه مستقبلا، فالمراة تلعب دورا رئيسا في تنمية الموارد البشرية الصغيرة، فالاسرة هي المؤسسة التربوية الاولى لتربية الطفل وتنشئته، فيها يوضع حجر الاساس التربوي حيث يكون الطفل عجينة طيعة يتقبل التوجيه ويتعوده ويلتقط ما يدور حوله من صور وعادات وتقاليد وثقافة البيئة التي يعيش فيها، وفيها ايضا يتعلم مبادئ الحياة الاجتماعية والمعارف والعادات الصحية السليمة.
ورعاية المراة لابنائها تبدا قبل ميلادهم، وذلك من خلال اختيارها التغذية السليمة المتكاملة التي تفيد صحتها اثناء الحمل والرضاعة، وذلك وقاية وحماية للاطفال، حتى لا يتعرضون في هذه المرحلة الى تاخر النمو او قلة الحيوية ونقص المناعة، وزيادة القابلية للامراض المعدية، ليعيشوا رجالا اصحاء اقوياء.
وتنمي المراة طاقات ابنائها عن طريق اشراكهم في ممارسة الرياضة، وكذلك تنمية الوعي الفكري والثقافي لديهم، وتوعيتهم دينيا وسياسيا حتى لا يقعوا فريسة لموجات التطرف، وترسخ فيهم القيم والسلوك والعادات الاسلامية المطلوبة، وهذه التنمية والتربية تقوم على اساس المساواة بين الذكور والاناث، فكل ما يتلقاه الطفل من عناية ورعاية وتنمية في السنوات الاولى من عمره يشكل اقصى حد ما سيكون عليه عند بلوغه. ودور المراة لا ينحصر في ذلك فقط بل يتعداه الى ما تقوم به من اعمال الاقتصاد المنزلي الخاصة بترتيب المنزل وتنظيفه، وتصنيع الغذاء، وتوزيع دخل الاسرة على بنود الانفاق المنزلي، كما انها في بعض الاحيان تتحمل المسؤولية كاملة في حالة غياب الزوج او وفاته، هذا بالاضافة الى عملها خارج المنزل.
وتعتمد درجة اسهامات المراة الاجتماعية والثقافية على مدى الخدمات المقدمة من المجتمع التي تساعدها على القيام بهذه الادوار، وتتمثل في منشات للخدمات الاجتماعية كالوحدات الاجتماعية، ودور الحضانة، ومراكز التدريب والتكوين المهني، ومكاتب التوجيه والاستشارات الاسرية، ومراكز الخدمات الصحية المتمثلة في المستشفيات العامة ومستشفيات الولادة، ومراكز رعاية الطفولة والامومة، والمستوصفات، ومراكز تنظيم الاسرة، ومنشات الخدمات الثقافية التي تمثلت في وسائل الاعلام، والمكتبات، والاندية الرياضية والاجتماعية.
وليست المراة في حاجة الى الخدمات فقط، ولكنها في حاجة ايضا الى اعدادها الاعداد الجيد وتمكينها من القيام بكل هذه الاسهامات، فاذا كان المجتمع يريد الاستفادة من مساهمة النساء كاملة في التنمية، فعليه ان يساعدهن على اداء دورهن بالاعداد والاجراءات التي تساعدهن على تحمل مسؤوليتهن، ويتضمن هذا الاعداد المامهن بالمعلومات الكافية في النواحي الصحية والثقافية والبيئية، كما يتضمن هذا الاعداد تنمية مهاراتهن على استخدام هذه المعلومات في كل نواحي الحياة، وتدعيم اتجاهاتهن، وايمانهن باهمية دورهن في تنمية مجتمعهن وتنمية الوعي الثقافي لديهن لتتعرفن على ما يدور حولهن في العالم المحلي والخارجي، ولتعرفن حقوقهن وواجباتهن، وهذا لا يتاتى الا عن طريق المزيد من الخدمات التعليمية والبرامج الثقافية المقدمة للمراة.
تطور الاوضاع الاجتماعية والثقافية للمراة في بلدان العالم الاسلامي :
منذ العقد العالمي للمراة (1985-1975)، بدات الحكومات تهتم باوضاع المراة في كافة المجالات وتعمل على تحسينها، وتمكين المراة من المشاركة الفعالة في جميع مجالات الحياة، واستهدفت العقود الماضية في معظم البلدان الاسلاميةالتوسع في نطاق الخدمات الاجتماعية ومرافق البنية الاساسية وتوسيع نطاق التماسك الاجتماعي والمزيد من التحسينات في كافة جوانب الرفاه الاجتماعي.
وبذلت الحكومات المركزية في معظم هذه البلدان جهودا كبيرة لتوسيع نطاق حصول جميع الاطفال على خدمات التعليم الاساسي، كما وسعت في الوقت نفسه فرص الحصول عليه بالمجان لجميع الاطفال، وعملت على رفع مستوى تعليم البنات لايمان هذه المجتمعات ان تعليم البنات هو الاستثمار الوحيد الاكثر فاعلية سواء عملت المراة خارج البيت ام لم تعمل، فهو يعود بمجموعة من المنافع الايجابية على افراد الاسرة وتحسين اوضاعها الصحية والغذائية، وتحسين فترات الحمل والولادة، وتخفيض معدلات وفيات الاطفال واصابتهم بالامراض، بالاضافة الى تحسين مستوى تعليم الاطفال، ويؤكد هذا تقرير التنمية البشرية لعام 2000، فهو يركز على الصحة والتغذية والتعليم لا لقيمتهما فحسب، بل ايضا لتاثيراتها الايجابية المباشرة وغير المباشرة على راس المال البشري والانتاجية والقدرة على المشاركة والتفاعل الاجتماعي. ولنتامل تاثيرات التعليم، فالعنف المنزلي لايتاثر بعدد سنوات الزواج او عمر المراة وترتيبات المعيشة او تعليم الزوج، وانما تتاثر بتعليم المراة، فقد لوحظ في الهند اذا كانت المراة قد نالت تعليما ثانويا فان معدل حدوث هذا العنف ينخفض باكثر من الثلثين.
ولقد حققت البلدان النامية ومعظمها من دول العالم الاسلامي الكثير فيما يتعلق بالغذاء والصحة والتعليم، ففي الفترة من عام 1980 الى عام 1999 انخفضت نسبة سوء التغذية ونسبة الاطفال ناقصي الوزن من 37% الى 27%، وخلال الفترة نفسها انخفض معدل الوفيات بين الاطفال باكثر من 50%، فبعد ان كانت 168 حالة لكل الف مولود اصبحت 93 حالة. وخلال الفترة من 1970 الى عام 1999 زادت نسبة من يحصلون على مياه صالحة للشرب في المناطق الريفية في العالم النامي اكثر من اربع مرات، اذ ارتفعت من 13% الى 71%(15).
واهتمت مصر بصحة المراة وتبنت مفهوم الصحة الانجابية، وكان هذا بناء على توصيات المؤتمر الدولي للسكان والتنمية بالقاهرة 1994 الذي نص على ان مبادئ المساواة بين الجنسين، وحق المراة في الصحة الانجابية حيويان للتنمية البشرية.
ويعني مفهوم الصحة الانجابية تقديم الخدمات التى تحتاجها المراة بين فترات الحمل والولادة، مع الاهتمام بالصحة النفسية والاجتماعية للمراة، وهذا المفهوم يتجاوز مرحلة العمر الانجابي ويبدا بالطفولة ويستمر الى المراهقة والشباب والنضج وحتى بعد انقطاع الدورة الشهرية للمراة، وبذلك اصبحت المراة في مصر هدفا لمجموعة من المساعدات والخدمات الصحية والنفسية والاجتماعية في فترات عمرها المختلفة واثناء الحمل والولادة وما بينهما، وانعكس هذا الوضع على تونس ايضا فهي من بلدان شمال افريقيا بالغة الاهتمام بالنهوض بالمراة. وتجاوبت ايران مع قضايا العصر ووافقت على تنفيذ برامج واسعة لتحديد النسل في سبيل بناء دولة عصرية، وفرضت على كل المقبلين على الزواج من الجنسين ابتداء من عام 1994 ضرورة الانتظام في محاضرات ودروس تنظيم الاسرة قبل الزواج، واصدرت فتوى تبيح تنظيم الاسرة وتعقيم النساء والرجال للحد من النسل، وحدت من الزواج المبكر للفتيات: والجدول التالي يوضح بعض المؤشرات الصحية في بعض بلدان العالم الاسلامي.
مؤشرات الاوضاع الصحية في بعض بلدان العالم الاسلامي(*)
وبالنسبة للخدمات التعليمية، فقد انخفضت الامية في الدول النامية بحوالي النصف، حيث زاد معدل معرفة القراءة والكتابة بين البالغين بمقدار النصف : من 48% في عام 1970 الى 72% عام 1998، وزادت نسبة القيد الصافية في المرحلتين الابتدائية والثانوية معا من 50% عام 1970 الى 72% عام 1998(16).
وفي مصر ارتفعت نسبة القيد الصافي للصف الاول الابتدائي من 75.12% عام 92/1993 الى 86.81% عام 98/1999، وكانت نسبة القيد للاناث 45.7% عام 92/1993، وارتفعت الى 48% لعام 98/1999، اي ان نسبة الملتحقات من الاناث بالصف الاول تقترب من نسبة تمثيل الاناث في المجتمع المصري 49% تقريبا حسب احصاء عام 1996.
وهذا يعد احد المؤشرات الهامة الدالة على تحقيق تكافؤ الفرص التعليمية وان قضية النوع في التعليم اوشكت على الانتهاء.
اما بالنسبة للاناث البالغات، فقد انخفضت الامية بينهن من 61.8% عام 1986 الى 43.4% عام 1999(17).
وفي عام 1998 كانت ايران واحدة من 10 دول في العالم تخلصت من الفجوة الخطيرة في الفرق بين تعليم الاولاد والبنات، ووجدت 95% من البنات اماكن لهن في المدارس الابتدائية والاعدادية، وبلغت نسبة طالبات الجامعة حوالي 40% من حجم الطلبة في التعليم العالي، واقتصرت 30% من الكليات على البنات فقط(18).
مؤشرات الاوضاع التعليمية للمراة في بعض بلدان العالم الاسلامي(*)
اما بالنسبة لاوضاع المراة داخل الاسرة، فليس لدينا اي مؤشرات او احصائيات عن دور المراة في عملية صناعة القرار في الاسرة، الا ان هناك بعض الدراسات عن المراة المصرية في الريف والحضر تؤكد ان المراة تساهم في صناعة القرارات الخاصة باسرتها، وان هذه المساهمة تتضح في بعض المجالات المختلفة كمشاركتها في القرارات الخاصة بتحديد مصادر الدخل، وتوزيع الميزانية على بنود الانفاق والادخار، وزواج الابناء وتنظيم الاسرة، وتحديد حجمها. واوضحت الدراسات ايضا ان قوة المراة في صناعة القرار تتاثر بعوامل كثيرة من اهمها التعليم، ومشاركتها في قوة العمل، والمكانة الاجتماعية لاسرة النشاة التي قدمت منها.
وتشير ايضا احدى الدراسات عن تنظيم الاسرة وسلطة المراة في المجتمع الحضري بالمملكة العربية السعودية الى ان المراة في المجتمعات العربية تتمتع بسلطة غير رسمية، وانها تمارس سيطرة قوية على قرارات اقاربها الاقربين بالنسبة لشؤون الزواج، وقد عزز هذه السلطة غير الرسمية للمراة في الاسر موضع الدراسة، سفرها المتكرر للخارج، واقامتها الطويلة بعيدا عن الوطن ودراسة ابنائها بالمدارس الاجنبية. اما الكويت فتمثل مكانة الصدارة بين بلدان الخليج فيما يتعلق بالحرية والمكانة الاجتماعية التي تتمتع بها المراة.
اما المراة فى منطقة شمال افريقيا (تونس والجزائر والمغرب) فقد اكتسبت قدرا من السلطة داخل اطار الاسرة، وذلك نتيجة لدخول المراة مجال العمل خارج البيت، ولاستقلالها الاقتصادي، وقد اسفر هذا عن تغير في الاوضاع الاجتماعية والثقافية للنساء، وتمثل ذلك في اختيارهن للزوج، وارتفاع سن الزواج، وتحديد حجم الاسرة.
وابتداء من عام 1994 تصاعدت ضغوط الحركة النسائية في ايران لتغيير قوانين العمل وحضانة الاطفال. وارتفع مستوى الوعي الثقافي للمراة في البلدان الاسلامية، وذلك استنادا الى التطورات والتغيرات التي طرات على العالم بصفة عامة ،والعالم الاسلامي بصفة خاصة، من تطور تكنولوجي واتساع نطاق الاتصال بين الناس، وتحسين سبل النقل والمواصلات، كل ذلك مهد لاحداث تغير في ثقافات المراة التي كانت تنصب على العادات والتقاليد. فارتبط مستوى الوعي الثقافي بالتعليم، حيث ان المراة كلما نالت قسطا اكبر من التعليم، كانت اكثر قدرة على فهم وادراك ما تبث لها وسائل الاعلام، واكثر وعيا بحقوقها التي شرعتها لها الدولة، وكذلك كانت اكثر وعيا بما يدور في عالمها المحلي والعالمي من تغيرات وتحولات.
ولقد وثقت دراسات كثيرة الصلات السببية بين الغذاء والتغذية والاسكان والصرف الصحي والرعاية الصحية والتعليم، فعلى سبيل المثال تقلل الصحة الجيدة الاحتياجات الى الغذاء، وتزيد استخدامه الفعال في التغذية، كما ان التحصيل التعليمي الاعلى يكون له اثر تكميلي مماثل على التغذية، ويتضح من مجموعة كبيرة من الادلة، ان ارتفاع مستوى تثقيف الامهات يحسن الوضع الغذائي للاطفال، ويتبين من دراسة اجريت في جنوب اسيا، ان معدل نقص التغذية يقل بما يصل الى 20% بين اطفال النساء اللاتي لم يتجاوز تعليمهن المرحلة الابتدائية مقارنة باطفال الامهات الاميات(19).
وفي هذا المجال ايضا هناك مجموعة من العوامل تساعد في تنمية الوعي الثقافي لدى المراة، وتتحد هذه العوامل مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تتمثل في ارتفاع مستويات الدخل، وتنوع المهن والانشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
كما تلعب وسائل الاتصال والاعلام ومدى اقتنائها، دورا هاما في زيادة انفتاح المراة على ثقافات جديدة وفي سرعة تدفق المعلومات والمعارف كما هو موضح بالجدول التالى :
الجدول يبين اوضاع الثقافة والاتصال في بعض دول العالم الاسلامي(*)
ونستخلص ان المراة المسلمة واسعة الثقافة هي التي تسعى الى احداث التغيرات في اوضاع المراة المسلمة، وتحقيق المساواة الكاملة في الحقوق، بعد تزايد مشاركة المراة في مختلف ميادين الحياة، وعملها خارج المنزل، بالاضافة الى ارتفاع مستواها الاجتماعي وبروزها في عالم الاعمال يشكلان واحدا من ابرز واهم القوى العاملة في احداث التغيير.
ثالثا : الدور السياسي :
الاسلام وحقوق المراة السياسية :
انصف الاسلام المراة، ورفع عنها الظلم والحيف وما عانته من تمييز في العصور السابقة على نزول القران. وكان من اثر ذلك، الاعتراف بحقها في المشاركة في تدبير شؤون المجتمع كافة، اقتصادية واجتماعية وقانونية. واصبح لها شان في المجال السياسي، حيث تستشار في الامور كلها، اكانت ادارية او حربية، بل وتشارك الى جنب اخيها الرجل سواء بسواء في تسيير شؤون المجتمع وتدبيرها.
واستمرت المراة بعد ذلك تواصل اثبات وجودها داخل المجتمع، وشاركت بقوة في الحياة العامة، وساهمت في نشر الدعوة ايضا. ويؤكد هذا الامر الدكتور مصطفى الشكعة بقوله : >لقد حرر الاسلام المراة اولا ثم اقر مكانتها فادت دورها باكمل وجه. واسهمت بجهدها قولا وفكرا وعملا وتطبيقا، وواجهت الخلفاء والملوك بالقول الساطع البيان<.
كذلك فان الشيخ محمد الغزالي اكد في كتابه “السنة النبوية بين اهل الفكر واهل الحديث”، على حق المراة في تولي القيادة، ودخولها العمل السياسي حيث يقول : يجوز ان تتولى المراة المسلمة رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، فمسالة ولاية المراة للحكم ليست من اختراعي وانما قال بها من قبل عدد من الائمة من بينهم ابن حزم وابن جرير الطبري، والدين الاسلامي لم يمانع في ان تكون المراة زعيمة سياسية وقد اباح لها الحق تولي امور القضاء.
في هذا المجال سوف نتوقف عند السيدة عائشة ام المؤمنين وزوجة الرسول عليه الصلاة والسلام ودورها السياسي كنموذج للزعامة السياسية.
فلقد تجلى الموقف السياسي للسيدة عائشة، رضي الله عنها، حين وقفت في صف معارضي الامام علي بن ابي طالب، رضي الله عنه، خليفة المسلمين بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، رضي الله عنه. وكانت السيدة عائشة من اعلم النساء المؤمنات ببواطن الامور، وكثيرا ما كانت تشارك بالراي في علاج اخطر الامور التي تعرضت لها الدولة الاسلامية، واستطاعت ان تروي اكثر من الف حديث صحيح.
المراة والمشاركة في الحياة العامة
قامت المراة بادوار نضالية من اجل استقلال بلدان العالم الاسلامي من السيطرة الاجنبية، كما انها حملت السلاح في صفوف المقاتلين، وما زالت تقوم بدورها النضالي في الكفاح المسلح للشعب الفلسطينى من اجل استرداد حقوقه من العدو الصهيوني. وهناك صفحات مشرقة للمراة في تاريخ الحركات الوطنية الحديثة. ومع ظهور الاتحادات النسائية والمطالبة بالحقوق السياسية، اكتسبت المراة حق التصويت والترشح للمجالس التشريعية في العديد من الدول، وتولت في بعضها مناصب عليا في السلطة التنفيذية. ومع ذلك فان مشاركة المراة في الحياة السياسية في البلدان الاسلامية تتراوح بين المد والجزر، وذلك يتوقف على عدة عوامل داخلية وخارجية. وبالرغم من الستار الذي فرضته التقاليد على النساء، فقد برز عدد منهن كعائشة التيمورية التي غدت شاعرة واديبة. وملك ناصف او باحثة البادية التي كان لها دور بارز في ميدان المشاركة السياسية، ووضعت كتابا بعنوان “حقوق النساء” واهم ما اشارت اليه في هذا الكتاب حق المراة في الانتخاب.
ونذرت نبوية موسى حياتها لتعليم المراة، وبرهنت على قدرة المراة على تولي المناصب العليا، حيث نجحت في الوصول الى ارقى المناصب التربوية بوزارة المعارف، ونجحت في اصدار مجلة الفتاة الاسبوعية 1937، ولها كتاب “المراة والعمل”. وحين نسير مع نيل المراة لحقوقها المدنية والسياسية في مطلع العصر الحديث، نتوقف عند ثورة 1919 في مصر التي شاركت فيها المراة بنصيب كبير. ولقد ارتبطت هذه المشاركة الفعالة من جانب المراة في الاحداث السياسية المرتبطة بثورة 1919 بالتطلع الفعلي الى التعليم.
لقد حرصت المراة المصرية منذ عام 1907 على المشاركة في المؤتمرات السياسية داخل مصر وخارجها، حيث حضرت السيدة انشراح شوقي مؤتمر بروكسل 1910، الذى دعا اليه الزعيم محمد فريد من اجل نصرة القضية المصرية. وسقطت اول شهيدة مصرية للثورة في العصر الحديث وهي السيدة حميدة خليل في ثورة 1919(20).
ولقد اعترف سعد زغلول زعيم الثورة في مذكراته بدور المراة السياسي في ثورة 1919، وكانت مثالا للمصري الذي جاهد من اجل بلاده.
كما كان دور السيدة صفية زغلول مثالا للمراة المصرية التي تصدت لمواصلة الثورة حتى بعد نفي زوجها سعد زغلول، لقد كانت تساند سعد زغلول في نشاطه السياسي حتى بعد نفيه خارج مصر، حيث كانت تجتمع مع زعماء الوفد في بيت الامة.
وكما ساهمت المراة المصرية في اشعال الثورات وعلى الاخص في ثورة 1919 مناضلة وشهيدة، كذلك ساندت المراة السورية الثورة السورية، كما شاركت المراة الجزائرية في ثورة الجزائر، وقبلها ساهمت المراة العراقية بنقض معاهدة بورتسموت، ثم المراة الفلسطينية في مقاومة الاحتلال البريطانى، ثم بعده مقاومة الاحتلال الصهيوني.
لقد ارتبط ظهور المراة الجزائرية في الساحة السياسية بالكفاح ضد الاستعمار الفرنسي عام 1832، وخرجت في مظاهرة عام 1939، اما المراة الفلسطينية فقد واكبت ايضا الحركات النضالية التي قام بها الشعب الفلسطينى ضد الانتداب البريطاني ابتداء من عام 1920، ويعد عام 1929 هو بداية انطلاق المراة الفلسطينية في عالم السياسة والمشاركة في شؤون بلادها(21).
ثم على ارض السودان حيث كافحت المراة السودانية طويلا في سبيل تشكيل اتحادها النسائي. كذلك المراة على ارض اليمن التي نجحت في تكوين تنظيمها النسائي المستقل عام 1974(22).
وبانتهاء عصر الكفاح المسلح ضد الاستعمار، ما عدا في فلسطين، واصلت المراة كفاحها، فقصدت العديد من الندوات والمؤتمرات، ففي عام 1974 عقد في بيروت مؤتمر نسائي تحت شعار “وضع المراة العربية في دساتير الاقطار العربية” اشترك فيه ممثلون من 12 دولة، ناقش خلاله المؤتمر قضية المراة والعمل السياسي واصدر عدة توصيات على راسها : ضرورة مساواة المراة بالرجل والاعتراف بحقها في المجال النقابي والسياسي(23).
وفي عام 1975 عقد في بغداد مؤتمر حول “العمل للمراة”. وفي سوريا وبناء على توصيات احد المؤتمرات النسائية عام 1971، قررت الحكومة ولاول مرة منح المراة حق الانتخاب والترشيح(24).
اما في الكويت وفي عام 1973، اعلنت الحكومة مساواة الرجل بالمراة في اجور العمل والاجازات(25).
العوامل التي تؤثر في معدلات مشاركة المراة في التنمية
تشير معظم البحوث والدراسات التي اجريت في هذا الصدد الى ان عوامل عديدة تؤثر في معدلات مساهمة المراة في عملية التنمية الشاملة، وهي عوامل مرتبطة بعدة ابعاد منها الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، باعتبار ان واقع المراة هو نتاج لتفاعل هذه الابعاد، واهم هذه العوامل ما يلي :
1. عوامل التشريع :
وهي كل ما تتخذه المجتمعات من سياسات واجراءات لتطوير النظم المجتمعية التي تحدد الحقوق والواجبات، وتنظم العلاقات بين الدولة والمواطن. ويتمثل ذلك في اصدار تشريعات وقوانين تمكن المراة وتمنحها القدرة لكي تمارس ادوارها المنوطة بها في المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، كحق المراة في الانتخاب والترشيح، واتاحة الفرصة امامها كي تنضم الى التنظيمات السياسية والجمعيات التطوعية، حتى تستطيع ان تمارس انشطتها الاجتماعية، واتاحة الفرصة امامها بان تتقلد المناصب القيادية العليا في المجتمع.
وقد بلغ عدد النساء اللاتي دخلن البرلمان المصري عام 2000، (11) سيدة، وبلغت نسبة النساء اللاتي وصلن الى المناصب القيادية عام 1998، 9.4%(26).
ومنحت الام المصرية التي تعمل اجازة ثلاثة شهور براتب كامل اذا وضعت مولودا، واجازة ست سنوات بربع مرتب لرعاية اطفالها على مدى حياتها الوظيفية.
وفى سوريا منحت المراة حق الانتخاب والترشيح، واشتركت النساء للمرة الاولى عام 1971 في الانتخابات، ومنحت المراة اجازة اربعين يوما للامومة براتب كامل، وصدر مرسوم بانشاء الاتحاد النسائي العام للاهداف التالية :
رفع المستوى الثقافي للمراة.
توفير الشروط للمراة لتقوم بالتزاماتها، واهمها واجب الامومة والطفولة عن وعي وعلم، ودفعها لتقوم بالعمل في سائر المجالات كالرجل.
وفي ايران اعلنت الحكومة تاييدها لاشتراك المراة الايرانية في الشؤون الاجتماعية والسياسية، وبدا صدى الحركة النسائية واضحا في جميع مجالات الحياة، ففي المجال السياسي فازت 14 امراة بمقاعد نيابية في الانتخابات البرلمانية، وهو رقم يفوق عدد النساء الاعضاء في مجلس الشيوخ الامريكي حاليا، وتقدمت 4 سيدات للترشيح في انتخابات الرئاسة عام 1997، ودخلن في منافسة مع السيد محمد خاتمي نفسه(27).
واذا كانت بعض هذه التشريعات والقوانين قد اتاحت فرصا متكافئة للرجل كما هو الحال في قوانين التعليم، وبعض قوانين العمل، الا ان هناك بعض التشريعات الاخرى في حاجة الى الالتزام بتطبيقها. وهذا يبدو واضحا في التشريعات والقوانين للاحوال الشخصية وبعض قوانين العمل، فهناك هوة كبيرة بين القانون وواقع المراة، وايضا يوجد تفاوت في التشريعات بين الدول الاسلامية والعربية، ويظهر هذا التفاوت في قوانين الحقوق الاجتماعية، فيما يتصل بمدة واجر اجازة الامومة للمراة، وتطبيق قوانين تلزم اصحاب العمل بانشاء دور الحضانة، وايضا فيما يتعلق بقانون الحصول على الطلاق. ومما لاشك فيه ان هذه التشريعات ضرورية لكي تقوم المراة بدور فعال في انماء المجتمع وذلك بحصولها على حقوقها السياسية والاجتماعية، وخروجها الى مجال العمل متساوية في ذلك مع الرجل.
2. التعليم والتدريب :
لاشك ان التعليم يسهم في تغيير اوضاع المراة بشكل كبير، ويضمن لها مستقبلا افضل. ويتوقف مدى اسهام المراة في الانشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على ما حصلت عليه من تثقيف وتاهيل، حيث يزيد التعليم والتدريب من امكانية المراة على العمل ورفع مستوى توقعاتها في الحياة، ويخفض نسبة الخصوبة، ويزيح التقاليد الخاطئة، وهذا ما تبرزه الاحصائيات اذ تبين ان نسبة مساهمة المراة في النشاط الاقتصادي ترتفع مع ارتفاع المؤهل العلمي الذي تحصل عليه، وان انتشار التعليم والحاجة الى عمال مهرة على حد سواء للاضطلاع بالمشاريع الواسعة التي يجري تنفيذها في كل البلدان الاسلامية سوف ييسران انضمام المراة الى قوة العمل، ففي البحرين لم تشترك المراة بصورة فعالة في القوى العاملة، الا بعد ان منحت فرصة التعليم ثم العمل بمهنة التدريس ثم العمل في مجال التمريض.
لذلك نجد ان معدلات تعليم البنات في دول العالم الاسلامي قد قفزت قفزات كبيرة، فقد استطاعت بعض الدول استيعاب البنات في مرحلة التعليم الابتدائي بشكل كامل، وزادت نسبة القيد الصافية في المرحلتين الابتدائية والثانوية معا من 50% عام 1970 الى 72% في عام 1998. الا ان هذا التقدم كان متفاوتا فيما بين المناطق وفيما بين فئات المجتمع في هذه البلدان(28).
فالواقع يشير الى تفشي الامية بين الكبار والنساء من سن 15 سنة فما فوق. والامية من المشكلات الخطيرة التي تقف عائقا امام مشاركة المراة بصورة فعالة في المجتمع، وعلى الرغم من تحسن مستويات محو الامية تحسنا معتبرا في بعض البلدان العربية والاسلامية في الفترة من 1960 الى 1995، حيث تجاوزت الضعف في كل بلد بدا من اساس منخفض، لكن نظرا لزيادة معدلات محو الامية بخطى اسرع في المناطق الحضرية، فان البلدان ذات الاعداد الكبيرة من سكان المناطق الريفية (مصر، المغرب، اليمن) لديها ايضا معدلات ادنى لمحو الامية بين الكبار حوالي 50% واكثر، وبما ان معدلات محو الامية بين النساء في البلدان الاسلامية (باستثناء لبنان وايران) على الاقل ادنى بنسبة 20%، تكون الاناث في البلدان التي تغلب فيها الاوضاع الريفية كالمغرب واليمن محرومات بشكل واضح، اذ لا تستطيع القراءة والكتابة سوى امراة واحدة من كل 10 نساء في المغرب، وواحدة من كل تسع نساء في اليمن(29).
ويضاف الى مشكلة الامية مشكلة اخرى وهي التسرب، وهو رافد من روافد الامية. وتشير الاحصاءات الى ان معدلات تسرب الاناث اعلى من معدلات تسرب الذكور. وفي اليمن بلغت معدلات تسرب البنات في الصف الاول الابتدائي 31%، وبلغت 25% من مجمل اعداد التلاميذ المسجلين بالمدارس(30).
وزاد من حجم المشكلة ايضا وجود تقاليد اجتماعية في ريف بعض البلدان تدعي ان تعليم البنت لا ينبغي ان يتجاوز مستوى معينا حتى لا تجد صعوبة في الزواج مبكرا.
مما سبق يتضح ان بلدان العالم الاسلامي ما زالت في حاجة الى مزيد من الجهود من اجل توفيرالمزيد من الفرص للاناث في التعليم، وذلك بهدف تحسين الخصائص النوعية لاهم شرائح المجتمع واكثرها تاثيرا في الشرائح الاجتماعية الاخرى، وحتى تستطيع ان تضطلع بدورها المامول في منظومة التنمية.
3. التحرر من التمييز والفقر، تحقيقا للمساواة :
لا يمكن الحديث عن الرقي بوضعية المراة بدون ازالة كل اشكال التمييز التي تحد من تمكينها وادماجها في التنمية. واول شكل من اشكال التمييز هو معاناة المراة بصفة عامة، والمراة التي تعيش في المناطق الريفية والنائية بصفة خاصة، من الغبن والحرمان والفقر، مما رسخ فكرة تانيث الفقر باعتبار ان المراة اكثر فئات السكان تضررا وحرمانا وتخلفا.
لقد اظهرت الدراسات وجود صلات سببية مهمة بين بعض الحقوق من قبيل الحق في المشاركة وحرية التعبير، والحق في التحرر من التمييز والفقر. ولا يمكن ان يكون هناك دليل على اثر هذه الصلات افضل من اثر الحق فى حرية التعبير والمشاركة في الحياة السياسية على تجنب النكبات الاجتماعية الكبرى، وثمة مظاهر اخرى للصلات السببية بين الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاجتماعية والثقافية. فالتمييز ضد المراة يمكن ان يسبب لها حرمانا من حيث التغذية والصحة. ويتضح من تحليل البيانات، ان الارتفاع غير العادي في مستويات سوء التغذية والمواليد ذوي الوزن المنخفض عند الولادة لا يمكن تفسيره تفسيرا كاملا بمحددات معتادة مثل الدخل، والرعاية الصحية، وتعليم الاناث، ومعرفة الاناث بالقراءة والكتابة، وعمر الاناث عند اول زواج. فجانب من تفسير هذا الارتفاع هو التمييز ضد المراة في توزيع الغذاء والرعاية الصحية داخل الاسرة المعيشية، وهو تمييز ناجم عن كون الحقوق الاجتماعية والثقافية في المجتمع الرجولي اضعف.
ان التمييز حسب الجنس مستمر في شتى انحاء العالم ولا يزال جزءا من حياتنا.. لماذا ؟ لان الاعراف ربما تكون تغيرت ولكنها لا تتغير بالسرعة الكافية، فعدم التمييز والمساواة قد اعترف بهما رسميا في القوانين، ولكن ما زال هناك تمييز في السياسات، ومن ثم يظل التمييز وانعدام المساواة متفشيين في جميع البلدان تقريبا. ففرص الحصول على المساواة في الاجر و في العمالة وفي الحصول على الخدمات، والمساواة في المشاركة السياسية قد يعترف بها رسميا، ولكن دون انفاذ فعال للقوانين، فتظل هناك فجوات في هذه المجالات بالنسبة للمراة.
ولهذا يتعين تعلم الكثير بشان الحاجة الى التصدي لاوجه انعدام المساواة بكافة صورها، والتحرر من الفقر بالنسبة للمراة، وينبغي على الدول ان تشجع الطبقات الفقيرة لتحسين دخلها من خلال اتباع تدابير موجهة من قبل النهوض بالمشاريع الصغيرة، واتباع تدابير، لانهاء التمييز فى سوق العمل.
4. وسائل الاعلام والثقافة :
تلعب وسائل الاعلام المسموعة والمرئية والمكتوبة دورا خطيرا في تغيير الاراء والمعتقدات، وفي اعادة توجيه سلوك الافراد خاصة في الشرائح الثقافية والطبقات الاقتصادية والاجتماعية المتوسطة، حيث يسهل التاثير والتغيير في معتقداتهم وانماطهم القيمية والسلوكية السائدة.
وتنتشر اجهزة الاعلام والتثقيف بمختلف انواعها في بلدان العالم الاسلامي، وتنقل هذه القنوات في برامجها وموادها واساليب تعبيرها صورا ايجابية وقيما اجتماعية عن المراة، من حيث حرصها على التماسك والاستقرار بين افراد اسرتها، ومن حيث احترامها للعادات والتقاليد، الا اننا نجد على النقيض من ذلك العديد من المواد والبرامج الاعلامية التي قد تكرس قيما غريبة عن مجتمعاتنا الاسلامية لا تظهر من المراة الا صورة الانثى، او التي تكرس افكار الضعف النوعي والنقص الفكري والتبعية للرجل.
فعلى سبيل المثال يلاحظ ان السياسات الاعلامية الخاصة بثقافة المراة، تتناقض مع بعضها البعض، اذ تكرس العديد من البرامج الثقافية افكار المساواة في الحقوق والواجبات، وتطالب المراة بالمزيد من المشاركة في انشطة الحياة المختلفة، بينما نجد ان العديد من البرامج الدرامية تدعو المراة للاستكانة والرضا بما يمنحهن الرجال.
ونخلص من ذلك الى ان وسائل الاعلام والتثقيف المسموعة والمرئية قد لا تعكس الصورة الحقيقية للواقع الثقافي والاجتماعي للمراة، ولذلك فلابد من الاهتمام والتطوير المستمر للبرامج والمواد الاعلامية والثقافية، لانها مسؤولة مسؤولية مباشرة في هذا المجال للقيام بمهام التحفيز واعداد المجتمع للتغيير بابراز اهمية المراة، ودورها في المجتمع، وتعظيم هذا الدور من خلال الاعمال الدرامية والافلام، حتى تكون صورة عن المراة تكفل احترامها وتعظيم دورها، كما ينبغي ان تتغير مفاهيم الرجل عن المراة وان يؤمن باهمية دورها ومشاركتها في جميع مناحي الحياة.
الخلاصة :
تاسيسا على ما سبق عرضه في المبحث الرابع، نستخلص ما يلي :
– تزايد الاهتمام العالمي بقضية تنمية المراة وتمكينها من اداء ادوارها بفعالية من خلال عقد سلسلة من الندوات والمؤتمرات التي اكدت على ضرورة دعم دور المراة انطلاقا من اهمية مكانتها في المجتمع.
– ان الدين الاسلامي اعطى صورة متكاملة عن دور المراة ومكانتها في المجتمع، فالقران الكريم والحديث الشريف والتفسير والاجتهادات تعطي المراة مكانة خاصة تترجم عمليا الى تشريعات تحدد حقوقها وواجباتها.
– تشير الاحصاءات الى ان المراة المسلمة تسهم في تطوير بلدها، رغم ان نشاطها الاقتصادي اقل من نشاط النساء في البلدان المتقدمة.
– استفادت المراة في ايران، وهي من اكبر دول العالم الاسلامي، من الفرص المتاحة امامها لدخول سوق العمل، تمكنت خلالها من امتلاك 33% من حجم الوظائف في الحكومة والجهاز الاداري للدولة، وصعدت 432 امراة الى منصب مدير عام.
– ان مشاركة المراة في الحياة السياسية في الاقطار الاسلامية تتزايد يوما بعد يوم.
– ان هناك عدة عوامل تؤثر في معدلات مساهمة المراة في عملية التنمية الشاملة، ومنها التشريع، والتعليم والتدريب، التحرر من التمييز والفقر، ووسائل الاعلام والثقافة.
……………………………
(1) رفيقة سليم حمود : المراة المصرية مشكلات الحاضر وتحديات المستقبل، دار الامين، القاهرة، 1997، ص 21.
(2) المركز الاقليمي لتعليم الكبار : مؤتمر دور المراة العربية في التنمية القومية من 30-24 سبتمبر 1972، سرس الليان، التقرير النهائي، ص 7.
(3) اليونسكو : تقرير عن التربية في العالم، 2000، منشورات اليونسكو، باريس، 2000.
(4) حامد عمار : بناء الانسان العربي، مركز ابن خلدون للدراسات الانمائية، القاهرة، 1992.
(5) نادية جمال الدين : “المراة الريفية وادوارها الاجتماعية ومحدداتها”، محاضرة قدمت في ورشة العمل للقيادات النسائية في الفترة من 18 الى 30 مارس 1995، (التقرير النهائي) المركز الاقليمي لتعليم الكبار “اسفك”، سرس الليان.
(6) منظمة العمل الدولية (المكتب الاقليمي للدول العربية) : الموارد البشرية وتحديات التنمية في جمهورية مصر العربية، الجزء الثاني 1994، ص 64.
(7) البنك الدولي : التعليم في منطقة الشرق الاوسط، استراتيجية نحو التعليم من اجل التنمية، شبكة التنمية البشرية، 1998، ص 6.
(8) منظمة العمل الدولية (المكتب الاقليمي للدول العربية) : مرجع سابق، ص 72.
(9) الدراسات الاجتماعية للمراة في العالم العربي : المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1984.
(10) روبين رايت : الثورة العظمى الاخيرة، كتاب منشور في جريدة الجمهورية القاهرية، عرض وتقديم احمد البرديسي، 26 ابريل، 2000.
(11) منظمة العمل الدولية (المكتب الاقليمي للدول العربية)، مرجع سابق، ص 72.
(12) المرجع السابق، ص 69.
(13) الدراسات الاجتماعية عن المراة في العالم العربي، مرجع سابق.
(14) منظمة العمل الدولية، المكتب الاقليمي للدول العربية، مرجع سابق، ص 72.
(15) الدراسات الاجتماعية عن المراة في العالم العربي، مرجع سابق.
(16) الامم المتحدة : تقرير التنمية البشرية لعام 2000.
(17) الامم المتحدة : تقرير الامم المتحدة للتنمية البشرية لعام 2000.
(18) المؤتمر العربي الاقليمي حول التعليم للجميع : تقييم عام 2000، القاهرة، في الفترة من 24 الى 27/1/2000.
(19) روبين رايت : مرجع سابق.
(20) تقرير الامم المتحدة : مرجع سابق.
(21) حنفي المحلاوي : النساء ولعبة السياسة، القاهرة 1998، ط2 ، ص 50-47.
(22)، (2)، (3)، (4) حنفي المحلاوي : مرجع سابق.
(23) حنفي المحلاوي : مرجع سابق.
(24) تقرير الامم المتحدة : مرجع سابق.
(25) روبين رايت : الثورة العظمى الاخيرة، ثورة النساء في ايران، حلقة من كتاب منشور بجريدة الجمهورية القاهرية، عرض وتقديم احمد البرديسي، القاهرة، 26/4/2001.
(26) الامم المتحدة : تقرير التنمية البشرية لعام 2000، برنامج الامم المتحدة الانمائي، ص 4.
(27) البنك الدولي : التعليم في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، استراتيجية نحو التعليم من اجل التنمية، 1998، ص 10.
(28) البنك الدولي : مرجع سابق، ص 10.دور المراة في تنمية المجتمع
- قصة قصيره تعكس مدى تأثير ضغوط الحياه على افراد الاسره
- احصاء حول قبول عمل الام
- ادوار الام داخل البيت و خارجها
- ادوار المرأه الحيويه داخل الاسره
- الى اي مدى مكن ان تعتبر العمل سر الرقي الحضاري
- تأثير الأمهات على المجتمع
- تعبير كتابي عن خليفة ست
- دور الام في توزيع تركة الزوج على الابناء
- كيف تساهم الاسره ولا سيما الامهات في تقديم المجتمع